الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 /
أنواعها:
للمساواة في الإسلام أنواع كثيرة، يمكن حصرها وتطبيقاتها في الآتي:
أ- المساواة في القيمة الإنسانية:
جاء الإسلام ووجد الناس يتفاضلون في الخلق والنشأة، ويتميزون في الأحساب والأنساب، ويتقاتلون للحمية والعصبية، ناسين أنهم من أصل واحد ومصدر واحد. فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب وأنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى، التي أطلقوا عليها اسم البربر. وأما الرومان فقد نصوا في كتبهم أن غير الرومان مجردون من جميع ما يتمتع به الرومان من حقوق، وأنه لم يخلق غيرهم إلا ليكون رقيقا للرومان. وأما اليهود فقد اعتقدوا أنهم شعب الله المختار، وأن الكنعانيين -بقية الشعوب الأخرى -شعب وضيع بحسب النشأة الأولى، وأن الله خلقه لخدمتهم. وأما العرب فقد رأوا أنفسهم أنهم أكمل شعب على الإطلاق وأن بقية الشعوب -التي سموها الأعاجم -شعوب وضيعة ناقصة الإنسانية. تلك هي الظاهرة الاجتماعية التي كان الناس يعانون منها، ويقاسمون آلامها، حيث فرقت البشر فرقتين، فرقة الأشراف وفرقة العبيد.
المساواة في الإسلام: أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير المساواة بين الناس في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه، فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط، في أصل نشأتهم وتكوينهم، وأنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، ولا بين العربي والأعجمي، ولا بين الأبيض والأسود، ولا بين السيد والعبد، ولا بين الغني والفقير، لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم، وآدم من تراب. وعن هذا النوع من المساواة، نوه القرآن الكريم فقال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة وأخرى، بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو الإنسانية فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى، كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى، بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء والتحكم
في الآخرين فقد قال تعالى {يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} وقال صلى الله عليه وسلم: «الناس سواسية كأسنان المشط» ، «وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا ذر الغفاري -وهو عربي-يعتدي على بلال بن رباح -وهو حبشي- ويقول له: يا ابن السوداء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وانتهر أبا ذر وقال: طف الصاع طف الصاع ثم اتجه إلى أبي ذر وقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح) فوضع أبو ذر خده على الأرض، وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه، ويكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية الأولى.» .
هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس؟
التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة والتكوين، بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره، أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني، أو انحدارها من سلالة معينة، بل إن آدم عليه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض - يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية. فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق والتكوين، وإنما يقع فيما يملكه ويندرج تحت قدرته وطاقته، كفعل الخيرات وترك المنكرات، فالإيمان بالله تعالى والصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوه من الأعمال الصالحة، كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها، وأداءها على أحسن وجه ولذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم وأدائه لها. قال الله تعالى:{يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ولهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى، قال تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}
بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء والرسل، فكان بعضهم أولى من بعض، وأعلى درجة من بعض، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم وانتمائهم الإنساني، ولكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها، فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة.
كيف تكون هناك مساواة وقد خلق الناس مختلفين أمة وشعبا، ولغة ولونا؟
نعم هذا الاختلاف موجود كونا، وليس بمرعي شرعا، فهو اختلاف تصنيف وتنويع للدلالة على قدرة الخالق جل وعلا، الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء، وليس اختلاف تفرق وعداء ولهذا وردت الحكمة من هذا الاختلاف، في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني وجد ليتم بين الناس التعاون والتآلف، والتآزر لمصلحة إنسانيتهم، فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه وخالقه، ومنفعة نفسه وبني جنسه فتنمو الإنسانية وتسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب وقدرات إنمائية وحضارية وثقافية.
ب-المساواة أمام الشريعة:
إن الله تعالى استقل بالخلق والتشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه وشرعه، وقطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل والتميز عن غيرها، وتذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه، ومن أنظمة الحياة ما تشتهيه، سواء أضرها أم لا، ولذلك اختص الله وحده بالتشريع، كما اختص كذلك بالخلق والتكوين قال الله تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وإنما اختص الله بالتشريع، لأن التشريع يراد به إصابة الحق والعدل، وعدم التحيز للهوى والشهوات، والإنسان مهما وضع من نظم وقوانين، فلا يمكنه إصابة الحق والعدل فيها على الدوام، بل إن أصابه مرة، أخطأه مرات، لأنه تتحكم فيه الأهواء والنزعات، وينتابه النقص والقصور، ولهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان، أو تدخلت فيها أما كيف يتساوى الناس أمام
الشريعة، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس، حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، فالأوامر كلها كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوه، يطالب الجميع بأدائها والقيام بها، فيطالب الراعي بالصلاة ونحوها، كما يطالب بها المرعى، وكذلك النواهي كالسرقة والزنا والقذف، يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد، وهذا معنى المساواة أمام الشريعة.
ج- المساواة أمام القضاء
يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي، فإذا كان الناس أمام التشريع سواء، فهم عند تنفيذه كذلك سواء، لا تفريق في ذلك بين القاضي والمقضي له، والحاكم والمحكوم، وكل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك، وقد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، فقد روت عائشة رضي الله عنها «أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام فخطب فقال: (أيها الناس! إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»
د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة
أهل الذمة: هم المعاهدون من أهل الكتاب، ومن في حكمهم، الذين يقيمون بدولة الإسلام، وقد سموا بذلك، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين، فعقد الذمة، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام، كما يمنحهم الأمان على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، أي حمايتهم من العدوان الخارجي، أو التعدي الداخلي، وعليهم في مقابل ذلك التزامات معينة. ولقد سوى الإسلام بين المسلمين وغيرهم، في الحقوق العامة، وقرر أن الذميين لهم في بلد المسلمين ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من الالتزامات، سوى ما كان يتعلق منها بشئون الدين والعقيدة، فلا توقع عليهم مثلا: الحدود الشرعية فيما لا يحرمونه، ولا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم وهناك نصوص ووقائع كثيرة، تدل على شرعية المساواة بين المسلمين وغيرهم. منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» ولقد خاصم يهودي عليا رضي الله عنه فحضر الخصمان فنادى عمر عليا بقوله: قف يا أبا الحسن - ليقف بجانب اليهودي -فبدا الغضب على وجه علي رضي الله عنه -فقال عمر رضي الله
عنه: أكرهت أن نسوي بينك وبين خصمك في مجلس القضاء؟ فقال: لا، ولكني كرهت منك أن عظمتني في الخطاب وناديتني بكنيتي.