الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
ذكر قيام الدولة الأشرفية الصغرى
قال المصنف رحمه الله لما توفي السلطان الملك المظفر رحمه تعالى كما ذكرنا في تاريخه المذكور قام بأمر الملك بعده ولده الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول فاستولى على الحصون والمدن وسائر المخاليف والبلاد كلها. وكان ملكاً سعيداً عاقلاً فاضلاً أديباً لبيباً حسن السيرة وادعاً. وكان قد اشتغل بطلب العلم في أيام إمارته حتى برع في عدة من الفنون وشارك فيما سواها وصنف مصنفات كثيرة وكان محبوباً عند الناس على اختلاف حالاتهم وتباين طبقاتهم. ولما علم أخوه الملك المؤَيد بموت والده وكان في الشحر يومئذٍ كما ذكرنا خرج من الشحر يريد اليمن لطلباً للملك. قال ابن عبد المجيد فلما قرب من اليمن وصل إليه كتاب من أخيه الملك المنصور يحذره وعرض عليه حصن السَّمَدَانِ وكان يومئذ في يده فشكر له هذا الصنيع وكان متردداً بين الأقدام والأحجام فبينا هو كذلك إذ وصله كتاب القاضي موفق الدين علي بن اليحيوي يقول فيه قد شاع الخبر انك واصل إلى اليمن وسمعت من محقق أن أخاك السلطان الملك الأشرف قد أرسل نفرين من الفداوية إليك فالحزم الحزم واحترز في نفسك. فلما جاءَه كتاب القاضي موفق الدين بما ذكرناه اشتد عليه الأمر وسار مجدّاً. فلما وصل أبين وكان فيها عسكر من جهة الملك الأشرف هرب المقدم إلى اليمن في طائفة من العسكر ومالت طائفة أخرى إلى الملك المؤَيد فجهز أثقاله وحريمه إلى حصن السهدان وجهز معهم عسكراً فوصلوا على السلامة وعزم على حصار عدن وأخذها لينظر أين يبلغ معه أخوه فتوجه إلى عدن وتأَملها فرأى في بعض نواحيها درباً ضعيفاً متشعثاً فطلب صياداً من الصيادين الذين يصطادون حول الجبل وسأَله عن الجبل وعن طرقه وهل
هو سهل أَو ممتنع وهل فيه طريق يفضي إلى باب عدن أم لا. ففكر الصياد أن فيه طريقاً يصل الإنسان منها إلى باب البلد فقال له تقدر أن تأخذ معك عسكراً وتسير بهم إلى الموضع الذي ذكرت قال نعم. فكتم السلطان أمره واستوقفهُ عنده. فلما كان بعد صلاة المغرب أرسل معهُ من أجواد الرجال ثلاثمائة رجال وأوصاهم أن لا يظهروا حتى يروا السلطان بالقرب منهم فساروا صحبة الصياد. ولما أَصبح الملك المؤَيد جمة عسكره وتوجه نحو الباب. وكان الوالي قد جمع عسكراً من داخل البلد لحفظ الباب. فلما قرب منهم الملك المؤَيد وتأَهبوا لقتاله ثار عليهم أولئك الرجال وصاحوا من رأْس الجبل ونزلوا إلى الباب فملكوهُ وهرب الوالي وعسكره إلى داخل المدينة وصاحوا الأمان الأمان فأذم عليهم السلطان واستدعاهم إلى عنده فخرج إليه الوالي والنظار وأعيان البلد وصدور التجار رغبة ورهبة فاستولى على عدن ولم ينلها من أرباب الطمع أحد ورجع إلى الأجنة وهو في أشد ما يكون من الفرحج وجعل يتمثل بقول الشاعر
إذا لم يكن إلا الأَسنة مركباً
…
فلا رأْي للمضطر إلا ركوبها
ثم تقدم السلطان إلى لحج وأبين فاستولى عليهما وامتلأَ اليمن هيبة منه وقلوب الناس محبة له. فلما سمع السلطان الملك الأشرف ما كانه مه في عدن ولحج وأَبين وإن الناس مالوا إليه كما يميل الحديد إلى المغناطيس جهز ولده الناصر في ثلاثمائة فارس فساروا إلى الراحة ووقف فيها. ووصل الشريف جمال الدين علي بن عبد الله من البلاد العليا فجهزه السلطان الملك الأشرف في خيل والحقه بولده الناصر. ثم طلب الجيوش من صنعاءَ وغرها وجهز ولدي الأمير شمس الدين أردمر نجم الدين وبدر الدين. فكثرت الجموع وتأَلبت الخيل من ناجية. ولم يكن يومئذ مع الملك المؤَيد إلا عسكره الذي وصل بهِ من الشحر وجماعة من الجحافل مقدمهم عمر بن سهيل.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن عبيد بن أبي بكر بن عبد الله البلعاني وكان فقيهاً فاضلاً ولد في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وستمائة. وتفقه بعلي بن قاسم الحكمي صاحب زبيد وعمر بن مفلح فقيه أَبين وبأحد الوزيرين ودرس في معزية تعز في النجاحية. وعنهُ أخذ جماعة من أهل تعز وغيرها. وإثنى عليه الفقيه عفيف الدين عثمان الشرعبي في تعليقته. وكانت وفاته نهار الخميس الرابع عشر من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح عبيد بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود بن عليان الزحمي وكان فقيهاً عارفاً. ولد يوم الثاني من ربيع الآخر من سنة اثنتي عشرة وستمائة وتفقه بالفقيه. وبعلي بن الحسين الأصابي وبمحمد بن يحيى بن إسحاق وابن أخيه يحيى بن أبي بكر بن إسحاق وغيرهم.
ويروى عنه رحمه الله أنه قال رأَيت ليلة إني سائر في طريق فوردت على ثلاث طرق يمناهن متسعة ويسراهن ضيقة والتي بينهما بين بينِ فتحيرت أيهن أسلك ثم قوي عزمي على سلوك الوسطى فلما صرت فيها لقيني رجل فقال أتدري ما الطريق قلت لا. قال أم الكبيرة فطريق ابن حنبل والوسطى طريق الشافعي والثالثة طريق مالك. ثم ارتحل إلى زبيد فاخذ بها الفرائض عن سعد بن معاوية والتنبيه عن الفقيه علي بن قاسم فقيه زبيد وسمع البيان عن عبد الله بن يحيى. ولما حج أخذ في مكة عن ابن النعمان التبريزي وتفقه به جماعة من بلده. وكانت وفاته فجأّة ليلة الاثنين لثمان بقين من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح سبأ بن عمر الدمني. وكان فقيهاً صالحاً حبراً قرأّ القرآن للسبعة القراء حتى أتقن. وكانت قراءَته على رجل من صهبان وأخذ كتب الحديث عن عبد الله بن أسعد الحديقي وتفقه. ثم قدم عدن فترتب في مسجد السوق صاحب المنارة. وكان يقرأ فيه القرآن والحديث وعنهُ أخذ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الحارزي كتاب البخاري ومسلم وامتحن في آخر عمره بكفاف بصره. وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي هذه السنة توفي المقري الفاضل أبو محمد عبد الرحمن بن القاضي عبد الله بن أسعد بن الفقيه محمد بن موسى العمراني. وكان مقرئاً مجيداً فاضلاً عارفاً بالقراءات مشهوراً بها محققاً لها. وله في اللغة معرفة حسنة. توفي في سلخ شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح الفاضل أبو حامد محمد بن أبي بكر بن أحمد ابن دروب صاحب ريمة إلا وكان فقيهاً بارعاً صوفياً تفقه بالجحيفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن أسعد بن علي بن فضل الصعبي المعروف بالجعميم بكسر الجيم وسكون العين المهملة وبعدها ميم مكسورة وياءُ وميم. وكان فقيهاً صالحاً تقياً مبارك التدريس موفقاً في الفتوى تفقه بابي العباس أحمد بن عبيد بن يحيى مقدم الذكر ودرس بعده وسأَلهُ جماعة من فقهاء سهقنة أن يسمعهم تفسير النقاش فتهيأَ لذلك فقال له بعض أولاد القاضي أسعد بن مسلم أحب يا فقيه أن تجعل ذلك عندي في داري يريد أن تقوم بكفاية الجميع من الجماعة فأجابهُ إلى ذلك. وسار من سهفنة إلى دار يزيد فاجتمع إليه خلق كثير. قال الفقيه صاح وكنت القارئ الغالب الكتاب والجماعة يسمعون. قال وكان الفقيه قد تنعس في اثناءِ القراءَة فتغلب على الظن أنه لا يسمع فأردت أن أكاسر عن القراءة إذا بي أَرى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع الفقيه وهو يقول لي اقرأْ يا صالح فقرأْت ولم اسكت بعد ذلك. ثم رأيت الفقيه قد فتح عينيه عقيب ذلك وتبسم إليَّ خاصة. فلم ادر ما تحت تبسمه من معنى. وكانت وفاتهُ في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة خمس وتسعين وستمائة سارت العساكر الأشرفية من الراحة إلى الجوة إلى كثيب القشيب. وسار إليهم المؤَيد بين ولديه الظافر والمظفر كما قال الشاعر
تراهُ من نفسهِ
…
في جحفل لجب
فلما اصطدم الناس هزمهم حتى أعقلهم بالكثيب فنزل الشريف علي ابن
الصغرى
عبد الله ووجوه العسكر فملكوا بعض العرصة. واصطدموا صدمة أُخرى فاهتزمت الجحافل وولوا الأدبار وهم معظم عسكره فرجع إلى الدرب على حامية وقد نهبت خزانته وآلتهُ وأحاطت العساكر بالدرب من كل ناحية فدخل عليه ابن أخيه محمد الناصر ووقف معهُ مليّاً ثم خرجوا جميعاً إلى خيمة قد ضربت فلم يزالوا بهِ حتى تقيد هو ووالداه وأقاموا بقية يومهم هنالك. واصبحوا سائرين إلى الجوة. وكان السلطان الملك الأشرف واقفاً بها منتظراً لما يحدث من إخبارهم فلما أتاهُ العلم بتقييدهم بكى بكاءً شديداً وأمر بإكرامهم وأرسل بهم إلى حصن تعز فوصلوا يوم الأحد التاسع عشر من المحرم من السنة المذكورة فاسكنوا دار الأدب. وأمر السلطان الملك الأشرف لهم بترتيب الأطعمة والأشربة وجعل عليهم خادماً اسمهُ كافور البتولي. وكان إذ ذاك مقدماً على المماليك فكان فيما يقال عنهُ يكسر الخبز إذا دخل عليهم وربما يفتش الربادي. ولما صار في السجن كما ذكرنا كتب إليه الفقيه أبو بكري بن محمد بن عمر اليحيوي كتاباً يقول فيه:) بسم الله الرحمن الرحيم. والضحى والليل إذا سجى (. ما ودعك ربك ضعيفاً.
وأخبرني الفقيه محمد بن إبراهيم الصنعاني قال اخبرنا شيخنا الفقيه العلامة نفيس الدين سليمان بن إبراهيم العلوي قال حدثني جدي القاضي شرف الدين أبو القاسم بن عبد الرحمن الأشرفي أنه قال وجد ورقة مكتوبة بخط القاضي بهاء الدين فاستضعف خطه جداً. ثم أرسل بها إلى السلطان الملك المجاهد رحمه الله يعجبه من ذلك فأجاب رحمه الله نعم سيد الوزراء لسيد الملوك هذا لفظه بعينه. وكان أيضاً خطيباً مصقعاً لبيباً ذا دهاءٍ وسياسة ولم حسن نظر في تدبير المملكة. وكان يحترم الفقهاءَ ويجلهم وهو أول من جمع له الوزارة والقضاء باليمن في الدولة المظفرية. وبعده القاضي موفق الدين علي بن محمد اليحيوي في الدولة المؤَيدية. ثم القاضي موفق الدين عبد الله بن علي بن محمد اليحيوي في الدولة المجاهدية ثم القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس في الدولة الأشرفية. وهؤلاءِ جملة من جمع له القضاء والوزارة إلى هذا التاريخ وهو سنة اثنين وثمانمائة. ولم يزل القاضي بهاء الدين في وظيفتي الوزارة وقضاء الأقضية كما ذكرنا إلى أثناء سنة أربع وتسعين وستمائة. فلما كان في شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة. وأقام السلطان المظفر رحمه الله ولده الملك الأشرف في الملك والمملكة وقلده أمور البلاد والعباد. أشار القاضي بها الدين على السلطان الملك المظفر أن يكون أخوه القاضي حسام الدين حسان وزيراً للأشراف. فأمر الخليفة بذلك وبقي القاضي بهاء الدين على قضاء الأقضية وأخوه حسان يراجعه بما يرد عليه من أمر التهائم إلى أن توفي القاضي بهاء الدين في النصف من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه الله.
وفي هذه السنة توفيت الدار الشمسي وهي ابنة السلطان الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول. وكانت امرأَة عاقلة عفيفة حازمة لبيبة. وكانت تحب أخاها المظفر حبّاً شديداً ويحسّنِ سياستها وتدبيرها حتى اتصل بالملك إذ كانت
يومئذ بزبيد حين توفي والدهما. فشمرت وبذلت الأموال للرجال حفظت المدينة حتى وصل أخوها من المهجم إلى زبيد ملكها فهي أول مدينة ظهر فيها ملكه. ثم كانت هي السبب في أخذ الدملؤه وقد تقدم ذكر ذلك. ولذلك كان يبرها ولا يخالف لها رأْياً. وكانت ذات صدقة ومعروف ومآثرها كثيرة منها المدرسة المعروفة بالشمسية بذي مدينة من مدينة تعز لها وقف جيد على إمام ومؤَذن وقيم ومدرس وطلبة ومعلم وأيتام يتعلمون القرآن وابتنت مدرسة في زبيد معروفة بالشمسية أيضاً في جنوبي سوق المعاصر وأَوقفت عليها أيضاً وقفاً جيداً يقوم بكفاية المرتبين فيها. وهي التي تولت كفاية المؤَيد ابن أخيها. وكانت تحبه حبّاً شديداً. وسافرت معهُ إلى الشحر فتوفي أخوها السلطان الملك المظفر وهي هنالك فرجعت هي والمؤَيد فلما اعتقل المؤَيد كما ذكرنا صارت إلى تعز فنزلت في مدرسة أخيها المظفر وأقامت فيها أياماً فمرضت فاشتد بها المرض فانتقلت إلى دار المؤَيد ابن أخيها فلم نزل به حتى توفيت في شهر رجب من السنة المذكورة رحمها الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل يوسف بن أحمد بن الفقيه حسين العديني وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً بالفقه والفرائض وهو ممن ارتحل إلى تهامة فقرأ فيها الخلاصة على الفقيه عمر بن عاصم بزبيد. وزار الإمام العلامة أحمد بن موسى بن عجيل. وكانت وفاتهُ في قرية للذنيتين لأربعه بقين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله.
وفيها توفي الفقيه أبو العباس أحمد بن علي السرددي. وكان فقيهاً مجوداً وغلب عليهِ فن الحديث. وأدرك الشيوخ الأَكابر من تهامة والجبال والواردين إليهما من غيرهما. من تهامة محمد بن إبراهيم القشلي وإسماعيل ابن محمد الحضرمي وعمر السباعي. ومن الجبال محمد بن مصباح وغيرهُ.
وأما القادمون فجماعة منهم العماد الإسكندري والقطب العسقلاني وابن
حشيش وإسحاق الطبري. وعنهُ أخذ غالب فقهاء تعز كتب المسموعات كالبخاري ومسلم. وغالب كتب الحديث. وكانت كتبه محققة مضبوطة عند الفقهاء المحققين. وكانت وفاتهُ في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح الإمام أبو محمد عبد الله بن عمر بن سالم الفائشي. وكان مولده سنة تسع وخمسين وستمائة تقريباً. قالهُ الجندي وكان فقيهاً فاضلاً مقرئاً نحوياً له معرفة جيدة في الفقه والقراءات والنحو ولهُ مصنف جيد نحا فيه نحو البابشاذية سماه اللوامع. ولهُ يدُ في الأصول واللغة والحديث. وسافر إلى أبين فاخذ بها عن محمد بن إبراهيم وعن ابن الرسول. ثم سافر إلى تهامة فأخذ بها عن الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل.
قال الجندي ثم قدم علينا الجند فاخذ عنه أربعين الإمام بطال بروايتها لها عن التهامي بن بطال مصنفها. قال وكان أوجه أهل البلد ديناً وعلماً. فلما مرض واشتد به المرض دخل عليه جماعة من الفقهاء يزورونهُ فدعوا لهُ فجعل يوصيهم بتقوى الله وكلما دعوا لهٌ بالعافية أعرض عن ذلك. فقالوا لهُ أنا نجدك في عافية وكلامك كلام من قدآيس من العافية وأيقن بالموت فقال إني رأيت الباحة أن سقف بيتي هذا كشف حتى رأيت السماء ونودت مها اقدم يا فقيه من باب الترحيب ونوديت باسمي واسم أبي أقدم مرحباً بك فعلمت أن أجلي قد دنا. فتوفي وهو على تدريس النجمية يوم الأربعاء لإحدى عشر ليلة خلت من شعبان من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله بن عمران الخولاني. وكان فقيهاً مقرئاً محدثاً. ولد سنة إحدى وستمائة. وقرأ القرآن بجياً والفقه والحديث على عشرين شيخاً. أكثرهم أخذاً عنهُ حسن بن راشد وأبو بكر بن ناصر. وكان الغالب عليه المسموعات والإجازات. وحج ثلاث سنين ودرس في مصنعة شير وفي الجند. وكان مسكنهُ في الجهة عزلة يعرف بريد براءٍ مكسورة وياءٍ مثناة من تحتها وآخر الاسم دال مهملة. وكان فقيهاً شخياً عالي الهمة. وتوفي في العزلة المذكورة ليلة الاثنين
لسبع خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة رحمهُ اللهُ تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن علي ابن إبراهيم بن أسعد الهمداني يجتمع مع الفقيه عمر بن سعيد العقيبي في أسعد بن أحمد. وكانت له قراءات وسماعات وإجازات واشتغل عن العبادة وكان مشتغلاً بالفقه والدين من الصلاة والصيام والزكاة والحج. وارتحل إلى تهامة فاخذ بها عن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي.
قال الجندي وعليه قرأت الأربعين سريع الدمعة. ومتى سئل الدعاء مد كيفه ودعا وهو يبكى واستولى رأسه لموضع بعد ابن عمه عبد الرحمن المذكور أولاً. ولم يزل على حالٍ مرضي إلى أن توفي يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله. ولما بلغ خبر وفاته إلى الفقيه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي طلع الذي عقيب وحضر دفنه وأقام هنالك يوماً أو يومين بسبب القراءة على تربته ثلاثة أيام. فبلغه خبر وفاة القاضي بهاء الدين الوزير محمد بن أسعد العمراني المذكور أولاً فسافر من هنالك إلى المصنعة يعزي. وقرأ بعض أيام القراءة ثم عاد إلى بلده رجمهُ الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أسعد محمد بن موسى العمراني. وكان فقيهاً فاضلاً درس مدة في جامع المصنعة قال الجندي وعنهُ أخذت بعض كافي الصردفي والمهذب وبعض مصنعة في الرقائق وهو كتاب سماهُ: جامع أسباب الخيرات. ومثير عزم أهل الكسل والفترات. وهو من احسن كتب المتعبدين. ولهُ مختصر سماهُ البضاعة. في فضل صلاة الجماعة. قال وهو من المختصرات البديعة في ذلك. والتبصرة في علم الكلام. وشرح التنبيه شرحاً شافياً لائقاً اجمع الفقهاء على سماعه بعد فراغه من جميع فقهاء الجبال. وكان فيهم عدة من أكابر العصر قال وسمعت عليه بعضه وقرأت عليه جميع مصنفه الذي سماه البضاعة وإيضاح الأصبحي. وكانت وفاتهُ في شهر شوال من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى.
وفي سنة ست وتسعين توفي السلطان الملك الأشرف محمد الدين عمر بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لسبع بقين من المحرم أول شهور السنة المذكورة. وكان ولده الناصر يومئذٍ في القحمة والعادل في صنعاء لأمر أراده الله تعالى فاتفقت آراء الخدم الخاصة والعامة والستور الكريمة على إبراز بدر الجود. وإصباح شمس الوجود. وإن يزأر الليث في غابه. وإن يستقر الحق في نصابه. وان يسوس الدولة نعمانها. وإن يتسلم الحكمة لقمانها. فلما كان السحر من تلك الليلة تقدمت الأكابر من الخدام إلى مولانا السلطان الملك المؤيد وهو في مجلسه فأخبره بانتقال أخيه الملك الأشرف إلى رحمة الله تعالى فناله من الأسف ما ناله لفقد أخيه وداخل المسلمين من السرور ما كاد يذهب بنفوسهم. ومن فرح النفس ما يقتل. ولما خرج من سجنه طلب من والي الحصن سيفاً يكون في يده فأتى بثلاثة سيوف له ولولديه وسار حتى وقف على رأس أخيه وبكى بكاءً شديداً وتأسف عليه تأسفاً عظيماً ثم خرج من عنده وقد أمر بتجهيزه فقعد في تخت الملك إلى أن طلع الفجر فلما لاح ضوء الفجر أمر نوابة الحصن أن يصيحوا بالترحم على الملك الأشرف وبالصباح السعيد على الملك المؤيد فسبحان من لا يزول ملكه. ولا يبيد سلطانه.
وكان الملك الأشرف ملكاً سعيداً صالحاً براً باخوته وقرابته محباً لهم. وكان رؤوفاً للرعية عطوفاً عليهم وحصل في مدته في اليمن جراد عظيم استولى على الزرع والثمار فاشتكت الرعية إليه فأمر بمسامحتهم فتوقف الوزير عليهم وهو القاضي حسام الدين بن حسان بن أسعد العمراني ولم يمض المسامحة لهم كما أمر السلطان فاشتكوه إلى السلطان ثانية فكتب إليه يا فلان اقتصر عنهم ولا تفرقهم علينا فإنه يصعب علينا جمعهم.
ومن مناقبه رحمه الله تعالى أن رعية النخل بوادي زبيد كانوا قد تلفوا من الجور الشديد وإفلات الملوك عليهم فبلغ بهم الأمر أن من كان له نخل لا يزوجه أحد وأي امرأة كان لها نخل لا يتزوجها أحد إلا مغرور. وكان الرجل الذي ليس له نخل إذا تزوج امرأة لا نخل لها يقال عند عقد النكاح بينهما ومن سعادتهما أنه لا نخل لأحد
منهما. لما ولي الملك الأشرف أمر من افتقد النخل فأزال عن أهله ما نزل بهم من الظلم. فهو أول من سن العديد بالفقهاء العدول وتبعه على ذلك بعده رحمهم الله أجمعين. وكان له من الولد محمد الناصر وأبو بكر العادل. ووزيره القاضي بهاء الدين وزير والده فلما توفي القاضي بهاء الدين استوزر أخاه القاضي حسام الدين واستعفى القاضي بهاء الدين عن الوزارة وبقي على قضاء الأقضية وإنما كان أخوه حسان يستشيره فيما يتعاظمه من الأمر والله أعلم.