الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]
وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [التوبة: 31] .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل» .
وشرح هذه الترجمة: ما بعدها من الأبواب. فيه أكبر المسائل وأهمها. وهي تفسير التوحيد وتفسير الشهادة. وبينها بأمور واضحة: * منها: آية الإسراء. بين فيها الرد على المشركين الذين يدعون
الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر.
* ومنها: آية براءة بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم.
* ومنها: قول الخليل عليه السلام للكفار: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}
فاستثنى من المعبودين ربه.
وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا أله إلا الله، فقال:{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
* ومنها: آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله؟
* ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم:: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون
الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» .
وهذا من أعظم ما يبين معنى: " لا أله إلا الله " فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها، ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع.
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله هما بمعنى واحد، فهو من باب عطف المترادفين.
وهذه المسألة أكبر المسائل وأهمها كما قال المصنف- رحمه الله.
وحقيقة تفسير التوحيد: العلم والاعتراف بتفرد الرب بجميع صفات الكمال وإخلاص العبادة له.
وذلك يرجع إلى أمرين:
الأمر الأول: نفي الألوهية كلها عن غير الله، بأن يعلم ويعتقد أنه لا يستحق الإلهية ولا شيئا من العبودية أحد من الخلق لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب ولا غيرهما، وأنه ليس لأحد من الخلق في ذلك حظ ولا نصيب.
والأمر الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وتفرده بمعالي الألوهية كلها، وهي نعوت الكمال كلها، ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده حتى يحققه العبد بإخلاص كلمة أنه الدين لله، فيقوم بالإسلام والإيمان والإحسان وبحقوق الله وحقوق خلقه، قاصدا بذلك وجه الله، وطالبا رضوانه وثوابه. .
ويعلم أن من تمام تفسيرها وتحقيقها البراءة من عبادة غير الله، وأن اتخاذ أنداد يحبهم كحب الله أو يطيعهم كطاعة الله أو يعمل لهم كما يعمل لله ينافي معنى: لا إله إلا الله أشد المنافاة.
وبين المصنف رحمه الله: أن من أعظم ما يبين معنى لا أله إلا الله قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» . فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ولا دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه.
فتبين بذلك أنه: لا بد من اعتقاد وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، ومن الإقرار بذلك اعتقادا ونطقا، ولا بد من القيام بعبادة الله وحده طاعة لله وانقيادا، ولا بد من البراءة مما ينافي ذلك عقدا وقولا وفعلا.
ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم، وبغض أهل الكفر والشرك ومعاداتهم، لا تغني في هذا المقام الألفاظ المجردة، ولا الدعاوى الخالية من الحقيقة، بل لا بد أن يتطابق العلم والاعتقاد والقول والعمل، فإن هذه الأشياء متلازمة متى تخلف واحد منها تخلفت البقية والله أعلم.