الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قد استفاض عِنْد فضلاء الْعَصْر منع التلفيق فِي التَّقْلِيد
وَذَلِكَ بِأَن يعْمل مثلا فِي بعض أَعمال الطَّهَارَة وَالصَّلَاة أَو أحداهما بِمذهب إِمَام وَفِي بعض الْعِبَادَات بِمذهب إِمَام آخر لم أجد على امْتنَاع ذَلِك برهانا بل قد أَشَارَ إِلَى عدم مَنعه الْمُحَقق فِي التَّحْرِير
وَأَنه لم يرد مَا يمْنَع وَنقل منع التلفيق عَن بعض الْمُتَأَخِّرين قَالَ شَارِح تحريره الْعَلامَة ابْن أَمِير حَاج الْقَائِل بِالْمَنْعِ
الْعَلامَة الْقَرَافِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
قلت والقرافي رجل من فضلاء الْأُصُولِيِّينَ من الْمَالِكِيَّة وَلَا علينا أَن نَأْخُذ بقوله خُصُوصا وَقد وجدت عَن بعض أَئِمَّتنَا
مَا يدل على جَوَازه بل على وُقُوعه وَهُوَ مَا نقل فِي الْبَزَّازِيَّة أَن من عُلَمَاء خوارزم من أَصْحَابنَا من اخْتَار عدم فَسَاد الصَّلَاة بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة فِيهَا أخذا بِمذهب الإِمَام الشَّافِعِي رحمه الله فَقيل لَهُ مذْهبه فِي غير الْفَاتِحَة فَقَالَ اخْتَرْت من
مذْهبه الْإِطْلَاق وَتركت الْقَيْد لما تقرر فِي كَلَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْمُجْتَهد يتبع الدَّلِيل لَا الْقَائِل حَتَّى صَحَّ الْقَضَاء بِصِحَّة النِّكَاح بِعِبَارَة النِّسَاء على الْغَائِب انْتهى نَقله عَنْهَا الْعَلامَة خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين ابْن نجيم فِي بعض رسائله فِي الْوَقْف فَأنْظر كَيفَ لفق أخذا بمذهبه بَان الْفَاتِحَة لَيست بِرُكْن فَلَا يضر نُقْصَان بَعْضهَا فِيمَا اخطأ فِيهِ أعنى خطأ فَاحِشا كمن قَالَ إياك نعبا وَإِيَّاك نستعين
فسبقه اللِّسَان خطا فَإِن الْفَاتِحَة نقصت كلمة نعْبد فَلم تجز صلَاته على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رحمه الله مَا لم يعد قِرَاءَة نعْبد فَإِذا أَعَادَهَا صحت صلَاته وَلم تفْسد عِنْده بِهَذَا الْخَطَأ لِأَن عِنْده الْكَلَام الْخَطَأ لَا يفْسد إِذا كَانَ قَلِيلا وَعِنْدنَا هُوَ مُفسد فَإِذا أَعَادَهَا على الصِّحَّة لَا يُفِيد لِأَن الصَّلَاة قد فَسدتْ
هَذَا وَقد قَالَ بِعَدَمِ الْفساد عندنَا بعض الْمَشَايِخ إِن أَعَادَهَا على الصِّحَّة كَمَا نَقله الزَّاهدِيّ
وَلَكِن ظَاهر مَا فِي الْبَزَّازِيَّة عَن بعض عُلَمَاء خوارزم أَنه لَا تفْسد وَلَو لم يعد على الصِّحَّة وَإِن أَخذه بِمذهب الشَّافِعِي فِي عدم الْفساد بالْخَطَأ وَهُوَ عين التلفيق
فَإِن قلت إِن ذَلِك الْبَعْض من عُلَمَاء خوارزم لَعَلَّه إِنَّمَا قَالَ بذلك اجْتِهَاد بِدَلِيل قَوْله إِن الْمُجْتَهد يتبع الدَّلِيل لَا الْقَائِل قلت يمْنَع من ذَلِك قَوْله اخذا (بِمذهب) الشافعى فَإِن الْمُتَبَادر من ذَلِك انه قَلّدهُ فِي ذَلِك وَمعنى قَوْله حِينَئِذٍ لما تقرر من كَلَام مُحَمَّد إِلَى آخِره يَعْنِي أَن الْمُجْتَهد كَمَا يتبع مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل بِاجْتِهَاد لَا بإتباع من قَالَ بِمثل مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَكَذَلِك الْمُقَلّد إِنَّمَا يلْزمه خُصُوص مَا قلد فِيهِ لَا اتِّبَاع ذَلِك الْمُجْتَهد الَّذِي قَلّدهُ
فِي جَمِيع مَا قَالَ بِهِ وخصوص مَا قلت فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عدم الْفساد بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة مُطلقًا سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي الْفَاتِحَة أَو غَيرهَا وَذَلِكَ هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ وَعَن سَائِر الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَفَسَاد الصَّلَاة بِوُقُوع الْخَطَأ فِي الْفَاتِحَة عِنْده لَيْسَ لخُصُوص كَونه فِي الْفَاتِحَة بل لفَوَات بعض الْفَاتِحَة عِنْده فِي الصَّلَاة وَلِهَذَا لَو أَتَى بِمَا أَخطَأ فِيهِ مِنْهَا على الصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِفساد صلَاته حِينَئِذٍ والخوارزمي لم يقلده فِي ركنيه الْفَاتِحَة بل قَلّدهُ فِي عدم الْفساد بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة أَعنِي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول
بِإِطْلَاقِهِ وَقَول الْقَائِل لَهُ مذْهبه فِي غير الْفَاتِحَة غير صَحِيح كَمَا تقدم بَيَانه وَكَذَلِكَ قَول الْخَوَارِزْمِيّ لَهُ وَتَركه الْقَيْد وَاقع فِي غير مَحَله لِأَنَّهُ لم يُقَيِّدهُ الشَّافِعِي بِغَيْر الْفَاتِحَة بل خرج ذَلِك من الْخَوَارِزْمِيّ للمشاكلة فِي الْجَواب لمن نسب إِلَيْهِ الْقَيْد أَي إِلَى الشَّافِعِي وَذَلِكَ إِمَّا جهل من ذَلِك الْقَائِل بِمذهب الشَّافِعِي أَو توسع فِي الْعبارَة وتسامح لِأَنَّهُ لما كَانَ الشَّافِعِي يَقُول بِالْفَسَادِ بِوُقُوع الْخَطَأ فِي الْفَاتِحَة إِذا لم يعد على الصِّحَّة فَكَأَن غير الْفَاتِحَة صَار كالقيد لإِطْلَاق الْجَوَاز وَلَيْسَ قيدا حَقِيقَة كَمَا بَينته فِي أول الْكَلَام فَافْهَم
وَالْحَاصِل أَنه لم يثبت من كل وَجه كَون الْخَوَارِزْمِيّ الَّذِي قَالَ بذلك الِاجْتِهَاد وَلَو فَرضنَا ثُبُوت ذَلِك فَمَا ضرنا ذَلِك فِيمَا