المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ. قَدْ قَدَّمْنَا - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٤

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْأَنْبِيَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ. قَدْ قَدَّمْنَا

بسم الله الرحمن الرحيم

سُورَةُ‌

‌ الْأَنْبِيَاءِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «النَّحْلِ» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْفَوُا النَّجْوَى فِيمَا بَيْنَهُمْ، قَائِلِينَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ؟ وَالنَّجْوَى: الْإِسْرَارُ بِالْكَلَامِ وَإِخْفَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ. وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ بَشَرًا مِثْلَهُمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا، وَتَكْذِيبُ اللَّهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [17 \ 94] وَقَوْلِهِ: فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ الْآيَةَ [64 \ 6] وَقَوْلِهِ: أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ [54 \ 24] وَقَوْلِهِ: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [2‌

‌3

\ 33 - 34] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ الْآيَةَ [25 \ 7] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا الْآيَةَ [14 \ 10] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ.

وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةَ الَّتِي هِيَ مَنْعُ إِرْسَالِ الْبَشَرِ، كَقَوْلِهِ هُنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [21 \ 7]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً الْآيَةَ [13 \ 38] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ

ص: 133

وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [25 \ 20] وَقَوْلُهُ هُنَا: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [21 \ 8] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَجُمْلَةُ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قِيلَ: بَدَلٌ مِنَ «النَّجْوَى» . أَيْ: أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّتِي هِيَ هَذَا الْحَدِيثُ الْخَفِيُّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُمْ: هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَصَدَّرَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقِيلَ: مَفْعُولٌ بِهِ لِلنَّجْوَى. لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْخَفِيِّ. أَيْ: قَالُوا فِي خُفْيَةٍ: هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَقِيلَ: مَعْمُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: قَالُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَهُوَ أَظْهَرُهَا؛ لِاطِّرَادِ حَذْفِ الْقَوْلِ مَعَ بَقَاءِ مَقُولِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَوْجُهٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْإِعْرَابِ مَعْرُوفَةٌ، وَأَظْهَرُهَا عِنْدِي أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَأَسَرُّوا بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [3 \ 97]،. فَقَوْلُهُ مَنْ بَدَلٌ مِنْ «النَّاسِ» : بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَا عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. كَمَا قَدَّمْنَا هَذَا فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ.

إِعْرَابُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ جَارٍ مَجْرَى إِعْرَابِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، الَّتِي هِيَ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم سِحْرٌ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الزَّعْمِ الْبَاطِلِ أَنْكَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِتْيَانَ السِّحْرِ وَهُمْ يُبْصِرُونَ. يَعْنُونَ بِذَلِكَ تَصْدِيقَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ: لَا يُمْكِنُ أَنْ نُصَدِّقَكَ وَنَتَّبِعَكَ، وَنَحْنُ نُبْصِرُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ سِحْرٌ. وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ صلى الله عليه وسلم سِحْرٌ، كَقَوْلِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [74 \ 24]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [51 \ 52] . وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ سِحْرٌ بِقَوْلِهِ هُنَا: قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [21 \ 4] يَعْنِي أَنَّ الَّذِي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الَّذِي هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، الْمُحِيطُ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَكَوْنُ مَنْ أَنْزَلَهُ هُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ صِدْقِهِ فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَسَلَامَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَالنَّقَائِصِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ. وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [25 \ 6] وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

ص: 134