الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأمة ودينها، وأراد أن يفتح للقوم باباً واسعاً للخروج من الإسلام، حيث يتجهون إلى مخالفة كل أمر من الدين عليه أمة الإسلام. وكيف يدعو قوم هذه عقائدهم إلى التقريب؟! وكيف يزعمون إمكانية اللقاء مع أهل السنة الذين يكون الرشد في خلافهم؟!
الجانب النقدي لهذه المقالة:
بالإضافة إلى ما ألمحنا إليه في أثناء العرض نوضح هذه المسألة أكثر، فأقول: أما ثبوت حجية الإجماع، فقد تكفلت كتب الأصول ببيانه، والاستدلال عليه بما يغني ويكفي.
والشيعة تقر بالإجماع اسماً، وتخالفه في الحقيقة - كما سلف -.
وقد نقل شخيهم المعاصر مغنية اتفاق شيعته القدماء على القول بالإجماع، وأن المتأخرين عدوه من أصول أدلتهم، ولكن لم يعتمدوا عليه (1) ، وهذا يعني أنهم خالفوا الإجماع الذي عدوه من أصول أدلتهم، أو أن قدماء الشيعة قد أجمعوا على ضلالة، أو أن متأخريهم خالفوا الحق الذي أجمع عليه متقدموهم.. والحقيقة أن مآل الجميع إلى الإنكار، وإن كثر ادعاء بعضهم في هذا الباب لاسيما في كتب الأصول عندهم، ذلك أن دعوى الإجماع عند التمحيص مجرد لغو لا حقيقة له.
ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن حيرتهم في الوصول إلى هذا الإجماع الذي يدعونه برهان جلي يدل على أنهم ليسوا على شيء، ومن أوضح الأمثلة على ذلك اشتراطهم وجود عالم مجهول النسب لتحقق الإجماع على اعتبار أن يكون هو الإمام الغائب، وقد اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك من أعظم الجهل، حيث قال: "رأيت في كتب شيوخهم أنهم إذا اختلفوا في مسألة على قولين، وكان أحد القولين يعرف قائله، والآخر لا يعرف قائله، فالصواب عندهم القول الذي لا
(1) انظر: ص (406)
يعرف قائله. قالوا: لأن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم، فهل هذا إلا من أعظم الجهل".
وتعجب كيف يجعلون عدم العلم بالقول وصحته، دليلاً على صحته، وقال:"من أين يعرف أن القول الآخر الذي لم يعرف قائله إنما قاله المعصوم؟ ولم لا يجوز أن يكون المعصوم قد وافق القول الذي يعرف قائله، وأن القول الآخر قد قاله من لا يدري ما يقول، بل قاله شيطان من شياطين الجن والإنس؟ فهم أثبتوا الجهل بالجهل، حيث جعلوا عدم العلم بالقائل دليلاً على أنه قول المعصوم. وهذه حال من أعرض عن نور السنة التي بعث الله بها رسوله، فإنه يقع في ظلمات البدع، ظلمات بعضها فوق بعض"(1) .
وقد انتقدهم شيخهم الحر العالي "صاحب الوسائل" على هذا المسلك (2)، فقال:"وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب، وأي دليل دل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به"(3) .
وأمر آخر لا يقل عن هذا، وهو كيف يجعل قول طفل عمره خمس سنين لم يخرج عن طور الحضانة بمنزلة إجماع الأمة بأسرها، بل يرفض إجماع الأمة ويؤخذ بقول صبي أو معدوم؟! هذا في غاية الفساد.
وإذا بحثت عن إجماعهم (الاسمي) الذي يكشف عن رأي المعصوم - كما يزعمون - لم تجد إلا روايات يعارض بعضها بعضاً، كما ترى ذلك في روايات التهذيب والاستبصار. وقد صرح به شيخ الطائفة في مقدمة التهذيب، وذكر أن هذا من أسباب خروج الكثير من التشيع - كما مر - (4) .
(1) منهاج السنة: 3/265-266
(2)
لأنه من الإخباريين الذين لا يقولون بدليل الإجماع
(3)
عن مقتبس الأثر: 3/63
(4)
انظر: ص (361)
ثم يلحظ أن أهم مسألة عند الشيعة وهي مسألة الإمام قد تضاربت في تعيينه فرق الشيعة، واختلفت مذاهبهم، واضطربت اتجاهاتهم حوله بشكل كبير، كما حفلت ببيانه وتفصيله كتب المقالات عند الفريقين، فأين تحقق الإجماع وأصل المذهب تنخر فيه الاختلافات، وتدور في شانه المنازعات؟
وترى كذلك أن دعوى الإجماع عندهم متعارضة متضاربة. وما انفردت به الشيعة عن الجماعة وادعت الإجماع عليه هي أقوال في غاية الفساد سواء في الأصول أو الفروع، كإيمانهم بذلك المنتظر الذي لم يولد، ومبالغاتهم في أوصاف الإمام ومعجزاته، وإلى آخر ما شذوا به مما سيأتي بسطه وبيانه. بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"الشيعة ليس لهم قول واحد يتفقون عليه"(1) .
وهذا حق اعترفت به الشيعة نفسها، حيث جاء في أصول الكافي:"عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها، فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم"(2) .
فهذا يؤكد أن من أصول مذهبهم بحكم عقيدة التقية اختلاف أقوالهم وتباين آرائهم، حتى لا يقف - بزعمهم - الأعداء على حقيقة مذهبهم، فكان من أثر ذلك أن ضاع المذهب، ولم يعرف حقيقة رأي الأئمة، فكيف يمكن تحقق الإجماع على قول أو حكم في ظل هذا الاختلاف والاضطراب؟!
والإمام أبو جعفر بريء من هذا، لكن هذا من اختراع الزنادقة حتى
(1) منهاج السنة: 2/129
(2)
أصول الكافي: 1/65
لا يعرف الشيعة رأي أبي جعفر وغيره من علماء آل البيت ليتسنى لهم نشر كفرهم وغلوهم، وكلما كذب هذا الغلو أئمة أهل البيت قالوا: هذا تقية.
قال علامة الهند صاحب التحفة الاثني عشرية: وأما الإجماع فدعواهم أنه من أدلتهم باطل، لأنه كونه حجة ليس بالأصالة، بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حجيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع.
وهم ينازعون في ثبوت عصمة الإمام، كما ينازعون في تعيينه. وأيضاً إجماع الصدر الأول - يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة - غير معتبر عندهم، لأنهم أجمعوا على خلافة أبي بكر وعمر.. ومنع ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وحرمة المتعة، وهذا باطل في نظرهم، فإذا كان هذا الإجماع غير معتبر عندهم فبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولاسيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
ثم أشار صاحب التحفة إلى صور من التناقض عندهم، حيث إن بعضهم نقل إجماع فرقتهم على أمر وكذبهم وأنكر عليهم بذلك الآخرون منهم. وأن شيخهم (الشهيد الثاني) وهو من أجلة علمائهم قد أفرد فصلاً مستقلا ًفي أن شيخ الطائفة قد ادعى في مواضع إجماع الفرقة مع أنه قال هو بخلافه في مواضع أخر (1) . ثم نقل صاحب التحفة نص كلامه (2) .
وأقول: إن مذهبهم بأن الإجماع حجة من جهة كشفه عن رأي المعصوم
(1) جمع شيخهم زين الدين العاملي، الملقب عندهم بالشهيد الثاني أربعين مسألة ادعى فيها شيخ الطائفة الطوسي الإجماع، وقد خالف أكثرها في موارد أخرى، كما أن بعض شيوخهم يدعي الإجماع فيما يتفرد به، وعلل شيوخهم المجلسي لهذه الظاهرة عندهم بقوله: إنهم لما رجعوا إلى الفروع ونسوا ما أسسوه في الأصول، فادعوا الإجماع في أكثر المسائل سواء أهر فيها الخلاف أم لا، وافق الروايات المنقولة أم لا.
(انظر: الشيعة في الميزان: ص323) .
وقد لا يكون مرد ذلك النسيان كما يقول المجلسي، بل سبب ذلك أن كتب الفروع عندهم منقولة في الغالب من كتب أهل السنة، فانفصلت عن آرائهم في مسائل الإمامة
(2)
انظر: التحفة الاثني عشرية - الورقة 118 (مخطوط) ، ومختصر التحفة ص51
فقط لا من جهة أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما عليه أهل السنة، فوق أن هذا إنكار للإجماع على الحقيقة، فإن في ذلك مخالفة للحديث الثابت عندهم وهو:"لا تجتمع أمتي على ضلالة"(1) . كما أن هذا الحديث أيضاً ورد من طرق أهل السنة كما سبق تخريجه" (2) .
فلماذا لا يؤخذ بهذا النص الذي يستدل به كل الفريقين، وليس ذلك فحسب بل قد ورد أيضاً في الاحتجاج - وهو من كتبهم المعتمدة كما قرر ذلك المجلسي وغيره - رواية عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري رضي الله عنه في حديث طويل قال:"واجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على الضلالة" فأخبر أن ما أجمعت عليه الأمة، ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق، فهذا معنى الحديث، لا ما تأوله الجاهلون، ولا ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب، واتباع حكم الأحاديث المزورة، والروايات المزخرفة، واتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب، وتحقيق الآيات الواضحات النيرات.."(3) .
فأنت ترى في هذا النص إمامهم لم يقل: انظروا إلى ما اتفق عليه الجماعة التي فيها المعصوم، ودعوا رأي الجماعة الأخرى، ولم يقل: ابحثوا عن الجماعة أو الشخص المجهول النسب، فقد يكون المنتظر من ضمن تلك الجماعة، أو يكون هو نفسا المجهول النسب، بل قال: بأن ما أجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق، وبين أن أساس إصابة الحق هو الاعتماد على الكتاب والسنة، وأن إصابة الحق في حالة الإجماع محققة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على
(1) انظر: الشعراني/ تعاليق علمية (على شرح الكافي للمازندراني) : 2/414
(2)
انظر: ص (412) من هذه الرسالة
(3)
بحار الأنوار: 2/225
ضلالة" وهذا الحديث هو أحد حجج جمهور المسلمين في إثبات حجية الإجماع.
وحذر من اتباع غير ذلك من الروايات المكذوبة.
فلماذا تشذ هذه الطائفة، وتأخذ بتلك الروايات المكذوبة، وتدع قول إمامهم، وتفارق الأمة، وتنبذ إجماعها، وتأخذ برأي طفل صغير أو معدوم، وتدع ما أجمع عليه أمة الإسلام، كل ذلك لأن زنديقاً وضع لها أصلاً يقول بأن ما خالف العامة فيه الرشاد "فجمعوا مخالفة أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين أصلاً للنجاة، فصار كلما فعل أهل السنة شيئاً تركوه، وإن تركوا شيئاً فعلوه، فخرجوا بذلك عن الدين رأساً، وذلك هو الضلال المبين باليقين"(1) .
والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (2) .
ولو كان هذا الأصل؛ أعني قولهم: ما خالف العامة - أي أهل السنة - فيه الرشاد، لو كان هذا من عند الأئمة كما تزعم هذه الزمة لكان الأئمة أسبق الناس إلى تطبيقه على أنفسهم، والواقع الذي يوافقنا شيوخ الشيعة عليه أن علياً رضي الله عنه لم يشذ عن الصحابة، بل إنه كما يقول شيخهم الشريف المرتضى:"دخل في آرائهم، وصلى مقتدياً بهم، وأخذ عطيتهم، ونكح سبيهم، وأنكحهم، ودخل في الشورى"(3) . وغير ذلك. ولم يذهب إلى مخالفتهم في شيء مما أجمعوا عليه، وكان رضي الله عنه يكره الاختلاف، كما روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال:"اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة"(4) .
قال ابن حجر: قوله: "فإني أكره الاختلاف" أي: الذي يؤدي إلى النزاع.
(1) الألوسي/ كشف غياهب الجاهلات/ الورقة (6)
(2)
النساء، آية: 115
(3)
المرتضى/ تنزيه الأنبياء: ص 132
(4)
صحيح البخاري (مع فتح الباري) : 7/71
قال ابن التين: يعني مخالفة أبي بكر وعمر، وقال غيره: المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة، ويؤيده قوله بعد ذلك "حتى يكون الناس جماعة"(1) .
وكل ما ينفرد به الشيعة وتشذ به ليس من "هدي" علي رضي الله عنه وكان علي رضي الله عنه مع الأمة في إجماعها، لأن فيه الرشاد، لا في مخالفتهم كما تدعيه هذه الزمرة الحاقدة على الأمة، والتي تبغي فيها الفرقة والشتات، ولهذا لم نجد إجابة عن موافقة علي رضي الله عنه للأمة إلا بدعوى التقية، أي نفاق عليّ للصحابة - برأه الله مما يفترون - وهي دعوى تتناقض مع العقل والتاريخ، فضلاً عن الشرع والدين.
فلم يستطع شيوخ الشيعة - كما ترى - أن يثبتوا على علي تطبيقه لهذا الأصل المفترى، بل أقروا بموافقته للأمة على لسان شيخهم الشريف المترضى، وحتى إبّان خلافته، وامتلاكه لزمام الأمور والتي تنتفي معها "التقية" لم يقدروا على إنكار موافقته للأمة.
يقول شيخهم نعمة الله الجزائري: "ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا؛ لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة النساء.. وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء، ومعاوية عن الإمارة"(2) .
فثبت بنقل الفريقين أن أمير المؤمنين لم يفارق إجماع الأمة، وأن الإمامية قد خالفت سريته حينما وضعت لنفسها مبدأ مخالفة الأمة، فليست له بشيعة، وليس لها بإمام.
(1) فتح الباري: 7/73
(2)
الأنوار النعمانية: 2/362