الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إِذا علمت ذَلِك فَاعْلَم أَن أَبَا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ كل كَانَ من أهل الذّكر الَّذين وَجب سُؤَالهمْ لمن لم يصل إِلَى دَرَجَة النّظر وَالِاسْتِدْلَال فَإِذا عمل أحد منالمقلدين فِي طَهَارَته وَصلَاته اَوْ شَيْء مِمَّا جرى بِهِ التَّكْلِيف بقول وَاحِد مِنْهُم مُقَلدًا لَهُ فِيهِ أَو صَادف قَوْله وَلَو لم يعلم بِهِ حِين الْعَمَل فقلده فِيهِ بعد انقضائه على
مَا ظهر لي فِي الْمَسْأَلَة كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا اسْتشْهد بِهِ فِي المسالة بعد هَذَا فقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لأحد مِمَّن هُوَ فِي دَرَجَته التَّقْلِيد لَهُ قلت بل وَلَا للمجتهد الْإِنْكَار عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ (فِي غير كتاب) عندنَا من تصانيف الصَّدْر الشَّهِيد حسام الدّين وَغَيره من
كتب الْمَذْهَب الْمُعْتَبرَة كالتجنيس والمزيد لشيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين صَاحب الْهِدَايَة كَمَا نقلته بخطي عَنْهَا فِي مظانه
إِذا ثَبت ذَلِك فَلَيْسَ لحنفي أَو مالكي أَو شَافِعِيّ من المقلدين أَن يمْتَنع من الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ الْمُخَالف لمذهبه و (لَيْسَ لَهُ أَن يحْتَج) بِأَنِّي لما قلدت الشَّافِعِي أَو أَبَا حنيفَة مثلا فقد وَجب على الحكم بِبُطْلَان مَا خَالف اجْتِهَاده لأننا نقُول إِنَّمَا أُبِيح التَّقْلِيد بِقدر الضَّرُورَة وَذَلِكَ ينْدَفع بتقليدك لَهُ فِي عَمَلك وكيفيته فَقَط (وَإِن شِئْت قل فِي كَيْفيَّة إِيقَاع مَا كلفت بِهِ فَقَط) وَأما الحكم بِبُطْلَان مخالفه فَلَيْسَ ذَلِك إِلَيْك بل للْكَلَام مجَال فِي تسويغ ذَلِك للمجتهد الَّذِي قلدته
وَأما أَنْت وَمن هُوَ فِي مرتبتك من المقلدين فَقَوْل كل مُجْتَهد عِنْده على حد سَوَاء إِذْ لَيْسَ التَّرْجِيح بِالدَّلِيلِ من
وظائفك ولكنت فِي درجتهم وَوَجَب عَلَيْك الِاجْتِهَاد وارتفع التَّقْلِيد وَلَكِن لابد للْعَمَل فِي تَصْحِيحه من مُسْتَند فَأَنت استندت إِلَى إمامك وَنعم الإِمَام وَهَذَا الآخر اسْتندَ إِلَى إِمَام فِي فعله مثل إمامك أَو أَعلَى مِنْهُ فَلَا يمكنك الحكم على عمله بِالْبُطْلَانِ الْبَتَّةَ فلست حِينَئِذٍ فِي تخلفك عَن الِاقْتِدَاء بِهِ إِلَّا عَاملا بمحض التعصب وَقد نَص عُلَمَاؤُنَا وَغَيرهم من أَصْحَاب الْمذَاهب على حُرْمَة التعصب وتصويب الصلابة فِي الْمَذْهَب وَمعنى الصلابة أَي الثَّبَات على مَا ظهر للمجتهد من الدَّلِيل وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا للمجتهد نَفسه أَو لمن هُوَ من أهل النّظر مِمَّن أَخذ بقوله
والتعصب هُوَ الْميل مَعَ الْهوى لأجل نصْرَة الْمَذْهَب ومعاملة
الإِمَام الآخر ومقلديه بِمَا يحط عَنْهُم وَقد نَص فِي جَوَاهِر
الفتاوي وَغَيرهَا من كتب أَصْحَابنَا أَن الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لم يكن لَهُ تعصب على أَئِمَّتنَا رَحِمهم الله تَعَالَى
وَقد كَانَ الصَّحَابَة رضي الله عنهم يَقْتَدِي بَعضهم بِبَعْض وَكَذَا التابعون لَهُم وَفِيهِمْ المجتهدون وَلم ينْقل عَن أحد من السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى أَنه كَانَ لَا يرى الِاقْتِدَاء بِمن يُخَالف قَوْله فِي بعض الْمسَائِل وَلَو فِي خُصُوص الطَّهَارَة وَالصَّلَاة بل كَانَ يَقْتَدِي بَعضهم بِبَعْض وَرُبمَا اعْتقد بَعضهم ولَايَة بعض حَتَّى أَن الشَّافِعِي رضي الله عنه بعث يطْلب قَمِيص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل من بَغْدَاد
يستشفي بِهِ فِي مُدَّة مَرضه بِغسْلِهِ وَشرب مَائه كَمَا رَأَيْته مثبتا فِي مَنَاقِب أَحْمد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يُعَامل بَعضهم بَعْضًا كَمَا يعلم ذَلِك من سيرهم وأحوالهم
وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا قد تمسك بِهِ من لَا معرفَة عِنْده بِأَن الِاخْتِلَاف بَينهم لم يكن بَينهم بِهَذِهِ الصّفة الَّتِي عَلَيْهَا الْمذَاهب الْآن لأَنا قد قَررنَا أَن ذَلِك لَا يمْنَع لِأَن الْكل كَانُوا فِي طلب الْحق على
حد متساو واجتهاد كل وَاحِد مِنْهُم يحْتَمل الْخَطَأ كَغَيْرِهِ بعد تَسْلِيم بلوغهم دَرَجَة الِاجْتِهَاد وَإِن تفاوتوا فِيهِ
فَإِن قلت قد نقل الإِمَام حَافظ الدّين النَّسَفِيّ صَاحب
الْكَنْز وَالْكَافِي فِي مصفاة عَن الْمَشَايِخ الْمُتَقَدِّمين إِنَّا إِذا
سئلنا عَمَّا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْفُرُوع نجيب بَان مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ صَوَاب يحْتَمل الْخَطَأ وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْغَيْر خطا يحْتَمل الصَّوَاب انْتهى بِمَعْنَاهُ وَإِن لم يكن بِلَفْظِهِ وَهَذَا يُوجب امْتنَاع الْمُقَلّد من اتِّبَاع امام يرى مُخَالفَة قَول امامه لكَونه خطأ وَمَا قلد فِيهِ صَوَاب عِنْده
قُلْنَا المُرَاد من هَذَا تَخْصِيص أَن مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّتنَا هُوَ صَوَاب عِنْدهم مَعَ احْتِمَال الْخَطَأ إِذْ كل مُجْتَهد قد يُصِيب وَقد يُخطئ فِي نفس الْأَمر وَأما بِالنّظرِ إِلَيْنَا فَهُوَ مُصِيب فِي اجْتِهَاده وَهُوَ
معنى مَا رُوِيَ أَن كل مُجْتَهد مُصِيب فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْحق يَتَعَدَّد
وَيَنْبَغِي أَن يكون قد أَرَادَ الْكَلَام أَن للمجتهد الحكم ظنا لَا قَطْعِيا بِأَن اجْتِهَاد غَيره خطأ اما نفس الْمُجْتَهد الْمُخَالف فَهُوَ مُصِيب فِي الْعَمَل بِاجْتِهَاد نَفسه لَا مُخطئ فِي ذَلِك وَإِن كَانَ مَحْكُومًا بخطأ إجتهاده عِنْد غَيره لِأَنَّهُ مَأْمُور بإجتهاد نَفسه كَمَا لَا يخفي
قَالَ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام عَليّ بن مُحَمَّد الْبَزْدَوِيّ فِي شرح
الْجَامِع الصَّغِير فِي مسئلة التَّحَرِّي بالقبلة فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة
وَهَذَا نَص من أَصْحَابنَا على انهم لم يَقُولُوا كل مُجْتَهد مُصِيب خلافًا للمعتزلة فَإِن من نسب ذَلِك إِلَيْهِم فقد تَقول عَلَيْهِم هَذَا لفظ فَخر الْإِسْلَام رَحْمَة الله عَلَيْهِ
قلت وَقد ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْحق يَتَعَدَّد فِي الْمَسْأَلَة
وَهُوَ مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد كل مُجْتَهد فِيهَا فقد جعل الله تبارك وتعالى حكم الْمَسْأَلَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد كل مُجْتَهد وَلَكِن لَا نقُول بِهِ بل مَعْنَاهُ أَنه مُصِيب فِي اجْتِهَاده ثمَّ الْعَمَل بِهِ وَالْحق عِنْد الله وَاحِد وَلَكِن لما ظهر لَهُم بِالدَّلِيلِ حكم من الْأَحْكَام وَجب عَلَيْهِم اتِّبَاع الدَّلِيل وَمن ضَرُورَة وجوب الِاتِّبَاع التصويب وَإِلَّا فالشرع لَا يَأْمر بِاتِّبَاع الْخَطَأ ثمَّ من ضَرُورَة تصويب قَوْلهم تخطئة قَول مخالفهم مَعَ احْتِمَال الْإِصَابَة من مخالفهم لِأَن الْمُجْتَهد لم يحصل لَهُ إِلَّا الظَّن لَا الْقطع بذلك وَلِهَذَا لَو حكم بِشَيْء من القطعيات فِي العقائد يجْزم بالإصابة وتخطئة الْمُخَالف كَمَا ذكره النَّسَفِيّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فِي الْمُصَفّى أَيْضا
فَالْحَاصِل أَن المُرَاد من أَئِمَّتنَا وَمن أَخذ بقَوْلهمْ من أهل النّظر
كمشايخ الْمَذْهَب الْكِبَار الْمُتَقَدِّمين كالشيخ أبي الْحسن الْكَرْخِي وَالْإِمَام أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ والمتأخرين
مثل شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي وتلميذه السَّرخسِيّ وفخر الْإِسْلَام الْبَزْدَوِيّ وامثالهم من النظار فِي الْقرن الْخَامِس وَالْإِمَام قَاضِي
خَان وخسرويه صَاحب الْهِدَايَة وأضرابهما من أهل
الانظار ذَوي الْقدر الخطير فِي الْقرن السَّادِس لَو سئلوا لَكَانَ جوابهم مَا ذكره ويرشد إِلَى ذَلِك تَعْبِيره بقوله (لَو سئلنا) وَقَوله (عَمَّا ذَهَبْنَا) إِلَى آخِره وَلم يقل لَو سُئِلَ الْمُقَلّد فَهَذَا الْجَواب مُقَدّر من جَانب الْأَئِمَّة أنفسهم فِيمَا ذَهَبُوا
// إِلَيْهِ وَلَيْسَ المُرَاد أَن يُكَلف كل مقلد أَن يعْتَقد ذَلِك فِيمَا قلد فِيهِ إِذْ ذَلِك تَقْلِيد فِيمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوع كَمَا أفدتك من قبل أَن التَّقْلِيد إِنَّمَا يسوغ بِقدر الضَّرُورَة وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى الْعَمَل فَلَا بُد من التَّقْلِيد فِي كَيْفيَّة حُصُوله وَأما اعْتِقَاد صِحَة مَا قلد فِيهِ وَلَا يدْرِي بطلَان كل مَا عداهُ فَلَيْسَ مُكَلّفا
فَإِن قلت بل هُوَ مُكَلّف وَإِلَّا لزم إِذا التَّكْلِيف مَعَ اعْتِقَاد عدم صِحَّتهَا
قلت لَا يلْزم ذَلِك إِلَّا لَو اعْتقد عدم صِحَة مَا قلد فِيهِ وَنحن لَا نقُول بِهِ بل هُوَ على الصَّوَاب ظَاهر حَيْثُ فعل مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَخْذ بقول مُجْتَهد وَأما تخطئة من أَخذ بِخِلَاف قَول
مقلده فَمَا هُوَ مُكَلّف بهَا وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يسوغ لحنفي أَو شَافِعِيّ وجد فِي الْمَسْجِد إِمَامًا على خلاف مذْهبه بعد أَن كَانَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ترك الِاقْتِدَاء بِهِ نظرا إِلَى عدم صِحَة صلَاته على مُقْتَضى مَذْهَب إِمَامه