الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بالأصل الفارسي
(فارسية التشيع) :
يقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية، وذلك لعدة اعتبارات:
الأول: ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، كان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق.. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع، بإظهار محبة أهل البيت، واستبشاع ظلم علي - بزعمهم - ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى (1) .
الثاني: أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجبة، وطاعته طاعة الله سبحانه وتعالى (2) . وكثير من الفرس دخلوا في الإسلام ولم يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالاً، وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين إلى الملوك الساسانيين.
(1) ابن حزم/ الفصل: 2/273، وانظر: المقريزي/ الخطط: 2/362
(2)
انظر: محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/37، أحمد أمين/ فجر الإسلام: ص277، عرفان عبد الحميد/ دراسات في الفرق: 23، فلهوزن/ أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام: ص 168، فلوتن/ السيادة العربية: ص 76
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس"(1) .
الثالث: حينما فتح المسلمون بلاد الفرس تزوج الحسين بن علي رضي الله عنه ابنه يزدجرد أحد ملوك إيران، بعدما جاءت مع الأسرى فولدت له علي بن الحسين، وقد رأى الفرس في أولادها من الحسين وارثين لملوكهم الأقدمين، ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سلالة الملوك الساسانيين المقدسين عندهم (2) ، أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة - فيما يقال - اسم مقدس عند الفرس، لأن لها مقاماً محموداً في تاريخ الفرس القديم (3) .
الرابع: وتلمح الأصل الفارسي أيضاً في روايات عديدة عند الاثني عشرية، تفرد سلمان الفارسي رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سلمان باب الله في الأرض، من
(1) محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/38
(2)
انظر في أن أم علي بن الحسين هي ابنة يزدجرد: تاريخ اليعقوبي: 2/247، صحيح الكافي: 1/53. وانظر في أثر ذلك: سميرة الليثي/ الزندقة والشعوبية: ص 56، عبد الله الغريب/ وجاء دور المحبوس: ص 77، النشار/ نشأة الفكر الفلسفي: 2/11، عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 82، رونلدسن/ عقيدة الشيعة: ص101
(3)
لأن لفاطمة أثراً جميلاً - كما يعتقدون - في الكشف عن سمرديس المجوسي الذي استولى على عرش الكيانيين، فكانت فاطمة بطلة، وكانت فاطمة مقدسة، ولولاها لما علم شيء من أمر سمرديس المجوسي هذا، ولولاها لما دبر أبوها أوتانس وصحبه مؤامرة عليه. (انظر: عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 84، عن هيرودوتس: 2/462، المقدسي/ البدء والتاريخ: 4/134، 6/95)
عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" (1) . وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلاقه على أئمتهم الاثني عشر، كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث الله إليه ملكاً ينقر في أذنه يقول كيت وكيت" (2) . و"عن الحسن عن منصور قال: قلت للصادق عليه السلام: أكان سلمان محدثاً؟ قال: نعم. قلت: من يحدثه؟ قال: ملك كريم. قلت: إذا كان سلمان كذا فصحابه أي شيء هو؟ قال: أقبل على شأنك" (3) . فهي تثبت الوحي لسلمان وتوحي بأن صاحبه وهو علي فوق ذلك؟! بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الأئمة والأنبياء، كما جعلت له أمر الإمام والنبي، فقالت: "
…
سلمان أدرك علم الأول وعلم الآخر" ثم فسرت ذلك، فقالت: "يعني علم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم علي، وأمرالنبي صلى الله عليه وسلم وأمر علي" (4) .
وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم - كما يفترون "ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون"(5) . بل بلغ الغلو ببعض الفرق الشيعية أن قالت بتأليه سلمان، وقد وجدت هذه الفرقة في عصر أبي الحسن الأشعري (المتوفى سنة 330هـ)، وأشار إليها في مقالاته حيث قال:"وقد قال في عصرنا هذا قائلون بألوهية سلمان الفارسي"(6) . وقد تكون هذه الروايات في كتب الاثني عشرية هي من آثار هذه الفرقة، لأن كتب الاثني عشرية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية بكل ما فيها من شذوذ.. وبقاؤها في كتبهم قد يؤذن بخروج طوائف منها مرة أخرى.
بل نلحظ أن هناك اتجاهاً داخل الدوائر الشيعية لتعظيم بعض العناصر
(1) رجال الكشي: ص 15
(2)
رجال الكشي: 16
(3)
رجال الكشي: ص 19
(4)
رجال الكشي: ص 16
(5)
رجال الكشي: ص 6-7
(6)
مقالات الإسلاميين: 1/80