الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: عقيدتهم في الإجماع
الإجماع من أصول أهل السنة، وهو الأصل الثالث بعد الكتابة والسنة الذي يعتمد عليه في العلم والدين (1)، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة"(2) .
وأهل السنة يَزِنُون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال.. مما تعلق بالدين (3) ، وسموا أهل الجماعة، لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة (4) . والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة (5) .
والشيعة لا ترى إجماع الصحابة والسلف أو إجماع الأمة إجماعاً، ولها في هذا الباب عقائد مخالفة نذكرها فيما يلي:
أولاً: الحجة في قول الإمام لا في الإجماع
نقلت كتب الأصول عند أهل السنة أن الشيعة تقول: "إن الإجماع حجة لا لكونه إجماعاً، بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده عندهم حجة"(6) .
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 3/157، وراجع في هذا: الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/200، الغزالي/ المستصفى: 1/173 وما بعدها، وانظر: الرسالة للشافعي: ص403 رقم 1105، وص 471 وما بعدها، ابن عبد البر/ التمهيد: 4/267
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 3/346
(3)
المصدر السابق: 3/157
(4)
وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين (انظر: المصدر السابق: 3/157)
(5)
المصدر السابق: 3/157
(6)
الإسنوي/ نهاية السول: 3/247
ونستطلع فيما يلي رأي الشيعة من مصادرها، يقول ابن المطهر الحلي:"الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها، فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع"(1) . وبمثل هذا قال عدد من شيوخهم (2) .
إذن الإجماع ليس حجة عندهم بدون وجود الإمام الذي يعتقدون عصمته، فمدار حجية الإجماع هو على قوله لا على نفس الإجماع، فهم في الحقيقة لم يقولوا بحجة الإجماع، وإنما قالوا بحجية قول المعصوم، ودعواهم الاحتجاج بالإجماع تسمية لا مسمى لها، فقول ابن المطهر:"الإجماع حجة عندنا" من لغو القول؛ إذ الأصل أن يقول: الإجماع ليس بحجة عندنا، لأن الحجة في قول الإمام المعصوم.. لأن هذا هو مقتضى مذهبهم، فهم جعلوا الإمام بمثابة النبي أو أعظم؛ فهو عندهم ينكت في أذنه، ويأتيه الملك، بل يرى خلقاً أعظم من جبرائيل وميكائيل، إلى آخر ما فصلنا القول فيه عنهم في معتقدهم في السنة، فهم ليسوا بحاجة للإجماع والإمام حاضر بينهم، كما أن الصحابة ليسوا بحاجة للإجماع والرسول حاضر بينهم.
فعندهم في كل عصر نبي يسمى الإمام، والحجة في قوله لا في الإجماع، ولهذا قالوا:"ونحن لما ثبت عندنا بالأدلة العقلية والنقلية كما هو مستقصى في كتب أصحابنا الإمامية أن زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه، فمتى اجتمعت الأمة على قول كان داخلاً في جملتها لأنه سيدها، والخطأ مأمون على قوله، فيكون ذلك الإجماع حجة. فحجية الإجماع عندنا إنما هو باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم"(3) .
والأرض لا تخلو من إمام، لأنه - كما يزعمون - "لو خلت الأرض من إمام
(1) ابن المطهر/ تهذيب الوصول إلى علم الأصول: ص 70، ط: طهران 1308هـ
(2)
انظر: المفيد/ أوائل المقالات ص 99-100، قوامع الفضول ص 305، حسين معتوق/ المرجعية الدينية العليا ص 16، وراجع كتب الأصول عندهم عامة
(3)
النحاريري/ معالم الدين: ص406
لساخت" (1) ، ومعنى هذا استمرار تعطيل مبدأ الإجماع.
وأنت إذا تأملت أقوالهم في الإجماع لا تكاد تلمس فرقاً بين مفهوم السنة عندهم، والإجماع إلا باللفظ فقط؛ لأن السنة قول المعصوم، والإجماع المعتبر عندهم هو الكاشف عن قول المعصوم. ولك أن تعجب لماذا يعدون الإجماع أصلاً يقررونه في كتبهم الأصولية. وهو اسم بلا مسمى حتى قرروا بأنه لا عبرة بأقوال ففقهائهم ولو بلغوا المائة، قالوا:"أما الإجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة، ولو كان في اثنين لكان قولهما حجة، لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله"(2) .
فمعنى هذا أن الإجماع لغو لا فائدة في القول فيه أصلاً، وإنما نهاية أمرهم أنهم سموا السنة باسم الإجماع.
ويبدو أن هذا الاعتراض أثير على الشيعة في عصور متقدمة، فقد نقل بعض شيوخ الشيعة عن الشريف المرتضى أنه قال:"إننا لسنا بادئين بالحكم بحجية الإجماع حتى يرد كونه لغواً، وإنما بدأ بذلك المخالفون، وعرضوه علينا، فلم نجد بداً من موافقتهم عليه.. فوافقناهم في أصل الحكم لكونه حقاً في نفسه، وإن خالفناهم في علته ودليله"(3) . أي: إنهم قلدوا لمجرد التقليد والمحاكاة.
وقال صاحب قوامع الفضول أيضاً: "تنعدم فائدة الإجماع لو علم حال شخص الإمام خروجاً أو دخولاً (4) . أو حال قوله تقية أو نحوها، لكن الذي يسهل الخطب هو أن عقد باب الإجماع منهم دوننا كي يتجه علينا ذلك"(5) .
(1) أصول الكافي: 1/179
(2)
معالم الدين: ص 405
(3)
قوامع الفضول: ص 305
(4)
يعني خروجاً من الإجماع أو دخولاً فيه
(5)
قوامع الفضول: ص 305
ومادام أهل السنة اعتبروا هذا أصلاً، فلماذا تجارونهم وعقيدتكم في الإمام تناقض القول به أصلاً؟!
ويقول محمد رضا المظفر: "إن الإجماع لا قيمة علمية له عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم.. فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف، فيدخل حينئذ في السنة، ولا يكون دليلاً مستقلاً في مقابلها"(1) .
ويقول رضا الصدر: "وأما الإجماع عندنا - معاشر الإمامية - فليس بحجة مستقلة تجاه السنة، بل يعد حاكياً لها، إذ منه يستكشف رأي المعصومين عليهم السلام"(2) .
ويذكر شيخهم محمد جواد مغنية (وهو من شيخهم المعاصرين) : "أن ثمة تبايناً بين موقف متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم في مسألة الإجماع، حيث اتفق المتقدمون (من الشيعة) على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، وغالوا في الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلاً على كل أصل وكل فرع، وعد المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر ولكنهم أهملوه، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضماً مع دليل آخر في أصل معتبر"(3) . ولكن هذا الكلام ليس على إطلاقه، إذ من المتأخرين من يعد الإجماع دليلاً مستقلاً" (4) .
(1) المظفر/ أصول الفقه 3/92
(2)
رضا الصدر/ الاجتهاد والتقليد: ص 17
(3)
مغنية/ أصول الفقه للشيعة الإمامية بين القديم والحديث/ بحث بمجلة رسالة الإسلام، السنة الثانية، العدد الثالث: ص 284-286
(4)
فقد ذهب شيخهم الشعراني والذي وصفوه بالعالم المتبحر إلى القول "بحجية الإجماع، وكونه دليلاً مستقلاً". (الشعراني/ تعاليق علمية "على شرح جامع للمازندراني": 2/414) .
إذن ما يقول مغنية غير مسلم، لكن الخلاف - فيما ألاحظ - دائر في هذا الأصل بين الأصوليين والإخباريين، فنجد الحر العاملي - وهو من الإخباريين - يرى أن "كل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الأصول فهو من العامة (يعني أهل السنة) لا دليل عليه، ولا وجه له أصلاً"(الفصول المهمة: ص 214) .
وبإزاء ذلك فإن الأصوليين من الشيعة قد بحثوا هذا "الأصل" وقرروا القول به في =
هذا وإمامهم انقطع ظهوره منذ القرن الثالث، فكيف الطريق للوصول لرأيه الكاشف عن حجية الإجماع؟
يرى شيخهم الحر العاملي ومن سلك سبيله من الإخباريين أن يتعذر الوصول لرأيه بعد غيبته، وبالتالي لا يثبت الإجماع، لأنه لا يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ولا يظن به بعد غيبته، فلا يدرى في البر أم في البحر، في المغرب أم في المشرق (1) . بينما يذهب الأصوليون إلى ثبوت الإجماع، وإمكانية معرفة رأي الإمام.
يقول شيخهم الهمداني في مصباح الفقيه: "إن المدار على حجية الإجماع على ما استقر عليه رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل، بل ولا على اتفاقهم في عصر واحد، بل على استكشاف رأي المعصوم بطريق الحدس (2) . من فتوى علماء الشيعة الحافظين للشريعة، وهذا مما يختلف باختلاف الموارد، فرب مسألة لا يحصل فيها الجزم بموافقة الإمام، وإن اتفقت فيها آراء جميع الأعلام.. ورب مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة ولو من الشهرة"(3) .
= كتب أصول الفقه عندهم، وإن كان مذهبهم في الإمام لا يستجيب للقول به.
يقول شيخهم المعاصر - الشعراني - في التأكيد على القول بهذا الأصل: "روى الطبرسي في الاحتجاج عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري في حديث طويل قال: "اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع أمتي على الضلالة..". قال الشعراني: وهو يدل على حجية الإجماع، وكونه دليلاً مستقلاً، وإمكان العلم به، وتصديق لصحة الحديث المشهور "لا تجتمع أمتي على ضلالة". (الشعراني/ تعاليق علمية: 2/414)
(1)
عن مقتبس الأثر للحائري: ص 63
(2)
الحدس في اللغة: الظن والتخمين (مختار الصحاح مادة: حدس) وقد يراد بالحدس المصطلح الفلسفي وهو الإدراك المباشر لموضوع التفكير..
وهو أشبه عندهم بالرؤية المباشرة والإلهام. (المعجم الفلسفي: ص 69-70)
(3)
مصباح الفقيه: ص 436، الاجتهاد والتقليد: ص 17
فمن هنا يتبين أن الطريق - عندهم - لاكتشاف قول الإمام هو الحدس، فانظر كيف يجعلون اكتشاف قول المعصوم بطريق الحدس والظن هو العمدة، وإجماع السلف ليس بعمدة، إنها مفارقات في غاية الغرابة، واتفاق جميع أعلامهم لا يحصل به الجزم بموافقة الإمام، ومجرد الشهرة يحصل بها الجزم ولو لم يحصل اتفاق. إنها مقاييس مقلوبة، كما أنه اعتراف منهم بأن شيوخهم قد يتفقون على ضلالة.
ومع إنكارهم حجية الإجماع في الحقيقة، فقد أثبتوا العمل بقول طائفة مجهولة وترك ما تقوله الطائفة المعروفة، وهذه من ثمار الشذوذ، وقد عللوا لهذا المسلك الشاذ بأن الإمام مع الطائفة المجهولة.
يقول صاحب معالم الدين: "إذا اختلفت الإمامية على قولين، فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ولم يكن الإمام أحدهم كان الحق مع الطائفة الأخرى، وإن لم تكن معلومة النسب.."(1) . حتى اعتبروا وجود هذه الطائفة المجهولة شرطاً لتحقق الإجماع في عصور الغيبة. قالوا: "الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام، كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله رضي الله عنه مستوراً بين أقوالهم، وهذا مقطوع بانتفائه، فكل إجماع يدعى في كلام الأصحاب مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا، وليس مستنداً إلى نقل متواتر وآحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم، فلابد أن يراد به ما ذكره الشهيد من الشهرة"(2) . العمدة عندهم قول الطائفة المجهولة، وهذا عزيز الوجود، فمنذ ما يقارب عصر شيخ طائفة الطوسي لم يطلع على مثل هذا، والإجماع الموجود هو الإجماع المنقول (3) . وكأنه
(1) معالم الدين: ص 406
(2)
معالم الدين: ص 406
(3)
الإجماع في اصطلاح الاثني عشرية ينقسم إلى قسمين:
1-
الإجماع المحصل: والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بتتبع أقوال أهل الفتوى. =
قبل عصر الشيخ قد وجد مثل هذا الإجماع.
وهؤلاء الذين يرفضون إجماع الصحابة، يبحثون عن قول طائفة مجهولة ليأخذوا به. ثم هم قد أصابوا في عدم الاعتداد بأقوال شيخهم وإن اتفقت كلمتهم، ولكنهم ضلوا في إعراضهم عما أجمع عليه الصحابة والسلف.
وهم في وصولهم إلى ما يسمى "بالإجماع" عندهم، يتخبطون أيما تخطب حتى صارت إجماعاتهم المتعارضة كرواياتهم المتضاربة التي تلاحظها أثناء مراجعتك لكتاب الاستبصار أو البحار أو غيرهما، بل إن العالم الواحد تتضارب أقواله في دعوى الإجماع، انظر - مثلاً - ابن بابويه القمي صاحب "من لا يحضره الفقيه" أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار العمل عندهم، قالوا إنه:".. ليدعي الإجماع في مسألة ويدعي إجماعاً آخر على خلافها وهو كثير"(1) . حتى قال صاحب جامع المقال: "ومن هذه طريقته في دعوى الإجماع كيف يتم الاعتماد عليه والوثوق بنقله"(2) .
بل إنهم يدعون الإجماع في أمر لا قائل به، يقول شيخهم النوري الطبرسي:"ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية على أمر وإن لم يظهر له قائل"(3) . كما
= 2- الإجماع المنقول: والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء سواء أكان النقل به بواسطة أم بوسائط، ثم النقل تارة يقع على نحو التواتر، وهذا حكمه حكم المحصل من جهة الحجية، وأخرى يقع على نحو خبر الواحد، وإذا أطلق قول الإجماع المنقول في لسان الأصوليين فالمراد منه الأخير، وقد وقع الخلاف بينهم في حجيته (المظفر/ أصول الفقه: 3/101) . وقال الأعملي في مقتبس الأثر: للإجماع في اصطلاحات الفقهاء (يعني فقهاء الجعفرية) إطلاقات منها يقولون: الإجماع: هو القطع برأي الإمام رضي الله عنه.
ومنها الإجماع المحصل، وعلق عليه بقوله: وهو غير حاصل، ومنها الإجماع المنقول بخبر الواحد وعقب عليه بقوله: وهو مقبول. (مقتبس الأثر: 3/62)
(1)
جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال/ الطريحي: ص15
(2)
الموضع نفسه من المصدر السابق
(3)
فصل الخطاب: ص 34
ذكر شيخهم الطبرسي وأكد على وجود "الإجماعات المتعارضة من شخص واحد ومن معاصرين أو متقاربي العصر، ورجوع المدعي عن الفتوى التي ادعى الإجماع فيها ودعوى الإجماع في مسائل غير معنونة (كذا) في كلام من تقدم على المدعي، وفي مسائل قد اشتهر خلافها بعد المدعي، بل في زمانه، بل ما قبله"(1) .
هذا قول الطبرسي وهو الخبير المتتبع لكتبهم، واضطر ليكشف هذا لنصرة مذهبه الذي ألف فصل الخطاب من أجله، ويرد دعوى الإجماع على خلافه فاستفدنا من هذا الاعتراف غير المقصود لذاته لنبين اضطرابهم في هذا الأصل، واضطرابهم في تحديده وفي تطبيقه.
ثم إنهم - وهم يقولون بأن الإجماع وهو ما يكشف عن قول المعصوم - لا يطبقون هذا، بل يتتبعون اتفاق أصحابهم لا قول معصومهم. ولهذا قال صاحب معالم الدين حينما ذكر ما قاله أحد كبار شيوخهم من أن العمدة هو كلام المعصوم لا اتفاق الفقهاء بدونه، فقال:"والعجب من غفلة الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهية، حتى جعلوه عبارة عن مجرد اتفاق الجماعة من الأصحاب فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح من غير قرينة جلية، ولا دليل على الحجية معتداً - كذا - به"(2) .
فهم لا يقولون بالإجماع على الحقيقية، ومع ذلك يجعلونه من أصول أدلتهم، ويتناقضون في دعواه وتطبيقه أيما تناقض. والتناقض في القول دليل بطلانه.
وحتى يتجلى لك الفرق جلياً بين مذهب أهل السنة في القول بحجية الإجماع، وبين مذهب الشيعة في ذلك، فلك أن تتصور أنه لو صدر من إمامهم محمد الجواد، والذي قالوا بإمامته وهو ابن خمس سنين (3) ، لو صدر منه وهو
(1) الموضع نفسه من المصدر السابق
(2)
معالم الدين: ص 405-406
(3)
انظر: بحار الأنوار: 25/103