الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قول الله تعالى أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون]
َ - وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}
وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته. فقال: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم» ؟ فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: «اللهم العن فلانا وفلانا» . بعدما يقول: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» ، فأنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
وفي رواية: «يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} » .
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فقال: «يا معشر قريش- أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب: لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا» .
فيه مسائل: الأولى: تفسير الآيتين.
الثانية: قصة أحد.
الثالثة: قنوت سيد المرسلين وخلفه سادات الأولياء يؤمنون في الصلاة.
الرابعة: أن المدعو عليهم كفار.
الخامسة: أنهم فعلوا أشياء ما فعلها غالب الكفار، منها شجهم نبيهم وحرصهم على قتله ومنها التمثيل بالقتلى مع أنهم بنو عمهم.
السادسة: أنزل الله عليه في ذلك: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
السابعة: قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} فتاب عليهم فآمنوا.
الثامنة: القنوت في النوازل.
التاسعة: تسمية المدعو عليهم في الصلاة بأسمائهم وأسماء آبائهم.
العاشرة: لعن المعين في القنوت.
الحادية عشرة: قصته صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}
الثانية عشرة: جده صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر بحيث فعل ما نسب بسببه إلى الجنون وكذلك لو يفعله مسلم الآن.
الثالثة عشرة: قوله للأبعد والأقرب: «لا أغني عنك من الله شيئا» ، حتى قال:«يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا» . فإذا صرح وهو سيد المرسلين بأنه لا يغني شيئا عن سيدة نساء العالمين وآمن الإنسان أنه لا يقول إلا الحق، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس، تبين له التوحيد وغربة الدين.
باب قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}
هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته، فالتوحيد لله من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره.
فتقدم أن التوحيدين: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات من كبر براهينه وأضخمها، فالمتفرد بالخلق والتدبير، والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه هو الذي لا يستحق العبادة سواه.
وكذلك من براهين التوحيد معرفة أوصاف المخلوقين ومن عبد مع الله، فإن جميع ما يعبد من دون الله من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها كلهم فقراء إلى الله، عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة، ولا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يملكون ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق، وهو الرازق لكل مرزوق، المدبر للأمور كلها، الضار النافع، المعطي المانع، الذي بيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع كل شيء، وله يقصد ويصمد ويخضع كل شيء.
فأي برهان أعظم من هذا البرهان: الذي أعاده الله وأبداه في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله، فهو دليل عقلي فطري كما أنه دليل سمعي نقلي على وجوب توحيد الله وأنه الحق، وعلى بطلان الشرك.
وإذا كان أشرف الخلق على الإطلاق لا يملك نفع أقرب الخلق إليه وأمسهم به رحما فكيف بغيره؟ فتبا لمن أشرك بالله وساوى به أحدا من المخلوقين، لقد سلب عقله بعد ما سلب دينه.
فنعوت الباري تعالى وصفات عظمته وتوحده في الكمال المطلق اكبر برهان على أنه لا يستحق العبادة إلا هو.
وكذلك صفات المخلوقات كنها، وما هي عليه من النقص والحاجة والفقر إلى ربها في كل شؤونها، وأنه ليس لها من الكمال، إلا ما أعطاها ربها من أعظم البراهين على بطلان إلهية شيء منها.
فمن عرف الله وعرف الخلق اضطرته هذه المعرفة إلى عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له والثناء عليه، وحمده وشكره بلسانه وقلبه وأركانه وانصرف تعلقه بالمخلوقين خوفا ورجاء وطمعا، والله أعلم.