الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا مدح الله عز وجل أصحابه حيث قال تبارك وتعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} .
وستأتي إن شاء الله تعالى بقية أوصافه الجميلة مستقصاة فيما نورده من الأحاديث بعد هذا إن شاء الله تعالى وبه المستعان.
فصل ـ الأماكن التي حلها
في ذكر الأماكن التي حلها صلوات الله وسلامه عليه.
وهي الرحلات النبوية.
قدم الشام مرتين:
الأولى مع عمه أبي طالب في تجارة له، وكان عمره إذ ذاك ثنتي عشرة سنة، وكان من قصة بحيرا وتبشيره به ما كان من الآيات الي رآها، مما بهر العقول، وذلك مبسوط في الحديث الذي رواه الترمذي مما تفرد به قراد أبو نوح، واسمه
عبد الرحمن بن غزوان، وهو إسناد صحيح، ولكن في متنه غرابة قد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وفيه ذكر الغمامة ولم أرها ذكراً في حديث ثابت أعلمه سواه.
القدمة الثانية في تجارة لخديجة بنت خويلد وصحبته مولاه ميسرة، فبلغ أرض بصرى، فباع ثم التجارة ورجع، فأخبر ميسرة مولاته بما رأى عليه صلى الله عليه وسلم من لوائح النبوة، فرغبت فيه وتزوجته، وكان عمره حين تزوجها ـ على ما ذكره أهل السيرـ خمساً وعشرين سنة.
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فاجتمع بالأنبياء وصلى بهم فيه، ثم ركب إلى السماء ثم إلى ما بعدها من السموات سماء سماء، ورأى الأنبياء هناك على مراتبهم، ويسلم عليهم ويسلمون عليه، ثم صعد إلى سدرة المنتهى فرأى هناك جبريل عليه السلام على الصورة التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، ودنا الجبار رب العزة فتدلى كما يشاء على ما ورد في الحديث الشريف، فرأى من آيات ربه الكبرى كما قال تعالى:{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} ، وكلمه ربه سبحانه وتعالى على أشهر قولي أهل الحديث، ورأى ربه عز وجل ببصره على قول بعضهم، وهو اختيار الإمام أبي بكر بن خزيمة من أهل الحديث، وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين.
وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رآه بفؤاده مرتين.
وأنكرت عائشة أم المؤمنين رضي
الله عنها رؤية البصر، وروى مسلم عن أبي ذر قلت: يا رسول الله، رأيت ربك؟ فقال:«نور، أنى أراه؟» وإلى هذا مال جماعة من الأئمة قديماً وحديثاً اعتماداً على هذا الحديث، واتباعاً لقول عائشة رضي الله عنها.
قالوا: هذا مشهور عنها، ولم يعرف لها مخالف من الصحابة إلا ما روي عن ابن عباس أنه رآه بفؤاده، ونحن نقول به، وما روي في ذلك من إثبات الرؤيا بالبصر فلا يصح شيء من ذلك لا مرفوعاً، بل ولا موقوفاً، والله أعلم.
ورأى الجنة والنار والآيات العظام، وقد فرض الله سبحانه عليه الصلاة ليلتئذ خمسين ثم خففها إلى خمس، وتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه جل وعز في ذلك، ثم أهبط إلى الأرض إلى مكة إلى المسجد الحرام، فأصبح يخبر الناس بما رأى من الآيات.
فأما الحديث الذي رواه النسائي في أول كتاب الصلاة «أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا مخلد هو ابن يزيد عن سعيد بن عبد العزيز، حدثنا يزيد بن أبي مالك، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بدابة فوق حمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصل، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت صليت بطيبة، وإليها المهاجر.
ثم قال: انزل فصل، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى.
ثم قال: انزل فصل، فصليت فقال:
أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى.
ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء، فقدمني جبريل حتى أممتهم، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا..» وذكر بقية الحديث، فإنه حديث غريب منكر جداً وإسناده مقارب.
وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على نكارته، والله أعلم.
وكذلك الحديث الذي تفرد به بكر الله زياد الباهلي المتروك، «عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليلة أسري بي قال لي جبريل: هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه» لا يثبت أيضاً، لحال بكر بن زياد المذكور.
وهكذا الحديث الذي رواه ابن جرير في أول تاريخه من حديث أبي نعيم عمر بن الصبح، أحد الكذابين المعترفين بالوضع عن مقاتل بن حيان، عن
عكرمة، عن ابن عباس، أنه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ذهب إلى يأجوج ومأجوج، فدعاهم إلى الله عز وجل فأبوا أن يجيبوه، ثم انطلق به جبريل عليه السلام إلى المدينتين ـ يعني [جابلق] ، وهي مدينة بالمشرق وأهلها من بقايا عاد، ومن نسل من آمن منهم، ثم إلى جابرس، وهي بالمغرب، وأهلها من نسل من آمن من ثمود ـ فدعا كل منهما إلى الله عز وجل، فأمنوا به.
وفي الحديث أن لكل واحدة من المدينتين عشرة آلاف باب، ما بين كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على باب عشرة آلاف رجل يحرسون، ثم لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فو الذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك وتافيل، وتاريس، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم دعا هذه الثلاث أمم، فكفروا وأنكروا، وهم مع يأجوج ومأجوج.
وذكر حديثاً طويلاً لا يشك من له أدنى علم أنه موضوع، وإنما نبهت عليه ها هنا ليعرف حاله فلا يغتر به، ولأنه من ملازم ما ترجمنا الفصل به، ومن توابع ليلة الإسراء، والله أعلم.