الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ
تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ رَقِيقٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ، وَعَنْهُ مُرَاهِقٍ، وَمِثْلُهُ سَفِيهٌ، وَإِلَى فاسق ويضم إليه أمين إن أمكن الحفظ بِهِ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ، وقيل: عكسه.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَإِلَى فَاسِقٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ "1إن أمكن الحفظ به، وذكرها2 جماعة في فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ، وَقِيلَ عَكْسُهُ" انْتَهَى.
ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْفَاسِقَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ1"، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّرَيَانِ وَعَدَمِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي3 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ: تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصًا، وَهُوَ:" وَعَنْهُ: وَإِلَى فَاسِقٍ" فَلَفْظَةُ" وَعَنْهُ" سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قوله: "وذكرها جماعة في
1-1 ليست في "ص".
2 في "ح": "ذكر"
3 4/61.
وَتَصِحُّ إلَى عَاجِزٍ، خِلَافًا لِلتَّرْغِيبِ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ إبْدَالَهُ، وَفِي الْكَافِي1: لِلْحَاكِمِ إبْدَالُهُ، وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كَافٍ. قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ وَصَّى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حَجِّهِ: وِلَايَةُ الدَّفْعِ وَالتَّعْيِينِ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ عِ وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ فِعْلِهِ مُحَرَّمًا، فَظَاهِرُهُ: لَا نَظَرَ وَلَا ضَمَّ مَعَ وَصِيٍّ مُتَّهَمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا: لَمْ يُخْرَجْ مِنْ يَدِهِ وَيُجْعَلْ مَعَهُ آخَرَ، وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: إنْ كَانَ مُتَّهَمًا ضُمَّ إلَيْهِ رَجُلٌ يَرْضَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ بِعِلْمِ مَا جَرَى، وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ، وَتَرْجَمَهُ الْخَلَّالُ: هَلْ لِلْوَرَثَةِ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ الْوَصِيِّ2 الْمُتَّهَمِ؟ ثُمَّ إنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَوَجَّهَ جَوَازُهُ، وَمِنْ الْوَصِيِّ فِيهِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ ضَمِّهِ مَعَ الْفِسْقِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: فِي ابْتِدَاءِ الْحَجْرِ عَلَى رَشِيدٍ بَذَرَ مَالَهُ أَنَّهُ مَالٌ يُخْشَى ضَيَاعُهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ، فَجَازَ لِلْحَاكِمِ حِفْظُهُ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَالَ غَيْرِهِ فِي مَضْيَعَةٍ، أَوْ3 رَأَى الْحَاكِمُ الْوَصِيَّ يَبْذُرُ مَالَ اليتيم.
وَيَعْتَبِرُ إسْلَامَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي كَافِرًا فَوَجْهَانِ "م 1".
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِسْقٍ طَارِئٍ" فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: "وَذَكَرَهَا" عَائِدٌ إلَى الرِّوَايَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ كَمَا قُلْنَا، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ وَجَدْت شَيْخَنَا قَالَ. إنَّهُ عَطَفَ عَلَى مُمَيِّزٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَعَنْهُ: يَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ وَإِلَى فَاسِقٍ" وَهُوَ حَسَنٌ، لَكِنْ خَلَلٌ بَيْنَ ذلك المراهق والسفيه.
مَسْأَلَةٌ-1: قَوْلُهُ: "فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي كَافِرًا فَوَجْهَانِ" انتهى.
يعني هل تصح وَصِيَّةُ الْكَافِرِ "4إلَى كَافِرٍ4" أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الخلاف، وأطلقه في
1 4/63.
2 في الأصل:"الموصي".
3 في النسخ الخطية "و".
4-
4 ليست في "ص".
وَتُعْتَبَرُ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ، وَقِيلَ: وَبَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَكْفِي عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: وَعِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَيُضَمُّ أَمِينٌ. وَمَنْ وَصَّى إلَى وَاحِدٍ ثُمَّ إلَى آخَرَ وَلَمْ يَعْزِلْ الْأَوَّلَ اشْتَرَكَا، نَصَّ على ذلك، ولا ينفرد أحدهما بتصرف
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الفصول" و"المغني"1 و"الكافي"2 و"البلغة" و"المحرر" و"الشرح3" و"النظم" و"الرعايتين" و"الحاوي الصغير" والزركشي وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ3 وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبدوس ومنتخب الآدمي وغيرهم4، وقدمه ابن منجا فِي شَرْحِهِ وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَ الْمَجْدُ: وَجَدْته بِخَطِّهِ" انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى كَافِرٍ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا5 إلَى مُسْلِمٍ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْعَدْلَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ، فَحَيْثُ اشْتِرَاطُنَا الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ فَفِي الْكَافِرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا فِي الْمُسْلِمِ فَيَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْكَافِرِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ، وَأَمَّا أَنْ نَشْتَرِطَ الْعَدَالَةَ فِي الْمُسْلِمِ وَلَمْ نَشْتَرِطْهَا فِي الْكَافِرِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، بَلْ لا يصح.
1 8/553.
2 4/61.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/493.
4 في "ط": "وغيره".
5 ليست في "ط".
لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَ الْمَالِ دُونَهُ وَقَالَ لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك، فَقَالَ: إنَّمَا عَلَيْهِ الْجَهْدُ، فَلْيَجْتَهِدْ فِيمَا ظَهَرَ لَهُ، وَمَا غَابَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ، قِيلَ: فَيُرْفَعُ أَمْرُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَبْرَأُ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمَنْ وَجَدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ: أَوْ غَابَ لَزِمَ ضَمُّ أَمِينٍ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ "م 2".
وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ: يضم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ-2: قَوْلُهُ: "وَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ: أَوْ غَابَ لَزِمَ1 ضَمُّ أَمِينٍ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
يَعْنِي لَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي2 وَالْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: ولو ماتا5 جَازَ إقَامَةُ وَاحِدٍ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهَا وَاحِدًا، فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: وَإِنْ مَاتَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهُمَا6 وَاحِدًا، فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا فَلَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: لَا يُنَصِّبُ إلَّا اثْنَيْنِ" انْتَهَى.
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ يَكْفِي وَاحِدٌ" انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ أَوْ لُزُومِ اثْنَيْنِ فيما يظهر، والله أعلم.
1 ليست في "ص"، وفي "ح":"لزمه"، والمثبت من "ط".
2 4/63.
3 8/559.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/475.
5 في "ط": "مات".
6 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
أَمِينًا، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ "م 3" وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الصَّرْفُ وَلَا عَجْزَ لَمْ يَجُزْ. قال في الأحكام السلطانية في العامل: فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَاظِرٌ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ مما1 يصح فيه الاشتراك فإن لم يجر2 بِهِ عُرْفٌ كَانَ عَزْلًا لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ وَصَّى إلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ أَوْ يَحْضُرَ فُلَانٌ أَوْ إنْ مَاتَ فَفُلَانٌ صَحَّ، وَيَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، أَوْ هُوَ وَصِيٌّ سَنَةً ثُمَّ عَمَّرَ، وَلِلْخَبَرِ:"أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ"3. وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ.
وَيَتَوَجَّهُ: لَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا هَلْ لِلْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ وَيَعْزِلَ مَنْ وَصَّى إلَيْهِ؟ وَلَا يَصِحُّ إلَّا4 فِي مَعْلُومٍ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ، فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ: الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِي أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ صَحَّ، وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ-3: قَوْلُهُ: "وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ: يَضُمُّ أَمِينًا، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ" انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ وُجُوبُ ضَمِّ أَمِينٍ هُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: مَتَى عَجَزَ الْعَدْلُ عَنْ النَّظَرِ لِعِلَّةٍ وَنَحْوِهَا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ وَلَمْ يَنْعَزِلْ، إجْمَاعًا انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَهُ ضَمُّ أَمِينٍ، من غير إيجاب.
1 بعدها في "ر": "لا".
2 في "ط": "يجز".
3 أخرج البخاري "4261" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة
…
" الحديث.
4 ليست في الأصل.
5 8/556.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/479.
وَإِنْ قَالَ: فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي، فَإِنْ وُلِّيَ ثُمَّ مَاتَ فَفُلَانٌ بَعْدَهُ، لَمْ يَصِحَّ لِلثَّانِي، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إذَا وُلِّيَ وَصَارَ إمَامًا حَصَلَ التَّصَرُّفُ وَالنَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ، فَكَانَ الْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جُعِلَ الْعَهْدُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَتَغَيُّرِ صِفَاتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ إمَامَةٌ.
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أَوْ وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا أَوْ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ، وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ فِي مَسَائِلَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطٍ بَطَلَ بِمَوْتِهِ، قَالُوا: لِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ: وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي الْحَيَاةَ، وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا مُنْجَزًا بِشَرْطٍ فَوُجِدَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَلَّقِ لَمْ يُعْتَقْ، إذَا بَطَلَ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ، وَلِهَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ بَطَلَ2 فَهَا هُنَا أَوْلَى، وَقَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ عَمْرٍو إنْ قُمْت فَأَنْتَ وَعَبْدِي زَيْدٍ حُرَّانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ قَامَ أَوْ قَالَ: إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي زَيْدٍ حُرٌّ فَأَبَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ زَيْدٌ. وَقَالَ صَاحِبُ "الرِّعَايَةِ": يُحْتَمَلُ عتقه وعدمه.
وَلِلْوَصِيِّ قَبُولُهَا حَيَاةَ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَيُعْتَبَرُ قَبُولُهَا، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِيهِمَا. وَفِي الْمُحَرَّرِ: إذَا وَجَدَ حَاكِمًا، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ، وَعَنْهُ: لَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَعَنْهُ: وَلَا قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إنْ قَبِلَهَا ثُمَّ غير فيها الموصي؟
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 14/414.
2 ليست في النسخ الخطية.
قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا إذَا غَيَّرَ فِيهَا، وَمَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِمَعْرُوفٍ فِي ثُبُوتِهَا مِنْ يَتِيمٍ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا.
وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةٌ إلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي، كَالْوَكَالَةِ، كَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ، وَالنَّظَرِ لِصِغَارِهِ، وَحَدُّ قَذْفِهِ يَسْتَوْفِيهِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُوصَى لَهُ، لَا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مَعَ رُشْدِ وَارِثِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ فِي وَكَالَةٍ عَامَّةٍ، كَبَيْعِ مَالِهِ وَصَرْفِهِ فِي كَذَا وَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ أَطْفَالِهِ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ كَالْأَبِ لِلْمَصْلَحَةِ، كَمُضَارَبَةٍ، يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي شَيْءٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ.
فَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذَا كَانَ نَظَرًا لَهُمْ، وَإِنْ وَصَّاهُ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَفِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ "م 4 و 5".
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة-4-5: قَوْلُهُ: "وَإِنْ وَصَّاهُ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَفِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-4: إذَا وَصَّى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَهَلْ يُسَوَّغُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُسَوَّغُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، قال ابن منجا في شرحه: هذا المذهب،
1 8/562.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/490.
وقيل له في رواية أَبِي دَاوُد مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فِي الدَّيْنِ: أَيَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ؟ قَالَ: لَا، فَإِنْ فَرَّقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ جَهِلَ مُوصَى لَهُ فَتَصَدَّقَ هُوَ أَوْ حَاكِمٌ بِهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَمْ يَضْمَنْ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي حَبْسِ الْبَقِيَّةِ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبَهُمْ بِالثُّلُثِ رِوَايَتَانِ "م 6" وَمَعَ بَيِّنَةٍ في لزوم قضائه بلا
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَعَنْهُ: لَا يَقْضِيهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَعَنْهُ: يَقْضِيهِ إنْ أَذِنَ فِيهِ حَاكِمٌ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ-5: إذَا أَوْصَى بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَهَلْ يُكْمِلُ الثُّلُثَ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ فَقَطْ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يُخْرِجُهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَنْ فِي يده، قال الشيخ وتبعه الشارح: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا، وَالثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ أَجْنَاسًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا.
مَسْأَلَةٌ-6: قَوْلُهُ: "وَفِي حَبْسِ الْبَقِيَّةِ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبَهُمْ بِالثُّلُثِ الرِّوَايَتَانِ" انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: يَحْبِسُ الْبَقِيَّةَ عِنْدَهُ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وعليه الأكثر قال3 فِي الْفُصُولِ، وَنَصَرَ شَيْخُنَا الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا4، وَهُوَ أن يحبس الباقي بعد إخراج
1 8/562.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/488.
3 ليست في "ط".
4 ليست في "ص".
حَاكِمٍ وَقَالَ الشَّيْخُ: فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ، مَا لم يوافقه وارثه المكلف "م 7" وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَائِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ على الميت الروايتان "م 8".
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَخْرَجُوهُ وَإِلَّا رَدَّهُ إلَيْهِمْ" انْتَهَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبُهُمْ "1بالثلث، اختاره أبو بكر في "التنبيه" فقال فيه: لا يحبس الباقي بل يسلمه إليهم وَيُطَالِبُهُمْ1" بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، بَلْ الَّذِي حَكَاهُ الْأَصْحَابُ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: تَكْمِيلُ الثُّلُثِ مِمَّا فِي يَدِهِ، وَإِخْرَاجُ ثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ، وَيَحْبِسُ الْبَاقِيَ لِيُخْرِجُوا ثُلُثَ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَا يَخْرُجُ عَمَّا قَالُوهُ.
مَسْأَلَةٌ-7: قَوْلُهُ: "وَمَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ فِي لُزُومِ قَضَائِهِ بِلَا حَاكِمٍ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ هُمَا فِي الْجَوَازِ دُونَ اللُّزُومِ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ الْوَارِثُ الْمُكَلَّفُ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَالرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ الْحَاكِمُ، بَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْمُوصَى إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِدُونِ حُضُورِ حَاكِمٍ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ.
مَسْأَلَةٌ-8: قَوْلُهُ: "وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَائِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الرِّوَايَتَانِ" انْتَهَى.
يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ وَيَبْرَأُ بَاطِنًا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ
1-1 ليست في "ط".
2 8/563.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/492.
قِيلَ لَهُ: وَصِيٌّ جَعَلَهُ الْوَرَثَةُ بِبَيْتٍ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ حَتَّى أَشْهَدَ لَهُمْ وَخَرَجَ منها، قال: لا يجوز له يجد1 جَهْدَهُ وَلَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ، قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: تُوُفِّيَ وَتَرَكَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ، قَالَ: لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمْ حَتَّى يَحْضُرَ الغرماء.
وَلِلْمَدِينِ دَفْعُ الدَّيْنِ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ إلَيْهِ وَإِلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَلَا يَقْبِضُهُ عَيْنًا، وَإِلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ، وَقِيلَ: أَوْ لِلْوَصِيِّ، وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ وَقِيلَ: أَوْ لِغَيْرِهِ فِي جِهَتِهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ نَقَدَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَهُ شَيْخُنَا، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ، بِبَيِّنَةٍ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَنَقَلَ: يُقْبَلُ مَعَ صِدْقِ الْمُدَّعِي، وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَنَّهُ أوصى أن لفوران2 عَلَيَّ نَحْوَ خَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ يَصْدُقُ فِيمَا قَالَ يَقْضِي مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ ثُمَّ يُعْطِي وَلَدُ صَالِحٍ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ "3عَشَرَةَ دَرَاهِمَ3"4. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ5 فِيمَنْ وَصَّاهُ بدفع مهر امرأته: لم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بِالتَّعْرِيفِ، وَهُمَا الْمَذْكُورَتَانِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الْوَرَثَةُ دَيْنًا يَعْلَمُهُ الْمُوصَى إلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُمَا.
وَالصَّوَابُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ بَاطِنًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَدْفَعُ إلَى مَنْ له الدين من الموصى
1 في الأصل: "بجهده".
2 في "ط": "لفوزان"، وفوران هو: أبو مات محمد عبد الله بن محمد بن المهاجر، كان من أصحاب أحمد الذين يقدمهم، ويأنس بهم، ويستقرض منهم، مات أبو عبد الله وله عنده خمسون ديناراً، فأوصى أن يعطى من غلته فلم يأخذها فوران بعد موته وأحله منها. "المنهج الأحمد" 1/223.
3-
3 ليست في "ر".
4 هذا بعض ما أوصى به الإمام أحمد، ينظر:"محنة الإمام أحمد" للمقدسي صفحة 196 بتحقيقنا.
5 في "ر": "صالح".
يَدْفَعْهُ مَعَ غَيْبَةِ الْوَرَثَةِ. وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت أَوْ أَعْطِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَنْ شِئْت، لَمْ يُبَحْ لَهُ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ، وَكَذَا وَلَدُهُ وَوَارِثُهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَبَاحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مَنْع ابْنِهِ، وَذَكَرَ آخَرُونَ: وَأَبِيهِ، وَلَمْ يَزِيدُوا، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَنْعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَجْهًا، وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا عَيَّنَهُ، ذَكَرَهَا فِي التَّمْهِيدِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ "م 9".
وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ بِحَفْرِ بِئْرٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ في السبيل، فقال: لا أقدر، فَقَالَ الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ يَجُزْ حَفْرُهَا بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فيه من تخصيصهم، نقله ابن هانئ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلَمْ يَجِدْ عَرْصَةً لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: تَدْفَعُ هَذَا إلَى يَتَامَى فُلَانٍ فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا وَصِيَّةٌ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارٍ لِوَرَثَةٍ كِبَارٍ أَبَوْا بَيْعَهُ الْوَاجِبَ أَوْ غَابُوا أَوْ لَهُمْ وَلِصِغَارٍ وَلِلصِّغَارِ حَاجَةٌ وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ ضَرَرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ بِقَدْرِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ1 وحصة صغار،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ، وإلا جاز وبرئ باطنا.
مَسْأَلَةٌ-9: قَوْلُهُ: "وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا عَيَّنَهُ، ذَكَرَهَا فِي التَّمْهِيدِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ" انْتَهَى.
قُلْت: الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ وَالْعُرْفِ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أقوى، والأحوط القول الأول.
1 في "ط": "وصيته".
قِيلَ لِأَحْمَدَ: بَيْعُ الْوَصِيِّ الدُّورَ عَلَى الصِّغَارِ يَجُوزُ؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ نَظَرًا لَهُمْ لَا عَلَى كِبَارٍ يُؤْنَسُ مِنْهُمْ رُشْدٌ، هُوَ كَالْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّكَاحِ، قِيلَ لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثْبَتَ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ.
وَمَنْ مَاتَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَا حَاكِمَ وَلَا وَصِيَّ فَلِمُسْلِمٍ حَوْزُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ، وَقِيلَ: إلَّا الْإِمَاءَ، وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ أَوْ أَبَاهَا رَجَعَ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ، كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ مَعَ إذْنِهِ "م 10 و 11" والله أعلم.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة-10-11: قَوْلُهُ: "وَمَنْ مَاتَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَا حَاكِمَ وَلَا وَصِيَّ فَلِمُسْلِمٍ حَوْزُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ أَوْ أَبَاهَا رَجَعَ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ، كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أو لم ينو مع إذنه" انتهى. أطلق الخلاف في المقيس عليه، وشمل مسألتين:
المسألة الأولى-10: إذا أمكنه استئذان حاكم ولم يستأذنه فهل يرجع بما تكلف عليه من كفن وغيره إذَا نَوَى الرُّجُوعَ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فيه:
أحدهما: يرجع إذا نوى الرجوع قلت: وهو الصواب، وقواعد المذهب تقتضيه، بل هو أولى ممن أدى حقا واجبا عن غيره.
والوجه الثاني: لا يرجع إذا لم يستأذن الحاكم مع إمكانه.
المسألة الثانية-11: إذا استأذن الحاكم في صرف ذلك فصرفه ولم ينو الرجوع فهل له الرجوع بذلك أم لا؟ أطلق الخلاف.
أحدهما: يرجع ويكفي إذن الحاكم، وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا يرجع، وهو قوي، وهي شبيهة بما إذا أدى حقا واجبا عن غيره ولم ينو الرجوع ولا التبرع، وإنما ذهل عن ذلك، وفيها خلاف، والصحيح من المذهب عدم الرجوع، لكن إذن الحاكم هنا يقوي الرجوع.
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ.