المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أصل هذه التأويلات وجذورها، وأمثلة لها: - أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد - - جـ ١

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌تعريف الشيعة

- ‌لفظ الشيعة في القرآن ومعناه:

- ‌لفظ الشيعة في السنة ومعناه:

- ‌لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث الاثني عشرية:

- ‌لفظ الشيعة في التاريخ الإسلامي:

- ‌تعريف الشيعة اصطلاحاً

- ‌أ- تعريف الشيعة في كتب الإمامية الاثني عشرية:

- ‌ب- تعريف الشيعة في كتب الإسماعيلية:

- ‌ج- تعريف الشيعة في المصادر الأخرى:

- ‌التعريف المختار للشيعة

- ‌نشأة الشيعة وجذورها التاريخية

- ‌رأي الشيعة في نشأة التشيع:

- ‌آراء غير الشيعة في نشأة التشيع:

- ‌الرأي المختار:

- ‌أصل التشيع

- ‌القول بالأصل اليهودي:

- ‌القول بالأصل الفارسي

- ‌القول بأن المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة:

- ‌الرأي المختار في أصل التشيع:

- ‌فرق الشيعة

- ‌ألقاب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

- ‌1- الشيعة:

- ‌2- الإمامية:

- ‌3- الاثنا عشرية:

- ‌4- القطعية:

- ‌5- أصحاب الانتظار:

- ‌6- الرافضة:

- ‌7- الجعفرية:

- ‌الخاصة:

- ‌فرق الاثني عشرية:

- ‌الباب الأول: اعتقادهم في مصادر الإسلام

- ‌الفصل الأول: اعتقادهم في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأول: اعتقادهم في حجية القرآن

- ‌المسألة الأولى: اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم

- ‌المسألة الثانية: اعتقادهم بأن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن لا يشركهم فيه أحد

- ‌المسألة الثالثة: اعتقادهم بأن قول الإمام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه

- ‌المبحث الثاني: اعتقادهم في تأويل القرآن

- ‌المسألة الأولى: اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر

- ‌المسألة الثانية: قولهم بأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم

- ‌أصل هذه التأويلات وجذورها، وأمثلة لها:

- ‌المبحث الثالث: هل الشيعة تقول بأن في كتاب الله نقصاً أو تغييراً

- ‌مدخل للموضوع:

- ‌شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة:

- ‌ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية:

- ‌شيوع هذه الفرية في كتب الشيعة:

- ‌هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه

- ‌ مصحف علي

- ‌حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة

- ‌هل الشيعة جميعاً تعتقد صحة هذه الروايات وتقول بتواترها

- ‌هل إنكار المنكرين لهذا الكفر (من الشيعة) من قبيل التقية

- ‌1- ابن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته:

- ‌2- الطوسي وإنكاره للتحريف:

- ‌3- الشريف المترضى (ت 436هـ) وإنكاره لهذه الفرية:

- ‌4- الطبرسي وإنكاره لهذه الفرية:

- ‌نتائج الموضوع:

- ‌الفصل الثاني: اعتقادهم في السنة

- ‌قول الإمام كقول الله ورسوله:

- ‌الأصل الأول: علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي:

- ‌الأصل الثاني: خزن العلم وإيداع الشريعة عند الأئمة:

- ‌حكايات الرقاع:

- ‌مرويات الصحابة:

- ‌بداية تدوين الحديث عندهم:

- ‌الكتب الرئيسة عند الاثني عشرية:

- ‌ملحوظات على الكتب الثمانية:

- ‌مدى صحة روايات هذه المدونات:

- ‌رجال أسانيدهم:

- ‌أقسام الحديث عند الشيعة:

- ‌تقويم حال الأئمة الذين تدعي فيهم الشيعة كل تلك الدعاوى:

- ‌الفصل الثالث: عقيدتهم في الإجماع

- ‌أولاً: الحجة في قول الإمام لا في الإجماع

- ‌ثناياً: ما خالف العامة ففيه الرشاد

- ‌الجانب النقدي لهذه المقالة:

الفصل: ‌أصل هذه التأويلات وجذورها، وأمثلة لها:

‌أصل هذه التأويلات وجذورها، وأمثلة لها:

أ- أصل هذه التأويلات:

مضى القول بأن كتب الشيعة تزعم أن القرآن لا يحتج به إلا بقيم، وأن هذا القيم - والمتمثل بالاثني عشر - عنده علم القرآن كله ولا يشركه في ذلك أحد، ثم جعلت لهذا القيم وظيفة "المشرع" في تخصيص عام النصوص، وتقييد مطلقها، وبيان مجملها، ونسخ ما شاء منها، لأنه مفوض في أمر الدين كله، ثم بررت ضرورة وجود هذا القيم لتأويل القرآن بقولها: بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر، ثم كشفت عن علم هذا الباطن المدخر عند الأئمة بأنه يعني الأئمة الاثني عشر وأعداءهم (وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان) ، ومعظم موضوعات القرآن لا تتعدى - عندهم - هذا الشأن، ثم وضعت هذه النظريات موضع التنفيذ، حيث قام شيوخ الشيعة بوضع مئات الروايات في تفسير معاني القرآن بالأئمة أو مخالفيهم، أو بعقيدة أخرى من عقائدهم التي شذوا بها عن جماعة المسلمين.

ويرى بعض الباحثين (1) . أن أول كتاب وضع الأساس لهذا اللون من تفسير الشيعة هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة (جابر الجعفي)(2) .

(1) جولد سيهر/ مذاهب التفسير الإسلامي ص: 303-404

(2)

جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي، توفي سنة (127هـ)، قال ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ. كان يقول: إن علياً يرجع إلى الدنيا، وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي وغيره: متروك. وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة، قال ابن حجر: ضعيف رافضي. =

ص: 166

وقد أشار إلى هذا التفسير طائفة من شيوخ الشيعة (1) ، وكان هذا التفسير - كما تشير بعض رواياتهم - موضع التداول السري، فيروي الكشي بسنده عن المفضل بن عمر الجعفي، قال:"سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تفسير جابر؟ فقال: لا تحدث به السفلة فيذيعوه"(2) .

وتجد روايات كثيرة متفرقة في كتب الشيعة مروية عن هذا الجعفي، وينسبها لجعفر بن محمد أو أبيه (3) . ويبدو أن الشيعة لا يمكن أن تثبت لها قدم، أو تحتج بدليل من كتاب الله إلا بمثل هذه التأويلات الباطنية، ولهذا بدأ هذا النهج مبكراً كما نلاحظ، بل يمكن أن يقال: إن جذور هذه العقيدة قد نبتت في أروقة السبئية.. لأن ابن سبأ هو الذي حاول أن يجد لقوله بالرجعة مستنداً من كتاب الله بالتأويل الباطل وذلك حينماً قال: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع. وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى

= (انظر: ميزان الاعتدال: 1/379-380، تقريب التهذيب 1/123، الضعفاء للعقيلي: 1/191-196) .

أما هذا الجعفي في كتب الشيعة فأخبارهم في شأنه متناقضة، فأخبار تجعله ممن انتهى إليه علم أهل البيت، وتضفي عليه صفات أسطورية من علم الغيب ونحوه، وأخبار تطعن فيه.. لكنهم يحملون أخبار الطعن فيه على التقية، ويقولون بتوثيقه كعادتهم في توثيق من على مذهبهم، وإن كان كاذباً (انظر: وسائل الشيعة: 20/51، رجال الكشي: ص 191، جامع الرواة: 1/144) . وانظر تفصيل ذلك في: "فصل عقيدتهم في السنة"

(1)

الطوسي/ الفهرست ص: 70، أغا برزك/ الذريعة: 4/268، العاملي/ أعيان الشعية: 1/196

(2)

رجال الكشي: ص192

(3)

قال المظفر (من شيوخ الشيعة المعاصرين) : "روي عن الباقر خاصة سبعين ألف حديث.. وقيل: إنه ممن انتهى إليه علم الأئمة". (محمد المظفر/ الإمام الصادق ص 143) . ولكن في رجال الكشي عند ترجمته لجابر الجعفي. قال زرارة: سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن أحاديث جابر فقال: "ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة، وما دخل علي قط"(رجال الكشي: ص 191) وهذه شهادة منهم تثبت كذب جابر في مروياته عن الصادق وأبيه، وسيأتي مزيد بيان لهذا في فصل السنة

ص: 167

مَعَادٍ} (1) .

وقد نقلت لنا بعض كتب أهل السنة نماذج من تأويلات الشيعة لكتاب الله، ولكن ما انكشف لنا اليوم أمر لا يخطر على البال. ويبدو أن ما نسبه بعض أئمة السنة لغلاة الشيعة من تأويلات قد ورثتها الاثنا عشرية. فالإمام الأشعري (2) ، وكذلك البغدادي (3)، والشهرستاني (4) . وغيرهم يحكون عن المغيرة بن سعيد أحد الغلاة باتفاق السنة والشيعة والذي تنسب إليه طائفة المغيرية (5) . أنه ذهب في تأويل الشيطان في قول الله جل شأنه:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ} (6) . بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وهذا التأويل بعينه قد ورثته الاثنا عشرية، ودونته في مصادرها المعتمدة، حيث جاء في تفسير العياشي (7) ، والصافي (8) ، والقمي (9) ، والبرهان (10) ، وبحار

(1) القصص، آية: 85، وهذا النص في: تاريخ الطبري 4/34، تاريخ ابن الأثير (3/77)

(2)

مقالات الإسلاميين: 1/73

(3)

الفرق بين الفرق: ص 240

(4)

الملل والنحل: 1/177

(5)

المغيرية: أتباع المغيرة بن سعيد، عدّهم أصحاب الفرق من غلاة الشيعة، نسب إليه القول بألوهية علي، ودعوة النبوة، والتجسيم، وضلالات أخرى، وقد جاء في كتب الاثني عشرية ذمة ولعنة عن الأئمة.. قتله خالد بن عبد الله القسري سنة (119هـ) .

انظر: تاريخ الطبري: 7/128-130، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/69-74، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 238-242، ابن حزم/ الفصل: 5/43-44، الشهرستاني/ الملل والنحل: 176-178، نشوان الحميري/ الحور العين: ص 168، الذهبي/ ميزان الاعتدال: 4/160-162، المقريزي/ الخطط: 2/353.

وانظر من كتب الشيعة: القمي/ المقالات والفرق: ص 55، رجال الكشي، الروايات رقم: 336، 339، 400، 402، 403، 404، 405، 406، 407، 408، 511، 542، 543، 544، 549

(6)

الحشر، آية: 16

(7)

تفسير العياشي: 2/223

(8)

الكاشاني/ تفسير الصافي: 3/84

(9)

تفسير القمي (انظر: المصدر السابق: 3/84) ، ولم أجده في الطبعة التي عندي من تفسير القمي

(10)

البحراني/ البرهان: 2/309

ص: 168

الأنوار (1)، عن أبي جعفر في قول الله:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} (2) . قال: "هو الثاني، وليس في القرآن شيء: "وقال الشيطان" إلا وهو الثاني" فكأن كتب الاثني عشرية تزيد على المغيرة بوضع هذا الإلحاد في كتاب الله قاعدة مطردة.

وفي الكافي عن أبي عبد الله قال: "وكان فلاناً شيطاناً (3) ، قال المجلسي في شرحه على الكافي: المراد بفلان عمر"(4) .

فهذه الروايات التي تسندها كتب الشيعة الاثني عشرية إلى أبي جعفر الباقر هي من أكاذيب المغيرة بن سيعد وأمثاله، فقد ذكر الذهبي عن كثير النواء (5) . أن أبا جعفر قال:"برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد، وبيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت"(6)، وروى الكشي في رجاله عن أبي عبد الله قال:"لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا"(7) . وساق الكشي روايات عديدة في هذا الباب (8) . وأشارت روايات الكشي إلى أن المغيرة بن سعيد كان يأخذ ضلاله من مصدر يهودي، ففي رجال الكشي أن أبا عبد الله قال يوماً لأصحابه:"لعن الله المغيرة بن سعيد ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة (كذا) والمخاريق"(9) .

ويلاحظ أنه اتفق كل من الأشعري، والبغدادي، وابن حزم، ونشوان

(1) بحار الأنوار: 3/378 (ط. كمباني)

(2)

إبراهيم، آية: 22

(3)

الكليني/ الكافي (المطبوع بهامش مرآة العقول) : 4/416

(4)

مرآة العقول: 4/416

(5)

كثير النواء: شيعي (وروي أنه رجع عن تشيعه، قال الذهبي: ضعفوه، ومشاه ابن حبان: الكاشف: 3/3)

(6)

ميزان الاعتدال: 4/161

(7)

رجال الكشي: رقم 336

(8)

مضى الإشارة إليها في ص: (250) هامش رقم: (5)

(9)

رجال الكشي: رقم 403

ص: 169

الحميري على أن جابر الجعفي الذي وضع أول تفسير للشيعة على ذلك النهج الباطني كان خليفة المغيرة بن سعيد (1) . الذي قال: بأن المراد بالشيطان في القرآن هو أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فهي عناصر خطرة يستقي بعضها من بعض عملت على إفساد التشيع.

ب- أمثلة من تأويلات الشيعة لآيات القرآن:

حين احتج شيخ الشيعة في زمنه - والذي إذا أطلق لقب "العلامة" عندهم انصرف إليه (ابن المطهر الحلي) - على استحقاق علي للإمامة بقوله: "البرهان الثلاثة قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} قال: علي وفاطمة، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} النبي صلى الله عليه وسلم، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ، الحسن والحسين".

حينما احتج ابن المطهر بذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقول، وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن، بل هو شر من كثير منه. والتفسير بمثل هذا طريق الملاحدة، بل هو شر من كثير منه، والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه، بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح والطعن فيه"(2) .

وأقول: كيف لو رأى شيخ الإسلام ما أودع في الكافي والبحار، وتفسير العياشي، والقمي، والبرهان، وتفسير الصافي وغيرها من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيراً؟!.

وبين يدي مجموعة كبيرة من هذا اللون.. يستغرق عرضها المجلدات (3) ،

(1) الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/73، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 242، ابن حزم/ المحلى: 5/44، نشوان/ الحور العين ص 168

(2)

منهاج السنة: 4/66

(3)

كنت عملت قائمة من هذه التأويلات رتبت موادها على حروف المعجم، فأذكر في كل مادة: عدد المواضع التي ذكرت فيها في كتاب الله، وتأويلات الشيعة لها في هذه المواضع.. وخرجت من ذلك بمادة كبيرة جداً، إلا أن المشرف رأى - ووافقته على ذلك - الاستغناء عنها =

ص: 170

ركام هائل من الروايات.. حجبت الشيعة عن نور القرآن وهديه.. فالتوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل.. وجوهر رسالتهم.. هو عندهم ولاية الإمام، فيرون عن أبي جعفر أنه قال: "ما بعث الله نبياً قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا، وذلك قول الله في كتابه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (1) . (2) . ورواياتهم في هذا الباب كثيرة - كما سيأتي - (3) .

والإله في كتاب الله هو الإمام، فقوله تعالى:{لَا تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} (4) . قال أبو عبد الله - كما يزعمون -: "يعني بذلك لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد"(5) . والرب هو الإمام عندهم. وقد يلتمس لهم في هذا التأويل عذر؛ لأن للرب في اللغة استعمالات أخرى كرب البيت، ورب المال بمعنى صاحب، ولكن يمنع من ذلك أن تأويلهم للرب في الإمام جرى في آيات هي نص في الله سبحانه ولا تحتمل وجهاً آخر. وفي قوله سبحانه عن المشركين:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} (6) . قال القمي في تفسيره: "الكافر: الثاني (يعني عمر رضي الله عنه وأرضاه -) كان على أمير المؤمنين عليه السلام ظهيراًط (7) . فاعتبر أمير المؤمنين علياً هو الرب. وقال الكاشاني "في البصائر" (8) . عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن تفسيرها فقال (كما يفترون) : "إن تفسيرها في بطن القرآن: عليّ هو ربه في الولاية،

= بما عرضنا هنا لأسباب منهجية

(1)

النحل، آية: 23

(2)

تفسير العياشي: 2/261، البرهان: 2/343، تفسير الصافي: 3/134 تفسير نور الثقلين: 3/60

(3)

في مبحث: عقيدتهم في توحيد الألوهية

(4)

النحل، آية: 51

(5)

تفسير العياشي: 2/261، البرهان في تفسير القرآن: 2/373، تفسير نور الثقلين: 3/60

(6)

الفرقان، آية: 55

(7)

تفسير القمي: 2/115

(8)

يعني بصائر الدرجات لشيخهم الصفار

ص: 171

والرب هو الخالق الذي لا يوصف"، فهذا قد يفهم منه أن علياً هو الرب الذي لا يوصف (1) . - كما يفترون -، لأن الآية نص في حق الباري سبحانه؟!

وقد حاول صاحب تفسير الصافي تفادي هذا الأمر فقال في توضيح النص السالف: "يعني أن الرب على الإطلاق الغير المقيد بالولاية هو الخالق جل شأنه"(2) . ولكن نص الآية لا يؤيده فيما ذهب إليه؛ إذ إن "الرب" الوارد في الآية لم يقيد بالولاية.. فهو لا ينصرف إلا إلى الحق جل شأنه، وليس هناك أية قرينة صارفة للفظ عن معناه؛ ولهذا قال طائفة من السلف في تفسيرها:"وكان الكافر معيناً للشيطان على ربه مظاهراً له على معصيته"(3) .

وفي قوله سبحانه: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} (4) . قال المفسرون: أي أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء (5) . ولكن شيخ المفسرين عند الشيعة (إبراهيم القمي) يروي بسنده عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله رضي الله عنه يقول في قوله: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} قال: رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون (كذا) بنور الإمام (6) .

ويؤولون الآيات المتعلقة بصفات الله سبحانه بالأئمة، وعلى سبيل المثال قالوا:"إن الأخبار المستفيضة تدل على تأويل وجه الله بالأئمة عليهم السلام"(7) .

(1) لاحظ في هذا النص إشارة إلى مذهبهم في تعطيل الله من صفاته - كما سيأتي-، وانظر النص في: تفسير الصافي: 4/20، البرهان: 3/172، تفسير نور الثقلين: 4/25، مرآة الأنوار: ص59

(2)

تفسير الصافي: 4/20، مرآة الأنوار: ص 59

(3)

تفسير الطبري: 19/26-27، تفسير ابن كثير: 3/338

(4)

الزمر، آية: 69

(5)

تفسير ابن كثير: 4/70

(6)

تفسير القمي: 2/253، البرهان: 4/87، تفسير الصافي: 4/331

(7)

مرآة الأنوار: ص 324

ص: 172

يعنون أخبار الشيعة، وقد ذكر المجلسي جملة من هذه الأخبار في باب عقده بعنوان:"باب أنهم عليهم السلام جنب الله ووجه الله ويد الله وأمثالها"(1) .

فهل يعني أنهم يفسرون قوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} (2)، وقوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (3) . بهذا المعنى -، وأن الأئمة لهم البقاء الدائم، بل ينفردون بذلك؟! ما كنت أظن أن الأمر يصل بهم إلى هذا حتى وقعت عيني على رواياته في كتبهم المعتمدة، ففي الآية الأولى يقول الصادق - كما يزعمون -:"نحن وجه الله"(4)، وفي الآية الثانية يقول:"نحن الوجه الذي يؤتى الله منه"(5) . ولكن الأئمة ماتوا كالآخرين: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (6) . وقد حاول صاحب الكافي أن يجعل لأئمة الشيعة ميزة ينفردون بها في حكم الموت العام فقال: "إن الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا باختيار منهم"(7) . ولكنهم ماتوا على كل حال، ولو كان الموت حسب اختيارهم لما كان للتقية وجود.. ويقولون: إن الأسماء الحسنى الواردة في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (8) . هي الأئمة، ويروون عن أبي عبد الله أنه قال: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلا بمعرفتنا، قال:{فَادْعُوهُ بِهَا} (9) .

(1) انظر: بحار الأنوار: 24/191

(2)

القصص، آية: 88

(3)

الرحمن، آية: 27

(4)

انظر: تفسير القمي: 2/147، الكراجكي/ كنز الفوائد ص 219، ابن شهراشوب/ مناقب آل أبي طالب: 3/63، بحار الأنوار: 24/193، تفسير شبر: ص378

(5)

تفسير القمي: 2/345، ابن شهراشوب/ مناقب آل أبي طالب: 3/343، الكاشاني/ تفسير الصافي: 5/110، بحار الأنوار: 24/192

(6)

الرحمن، آية: 26

(7)

أصول الكافي: 1/258

(8)

الأعراف، آية: 180

(9)

تفسير العياشي: 2/42، تفسير الصافي: 2/254-255، البرهان: 2/51

ص: 173

وسيأتي المزيد من الشواهد في مبحث عقيدتهم في الأسماء والصفات - إن شاء الله -.

وهذه التأويلات التي تفسر الإله والرب و"الله" وصفاته بالإمام هي من آثار السبئية التي تذهب إلى القول بألوهية علي، وهذا الأثر السام لا يزال ينخر في كيان الاثني عشرية، ولهذا لا يزال إلى اليوم بعض شيوخ هذه الطائفة يصرح ويجاهر بهذه المقالة (كما سيأتي)(1) . وقد جاء في رجال الكشي بعض الروايات التي تفيد استنكار جعفر لهذه التأويلات الباطنية التي تؤله الأئمة، فقد ذكر عند جعفر - كما يروي الكشي - أن بعض الشيعة قال في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} (2) . قال: هو الإمام، فقال أبو عبد الله:"لا والله لا يأويني وإياه سقف بيت أبدًا، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، والله ما صغّر عظمة الله تصغيرهم شيء قط.. والله لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لأخذتني الأرض وما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على شيء ضر ولا نفع"(3) .

وكما يسمى الإمام بالرب والإله عندهم، فهو أيضاً يعبر عنه بالرسول. قال صاحب مرآة الأنوار:"قد ورد تأويل الرسول بالإمام، والرسل بالأئمة في بعض الآيات بحيث يمكن سحبه إلى غيرها"(4) . أي أنه يمكن اعتبار الرسل حينما وقعت في القرآن يراد بها الأئمة.. ومما يدل على ذلك قولهم: "إن عمدة بعثة الرسل لأجل الولاية فيصح تأويل رسالة الرسل بما يتعلق بها"(5) . وهذا ليس بدليل؛ لأنه مبني على تأويل باطني لا يسلم لهم، ذلك أن عمدة بعثة الرسل هي التوحيد؛ لأن الله

(1) انظر: الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلافهم من هذه الرسالة

(2)

الزخرف، آية: 84

(3)

رجال الكشي: ص 300

(4)

مرآة الأنوار ص: 163

(5)

المصدر السابق: ص 163

ص: 174

يقول: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (1) ، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} (2) .

ومن أمثله تأويلهم للرسول بالإمام ما يرونه عن الصادق في تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} (3) . قال: أي في كل قرن إمام يدعوهم إلى طريق الحق (4) . والأئمة أيضاً يعبر عنهم بالملائكة في القرآن، جاء في أخبارهم - كما يقولون - ما يدل على أن المراد بالملائكة بحسب البطن في القرآن الأئمة سواء كان المذكر بلفظ الملائكة أو غيرها مما يفيد معناه كالذين يحملون العرش وأمثاله (5) .

والأئمة هم القرآن - كما مر (6) . - وهم الكتاب، ففي تفسير القمي عن الصادق في قوله سبحانه:{الم~، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (7) . قال: الكتاب علي ولا شك فيه (8) . وهم الكلمة في قوله سبحانه: {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (9) . قالوا: الكلمة الإمام (10)، وقوله سبحانه:{لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} (11) . قالوا: لا تغيير للإمامة (12) . وفي قوله سبحانه: {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (13) . قال إمامهم (أبو الحسن علي بن محمد) : نحن الكلمات التي

(1) النحل، آية: 36

(2)

الأنبياء، آية: 25

(3)

يونس، آية: 47

(4)

مرآة الأنوار ص: 164، وانظر: تفسير العياشي: 2/123، البرهان: 2/186، تفسير الصافي: 2/405، بحار الأنوار: 24/306-307

(5)

مرآة الأنوار: ص 303

(6)

انظر: ص (128-129) من هذه الرسالة

(7)

البقرة، آية: 1، 2

(8)

تفسير القمي: 1/30، تفسير العياشي: 1/26، البرهان: 1/53، تفسير الصافي: 1/91-92

(9)

الشورى، آية: 21

(10)

تفسير القمي: 2/274، البرهان: 4/121، بحار الأنوار: 24/174

(11)

يونس، آية: 64

(12)

تفسير القمي: 1/314، بحار الأنوار: 24/175

(13)

لقمان، آية:27.

ص: 175

لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى (1) . وأخبارهم في هذا كثيرة أورد منها المجلسي في البحار (25) رواية (2) .

وإطلاق الكلمة على الإمام قد يوضح مدى التأثر بالنصرانية في إطلاق الكلمة على المسيح عليه السلام لكن تسمية المسيح كلمة الله؛ لأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون، فهو مخلوق بالكلمة، وأما علي فهو مخلوق كما خلق سائر الناس (3) .

والصراط المستقيم - في قوله تعالى -: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (4) . هو أمير المؤمنين (5) . عندهم.

والشمس هي علي، فيروون عن الصادق في قوله:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (6) . قال: "الشمس أمير المؤمنين، وضحاها: قيام القائم"(7) . فهل يعني هذا أنه لما مات أمير المؤمنين اختفت الشمس من الوجود؟!، والناس في ظلمة حتى يشرق ضحى القائم المنتظر؟ !

والمسجد، والمساجد، والكعبة، والقبلة هي الإمام والأئمة، فيروون عن الصادق في قوله تعالى:{وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (8) . قال: يعني

(1) بحار الأنوار: 24/174، تحف العقول ص: 355، ابن شهراشوب/ مناقب آل أبي طالب: 3/508، الاحتجاج ص 552

(2)

انظر: بحار الأنوار: باب أنهم كلمات الله: 24/173-185

(3)

منهاج السنة: 3/18

(4)

الفاتحة، آية: 6

(5)

تفسير القمي: 1/28، تفسير العياشي: 1/42، البرهان: 1/89، تفسير الصافي: 1/85، بحار الأنوار: 23/211

(6)

الشمس، آية: 1

(7)

البرهان: 4/467، مرآة الأنوار ص: 200، وانظر: تفسير القمي: 2/242، وفيه أن النهار هم الأئمة

(8)

الأعراف، آية: 29

ص: 176

الأئمة (1) . وفي رواية أخرى عنه في قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (2) . قال: يعني الأئمة (3) . وفي قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4) . قال: إن الإمام من آل محمد فلا تتخذوا من غيرهم إماماً (5)، ويقول الصادق- عندهم -:"..نحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله"(6) .

والسجود: هو ولاية الأئمة وبهذا يفسرون قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (7) . حيث قالوا: "أي يدعون إلى ولاية علي في الدنيا"(8) .

ولعل مثل هذه الروايات هي السبب في شيوع عبادة الأئمة، وأضرحتهم، وعمارة المشاهد وتعطيل المساجد، لأن المشاهد هي المساجد، والإمام هو كعبة الله وقبلته، ولهذا صنفوا كتباً سموها:"مناسك المشاهد" أو "مناسك الزيارات"، أو "المزار"(9) ، واعتنوا ببيان فضائلها وآدابها، وأخذت هذه المسائل في كتبهم

(1) تفسير العياشي: 2/12، البرهان: 2/8، تفسير الصافي: 2/188، مرآة الأنوار: ص175، نور الثقلين: 2/17

(2)

الأعراف، آية: 31

(3)

تفسير العياشي: 2/13، البرهان: 2/9

(4)

الجن، آية: 18

(5)

البرهان: 4/393

(6)

انظر: الكراجكي / كنز الفوائد ص: 2، بحار الأنوار: 24/303، مرآة الأنوار: ص 213

(7)

القلم، آية: 43

(8)

تفسير القمي: 2/383، البرهان: 4/372، تفسير الصافي: 5/214-215، مرآة الأنوار: ص 176

(9)

مثل كتاب: مناسك الزيارات للمفيد، وكتاب المزار لمحمد علي بن الفضل، والمزار لمحمد المشهدي، والمزار لمحمد بن همام، والمزار لمحمد بن أحمد. ذكرها العاملي في وسائل الشيعة ونقل عنها.

انظر: وسائل الشيعة: 20/48-49، وانظر: ابن تيمية: منهاج السنة: 1/175، الفتاوى: 17/498

ص: 177

المعتمدة قسماً كبيراً (1) . - كما سيأتي تفصيله - (2) .

والتوبة ومعناها معروف (الرجوع من المعاصي إلى طاعة الله) ولكن الشيعة تفسر التوبة بالرجوع من ولاية أبي بكر وعمر وبني أمية إلى ولاية علي، ففي قوله سبحانه:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} (3) . جاء تأويلها عندهم في ثلاث روايات، تقول الأولى:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية فلان وفلان (يعنون أبا بكر وعمر) وبني أمية، وتقول الرواية الثانية:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية الطواغيت الثلاثة (يعنون أبا بكر وعمر وعثمان) ومن بني أمية، {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} يعني ولاية علي، وتقول الثالثة:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من ولاية هؤلاء وبني أمية {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} هو أمير المؤمنين (4) .

وكل الروايات الثلاث المذكورة منسوبة لأبي جعفر محمد الباقر، وعلمه ودينه ينفيان صحة ذلك عنه.

وهذه الأخبار تقدّم لنا مفهوماً جديداً للتوبة، إذ هي في حقيقتها موالاة رجل، ومعاداة آخر، وليس هناك بُعْدٌ آخر غير هذا.. فالتوبة لا تكون إلا في مسألة ولاية الإمام، وغيرها لا يستحق الإنابة والرجوع، ولهذا لم يرد له ذكر، وكأن الشيعة بهذا تجعل من والى علياً ليس عليه ذنب، وإن بلغت ذنوبه مثل قراب الأرض، وتجعل موالاة أفضل الخلق بعد النبيين أبي بكر وعمر وعثمان هو الكفر الذي لا ينفع معه عمل.

فهل هذا هو الإسلام.. وهل الرسول وصحبه لم يجاهدوا إلا لإقرار هذا الأمر؟!

(1) كما في أصول الكافي، والوافي، والبحار، ووسائل الشيعة وغيرها، وسيأتي ذكر مواضعها وشيء من نصوصها

(2)

انظر: "فصل عقيدتهم في توحيد الألوهية"

(3)

غافر، آية: 7

(4)

البرهان: 4/92-93، تفسير الصافي: 4/335، وانظر: تفسير القمي: 2/255

ص: 178

ثم ما تأثير مثل هذه الروايات على من يؤمن بها ويعتقد أنها صادرة من محمد الباقر؟ ألا تهون في نفسه المعصية، وتدفعه إلى ارتكاب كل موبقة.. وتثبطه عن عمل الخير، واصطناع المعروف.. بلى، إن هذا وراد، بل وراد، بل قد يكون حاصلاً، فقد اطلعت في الكافي على شهادة هامة في هذا الباب تتضمن شكوى أحد الشيعة لإمامه من سوء أخلاق أبناء طائفته، وأنه ليعجب من البون الشاسع بين ما يجده عند أصحابه وبين ما يراه عند أهل السنة (1) ، وقد نقل لنا الشوكاني ملاحظات قيمة في هذا سجلها أثناء خلطته مع الشيعة (2) ، وسيأتي حديث في هذا الشأن في فصل "أثرهم في العالم الإسلامي".

والصلاة، والزكاة، الحج، والصيام.. أركان الإسلام ومبانيه العظام هي عند الشيعة بمعنى الأئمة في القرآن، فيروون عن أبي عبد الله:"نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج"(3) . بل إن الدين كله هو عندهم ولاية علي، ويروون عن جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} (4) . قال: "ولاية علي رضي الله عنه {فَلَا تَمُوتُنَّ إَلَاّ

(1) نصه ما يلي:

عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً (يعني أبا بكر وعمر، وهو يشير بهذا لأهل السنة) لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم (يعني الشيعة) ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق؟ فاستوى أبو عبد الله رضي الله عنه جالساً فأقبل علي كالغضبان، ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء، ثم قال: ألا تسمع لقول الله عز وجل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}

البقرة: 257

يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله.. (أصول الكافي: 1/375)

(2)

يقول الشوكاني: "جربنا وجرب غيرنا فلم يجدوا رافضياً يتنزه عن شيء من محرمات الدين كائناً ما كان"(طلب العلم ص 73)، وستأتي - إن شاء الله - بقية ملاحظاته في فصل:"أثرهم في العالم الإسلامي"

(3)

بحار الأنوار: 24/303

(4)

البقرة، آية: 132

ص: 179

وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} لولاية علي" (1) . وفي تفسير القمي في قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ..} (2) . قال: الإمام، {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ، كناية عن أمير المؤمنين رضي الله عنه، {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من أمر ولاية علي، {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ} كناية عن علي عليه السلام (3) .

وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا يسمى دين (المنتظر) أو دين الولاية، أو الولاية نفسها.. وحقيقة الأمر أن هذا دين آخر غير دين الإسلام، هذا الدين معناه طاعة رجل وقد ورثته الاثنا عشرية - فيما يظهر - عن الكيسانية (4) . - حيث إنهم - كما يقول الشهرستاني: "يجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل، حتى حملهم ذلك على تأويل الأركان الشرعية من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك على الرجال

ومن اعتقد أن الدين

(1) البرهان: 1/156، مرآة الأنوار ص: 148

(2)

الشورى، آية: 13

(3)

تفسير القمي: 2/274، البرهان: 4/120، تفسير الصافي (4/368-369)، بحار الأنوار: 36/84

(4)

الكيسانية: من غلاة الشيعة، تقول بإمامة محمدين بن الحنفية، وسميت بالكيسانية نسبة للمختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لأن لقبة كيسان، وكذلك تسمى بالمختارية عند بعض أصحاب الفرق، وقد ادعى المختار نزل الوحي عليه، وقال بالبداء، وضلالات أخرى، وقيل: إن الكيسانية سميت بذلك نسبة إلى رجل يقال له: كيسان، وهو مولى لبطن من جبيلة في الكوفة، وقيل: مولى لعلي بن أبي طالب.

والكيسانية فرق بلغت عند الأشعري إحدى عشرة فرقة. ويرجع محصّلها - كما يرى البغدادي - إلى فرقتين: فرقة تقول: إن محمد بن الحنفية لم يمت وهو المهدي المنتظر، وفرقة أخرى ينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره، ويختلفون بعد ذلك في المنقول إليه.

انظر عن الكيسانية: الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/91، البغدادي/ الفرق بين الفرق: ص 23، 38، 53، ابن حزم/ الفصل 5/35-36، 40، 41، 43، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 93-95، نشوان الحميري/ الحور العين ص 157 وما بعدها، ابن المرتضى/ المنية والأمل: ص 82-83. وانظر: الناشئ الأكبر/ مسائل الشيعة ص 23-24، 27. وانظر: وداود القاضي/ الكيسانية في التاريخ والأدب

ص: 180

طاعة رجل ولا رجل له، لأنه (غائب في سردابه) فلا دين له.." (1) . فقد انحصر الدين عندهم بولاية رجل هو علي، وأصبح ما يدل عليه من الطاعة لله ورسوله واتباع المعروف والانتهاء عن المنكر.. خارجاً عن معنى الدين حسب رواياتهم.

ولفظ الأمة - ومعناه معروف - وقد ورد هذا اللفظ (49) مرة في كتاب الله، والشيعة تفسره بالأئمة أو بالشيعة. قال في مرآة الأنوار: "إن الله يستفاد من رواياتنا على اختلاف ألفاظها تأويل الأمة فيما يناسب بالأئمة عليهما السلام وبأهل الحق والشيعة المحقة وإن قلوا

" (2) . ثم ساق طائفة من رواياتهم في هذا التأويل نقلها من مجموعة من كتبهم المعتمدة، وإذا كانت الأمة بمعنى الأئمة فهذا يعني أن القرآن نزل للأئمة فقط، وأن الأمة غير مخاطبة بالقرآن ولا مكلفة به.

وليس ذلك فحسب بل إن الجمادات تفسر بالأئمة.

فالبئر - ومعناه واضح - ولكن الشيعة تفسره في القرآن "بعلي-رضي الله عنه، وبولايته، وبالإمام الصامت - يعنون القرآن - والإمام الغائب، وبفاطمة وولدها المعطلين من الملك (3)، وبذلك يفسرون قوله تعالى:{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (4) . وقد جاء في تفسير البرهان خمس روايات لهم في هذا المعنى (5) .

والبحر - وقد ورد في كتاب الله في أكثر من ثلاثة وثلاثين موضعاً بالمعنى المعروف -، ولكن الشيعة تفسر البحر والبحار بالإمام والأئمة وأعدائهم. وقد أورد

(1) الملل والنحل: 1/147

(2)

مرآة الأنوار: ص 81

(3)

بحار الأنوار: 36/104-105، مرآة الأنوار: 94، وانظر: تفسير القمي: 2/85، البرهان: 3/96-97، أصول الكافي: 1/427، معاني الأخبار: ص 111

(4)

الحج، آية: 45

(5)

البرهان: 3/96-97

ص: 181

صاحب مرآة الأنوار جملة من روايات طائفته في هذا التأويل، ثم قال: "ولا يخفى أن المستفاد من ذلك جواز تأويل البحر والبحار العذبة.. المشتملة على المدح والنفع بالإمام والأئمة، بل بفاطمة.. وتأويل البحر والبحار المالحة بأعدائهم (1) . وقد جاء في تفسير القمي وغيره عن أبي عبد الله في قوله سبحانه:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} (2) . قال: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين (3) .

وتفسير المعاني والمثل العليا بالإمامة والأئمة.

فالخير هو الولاية. يقول الكاظم - كما يدعون - في قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (4) . قال: الولاية (5) . وفي قوله سبحانه: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} (6)، قال أبو جعفر:{الْخَيْرَاتِ} الولاية (7) .

والآيات الكونية تؤول بالأئمة، فالأئمة هم العلامات في قوله تعالى:{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (8) . قال أبو عبد الله - كما يروون -: "النجم رسول الله، والعلامات هم الأئمة عليهم السلام"(9) . وعقد الكليني باباً في هذا

(1) مرآة الأنوار: ص 94

(2)

الرحمن، آية: 19

(3)

تفسير القمي: 2/344، تفسير فرات ص: 177، وابن بابويه/ الخصال ص 65، تفسير الصافي: 5/109، البرهان، وقد ذكر اثنتي عشرة رواية في هذا التأويل: 4/265، بحار الأنوار، وقد عقد لذلك باباً مستقلاً بعنوان: باب أنهم عليهم السلام (البحر واللؤلؤ والمرجان) : 24/97، وانظر ما مضى من كلام ابن تيمية حول هذا التأويل ص: 175

(4)

الحج، آية: 77

(5)

مرآة الأنوار: ص 139

(6)

البقرة، آية: 148

(7)

البرهان: 1/163، تفسير الصافي: 1/200

(8)

النحل، آية: 16

(9)

تفسير القمي: 1/383، تفسير العياشي: 2/255، أصول الكافي: 1/206، البرهان: 2/362، تفسير الصافي: 3/129، تفسير فرات: ص 84، مجمع البيان: 4/62

ص: 182

بعنوان: "باب أن الأئمة هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه"(1) . وتبعه المجلسي وعنون لبابه بقوله: "باب أنهم عليهم السلام النجوم والعلامات"(2) . وسياق الآية، وما ورد عن السلف ينفي ما ذهبوا إليه في تأويل الآية (3) .

وأحوال اليوم الآخر يفسرونها برجعة الأئمة أو الولاية، فالساعة، والقيامة، والنشور وغيرها من الأسماء التي تتعلق باليوم الآخر تفسر في الغالب عند هؤلاء برجعة الأئمة. ويقدم صاحب مرآة الأنوار قاعدة في هذا فيقول:"كل ما عبر به بيوم القيامة في ظاهر التنزيل فتأويله بالرجعة"(4) .

ويقول المجلسي عن لفظ الساعة في القرآن: إن الساعة ظهرها القيامة، وبطنها الرجعة (5) . وقد ورد أيضاً عندهم تأويل الساعة بالولاية، فيروون عن الرضا في قوله سبحانه:{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} (6) . قال: يعني كذبوا بولاية علي (7) .

والحياة الدنيا: هي الرجعة، قال صاحب مرآة الأنوار: جاء ما يدل على تأويل الدنيا بالرجعة، وبولاية أبي بكر وعمر (8)، ففي قوله سبحانه:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (9) . قال جعفر: يعني في الرجعة (10) ، وفي قوله

(1) أصول الكافي: 1/206

(2)

بحار الأنوار: 24/67-82

(3)

انظر: تفسير الطبري: 14/92، تفسير ابن كثير: 2/612

(4)

مرآة الأنوار: ص 303

(5)

بحار الأنوار: 24/334

(6)

الفرقان، آية: 11

(7)

النعماني/ الغيبة: ص 54، البرهان: 3/157، مرآة الأنوار: ص 182

(8)

مرآة الأنوار: ص 150

(9)

غافر، آية: 51

(10)

تفسير القممي: 2/258-259، تفسير الصافي: 4/345، البرهان: 4/100

ص: 183

سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (1) . قال: ولايتهم (2) . (يعني ولاية أبي بكر وعمر وعثمان) . والتأويلات الباطنية لا ضابط لها، فأنت ترى "أن الآخرة تؤول بالرجعة، والحياة الدنيا تؤول بها كذلك على ما بينهما من تفاوت، كما تلحظ أن الحياة الدنيا فسرتها تأويلاتهم مرة بالرجعة، ومرة بالولاية على ما بينهما من اختلاف.. فهي أقوال عشوائية لا تستند إلى أصل ولا فرع، بل ولا عقل".

وتأويلهم لكثير من آيات القرآن بالإمامة والأئمة يربو على الحصر وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، ولقد تجاوزوا في هذه الدعاوى كل معقول، وأسفوا في تأويلاتهم إلى ما يشبه هذيان المعتوهين حتى قالوا: إن النحل في قوله سبحانه: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (3) . هم الأئمة، وروى القمي بإسناده إلى عبد الله قال: نحن النحل التي أوحى الله إليها {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة {وَمِنَ الشَّجَرِ} يقول: من العجم {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} يقول: من الموالي.." (4) .

وجمع المجلسي رواياتهم في هذا المعنى في باب بعنوان: "باب نادر في تأويل النحل بهم عليهم السلام"(5)، كما جاء بروايات تقول:"إن الأئمة هم الماء المعين والقصر المشيد السحاب والمطر والفواكه وسائر المنافع الظاهرة"(6) .

وفي الباب الذي عقده بعنوان: «باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة (7) . جاء فيه: "نحن الأيام؛ فالسبت اسم رسول الله، والأحد كناية عن أمير المؤمنين،

(1) الأعلى، آية: 16

(2)

أصول الكافي: 1/418، البرهان: 4/451

(3)

النحل، آية: 68

(4)

تفسير القمي: 1/387

(5)

بحار الأنوار: 24/110-113

(6)

انظر: بحار الأنوار: 24/100-110

(7)

بحار الأنوار: 24/238-243

ص: 184

والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس، ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني.." (1) .

ومن الطريف أن بعض الأيام حظيت في أخبار الشيعة بالذم كيوم الاثنين (2) ، فهل يتوجه هذا الذم إلى بعض الأئمة؛ لأن الأئمة هم الأيام؟!

ويروي جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر عن تأويل قول الله عز وجل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ..} (3) . قال: فتنفس سيدي الصعداء ثم قال: "يا جابر، أما السنة فهي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهورها اثنا عشر شهراً فهو أمير المؤمنين إلي (4) . وإلى ابني جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي، وإلى ابنه الحسن وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إماماً

والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين رضي الله عنه وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بن محمد، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم {فَلَا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} أي: قولوا بهم جميعاً تهتدوا" (5) .

والبعوضة (وهي حشرة صغيرة معروفة) ورد ذكرها في سورة البقرة (6) .

(1) البحار: 24/239، الصدوق/ الخصال: ص395-396، والنص منسوب لإمامهم العاشر علي الهادي

(2)

انظر: سفينة البحار: 1/137

(3)

التوبة، آية: 36

(4)

أي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده من الأئمة حتى يصل إليّ، (المجلسي/ بحار الأنوار: 24/240)

(5)

الطوسي/ الغيبة: ص96، ابن شهراشوب/ مناقب آل أبي طالب: 1/244، بحار الأنوار: 24/240، البرهان: 2/122-123، نور الثقلين: 2/214-215، اللوامع النورانية: ص141.

(6)

الآية: 26

ص: 185

هي علي عندهم (1) .

ولفظ (الذباب) يؤول بعلي في تفسير الشيعة (2) ، كما أولوا البعوضة وحاول بعضهم أن يلطف من هذا التأويل فزعم أنه ذباب العسل (3)، وفاته أنهم يؤولون به قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} (4) . وما أدري ما السر في إطلاق أسماء أحط الحشرات على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه - من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟!. ولكن قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وتاريخهم الفعلي مع آل البيت أشد وأشنع.

وقبور الأئمة لها نصيب من تأويلاتهم، فالبقعة المباركة في قوله سبحانه:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} (5) . هي كربلاء (6)، ومن المعروف أنها كانت في طور سيناء بنص القرآن في الآية التي قبلها:{مِن جَانِبِ الطُّورِ} .

وكما خصت هذه الروايات أئمة الشيعة بهذه الآيات كذلك تخص أتباعها بآيات من كتاب الله حتى تذهب إلى أن الشيعة هي الشيء (7) . في قوله سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (8) . لتقصر رحمة الله الواسعة على الشيعة، وتضيق ما وسعه الله على عباده.

ولفظ "الشر" و"الكفر" و"الردة" و"الضلال" في كتاب الله يؤولونه بغير

(1) تفسير القمي: 1/35، البرهان: 1/70

(2)

انظر: مرآة الأنوار: ص 150

(3)

نفس الموضع من المصدر السابق

(4)

الحج، آية: 73

(5)

القصص، آية: 30

(6)

ابن قولويه/ كامل الزيارات: ص 48-49، البرهان: 3/336، مرآة الأنوار: ص99

(7)

انظر: أصول الكافي: 1/429، البرهان: 2/40، مرآة الأنوار: ص 192

(8)

الأعراف، آية: 156

ص: 186

ما يعرفه المسلمون من هذه "الألفاظ"؛ حيث يفسرون هذه الألفاظ بترك بيعة الاثني عشر (على الرغم من أنهم لم يتولوا الحكم ما عدا أمير المؤمنين علي) ، وشواهد هذا كثيرة بلغت عشرات الروايات، وقد أشرنا فيما سلف إلى أن شيخهم المجلسي عقد أبواباً في بحاره تحمل عناوين في التأويل الباطني تضمن بعضها مائة رواية، ولكن هنا نذكر مجرد أمثلة لهذه الأحاديث، فقد روت كتب الشيعة في قوله سبحانه:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (1) .

قالت: "لئن أشركت في إمامة علي ولاية غيره"(2) .

قال صاحب مرآة الأنوار: "فعلى هذا جميع المخالفين مشركون"(3) . وقال: "إن الأخبار (أخبار الشيعة) متضافرة في تأويل الشرك بالله، والشرك بعبادته بالشرك في الولاية والإمامة"(4) ، ولذلك حكموا على صحابة رسول الله بالردة - كما سيأتي (5) . - لمبايعتهم لأبي بكر دون علي.

وكذلك يؤولون الكفر بذلك، جاء في الكافي: "عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} (6) . قال: نزلت في فلان وفلان وفلان (7) . آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وآله - في أول الأمر، وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية.. ثم آمنوا

(1) الزمر، آية: 65

(2)

انظر: تفسير القمي: 2/251، تفسير فرات: ص 133، البرهان: 4/83، تفسير الصافي: 4/328

(3)

أبو الحسن الشريف/ مرآة الأنوار: ص 202

(4)

نفس الموضع من المصدر السابق

(5)

في فصل الإمامة

(6)

لاحظ أنه جمع آيتين من سورتين على أنهما آية واحدة، مما يشير إلى أن واضع هذه الأساطير، ومفتريها على أهل البيت أحد الزنادقة الجهلة؛ حيث إن قوله:{لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} من آل عمران، آية: 90، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ..} إلخ من النساء، آية: 137

(7)

يعنون: أبا بكر وعمر وعثمان كما جاء تفسير ذلك على لسان بعض شيوخهم كما سيأتي في فصل: "الإمامة"

ص: 187

بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ثم كفروا حيث مضى رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء (1) .

فأنت ترى أنهم خصوا أفضل الخلق بعد النبيين بهذا الحكم، فما بالك بمن دونهم من سائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أشار بعض شيوخهم إلى وجه هذا التخصيص فقال:"ورد في بعض الروايات تأويل الكفر برؤساء المخالفين، لاسيما الثلاثة: (يعنون الخلفاء الراشدين) مبالغة بزيادة كفرهم وجحدهم"(2) .

ولفظ: "الردة" يعني الردة عن بيعة أحد الاثنى عشر. جاء في أصول الكافي وغيره عن أبي عبد الله في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى..} (3) . (قال) فلان وفلان وفلان ارتدوا من الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين.. (4) .

والضلال هو عدم معرفة الإمام، ففي قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ

} (5) . قال: "يعني ضلوا في أمير المؤمنين"(6) . وفي قوله سبحانه: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (7) . قال:

(1) أصول الكافي: «1/420، تفسير القمي: 1/159، تفسير العياشي: 1/276، البرهان: 1/421، تفسير الصافي: 1/511، بحار الأنوار: 23/375، مرآة الأنوار: ص 289

(2)

مرآة الأنوار: ص 187

(3)

محمد، آية: 25

(4)

أصول الكافي: 1/420، بحار الأنوار: 23/375، وانظر: تفسير القمي: 2/308، البرهان: 4/186، تفسير الصافي: 5/28

(5)

النساء، آية: 44

(6)

تفسير القمي: 1/139

(7)

الفاتحة، آية: 7

ص: 188

"الضالين: الذين لا يعرفون الإمام"(1) .

إن تفسير الكفر والشرك، والردة والضلال بترك بيعة الاثني عشر فضلاً عن أنه لا سند له من نقل أو عقل أو لغة أو شرع فإنه - ولعل ذلك هو هدف واضع الروايات - ينتهي بالمؤمن به إلى تفضيل الكفر والكافرين على سائر المسلمين من غير الشيعة، (لأن رأس الكفر ترك الولاية) ، وهذا ما يصدقه تاريخ الشيعة مع المسلمين، كما أنه يهون أمر الشرك والإلحاد، وهذا هدم لأصول الإسلام، ومحاربة لرسالة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي بعث لمحاربة الشرك والكفر والضلال، وإرساء قواعد التوحيد وشريعة الإسلام.

والكبائر وسائر المحرمات هي عندهم أعداء الأئمة. يقول أبو عبد الله - كما يزعمون -: "..وعدونا في كتاب الله عز وجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام، والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير.."(2) . وقد أشرنا من قبل إلى أن تأويل المحرمات بأعداء الأئمة قد جاء في أبواب عدة في البحار تضمنت عشرات الأحاديث.

وقد جاء في بعض مصادرهم المعتمدة عندهم ما يكشف واضع هذه الأسطورة، ويبين أن أصل تأويل المحرمات بأعداء الأئمة، وتأويل الفرائض بالأئمة هو: أبو الخطاب الذي تبرأ منه الأئمة ولعنوه، وففي رجال الكشي:"كتب أبو عبد الله إلى أبي الخطاب: بلغني أنك تزعم أن الزنا رجل وأن الخمر رجل وأن الصلاة رجل وأن الصيام رجل وأن الفواحش رجل، وليس هو كما تقول.."(3) .

وتذكر كتب المقالات عن بعض غلاة الشيعة القول بأن المحرمات كلها أسماء رجال أمرنا الله تعالى بمعاداتهم، وأن الفرائض أسماء رجال أمرنا بموالاتهم (4) .

(1) تفسير القمي: 1/29

(2)

بحار الأنوار: 24/303

(3)

رجال الكشي: ص 291، بحار الأنوار: 24/299

(4)

الملل والنحل: 1/179

ص: 189

ويقول الشهرستاني: "إنما مقصودهم من حمل الفرائض والمحرمات على أسماء رجال: هو أن من ظفر بذلك الرجل وعرفه فقد سقط عنه التكليف وارتفع الخطاب"(1) . وكل ذلك ورثته الاثنا عشرية وأحيته وتولى كبر نشره القمي (صاحب التفسير) ، والكليني، والعياشي، والكاشاني، والمجلسي، وغيرهم من شيوخ الدولة الصفوية الذين "أحيوا" كل أساطير غلاة الفرق الشيعية، وأدخلوه في المعتقد الاثني عشري كروايات عن الأئمة.

هذا وتأويلاتهم في هذا الباب يستغرق ذكرها مجلدات، ولهم في كل عقيدة شذوا بها كالرجعة، والغيبة، والتقية وغيرها تأويلات وافتراءات تربو على الحصر، وسنأتي - إن شاء الله - على شيء منها عند بحثنا لهذه المسائل. وما ذكرناه هنا جزء قليل مما جمعناه ولم نذكره خشيه الإطالة.. وما جمعناه هو كقطرة من بحر مظلم.. عرضه ونقده يستوعب المجلدات.. وكل مثال من هذه الأمثلة - في الغالب - يكشف لنا عن عقيدة من عقائد القوم في الألوهية والنبوة، والأسماء والصفات، وأركان الإسلام وغيرها.

هذا وقبل أن أرفع القلم عن هذا الموضوع أسجل الملاحظات التالية:

1-

فيما مضى من مباحث ذكرنا ما يقوله الشيعة من أن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم، ثم قدمت أمثلة لتحريف الشيعة لمعاني القرآن.. وكل ذلك يؤكد ما تذهب إليه الشيعة من القول بأن أكثر القرآن قد اشتمل على ذكر الأئمة الاثني عشر ومخالفيهم.. فهذه المسألة حشد لها شيوخ الشيعة آلاف النصوص كما أسلفنا الإشارة إلى شيء منها.. وبعد ذلك كله نجد من نصوصهم نفسها ما ينقض هذه الدعاوى كلها جملة واحدة.

يقول هذا النص الذي يروونه عن أبي عبد الله جعفر الصادق: "لو قرئ

(1) الملل والنحل: 1/179

ص: 190

القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين" (1) . فهذا اعتراف منهم بأنه ليس لأئمتهم ذكر في كتاب الله، ولم يرد لهم تسمية فيه.. فكأنهم يخربون بيوتهم بأيديهم. ولعل السر في ذلك أن واضع هذا النص قد اهتم بتأييد مسألة التحريف - وسيأتي بحثها - ونسي ما وضع من قبل، والاختلاف والتناقض قد يكون عقوبة إلهية لمن يضع في الدين ما ليس منه، كما يؤخذ ذلك من قوله سبحانه:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2) . فهو برهان أكيد على أنه ليس من عند الله سبحانه.. وقد مضى من قبل الإشارة إلى نص آخر لهم يجعل من كتاب الله سبحانه أربعة أقسام وليس في قسم منها ذكر للأئمة (3) .

وجاء في رجال الكشي نص هام ينسف كل ما بنوه من هذا التفسير الباطني، فقد نقل لأبي عبد الله جعفر ما يقوله أولئك الزنادقة من تأويل آيات الله سبحانه بتلك التأويلات الباطنية "حيث قيل له: روي عنكم أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال؟ فقال: ما كان الله عز وجل ليخاطب خلقه بما لا يعملون" (4) . أي يستحيل أن يخاطب الله سبحانه عباده بما لا سبيل لهم إلى معرفته والاهتداء إلى معناه؛ لأن هذا يتنافى مع الحكمة في إنزال القرآن لهداية الناس والدعوة إلى عبادة الله، ويتنزه الله سبحانه أن يأمر عباده بتدبر القرآن وهو غير قابل للتدبر والفهم، ويتقدس سبحانه أن يخاطب عباده بألغاز وطلاسم. وهذا القول من أبي عبد الله الذي ورد في أوثق كتب الرجال عند الشيعة يهدم كل ما بنوه من تلك التحريفات وذلك الإلحاد في كتاب الله وآياته.

هذا نقض للمسالة من نصوصهم نفسها، أو ما يسمى بالنقد الداخلي للنصوص، وإلا فإن المتأمل لآيات القرآن بمقتضى اللغة العربية التي نزل بها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ

(1) تفسير العياشي: 1/13، بحار الأنوار: 92/55، تفسير الصافي: 1/41، اللوامع النورانية: ص 547

(2)

النساء، آية: 82

(3)

انظر: ص (156-157)

(4)

رجال الكشي: ص 291

ص: 191

قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1) لا يجد فيه ذكراً لما يدعون، والروايات التي يذكرونها يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها، فهي تحمل بنفسها ما يهدم بنيانها من الأساس، فهل يصدق أحد أن لعلي في القرآن (1154) اسماً؟ وهل يدخل عقل أحد أن من أسماء علي البعوضة والذباب؟ وهل يوافق مؤمن على القول بأن ما ورد من آيات عن اليوم الآخر هي خاصة بعقيدة رجعة الأئمة؟ وكيف تناقش من يقول بأن آيات الإيمان والمؤمنين هي في الأئمة الاثني عشر، وآيات الكفر والكافرين هي في الصحابة؟!

وإنني هنا أذهب إلى القول بأن هذا المستوى الذي هبط إليه هؤلاء هو من معجزات هذا الدين العظيم، فما من أحد ادعى نبوة أو وحياً وأراد أن يضع في الدين ما ليس منه إلا وفضحه الله على روؤس الأشهاد، وتالله إن هذه المقالات التي لا يمكن بحال أن تتفق مع العقل والنقل ولا اللغة والدين هي من أعظم فضائح القوم وعوراتهم.. وبها يكشف الله سبحانه وتعالى كذبهم وبهتانهم.

إن مطابع النجف وطهران وقم وبمبي قد أخرجت لنا تراثاً شيعياً ضخماً يمثل ديناً بأكمله، لعل أقرب تسمية له هو دين الولاية، أو الإمامة، ولم تتوفر هذه الكتب للمسلم كما توفرت اليوم.. دين وضعه المجلسي والكليني وغيرهما من أساطين التشيع، وسينكشف من خلاله أمور كثيرة لم تكن معروفة من قبل.. ويبدو من الاطلاع عليه عظمة هذا الدين الإلهي وسر خلوده، إذ بضدها تتميز الأشياء فلولا المر ما عرف طعم الحلو.

ولعلي أقول إن هذا الإحياء لهذا التراث الشيعي الضخم دليل على قرب نهايته فقد عاشوا يبشرون بمعتقدهم بتقية ومصانعة انخدع بها الكثير وهاهي كتبهم اليوم المعتمدة تظهر بشكل وفير في وقت تطلع الناس لمعرفة ما عندهم، لتسهم في كشف عوارهم.

(1) يوسف، آية: 2

ص: 192

2-

هذه التأويلات الباطنية المستفيضة في كتب الاثني عشرية هي مجهولة للكثير ممن يكتب عن هذه الطائفة.. وحسبك أن تجد ممن كتب عن الاثني عشرية من يعتبرها بعيدة كل البعد عن الاتجاه الباطني، ويظن أن التأويل الباطني مقصور أمره على طائفة الإسماعيلية. يقول بعض من كتب عن الفرق:"جعل الإسماعيلية للأئمة صفات لم تعرفها فرق الشيعة الأخرى، ذلك أنهم يقولون ظاهراً: إن الأئمة بشر كسائر الناس يأكلون وينامون ويموتون، ولكنهم في تأويلاتهم الباطنية يقولون: إن الإمام هو: "وجه الله" "ويد الله" "وجنب الله" (1) .

ويلاحظ أن هذا هو عين ما تذهب إليه طائفة الاثني عشرية، وجاءت أخبار كثيرة عندهم في إقرار هذا الغلو، وخصص المجلس لذلك باباً من أبواب بحاره - كما أسلفنا - وهو «باب أنهم عليهم السلام جنب الله ووجه الله ويد الله وأمثالها" (2) .

والسر في هذا الجهل المتفشي بين طبقة من الكتاب هو أن كتب الاثني عشرية نوعان: كتب للدعاية للمذهب وضعت بأسلوب التقية.. والنوع الثاني:- وهو المعتبر عندهم - كتب الحديث الثمانية المعتمدة عندهم وكتب الرجال الأربعة، وما في درجة هذه الكتب من كتب شيوخهم. فمن يعتمد على الأول وحده يفوته الكثير من أمورهم، والتي قد تشير إليها كتب الدعاية إشارة لا يفهمها إلا شيوخهم، أو من هو على صلة وفهم لكتبهم المعتمدة.

3-

يلاحظ أن هذه التأويلات ليست عندهم آراء اجتهادية في تأويل القرآن قابلة للأخذ والرد والمناقشة والتعديل، بل هي في مقاييسهم نصوص شرعية لها سمة الوحي وأهميته، وقدسية النص النبوي وشرعيته. وقد جاءت عندهم نصوص كثيرة تحذر وتنذر من رد أمثال هذه النصوص التي لا تتفق مع العمل والفطرة، ولا مع المنطق واللغة. وأن الواجب التسليم وعدم الاعتراض، على لغة:"أطفئ مصباح عقلك واعتقد"، وقد حاولوا توطين أتباعهم على قبول أمثال هذه النصوص فقالوا: "إن حديثنا

(1) مصطفى الشكعة/ إسلام بلا مذاهب: ص 247-248

(2)

بحار الأنوار: 24/191-203

ص: 193

تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم، ومن أنكر فذروهم" (1) . "وعن سفيان السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إن رجلاً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه، فقال أبو عبد الله: يقول لك: إني قلت لليل إنه نهار أو للنهار إنه ليل؟ قال: فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني (2) .

وأمثال هذه الروايات كثيرة، ويلاحظ أن في الرواية الأخيرة ما يدل على أن من الشيعة من يستبشع رواياتهم، ولكن يلزمون بالإيمان الأعمى بها، بل يعتبر من توقف في رواية من هذه الروايات وقال:"كيف جاء هذا، وكيف كان، وكيف هو؟، فإن هذا والله الشرك بالله العظيم (3) . وقد اهتم بهذه القضية صاحب البحار وذكر لها (116) حديثاً من أحاديثهم في باب عقده بعنوان: "باب أن حديثهم عليهم السلام صعب مستصعب، وأن كلامهم ذو وجوه كثيرة وفضيلة التدبر في أخبارهم عليهم السلام والتسليم لهم والنهي عن رد أخبارهم" (4) .

ولعل أول من أرسى دعائم هذا المعتقد صاحب الكافي والذي خصه بباب مستقل بعنوان: "باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب" وذكر فيه خمس روايات (5) . ولعل هذا الأسلوب هو الذي ساعد على تفشي تلك المقالات الأسطورية، وغياب الصوت العاقل الذي يجهر بالحق.. ويعري الباطل ويفضحه. وهذا نوع من الاستهواء الذي يطالب فيه الأتباع بالإيمان بأقوال الأئمة وإن خالفت العقل والنقل، وهو قريب من موقف الصوفية الذي يطالب فيه الشيوخ مريديهم بالتسليم لهم حتى إنهم قالوا: إن المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله، وهذا الاستهواء هو الذي لجأ

(1) البحار: 2/129

(2)

البحار: 2/211-212، البحراني/ اللوامع النورانية ص 549-550

(3)

انظر: رجال الكشي: ص194

(4)

انظر: بحار الأنوار: 2/182 وما بعدها

(5)

انظر: أصول الكافي: 1/401-402

ص: 194

إليه فرعون مع قومه، وأشار إليه الله سبحانه بقوله:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} (1) . (2) .

4-

إن للتفسير عندهم وجوهاً: ظاهرة، وباطنة، والجميع معتبر. قال أبو عبد الله - كما يزعمون -: إن قوماً آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفهم ذلك شيئاً، ولا إيمان بظاهر إلا بباطن، ولا باطن إلا بظاهر، ولهذا يلاحظ أن بعض تفاسير الشيعة لم تذكر هذا التأويل، أو ذاك، وإنما ذكرت ما ظهر من الآية الذي قد يوافق اللغة أو ما جاء عن السلف، ولكن قد لا يعني هذا مخالفتهم لذلك التأويل الباطني لأنهم يقولون بأن لكل آية معنى باطناً ومعنى ظاهراً، والكل مراد، فقد يكتفي بعضهم بذكر الظاهر وحده، أو الباطن فقط، أو يذكر الوجهين جميعاً؛ لأن رواياتهم جاءت على نفس المنهج كما تدل على ذلك رواية صاحب الكافي في تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (3) .

قال: "

عن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله: إن الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعمله، قال: وما ذاك؟ قلت: قول الله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} لقاء الإمام، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك، قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك، قول الله عز وجل:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال: أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك. قال: قلت: جعلت فداك، إن ذريحاً المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له:{لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} لقاء الإمام {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك، فقال: صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهراً وباطناً ومن يحتمل ما يحتمل ذريح" (4) . ففي هذا

(1) الزخرف، آية: 54

(2)

انظر: المدخل إلى الثقافة الإسلامية: ص 113-115

(3)

الحج، آية: ص 29

(4)

الكليني/ فروع الكافي: 4/549، وانظر: ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 2/290-291، =

ص: 195

النص - الذي أورده صاحب الكافي، وذكره أيضاً صاحب من لا يحضره الفقيه وغيره - التصريح بأن للقرآن معاني ظاهرة تقال لعامة الناس، وله معانٍ باطنة لا تذكر إلا للخاصة ممن يستطيع احتمالها، وهم قلة لا توجد "فمن يحتمل ما يحتمل ذريح". وإذا كان الأئمة يضنون بهذا العلم الباطني، ويتحاشون ذكره عند شيعتهم إلا من كان على مستوى ذريح فماذا خالفت كتب الاثني عشرية نهج أئمتها وأشاعت هذا "العلم" المضنون به على غير أهله للخاص والعام؟!

هذا ما يؤخذ من أقوال هؤلاء القوم.. ولعل قائلاً يقول: لماذا لا يكون هذا التأويل الذي يتفق وظاهر النص، وسياق القرآن، ولغة العرب، وما أثر من السلف، وما اتفق عليه جماعة المسلمين هو الذي يعتقد صدوره عن أمثال محمد الباقر، وجعفر الصادق وغيرهما من أئمة العلم والدين واللغة، وأن تلك التأويلات الباطنية التي لا تستند إلى أصل معتبر من نقل أو عقل أو لغة هي من وضع زنديق ملحد أراد الإساءة إلى كتاب الله ودينه، وإلى أهل البيت، ولاسيما أن تلك الأقوال الباطنية لا تذكر إلا خلسة وفي الظلام، ولا ينقلها إلا قلة كما يشير إليه نهاية الخبر، وتفسير القرآن لا يمكن أن يكون علماً سرياً لا يتحمله إلا خاصة الناس، فالله سبحانه أنزل كتابه لعباده كافة لا لفئة معينة، وهؤلاء الأئمة كان عصرهم يمثل العصر الذهبي للأمة في وقت عزة الإسلام والمسلمين، فهل يصبح تفسير القرآن في عصرهم "سرياً" وفي هذا العصر يعلن هذا التفسير؟!

وأئمة أهل البيت هم أجرأ وأشجع من أن يجبنوا عن بيان الحق، وأن يتخلوا عن الصدع بأمر الله وشرعه.

5-

هذه التأويلات الباطنية هي من باب الإلحاد في كتاب الله وآياته - وقد قال

= معاني الأخبار: ص 340، عيون أخبار الرضا: ص 366، الكاشاني/ تفسير الصافي: 3/376، الحويزي/ تفسير نور الثقلين: 2/492، البحراني/ البرهان: 3/88-89، المجلسي/ بحار الأنوار: 92/83-84، الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 10/253، الموسوي/ مفتاح الكتب الأبعة: 5/228-229

ص: 196

تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} (1) . قال ابن عباس: هو أن يوضع الكلام في غير موضعه (2) . وذلك بالانحراف في تأويله (3) .

قال في الإكليل: "ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ كما يفعله والاتحادية والملاحدة"(4) . وهؤلاء الذين يلحدون في آيات الله ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا بالباطل وأرادوا الإخفاء لكنهم لا يخفون على الله كما قال تعالى: {لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} (5) .

6-

ربط شيوخ الشيعة هذه التأويلات أو التحريفات بأئمة أهل البيت لتحظى بالقبول عند الناس، ولأنها تأويلات غير عاقلة قالوا: بأن السياق القرآني غير منسجم مع النظر العقلي، ونسبوا هذا القول لجعفر الصادق كما يروي ذلك جابر الجعفي أنه قال له:"يا جابر، إن للقرآن بطناً وللبطن ظهراً، ثم قال: وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لينزل أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه"(6) . ولاشك أن هذا الحكم هو برواياتهم أليق وأوفق، ولا يتصل من قريب أو بعيد بكتاب الله وتفسيره الصحيح.

7-

قامت مصادرهم في التفسير - غالباً - على هذا المنهج الباطني في التأويل الذي استقته من أبي الخطاب وجابر الجعفي والمغيرة بن سعيد وغيرهم من الغلاة. ويلاحظ أنه في القرن الخامس بدأ اتجاه التفسير عندهم يحاول التخلص من تلك النزعة المغرقة في التأويل الباطني؛ حيث بدأ شيخ الطائفة عندهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 460هـ) يؤلف لهم كتاباً في تفسير القرآن

(1) فصلت، آية: 40

(2)

تفسير الطبري: 24/123، فتح القدير: 4/520

(3)

انظر: القاسمي/ محاسن التأويل: 14/211، الألوسي/ روح المعاني: 24/126

(4)

السيوطي/ الإكليل: ص 354 (المطبوع على هامش جامع البيان في تفسير القرآن)

(5)

محمد شاه الكشميري/ إكفار الملحدين: ص 2

(6)

تقدم تخريج هذا النص من كتب الشيعة: ص (152)

ص: 197

يستضيء في تأليفه بأقوال أهل السنة، ويأخذ من مصادرهم في التفسير، ويحاول فيه أن يتخلص أو يخفف من ذلك الغلو الظاهر في تفسير القمي والعياشي وفي أصول الكافي وغيرها، وهو وإن كان يدافع عن أصول طائفته ويقرر مبادئهم المبتدعة، إلا أنه لا يهبط ذلك الهبوط الذي نزل إليه القمي ومن تأثر به. ومثل الطوسي في هذا النهج الفضل بن الحسن الطبرسي في "مجمع البيان" وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ذلك حيث قال:"الطوسي ومن معه في تفسيرهم يأخذون من تفاسير السنة، وما في تفسيرهم من علم يستفاد إنما هو مأخوذ من تفاسير أهل السنة"(1) .

ولكن قد كشف لنا شيخ الشيعة في زمنه ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية، وأستاذ كثير من علمائهم الكبار عندهم كمحمد حسين آل كاشف الغطا، وأغا بزرك الطهراني وغيرهما وعالم الشيعة حسين النوري الطبرسي قد كشف لنا سراً عندهم بقي دفيناً، وأماط اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا وهي أن كتاب «التبيان» للطوسي إنما وضع على أسلوب التقية والمداراة للخصوم وإليك نص كلامه:

"ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين، فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريج والجبائي والزجاج، وابن زيد وأمثالهم. ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية، ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع لعله وافقه في نقله المخالفون. بل عد الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم ومدحت مذاهبهم. وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة.. ومما يؤكد كون وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجيل علي بن طاوس في سعد السعود وهذا لفظه: "ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب

(1) انظر: منهاج السنة: ص 3/246

ص: 198

«التبيان» وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفضيل المكي على المدني والخلاف في أوقاته.. الخ. (هكذا لم يكمل النوري النص)" ثم قال هذا النوري معقباً على ما نقله على ابن طاوس: "وهو - يعني ابن طاوس - أعرف بما قال من وجوه لا يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل" (1) .

فمن هذا النص يتبين أن التبيان للطوسي قد وضع على أسلوب التقية - كما هو رأي شيخ الشيعة المعاصر - أو أن يكون التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع عقلي بإسفاف ما عليه القوم من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيراً، وبتأثير نزعة معتدلة لاختلاطه مع بعض علماء السنة في بغداد.. ومعنى هذا أن شيعة اليوم - والذي يمثلهم هذا النوري الطبرسي والذي ارتضوا كتابه (مستدرك الوسائل) مصدراً لهم في الحديث (2) ، كدليل على كبير مقامهم عندهم - هم أشد غلواً وتطرفاً، ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي ومن سار على منهجه إنما ألفت للخصوم، والتزمت بروح التقية (لتبشر) بالعقيدة الشيعية مع غير الشيعة.

ولعل القارئ يدرك من خلال هذا الرأي لشيخ الشيعة حول كتاب «التبيان» - أن التقية أسهمت في (تكريس) الغلو عند هذه الطائفة، وفي وأد كل صوت عاقل ورأي معتدل بحمله على التقية لأنه يوافق - بزعمهم - ما عند أهل السنة، فبقيت هذه الطائفة في هذه الدائرة المغلقة، قد جعلت من التقية حصناً تلجأ إليه كلما هبت عليها نسمات الإصلاح، ورياح التغيير - كما سيأتي في مبحث التقية -.

ثم لا ننسى أن نشير إلى أن ما قلناه عن كتاب الطوسي ينطبق على تفسير مجمع البيان للطبرسي لأنه سار على نهج الطوسي وأشار إلى ذلك في مقدمة تفسيره حيث قال: ".. إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه من كتاب التبيان، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق.. وهو القدوة أستضيء بأنواره وأطأ مواقع آثاره"(3) .

(1) فصل الخطاب: ص 35 (والورقة 17 من النسخة المخطوطة من الكتاب المذكور)

(2)

انظر: فصل "السنة" من هذه الرسالة

(3)

مجمع البيان: 1/20

ص: 199