الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مفهوم القناعة]
مفهوم القناعة توجد علاقة متينة بين القناعة وبين الزهد والرضى، ولذلك عرف بعض أهل اللغة القناعة بالرضى، والقانع بالراضي (1) .
قال ابن فارس: "قَنع قناعةً: إذا رضي وسميت قناعة؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا"(2) .
وأما الزهد فهو: ضد الرغبة والحرص على الدنيا، والزهادة في الأشياء ضد الرغبة (3) وذكر ابن فارس أن مادة (زهد) أصل يدل على قلة الشيء، قال: والزهيد: الشيء القليل (4) .
عرف شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله الزهد بقوله: "ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله- عز وجل "(5) .
ونحا فريق من أهل الاصطلاح إلى تقسيم القناعة، وجعل أعلى
(1) لسان العرب، مادة (قنع)(11 / 321) .
(2)
معجم مقاييس اللغة مادة (قنع)(5 / 33) .
(3)
لسان العرب، مادة (زهد)(6 / 97) .
(4)
معجم مقاييس اللغة، مادة (زهد)(3 / 30) .
(5)
مجموع الفتاوى (11 / 27) وانظر: مكارم الأخلاق عند ابن تيمية (259) .
مراتبها الزهد كما هو صنيع الماوردي؛ حيث قال: "والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يقتنع بالبلغة من دنياه ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه؛ وهذا أعلى منازل أهل القناع. ثم ذكر قول مالك ابن دينار: "أزهدُ الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلْغته".
الوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذا أوسط حال المقتنع، وذكر فيه قول بعضهم:"من رضي بالمقدور قنع بالميسور".
الوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذر وإن كان يسيرا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركة بين رغبة ورهبة، فأما الرغبة: فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت، وأما الرهبة، فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت" (1) أهـ.
وبناء على تقسيم الماوردي فإن المنزلة الأولى هي أعلى منازل القناعة وهي الزهد أيضا، والمنزلة الثالثة هي التي عليها أكثر الذي عرفوا القناعة وهي مقصود رسالتنا تلك.
(1) مختصرا من أدب الدنيا والدين (328- 329) .
وعلى هذا المعنى فإن القناعة لا تمنع التاجر من تنمية تجارته، ولا أن يضرب المسلم في الأرض يطلب رزقه، ولا أن يسعى المرء فيما يعود عليه بالنفع؛ بل كل ذلك مطلوب ومرغوب. وإنما الذي يتعارض مع القناعة أن يغش التاجر في تجارته، وأن يتسخط الموظف من مرتبته، وأن يتبرم العامل من مهنته، وأن ينافق المسؤول من أجل منصبه، وأن يتنازل الداعية عق دعوته أو يميِّع مبدأه رغبة في مال أو جاه، وأن يحسد الأخ أخاه على نعمته، وأن يذلّ المرء نفسه لغير الله- تعالى- لحصول مرغوب.
وليس القانع ذلك الذي يشكو خالقه ورازقه إلى الخلق، ولا الذي يتطلع إلى ما ليس له، ولا الذي يغضب إذا لم يبلغ ما تمنى من رُتَب الدنيا؛ لأن الخير له قد يكون عكس ما تمنى.
وفي المقابل فإن القناعة لا تأبى أن يملك العبد مثاقيل الذهب والفضة، ولا أن يمتلئ صندوقه بالمال، ولا أن تمسك يداه الملايين؛ ولكن القناعة تأبى أن تَلجَ هذه الأموال قلبه، وتملك عليه نفسه؛ حتى يمنع حق الله فيها، ويتكاسل عن الطاعات، ويفرط في الفرائض! من أجلها، ويرتكب المحرمات من ربًا ورشوة وكسب خبيث حفاظا عليها أو تنمية لها.
وكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم، رُزق القناعة! فلا غشّ في تجارته، ولا منع أجَراءه حقوقهم، ولا أذل نفسه من أجل