الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخل من شرح بن صدره للإسلام على نور وبصيرة ومعاينة فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، لأنه كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له، وكان من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من المصلحة، هذا رسول الله يدعو إلى الله ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً لا يصده عن ذلك صاد ولا يرده عنه راد، ولا يأخذه في الله لومة لائم.
فصل ـ فتنة المعذبين والهجرة إلى الحبشة
ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا منهم جماعة حتى إنهم كانوا يصبرونهم، ويلقونهم في الحر، ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحر، حتى إن أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم فيقولون لأحدهم: اللاتي إلهك من دون الله.
فيقول مكرهاً: نعم! وحتى إن الجعل ليمر فيقولون: وهذا إلهك من دون الله.
فيقول نعم! ومر الخبيث عدو الله أبو جهل عمرو بن هشام بسمية أم عمار وهي تعذب وزوجها وابنها، فطعنها بحربة في فرجها فقتلها، رضي الله عنها وعن ابنها وزوجها.
وكان الصديق رضي الله تعالى عنه إذا مر بأحد من الموالي يعذب يشتريه من
مواليه ويعتقه، منهم بال، وأمه حمامة، وعامر بن فخيرة، وأم عبس، وزهيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية لبني عدي، كان عمر يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم.
حتى قال له أبوه أبو قحافة: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً فلو أعتقت قوماً جلداً يمنعونك.
فقال له أبو بكر: إني أريد ما أريد.
فيقال إنه نزلت فيه {وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى *} ، إلى آخر السورة.
فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه وتعالى في الهجرة إلى أرض الحبشة وهي في غرب مكة، بين البلدين صحارى السودان، والبحر الآخذ من اليمن إلى القلزم، فكان أول من خرج فاراً بدينه إلى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه الناس.
وقيل: بل أول
من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك.
ثم خرج جعفر بن أبي طالب وجماعات رضي الله عنهم وأرضاهم وكانوا قريباً من ثمانين رجلاً.
وقد ذكر محمد بن إسحاق في جملة من هاجر إلى أرض الحبشة أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وما أدري ما حمله على هذا؟ فإن هذا أمر ظاهر لا يخفى على من دونه في هذا الشأن، وقد أنكر ذلك عليه الواقدي وغيره من أهل المغازي، وقالوا: إن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة إلى عند جعفر، كما جاء ذلك مصرحاً به في الصحيح من روايته رضي الله عنه فانحاز المهاجرون إلى مملكة أصحمة النجاشي فآواهم وأكرمهم، فكانوا عنده