المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رَاحَتْ بِمُسْلِمَةِ الْبِغَالِ عَشِيَّةً … فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكَ الْمَرْتَعُ ثُمَّ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٤

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: رَاحَتْ بِمُسْلِمَةِ الْبِغَالِ عَشِيَّةً … فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكَ الْمَرْتَعُ ثُمَّ

رَاحَتْ بِمُسْلِمَةِ الْبِغَالِ عَشِيَّةً

فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكَ الْمَرْتَعُ

ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ التَّعَسُّفِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الظَّاهِرِ.

وَفِي قَوْلِهِ طه أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ، كَالْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الطَّاءَ مِنَ الطَّهَارَةِ، وَالْهَاءَ مِنَ الْهِدَايَةِ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: يَا طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ، يَا هَادِيَ الْخَلْقِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ. وَالصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ هُوَ مَا صَدَّرْنَا بِهِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى

. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَكِلَاهُمَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ:

الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَعْنَى: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. أَيْ لِتَتْعَبَ التَّعَبَ الشَّدِيدَ بِفَرْطِ تَأَسُّفِكِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُفْرِهِمْ، وَتَحَسُّرِكَ عَلَى أَنْ يُؤْمِنُوا. وَهَذَا الْوَجْهُ جَاءَتْ بِنَحْوِهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ الْآيَةَ [35 8] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [18 6] وَقَوْلِهِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ‌

‌[2

6 6] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ قَدَّمْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِاللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى أَيْ تُنْهِكَ نَفْسَكَ بِالْعِبَادَةِ، وَتُذِيقَهَا الْمَشَقَّةَ الْفَادِحَةَ. وَمَا بَعَثْنَاكَ إِلَّا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ. وَهَذَا الْوَجْهُ تَدُلُّ لَهُ ظَوَاهِرُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [22 78] ، وَقَوْلِهِ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [2 185] . وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: لِتَشْقَى أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِيَسْعَدَ. كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي وَحِكْمَتِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ وَلَا أُبَالِي» وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ إِسْنَادَهُ جَيِّدٌ، وَيُشْبِهُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الْآيَةَ

ص: 4