الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبارهم وتناقضها، والتناقض أمارة بطلان المذهب.
ويبدو من خلال النص الأخير أن ذلك محاولة منهم للرجوع عن تلك المقالة بعدما جلبت عليهم العار، وأورثتهم الذي والشماتة، وضرت مذهبهم ولم تنل من كتاب الله شيئاً، لكن الرجوع عن هذه المقالة يوقعهم في تناقض آخر وهو أن هذا القرآن العظيم وصل إلينا عن طريق أبي بكر وعثمان وإخوانهم، وهؤلاء لهم في مذهب الشيعة النصيب الأوفى من اللعن والتكفير، وكيف يجتمع حينئذ في قلب واحد وعقل واحد الاعتقاد بسلامة القرآن وخيانة جامعيه، ولعلهم وضعوا المقالة الأخيرة التي تقول إن عثمان قابل القرآن على مصحف فاطمة المزعوم، وضعوها للخروج من هذا المأزق، ولكن هذا يوقعهم في تناقض ثالث وهو مخالفة أخبارهم التي تقول إن مصحف فاطمة غير القرآن - كما سيأتي - (1) . والثابت عن عثمان أنه أرسل إلى حفصة "أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف.. إلخ"(2) .
وهؤلاء جعلوا ذلك لفاطمة كعادتهم في نسبة فضائل الأنبياء، والصحابة إلى الاثني عشر، عن طريق تحوير الأحاديث، وصياغتها في كتبهم وتركيبها على الأئمة، أما في آيات القرآن فطريق ذلك التأويل الباطني أو دعوى التحريف، كما رأينا.
حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة
ووزنها عندهم:
لقد رأينا أن معظم كتب الشيعة انغمست في هذا المستنقع الآسن، وسقطت في تلك الهوة الخطيرة، فما مقدار هذا السقوط وما مستواه؟ هل تلك الروايات السوداء التي وجدت طريقها إلى كتب القوم، وتسللت إلى مراجعهم الحديثية لتكسو من يركن إليها ثوباً من الخزي والعار، وتسلب من يده آخر علاقة له بالإسلام.. هل تلك الروايات مجرد روايات شاذة مندسة في كتب القوم لم
(1) انظر الحديث عن فاطمة في مبحث (الإيمان بالكتب)
(2)
انظر: صحيح البخاري - مع فتح الباري -: 13/11
تحظ برضى عقلائهم، ولا قبول محققيهم، وأنها قد تسربت إلى كتب هؤلاء، لأن الكذابين على الأئمة - كما تقول كتب الشيعة - قد كثروا في صفوف الشيعة، وكان التشيع مطية لكل من أراد الكيد للإسلام وأهله، كما أثبتته الأحداث والوقائع؟
قد لاحظنا أن هذه الأسطورة بدأت بروايتين اثنتين في كتاب سليم بن قيس حسب النسخة المطبوعة التي بين أيدينا، وما لبثت أن أخذت بعداً أكبر وزادت أخبارها. وقد تولى كبر هذه الفرية ووزر هذا الكفر شيخ الشيعة علي بن إبراهيم القمي، فقد أكثر من الروايات في هذا الباب، ونص في مقدمته على أنها كثيرة، وبدأت عنده محاولة التطبيق العملي لهذه الخرافة كما سبق. ويلاحظ أن معظم روايات الكليني صاحب الكافي هي عن هذا القمي الذي تلقف هذه الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره الذي يحظى بتقدير الشيعة كلها (1)، وقد قال الذهبي وابن حجر عن تفسيره هذا:"وله تفسير فيه مصائب"(2) .
كانت دوائر الغلاة في القرن الثالث تعمل على الإكثار من صنع الروايات في هذا حتى أن شيخهم المفيد الذي يلقبونه بركن الإسلام وآية الله الملك العلام والمتوفى سنة (413هـ) يشهد باستفاضتها عند طائفته (الاثنا عشرية) يقول: "إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان"(3) .
هذه الاستفاضة هي ثمرة الوضع والكذب على أهل البيت والذي نشط في القرن الثالث على يد شرذمة من شيوخهم.
ولو كان عند أهل البيت شيء لقرؤوا به دون ما سواه، ولأخرجوه للناس ولم يسعهم كتمانه. ولكن أهل البيت باعتراف الشيعة لم يقرؤوا إلا بكتاب الله،
(1) انظر مقدمة الرسالة
(2)
انظر: ميزان الاعتدال: 3/111، ولسان الميزان: 4/191
(3)
أوائل المقالات: ص 98
فعلم براءتهم من هذا الافتراء.. وثبت أن ديناً يستفيض فيه الباطل باطل.
هذا والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته، رغم أن شيخه ابن بابويه يقول: إن من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب - كما سبق (1) .- وسلالة أهل البيت (الشريف المرتضى وهو من معاصري المفيد بل من تلامذته يقول: إن أخبارهم في هذا لا يعتد بها، لأنها أخبار ضعيفة لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته)(2) . فهل كل شيخ من هؤلاء يمثل ومدرسة ونحلة والتشيع يجمعهم، أو هم يتلونون تلون الحرباء بحكم التقية، أو أنهم قد أحكموا خطتهم، وأزمعوا أمرهم على أن يظهر منهم حسب المناسبات والظروف صوتان مختلفان متعارضان حتى لا يتمكن أحد من الوقوف على حقيقة المذهب؟!
ولهذا نجد أيضاً في القرن السادس ظهور الطبرسي صاحب التفسير وإنكاره هذه المقالة كما سيأتي، ومعاصره الطبرسي الآخر صاحب الاحتجاج يصرح بهذا الكفر ويروي فيه عشر روايات، ويرى أن ما ذكره هو محل إجماع أو اشتهار بين طائفته كما سلف.
أم أن الوضع لهذا الروايات إنما وقع في العصور المتأخرة ونسب لشيوخهم القدامى ليحظى بثقة الأتباع الأغرار؟ سيأتي إن شاء الله دراسة هل الإنكار تقية أو حقيقة؟.. هذا وفي ظل الدولة الصفوة كثر الوضع الأخبار هذه الأسطورة فتجاوزت مرحلة ما سجله القمي أو الكليني، أو المفيد، أو فرات الكوفي، وغيرهم من شيوخهم في القرن الثالث والرابع تجاوزت الحجم الذي سجلته هذه الزمرة إلى درجة أن شهد شيخهم المجلسي صاحب بحار الأنوار بأن أخبارهم في هذا أصبحت تضاهي أخبار الإمامة؛ يقول:"وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً؛ بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة"(3) .
هذه شهادة من المجلسي المتوفى سنة (1111هـ) على تضخم أخبار هذه الأسطورة، والتي كانت مجرد روايتين
(1) انظر: ص (218-219)
(2)
انظر: مجمع البيان: 1/31
(3)
مرأة العقول: 2/536
في كتاب سليم بن قيس، وكانت عند ابن بابويه القمي المتوفى سنة (381هـ) لا تكاد توجد حتى قال: إن من نسب للشيعة مثل هذا القول فهو كاذب، وشيخ الشيعة الطوسي أنكر نسبة هذا إلى الشيعة (1)، وقد أرهق نفسه النوري الطبرسي صاحب فصل الخطاب ليجد وسيلة يتخلص بها من كلام الطوسي فقال:"والطوسي في إنكاره (يعني لتحريف القرآن) معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده"(2) .
وهذا الاعتذار لا يمكن أن يوافق عليه صاحب فصل الخطاب الذي يصر على أن يجعل كل الشيعة على مذهبه في القول بتحريف القرآن، ذلك لأن الطوسي هو شيخ الشيعة في زمنه، وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة المعتمدة في الحديث، وكتابين من كتبهم المعتمدة في الرجال، فلا يتصور أن يوصف بقلة التتبع، أو بقلة الكتب عنده، كما يقول هذا الطبرسي. بل نحن نأخذ منقول الطوسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أن الوضع لهذه الأسطورة لم يتسع ويصل إلى هذا المستوى الموجود اليوم إلا في ظل الحكم الصفوي، ولا يستبعد أن تضاف روايات من هذه الروايات إلى شيوخهم القدامى لخدمة هذه الأسطورة، ولاسيما والشواهد قائمة على أن الكذب في الشيعة كثير، كما تشهد بهذا كتب أهل السنة وتقر بذلك كتب الشيعة نفسها - كما سيأتي - (3) .
هذا وشهادة شيوخ الدولة الصفوية بكثرة هذه الأخبار في زمنهم كثيرة، فكما شهد المجلسي يشهد شيخهم الآخر نعمة الله الجزائري وهو من معاصري المجلسي، ومن تلامذته (4) . وموضع ثقة الشيعة وتقديرهم (5) . يقول: "إن الأخبار
(1) انظر: تفسير التبيان: 1/3
(2)
فصل الخطاب الورقة 175 (النسخة المخطوطة)
(3)
انظر: فصل "اعتقادهم في السنة"
(4)
أشار إلى ذلك في الأنوار النعمانية: 4/232
(5)
انظر: ص (202) من هذه الرسالة
الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث" (1) ، كما أنه يضع أساطيره، وكتاب الله سبحانه في كفة ميزان، ويرى أن القول بسلامة القرآن يؤدي إلى انعدام الثقة في أخبارهم فيقول - وهو يرد على شيوخهم المتقدمين - في قولهم بتواتر القراءات السبع.. يقول: "إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن" (2) .
يعني والمحافظة على حرمة وسلامة أخباره وأساطيره أولى من القول بصيانة القرآن وحفظه! وهذا هو نفس ما قاله شيخهم المجلسي حينما قال - كما مر -: "وطرح جميعها (يعني جميع أخبار التحريف) يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً".
هذا هو الخيار الصعب في نظر هذه الزمرة، هل تفقد أخبارها وبها قوام دينها، ومنها تقتات رزقها باسم الخمس، وبها تستمد قداستها باسم النيابة عن الإمام أتخسر كل هذه المكاسب التي تجنيها.. أم تقول بتغير القرآن فتجني تكفير المسلمين لها، وصعوبة التبشير بدينها، وتقلص أتباعها وضمور مكاسبها من بعد ذلك؟ إنه خيار صعب أمام هؤلاء (الشيوخ) .. هل يخرجون منه بالظهور أمام الناس بوجهين وقولين أو يرجعون إلى التقية والكتمان، أو يراعون الظروف والمناسبات والأجواء؟
الملاحظ أن شيوخ الدولة الصفوية هم أجرأ على التصريح بهذا الكفر بحكم ووجود قوة تسندهم فتخف التقية لديهم، ولهذا كثرت أقوالهم بتواتر هذا الكفر عندهم حتى زعم شيخهم أبو الحسن الشريف وهو من تلامذة المجلسي بأنه:"يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع"(3) .
وقال ثقتهم محمد صالح المازندراني (ت1081هـ) : ".. وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى كلما يظهر لمن تأمل كتب الأحاديث
(1) انظر: فصل الخطاب، الورقة 125 (النسخة المخطوطة) وص 251 من المطبوعة
(2)
الأنوار النعمانية: 2/ 356-357
(3)
مرآة الأنوار: ص49
(يعني كتب أحاديثهم) من أولها إلى آخرها" (1) .
ويقول شيخهم محسن الكاشاني: "المستفاد.. من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه، كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم"(2) .
هذا بعض ما قاله شيوخهم في تلك الفترة عن حجم الروايات والأخبار عندهم، وهي شهادة خطيرة تؤكد هذه الفرية عندهم، واستفاضتها في كتبهم، وهذا بلا شك دليل بطلان أخبارهم كلها، فما دام الكذب عندهم يصل إلى حد التواتر فلا ثقة بسائر أخبارهم، وكل من يذهب هذا المذهب فإنه ليس من الإسلام في شيء، وإن دين هؤلاء ليس دين الأئمة، بل هو دين المجلسي أو القمي أو الكليني أو العياشي أو غيرها. وإن مثل هؤلاء كمثل سائر الزنادقة الذين ظهروا في التاريخ الإسلامي، وإن ذلك القناع الذي أضفوه على حقيقتهم المعادية للإسلام وأهله قد انكشف بهذه الدعوى، وإن أخبارهم التي نسبوها زوراً وكذباً لأهل البيت قد ظهر كذبها واستبان زيفها بهذا الكفر المعلن.
وبناءً على حركة الوضع المستمرة عبر القرون، ولاسيما في إبان الدولة الصفوية رأينا شيخ الشيعة ومحدثها، وخبير رجالها، وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية (مستدرك الوسائل) وأستاذ كثير من شيوخهم المعتبرين كمحمد حسين آل كاشف الغطا، وأغا بزرك الطهراني وغيرهما.. شيخ الشيعة حسين النوري الطبرسي يرى أنه لا ينبغي عندهم النظر في أسانيد تلك الأساطير لتواترها
(1) المازندراني/ شرح جامع (على الكافي) : 11/76
(2)
تفسير الصافي: 1/49