الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يخرج إلى الآن، والعمل بالقرآن إلى أن يظهر، ولكن جمع هذه المفتريات هو محاولة لإقناع المتشككين والحائرين من بني قومهم. والذي لاحظته من كلام شيوخهم أن قولهم بموجود مصحف لعلي أمر لا يختلفون فيه، حتى ليقول بذلك من يتظاهر بإنكار التحريف من القدامى والمعاصرين كابن بابويه القمي في الاعتقادات كما سيأتي نص كلامه، والخوئي في البيان (1) .
لكن يبقى القول في زيادة
مصحف علي
المزعوم عما في كتاب الله وهل هي زيادة في النص أو من قبيل التأويل أو الترتيب؟ كما سيأتي.
مصحف علي:
تقدم الإشارة إلى أن مصحف علي "المزعوم": جاء الحديث عنه في أول كتاب وضعه الشيعة، وأنه قد جاءت بعض الروايات عنه عند أهل السنة ولكنها كما قال ابن حجر لا تصح، ولكن ما في كتب الشيعة صورة أخرى - كما سلف - وقد أكثر القوم من الحديث عن مصحف علي المزعوم والذي يحتوي - كما يزعمون - على زيادات على كتاب الله.
وقد اهتم بإشاعة هذه الفرية الكليني ثقة دينهم في كتابه الكافي وعقد لها باباً خاصاً بعنوان: "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام" وذكر فيه ست روايات لهم، منها ما رواه عن جابر الجعفي إنه سمع أبا جعفر يقول:"ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده"(2) .
(1) البيان: ص 223
(2)
أصول الكافي: 1/228، لاحظ أن هذه الرواية رواها جابر الجعفي وهو كذاب عن أهل السنة، كما أن كتب الشيعة اعترفت بأنه ليس على صلة معروفة بأبي جعفر (انظر: رجال الكشي ص191) فهذه الرواية من أكاذيبه، وتلقفها الكليني الذي يعمل إشاعة هذا الكفر.
وإذا كان لم يجمع القرآن إلا علي فأين ما جمعه؟ وإذا كان قد جمعه علي فما الحاجة لجمع =
وفي تفسير القمي - عمدة كتب التفسير عندهم - عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: "ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله"(1) .
ويفهم من رواية الكليني أن كل إمام جمع القرآن، وكأننا أمام كتب متعددة لا كتاب واحد، بينما تعارضها رواية القمي وتذكر بصيغة الحصر أنه لم يجمعه سوى علي، ثم هم يقولون في رواياتهم وأبوابهم: من ادعى أنه جمع القرآن غير الأئمة فهو كذاب. مع أنهم زعموا أن القرآن كان مدوناً مجموعاً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويستدلون على هذا برواية جاءت في البحار (2) . فهل كان الحسن والحسين وبقية الأئمة هم الذين يتولون جمعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وتذكر بعض هذه الأساطير أن بعض الشيعة اطلع على هذا المصحف المزعوم فتقول: ".. عن ابن الحميد قال: دخلت على أبي عبد الله رضي الله عنه فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتصفحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب: "هذه جنهم التي كنتم بها تكذبان. فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان" قال المجلسي: "يعني الأولين" (3) . يعنون حبيبي رسول الله، وصهريه وخليفتيه ووزيريه، وأفضل الخلق بعد النبيين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وإذا كانت هذه الرواية تسمح لخواص الأئمة بالاطلاع على ذلك المصحف
= الأئمة من بعده؟ إلا إذا كانوا يرون أنهم قد شاركوا في الجمع وهم لم يوجدوا.
ولماذا لم ير هذا الكتاب المجموع ولم يعرفه أحد من المسلمين؟
وكيف يصدق مثل هذا الإفك الذي نقله شرذمة من الكذابين وينكر إجماع الصحابة بما فيهم علي رضي الله عنه على العمل بهذا القرآن العظيم وتحكيمه وعلى نهجهم أئمة المسلمين بما فيهم علماء أهل البيت؟ إنها خرافات لا يصدقها عقل بريء من الهوى والغرض، ولا تدخل قلباً خالطته بشاشة الإيمان
(1)
تفسير القمي: ص 744 ط: إيران، بحار الأنوار: 92/48
(2)
انظر: المرعشي/ المعارف الجلية: ص7
(3)
بحار الأنوار: 92/48
المزعوم، فإن في الكافي رواية أخرى تخالف ذلك حيث جاء فيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إليّ أبو الحسن مصحفاً وقال: "لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه: لم يكن الذين كفروا؛ فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال: فعبث إليّ: ابعث بالمصحف"(1) .
ففي هذه الرواية: الإمام يستودع المصحف أحد خواصه ويحظر عليه النظر فيه، ولكن يخالف أمر إمامه، ويخونه فيما استودعه ويقرأ في هذا المصحف، ويكشف بعض محتوياته. فهذا المصحف الذي تتحدث عنه هذه الرواية مصحف سري محجوب عن الخاص والعام لا يطلع عليه سوى الإمام، وهو يشير إلى أن من موضوعاته تكفير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ليس كتاب الله الذي نزل للناس كافة، والذي أثنى على الصحابة في جمل من آياته.. بل هو مصحف تتداوله الأيدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض أخباره لأهل البيت لتسيء إليهم.
وهذه الأسطورة أراها تعرض مرة أخرى بصيغة مغايرة لتلك الرواية السابقة، حيث جاء في بصائر الدرجات عن البزنطي (2) . أن الرضا عليه السلام أودع عنده ذلك المصحف المزعوم فقال هذا البنزنطي: وكنت يوماً وحدي ففتحت المصحف لأقرأ فيه، فلما نشرته نظرت فيه في "لم يكن" فإذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه، فقدمت على قراءتها فلم أعرف شيئاً فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها، فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها شيئاً، معه منديل وخيط وخاتمه فقال: مولاي يأمرك أن تضع المصحف في المنديل وتختمه
(1) أصول الكافي: 2/631
(2)
البزنطي هو نفسه الراوي للأسطورة السابقة، وهذا الذي يروي هذه الأساطير، ويفتري على كتاب الله وعلى الصحابة والقرابة، هو ثقة عندهم (مع أنه قد خان إمامه وخالف أمره) . جاء في معجم رجال الحديث للخوئي:"أحمد بن محمد بن أبي نصر زيد مولى السكوني أبو جعفر، وقيل: أبو علي المعروف بالبزنطي، كوفي ثقة لقي الرضا، وكان عظيم المنزلة عنده، روى عنه كتاباً، ومات سنة 221هـ".
(معجم رجال الحديث: 2/231)
وتبعث إليه بالخاتم، قال: ففعلت (1) .
هذا البزنطي يقول في هذه الرواية: لم أعرف منها شيئاً، وفي الرواية التي قبلها يقول إنه وجد فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم!!
وتأتي رواية أخرى له في رجال الكشي لتصوغ هذه الأسطورة بصورة ثالثة فتقول: "عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: لما أتي بأبي الحسن رضي الله عنه أخذ به على القادسية، ولم يدخل الكوفة، أخذ به على برّاني البصرة، قال: فبعث إليّ مصحفاً وأنا بالقادسية ففتحته فوقعت بين يديّ سورة "لم يكن" فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس، قال فحفظت منه أشياء قال: فأتى مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال: هات: فدفعته إليه فجعله في المنديل، ووضع عليه الطين وختمه فذهب عني ما كنت حفظت منه، فجهدت أن أذكر منه حرفاً واحداً فلم أذكره"(2) .
هذه روايات ثلاث كلها عن هذا البزنطي في رواية بصائر الدرجات يزعم أنه لم يفهم شيئاً مما قرأ وحاول أن يكتب ما قرأ فاستعجله رسول إمامه قبل أن يكتب، وفي رواية الكشيء يزعم أنه حفظ جزءاً مما قرأ، ولكن هذا المحفوظ فارقه بمفارقة المصحف، وفي رواية الكافي نراه يعرف ما قرأه ويستذكر ما حفظ، وأن ذلك يتعلق بأعداء الأئمة من قريش. نصوص متناقضة كالعادة في كل أسطورة.
وإذا كان يصعب كتابة شيء منه، أو حفظ جزء منه، فكيف حفظت وكتبت تلك "الأساطي"؟ أنها أوهام يناقض بعضها بعضاً.
وروايات الشيعة تقول بأن هذا المصحف عند إمامهم المنتظر. قال شيخهم نعمة الله الجزائري: "إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين - إلى أن قال: -وهو الآن موجود عند مولانا المهدي رضي الله عنه
(1) بصائر الدرجات: ص 246، عن بحار الأنوار: 92/51
(2)
رجال الكشي: ص 588-589
مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء" (1) ، ومع ذلك فقد ارتبطت مصاحف قديمة عند الشيعة أيضاً بعقيدة أنها مكتوبة بخط علي، ويذكر ابن النديم - وهو شيعي - أنه رأى قرآناً بخط علي يتوارثه بيت من البيوت المنتسبة للحسن (2) .
ويشير ابن عنبة - وهو ممن يدعي النسب العلوي - إلى وجود مصحفين بخط أمير المؤمنين علي، أحدهما يقع في ثلاثة مجلدات، والآخر يقع في مجلد واحد، قد رآه بنفسه، ولكنهما احترقا - كما يذكر - حين احترق المشهد (3) .
وقال أبو عبد الله الزنجاني - من كبار شيوخ الشيعة المعاصرين -: ورأيت في شهر ذي الحجة سنة 1353هـ في دار الكتب العلوية في النجف مصحفاً بالخط الكوفي كتب على آخره: كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة (4) ، ولهذا قال ميرزا مخدوم الشيرازي - وهو ممن عاش بين الشيعة، وقرأ الكثير من كتبها كما سلف - قال: "ومن الطرائف أنهم مع هذا (أي مع ما يدعونه من التحريف) يعتقدون في مصاحف كثيرة كونها مكتوب علي والأئمة من ولده، وليس فيها إلا ما في سائر المصاحف المتواترة والتي لا تحصى كثرة (5) .
كما أن هذه المشاهدات المزعومة لمصحف علي، تناقض دعواهم أن المصحف الذي كتبه علي عند مهديهم المنتظر.
ولاشك بأن أمير المؤمنين علي ما كان يقرأ ويحكم إلا بالمصحف الذي أجمع عليه الصحابة، وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها - كما سلف (6) .- ولهذا أخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال: قال علي:
(1) الأنوار النعمانية: 2/360-362
(2)
الفهرست: ص28
(3)
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص 130-131
(4)
الزنجاني/ تاريخ القرآن: ص67-68
(5)
النواقض: الورقة 104 (مخطوط)
(6)
انظر: ص (203)
"لا تقولوا في عثمان إلا خيراً، فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا"(1) . وقد نقلت ذلك كتب الشيعة كما سيأتي بعد قليل. وقد جاء في صحيح البخاري بأن أمير المؤمنين عثمان - حين جمع القرآن - أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق (2) . ولعل هذا ينفي وجود مصحف بخط علي - كما يدعون -.
ويلاحظ أن من بين القراء المشهورين ما يرجع سند قراءته إلى أئمة أهل البيت، ولهذا استدل الدكتور عبد الصبور شاهين على براءة أهل البيت، وزيف ادعاءات الشيعة أن من بين القراء السبعة المشهورين حمزة الزيات، وسند قراءته هو: حمزة الزيات، عن جعفر الصادق، وهو قرأ على محمد الباقر، وهو قرأ على زين العابدين، وهو قرأ على أبيه الحسين، وهو قرأ على أبيه علي بن أبي طالب -كرم الله وجه - (3) ، فهؤلاء الأبرار من آل البيت لم يخرجوا على إجماع المسلمين على المصحف الإمام، وآية رضاهم به، إقراؤهم الناس بمحتواه دون زيادة أو نقص أو ادعاء يمس كمال كتاب الله سبحانه (4) .
وقال الدكتور محمد بلتاجي: "ونضيف إلى ذلك أن قراءة علي بن أبي طالب للقرآن قد رويت أيضاً بطريق زيد بن علي أخي الإمام الباقر وعم الإمام الصادق- وهذا ما يسلم به الإمامية الاثنا عشرية أنفسهم -"(5) .
قلت: أضيف - أيضاً - إقراراً واعترافاً آخر من شيخ الشيعة المجلسي حيث يقول: "والقراء السبعة إلى قراءته (يعني قراءة علي) يرجعون، فأما حمزة والكسائي
(1) فتح الباري: 13/18
(2)
صحيح البخاري - مع فتح الباري: 13/11
(3)
عبد الصبور شاهين/ تاريخ القرآن: ص 170
(4)
عبد الصبور شاهين/ تاريخ القرآن: ص 165
(5)
مناهج التشريع الإسلامي: 1/189، وأحال في هذا الاعتراف إلى كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: ص 285، 343، والفهرست للطوسي ص 115
فيعولان على قراءة علي.. وأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عباس، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي، والذي قرأ هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي فهو إذاً مأخوذ عن علي عليه السلام.
وأما عاصم فقراه على أبي الرحمن السلمي وقال أبو عبد الرحمن: قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقالوا: أفصح القراءات قراءة عاصم لأنه أتى بالأصل وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره، ويحقق من الهمز ما لينه غيره.. والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض التابعين" (1) .
بل يقولون - كما ذكره شيخهم علي بن محمد الطاووسي العلوي الفاطمي في كتابه سعد السعود: "ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مونا علي بن أبي طالب رضي الله عنه"(2) . يقولون: وقال علي أيضا: "أيها الناس الله الله إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حراق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"(3) . بل قالوا أكثر من ذلك، قالوا: إنه ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن عثمان بن عفان لما رأى اختلاف الصحابة في قراءة القرآن طلب من علي عليه السلام مصحف فاطمة الذي كانت هي - سلام الله عليها - دونته بإشارة أبيها، وطابقه مع المصاحف الأخرى التي كانت بيد الصحابة، فما طابق منها مصحف فاطمة نشره وما لم يطابقه أحرقه. فعلى هذا يكون المصحف الذي بأيدينا مصحف فاطمة لا مصحف عثمان، وعثمان كان ناشره لا مدونه ومرتبه (4) .
أليس هذا كله ينقض كل ما ادعوه، ويهدم كل ما بنوه.. وهو دليل على اختلاف
(1) بحار الأنوار: 92/ 53-54، مناقب آل آبي طالب: 2/ 42-43
(2)
عن تاريخ القرآن/ للزنجاني (وهو من الاثني عشرية المعاصرين) : ص67
(3)
عن تاريخ القرآن/ للزنجاني: ص 68
(4)
المرعشي/ المعارف الجلية: ص 27