الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]
وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ}
عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير، فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت، قال: فما صنعت قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي، قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن عن بريدة بن الحصيب أنه قال: «لا رقية إلا من عين أو حمة» . قال: قد أحسن من انتهى
إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظنت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك. ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» . ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك. فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا.
وذكروا أشياء، فخرج علهم رسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال:«هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون» . فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال:«أنت منهم» ، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: «سبقك بها عكاشة» .
* فيه مسائل: الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد.
الثانية: ما معنى تحقيقه.
الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين.
الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك.
الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد.
السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل.
السابعة: عمق علم الصحابة بمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل.
الثامنة: حرصهم على الخير.
التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية.
العاشرة: فضيلة أصحاب موسى.
الحادية عشرة: عرض الأمم عليه، عليه الصلاة والسلام.
الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها.
الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء.
الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده.
الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة.
السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة.
السابعة عشرة: عمق علم السلف لقوله: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا. فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني.
الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
التاسعة عشرة: قوله: «أنت منهم» علم من أعلام النبوة.
العشرون: فضيلة عكاشة.
الحادية والعشرون: استعمال المعاريض.
الثانية والعشرون: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له.
فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر، ومن البدع القولية الاعتقادية، والبدع الفعلية العملية، ومن المعاصي، وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات، وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد، ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله، وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد، وتمنع كماله وتعوقه عن حصول آثاره.
فمن حقق توحيده بأن امتلأ قلبه من الإيمان والتوحيد والإخلاص، وصدقته الأعمال بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي، فهذا الذي يدخل الجنة بغير حساب، ويكون من السابقين إلى دخولها وإلى تبوء المنازل منها.
ومن أخص ما يدخل في تحقيقه: كمال القنوت لله وقوة التوكل على الله بحيث لا يلتف القلب إلى المخلوقين في شأن من شؤونه، ولا يستشرف إليهم بقلبه، ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله، بل يكون ظاهره وباطنه، وأقواله وأفعاله، وحبه وبغضه، وجميع أحواله كلها مقصودا بها وجه الله، متبعا فيها رسول الله.
والناس في هذا المقام العظيم درجات: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}
وليس تحقيق التوحيد بالتمني ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق، ولا بالحلى العاطلة، وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان وصدقته الأخلاق الجميلة، والأعمال الصالحة الجليلة.
فمن حقق التوحيد على هذا الوجه حصلت له جميع الفضائل المشار إليها في الباب السابق بأكملها والله أعلم.