المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث البعث والنشور - القيامة الكبرى

[عمر سليمان الأشقر]

الفصل: ‌الفصل الثالث البعث والنشور

‌الفصل الثالث البَعث والنشور

المَبحَث الأول

التعريفُ بالبَعث وَالنشور

المراد بالبعث المعاد الجسماني، وإحياء العباد في يومي المعاد، والنشور مرادف للبعث في المعنى، يقال: نشر الميت نشوراً إذا عاش بعد الموت، وأنشره الله أحياه. فإذا شاء الحق تبارك وتعالى إعادة العباد وإحياءهم أمر إسرافيل فنفخ في الصور فتعود الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [الزمر: 68]

وقد حدثنا الحق تبارك وتعالى عن مشهد البعث العجيب الغريب فقال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ - قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ - إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[يس: 51-53] .

وقد جاءت الأحاديث مخبرة بأنه يسبق النفخة الثانية في الصور نزول ماء من

ص: 51

السماء، فتنبت منه أجساد العباد، ففي صحيح مسلم عن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً ".

قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، قال: فيصعق، ويصعق الناس. ثم يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطراً كأنه الطَّل أو الظِّلُّ، (نعمان أحد رواة الحديث هو الشاك) فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " (1) .

وإنبات الأجساد من التراب بعد إنزال الله ذلك الماء الذي ينبتها يماثل إنبات النبات من الأرض إذا نزل عليها الماء من السماء في الدنيا، ولذا فإن الله قد أكثر في كتابه من ضرب المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات غبَّ نزول الغيب، قال تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف: 57] . وقال في موضع آخر: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)[فاطر: 9] .

ولاحظ في كلا الموضعين قوله: (كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى) ، (كَذَلِكَ النُّشُورُ) ، فإنهما يدلان على المماثلة والمشابهة بين إعادة الأجسام بإنباتها من التراب بعد إنزال الماء قبيل النفخ في الصور، وبين إنبات النبات بعد نزول الماء من السماء. ونحن نعلم أن النبات يتكون من بذور صغيرة، تكون في الأرض ساكنة

(1) صحيح مسلم: (4/2259)، ورقمه:2940.

ص: 52

هامدة، فإذا نزل عليها الماء تحركت الحياة فيها، وضربت بجذورها في الأرض، وبسقت بسوقها إلى السماء، فإذا هي نبتة مكتملة خضراء.

والإنسان يتكون في اليوم الآخر من عظم صغير، عندما يصيبه الماء ينمو نمو البقل، هذا العظم هو عجب الذنب، وهو عظم الصلب المستدير الذي في أصل العجز، وأصل الذنب. ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين النفختين أربعون، ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، وليس في الإنسان شيء إلا بَلي، إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة ".

ولمسلم طرف في عجب الذنب، قال:" إن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً، فيه يركب يوم القيامة، قالوا: أي عَظْم هو يا رسول الله؟ قال: عجب الذنب ".

وفي رواية له وللموطأ وأبي داود والنسائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب، منه خلق، وفيه يركب "(1) .

وقد دلت النصوص الصحيحة أن أجساد الأنبياء لا يصيبها البلى والفناء الذي يصيب أجساد العباد، ففي الحديث الذي يرويه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وغيره:" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "(2) .

(1) جامع الأصول: (10/421)، ورقمه:7941.

(2)

انظر فتح الباري: (6/488) .

ص: 53

البَعث خَلق جَديد

يعيد الله العباد أنفسهم، ولكنهم يخلقون خلقاً مختلفاً شيئاً ما عما كانوا عليه في الحياة الدنيا، فمن ذلك أنهم لا يموتون مهما أصابهم البلاء (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) [إبراهيم: 17] ، وفي الحديث الذي يرويه الحاكم بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: " يا بني أَوْدٍ، إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تعلمون المعاد إلى الله، ثم إلى الجنة أو النار، وإقامة لا ظعن فيه، وخلود لا موت، في أجساد لا تموت " ورواه الطبراني في ((الكبير)) و ((الأوسط)) بنحوه (1) .

ومن ذلك إبصار العباد ما لم يكونوا يبصرون، فإنهم يبصرون في ذلك اليوم الملائكة والجن، وما الله به عليم، ومن ذلك أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يتبولون.

وهذا لا يعني أن الذين يبعثون في يوم الدين خلق آخر غير الخلق الذين كانوا في الدنيا، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " النشأتان نوعان تحت جنس: يتفقان ويتماثلان ويتشابهان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه آخر، ولهذا جعل المعاد هو المبدأ، وجعله مثله أيضاً.

فباعتبار اتفاق المبدأ والمعاد فهو هو، وباعتبار ما بين النشأتين من الفرق فهو مثله، وهكذا كل ما أعيد، فلفظ الإعادة يقتضي المبدأ والمعاد.. " (2) .

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/231)، ورقم الحديث:1668.

(2)

مجموع فتاوي شيخ الإسلام: (17/253) وقد أطال الشيخ رحمه الله تعالى في بيان المعنى الذي نقلناه عنه. فارجع إليه إن شئت المزيد من الإيضاح والبيان.

ص: 54

أول من تنشق عنه الأرض

أول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع.. وأول مشفع "(1) .

وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " استب رجل من المسلمين، ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمد على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم عند ذلك يده، فلطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم، فقال: لا تُخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق، أو كان ممن استثنى الله عز وجل ".

وفي رواية لهما: "

فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يبعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري: أحوسب بصعقة الطور، أم بعث قبلي؟ " (2) .

(1) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم:(4/1782) ورقمه: 2278.

(2)

جامع الأصول: (8/513)، ورقمه:(6308) .

ص: 55

حشر الخلائق جَميعاً إلى الموقف العظيم

سمى الله يوم الدين بيوم الجمع، لأن الله يجمع العباد فيه جميعاً:(ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ)[هود: 103]، ويستوي في هذا الجمع الأولون والآخرون (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ - لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة: 49-50] .

وقدرة الله تحيط بالعباد، فالله لا يعجزه شيء، وحيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم، إن هلكوا في أجواز الفضاء، أو غاروا في أعماق الأرض، وإن أكلتهم الطيور الجارحة أو الحيوانات المفترسة، أو أسماك البحار، أو غيبوا في قبورهم في الأرض، كل ذلك عند الله سواء:(أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 148] .

وكما أن قدرة الله محيطة بعباده تأتي بهم حيثما كانوا، فكذلك علمه محيط بهم، فلا ينسى منهم أحد، ولا يضلُّ منهم أحد، ولا يشذُّ منهم أحد، لقد أحصاهم خالقهم تبارك وتعالى، وعَدَّهم عداً (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا - لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا - وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 93-95] ، (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف: 47] .

ص: 56

وهذه النصوص بعمومها تدل على حشر الخلق جميعاً الإنس والجن والملائكة، ولا حرج على من فقه منها أن الحشر يتناول البهائم أيضاً.

وقد اختلف أهل العلم في حشر البهائم، فذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن ذلك كائن.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وأما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه، كما دل عليه الكتاب والسنة.

قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)[الأنعام: 38] وقال تعالى: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)[التكوير: 5]، وقال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ)[الشورى: 29] ، وحرف (إذا) إنما يكون لما يأتي لا محالة (1) .

وحكى القرطبي خلاف أهل العلم في حشر البهائم ورجح أن ذلك كائن للأخبار الصحيحة في ذلك، قال القرطبي: " واختلف الناس في حشر البهائم، وفي قصاص بعضها من بعض، فروي عن ابن عباس أن حشر البهائم موتها، وقاله الضحاك. وروي عن ابن عباس في رواية أخرى أن البهائم تحشر وتبعث، وقاله أبو ذر وأبو هريرة وعمرو بن العاص، والحسن البصري وغيرهم، وهو

(1) مجموع فتاوي شيخ الإسلام: (4/248) .

ص: 57

الصحيح، لقوله تعالى:(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)، (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38] .

قال أبو هريرة: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة: البهائم، والطير، والدواب، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً، فذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ: 40] ونحوه " (1) .

(1) تذكرة القرطبي: 273.

ص: 58

صِفَةُ حشر العبَاد

يحشر العباد حفاة عراة غرلاً، أي: غير مختونين، ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً " ثم قرأ (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(1)[الأنبياء: 104] .

وعندما سمعت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً " قالت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال:" يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض " متفق عليه (2) .

وقد جاء في بعض النصوص أن كل إنسان يبعث في ثيابه التي مات فيها، فقد روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ ناصر الدين فيه: وهو كما قالا (3) .

وقد وفق البيهقي بين هذا الحديث وسابقه بثلاثة أوجه:

(1) مشكاة المصابيح: (3/75)، ورقم الحديث:5535.

(2)

مشكاة المصابيح: (3/57)، ورقم الحديث:5536.

(3)

سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/234)، ورقم الحديث:1671.

ص: 59

الأول: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافَوْا الموقف يكونون عراة، ثم يلبسون من ثياب الجنة.

الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون، ثم من بعدهم على مراتبهم فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة.

الثالث: أن المراد بالثياب ها هنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر، قال الله تعالى:(وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26]، وقال:(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر: 4] .

واستشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بحديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث كل عبد على ما مات عليه "(1) .

وحديث جابر هذا رواه مسلم في صحيحه (2) ، ولا يفقه من أن العبد يبعث في ثيابه التي كُفِّنَ فيها أو مات فيها، وإنما يبعث على الحال التي مات عليها من الإيمان والكفر، واليقين والشك، كما يبعث على العمل الذي كان يعمله عند موته، يدلًُّ على هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بقوم عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم "(3) .

(1) النهاية لابن كثير: (1/288) .

(2)

رواه مسلم: (4/2206)، ورقم الحديث:2878.

(3)

صحيح مسلم (2/2206) ورقم الحديث: 2879.

ص: 60

فالذي يموت وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبياً، ففي صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد عن عبد الله بن عباس قال: إن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته (1) ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تُمِسُّوه بطيب، ولا تخمروا رأسه (2) ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "(3) .

والشهيد يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب، اللون لون الدم والريح ريح المسك.

ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله، لعله يموت على التوحيد، ثم يبعث يوم القيامة ناطقاً بهذه الكلمة الطيبة.

(1) أي أسقطته فكسرت عنقه.

(2)

أي لا تغطوا رأسه.

(3)

مشكاة المصابيح: (1/520)، ورقم الحديث:1637.

ص: 61

كِسَوة العبَاد في يَوم المعَاد

ذكرنا فيما سبق أن الله يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، كما صحت بذلك الأحاديث، ثم يكسى العباد، فالصالحون يكسون الثياب الكريمة، والطالحون يسربلون بسرابيل القطران، ودروع الجرب، ونحوها من الملابس المنكرة الفظيعة.

وأول من يكسى من عباد الله نبي الله إبراهيم خليل الرحمن، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل "(1) .

قال ابن حجر: " وأخرج البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد: " وأول من يكسى من الجنة إبراهيم، يكسى حلة من الجنة، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش، ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر " (2) .

وذكر العلماء أن تقديم إبراهيم على غيره بالكسوة في يوم القيامة، لأنه لم يكن في الأولين والآخرين أخوف لله منه، فتعجل له الكسوة أماناً له ليطمئن قلبه،

(1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الحشر، فتح الباري:(11/377) ، ورواه أيضاً في كتاب الأنبياء، انظر فتح الباري:(6/387) .

(2)

فتح الباري: (11/384) .

ص: 62

ويحتمل لأنه - كما جاء في الحديث - أول من لبس السراويل إذا صلى مبالغة في التستر وحفظاً لفرجه من أن يماسَّ مصلاه، ففعل ما أمر به، فجزي بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة، ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه، ونزعوا ثيابه على أعين الناس، كمن يفعل بمن يراد قتله، فجزي بكسوته في يوم القيامة أول الناس على رؤوس الأشهاد، وهذا أحسنها " (1) .

(1) تذكرة القرطبي: 209.

ص: 63