المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الناس وفرغوا وقد اجتمعت أشراف العرب أمر الملك ابنه ثعلبة - العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية - جـ ١

[علي بن الحسن الخزرجي]

الفصل: الناس وفرغوا وقد اجتمعت أشراف العرب أمر الملك ابنه ثعلبة

الناس وفرغوا وقد اجتمعت أشراف العرب أمر الملك ابنه ثعلبة بأمر فعصاه فضربه بالعنزة فوثب ثعلبة عليه فلطمه. فقال الملك: وأذلاّه يُلطم وجهي يوم مجدي. فوثب سائر أولاده وبنو عمه على ثعلبة ليقتلوه. فقال: لا تفعلوا فإن الرحمة سبقت له في قلبي قبل السخط ومع العجلة الندم ولكني سأعاقبه بما يكون لي نصفة منه. أبيع مالي وعقاري ولا أدع له شيئا ينقلب إليه وأنتقل من مأرب إلى غيرها. فقال أهل البلاد: اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه جميع أموال. فلما أحرز أثمان أمواله أنتقل في ولده وولد ولده وسائر قومه وعشيرته. ثم أخرب الله السد بعد ذلك فأقلع الصخور والقصور الشجار والأنهار فرمى فيها الرمل. فلما رأى من كان تحت السد خرابه وإنهم لا يقدرون على شيء منه هربوا إلى قنن الجبال بالأهليين والأموال. وفاض الماء على السد لكثرة المطر. وخرج الماء من الخلل التي حفرها الفأر. وقد ذكر ذلك الأعشى حيث يقول:

وفي ذاك للمؤُتسي أسوة

ومأرب عفّى عليها العرم

رجام بنته لهم حمير

إذا جاء مؤازر لم يزم

فأروى الزروع وأعنابها

على سعة ماؤهم إذ قُسم

فصاروا أيادي ما يقدرو

ن منه على شرب طفل فُطم

كانوا كما قال الله تعالى وتبارك) وبدّلْناهُم بجنّتيهم جنّتين ذواتيْ أُكل خمْط وأثل وشيء من سدر قليل جزيناهم بما كفروا وهل نُجازي إلاّ الكفور (ويروى أن سيل العرم كان قبل الإسلام بأربعمائة سنة. قاله حمزة بن الحسن الأصفهاني. وفي رواية غيره أكثر من ذلك وهي الرواية الصحيحة. والله أعلم.

‌فصل

ولما خرب السد وخرج عمرو بن عامر مزيقياء في ولده وولد ولد وعدة من

ص: 24

قبائل قومه من مأرب متوجهين إلى البلاد يرتادون أرضا تحملهم أو بلدا يمنعهم فنزلوا بلاد عكّ مجتازين. وكان رئيس عكّ يومئذ شملقة بن الجباب. فسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام عنده حتى يأمروا من يرتاد لهم منزلاً ينزلونه. ووجّه عمرو بن عامر ثلاثة من ولده وهم الحرث بن عمرو بن عامر ومالك بن عمرو وحارثة بن عمرو بأرض عكّ قبل أن يرجع إليه أحد روّاده فاستخلف ابنه ثعلبه العنقاء وهو جد الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن عامر. فتقلد ما كان يتقلده آباؤه من حفظ المملكة وسد الثغور. ولما توفي عمرو بن عامر كما ذكرنا وقع الوباء في قومه بعده واشتد عليهم الأمر فأرسلوا إلى عكّ وقالوا لهم أن هذا الموضع الذي انتم فيه لمقامنا عندكم ونحن سائرون عنكم عن قريب. فكرهت عكّ ذلك فهاجت الحرب بينهم فاقتتلوا قتالا شديدا واستمرّ القتل في عكّ وقتل شملقة ابن الجُباب غيلة وكان الذي تولى حربهم وقتالهم جذع بن سنان وكان شجاعا مقداما فتّاكاً. وكان أعور أصم كثير الكيد عظيم المكر شيطانا من شياطين العرب. وكان ثعلبة العنقاء كارها لذلك من فعله فحلف أن لا يقيم هنالك. فلم يزالوا سائرين حتى صاروا قريبا من مكة. وكان سكان مكة يومئذ جُرهم. فأرسل ثعلبة العنقاء رسلا إلى جرهم فسألهم أن يأذنوا لهم في المقام عندهم فأبوا عليهم فاقتتلوا وظفرت بهم الأزد فأجلوهم عن مكة ووليت خزاعة البيت دهرا طويلا نحو من ثلاثمائة سنة.

قال ابن قتيبة: ومات ثعلبة العنقاء بمكة فاستُخلف على قومه أخوه جفنة بن عمرو بن عامر. فتقلد جفنة ما كان يتقلد آباؤه من حفظ المملكة والذب عنها. ولم يزل في مكة مقيما هو وقومه من الأزد حتى ضاقت عليهم مكة وأرادوا الشخوص عنها. وكانت فيهم كاهنة وهي طريفة زوجة عمرو بن عامر مزيقياء. فلما عزموا على الخروج من مكة قالت لهم كاهنتهم من كان ذا هّم بعيد وحمل جليد وبأس شديد فليقصد عُمان المشيد. فنزلوا عُمان فسار أليه بنو نضر بن الأزد فهم أزد عُمان. فنزلوا عُمان

ص: 25