المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر إرم ذات العماد - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني - جـ ٤

[أبو الشيخ الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌ذِكْرُ عَظَمَةِ اللَّهِ عز وجل، وَعَجَائِبِ لُطْفِهِ، وَحِكْمَتِهِ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ

- ‌ذِكْرُ النُّجُومِ

- ‌ذِكْرُ السَّحَابِ وَصِفَتِهِ

- ‌ذِكْرُ الْمَطَرِ وَنُزُولِهِ

- ‌صِفَةُ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ

- ‌ذِكْرُ الْمَجَرَّةِ

- ‌ذِكْرُ الرِّيَاحِ

- ‌صِفَةُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ

- ‌صِفَةُ الْأَرَضِينَ، وَمَا فِيهِنَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ

- ‌صِفَةُ الْبَحْرِ وَالْحُوتِ، وَعِظَمُ خَلْقِهِمَا، وَعَجَائِبُ مَا فِيهِمَا

- ‌بَابَ صِفَةِ الْبَحْرِ وَالْحُوتِ، وَعَجَائِبِ مَا فِيهِمَا

- ‌صِفَةُ النِّيلِ وَمُنْتَهَاهُ " أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَبَّادُ بْنُ سَرْحَانَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَعَافِرِيِّ الشَّاطِبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الرَّئِيسُ الزَّكِيُّ الْحَضْرَةِ أَبُو الرَّجَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ

- ‌صِفَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَلْقِ، وَسَعَةِ الْأَرْضِ

- ‌مُلَاحَظَةُ اللَّهِ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ خَلْقَهُ حِينَ فَرَاغِهِ مِنْ خَلْقِهِمْ

- ‌مَا ذُكِرَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عز وجل فِي أَرْضِهِ، وَمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ النِّعَمِ

- ‌قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَسَعَةِ مُلْكِهِ، وَتَمْكِينِ اللَّهِ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسُلْطَانِهِ

- ‌ذِكْرُ جَبَلِ قَافٍ الْمُحِيطُ بِالْأَرْضِ

- ‌ذِكْرُ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

- ‌حَدِيثُ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا

- ‌ذِكْرُ نَمْرُودَ، وَعِظَمِ سُلْطَانِهِ، وَعُتُوِّهِ وَتَمَرُّدِهِ، وَتَسْلِيطِ اللَّهِ تَعَالَى أَضْعَفَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ احْتِقَارًا لَهُ، وَتَهَاوُنًا بِشَأْنِهِ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الَّذِينَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، وَمَا خُصُّوا مِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ عز وجل وَعَظِيمِ شَأْنِهِ

الفصل: ‌ذكر إرم ذات العماد

‌ذِكْرُ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

ص: 1493

حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ، أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ نَشَزَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صَحَارِي عَدَنِ أَبْيَنَ وَالشَّجَرُ تُظِلُّهُ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ إِذْ وَقَعَ عَلَى مَدِينَةٍ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ عَلَيْهَا حِصْنٌ حَوْلَ ذَلِكَ الْحِصْنِ قُصُورٌ كَثِيرَةٌ، وَأَعْلَامٌ طِوَالٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا ظَنَّ أَنَّ فِيهَا أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ إِبِلِهِ، فَإِذَا لَا خَارِجَ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ حِصْنِهَا، وَلَا دَاخِلٌ يَدْخُلُ مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَعَقَلَهَا، ثُمَّ اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ، فَلَمَّا خَلَفَ الْحِصْنَ إِذَا هُوَ بِبَابَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُمَا، وَلَا أَطْوَلُ، وَإِذَا خَشَبُهُمَا مُحْمِرٌّ، وَفِي ذَيْنِكَ الْبَابَيْنِ مَسَامِيرُ مِنْ يَاقُوتٍ أَبْيَضَ، وَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ يُضِيئُ

ص: 1493

ذَانِكَ الْبَابَانِ فِيمَا بَيْنَ الْحِصْنِ وَالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَعْجَبَهُ، وَتَعَاظَمَهُ الْأَمْرُ، فَفَتَحَ أَحَدَ الْبَابَيْنِ وَدَخَلَ، فَإِذَا هُوَ بِمَدِينَةٍ لَمْ يَرَ الرَّاءُونَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَإِذَا هِيَ قُصُورٌ: قُصُورٌ عَلَى كُلِّ قَصْرٍ مُعَلَّقٍ تَحْتَهُ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، وَمِنْ فَوْقِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْهَا غُرَفٌ، وَفَوْقَ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَكُلُّ مَصَارِيعِ تِلْكَ الْقُصُورِ، وَتِلْكَ الْغُرَفِ مِثْلُ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ مِنْ حَجَرٍ، كُلُّهَا مُفَصَّصَةٌ بِالْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ، وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، مُتَقَابِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، يُنَوَّرُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، مَفْرُوشَةٌ كُلُّهَا تِلْكَ الْقُصُورُ، وَتِلْكَ الْغُرَفُ بِاللُّؤْلُؤِ، وَبَنَادِقٍ مِنْ مِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ، فَلَمَّا عَايَنَ الرَّجُلُ مَا عَايَنَ، وَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا، وَلَا أَثَرَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، بِنَاءً لَمْ يَسْكُنْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَرَ أَثَرًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَصًا حَدِيدَةً أَهَالَهُ ذَلِكَ وَأَفْزَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْأَزِقَّةِ، فَإِذَا هُوَ بِالشَّجَرِ فِي كُلِّ زُقَاقٍ مِنْهَا قَدْ أَثْمَرَتْ تِلْكَ الْأَشْجَارُ كُلُّهَا، وَإِذَا تَحْتَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ يَجْرِي مَاؤُهَا مِنْ قَنَوَاتٍ مِنْ فِضَّةٍ، كُلُّ قَنَاةٍ مِنْهَا أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الشَّمْسِ، تَجْرِي تِلْكَ الْقَنَوَاتُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ، وَدَاخَلَ الرَّجُلَ الْعَجَبُ مِمَّا رَأَى، وَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ مَا خَلَقَ اللَّهُ تبارك وتعالى مِثْلَ هَذِهِ في الدُّنْيَا، وَإِنَّ هَذِهِ لِلْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عز وجل، مَا بَقِيَ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ تبارك وتعالى شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الْجَنَّةُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْخَلَنِيهَا، سَاهِرٌ عَلَى ذَلِكَ يُوامِرُ نَفْسَهُ وَيَتَدَبَّرُ رَأْيَهُ، إِذْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لُؤْلُؤِهَا، وَيَاقُوتِهَا وَزَبَرْجَدِهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ بِلَادَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهَا، فَفَعَلَ فَحَمَلَ مَعَهُ مِنْ لُؤْلُؤِهَا وَمِنْ بَنَادِقِ

ص: 1494

الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْلَعَ مِنْ زَبَرْجَدِهَا شَيْئًا، وَلَا مِنْ يَاقُوتِهَا لِأَنَّهَا مُثَبَّتَةٌ فِي أَبْوَابِهَا وَجُدْرَانِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْبَنَادِقُ مِنَ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ مَنْثُورًا فِي تِلْكَ الْغُرَفِ، وَالْقُصُورِ كُلِّهَا، فَأَخَذَ مَا أَرَادَ وَخَرَجَ إِلَى نَاقَتِهِ، فَحَلَّ عَقْلَهَا وَرَكِبَهَا، ثُمَّ سَارَ رَاجِعًا يَقْفُو أَثَرَ نَاقَتِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَظْهَرَ مَا كَانَ مَعَهُ، فَأَعْلَمَ النَّاسَ أَمَرَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ، وَبَاعَ بَعْضَ اللُّؤْلُؤِ، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ قَدِ اصْفَرَّ مِنْ طُولِ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَنْمَى وَيَخْرُجُ حَتَّى بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه، فَأَرْسَلَ رَسُولًا وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ صَنْعَاءَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ الرَّجُلَ لَيَسْأَلَهُ عَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَخَرَجَ بِهِ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الْيَمَنِ حَتَّى قَدِمَ بِهِ الشَّامَ، وَأَمَرَ صَاحِبَ صَنْعَاءَ الرَّجُلَ أَنْ يَخْرُجَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَتَاعِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، فَسَارَ الرَّجُلُ وَرَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَخَلَّى بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَأَلَهُ عَمَّا رَأَى وَعَايَنَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَ الْمَدِينَةِ، وَمَا رَأَى فِيهَا شَيْئًا شَيْئًا، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ وَأَنْكَرَ مَا حَدَّثَهُ وَقَالَ:«مَا أَظُنُّ مَا تَقُولُ حَقًّا؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ مِنْ مَتَاعِهَا الَّذِي هُوَ مَفْرُوشٌ فِي قُصُورِهَا وَغُرَفِهَا وَبُيُوتِهَا. قَالَ:«مَا هُوَ؟» قَالَ: اللُّؤْلُؤُ وَبَنَادِقُ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: «هَاتِ حَتَّى أَرَاهُ» . فَأَرَاهُ لُؤْلُؤًا أَصْفَرَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَأَرَاهُ تِلْكَ الْبَنَادِقَ، فَشَمَّهَا مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَجِدْ لَهَا رِيحًا، فَأَمَرَ بِدَقِّ بُنْدُقَةٍ مِنْ تِلْكَ الْبَنَادِقِ، فَسَطَعَ رِيحُهَا مِسْكًا وَزَعْفَرَانًا فَصَدَّقَهُ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: «كَيْفَ لِي حَتَّى أَعْلَمَ مَا اسْمُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ؟ وَمَنْ بَنَاهَا؟ وَلِمَنْ كَانَتْ؟

ص: 1495

فَواللَّهِ، مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَا مَلَكَ سُلَيْمَانُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ» . فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ خَبَرَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي زَمَانِنَا هَذَا إِلَّا عِنْدَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرَ بِأَنْ يَغِيبَ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلُ، فَإِنَّهُ سَيُخْبِرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِهَا، وَأَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، إِنْ كَانَ دَخَلَهَا، لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَسْتَطِيعُ هَذَا الرَّجُلُ دُخُولَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ دُخُولُهُ إِيَّاهَا، فَابْعَثْ إِلَى كَعْبٍ فَإِنَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ عز وجل أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلَا مَنْ مَضَى مِنَ الدَّهْرِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْيَوْمِ إِلَّا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ مُفَسَّرًا مَنْسُوبًا مَعْرُوفًا مَكَانُهُ، فَلْيَبْعَثْ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُ خَبَرَهَا عِنْدَهُ، فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ:«يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنِّي دَعَوْتُكَ لِأَمْرٍ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ عِنْدَكَ» . قَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، فَسَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ؟ قَالَ:«أَخْبِرْنِي يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَلْ بَلَغَكَ أَنَّ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةً مَبْنِيَّةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعُمُدُهَا زَبَرْجَدٌ وَيَاقُوتٌ وَحَصْبَاءُ، قُصُورُهَا وَغُرَفُهَا اللُّؤْلُؤُ، فِيهَا أَجِنَّتُهَا وَأَنْهَارُهَا فِي الْأَزِقَّةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ؟» قَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي سَأُوَسَّدُ يَمِينِي قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَمَا فِيهَا وَلِمَنْ هِيَ؟، وَلَكِنْ أُخْبِرُكَ بِهَا، وَمَنْ

ص: 1496

بَنَاهَا؟، وَلِمَنْ هِيَ؟: أَمَّا تِلْكَ الْمَدِينَةُ، فَهِيَ حَقٌّ كَمَا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى مَا وُصِفَ لَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُهَا الَّذِي بَنَاهَا، فَشَدَّادُ بْنُ عَادٍ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَإِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 8] وَهِيَ كَمَا وُصِفَ لَكَ لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «حَدِّثْنَا بِحَدِيثِهَا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى» . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَادًا الْأُولَى لَيْسَ عَادَ قَوْمِ هُودٍ، وَلَكِنْ عَادٌ الْأُولَى إِنَّمَا هُوَ هُودٌ، وَقَوْمُ هُودٍ وَلَدُ ذَلِكَ، فَكَانَ عَادٌ لَهُ ابْنَانِ: فَسَمَّى أَحَدَهُمَا شَدِيدًا، وَالْآخَرَ شَدَّادًا، فَهَلَكَ عَادٌ فَبَغَيَا، وَتَجَبَّرَا، وَمَلَكَا فَقَهَرَا كُلَّ الْبِلَادِ، وَأَخَذَاهَا عَنْوَةً وَقَسْرًا حَتَّى دَانَ لَهُمَا جَمِيعُ الْقَبَائِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمَا إِلَّا وَهُوَ فِي طَاعَتِهِمَا، لَا فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ، وَلَا فِي مَغْرِبِهَا، وَإِنَّهُ لَمَّا صَفَا لَهُمَا ذَلِكَ، وَقَرَّ قَرَارُهُمَا مَاتَ شَدِيدٌ وَبَقِيَ شَدَّادٌ، فَمَلَكَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ، وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مُولَعًا بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْأُولَى الْفَانِيَةِ، وَكُلَّمَا مَرَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ، وَمَا سَمِعَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يُقَلِّدَ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الدُّنْيَا عُتُوًّا عَلَى اللَّهِ عز وجل وَكِبْرًا، فَلَمَّا وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَالَّذِي يُرِيدُ أَمَرَ بِصَنْعَةِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

ص: 1497

، وَأَمَرَ عَلَى صُنْعِهَا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ، مَعَ كُلِّ قَهْرَمَانٍ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ. قَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى أَطْيَبِ فَلَاةٍ فِي الْأَرْضِ وَأَوْسَعِهَا، فَاعْمَلُوا لِي فِيهَا مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ تَحْتَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَعَلَى الْمَدِينَةِ قُصُورٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ، وَاغْرِسُوا تَحْتَ الْقُصُورِ فِي أَزِقَّتِهَا أَصْنَافَ الثِّمَارِ كُلَّهَا، وَأَجْرُوا فِيهَا الْأَنْهَارَ حَتَّى يَكُونَ تَحْتِ الْأَشْجَارِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ فِي الْكِتَابِ صِفَةَ الْجَنَّةِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ مِثْلَهَا فِي الدُّنْيَا، أَتَعَجَّلُ سُكْنَاهَا. فَقَالَ لَهُ قَهَارِمَتُهُ - وَكَانُوا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ - تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَهْرَمَانٍ مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ: كَيْفَ لَنَا أَنْ نَقْدِرَ عَلَى مَا وَصَفْتَ لَنَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَبْنِي مِنْهُ مَدِينَةً مِنَ الْمَدَائِنِ كَمَا وَصَفْتَ لَنَا؟ مَتَى نَقْدِرُ عَلَى هَذَا الذَّهَبِ كُلِّهِ وَهَذِهِ الْفِضَّةِ؟ فَقَالَ لَهُمْ شَدَّادٌ: أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُلْكَ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِيَدِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَانْطَلِقُوا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعْدِنٍ مِنْ مَعَادِنِ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، أَوْ بَحْرٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ، أَوْ مَعْدِنُ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَوَكِّلُوا بِهِ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ رَجُلًا يُخْرِجُ لَكُمْ مَا كَانَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، ثُمَّ انْطَلِقُوا، فَانْظُرُوا إِلَى مَا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، فَخُذُوهُ سِوَى مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَادِنِ، فَإِنَّ مَعَادِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِيهَا مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ بِهِ أَكْثَرُ، وَأَعْظَمُ مِمَّا كُلِّفْتُمْ مِنْ صَنْعَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَكَتَبَ مِنْهُ إِلَى كُلِّ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا يَأْمُرُهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي بِلَادِهِ مِنْ جَوْهَرِهَا، وَيَحْفُرَ مَعَادِنَهَا، فَانْطَلَقَ أُولَئِكَ الْقَهَارِمَةُ، فَبَعَثُوا بِكَلِّ كِتَابٍ إِلَى مَلِكٍ مِنْ تِلْكَ الْمُلُوكِ، وَأَخَذَ كُلُّ مَلِكٍ مَا يَجِدُ فِي يَدَيْهِ فِي مُلْكِهِ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى بَعَثَ إِلَى فَعَلَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ بِمَا قَبْلَهُ مِمَّا سَأَلَهُ مِنَ الزَّبَرْجَدِ

ص: 1498

، وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَخَذَ الْقَوْمُ فِي طَلَبِهِمْ لَهُ مَوَاضِعَ، كُلَّمَا أَرَادُوا وَضَعَهُ لَهُمْ مِنَ الْبَسَاتِينَ بَسَاتِينِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَحُدُودِهَا عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ". فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ:«يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَكَمْ كَانَ عَدَدُ تِلْكَ الْمُلُوكِ الَّتِي كَانَتْ إِرَمُ؟» قَالَ: كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ مَلِكًا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ، كُلُّ مَلِكٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ:«أَتْمِمْ حَدِيثَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ» . قَالَ: فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْفَعَلَةُ وَالْقَهَارِمَةُ، فَتَبَدَّدُوا فِي الصَّحَارِي لِيَجِدُوا مَا يُوَافِقُهُ فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى صَحْرَاءَ عَظِيمَةٍ نَقِيَّةٍ مِنَ الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ، فَإِذَا هُمْ بِعُيُونٍ مُطَّرِدَةٍ فَقَالُوا: هَذِهِ صِفَةُ إِرَمَ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا فَعَمَدُوا، فَأَخَذُوا بِقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهُمْ مِنَ الْعَرْضِ وَالطُّولِ، ثُمَّ جَعَلُوا ذَلِكَ بِحُدُودٍ مَحْدُودَةٍ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى مَوَاضِعِ الْأَزِقَّةِ الَّتِي فِيهَا الْحُدُودُ، فَأَجْرَوْا فِيهَا قَنَوَاتِ تِلْكَ الْأَنْهَارِ، ثُمَّ وَضَعُوا الْأَسَاسَ مِنْ صُخُورِ الْجَزَعِ الْيَمَانِي، وَعَبَّوْا طِينَ ذَلِكَ الْأَسَاسِ مِنْ مُرٍّ وَلُبَانٍ، وَمَحْلَبٍ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِمَّا وَضَعُوا مِنَ

ص: 1499

الْأَسَاسِ، وَأَجْرَوُا الْقَنَوَاتِ، وَأُرْسِلَتْ إِلَيْهِمُ الْمُلُوكُ بِالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْجَوْهَرِ، كُلُّ مَلِكٍ قَدْ عَمِلَ مَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالْعُمُدِ مَفْرُوغٌ مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ مَفْرُوغٌ مِنْهُ مَصْنُوعًا، فَدَفَعُوهُ إِلَى تِلْكَ الْقَهَارِمَةِ وَالْوُزَرَاءِ، فَأَقَامُوا فِيهَا حَتَّى فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهَا، وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الْعُمُدِ، وَهِيَ قُصُورٌ مِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الْمُلُوكُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:«يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُهُمْ قَدْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ؟» قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي لَأَجِدُ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا، وَمَا أَجَّلَهُمُ الْمُلُوكُ فِي الَّذِي أَمَرَهُمْ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، وَلُؤْلُؤٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ حَتَّى فَرَغُوا مِنْهَا، أَجِدُهُ مَكْتُوبًا ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ مُعَاوِيَةُ:«وَكَمْ كَانَ عُمْرُ شَدَّادِ بْنِ عَادٍ صَاحِبُهَا؟» قَالَ: كَانَ عُمْرُهُ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، لَقَدْ أَخْبَرْتَنَا عَجَبًا، فَحَدِّثْنَا» . قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 7] الَّتِي لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، لِلَّذِي فِيهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ غَيْرُهَا وَلَا يَاقُوتٌ غَيْرُهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 7] قَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُمْ لَمَّا أَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِفَرَاغِهِمْ مِنْهَا قَالَ: انْطَلِقُوا فَاجْعَلُوا

ص: 1500

عَلَيْهَا حِصْنًا، وَاجْعَلُوا حَوْلَ الْحِصْنِ أَلْفَ قَصْرٍ عِنْدَ كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ عَلَمٍ، يَكُونُ فِي قَصْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ، وَزِيرٌ مِنْ وُزَرَائِي، وَيَكُونُ فَوْقَ كُلِّ عَلَمٍ مِنْهَا نَاطُورٌ قَالَ: فَرَجَعُوا، فَعَمِلُوا تِلْكَ الْقُصُورَ وَالْأَعْلَامَ وَالْحِصْنَ، ثُمَّ أَتَوْهُ، فَأَخْبَرُوهُ بِالْفَرَاغِ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ. قَالَ: فَأَمَرَ أَلْفَ وَزِيرٍ مِنْ أَهْلِ خَاصَّتِهِ، وَمَنْ يَثِقُ بِهِ أَنْ يَتَهَيَّأُوا إِلَى النَّقْلَةِ إِلَى إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، وَأَمَرَ لِتِلْكَ الْأَعْلَامِ بِرِجَالٍ يَسْكُنُونَهَا، وَيُقِيمُونَ فِيهَا لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِالْعَطَاءِ وَالْأَرْزَاقِ، وَالْجِهَازِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْلَامِ، قَالَ: وَأَمَرَ الْمَلِكُ مَنْ أَرَادَ مِنْ نِسَائِهِ، وَخَدَمِهِ بِالْجِهَازِ إِلَى إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، فَأَقَامُوا فِي جَهَازِهِمْ إِلَيْهَا عَشْرَ سِنِينَ، فَسَارَ الْمَلِكُ بِمَنْ أَرَادَ، وَخَلَفَ مِنْ قَوْمِهِ فِي عَدَنِ أَبْيَنَ، وَالشُّجَرَاءُ كُثْرٌ مِمَّا سَارَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّ وَسَارَ إِلَيْهَا لِيَسْكُنَهَا، وَبَلَغَهَا إِلَّا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَعَثَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ صَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَأَهْلَكَتْهُمْ جَمِيعًا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ إِرَمَ ذَاتَ الْعِمَادِ، وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى السَّاعَةِ، فَهَذِهِ صِفَةُ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيَدْخُلُهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَانِكَ هَذَا وَيَرَى مَا فِيهَا، وَيُحَدِّثُ بِمَا فِيهَا، وَلَا يُصَدَّقُ. قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ:«يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَلْ تَصِفُهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، هُوَ رَجُلٌ أَحْمَرُ أَشْقَرُ قَصِيرٌ، عَلَى حَاجِبِهِ

ص: 1501

خَالٌ، وَعَلَى عُنُقِهِ خَالٌ، يَخْرُجُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّحَارِي، فَيَقَعُ عَلَى إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ فَيَدْخُلُهَا وَيَحْمِلُ مِمَّا فِيهَا، وَالرَّجُلُ جَالِسٌ عِنْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْتَفَتَ كَعْبٌ فَرَأَى ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَقَالَ: هَذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْأَلْهُ عَمَّا حَدَّثْتُكَ بِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَذَا مِنْ خَدَمِي، وَلَمْ يُبَالِ حَتَّى قَالَ: فَقَدْ دَخَلَهَا، وَإِلَّا فَسَيَدْخُلُهَا، وَسَيَدْخُلُهَا أَهْلُ هَذَا الدِّينِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ:«لَقَدْ فَضَّلَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَلَى غَيْرِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَقَدْ أُعْطِيتَ مِنْ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ» . فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي التَّوْرَاةِ لِعَبْدِهِ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ، تَفْسِيرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَشِدَّةٌ وَوَعِيدٌ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا، وَشِدَّةٌ وَوَعِيدًا

ص: 1502