المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في أن على ولاة الأمور الاهتمام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من آكد الفرائض عليهم] - القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌فصل [التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب ضياع الدين]

- ‌فصل [في بيان أن أغلب الأقطار تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌فصل [في بيان أن من أشراط الساعة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌فصل [أسباب التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌فصل [في بيان معنى المعروف]

- ‌فصل [في بيان منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌فصل [فضل وفضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌فصل [في بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على كل مسلم بحسب قدرته]

- ‌فصل [في بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر]

- ‌فصل

- ‌فصل [في بيان أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة من الكبائر]

- ‌فصل في تفنيد الاحتجاج بقوله تعالى: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل [في التحذير أن يخالف قول الآمر والناهي فعله]

- ‌فصل [في أن على ولاة الأمور الاهتمام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من آكد الفرائض عليهم]

الفصل: ‌فصل [في أن على ولاة الأمور الاهتمام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من آكد الفرائض عليهم]

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى

بالقول منك وينفع التعليم

‌فصل [في أن على ولاة الأمور الاهتمام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من آكد الفرائض عليهم]

وإذا علم ولاة الأمر ونوابهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين عليهم، وأنهم لا عذر لهم في تركه، فالواجب عليهم القيام بهذا الفرض العظيم والاهتمام بشأنه، فإن ذلكم أسباب النصر والتأييد والتمكين في الأرض، ولا ينبغي لهم إهماله، والاستخفاف بشأنه؛ فإن ذلك من أسباب عموم العقوبة، وسلب الملك كما تقدم إيضاح ذلك.

وتقدم أيضًا حديث أن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تنكر ضرت العامة.

ومن أعظم المنكرات الظاهرة إضاعة الصلاة، والتهاون بالجمعة والجماعة، وما أكثر ذلك في المنتسبين إلى العلم من معلمين ومتعلمين، فضلا عن غيرهم.

فيجب على ولاة الأمر ونوابهم أن يأخذوا على أيدي المتهاونين بالصلاة، ويؤدبوا من تخلف عن الجمعة والجماعة.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالة الحسبة: وعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في

ص: 115

مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، ويتعهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والحكم وكل مطاع يعين على ذلك، وذلك أن الصلاة هي أعرف المعروف من الأعمال، وهي عمود الإسلام وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وإنما فرضها الله ليلة المعراج، وخاطب بها الرسول بلا واسطة لم يبعث بها رسولا من الملائكة، وهي آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصًا بعد تعميم كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} .

وقوله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} وهي المقرونة بالصبر بالزكاة وبالنسك وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} .

وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} .

وقوله: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} .

وقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} .

وقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَاتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} إلى قوله: {فَإِذَا اطْمَانَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} .

ص: 116

وأمرها أعظم من أن يحاط به، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال، ولهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله أن أهم أمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة. رواه مالك وغيره.

ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات وبصدق الحديث، وأداء الأمانات، وينهى عن المنكرات من الكذب والخيانة، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات والبياعات والديانات ونحو ذلك.

والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب، وتدليس السلع؛ مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه كالذي مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه، ويدخل في الصناعات؛ مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك؛ أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان.

ومن هؤلاء الكيماوية الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك، فيصنعون ذهبًا أو فضة أو عنبرًا أو مسكًا أو جواهر أو زعفرانًا أو ماء ورد أو غير ذلك يضاهون به خلق الله، ولم يخلق الله شيئًا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، بل قال الله عز وجل فيما حكى عنه رسوله «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا بعوضة» .

ص: 117

ولهذا كانت المصنوعات مثل: الأطبخة والملابس والمساكن غير مخلوقة إلا بتوسط الناس.

قال تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} .

وقال تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وكانت المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدور لبني آدم أن يصنعوها، لكنهم يشبهون على سبيل الغش، وهذا حقيقة الكيمياء، فإنه المشبه.

ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة مثل عقود الربا والميسر ومثل بيع الغرر وكحبل الحبلة والملامسة والمنابذة وربى النسيئة وربى الفضل وكذلك النجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وتصرية الدابة اللبون، وسائر أنواع التدليس، وكذلك المعاملات الربوية.

ومن المنكرات تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع؛ فإنه لا يعرف السعر، فيشترى منه المشتري بدون القيمة.

ولذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا هبط إلى السوق، وثبوت الخيار له مع الغبن لا ريب فيه.

وأما ثبوته بلا غبن ففيه نزاع بين العلماء، وفيه عن أحمد روايتان:

إحداهما: يثبت، وهو قول الشافعي.

والثانية: لا يثبت؛ لعدم الغبن.

ص: 118

وثبوت الخيار بالغبن للمسترسل، وهو الذي لا يماكس هو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، فليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر، ويبيعوا المسترسل الذي لا يماكس أو من هو جاهل بالسعر بأكثر من ذلك السعر.

هذا مما ينكر على الباعة، وجاء في الحديث غبن المسترسل ربى، وهو بمنزلة تلقي السلع، فإن القادم جاهل بالسعر، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، وقال دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.

وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما قوله: «لا يبيع حاضر لباد» ؟ قال: لا يكون له سمسارًا، وهذا نهي عنه لما فيه من ضرر المشترين، فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها، والقادم لا يعرف السعر ضر ذلك المشتري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«دعوا الناس برزق الله بعضهم من بعض» .

ومثل ذلك الاحتكار لما يحتاج الناس إليه.

روى مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا خاطئ» ؛ فإن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام، فيحسبه عنهم، ويريد غلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين.

ولهذا كان تولي الأمر أن يكون الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل.

ص: 119

ولهذا قال الفقهاء من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره.

ومن هنا يتبين أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز.

ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم، فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس؛ مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم من أخذ زيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب.

فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق، فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.

وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معني للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به.

وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون؛ لا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع؛ إما ظلمًا لوظيفة تؤخذ من البائع، أو غير ظلم لما في ذلك من الفساد، فهاهنا يجب التسعير عليهم، بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل،

ص: 120

بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء؛ لأنه إذا كان قد منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا أو يشتروا بما اختاروا كان ذلك ظلمًا للخلق من وجهين: ظلمًا للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال، وظلمًا للمشترين منهم.

والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في مثل هذا واجب، بلا نزاع، وحقيقته إلزامهم أن لا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل، وهذا واجب في مواضع كثيرة من الشريعة؛ فإنه كما أن الإكراه على البيع لا يجوز إلا بحق يجوز الإكراه على البيع بحق في مواضع.

مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة.

والإكراه على أن البيع إلا بثمن المثل لا يجوز إلا بحق، ويجوز في مواضع.

مثل المضطر إلى طعام الغير.

ومثل الغراس والبناء الذي في ملك الغير، فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل، لا بأكثر، ونظائره كثيرة.

ولهذا منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجران يشتركون إلا أنهم إذا اشتركوا والناس محتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجر، فمنع البائعين الذين تواطئوا على بيع أن لا يبيعوا إلا بثمن قدروه أولى، وكذلك

ص: 121

منع المشترين إذا تواطئوا على أن يشتركوا؛ فإنهم إذا اشتركوا فيما يشتريه أحدهم حتى يهضموا سلع الناس أولى أيضًا.

فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعًا من السلع أو تبيعها قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه، فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف، ويزيد ما يبيعونه بأكثر من الثمن المعروف، وينمو ما يشترونه كان هذا أعظم عدوانًا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن البخس، ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا إلى بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى بيع ذلك وشرائه.

وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب أن لا يباع إلا بثمن المثل إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصًا.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا بيع السلع، وهي في محل البائع قبل أن يقبضها المشتري، ويحوزها إلى رحلة أو إلى مكان الاختصاص للبائع به إن لم يكن للمشتري رحل.

وما أكثر من يفعل هذا المنكر في زماننا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك، ويبعث رجالا يضربون الناس على ذلك، فيجب على ولاة الأمور ونوابهم أن يمنعوا الناس من فعل هذا المنكر، ويؤدبوا من فعل ذلك.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا التعامل بالربا، ويقع ذلك كثيرًا من الصيارفة، وهو في أهل البنوك أكثر وأكثر، فإن غالب معاملاتهم

ص: 122

مبنية على الربا، فيجب الأخذ على أيديهم، ومنعهم من المعاملات الربوية.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا شرب الدخان الخبيث وبيعه وابتياعه، وقد ثبت أنه من المسكرات مع اتصافه بصفة الخبث، وقد قال الله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} .

فيجب على ولاة الأمور المنع منه، وتأديب من يشربه أو يبيعه أو يبتاعه أو يحمله.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا أخذ المكوس والضرائب من المسلمين، وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور» .

قال الخطابي: قوله: «ليس على المسلمين عشور» يريد عشور التجارات والبياعات دون عشور الصدقات. انتهى.

ومن هذا الباب ما تأخذه البلديات من الضرائب على السيارات كل عام، وما يأخذونه على الأراضي التي يبنى فيها، وعلى الأبواب والنوافذ والميازيب التي يحدثها أهل البيوت في بيوتهم، وغير ذلك من الضرائب التي يأخذونها ظلمًا بغير حق.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تصوير ذوات الأرواح وبيع الصور وابتياعها، ونصبها في المجالس والدكاكين.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا حلق اللحى، وإعفاء الشوارب، وتقزيع شعر الرأس، وجعله تواليت، أو ترك قنزعة في مقدمه، وكل ذلك من التشبه بأعداء الله تعالى، والتشبه بهم حرام شديد التحريم.

ص: 123

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تبرج النساء وسفورهن بين الرجال الأجانب ولبسهن لملابس نساء الإفرنج، وتقصيص شعورهن، وفرقها من جانب الرأس، وجمعها معقوصة من جهة القفا كما تفعله نساء الإفرنج، وجعل الخرق في رءوس البنات مشابهة لبنات الإفرنج.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا خلوة النساء مع الرجال الأجانب، كما هو واقع في المستشفيات وغيرها.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تشبه النساء بالرجال في لبس النعال، وما أكثر من يفعل ذلك منهن، ولا سيما لما ظهرت نعال الشبشب والزنوبة.

وقد روى أبو داود في سننه بإسناد جيد عن ابن أبي مليكة قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأة تلبس النعل، فقالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تحلي الرجال بالساعات في أيديهم كأنها أساور النساء، والمتحلى بالساعة قد جمع بين التشبه بالنساء والتشبه بالإفرنج وغيرهم من أعداء الله تعالى، والتشبه بأهل النار؛ لأن الحديد حلية أهل النار.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا الغناء والضرب بالمعازف والمزامير في الإذاعات وغير الإذاعات واتخاذ آلات اللهو التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ كالسينما والتلفزيون والراديو

ص: 124

والصندوق، وغير ذلك من الآلات التي تفسد الدين والأخلاق، وتسخط الرحمن، وترضي الشيطان.

ومن هذا الباب اتخاذ السيارات التي فيها الموسيقى المطربة، وكذلك اتخاذ الساعات التي فيها الموسيقى المطربة.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تعليق الأجراس المطربة على الدواب، ومن المنكرات الظاهرة أيضًا اتخاذ الحفلات لقدوم السلطان، وهي تشتمل على عدة منكرات، منها: السرف وتبذير الأموال في غير حق. ومنها: التهاون بالصلوات، وتأخيرها عن أوقاتها. ومنها: اختلاط الرجال والنساء في ذلك من أعظم الذرائع إلى الفتنة ووقوع الفاحشة.

ومنها: الغناء والضرب بالدفوف وغيرها من آلات اللهو التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

ومنها التصفيق عند حضور بعض الأكابر وعند سماع ما يستحسنونه من الخطب والأشعار.

إلى غير ذلك من المنكرات التي تفعل في تلك الحفلات السخيفة، ومن المنكرات الظاهرة أيضًا اللعب بالكرة، وهو من رياضات الإفرنج وألعابهم.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» .

رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 125

وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى» وهو أيضًا من المرح والأشر، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} .

وروى البخاري في الأدب المفرد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأشرة شر» .

وهو أيضًا مما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء، وما كان كذلك فهو حرام.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا التصفيق في الأندية والمجتمعات عند التعجب والاستحسان وهو من أفعال الإفرنج وغيرهم من أعداء الله تعالى، وفيه أيضًا تشبه بالنساء.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا التمثيليات السخيفة التي يفعلها أهل المدارس وغيرهم.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا لبس ملابس أعداء الله تعالى؛ كالسترة والبنطلون والقبعة والكبك والكرتة وغير ذلك مما فيه مشابهة لأعداء الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم» وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى» وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ثوبين معصفرين، وقال:«إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها» .

ص: 126

فدل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز لبس ثياب الكفار كالبرنيطة والسترة والبنطلون والكبك والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى.

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «أأمك أمرتك بهذا» قلت أغسلهما. قال: «بل احرقهما» .

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب فاطرحهما عنك» قال: أين يا رسول الله؟ قال: «في النار» .

وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في لبس الثوبين المعصفرين، فكيف بلبس البرنيطة والسترة والبنطلون والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى أولى بالمنع لما فيه من مزيد المشابهة لأعداء الله تعالى والتزيي بزيهم، والله أعلم.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا الإشارة بالأكف مرفوعة إلى جانب الوجه فوق الحاجب الأيمن عند السلام كما يفعل ذلك الشرطة وغيرهم، وكذلك ضرب الشرط بأرجلهم عند السلام، ويسمون هذا الضرب المنكر والإشارة بالأكف التحية العسكرية، وهي من تحيات الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا القيام على الرؤساء وهم قعود، والقيام للداخل على وجه التعظيم والاحترام.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تدريب الجنود الأنظمة الإفرنجية، ومن المنكرات الظاهرة أيضًا اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، واختلاط الرجال والنساء عنده، وضجيجهم بالأصوات المرتفعة، وإساءتهم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 127

ومن المنكرات الظاهرة التطريب بالأذان وتمطيطه والتنطع فيه حتى يتولد من الحرف الواحد حروف كثيرة، ويفعل ذلك في الحرمين الشريفين وفي غيرهما.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا ما يفعل في الحرمين الشريفين من التكبير الجماعي قبل صلاة العيد.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا مزاحمة النساء للرجال على الحجر الأسود، والركن اليماني.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا وقوف الجماعات للدعاء تحت باب الكعبة، وتضييقهم على الطائفين.

ومن المنكرات الظاهرة أيضًا تحجر الأمكنة القريبة من الإمام، ويفعل ذلك في المسجد الحرام في كل وقت، ويفعل في غيره من المساجد في يوم الجمعة.

ومن أعظم المنكرات الاستخفاف بكتب الحديث وغيرها من كتب أهل السنة وتسميتها بالكتب الصفراء، وتسمية المتمسكين بالسنة الرجعيين، وتسمية أعداء الله التقدميين، وهذا لا يصدر إلا من منافق مبغض للقرآن والسنة وأهل السنة، ومع هذا، فقد رأيت ذلك منشورًا في بعض الصحف المشؤومة، ولم أر من أنكر ذلك، وهذا القول الوخيم لا يجوز إقراره، وينبغي أن يؤدب قائله أدبًا بليغًا يردعه وأمثاله عن إظهار زندقتهم وإلحادهم.

وهذا ما تيسر ذكره من المنكرات الظاهرة التي يجب تغييرها وتطهير البلاد الإسلامية منها

ص: 128

والله تبارك وتعالى سائل ولاة الأمور عما أضاعوه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في الصحيحين والمسند والسنن إلا ابن ماجة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته» .

وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث في التحذير من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان أن إقرار المنكرات سبب للفتن، وعموم العقوبة وتسلط الأعداء على ملوك المسلمين، فليراجع ذلك في ذكر فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين عمومًا، وولاة أمورهم خصوصًا، وأن يأخذ بنواصيهم جميعًا إلى ما يرضيه ويوفقهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأديب المخالفين وقمع المعاندين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وهذا آخر ما تيسر جمعه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

وقد كان الفراغ من تسويد هذه النبذة في يوم الأربعاء، الرابع عشر من شهر جمادي الأولى سنة 1383.

ثم كان الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم الثلاثاء ثالث رجب من السنة المذكورة، على يد جامعها الفقير إلى الله تعالى جمود بن عبد الله التويجري عفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ص: 129