المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مقومات الأخوة الإسلامية: - القيم الإسلامية

[-]

الفصل: ‌ مقومات الأخوة الإسلامية:

2 /‌

‌ مقومات الأخوة الإسلامية:

إذا كان العمران بلا عمود ينهد، فكذلك الأخوة الإسلامية تصاب بالخروق إذا فقدت الأساس الذي تقوم عليه، والذي يمدها بالثبات والاستقرار، ولو ذهبنا نعدد مقومات هذه الأخوة، لا نحصيها كثرة، ولكن سنوجزها في الآتي:

أ-المحبة والولاء: لا يمكن أن تتحقق أخوة الإسلام إلا إذا أحب المسلم أخاه المسلم محبة صادقة تصدر من القلب والضمير، فتترجمها الجوارح والأعضاء، يسلم عليه إذا لقيه، ويساعده إذا احتاج إليه، ويكرمه إذا نزل عنده ويجلب إليه الخير كله، ويدفع عنه الشر كله، حتى انه من كثرة حبه له ينزله منزله نفسه، أو أقرب الناس إليه.

الأمثلة على ذلك:

ص: 71

مثال من القرآن الكريم، قوله تعالى: واصفا حال الأنصار مع من هاجر إليهم من مؤمني مكة {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: (لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد لي: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها) أي حب أعظم من هذا، أن يطلق لك أخوك زوجته، وكريمته حتى تتزوجها وأي إخاء أمتن من أن يشاطرك أخوك ماله وجهده.

ص: 72

ب -الصبر واحتمال الأذى: المؤمن يصبر محتسبا لما يجده من إخوانه من جفاء وغلظة، ويتحمل كل ما يلقاه منهم من إساءة وأذى قولي أو فعلي، حفاظا على الأخوة، وحرصا على بقائها واستمرارها، فلو ذهب ينتقم من كل من أساء إليه، ويدفع سيئته بمثلها، ربما لا ينتهي الدور، خصوصا إذا كان المنتقم، أضعف من المنتقم منه، ولا أحد يعينه على قضاء وطره منه، فيصبح الناس في دوامة العنف والبطش، وهذا أشد خطورة من مصلحة الانتقام. قال تعالى عن هذا:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}

ص: 73

ج- حفظ السر وترك الفضيحة، والمؤمن ستار لعيوب أخيه، مهما بلغت من الخطورة غايتها، ما لم يكن مجاهرا بها، مفتخرا بالتلبس بها، حتى يصون كرامة أخيه، ويمنعها من التردي والانحطاط لو افتضح أمام الناس، ولذلك قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة»

ما السر في منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها؟ لقد منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها، واعتبر الإعلان نفسه جريمة أخرى، منفصلة عن جريمة مرتكب المعايب والذنوب لأمرين:

ص: 74

أ-إتاحة الفرصة للمذنب أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله، فلو افتضح أمره، وانكشف ذنبه، فقد ضاع الحياء من وجهه، وربما أغراه الافتضاح والتشهير على السير قدما في المعايب والرذائل. أما لو ظل عيبه مستورا، فإن الاحتفاظ بسمعته، وسيرته يبقى قائما لديه، ولذلك نصح الإسلام بعدم كشف العيب، فقد روى معاوية رضي الله عنه -قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» وروى عقبة ابن عامر رضي الله عنه -مرفوعا «من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة»

ب-منع انتشار الفساد في الأرض، فإعلان العيوب والعورات دون أن يصحبه العقاب، يفسد الجو الاجتماعي، ويغري الناس بارتكابها، وكان ذلك الإعلان بمثابة تنبيه وتعليم للأشرار وكثيرا ما يصرح الفساق بأن ما ارتكبوه من الذنوب، لم يكن إلا نتيجة لما تعلموه من خلال خبر كتبته صحيفة، أو بثته إذاعة، أو عرضه تلفاز، أو تناقلته ألسنة الناس.

حالات يجب ستر العورة فيها، أوجب الإسلام ستر العورة والعيب في الحالات التالية:

أ- الزنا الذي لم يبلغ نصاب الشهود فيه أربعة أشخاص.

ص: 75

ب-أن يكون الذنب -من حيث أثره -يخص المذنب ولا يتعداه إلى غيره.

ج-أن يكون الإعلان له يؤدي إلى فساد أكبر، وضرر أوسع.

د-أن يكون الإعلان سببا لإسقاط ثقة الإنسان، الذي ينتفع الناس بثقته.

هـ-أن يكون المذنب مستفتيا، يبحث عن حكم الشرع في ذنبه، وطريق التوبة منه.

حالات يجب كشف العورة فيها: ويجب كشف العورة فيما عدا الحالات السابقة وخاصة إذا كان المذنب مجاهرا بذنبه، عارفا لحكم الله، ويعاقب عليه حتى لا يتشجع الناس على اقترافه.

تميز رابطة الأخوة الإسلامية على غيرها من الروابط: إن رابطة الأخوة الإسلامية عميقة الأثر في كيان الجماعة، لا تعدلها رابطة أخرى من الجنس أو اللغة أو الوطن، أو الجوار أو المصلحة المادية المشتركة، بل إن هذه الروابط مجتمعة، مهما يكن أثرها الظاهري من كف الأذى، وبذل المعروف، تظل روابط سطحية، لا تزال تتخللها الفجوات والثغرات، حتى تشدها رابطة الأخوة الروحية، والقيم العليا، فهنا تعود الكثرة وحدة.

ص: 76