الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الشفاعة]
وقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}
وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده- لا يبدأ بالشفاعة أولا- ثم يقال له: " ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفع ".
«وقال أبو هريرة له صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه» . فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا
لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
فيها مسائل: الأولى: تفسير الآيات.
الثانية: صفة الشفاعة المنفية.
الثالثة: صفة الشفاعة المثبتة.
الرابعة: ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود.
الخامسة: صفة ما يفعله صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد، فإذا أذن له شفع.
السادسة: من أسعد الناس بها.
السابعة: أنها لا تكون لمن أشرك بالله.
الثامنة: بيان حقيقتها.
باب الشفاعة إنما ذكر المصنف الشفاعة في تضاعيف هذه الأبواب، لأن المشركين يبررون شركهم ودعاءهم للملائكة والأنبياء والأولياء بقولهم: نحن ندعوهم مع علمنا أنهم مخلوقون مملوكون، ولكن حيث إن لهم عند الله جاها عظيما ومقامات عالية، ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى وليشفعوا لنا عنده، كما يتقرب إلى الوجهاء عند الملوك والسلاطين، ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم وإدراك مآربهم.
وهذا من أبطل الباطل، وهو تشبيه الله العظيم ملك الملوك الذي يخافه كل أحد وتخضع له المخلوقات بأسرها بالملوك الفقراء المحتاجين للوجهاء والوزراء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم.
فأبطل الله هذا الزعم وبين أن الشفاعة كلها له، كما أن الملك كله له، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله، ولا يرضى إلا توحيده وإخلاص العمل له.
فبين أن المشرك ليس له حظ ولا نصيب من الشفاعة.
وبين أن الشفاعة المثبتة التي تقع بإذنه إنما هي الشفاعة لأهل الإخلاص خاصة وأنها كلها منه، رحمة منه وكرامة للشافع، ورحمة منه وعفوا عن المشفوع له، وأنه هو المحمود عليها في الحقيقة، وهو الذي أذن لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها وأناله المقام المحمود.
فهذا ما دل عليه الكتاب والسنة في تفصيل القول في الشفاعة.
وقد ذكر المصنف رحمه الله كلام الشيخ تقي الدين في هذا الموضع وهو كاف شاف.
فالمقصود في هذا الباب ذكر النصوص الدالة على إبطال كل وسيلة وسبب يتعلق به المشركون بآلهتهم، وأنه ليس لها من الملك شيء، لا استقلالا ولا مشاركة ولا معاونة ولا مظاهرة، ولا من الشفاعة شيء.
وإنما ذلك كله لله وحده، فتعين أن يكون المعبود وحده.