الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول أسمَاء يَوم القيَامَة
سمى الله ذلك اليوم الذي يحل فيه الدمار بهذا العالم، ثم يعقبه فيه البعث والنشور للجزاء والحساب بأسماء كثيرة، وقد اعتنى جمع من أهل العلم بذكر هذه الأسماء، وقد عدها الغزالي والقرطبي فبلغت خمسين اسماً كما يقول ابن حجر العسقلاني (1) .
وقد ساق القرطبي هذه الأسماء مفسراً لها، ولكنه أخذ تفسيرها من كتاب (سراج المريدين) لابن العربي، وربما زاد عليه شيئاً ما في الشرح والتفسير (2) .
وقد عدَّها بعضهم من غير تفسير، منهم ابن نجاح في كتابه ((سبيل الخيرات)) ، وأبو حامد الغزالي في ((الإحياء)) وابن قتيبة في ((عيون الأخبار)) (3) .
وسنقتصر في هذا الحديث على ذكر أشهر هذه الأسماء، مع تعريف كل اسم تعريفاً مختصراً.
(1) فتح الباري: (11/396) .
(2)
التذكرة للقرطبي: 233.
(3)
التذكرة: 232.
أشهر أسماء ذلك اليوم:
1-
يوم القيامة: ورد هذا الاسم في سبعين آية من آيات الكتاب، كقوله تعالى:(اللهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ)[النساء: 87]، وقوله:(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا)[الإسراء: 97]، وقوله:(إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الشورى: 45] .
والقيامة في اللغة مصدر قام يقوم، ودخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب، وسميت بذلك لما يقوم فيها من الأمور العظام التي بينتها النصوص. ومن ذلك قيام الناس لرب العالمين.
2-
اليوم الآخر: كقوله تعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة: 177]، وقال:(ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[البقرة: 232]، وقال:(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[التوبة: 18] .
وأحياناً يسميه بالآخرة أو الدار الآخرة، كقوله:(وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[البقرة: 130] . وقوله: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ)[النساء: 74] . وقوله: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا
لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) [القصص: 83]، وقوله:(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 64] .
وسمى ذلك اليوم باليوم الآخر، لأنه اليوم الذي لا يوم بعده.
3-
الساعة، قال تعالى:(وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الحجر: 85]، وقال:(إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا)[طه: 15]، وقال:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)[الحج: 1] .
قال القرطبي: " والساعة كلمة يعبر بها في العربية عن جزء من الزمان غير محدود، وفي العرف على جزء من أربعة وعشرين جزءاً من يوم وليلة، اللذين هما أصل الأزمنة.. وحقيقة الإطلاق فيها أن الساعة بالألف واللام عبارة في الحقيقة عن الوقت الذي أنت فيه، وهو المسمى بالآن، وسميت به القيامة إما لقربها، فإن كل آت قريب. وإما أن تكون سميت بها تنبيهاً على ما فيها من الكائنات العظام التي تصهر الجلود. وقيل: إنما سميت بالساعة لأنها تأتي بغتة في ساعة.. "(1) .
4-
يوم البعث: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ
…
) [الحج: 5]، وقال:(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذا يومُ البَعثِ)[الروم: 56] .
(1) التذكرة للقرطبي: 216.
قال ابن منظور: " البعث: الإحياء من الله تعالى للموتى، وبعث الموتى نشرهم ليوم البعث "(1) .
5-
يوم الخروج: قال تعالى: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)[ق: 42] وقال: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)[المعارج: 43]، وقال:(ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ)[الروم: 25] .
سمي بذلك لأن العباد يخرجون فيه من قبورهم عندما ينفخ في الصور.
6-
القارعة: قال تعالى: (الْقَارِعَةُ - مَا الْقَارِعَةُ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)[القارعة: 1-3] وقال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ)[الحاقة: 8] .
قال القرطبي: " سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها. يقال: قد أصابتهم قوارع الدهر، أي: أهواله وشدائده، قالت الخنساء:
تعرفني الدهر نهشاً وحزا ××× وأوجعني الدهر قرعاً وغمزا
أرادت أن الدهر بكبريات نوائبه وصغرياتها " (2) .
7-
يوم الفصل: قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)[الصافات: 21] . وقال: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ)[المرسلات: 38] . وقال: (إِنَّ يَوْمَ
(1) لسان العرب: مادة: (ب ع ث)(1/230) .
(2)
التذكرة للقرطبي: 209.
الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) [النبأ: 17] .
سمي بذلك لأن الله يفصل فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، وفيما كانوا فيه يختصمون، قال تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[السجدة: 25] .
8-
يوم الدين: قال تعالى: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ - يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ - وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)[الانفطار: 14-19] . وقال: (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)[الصافات: 20] .
والدين في لغة العرب: الجزاء والحساب. قال الشاعر:
حصادك يوماً ما زرعت وإنما ××× يدان الفتى يوماً كما هو دائن
سمي بذلك لأنه الله يجزي العباد ويحاسبهم في ذلك اليوم.
9-
الصاخة: قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ)[عبس: 33] .
قال القرطبي: " قال عكرمة: الصاخة النفخة الأولى " والطامة النفخة الثانية. قال الطبري: أحسبه من صخ فلان فلاناً إذا أصمه. قال ابن العربي: الصاخة التي تورث الصمم، وإنها المسمعة، وهذا من بديع الفصاحة حتى لقد قال بعض أحداث الأسنان حديثي الأزمان:
أصمَّ بك الناعي وإن كنت أسمعا
وقال آخر:
أصمَّني سيرهم أيام فرقتهم ××× فهل سمعتم بسير يورث الصمما
ولعمر الله إن صيحة القيامة مسمعة، تصم عن الدنيا، وتسمع أمور الآخرة " (1) . وقال ابن كثير:" قال البغوي: الصاخّة يعني صيحة يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تصخُّ الأسماع، أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها "(2) .
10-
الطامة الكبرى: قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)[النازعات: 34] .
سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع، كما قال تعالى:(وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)[القمر: 46] .
قال القرطبي: " الطامَّة الغالبة. من قولك: طمَّ الشيء إذا علا وغلب. ولما كانت تغلب كل شيء كان لها هذا الاسم حقيقة دون كل شيء. قال الحسن: الطامة: النفخة الثانية. وقيل: حين يسار أهل النار إلى النار "(3) .
11-
يوم الحسرة: قال تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39] .
سمي بذلك لشدة تحسر العباد في ذلك اليوم وتندمهم. أما الكفار فلعدم إيمانهم (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا
(1) تذكرة القرطبي: 227.
(2)
تفسير ابن كثير: (7/217) .
(3)
تذكرة القرطبي: 227.
فِيهَا) [الأنعام: 31]، واستمع إلى تحسر الكفار عندما يحل بهم العذاب:(أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ - أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ - أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الزمر: 56-58] .
وتبلغ الحسرة ذروتها بأهل الكفر عندما يتبرأ السادة والأتباع من متبوعيهم (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة: 167] .
ويتحسر المؤمنون في ذلك اليوم بسبب عدم استزادتهم من أعمال البر والتقوى.
12-
الغاشية: قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)[الغاشية: 1] ، سميت بذلك لأنها تغشى الناس بأفزاعها وتغمهم، ومن معانيها أن الكفار تغشاهم النار، وتحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، كما قال تعالى:(يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)[العنكبوت: 55] . وقال: (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ)[الأعراف: 41] .
13-
يوم الخلود: قال تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ)[ق: 34] .
سمي ذلك اليوم بيوم الخلود لأن الناس يصيرون إلى دار الخلد، فالكفار
مخلدون في النار، والمؤمنون مخلدون في الجنان، قال تعالى:(وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 39]، وقال:(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[آل عمران: 107] .
14-
يوم الحساب: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[ص: 26] . وقال: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[غافر: 27] .
سمي بذلك اليوم بيوم الحساب، لأن الله يحاسب فيه عباده، قال القرطبي:
" معنى الحساب أن الله يعدِّد على الخلق أعمالهم من إحسان وإساءة، ويعدِّد عليهم نعمه، ثم يقابل البعض بالبعض، فما يشف منها على الآخر حكم للمشفوف بحكمه الذي عينه للخير بالخير، وللشرِّ بالشرِّ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما منكم أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ".
15-
الواقعة: قال تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ)[الواقعة: 1]، قال ابن كثير:" سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها "(1) . وأصل وقع في لغة العرب كان ووجد.
(1) تفسير ابن كثير: 6/507.
16-
يوم الوعيد: قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)[ق: 20] ، لأنه اليوم الذي أوعد به عباده. وحقيقة الوعيد هو الخبر عن العقوبة عند المخالفة.
17-
يوم الآزفة: قال تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ)[غافر: 18] ، سميت بذلك لاقترابها، كما قال تعالى:(أَزِفَتْ الْآزِفَةُ -لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ)[النجم: 57-58] . والساعة قريبة جداً. وكل آت فهو قريب وإن بَعُد مداه. والساعة بعد ظهور علاماتها أكثر قرباً.
18-
يوم الجمع: قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ)[الشورى: 7] ، سميت بذلك، لأن الله يجمع فيه الناس جميعاً، كما قال تعالى:(ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ)[هود: 103] .
19-
الحاقة: قال تعالى: (الْحَاقَّةُ - مَا الْحَاقَّةُ)[الحاقة: 1-2] ، سميت بذلك - كما يقول ابن كثير - لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد (1) .
قال البخاري في صحيحه: " هي الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور. الحقة والحاقة واحد ". وقال ابن حجر في شرحه لكلام البخاري: " هذا أخذه من كلام الفراء. قال في معاني القرآن. الحاقة: القيامة. سميت بذلك لأن فيها الثواب وحواقّ الأمور. ثم قال: الحقة والحاقة
(1) تفسير ابن كثير: (7/99) .
كلاهما بمعنى واحد. قال الطبري: سميت الحاقة لأن تحقّ فيها. وهي كقولهم: ليلٌ قائم. وقال غيره: سميت الحاقة لأنها أحقت لقوم الجنة ولقوم النار. وقيل: لأنها تحاقق الكفار الذين خالفوا الأنبياء. يقال: حاققته فحققته، أي: خاصمته فخصمته. وقيل: لأنها حق لا شك فيه " (1) .
20-
يوم التلاق: قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)[غافر: 15] .
قال ابن كثير: " قال ابن عباس: يلتقي فيه آدم وآخر ولده. وقال ابن زيد: يلتقي فيه العباد. وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة: يلتقي فيه أهل الأرض والسماء، والخالق والخلق، وقال ميمون بن مهران: يلتقي فيه الظالم والمظلوم. وقد يقال: إن يوم التلاق يشمل هذا كله، ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون "(2) .
21-
يوم التناد: قال تعالى حاكياً نصيحة مؤمن آل فرعون قومه: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ)[غافر: 32] ، سمي بذلك لكثرة ما يحصل من نداء في ذلك اليوم، فكل إنسان يدعى باسمه للحساب والجزاء، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، وأصحاب النار ينادون أصحاب الجنة، وأهل الأعراف ينادون هؤلاء وهؤلاء.
22-
يوم التغابن: قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)[التغابن: 9] .
(1) فتح الباري: (11/395) .
(2)
تفسير ابن كثير: (6/130) .
سمي بذلك لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار، إذ يدخل هؤلاء الجنة، فيأخذون ما أعد الله لهم، ويرثون نصيب الكفار من الجنة.
هذه هي أشهر أسماء يوم القيامة، وقد أورد بعض العلماء أسماءً أخرى غير ما ذكرناه، وهذه الأسماء أخذوها بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصاً، فقد سموه بيوم الصدر أخذاً من قوله تعالى:(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا)[الزلزلة: 6]، ويوم الجدال أخذاً من قوله تعالى:(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا)[النحل: 111] .
وسموه بأسماء الأوصاف التي وصف الله بها ذلك اليوم، فقالوا من أسمائه: يوم عسير، ويوم عظيم، ويوم مشهود، ويوم عبوس قمطرير، ويوم عقيم.
ومن الأسماء التي ذكروها غير ما تقدم: يوم المآب، يوم العرض، يوم الخافضة الرافعة، يوم القصاص، يوم الجزاء، يوم النفخة، يوم الزلزلة، يوم الراجفة، يوم الناقور، يوم التفرق، يوم الصدع، يوم البعثرة، يوم الندامة، يوم الفرار.
ومنها أيضاً: يوم تبلى السرائر، يوم لا تملك نفساً لنفس شيئاً، يوم يُدَعُّون إلى نار جهنم دَعّا، يوم تشخص فيه الأبصار، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، يوم لا ينطقون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا يكتمون الله حديثاً، يوم لا مرد له من الله، يوم لا بيع فيه ولا خلال، يوم لا ريب فيه.
وقد يضيف إليها بعض أهل العلم أسماء أخرى، وقد يسمى الاسم بما يقاربه ويماثله، قال القرطبي: " ولا يمتنع أن تسمى بأسماء غير ما ذكر بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام والتضايق واختلاف الأقدام، والخزي،
والهوان، والذل، والافتقار، والصَّغار، والانكسار، ويوم الميقات، والمرصاد، إلى غير ذلك من الأسماء " (1) .
السر في كثرة أسمائه:
يقول القرطبي: " وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته، وكثرت أسماؤه، وهذا مهيع كلام العرب، ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه، وتأكد نفعه لديهم وموقعه، جمعوا له خمسمائة اسم، وله نظائر.
فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها، سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة " (2) .
(1) التذكرة: 233.
(2)
التذكرة: 214.