المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القسم الثاني ـ ما اختص به دون أمته، وقد يشاركه - الفصول في سيرة الرسول

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الجزء الأول سيرتهُ صلى الله عليه وسلم وَغَزَواتُهُ

- ‌فصل ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل ـذكر نسبه صلى الله عليه وسلم بعد عدنان

- ‌فصل ـ ولادته ورضاعه ونشأته

- ‌فصل ـ مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل ـ فتنة المعذبين والهجرة إلى الحبشة

- ‌فصل ـ مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب

- ‌فصل ـ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌فصل ـ الإسراء والمعراج وعرض النبي نفسه على القبائل

- ‌فصل ـ حديث سويد بن الصامت وإسلام إياس بن معاذ

- ‌فصل ـ بيعة العقبة الأولى والثانية

- ‌فصل ـ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل ـ دخول عليه الصلاة والسلام المدينة

- ‌فصل ـ استقراره عليه الصلاة والسلام بالمدينة

- ‌فصل ـ المواخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌فصل ـ فرض الجهاد

- ‌فصل ـ أول المغازي والبعوث ـ غزوة الأبواء

- ‌بعث حمزة بن عبد المطلب

- ‌بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب

- ‌فصل ـ غزوة بواط

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌فصل ـ بعث عبد الله بن جحش

- ‌فصل ـ تحويل القبلة وفرض الصوم

- ‌فصل ـ غزوة بدر الكبرى

- ‌فصل ـ عدة أهل بدر

- ‌فصل ــ غزوة بني سليم

- ‌فصل ـ غزوة السويق

- ‌فصل ـ غزوة ذي أمر

- ‌فصل ـ غزوة بحران

- ‌فصل ـ غزوة بني قينقاع

- ‌فصل ـ قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل ـ غزوة أحد

- ‌فصل ـ غزوة حمراء الأسد

- ‌فصل ـ بعث الرجيع

- ‌فصل ـ بعث بئر معونة

- ‌فصل ـ غزوة بني النضير

- ‌فصل ـ غزوة ذات الرقاع

- ‌فصل ـ غزوة بدر الصغرى

- ‌فصل ـ غزوة دومة الجندل

- ‌فصل ـ غزوة الخندق

- ‌فصل ـ غزوة بني قريظة

- ‌فصل ـ بعث عبد الله بن عتيك إلى قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق

- ‌فصل ـ غزوة بني لحيان

- ‌فصل ـ غزوة ذي قرد

- ‌فصل ـ غزوة بني المصطلق

- ‌فصل ـ غزوة الحديبية

- ‌فصل ـ غزوة خيبر

- ‌فصل ــ فتح فدك

- ‌فصل ـ فتح وادي القرى

- ‌فصل ـ عمرة القضاء

- ‌فصل ـ بعث مؤتة

- ‌فصل ـ غزوة فتح مكة

- ‌فصل ـ غزوة حنين

- ‌فصل ـ غزوة الطائف

- ‌فصل ـ غزوة تبوك

- ‌فصل ـ قدوم وفد ثقيف

- ‌فصل ـ حجة الصديق وتواتر الوفود وبعث الرسل

- ‌فصل ـ حجة الوداع

- ‌فصل ـ وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الجزء الثاني أحواله صلى الله عليه وسلم وشمائله وخصائصه

- ‌فصل ـ حجه واعتماره صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل ـ عدد غزواته وبعوثه

- ‌فصل ـ أعلام نبوته

- ‌فصل ـ الإخبار بالغيوب المستقبلة

- ‌فصل ـ بشارةالكتب السماوية المتقدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل ـ أولاده

- ‌فصل ـ زوجاته

- ‌فصل ـ مواليه

- ‌فصل ـ خدمه

- ‌فصل ـ كتاب الوحي

- ‌فصل ـ المؤذنون

- ‌فصل ـ نوقه وخيوله

- ‌فصل ـ سلاحه

- ‌فصل ـ رسله إلى الملوك

- ‌فصل ـ صفته الظاهرة

- ‌فصل ـ أخلاقه الطاهرة

- ‌فصل ـ الأماكن التي حلها

- ‌فصل ـ سماعاته

- ‌فصل ـ السماع منه

- ‌فصل ـ عدد المسلمين حين وفاته، وعدد من روى عنه من الصحابة

- ‌فصل ـ خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌القسم الأول ـ ما اختص به دون غيره من الأنبياء

- ‌القسم الثاني ـ ما اختص به دون أمته، وقد يشاركه فيها غيره من الأنبياء

- ‌كتاب الإيمان

- ‌كتاب الطهارة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌كتاب الحج

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب الفرائض

- ‌كتاب النكاح

- ‌القسم الأول ـ وهو ما وجب عليه دون غيره

- ‌القسم الثاني ـ ما حرم عليه من النكاح دون غيره

- ‌القسم الثالث ـ ما أبيح له من النكاح دون غيره

- ‌القسم الرابع ـ ما اختص به من الفضائل دون غيره

- ‌مسائل متفرقة

الفصل: ‌ ‌القسم الثاني ـ ما اختص به دون أمته، وقد يشاركه

‌القسم الثاني ـ ما اختص به دون أمته، وقد يشاركه فيها غيره من الأنبياء

القسم الثاني من الخصائص ما كان مختصاً به دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء، وهذا هو المقصود الأول فلنذكره مرتباً على أبواب الفقه.

‌كتاب الإيمان

فمن ذلك أنه كان معصوماً في أقواله وأفعاله، لا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الذي يتعلق بأداء الرسالة ولا يقر فيبقى عليه، فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

فلهذا قال كثير من العلماء: لم يكن له الاجتهاد، لأنه قادر على النص.

وقال آخرون: بل له أن يجتهد، ولكن لا يجوز عليه الخطأ، وقال آخرون: بل لا يقر عليه.

فعلى الأقوال كلها هو واجب [العصمة] لا يتصور استمرار الخطأ عليه، بخلاف سائر أمته، فإنه يجوز ذلك كله على كل منهم منفرداً، فأما إذا اجتمعوا كلهم على قول واحد فلا يجوز عليهم الخطأ كما تقدم.

ص: 292

ومن ذلك ما ذكره أبو العباس بن القاص أنه كلف وحده من العلم ما كلف الناس بأجمعهم، واستشهد البيهقي على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم إذ أتيت بقدح فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قالوا: فما أول ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم» .

رواه مسلم.

ومن ذلك أنه كان يرى ما لا يرى الناس حوله، ففي الصحيح «عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هذا جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: عليه السلام.

يا رسول الله، ترى ما لا نرى.

؟» ! «وعنها في حديث الكسوف الذي في الصحيحين: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» .

وقال البيهقي: «أخبرنا الحكم محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم الغفاري حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} حتى ختمها، ثم قال: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدر أصبع إلا ملك واضع جبهته

ص: 293

ساجداً لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، والله! لوددت أني شجرة تعضد» .

رواه ابن ماجه، قال البيهقي: يقال إن قوله: شجرة تعضد من قول أبي ذر، والله أعلم.

ومن ذلك أن الله أمره أن يختار الآخرة على الأولى، وكان يحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به المترفون من أهل الدنيا، ودليله من الكتاب العزيز ظاهر.

ومن ذلك أنه لم يكن له تعلم الشعر، قال الله تعالى:{وما علمناه الشعر وما ينبغي له} ، «وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبالي ما أتيت إن شربت ترياقاً أو تعلقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي» رواه أبو داود، فلهذا قال أصحابنا: كان يحرم عليه تعلم الشعر.

ص: 294

ومن ذلك أنه لم يكن يحسن الكتابة، قالوا: وقد كان يحرم عليه ذلك، قال الله تعالى:{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} وقال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} .

وقد زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى تعلم الكتابة.

وهذا قول لا دليل عليه، فهو مردود، إلا مارواه البيهقي من

ص: 295

حديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل، عن مجالد، عن عون بن عبد الله، عن أبيه قال: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ.

وقال مجالد: فذكرت ذلك للشعبي فقال: قد صدق، سمعت من أصحابنا يذكرون ذلك.

ويحيى هذا ضعيف، ومجالد فيه كلام.

وهكذا ادعى بعض علماء المغرب أنه كتب صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية، فأنكر ذلك عليه أشد الإنكار وتبرئ من قائله على رؤوس المنابر، وعملوا فيه الأشعار، وقد غره في ذلك ما جاء في بعض روايات البخاري:[فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله..] ، وقد علم أن المقيد يقضي على المطلق، ففي الرواية الأخرى:[فأمر علياً فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم] .

ومن ذلك أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، فقد تواترت عنه صلوات الله وسلامه عليه:«أن من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .

روي هذا الحديث من طريق نيف وثمانين صحابياً: فهو في الصحيحين من حديث علي وأنس، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، وعند البخاري من رواية الزبير بن العوام، وسلمة بن الأكوع، وعبد الله بن عمرو، ولفظه:«بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .

وفي مسند أحمد: عن عثمان، وعمر وأبي سعيد

ص: 296

وواثلة بن الأسقع، وزيد بن أرقم.

وعند الترمذي عن ابن مسعود.

ورواه ابن ماجه عن جابر وأبي قتادة.

وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي، ويحيى بن صاعد، والطبراني، والبزار وابن مندة، وغيرهم من المتقدمين وابن الجوزي، ويوسف بن خليل من المتأخرين.

وصرح بتواتره ابن الصلاح، والنووي، وغيرهما من حفاظ الحديث، وهو الحق، فلهذا أجمع العلماء على كفر من كذب عليه متعمداً مستجيزاً لذلك.

واختلفوا في المتعمد فقط، فقال الشيخ أبو محمد يكفر أيضاً، وخالفه الجمهور.

ثم لو تاب فهل تقبل روايته؟ على قولين: فأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو بكر

ص: 297

الحميدي قالوا: لا تقبل، لقوله صلى الله عليه وسلم «إن كذباً علي ليس ككذب على أحد من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» ، قالوا: ومعلوم أن من كذب على غيره فقد أثم وفسق، وكذلك الكذب عليه، لكن من تاب من الكذب على غيره يقبل بالإجماع، فينبغي أن لا تقبل رواية من كذب عليه، فرقاً بين الكذب عليه والكذب على غيره.

وأما الجمهور فقالوا: تقبل روايته، لأن قصارى ذلك أنه كفر، ومن تاب من الكفر قبلت توبته وروايته، وهذا هو الصحيح.

ومن ذلك أنه من رآه في المنام فقد رآه حقاً كما جاء في الحديث: «فإن الشيطان لا يتمثل بي» ، لكن بشرط أن يراه على صورته التي هي صورته في الحياة الدنيا، كما رواه النسائي عن ابن عباس.

واتفقوا أن من نقل عنه حديثاً

ص: 298

في المنام أنه لا يعمل به، لعدم الضبط في رواية الرائي، فإن المنام محل فيه تضعف فيه الروح وضبطها.

والله تعالى أعلم.

ومن ذلك ما ذكره الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه الكبير عن أبي العباس بن القاص في قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} قال أبو العباس: وليس كذلك غيره حتى يموت، لقوله تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} قال البيهقي: كذا قال أبو العباس، وذهب غيره إلى أن المراد بهذا الخطاب غير النبي عليه الصلاة والسلام، ثم المطلق محمول على المقيد.

انتهى كلامه.

قلت: وهذا الفرع لم يكن إلى ذكره حاجة لعدم الفائدة منه، وما كان ينبغي أن يذكر، لولا ما يتوهم من إسقاطه إسقاط غيره مما ذكروه وإلا فالضرب عن مثل هذا صفحاً أولى، والله أعلم.

ومن ذلك أنه لم يكن له خائنة الأعين، أي أنه لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره كلامه، فيكون من باب اللمز، ومستند هذا قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح حين كان قد أهدر صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح في جملة ما أهدر من الدماء، فلما جاء به أخوه من الرضاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بايعه، فتوقف صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقوم إليه رجل فيقتله، ثم بايعه، ثم قال لأصحابه: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني قد أمسكت يدي

ص: 299