المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المعنى الصحيح للعبارة لا تقليد بعد العمل - القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد

[ابن ملا فروخ]

الفصل: ‌المعنى الصحيح للعبارة لا تقليد بعد العمل

فَإِن قلت أَنه مُجْتَهد وَهَذَا حَال الْمُجْتَهد أَنه يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى مَا سنح لَهُ من الدَّلِيل بِخِلَاف الْمُقَلّد قلت مهلا يَا أخي فَإِن الْمُقَلّد لم يظْهر لَهُ بِالدَّلِيلِ صِحَة مَا قلد فِيهِ أَولا كَمَا ظهر للمجتهد وَهنا مُجْتَهد آخر قَائِل بِخِلَافِهِ فَهُوَ أَحْرَى بتجويز الِانْتِقَال لَهُ

‌الْمَعْنى الصَّحِيح للعبارة لَا تَقْلِيد بعد الْعَمَل

ثمَّ ظهر لي بعد مُدَّة تسطيري هَذِه الأسطر ظهورا بَينا منكشفا لَا ريب فِيهِ أَن مُرَادهم من قَوْلهم لَا

ص: 122

تَقْلِيد بعد الْعَمَل أَنه إِذا عمل مرّة فِي مَسْأَلَة بِمذهب فِي طَلَاق أَو عتاق أَو غَيرهَا واعتقده وأمضاه فَفَارَقَ الزَّوْجَة مثلا واجتنبها وعاملها مُعَاملَة من حرمت عَلَيْهِ واعتقد الْبَيْنُونَة بَينه وَبَينهَا بِمَا جرى مِنْهُ من اللَّفْظ مثلا فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن ذَلِك وَيبْطل مَا أَمْضَاهُ وَيعود إِلَيْهَا بتقليد ثَانِيًا إِمَامًا غير الإِمَام الأول فَهَذَا معنى قواهم لَيْسَ لَهُ التَّقْلِيد بعد الْعَمَل وَلَا يرجع عَمَّا قلد فِيهِ وَعمل بِهِ وَنَحْو ذَلِك من الْعبارَات فَأَما إِذا وَقعت تِلْكَ الْوَاقِعَة مرّة ثَانِيَة مَعَ امْرَأَة أُخْرَى أَو مَعَ

ص: 123

زواجها بِنِكَاح جَدِيد فَلهُ الْأَخْذ بقول إِمَام آخر وَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا

على انه قد نقل الْعَلامَة ابْن أَمِير الْحَاج الْحلَبِي الْحَنَفِيّ تلميذ المحق ابْن الْهمام عَن الزَّرْكَشِيّ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة فِي شرح التَّحْرِير أَن فِي كَلَام بعض الْأَئِمَّة مَا يَقْتَضِي جَرَيَان الْخلاف فِي جَوَاز التَّقْلِيد بعد الْعَمَل أَيْضا وَإِن مَنعه لَيْسَ بِاتِّفَاق فاعلمه وَقد

ص: 124

نقل صَاحب الفتاوي الصيرفية عَن الظَّهِيرِيَّة والنسفية والنصاب وَاللَّفْظ من الظهرية انه سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام عَطاء بن حَمْزَة السغدي عَن الصَّغِيرَة إِذا زَوجهَا أَبوهَا من صَغِير وَقبل أَبوهُ

ص: 125

وَكبر الصَّغِير وَبَينهمَا غيبَة مُنْقَطِعَة وَقد كَانَ التَّزْوِيج بِشَهَادَة الفسقة فَهَل يجوز للْقَاضِي أَن يبْعَث إِلَى شَافِعِيّ الْمَذْهَب ليبطل هَذَا النِّكَاح بَينهمَا بِهَذَا السَّبَب قَالَ نعم وللحنفي أَن يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ أَيْضا أخذا بِمذهب الْخصم وَإِن لم يكن ذَلِك مذْهبه انْتهى

ثمَّ أورد فِي الْمُحِيط والظهيرية مَسْأَلَة أبي يُوسُف فِي الْفَأْرَة عَقبهَا مستشهدا فَاعْلَم ذَلِك وَكَذَا مَوْلَانَا خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين الْعَلامَة ابْن نجيم رحمه الله فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي مَسْأَلَة الْيَمين المضافة عَن الْبَزَّازِيَّة عَن أَصْحَابنَا أَنه لَو استفتى فَقِيها عدلا فافتى بِبُطْلَان

ص: 126

الْيَمين هَل لَهُ الْعَمَل لفتواه وإمساكها وروى أوسع من هَذَا وَهُوَ أَنه لَو أفتاه مفت بِالْحلِّ ثمَّ أفتاه آخر بِالْحُرْمَةِ بَعْدَمَا عمل بفتوى الثَّانِي فِي الأول فَإِنَّهُ يعْمل بفتوى حق امْرَأَة أُخْرَى لَا فِي حق الأولى أَي فِي هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي مَضَت كَمَا نبهتك عَلَيْهِ قَرِيبا وانظره فقد صرح بِجَوَاز الْعَمَل بِخِلَاف مَا عمل للعامي وَإِنَّمَا منع من أَن يُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي لِئَلَّا ينْسب الى الْغَرَض والتشهي والتلاعب وَلِئَلَّا ينسسب الْعلمَاء إِلَى التَّنَاقُض من جِهَة الْعَوام فَافْهَم هَذَا مَا قَامَ عِنْدِي فِي وَجه ذَلِك وَرَأَيْت فِي عبارَة

ص: 127

بَعضهم تَعْلِيله لكيلا يتَطَرَّق بِهِ إِلَى هدم مَذْهَب أَصْحَابنَا أَو نَحْو ذَلِك من الْعبارَة وَالله أعلم

وَاعْلَم أَن من الْمسَائِل مَا يَقع التَّصْرِيح بهَا من بعض الْمُتَأَخِّرين رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وخصوصا فِي الْأُصُول الَّتِي ألفها الْمُتَأَخِّرين وَلَيْسَت بمرضية بل رُبمَا يَقع التَّصْرِيح بِخِلَافِهَا من الْمُتَقَدِّمين وَيُوجد من هَذَا النَّوْع فِي كتاب التَّحْرِير الَّذِي أَلفه الْمُحَقق وَجمع فِيهِ من مقالات الْمُتَأَخِّرين من فضلاء عصره فَمن قبلهم

ص: 128

بِقَلِيل حَتَّى من كَلَام أَرْبَاب الْمذَاهب غير مَذْهَبنَا فَلَا علينا أَلا نَأْخُذ بِمَا ظهر لنا صَوَاب خِلَافه إِن أنعم الله علينا بِحُصُول ضرب من النّظر يُمكن الْوَقْف بِهِ على الصَّوَاب هَذَا وَنحن مَعَ ذَلِك بِحَمْد الله تَعَالَى لَا نخرج عَن دَرَجَة التَّقْلِيد لإمامنا الْأَعْظَم أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَنحن مقلدون لَهُ ولكبار أَصْحَابه وَمن بعدهمْ من كبار أَئِمَّتنَا كشمس الْأمة وَأَضْرَابه وَأما مَا يبحثه ويقرره

ص: 129

الْمُتَأَخّرُونَ من أهل التَّاسِع والعاشر من فضلاء الْمَذْهَب فلنا النّظر فِيهِ إِن أمكن وعلينا التَّمَسُّك بِمَا هُوَ مَنْقُول عَن الْمُتَقَدِّمين وخصوصا إِذا انتهض متمسكا لنا فِيمَا نرتضيه وَالله الْمُوفق إِلَى الصَّوَاب وَبِه الِاعْتِصَام

ص: 130