الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلَاته فَأَبُو حنيفَة لفقد مسح زياده الْمِقْدَار الْمَفْرُوض عِنْده وَالشَّافِعِيّ لوُجُود الْمس فَهِيَ غير جَائِزَة عِنْدهمَا
رد الْمُؤلف على المانعين
أَقُول وَجَوَابه مَا بَيناهُ بِأَن هَذِه مغالطة وَإِطْلَاق فِي مَحل تَقْيِيد بل الحكم ببطلانها عِنْد كل مِنْهُمَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ آخِذا فِي
ذَلِك الْأَمر الَّذِي حكم من حكم ببطلانها بِسَبَبِهِ بِمذهب الْمُبْطل كَمَا تقدم بَيَانه قَرِيبا فَافْهَم وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
اللَّهُمَّ لَو ذهب مُجْتَهد إِلَى أَن الْمَفْرُوض من الرَّأْس فِي الْمسْح مِقْدَار مَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِي وَإِلَى أَن الْمس غير نَاقض وَإِلَى أَن الدَّلْك والموالاة فِي الْوضُوء لَا يلزمان
أفلم يسوغ الْمَانِع لَهُ حِينَئِذٍ إجتهاده فَكَذَلِك عَلَيْهِ أَن يسوغ
للمقلد تقيده فِي كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات لمجتهد قَالَ بذلك كَمَا لَا يخفى فَإِن تأبى متأب عَن تلقي هَذَا الْبَيَان بِالْقبُولِ بعد صِحَّته ووضوحه فاقرعه بِمَا تقدم قَرِيبا من عدم لُحُوق الْإِبْطَال من الْمُجْتَهد بالمقلد لغيره فِيمَا أبْطلهُ بِسَبَبِهِ وَإِن صَادف حكمه عَنهُ بذلك
ثمَّ نرْجِع ونقول وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَصح بِعِبَارَة النِّسَاء عِنْد الشَّافِعِي وَيصِح عِنْده الحكم على الْغَائِب وَعِنْدنَا الحكم بِالْعَكْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذا حكم
بِصِحَّتِهِ بعد وُقُوعه بِعِبَارَة النِّسَاء على الْغَائِب فقد لفق وَمَعَ هَذَا فقد حكمُوا بِصِحَّة هَذَا الحكم الملفق من المذهبين وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة الإِمَام أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لما صلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فَأخْبر بِوُجُود فَأْرَة فِي مَاء الْحمام الَّذِي كَانَ اغْتسل مِنْهُ للْجُمُعَة فَقَالَ نَأْخُذ بقول إِخْوَاننَا من أهل الْمَدِينَة إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا
قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني والفتاوي الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهمَا من كتاب النِّكَاح مستشهدا بهَا فِي مَسْأَلَة من مسَائِل النِّكَاح سَيَأْتِي ذكرهَا للحنفي أَن يعْمل فيهاب غير مذْهبه
أَقُول فَهَذَا أَبُو يُوسُف رحمه الله إِمَام الْمَذْهَب وكبيره الْمُجْتَهد الْكَامِل قد قلد عِنْد الضَّرُورَة وَلم يكن ذَلِك مذهبا لَهُ بل مذْهبه تنجس المَاء الْقَلِيل وَإِن لم يتَغَيَّر بِوُقُوع مَا
يُنجسهُ فِيهِ وَلَا شكّ أَن الظَّاهِر أَنه فعل الطَّهَارَة وَصلى الصَّلَاة على مُقْتَضى مذْهبه وَإِنَّمَا قلد فِي خُصُوص المَاء فقد حصل التلفيق مِنْهُ وَهُوَ أوفى حجَّة لنا وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَيْضا أَنه يُقَلّد إِذا احْتَاجَ إِذْ هُوَ الظَّاهِر من فعله هُنَا وَإِن كَانَ نقل فِي جَوَاهِر الفتاوي عَن الْحَاوِي من كتبنَا إِن أَبَا يُوسُف رحمه الله بَقِي على هَذَا الْمَذْهَب سِتَّة اشهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ يحْتَمل أَنه ظهر لَهُ بِالدَّلِيلِ بعد التَّقْلِيد صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ غَيره مِمَّن قَلّدهُ فِي
الْمَسْأَلَة خُصُوصا وَلَفظ نقل الْمُحِيط والظهيرية وَلم يكن ذَلِك مذهبا لَهُ بل يدل على وُقُوعه تقليدا
وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي هَل للمجتهد أَن يُقَلّد مُجْتَهدا فِي مَسْأَلَة فِيهَا خلاف الْمَشْهُور أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَرُوِيَ عَن الإِمَام مُحَمَّد رحمه الله جَوَاز تَقْلِيد الْعَالم للأعلم والفقيه للأفقه وَفرع أبي
يُوسُف هَذَا يُوَافقهُ ثمَّ رَأَيْت فِي أصُول الإِمَام شمس الْأَئِمَّة أبي بكر ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سهل السَّرخسِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى
وَهُوَ صَاحب الْمَبْسُوط مَا نَصه على أصل أبي حينفة رَحمَه الله تَعَالَى إِذا كَانَ عِنْد مُجْتَهد أَن من يُخَالِفهُ فِي الرَّأْي أعلم بطرِيق الِاجْتِهَاد وَإنَّهُ مقدم عَلَيْهِ فِي الْعلم فَإِنَّهُ يدع رَأْيه لرأي من عرف زِيَادَة قُوَّة فِي اجْتِهَاده إِلَى أَن قَالَ وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا يدع الْمُجْتَهد فِي زَمَاننَا رَأْيه لرأي من هُوَ مقدم عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد من أهل عصره إِلَى آخر مَا ذكره فَأفَاد عَن مُحَمَّد خلاف مَا رَأَيْته عَنهُ فَلَعَلَّ أَن لَهُ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ وَنقل صَاحب الفتاوي الصيرفية عَن فَوَائِد تجنيس الْمُلْتَقط اشْترى
الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الباقلاء من مُنَادِي السكَك فَأكل وأكلوا بعد مَا حلق وعَلى ثَوْبه شعر كثير فَقيل لَهُ فِي
ذَلِك فَقَالَ حِين ابتلينا انحططنا إِلَى مَذْهَب أهل الْعرَاق وَهُوَ يفهم بِظَاهِرِهِ انه قلد فِي ذَلِك
فقد تلخص من الْمَنْقُول عَن الْأَئِمَّة أَن التلفيق جَائِز وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا صرح بِهِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيَّة أَن التلفيق عِنْدهم أَيْضا جَائِز ثمَّ بعد مُدَّة من استنباطي جَوَاز التلفيق من مَسْأَلَتي أبي يُوسُف وَبَعض عُلَمَاء خوارزم وَمَسْأَلَة صِحَة الحكم على الْغَائِب بِصِحَّة النِّكَاح بعد وُقُوعه كَمَا سبق فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي ذكروها واستئناسي بمقالة الْمُحَقق فِي التَّحْرِير وَمَا على الْإِنْسَان أَن يخْتَار الأسهل فِي الْعَمَل
ثمَّ وجدت شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا الْعَلامَة زين الدّين ابْن نجيم صرح فِي رِسَالَة ألفها فِي بيع الْوَقْف على وَجه الِاسْتِبْدَال بِأَن مَا وَقع فِي آخر التَّحْرِير من منع التلفيق فَإِنَّمَا عزاهُ إِلَى بعض الْمُتَأَخِّرين وَلَيْسَ هَذَا الْمَذْهَب انْتهى فحمدت الله تبارك وتعالى على مُوَافقَة مَا ادعيته لما نَص عَلَيْهِ مَوْلَانَا الْعَلامَة ابْن نجيم