الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَسَعَةِ مُلْكِهِ، وَتَمْكِينِ اللَّهِ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسُلْطَانِهِ
حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رُسْتُمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، " أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ فِي بَعْضِ مَسِيرِهِ مَرَّ بِقَوْمٍ قُبُورُهُمْ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَإِذَا ثِيَابُهُمْ لَوْنٌ وَاحِدٌ، وَرِقَاعُهَا وَاحِدَةٌ، وَإِذَا هُمْ رِجَالٌ كُلُّهُمْ لَيْسَ فِيهِمُ امْرَأَةٌ، فَتَوَسَّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسِيرِي قَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَوَصَفَ لَهُ مَا رَأَى مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَمَّا هَذِهِ الْقُبُورُ الَّتِي عَلَى أَبْوَابِنَا، فَإِنَّا جَعَلْنَاهَا مَوْعِظَةً لِقُلُوبِنَا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ أَحَدِنَا الدُّنْيَا فَيَخْرُجُ، فَيَرَى الْقُبُورَ، فَيَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: إِلَى هَذَا الْمَصِيرِ، وَإِلَيْهَا صَارَ مَنْ قَبْلِي، وَأَمَّا هَذِهِ الثِّيَابُ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ الرَّجُلُ يَلْبَسُ ثِيَابًا أَحْسَنَ مِنْ ثِيَابِ صَاحِبِهِ إِلَّا رَأَى فَضْلًا عَلَى جَلِيسِهِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّكُمْ رِجَالٌ كُلُّكُمْ لَيْسَ مَعَكُمْ نِسَاءٌ فَلَعَمْرِي، فَلَقَدْ خُلِقْنَا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
⦗ص: 1444⦘
، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يُشْغَلُ بِشَيْءٍ إِلَّا اشْتَغَلَ بِهِ، فَجَعَلْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَّنَا فِي قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَّا، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ مَا يُرِيدُ الرَّجُلَ أَتَاهَا، فَكَانَ مَعَهَا اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا هَاهُنَا، وَإِنَّا جَعَلْنَا هَذِهِ لِلْعِبَادَةِ. قَالَ: فَمَا كُنْتُ لِأَعِظُكُمْ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا وَعَظْتُمْ بِهِ أَنْفُسَكُمْ، سَلْنِي مَا شِئْتَ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ. قَالَ: مَا أَسْأَلُكَ وَأَنْتَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا؟ قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ آتَانِيَ اللَّهُ عز وجل مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا؟ قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي مَا لَمْ يُقَدَّرْ إِلَيَّ، وَلَا تَصْرِفُ مَا قَدَّرَهُ عَلِيَّ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:«كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَلِكًا» . قِيلَ: لِمَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ قَالَ: " اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَلَكَ الرُّومَ وَفَارِسَ، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي رَأْسِهِ شِبْهُ الْقَرْنَيْنِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:«خَرَجَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنَ الرُّومِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:«إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ فِيمَا مَكَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِيمَا سَارَ مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا إِلَى السَّدِّ، كَانَ إِذَا نُصِرَ عَلَى أُمَّةٍ أَخَذَ مِنْهَا جَيْشًا، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى أُمَّةٍ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا فَتَحَ اللَّهُ وَرَاءَ ذَلِكَ الْجَيْشِ أَخَذَ مِنْ أُخْرَى الَّذِي يَفْتَحُ لَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَهُ الَّذِي يُرِيدُ، فَأَتَى عَلَى أُمَمٍ مِنَ الْأُمَمِ» فَذَكَرَ نَحْوَ الَّذِي بَعْدَهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: " إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَتَى عَلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ النَّاسُ بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ قَدِ احْتَفُرُوا قُبُورًا، فَإِذَا أَصْبَحُوا تَعَاهَدُوا تِلْكَ الْقُبُورَ، فَكَنَسُوهَا وَصَلُّوا عِنْدَهَا، وَرَعَوُا الْبَقْلَ كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ، وَقَدْ قُيِّضَ لَهُمْ مَعَاشٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَأَرْسَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى مَلِكِهِمْ: أَجِبِ الْمَلِكَ ذَا الْقَرْنَيْنِ. فَقَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَأَقْبَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لَتَأْتِيَنِّي، فَأَبَيْتَ فَهَا أَنَا قَدْ جِئْتُكَ. فَقَالَ لَهُ: لَوْ كَانَتْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ لَأَتَيْتُكَ. فَقَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي رَأَيْتُ، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْأُمَمِ عَلَيْهَا؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَكُمْ دُنْيَا وَلَا شَيْءٌ، أَمَا اتَّخَذْتُمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهمَا؟ فَقَالُوا: إِنَّمَا كَرِهْنَاهُمَا، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ مِنْهُمَا شَيْئًا إِلَّا تَاقَتْ نَفْسُهُ وَدَعَتْهُ إِلَى أَفْضَلَ مِنْهُمَا. قَالَ: مَا بَالَكُمُ احْتَفَرْتُمْ قُبُورًا، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ تَعَاهَدْتُمُوهَا، فَكَنَسْتُمُوهَا وَصَلَّيْتُمْ عِنْدَهَا؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهَا، فَأَمَّلْنَا الدُّنْيَا مَنَعَتْنَا قُبُورُنَا مِنَ الْأَمَلِ. قَالَ: أَرَاكُمْ لَا طَعَامَ لَكُمْ إِلَّا الْبَقْلُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا اتَّخَذْتُمُ الْبَهَائِمَ مِنَ الْأَنْعَامِ مَا حَلَبْتُمُوهَا وَرَكِبْتُمُوهَا، وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا؟ فَقَالُوا: كَرِهْنَا أَنْ نَجْعَلَ بُطُونَنَا لَهَا قُبُورًا، وَرَأَيْنَا أَنَّ فِي نَبَاتِ الْأَرْضِ بَلَاغًا، وَإِنَّمَا يَكْفِي ابْنَ آدَمَ أَدْنَى الْعَيْشِ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنَّ مَا جَاوَزَ الْحَنَكَ مِنْهُ لَمْ نَجِدْ لَهُ طَعْمًا كَائِنًا مَا كَانَ مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ تَنَاوَلَ مَلِكٌ تِلْكَ الْأُمَّةَ بِيَدِهِ خَلْفَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَتَنَاوَلَ جُمْجُمَةً فَقَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: لَا، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ سُلْطَانًا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَغَشَمَ وَظَلَمَ، وَعَتَا، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عز وجل ذَلِكَ حَسَمَهُ بِالْمَوْتِ، فَصَارَ
كَالْحَجَرِ الْمُلْقَى قَدْ أَحْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى يَجْزِيَهُ فِي آخِرَتِهِ، ثُمَّ تَنَاوَلَ جُمْجُمَةً أُخْرَى بَالِيَةً فَقَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، أَتَدْرِي مَنْ هَذَا قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: مَلِكٌ مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ قَدْ كَانَ يَرَى مَا يَصْنَعُ الَّذِي قَبْلَهُ بِالنَّاسِ مِنَ الظُّلْمِ، وَالْغَشْمِ، وَالتَّجَبُّرِ فَتَوَاضعَ لِلَّهِ وَخَشَعَ لِلَّهِ، وَعَمِلَ بِالْعَدْلِ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَصَارَ كَمَا تَرَى قَدْ أَحْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى يَجْزِيَهُ فِي آخِرَتِهِ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى جُمْجُمَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: وَهَذِهِ الْجُمْجُمَةُ كَأَنْ قَدْ كَانَتْ كَهَاتَيْنِ، فَانْظُرْ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ مَا أَنْتَ صَانِعٌ. فَقَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: هَلْ لَكَ فِي صُحْبَتِي، فَأَتَّخِذَكَ أَخًا وَوَزِيرًا، وَشَرِيكًا فِيمَا آتَانِيَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ قَالَ: مَا أَصْلُحُ أَنَا وَأَنْتَ فِي مَكَانٍ، وَلَا أَنْ نَكُونَ جَمِيعًا. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: وَلِمَ؟ قَالَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَكَ عَدُوٌّ وَلِي صَدِيقٌ. قَالَ: وَعَمَّ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُعَادُونَكَ لِمَا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْمُلْكِ وَالْمَالِ، وَلَا أَجِدُ أَحَدًا يُعَادِينِي لِرَفْضِي ذَلِكَ، وَلِمَا عِنْدِي مِنَ الْحَاجَةِ وَقِلَّةِ الشَّيْءِ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ عَصًا يُقَلِّبُ عِظَامَ الْمَوْتَى، وَكَانَ إِذَا أَتَى مَكَانًا أَتَاهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَسَأَلُوهُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَعَجِبَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَأْتِنِي وَلَمْ تَسْأَلْنِي؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، وَعَلِمْتُ أَنَّكَ إِنْ يَكُنْ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ سَتَأْتِينِي، قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تُقَلِّبُ؟ قَالَ: عِظَامُ الْمَوْتَى، هَذَا عَمَلِي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ الشَّرِيفَ مِنَ الْوَضِيعِ، فَقَدِ اشْتَبَهُوا عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ
ذُو الْقَرْنَيْنِ: هَلْ لَكَ أَنْ تَصْحَبَنِي وَتَكُونَ مَعِي؟ قَالَ: إِنْ ضَمِنْتَ لِي أَمْرًا صَحِبْتُكَ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَمْنَعُنِي مِنَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ بِي. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي صُحْبَتِكَ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ " ذَا الْقَرْنَيْنِ فِي بَعْضِ مَسِيرِهِ دَخَلَ مَدِينَةً، فَاسْتَكَفَّ عَلَيْهِ أَهْلُهَا يَنْظُرُونَ إِلَى مَوْكِبِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَعِنْدَ بَابِهَا شَيْخٌ عَلَى عَمَلٍ لَهُ، فَمَرَّ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ الشَّيْخُ، فَعَجِبَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ اسْتَكَفَّ عَلِيَّ النَّاسُ، وَنَظَرُوا إِلَى مَوْكِبِي، فَمَا شَأْنُكَ أَنْتَ؟ قَالَ: لَمْ يُعْجِبْنِي مَا أَنْتَ فِيهِ، إِنِّي رَأَيْتُ مَلِكًا مَاتَ فِي يَوْمٍ هُوَ وَمِسْكِينٌ، وَلِمَوْتَانَا مَوْضِعٌ يُجْعَلُونَ فِيهِ، فَأُدْخِلَا جَمِيعًا، فَاطَّلَعْتُهُمَا بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَدْ تَغَيَّرَتْ أَكْفَانُهُمَا، ثُمَّ اطَّلَعْتُهُمَا بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَدْ تَزَايَلَتْ لُحُومُهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُمَا قَدْ تَفَصَّلَتِ الْعِظَامُ وَاخْتَلَطَتْ، فَلَمْ أَعْرِفْ الْمَلِكَ مِنَ الْمِسْكِينِ، فَمَا يُعْجِبُنِي مُلْكُكَ، فَلَمَّا خَرَجَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ "
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّصْرِ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، حَدَّثَنَا
⦗ص: 1449⦘
قَيْسٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَرَأَيْتَ ذَا الْقَرْنَيْنِ، كَيْفَ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ؟ قَالَ:«سُخِّرَتْ لَهُ السَّحَابُ، وَمُدَّتْ لَهُ الْأَسْبَابُ، وَبُسِطَ لَهُ النُّورُ، وَكَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ»
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْقُطَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنٌ الْعُقَيْلِيُّ، عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ، أَوْ أَبِي الزَّرْقَاءِ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: ذُو الْقَرْنَيْنِ مِمَّ كَانَا قَرْنَاهُ؟ قَالَ: «لَعَلَكَ تَحْسَبُ قَرْنَيْهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، كَانَ نَبِيًّا، فَبَعَثَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى نَاسٍ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل، فَقَامَ رَجُلٌ، فَضَرَبَ قَرْنَهُ الْأَيْسَرَ فَمَاتَ، ثُمَّ
⦗ص: 1450⦘
بَعَثَهُ اللَّهُ عز وجل فَأَحْيَاهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى نَاسٍ فَقَامَ رَجُلٌ، فَضَرَبَ قَرْنَهُ الْأَيْمَنَ فَمَاتَ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل ذَا الْقَرْنَيْنِ»
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّسَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ:«إِنَّمَا سُمِّيَ ذَو الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا»
964111111 -
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ ذُو الْقَرْنَيْنِ
⦗ص: 1451⦘
، ذَا الْقَرْنَيْنِ لِشَجَّتَيْنِ شَجَّهُمَا عَلَى قَرْنَيْهِ فِي اللَّهِ، وَكَانَ أَسْوَدَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الطَّبَرَكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامَغَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: - وَقَدْ بَلَغَنِي فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ وَضَعْتُ حَدِيثَ كُلِّ مَنْ حَدَّثَ مَوْضِعَهُ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ - عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ابْنَ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ اسْمُهُ الْإِسْكَنْدَرْلِيسُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسِهِ كَانَتَا مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا، قَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أُمَمِ الْأَرْضِ، وَهُمْ أُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ كُلُّهَا، وَهُمْ جَمِيعٌ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ كُلُّهُ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ كُلُّهُ، وَأُمَمٌ مِنْهُمْ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ، مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، فَأَمَّا اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ، فَأُمَّةٌ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يُقَالُ لَهَا نَاسِكُ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَعِنْدَ مَطْلِعِهَا يُقَالُ لَهَا الْمَنْسَكُ، وَأَمَّا اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ فَأُمَّةُ فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْمَنِ، يُقَالُ لَهُ هَاوِيلُ، وَأَمَّا الَّتِي فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْسَرِ فَأُمَّةٌ يُقَالُ لَهَا تَاوِيلُ، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُ ذَلِكَ، قَالَ
⦗ص: 1452⦘
ذُو الْقَرْنَيْنِ: إِلَهِي إِنَّكَ قَدْ نَدَبْتَنِي لِأَمْرٍ عَظِيمٍ لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ إِلَّا أَنْتَ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي تَبْعَثُنِي إِلَيْهَا، بِأَيِّ قَوْمٍ أُكَابِرُهُمْ؟، وَبِأَيِّ جَمْعٍ أُكَابِرُهُمْ؟، وَبِأَيِّ حِيلَةٍ أُكَايِدُهُمْ؟، وَبِأَيِّ صَبْرٍ أُقَاسِيهِمْ؟، وَبِأَيِّ لِسَانٍ أُنَاطِقُهُمْ؟، وَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَفْقَهَ لُغَاتِهِمْ؟، وَبِأَيِّ سَمْعٍ أَعِي قَوْلَهُمْ؟، وَبِأَيِّ بَصَرٍ أَنْفُذُهُمْ؟، وَبِأَيِّ حُجَّةٍ أَخْصُمُهُمْ؟، وَبِأَيِّ قَلْبٍ أَعْقِلُ عَنْهُمْ؟، وَبِأَيِّ حِكْمَةٍ أُدَبِّرُ أُمُورَهُمْ؟، وَبِأَيِّ قِسْطٍ أَعْدِلُ بَيْنَهُمْ؟، وَبِأَيِّ حِلْمٍ أُصَابِرُهُمْ؟، وَبِأَيِّ مَعْرِفَةٍ أَفْصِلُ بَيْنَهُمْ؟، وَبِأَيِّ عِلْمٍ أُتْقِنُ أَمَرَهُمْ؟، وَبِأَيِّ يَدٍ أَسْطُو عَلَيْهِمْ؟، وَبِأَيِّ رِجْلٍ أَطَأُهُمْ؟، وَبِأَيِّ طَاقَةٍ أُحْصِيهِمْ؟، وَبِأَيِّ جُنْدٍ أُقَاتِلُهُمْ؟، وَبِأَيِّ رِفْقٍ أَسْتَأْلِفُهُمْ؟، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي يَا إِلَهِي شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُ، وَلَا نَقْوَى عَلَيْهِمْ وَلَا نُطِيقُهُمْ، وَأَنْتَ الرَّبُّ الرَّحِيمُ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَلَا تُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَلَا تُحَمِّلُهَا إِلَّا طَاقَتَهَا، وَلَا تُعَنِّتُهَا وَلَا تَفْدَحُهَا، بَلْ أَنْتَ تَرْأَفُ بِهَا وَتَرْحَمُهَا، وَتَعْذُرُهَا وَتَقَبَلُ مِنْهَا دُونَ جُهْدِهَا وَطَاقَتِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل: إِنِّي سَأُطَوِّقُكَ مَا حَمَّلْتُكَ، وَأَشْرَحُ لَكَ صَدْرَكَ فَيَسْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَشْرَحُ لَكَ فَهْمَكَ فَتَفْقَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُطْلِقُ لَكَ، وَأَبْسِطُ لَكَ لِسَانَكَ، فَتَنْطِقُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَفْتَحُ لَكَ سَمْعَكَ فَتَعِي كُلَّ شَيْءٍ، وَأُحِدُّ لَكَ بَصَرَكَ فَتَنْفُذُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُدَبِّرُ لَكَ أَمْرَكَ، فَتُتْقِنَ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُحْصِي لَكَ فَلَا يَفُوتُكَ شَيْءٌ، وَأَحْفَظُ عَلَيْكَ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْكَ شَيْءٌ، وَأَشُدُّ لَكَ
⦗ص: 1453⦘
ظَهْرَكَ فَلَا يَهُدُّكَ شَيْءٌ، وَأَشُدُّ لَكَ رُكْنَكَ، فَلَا يَغْلِبُكَ شَيْءٌ، وَأَبْسِطُ لَكَ يَدَيْكَ فَتَسْطُوَانِ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَشُدُّ لَكَ وَطْأَتَكَ، فَتَبِيدُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُلْبِسُكَ الْهَيْبَةَ، فَلَا يَرُوعَكَ شَيْءٌ، وَأُمْضِي لَكَ جَنَاحَكَ فَلَا يَرْدَعُكَ، وَلَا يَرُدُّكَ شَيْءٌ، وَأُسَخِّرُ لَكَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ فَأَجْعَلُهُمَا جُنْدًا لَكَ مِنْ جُنُودِكَ، يَهْدِيكَ النُّورُ مِنْ أَمَامِكَ، وَتَحُوطُكَ الظُّلْمَةُ مِنْ وَرَائِكَ، وَتَحُوشُ عَلَيْكَ الْأُمَمَ مِنْ وَرَائِكَ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ انْطَلَقَ يَؤُمُّ الْأُمَّةَ الَّتِي عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ وَجَدَ جَمْعًا وَعَدَدًا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَقُوَّةً وَبَأْسًا لَا يُطِيقُهُ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَأَلْسِنَةً مُخْتَلِفَةً، وَأَهْوَاءً مُتَشَتِّةً، وَقُلُوبًا مُتَفَرِّقَةً، فَلَمَّا رَأَى مِنْهُمْ ذَلِكَ كَابَرَهُمْ بِالظُّلْمَةِ، فَضَرَبَ حَوْلَهُمْ ثَلَاثَ عَسَاكِرَ مِنْهَا، فَأَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَحَاشَتْهُمْ حَتَّى جَمَعَتْهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِالنُّورِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل وَعِبَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، فَعَمِدَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَنْهُ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الظُّلْمَةَ، فَدَخَلَتْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ وَأُنُوفِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَأَجْوَافِهِمْ، وَدَخَلَتْ فِي بُيُوتِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَغَشِيَتْهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ، وَمِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمْ، فَمَاجُوا فِيهَا وَتَحَيَّرُوا، فَلَمَّا أَشْفَقُوا أَنْ يَهْلِكُوا فِيهَا عَجُّوا إِلَيْهِ بِصَوْتٍ
⦗ص: 1454⦘
وَاحِدٍ، فَكَشَفَهَا عَنْهُمْ، وَأَخَذَهُمْ عَنْوَةً، فَدَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ، فَجَنَّدَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ أُمَّةً عَظِيمَةً، فَجَعَلَهُمْ جُنْدًا وَاحِدًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ يَقُودُهُمْ، وَالظُّلْمَةُ تَسُوقُهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَتَحُوشُهُمْ مِنْ حَوْلِهِمْ، وَالنُّورُ أَمَامَهُ يَقُودُهُمْ، وَيَدُلُّهُ وَهُوَ يَسِيرُ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُمْنَى، وَهُوَ يُرِيدُ الْأُمَّةَ الَّتِي فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْمَنِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا هَاوِيلُ، وَسَخَّرَ اللَّهُ عز وجل لَهُ يَدَهُ وَقَلْبَهُ، وَرَأْيَهُ وَعَقْلَهُ، وَنَظَرَهُ وَائْتِمَارَهُ، فَلَا يُخْطِئُ إِذَا ائْتَمَرَ، وَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَتْقَنَهُ، فَانْطَلَقَ يَقُودُ تِلْكَ الْأُمَمَ وَهِيَ تَتْبَعُهُ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى بَحْرٍ، أَوْ مَخَاضَةٍ بَنَى سُفُنًا مِنْ أَلْوَاحٍ صِغَارٍ أَمْثَالِ النِّعَالِ، فَنَظَمَهَا فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ حَمَلَ فِيهَا جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ، وَتِلْكَ الْجُنُودِ، فَإِذَا قَطَعَ تِلْكَ الْأَنْهَارَ وَالْبِحَارِ فَتَقَهَا، ثُمَّ دَفَعَ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ لَوْحًا، فَلَا يُكْرِثُهُ حَمَلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَاوِيلَ، فَعَمِلَ فِيهَا كَعَمَلِهِ فِي نَاسِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ مَضَى عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُمْنَى، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْسَكَ عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ، فَعَمِلَ فِيهَا وَجَنَّدَ مِنْهَا جُنُودًا كَفِعْلِهِ فِي الْأُمَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ كَرَّ مُقْبِلًا فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُسْرَى، وَهُوَ يُرِيدُ تَاوِيلَ، وَهِيَ الْأُمَّةُ الَّتِي بِحِيَالِ هَاوِيلَ، وَهُمَا مُتَقَابِلَتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَمِلَ فِيهَا جُنْدًا مِنْهَا
⦗ص: 1455⦘
كَفِعْلِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا عَطَفَ مِنْهَا إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَسَائِرِ الْإِنْسِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مِمَّا يَلِي مُنْقَطِعَ أَرْضِ التُّرْكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ قَالَتْ لَهُ أُمَّةٌ مِنَ الْإِنْسِ صَالِحَةٌ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِنَّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل كَثِيرًا، فِيهِمْ مَشَابَهَةٌ مِنَ الْإِنْسِ، وَهُمْ أَشْبَاهُ الْبَهَائِمِ، يَأْكُلُونَ الْعُشْبَ وَيَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ كَمَا يَفْتَرِسُهَا السِّبَاعُ، وَيَأْكُلُونَ نِشَارَ الْأَرْضِ كُلَّهَا مِنَ الْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَكُلِّ ذِي رُوحٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عز وجل فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ عز وجل خَلْقٌ يَنْمُو كَنَمَائِهِمْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَزْدَادُ كَزِيَادَتِهِمْ، وَلَا يَكْثُرُ كَكَثْرَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ عَلَى مَا نَرَى مِنْ زِيَادَتِهِمْ وَنَمَائِهِمْ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ سَيَمْلِكُونَ الْأَرْضَ، وَيُجْلُونَ أَهْلَهَا مِنْهَا، وَيَظْهَرُونَ عَلَيْهَا، فَيُفْسِدُونَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ تَمُرُّ بِنَا سَنَةٌ مُنْذُ جَاوَزَنَا، وَرَأَيْنَاهُمْ إِلَّا، وَنَحْنُ نَتَوَقَّعَهُمْ، وَنَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ أَوَائِلُهُمْ مِنْ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ:{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94]، إِلَى قَوْلِهِ:{رَدْمًا} [الكهف: 95]، فَقَالَ:: أَعِدُّوا لِيَ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ، وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَرْتَادَ بِلَادَهُمْ، وَأَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، وَأُفَتِّشَ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَؤُمُّهُمْ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِمْ وَتَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ، فَإِذَا هُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ، إِنَاثُهُمْ وَذُكْرَانُهُمْ، يَبْلُغُ طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلَ
⦗ص: 1456⦘
نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ مِنَّا، لَهُمْ مَخَالِيبُ فِي مَوْضِعِ الْأَظْفَارِ مِنْ أَيْدِينَا وَأَضْرَاسٌ، وَأَنْيَابٌ كَأَضْرَاسِ السَّبُعِ وَأَنْيَابِهَا، وَأَحْنَاكٌ كَأَحْنَاكِ الْإِبِلِ فَوَهٌ، تَسْمَعُ لَهُ حَرَكَةً إِذَا أَكَلُوا كَحَرَكَةِ الْجَزَّةِ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ كقَضْمِ الْبَغْلِ الْمُسِنِّ، أَوِ الْفَرَسِ الْمُقَوَّى، وَهُمْ هُلْبٌ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّعْرِ فِي أَجْسَادِهِمْ مَا يُوَارِيهِمْ، وَمَا يَتَّقُونَ بِهِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرَدِ إِذَا أَصَابَهُمْ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا وَبِرَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا، وَالْأُخْرَى زَغِبَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا، تَسَعَانِهِ إِذَا لَبِسَهُمَا يَلْتَحِفُ إِحْدَاهُمَا وَيَفْتَرِشُ الْأُخْرَى، وَيَتَصَيَّفُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَيَشْتُو فِي الْأُخْرَى، وَلَيْسَ لَهُمْ ذَكَرٌ، وَلَا أُنْثَى إِلَّا وَقَدْ عَرَفَ أَجَلَهُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ، وَمُنْقَطَعَ عُمُرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ
⦗ص: 1457⦘
مِنْ ذُكُورِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ وَلَدٍ، وَلَا تَمُوتُ الْأُنْثَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ رَحِمِهَا أَلْفُ وَلَدٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَيْقَنَا بِالْمَوْتِ، وَتَهَيَّآ لَهُ، وَهُمْ يُرْزَقُونَ التِّنْينَ فِي زَمَانِ الرَّبِيعِ، وَيَسْتَمْطِرُونَهُ إِذَا تَحَيَّنُوهُ كَمَا يُسْتَمْطَرُ الْغَيْثُ لِحِينِهِ، فَيُقْذَفُونَ مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ بِوَاحِدَةٍ، فَيَأْكُلُونَهُ عَامَهُمْ كُلَّهُ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ، فَيُغْنِيهِمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَنَمَائِهِمْ، فَإِذَا أُمْطِرُوا أَخْصَبُوا وَعَاشُوا وَسَمِنُوا، وَرُئِيَ أَثَرُهُ عَلَيْهِمْ، فَدَرَّتْ عَلَيْهِمُ الْإِنَاثُ، وشَبِقَتْ مِنْهُ الرِّجَالُ الذُّكُورُ، وَإِذَا أَخْطَأَهُمْ هَزَلُوا، وَأَجْدَبُوا، وَجَفَرَتِ الذُّكُورُ، وَحَالَتِ الْإِنَاثُ، وَتَبَيَّنَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَتَدَاعَوْنَ تَدَاعِي الْحَمَامِ، يَعْوُونَ عَيَّ
⦗ص: 1458⦘
الْكِلَابِ، وَيَتَسَافَدُونَ حَيْثُ مَا الْتَقَوْا تَسَافُدَ الْبَهَائِمِ، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ انْصَرَفَ إِلَى مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، فَقَاسَ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ فِي مُنْقَطَعِ أَرْضِ التُّرْكِ، مِمَّا يَلِي الشَّمْسَ، فَوَجَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا مِائَةَ، فَرْسَخٍ، فَلَمَّا أَنْشَأَ فِي عَمَلِهِ حَفَرَ لَهُ أَسَاسًا، حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ، ثُمَّ جَعَلَ عَرَضَهُ خَمْسِينَ، فَرْسَخًا، وَجَعَلَ حَشْوَهُ الصُّخُورَ وَطِينَهُ النُّحَاسَ، ثُمَّ يُذَابُ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عِرْقٌ مِنْ جَبَلٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، ثُمَّ عَلَاهُ، وَشَرَفَهُ بِزُبِرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ الْمُذَابِ، وَجَعَلَ خِلَالَهُ عِرْقًا مِنْ نُحَاسٍ أَصْفَرَ كَأَنَّهُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ مِنْ صُفْرَةِ النُّحَاسِ، وَحُمْرَتِهِ وَسَوادِ الْحَدِيدِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَأَحْكَمَهُ انْطَلَقَ عَامِدًا إِلَى جَمَاعَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ دَفَعَ إِلَى أُمَّةٍ صَالِحَةٍ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فَوَجَدَ أُمَّةً
⦗ص: 1459⦘
مُقْتَصِدَةً يَقْسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ، وَيَتَأَسَّوْنَ بِهِ، وَيَتَرَاحَمُونَ حَالُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ سَلِيمَةٌ، وَطَرِيقَتُهُمْ مُسْتَقِيمَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَؤْتَلِفَةٌ، وَسِيرَتُهُمْ مُسْتَوِيَةٌ، وَقُبُورُهُمْ بَأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى بُيُوتِهِمْ أَبْوَابٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ قُضَاةٌ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَغْنِيَاءَ، وَلَا مُلُوكٌ، وَلَا أَشْرَافٌ، وَلَا يَتَفَاوَتُونَ، وَلَا يَتَفَاضَلُونَ، وَلَا يَتَنَازَعُونَ، وَلَا يَسْتَبُّونَ، وَلَا يَقْتَتِلُونَ، وَلَا يَقْحَطُونَ، وَلَا يَحْرِدُونَ، وَلَا تُصِيبُهُمُ الْآفَاتُ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ، وَهُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْمَارًا، وَلَيْسَ لَهُمْ مِسْكِينٌ وَلَا فَقِيرٌ، وَلَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ أَمْرِهِمْ تَعَجَّبَ مِنْهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي أَيُّهَا الْقَوْمُ خَبَرَكُمْ، فَإِنِّي قَدْ أَحْصَيْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا، بَرَّهَا وَبَحْرَهَا، وَشَرْقَهَا وَغَرْبَهَا، وَنُورَهَا وَظَلْمُهَا، فَلَمْ أَجِدْ مِنْهَا أَحَدًا مِثْلَكُمْ، فَأَخْبَرُونِي خَبَرَكُمْ. قَالُوا: نَعَمْ، فَاسْأَلْنَا عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي مَا بَالُ قُبُورِ مَوْتَاكُمْ عَلَى بَابِ بُيُوتِكُمْ؟ قَالُوا: عَمْدًا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا نَنْسَى الْمَوْتَ، وَلَا يَخْرُجُ ذِكْرُهُ مِنْ قُلُوبِنَا، قَالَ: فَمَا بَالُ بُيُوتِكُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا مُتَّهَمٌ، وَلَيْسَ فِينَا إِلَّا أَمِينٌ مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ؟ قَالُوا: لَا نَتَظَالَمُ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ حُكَّامٌ؟ قَالُوا: لَا نَخْتَصِمُ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ أَغْنِيَاءُ؟ قَالُوا: لَا نَتَكَاثَرُ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مُلُوكٌ؟ قَالُوا: لَا نَتَكَابَرُ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ أَشْرَافٌ؟ قَالُوا: لَا نَتَنَافَسُ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَتَفَاضَلُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا مُتَوَاصِلُونَ مُتَرَاحِمُونَ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَتَنَازَعُونَ وَلَا تَخْتَلِفُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أُلْفَةِ قُلُوبِنَا وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِنَا. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَسْتَبُّونَ وَلَا تَقْتَتِلُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا غَلَبْنَا طَبَائِعَنَا بِالْعَزْمِ، وَسُسْنَا أَنْفُسَنَا بِالْأَحْلَامِ. قَالَ: فَمَا بَالَكُمْ كَلِمَتُكُمْ وَاحِدَةٌ
⦗ص: 1460⦘
، وَطَرِيقَتُكُمْ مُسْتَقِيمَةٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَا نَتَكَاذَبَ، وَلَا نَتَخَادَعُ، وَلَا يَغْتَابُ بَعْضُنَا بَعْضًا. قَالَ: فَأَخْبَرُونِي مِنْ أَيْنَ تَشَابَهَتْ قُلُوبُكُمْ، وَاعْتَدَلَتْ سِيرَتَكُمْ؟ قَالُوا: صَحَّتْ صُدُورُنَا، فَنَزَعَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْغِلَّ وَالْحَسَدَ مِنْ قُلُوبِنَا. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مِسْكِينٌ وَلَا فَقِيرٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ الذُّلِّ وَالتَّوَاضُعِ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْمَارًا؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَتَعَاطَى الْحَقَّ، وَنَحْكُمُ بِالْعَدْلِ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَقْحَطُونَ؟ قَالُوا: لَا نُغْفِلُ الِاسْتِغْفَارَ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَحْرِدُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا وَطَّنَّا أَنْفُسَنَا لِلْبَلَاءِ مُنْذُ كُنَّا، فَأَحْبَبْنَاهُ وَحَرِصْنَا عَلَيْهِ، فَعَرِينَا مِنْهُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تُصِيبُكُمُ الْآفَاتُ كَمَا تُصِيبُ النَّاسَ؟ قَالُوا: لَا نَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَا نَعْمَلُ بِالْأَنْوَاءِ وَالنُّجُومِ. قَالَ: حَدِّثُونِي، أَهَكَذَا وَجَدْتُمْ آبَاءَكُمْ يَعْمَلُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَجَدْنَا آبَاءَنَا يَرْحَمُونَ مَسَاكِينَهُمْ، وَيُوَاسُونَ فُقَرَاءَهُمْ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ، وَيَحْلِمُونَ عَلَى مَنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ سَبَّهُمْ، وَيَصِلُونَ أَرْحَامَهُمْ، وَيَرُدُّونَ أَمَانَتَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ وَقْتَهُمْ لِصَلَاتِهِمْ، وَيُوفُونَ بِعُهُودِهِمْ، وَيَصْدُقُونَ فِي مَوَاعِيدِهِمْ، وَلَا يَرْغَبُونَ عَنْ أَكْفَائِهِمْ، وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَقَارِبِهِمْ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِذَلِكَ أَمَرَهُمْ، وَحَفِظَهُمْ بِهِ مَا كَانُوا أَحْيَاءً، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّفُهُمْ فِي تَرِكَتِهِمْ" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَذَكَرَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ قَالَ لِتِلْكَ الْأُمَّةِ: لَوْ كُنْتُ مُقِيمًا لَأَقَمْتُ فِيكُمْ، وَلَكِنْ لَمْ أُومَرْ بِالْقِيَامِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سَامٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عز وجل صَالِحًا، وَكَانَ مِنَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ ضَخْمٍ، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَانَ لَهُ خَلِيلٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُ زِيَافِيلُ، وَكَانَ يَأْتِي ذَا الْقَرْنَيْنِ يَزُورُهُ، فَبَيْنَا هُمَا ذَاتَ يَوْمٍ يَتَحَدَّثَانِ، إِذْ قَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ عِبَادَتُكُمْ فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، وَمَا عِبَادَتُكُمْ عِنْدَ عِبَادَتِنَا فِي السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ قِيَامٌ لَا يَجْلِسُونَ أَبَدًا، وَمِنْهُمْ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ أَبَدًا، وَرَاكِعٌ لَا يَسْتَوِي
قَائِمًا أَبَدًا، وَرَافِعٌ وَجْهَهُ لَا يَطْرُقُ شَاخِصٌ أَبَدًا يَقُولُ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، رَبِّ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. قَالَ: فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا زِيَافِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَبْلُغَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طَاعَتِهِ. قَالَ: وَتُحِبُّ ذَلِكَ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ زِيَافِيلُ: فَإِنَّ لِلَّهِ تبارك وتعالى عَيْنًا تُسَمَّى عَيْنَ الْحَيَاةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً لَمْ يَمُتْ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ الْمَوْتَ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ؟ قَالَ زِيَافِيلُ: لَا غَيْرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِيُ السَّمَاءِ أَنَّ لِلَّهِ ظُلْمَةٌ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جِنٌّ، وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ. قَالَ: فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَهْلَ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ، وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي، هَلْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِيمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ قَبْلَكُمْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَضَعَ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهَا عَيْنَ الْحَيَاةِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جِنٌّ؟ قَالُوا: لَا. فقَالَ عَالِمٌ مِنْهُمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَهُ زِيَافِيلُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آدَمَ عليه السلام، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَضَعَ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَأَيْنَ وَجَدْتَهَا فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: وَجَدْتُهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ، فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَحَشَرَ النَّاسَ، وَالْفُقَهَاءَ وَالْأَشْرَافَ وَالْمُلُوكَ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرْفَ الظُّلْمَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ، وَهِيَ ظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَعَسْكَرَ، ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ أَهْلِ عَسْكَرِهِ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ. فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُلُوكِ لَمْ يَطْلُبُوا
هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَلَا تَطْلُبْهَا، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَتَشَعَّبَ عَلَيْنَا مِنْهَا أَمْرٌ نَكْرَهُهُ، وَيَكُونُ فِيهِ فَسَادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: لَا بُدَّ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَخَرَّتِ الْعُلَمَاءُ سُجُودًا، ثُمَّ قَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُفَّ عَنْ هَذِهِ، وَلَا تَطْلُبْهَا، فَإِنَّا لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا طَلَبْتَهَا ظَفِرْتَ بِمَا تُرِيدُ، وَلَمْ يَسْخَطِ اللَّهُ عَلَيْنَا لَكَانَ، وَلَكِنَّا نَخَافُ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَتَشَعَّبَ عَلَيْنَا مِنْهَا أَمْرٌ يَكُونُ فِيهِ فَسَادُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا. قَالُوا: فَشَأْنَكَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي أَيُّ الدَّوَابِّ بِاللَّيْلِ أَبْصَرُ؟ قَالُوا: الْبِكَارَةُ، فَأَرْسَلَ فَجُمِعَ لَهُ سِتَّةُ آلَافِ فَرَسٍ أُنْثَى بِكَارَةٌ، فَانْتَخَبَ مِنْ عَسْكَرِهِ سِتَّةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ فَرَسًا، وَعَقَدَ لِلْخَضِرِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُقَدِّمَتَهُ فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَبَقِيَ هُوَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَقَالَ لِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ فِي الْعَسْكَرِ: لَا تَبْرَحُوا عَسْكَرِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ وَإِلَّا، فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَقَالَ الْخَضِرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّكَ تَسْلُكُ ظُلْمَةً لَا تَدْرِي كَمْ مَسِيرَتُهَا، وَلَا يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالظُّلَلِ إِذَا أَصَابَتْنَا؟ فَدَفَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى الْخَضِرِ خَرْزَةً حَمْرَاءَ، فَقَالَ: إِذَا أَصَابَكُمُ الظُّلَلُ، فَاطْرَحْ هَذِهِ الْخَرْزَةَ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا صَاحَتْ، فَلْيَرْجِعْ أَهْلُ الظِّلَالِ، فَسَارَ الْخَضِرُ بَيْنَ يَدَيْ ذِي الْقَرْنَيْنِ يَرْتَحِلُ الْخَضِرُ، وَيَنْزِلُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ
عَرَفَ الْخَضِرُ مَا يَطْلُبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يَكْتُمُ ذَلِكَ، فَبَيْنَا الْخَضِرُ يَسِيرُ إِذْ عَارَضَهُ وَادٍ، فَظَنَّ أَنَّ الْعَيْنَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي، فَلَمَّا أَتَى شَفِيرَ الْوَادِي، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا، وَلَا يَبْرَحَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مِنْ مَوْقِفِهِ، وَرَمَى الْخَضِرُ بِالْخَرْزَةِ فَإِذَا هِيَ عَلَى حَافَةِ الْعَيْنِ، فَنَزَعَ الْخَضِرُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَيْنَ، فَإِذَا مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ رَمَى بِالْخَرْزَةِ نَحْوَ أَصْحَابِهِ فَوَقَعَتِ الْخَرْزَةُ، فَصَاحَتْ فَرَجَعَ الْخَضِرُ إِلَى صَوْتِ الْخَرْزَةِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَرَكِبَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: سِيرُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَمَرَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَأَخْطَأَ الْوَادِيَ، فَسَلَكُوا تِلْكَ الظُّلْمَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى ضَوْءٍ لَيْسَ بِضَوْءِ شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ، أَرْضٍ خَضْرَاءَ حَشَّاشَةٍ، وَإِذَا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ قَصْرٌ: مَبْنِيٌّ طُولُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ، مُبَوَّبٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى نَزَلَ ذَلِكَ الْقَصْرَ، فَإِذَا حَدِيدَةٌ قَدْ وُضِعَ طَرَفَاهَا عَلَى حَافَتَيِ الْقَصْرِ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِذَا طَائِرٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ الْخُطَّافُ مَزْمُومٌ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدِ، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ. قَالَ الطَّائِرُ: مَا كَفَاكَ مَا وَرَاءَكَ حَتَّى وَصَلْتَ إِلَيَّ؟، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي. قَالَ: سَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ: هَلْ كَثُرَ بِنَاءُ الْجِصِّ وَالْآجُرِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً انْتَفَخَ، ثُمَّ انْتَفَضَ حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ
قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ أَخْبِرْنِي. قَالَ: سَلْ. قَالَ: كَثُرَ شَهَادَاتُ الزُّورِ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ، ثُمَّ انْتَفَخَ حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَيِ الْحَدِيدَةِ. قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي، هَلْ كَثُرَ الْمَعَازِفُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ حَتَّى مَلَأَ الْحَدِيدَةَ سَدَّ مَا بَيْنَ جِدَارِيِ الْقَصْرِ. قَالَ: فَفَرَقَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَرَقًا شَدِيدًا قَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، لَا تَخَفْ حَدِّثْنِي. قَالَ: سَلْ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ بَعْدُ. قَالَ: لَا، فَانْتَفَضَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا، فَعَادَ الطَّائِرُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، اسْلُكْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الَّتِي فِي أَعْلَى الْقَصْرِ. قَالَ: فَسَلَكَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ خَائِفٌ حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى صَدْرِ الدَّرَجَةِ، إِذَا سَطْحٌ مَمْدُودٌ فِي وَادٍ عَلَيْهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، أَوْ مُتَشَبِّهٌ بِالرَّجُلِ، شَابٌّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ رَافِعٌ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا صَاحِبُ الصُّورِ. قَالَ: فَمَا بَالِي أَرَاكَ وَاضِعَ يَدِكَ عَلَى فِيكَ، رَافِعَ وَجْهِكَ إِلَى السَّمَاءِ؟ قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَأَنَا انْتَظِرُ مِنْ رَبِّي أَنْ يَأْمُرَنِي أَنْ أَنْفُخَ، ثُمَّ أَخَذَ صَاحِبُ الصُّورِ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، كَأَنَّهُ حَجَرٌ فَقَالَ: خُذْ هَذَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَإِنْ شَبِعَ هَذَا الْحَجَرُ شَبِعْتَ، وَإِنْ جَاعَ جُعْتَ، فَأَخَذَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْحَجَرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَحَدَّثَهُمْ
بِالطَّيْرِ وَمَا قَالَ لَهُ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَهْلَ عَسْكَرِهِ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الْحَجَرِ، مَا أَمْرُهُ؟ فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، فَوَضَعُوا الْحَجَرَ فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذُوا حَجَرًا مِثْلَهُ، فَوَضَعُوهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَإِذَا الْحَجَرُ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِثْلُ جَمِيعِ مَا وُضِعَ مَعَهُ حَتَّى وَضَعُوا مَعَهُ أَلْفَ حَجَرٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، انْقَطَعَ عِلْمُنَا دُونَ ذَلِكَ، أَسِحْرٌ هَذَا أَمْ عِلْمٌ؟ مَا نَدْرِي هَذَا. قَالَ: وَالْخَضِرُ يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلْخَضِرِ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ هَذَا عِلْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ الْمِيزَانَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَوَضَعَهُ فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا مِنْ تِلْكَ الْأَحْجَارِ مِثْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَوَضَعَهُ مَعَ الْحَجَرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ، ثُمَّ رَفَعَ الْمِيزَانَ، فَاسْتَوَى. قَالَ: فَخَرَّ الْعُلَمَاءُ سُجَّدًا وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَا نَبْلُغُهُ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلْخَضِرِ: فَأَخْبِرْنِي مَا هَذَا؟ قَالَ الْخَضِرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ قَاهِرٌ لِخَلْقِهِ، وَأَمْرُهُ نَافِذٌ فِيهِمْ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَى خَلْقَهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَابْتَلَى الْعَالِمَ بِالْعَالِمِ، وَابْتَلَى الْجَاهِلَ بِالْجَاهِلِ، وَابْتَلَى الْجَاهِلَ بِالْعَالِمِ، وَالْعَالِمَ بِالْجَاهِلِ، وَإِنَّهُ ابْتَلَانِي بِكَ، وَابْتَلَاكَ بِي. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: حَسْبُكَ، قَدْ قُلْتَ فَأَخْبِرْنِي. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ، أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَبَّبَ لَكَ الْبِلَادَ، وَأَعْطَاكَ مِنْهَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا، وَأَوْطَأَكَ مِنْهَا مَا لَمْ يُوطِئْ أَحَدًا، فَلَمْ تَشْبَعْ، فَأَبَتْ نَفْسُكَ إِلَّا شَرَّهَا، حَتَّى بَلَغْتَ مِنْ سُلْطَانِ اللَّهِ عز وجل مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، وَمَا لَمْ يَطْلُبْهُ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَا يَشْبَعُ أَبَدًا دُونَ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ. قَالَ: فَهَوْنًا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتَ يَا خَضِرُ فِي ضَرْبِ
هَذَا الْمَثَلِ، لَا جَرَمَ لَا أَطْلُبُ أَثَرًا فِي الْبِلَادِ، وَبَعْدَ مَسِيرِي هَذَا حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ رَاجِعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الظُّلُمَاتِ وَطِئَ الْوَادِيَ الَّذِي كَانَ فِيهِ زَبَرْجَدٌ فَقَالَ الَّذِينَ مَعَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا هَذَا الَّذِي تَحْتَكَ، وَسَمِعُوا خَشْخَشَةً تَحْتَهُمْ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: خُذُوا فَإِنَّهُ مِنْ أَخَذَ نَدِمَ، وَمَنْ تَرَكَ نَدِمَ، فَأَخَذَ مِنْهُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ، وَتَرَكَ عَامَّتُهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا، فَلَمَّا خَرَجُوا فَإِذَا هُوَ زَبَرْجَدٌ، فَنَدِمَ الْآخِذُ وَالتَّارِكُ، ثُمَّ رَجَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِهَا، فَأَقَامَ بِهَا، حَتَّى مَاتَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي ذَا الْقَرْنَيْنِ، لَوْ ظَفِرَ بِالزَّبَرْجَدِ فِي مَبْدَئِهِ مَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُخْرِجَهُ إِلَى النَّاسِ، لِأَنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّهُ ظَفِرَ بِهِ، وَهُوَ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهَا» وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَقَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بْنِ عَبْدَكٍ، حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ شَيْخَيْنِ، مِنْ شُيُوخِ تُجِيبَ قَالَا: كُنَّا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَقُلْنَا: لَوِ انْطَلَقْنَا إِلَى عُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ، فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَهُ، فَانْطَلَقْنَا، فَوَجَدْنَاهُ جَالِسًا فِي ظِلِّ دَارِهِ، فَأَخْبَرَنَا الْخَبَرَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا عَبْدٌ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي» ، ثُمَّ قَالَ:«اذْهَبْ، فَمَنْ وَجَدْتَ بِالْبَابِ مِنْ أَصْحَابِي فَأَدْخِلْهُمْ» ، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُمْ:«إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَكَلَّمُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ تَكَلَّمْتُمْ، فَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْهُ» . قَالُوا: بَلْ أَخْبِرْنَا. قَالَ: " جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَسَوْفَ أُخْبِرُكُمْ كَمَا تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا فِي كُتِبِكُمْ، إِنَّ أَوَّلَ أَمْرِهِ كَانَ غُلَامًا مِنَ الرُّومِ أُعْطِيَ مُلْكًا، فَسَارَ حَتَّى أَتَى أَرْضَ مِصْرَ، فَابْتَنَى عِنْدَهَا مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهَا أَتَاهُ مَلَكٌ، فَعَرَجَ بِهِ فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي، وَأَرَى مَعَهَا مَدَائِنُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي قَدِ اخْتَلَطَتْ بِالْمَدَائِنِ، ثُمَّ زَادَ، فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَحْدَهَا لَا أَرَى غَيْرَهَا فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: لَكَ
⦗ص: 1469⦘
تِلْكَ الْأَرْضُ كُلُّهَا، وَهَذَا السَّوَادُ الَّذِي تَرَى مُحِيطًا بِنَا الْبَحْرُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَنْ يُرِيَكَ الْأَرْضَ، وَقَدْ جَعَلَ لَكَ سُلْطَانًا فِيهَا، فَسِرْ فِي الْأَرْضِ، فَعَلِّمِ الْجَاهِلَ وَثَبِّتِ الْعَالِمَ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَتَى السَّدَّيْنِ، وَهُمَا جَبَلَانِ لَيِّنَانِ يُزْلَقُ عَلَيْهِمَا كُلُّ شَيْءٍ، فَبَنَى السَّدَّ، ثُمَّ سَارَ فَوَجَدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُقَاتِلُونَ قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَطَعَهُمْ، فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْفَرَاشِ يُقَاتِلُونَ الْقَوْمَ الْقِصَارَ، ثُمَّ قَطَعَهَا فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْحَيَّاتِ تَلْتَقِمُ الْحَيَّةُ مِنْهَا الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ الْمُدِيرِ بِالْأَرْضِ ". فَقَالُوا: إِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ أَمَرَهُ كَانَ هَكَذَا
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّ " ذَا الْقَرْنَيْنِ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَأْسِهِ قَرْنَانِ كَالظِّلْفَيْنِ يَتَحَرَّكَانِ، فَلَبِسَ الْعِمَامَةَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَدَخَلَ كَاتِبُهُ مَعَهُ، فَوَضَعَ ذَو الْقَرْنَيْنِ الْعِمَامَةَ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: هَذَا أَمَرٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ خَلْقٌ غَيْرُكَ، فَإِنْ سَمِعْتُ بِهِ مِنْ أَحَدٍ قَتَلْتُكَ ". قَالَ: «فَخَرَجَ الْكَاتِبُ مِنَ الْحَمَّامِ، فَأَخَذَهُ كَهَيْبَةِ الْمَوْتِ» . قَالَ: " فَأَتَى الصَّحْرَاءَ، فَوَضَعَ فَمَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ نَادَى: أَلَا إِنَّ لِلْمَلِكِ قَرْنَيْنِ، أَلَا إِنَّ لِلْمَلِكِ قَرْنَيْنِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عز وجل مِنْ كَلِمَتِهِ قَصَبَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِمَا رَاعٍ، فَأُعْجِبَ بِهِمَا، فَقَطَعَهُمَا وَاتَّخَذَهُمَا مِزْمَارًا، وَكَانَ إِذَا زَمَرَ خَرَجَ مِنَ الْقَصَبَتَيْنِ: أَلَا إِنَّ لِلْمَلِكِ قَرْنَيْنِ، أَلَا إِنَّ لِلْمَلِكِ قَرْنَيْنِ، قَالَ: فَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى الْكَاتِبِ، فَقَالَ: لَتَصْدُقَنِّي أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ ". قَالَ: " فَقَصَّ عَلَيْهِ الْكَاتِبُ الْقِصَّةَ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: هَذَا أَمْرٌ أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُبْدِيَهُ، قَالَ: فَوَضَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ "
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ - فِي تَفْسِيرِ {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} [الكهف: 86] قَالَ: مَدِينَةٌ لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ، لَوْلَا أَصْوَاتُ أَهْلِهَا لَسَمِعَ النَّاسُ وُجُوبَ الشَّمْسِ حِينَ تَجِبُ - فَحَدَّثَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«سِتْرًا لَمْ يُبْنَ فِيهَا بِنَاءً قَطُّ، وَلَمْ يُبْنَ عَلَيْهِمْ بُنْيَانٌ قَطُّ، كَانُوا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ دَخَلُوا سَرَبًا لَهُمْ حَتَّى تَزُولَ»
970171717 -
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سَهْلٌ السِّرَاجُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: " {تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} [الكهف: 90]، قَالَ: «أَرْضُهُمْ أَرْضٌ لَا تَحْمِلُ الْبِنَاءَ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَغَوَّرُوا
⦗ص: 1472⦘
فِي الْمَاءِ، فَإِذَا غَرَبَتْ خَرَجُوا يَتَرَاعَوْنَ كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ»
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، رضي الله عنه قَالَ: " سَارَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَتَّى أَتَى مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَمُثِّلَ لَهُ مَدِينَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ، فَتَطَلَّعَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَمْلِكَهَا، فَمُثِّلَ لَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ مِيزَانٌ، فَوُضِعَ فِي كِفَّةٍ حُجَيْرٌ، وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فَرَجَحَ الْحُجَيْرُ، ثُمَّ زَادَ مَعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَرَجَحَ الْحُجَيْرُ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مُثِّلَ لَهُ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، فَكَذَلِكَ يَرْجَحُ الْحُجَيْرُ بِهَا، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا. قَالَ: ثُمَّ وَضَعَ عَلَى الْحَجَرِ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَجَحَتِ الدُّنْيَا فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: وَهَذَا أَعْجَبُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَلَكْتَ مِنْ مَشْرِقِ الْأَرْضِ إِلَى مَغْرِبِهَا، فَلَمْ تَشْبَعْ حَتَّى
تَطَلَّعَ نَفْسُكَ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ نَفْسَ ابْنِ آدَمَ لَا يَمْلَأُهَا إِلَّا التُّرَابُ، ارْجِعْ حَيْثُ جِئْتَ "
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ:" لَمَّا بَلَغَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَشْرِقَ الشَّمْسِ وَمَغْرِبَهَا، قَالَ: اجْعَلُوا لِي تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ حَتَّى تُلْقُونِي فِي الْبَحْرِ، فَجُعِلَ لَهُ تَابُوتٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: لَقَدْ كَانَ قَبْلَكَ رَجُلٌ أُعْطِيَ مِثْلَ مَا أُعْطِيتَ، فَأَرَادَ أَنْ يَصْنَعَ فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ فِي الْبَحْرِ، فَقَطَعْتُهُ، فَهُوَ يَهْوِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ارْجِعْ، فَرَجَعَ "، وَقَالَ غَيْرُهُ: فَغَطَّسْتُهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّ " ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، ابْنَ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ، يُقَالُ لَهُ: الْإِسْكَنْدَرُ، وَكَانَ خَارِجِيًّا فِي قَوْمِهِ، لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَلَا مَوْضِعًا، وَلَكِنَّهُ نَشَأَ فِي أَدَبٍ حَسَنٍ، وَحِلْمٍ وَمُرُوَءةٍ وَعِفَّةٍ، مِنْ لَدُنِ كَانَ غُلَامًا إِلَى أَنْ بَلَغَ رَجُلًا، وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ نَشَأَ يَتَخَلَّقُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَسْمُو إِلَيْهَا
⦗ص: 1474⦘
فِي الْأُمُورِ، وَكَانَ قَدْ حَلَمَ حُلْمًا رَأَى بِهِ أَنَّهُ دَنَا مِنَ الشَّمْسِ، حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا، فَلَمَّا قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى قَوْمِهِ سَمَّوْهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا بَعُدَتْ هِمَّتُهُ، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ وَعَلَا صَوْتُهُ، وَعَزَّ فِي قَوْمِهِ، وَأَلْقَى اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ الْهَيْبَةَ بِسَبَبِ مَا أَرَادَ بِهِ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيَهُ الْإِسْلَامُ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، فَأَسْلَمُوا عَنْوَةً مِنْ عِنْدِ آخِرِهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا قَهْرًا، فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا أَنْ أَجَابُوهُ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ فِي بُنْيَانِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَمِيعًا، لِمَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ عز وجل مِنَ الْهَيْبَةِ وَالسُّلْطَانِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَجَعَلُوا طُولَ الْمَسْجِدِ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضَ حَائِطِهِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَطُولٌ فِي السَّمَاءِ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَنْصِبُوا فِيهِ سَوَارِيَ، قَالُوا لَهُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَكَيْفَ لَهُ بِخَشَبٍ يَبْلُغُ مَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ بُنْيَانِ الْحَائِطَيْنِ كَبَسْتُمُوهُ بِالتُّرَابِ، حَتَّى يَسْتَوِيَ الْكَبْسُ مَعَ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَرَضْتُمْ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرَهُ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ قَدْرَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَطَعْتُمُوهُ مِثْلَ قِلَامَةِ الظُّفُرِ، ثُمَّ خَلَطْتُمُوهُ بِذَلِكَ الْكَبْسِ، وَعَمِلْتُمْ لَهُ خَشَبًا مِنْ نُحَاسٍ تُذِيبُونَ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنَ الْعَمَلِ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَمِلْتُمْ طُولَ كُلِّ خَشَبَةٍ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا لِلْحَائِطَيْنِ مِنْهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَمِائَتَا ذِرَاعٍ لِمَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ، لِكُلِّ حَائِطٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ ذِرَاعًا، ثُمَّ تَدْعُونَ الْمَسَاكِينَ لِنَهْبِ ذَلِكَ التُّرَابِ، فَيُسَارِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ، فَأَخْرَجَ
⦗ص: 1475⦘
الْمَسَاكِينُ ذَلِكَ التُّرَابَ، وَقَدْ اسْتَقَلَّ السَّقْفُ بِمَا فِيهِ، وَاسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ، فَجَنَّدَهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَهُمْ أَوَّلُ جُنْدٍ اتَّبَعَهُ، وَجَعَلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْنَادٍ، فِي كُلِّ جُنْدٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، ثُمَّ سَيَّرَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْمَسِيرِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ وَأَهْلُ مَدِينَتِهِ، فَقَالُوا: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِنَّا نَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لَا تُؤْثِرُ عَلَيْنَا بِنَفْسِكَ غَيْرَنَا وَنَحْنُ ثَرْوَتُكَ، وَفِينَا كَانَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ، وَنَشَأْتَ وُرُبِّيتَ، وَهَذِهِ أَمْوَالُنَا وَأَنْفُسُنَا، فَأَنْتَ الْحَكَمُ فِينَا، وَهَذِهِ أُمُّكَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَهِيَ أَعْظَمُ الرَّأْيِ لِرَأْيِكُمْ، وَلَكِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمَأْخُوذِ بِقَلْبِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَيَرْفَعُ مِنْ خَلْقِهِ قَدَمًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَلَا مَا يُرَادُ بِهِ، وَلَكِنْ هَلُمَّ مَعْشَرَ قَوْمِي، فَادْخُلُوا هَذَا الْمَسْجِدَ، فَأَسْلِمُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَخَافُوا عَلِيَّ فَتَهْلِكُوا، ثُمَّ دَعَا دِهْقَانَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: عَمِّرْ مَسْجِدِي هَذَا، وَعَزِّ عَنِّي أُمِّي، فَكَانَ مِمَّا تَخَلَّفَهُ الدِّهْقَانُ بِهِ، أَنَّهُ لَمَّا رَأَى شِدَّةَ وَجْدِ أُمِّهِ، وَطُولَ بُكَائِهَا، احْتَالَ لَهَا لِيُعَزِّيَهَا مَا أَصَابَ النَّاسَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا، فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبْرِئْ أَحَدًا مِنَ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ، وَالْفَجْعَاتِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ صَنَعَ عِيدًا عَظِيمًا، وَكَانَ مِنْهُ حِيلَةً لَهَا، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ فِيهِ النَّاسُ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانُ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَسْرِعُوا إِلَيْهِ، وَاحْذَرُوا أَنْ يَحْضُرَهُ إِلَّا رَجُلٌ عَرِيَ عَنِ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا وَالْفَجْعَاتِ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا لَمْ يَدْرِ النَّاسُ عَلَى مَا يَضَعُونَ أَمْرَهُ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ أَنْفَقَ، فَعَظُمَتْ نَفَقَتُهُ، ثُمَّ نَدِمَ وَأَدْرَكَهُ الْبُخْلُ فَتَدَارَكَ أَمْرَهُ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ يُخْلُوهُ وَقَالُوا: مَنْ هَذَا
⦗ص: 1476⦘
الَّذِي عَرِيَ مِنَ الْبَلَايَا؟ أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ يُفْجَعْ، وَتُصِبْهُ الْمَصَائِبُ؟ فَإِنَّ أَهْوَنَ النَّاسِ مُصِيبَةً لَأَهْلِ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ شَامِلٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ، سِوَى مَصَائِبَ أُخْرَى، وَرَزَايَا عِظَامٍ تَكُونُ مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، فَكُلُّ هَذَا تَسْمَعُ أُمُّ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ مُلِئَتْ مِنْهُ عَجَبًا، وَلَيْسَتْ تَدْرِي مَا يُرِيدُ الدِّهْقَانُ، ثُمَّ إِنَّ الدِّهْقَانَ بَعَثَ مُنَادِيًا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ، وَخَاضُوا فِيهِ فَأَذَّنَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِنْدَهُ يَوْمَ كَذَا، فَلَا يَحْضُرَنَّهُ إِلَّا رَجُلٌ قَدِ ابْتُلِيَ وَأُصِيبَ، أَوْ فُجِعَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَرِي مِنَ الْبَلَايَا، لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ قَدْ بَخِلَ، ثُمَّ نَدِمَ وَاسْتَحْيَى فَتَدَارَكَ رَأْيَهُ وَحَجَا عَيْبَهُ، لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مَا جَمَعْتُكُمْ لِمَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأُكَلِّمَكُمْ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا لَحِقَنَا بِهِ مِنْ فَقْدِ صَاحِبِنَا وَفِرَاقِهِ، إِنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ حِلْمًا وَعِلْمًا، وَحُكْمًا وَخَطَرًا، وَأَبْعَدِهِمْ صَوْنًا، وَأَشَدِّهُمْ حِيلَةً وَبَأْسًا، وَقَلْبًا وَجَنَاحًا، فَاجْتَلَحَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فِي مِثْلِ قِلَّتِنَا وَضَعْفِنَا، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَةٌ عَلَيْنَا نَظَرْتُ فِي مَوَاقِعِ الْبَلَاءِ، فَوَجَدْتُ الْبَلَاءَ لَنَا الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عليه السلام إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَتَعَزَّيْتُ بِذَلِكَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكُمْ هَذَا الْعَزاءَ لِتَصْبِرُوا وَتُسَلِّمُوا، وَتَرْضَوْا بِقَضَاءِ رَبِّكُمْ تبارك وتعالى، وَلَوْ نَظَرْتُمْ فِيمَا قَصَصْتُ عَلَيْكُمْ مَعَ مَوَاقِعِ الْبَلَاءِ لَوَجَدْتُمْ أُعْظَمَهُ، وَأَشَدَّهُ عَلَى
⦗ص: 1477⦘
النَّبِيِّينَ، ثُمَّ خِيَارِ النَّاسِ بَعْدَهُمُ، ابْتَلَى اللَّهُ عز وجل آدَمَ عليه السلام أَوَّلَ خَلْقِهِ وَهُوَ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَةً، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَكْرَمَهُ بِكَرَامَةٍ لَمْ يُكْرِمْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِأَعْظَمِ بَلِيَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ حِينِ خَلَقَهَا اللَّهُ عز وجل، وَذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي لَا جُبْرَانَ لَهَا، فَمَنْ مِثْلُ آدَمَ، وَمَنْ هَذَا لَيْسَ لَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَعَزَاءٌ عَظِيمٌ بِآدَمَ، ثُمَّ ابْتَلَى اللَّهُ مَنْ بَعْدَهُ بِالْحَرِيقِ وَالْجَلَاءِ، وَابْتَلَى إِسْحَاقَ عليه السلام بِالذَّبْحِ، وَيَعْقُوبَ بِالْحُزْنِ، وَالْبَلَاءِ وَعَمَى الْبَصَرِ، وَيُوسُفَ عليه السلام بِالرِّقِّ، وَأَيُّوبَ عليه السلام بِالسُّقْمِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَيَحْيَى عليه السلام بِالذَّبْحِ، وَزَكَرِيَّا عليه السلام بِالْقَتْلِ، وَعِيسَى عليه السلام بِالْأَسْرِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل كَثِيرٌ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ عَارَضُوا كَلَامَهُ وَأَجَابُوهُ، فَأَحْسَنُوا إِجَابَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: انْطَلِقُوا بِنَا نُعَزِّ أُمَّ الْإِسْكَنْدَرِوس، وَنَنْظُرُ كَيْفَ صَبْرُهَا، فَإِنَّهَا أَعْظَمَتْ مُصِيبَةً فِي ابْنِهَا، لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهَا، قَالُوا لَهَا: هَلْ حَضَرْتِ الْجَمْعَ، أَوْ سَمِعْتِ الْكَلَامَ؟ قَالَتْ لَهُمْ: مَا غَابَ عَنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ، وَلَا سَقَطَ عَلَيَّ مِنْ كَلَامِكُمْ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مُصِيبَةً فِي الْإِسْكَنْدَرِوس مِنِّي، وَلَقَدْ صَبَّرَنِي اللَّهُ عز وجل وَرَضَّانِي، وَرَبَطَ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَبْرِي، وَعَزَائِي فِي الْقُوَّةِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَدْرِ عِظَمِ مُصِيبَتِي، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجْرِي، وَثَوَابِي عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنِّي
⦗ص: 1478⦘
لَأَرْجُو لَكُمْ مِنَ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا رُزِيتُمْ مِنْ فَقْدِ أَخِيكُمْ، بِأَنْ تُؤْجَرُوا عَلَى قَدْرِ مَا نَوَيْتُمْ فِي أُمِّهِ وَأَمَّلْتُمْ، وَاللَّهُ يَأْجُرُنِي وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لِي وَلَكُمْ، وَيَرْحَمُنِي وَإِيَّاكُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا حُسْنَ عَزَائِهَا، وَصَبْرِهَا انْصَرَفُوا وَتَرَكُوهَا، وَانْطَلَقَ ذُو الْقَرْنَيْنِ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أَمْعَنَ فِي الْبِلَادِ يَؤُمُّ الْغَرْبَ، وَجُنُودُهُ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاكِينُ، فَلَمَّا أَمْعَنَ فِي الْبِلَادِ، أَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ: إِنَّكَ رَسُولِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ، مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا، فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِمْ، وَحُجَّتِي عَلَيْهِمْ، هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاكَ الَّتِي رَأَيْتَ، وَقَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَهُمْ سَبْعُ أُمَمٍ، وَهُمْ جَمِيعُ خَلْقِي، مِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ كُلُّهُ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَزَادَ فِيهِ قَالَ:«فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَتَّى قُبِضَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ عُمُرٌ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَ السِّنَّ، وَأَدْرَكَهُ الْكِبَرُ، وَكَانَ عَدَدَ مَا سَارَ فِي الْبِلَادِ مِنْ يَوْمِ بَعَثَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى قَبْضِهِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
⦗ص: 1479⦘
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، «أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ حَجَّ مَاشِيًا، فَسَمِعَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، فَتَلَقَّاهُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الدَّامَغَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ يَسُوقُ الْأَحَادِيثَ مِنَ الْأَعَاجِمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ قَدْ أَسْلَمَ، فِيمَا تَوَارَثُوا مِنْ عِلْمِهِ،:«أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، اسْمُهُ مِرْزَبَا بْنُ مِرْذَبَةَ الْيُونَانِيُّ، مِنْ وَلَدِ يُونَنَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ»
976232323 -
قَالَ سَلَمَةُ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ:«مَلِكٌ مَسَحَ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا بِالْأَسْبَابِ» قَالَ
⦗ص: 1480⦘
خَالِدٌ: وَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «اللَّهُمَّ غَفْرًا، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ؟» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا قَالَ، وَالْبَاطِلُ مَا خَالَفَهُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْخَطَّابِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " لَمَّا مَاتَ ذُو الْقَرْنَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْإِسْكَنْدَرُ، خَرَجَتْ أُمُّهُ فِي أَحْسَنِ زِيِّ نِسَاءِ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَتْ: وَاعَجَبَاهُ مِمَّنْ بَلَغَ السَّمَاءَ حِكْمَتُهُ، وَأَقْطَارَ الْأَرْضِ مُلْكُهُ
⦗ص: 1481⦘
وَسُلْطَانُهُ، وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوكُ عَنْوَةً، أَصْبَحَ الْيَوْمَ نَائِمًا لَا يَسْتَيْقِظُ، صَامَتَا لَا يَتَكَلَّمُ، مَحْمُولًا عَلَى أَيْدِي مَنْ لَا يَنَالُهُ بَصَرُهُ، أَلَا هَلْ مُبَلِّغٌ عَنِّي الْإِسْكَنْدَرَ، فَإِنِّي قَدْ وُعِظْتُ فَاتَّعَظْتُ، وَعُزِّيتُ فَصَبَرْتُ، وَلَوْلَا أَنِّي لَاحِقَةٌ بِهِ مَا فَعَلْتُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ابْنِي حَيًّا وَهَالِكًا، فَنِعْمَ الْمَرْءُ كُنْتَ، وَنِعْمَ الْهَالِكُ أَنْتَ؟ "