الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: علم اللغة
أولا: فروع علم اللغة
يمكن -كما رأينا- أن تدرس كل من اللغة عموما، واللغات المعينة من وجهات نظر مختلفة، ومن ثم يمكن أن ينقسم مجال علم اللغة ككل إلى مجالات فرعية تبعا لوجهة النظر المتنبناة، وتبعا للتوكيد الخاص الذي يولي لمجموعة من الظواهر أو الافتراضات أكثر من غيرها1.
والمميز الأول يرسم بين علم اللغة العام، وعلم اللغة الوصفي، وهو في حد ذاته واضح المعالم إلى حد كاف، ويناظر ما يميز بين دراسة اللغة بشكل عام ووصف لغات معينة، والسؤال:"ما اللغة" الوارد في الفصل السابق والذي ذهبنا إلى أنه السؤال الرئيسي المحدد للفرع بأكمله يعد بشكل مناسب إلى حد بعيد السؤال الرئيسي لعلم اللغة العام، ولا يرتبط علم اللغة العام، وعلم
1 فعلم اللغة العام يعنى بتأسيس مبادئ عامة لدراسة كل اللغات وبتحديه خصائص اللغة الإنسانية أما علم اللغة الوصفي فيعنى بتأسيس الحقائق الخاصة بنظام لغوي معين، وعلم اللغة التقابلي يعنى بالتركيز على الاختلافات الموجودة بين اللغات وبصفة خاصة في سياق تعليم اللغة، ويعنى علم اللغة المقارن بتحديد الخصائص المشتركة بين مختلف اللغات أو بين الأسر اللغوية ويشير مصطلح علم اللغة البنيوي إلى التحليل اللغوي الذي يسعى إلى تأسيس نظما واضحة للعلاقات بين الوحدات اللغوية في البنية السطحية ويعنى علم اللغة التصنيفي بتصنيف الأبنية والوحدات.
اللغة الوصفي أحدهما بالآخر على الإطلاق، وكلاهما يعتمد بشكل صريح أو ضمني على الآخر، فعلم اللغة العام يقدم التصورات والتصنيفات التي تحلل اللغات المعينة على أساسها، وعلم اللغة الوصفي يقدم بدوره المعلومات التي تؤكد الفرضيات والنظريات المطروحة أمام علم اللغة العام أو تفندها، فعلى سبيل المثال يمكن أن يصوغ اللغوي العام الفرضية التي تذهب إلى أن كل اللغات فيها أسماء وأفعال، واللغوي الوصفي يمكن أن يفند هذه الفرضية بدليل تجريبي على وجود لغة واحدة على الأقل لا يمكن عند وصفها تأسيس فارق مميز بين الأفعال والأسماء لكنه كي يفند هذه الفرضية أو يؤكدها يجب عليه أن يتعامل مع بعض التصورات الخاصة بالاسم والفعل التي يمده بها اللغوي العام.
وتوجد بطبيعة الحال كل أنواع الأسباب وراء الرغبة في وصف لغة معينة، وكثير من أولئك الذين يعملون في علم اللغة الوصفي لا يعملون فيه بسبب اهتمامهم بتقديم معلومات لعلم اللغة العام أو باختبار النظريات والفرضيات المتضاربة ولكن بسبب رغبتهم في إخراج مرجع نحوي أو معجم لأغراض عملية غير أن هذا لا يؤثر في الاعتماد المتبادل للفرعين المتكاملين: علم اللغة العام، وعلم اللغة الوصفي.
ولقد عني اللغويون كثيرا خلال القرن التاسع عشر ببحث تفاصيل التطور اللغوي للغات معينة، وبصياغة فرضيات عامة عن التغير اللغوي، والفرع العلمي الذي يتناول هذه القضايا يعرف الآن -وبشكل مألوف إلى حد بعيد- بعلم اللغة التاريخي1، ومن الواضح أنه في علم اللغة التاريخي كما في
1 علم اللغة التاريخي "historical Linguistics" فرع من فروع علم اللغة يدرس تطور اللغة واللغات عبر الزمن ويعرف كذلك بـ"diachronec Linguistics" وتتطابق مادة دراسته مع مادة دراسة الفيلولوجيا المقارنة أي: التسجيلات والنقوش الممتدة من أقدم ما وصل إلينا من اللغة غير أن المناهج والأهداف تختلف فيهما فعلم اللغة التاريخي يستخدم مناهج المدارس المختلفة في علم اللغة الوصفي "وتشمل علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي فيما يتعلق بصفة خاصة بأسباب التغير اللغوي" ومن ثم يواجه المرء بمجالات فرعية مثل النحو التاريخي، والفونولوجيا التاريخية والمورفولوجيا التاريخية ويهدف إلى ربط نتائج البحث بالنظرية اللغوية العامة.
علم اللغة التزامني يمكن للمرء أن يصب اهتمامه على اللغة عموما أو على اللغات المعينة، ومن المناسب أن نذكر هنا مصطلحين فنيين إضافيين: تاريخي "diachronic" وتزامني "aynchronic"، وقد استخدمهما لأول مرة فريدناند دي سوسير "صاحب المميز الذي أشرنا إليه في الفصل السابق بين الكلام واللغة"، والوصف التاريخي للغة من اللغات يتتبع التطور التاريخي لهذه اللغة ويسجل التغيرات التي تحدث فيها بين نقطتين زمنيتين متتاليتين أي: إن المصطلح "diachronic" يكافئ المصطلح "historical"، والمصطلح "sychronic" يكافئ المصطلح "non - historical" والوصف التزامني للغة ما يقدم بيانا عن اللغة كما تكون في نقطة زمنية معينة.
والثنائية الثالثة هي التي تربط بين علم اللغة النظري وعلم اللغة التطبيقي1، وباختصار يدرس علم اللغة النظري اللغة واللغات بقصد بناء نظرية لبنيتها ووظائفها بغض النظر عن أية تطبيقات عملية قد تكون للبحث في اللغة واللغات، بينما لعلم اللغة التطبيقي -حسب ما يعني به- تطبيق تصورات علم
1 علم اللغة التطبيقي "applied Linguistics" فرع من علم اللغة يعنى أساسا بتطبيق النظريات والمناهج والاستنتاجات اللغوية في تفسير المشكلات اللغوية التي تنشأ في قطاعات أخرى من الأنشطة وأكثر فروعه تطورا هو تعليم اللغات الأجنبية وتدريسها ولا يعد تعلم اللغات الأجنبية وتدريسها المجال الوحيد الذي يشتمل عليه علم اللغة التطبيقي فهناك تعليم اللغة الأم وتنمية مفرداتها في الأساليب والترجمة وتخطيط السياسة اللغوية القومية.
اللغة ونتائجه على مهام عملية متنوعة تشمل تعليم اللغة، والمميز بين النظري والتطبيقي مستقل من حيث المبدأ عن المميزين الآخرين اللذين ذكرناهما حتى الآن، ويوجد -عند التطبيق- اختلاف ضئيل بين مصطلحي "علم اللغة النظري""وعلم اللغة العام" يسلم به معظم أولئك الذين يستخدمون مصطلح "علم اللغة النظري" فهدف علم اللغة النظري صياغة نظرية مرضية لبنية اللغة عموما، وبقدر ما يلقى علم اللغة التطبيقي من اهتمام يكون من الواضح أنه يعتمد على كلا الفرعين الدراسيين اللغويين العام والوصفي.
والثنائية الرابعة والأخيرة تتعلق بوجهة نظر أضيق، ووجهة نظر أشمل في مجال الدراسة اللغوية، وليس هناك مميز اصطلاحي مقبول بصفة عامة، وسوف نستخدم المصطلحين1 "علم اللغة البحت""microliguistics" وعلم اللغة الموسع2 "macrolinguistics" على أن تقول إن المرء يتبنى في علم اللغة البحت وجهة النظر الأضيق وفي علم اللغة الموسع يتبنى وجهة النظر
1 وردت ترجمة هذين المصطلحين في "معجم مصطلحات علم اللغة الحديث" وطبع نخبة من اللغويين العرب - كالآتي marolinguistics = دراسة أنواع اللغة الإنسانية، micrelinguistics= علم اللغة البنيوي وأرى أن هذه الترجمة أوفق؛ لأن ترجمه المصطلح الأول في المعجم المذكور غير مناسب -على الأقل- في هذا السياق، أما المصطلح الثاني فإن ترجمته تلتبس مع ترجمة المصطلح:"strunctral Linguistics" وقد ترجمه المعجم المذكور بعلم اللغة البنيوي أيضا، ويعضد الترجمة الواردة في القص ما ذكره جون ليونز في فقرة تالية من أن بعض المؤلفين يدرجون ما يسمى هنا بعلم اللغة الموسع ضمن علم اللغة التطبيقي.
2 علم اللغة الموسع "s"؛ macrolinguistic مصطلح استخدمه بعض اللغويين وبصفة خاصة في العقد السادس من القرن العشرين لتحديد التصور الأشمل للتفسير اللغوي.
الأشمل2، ويعنى علم اللغة البحت في حالته الأكثر ضيقا ببنية النظم اللغوية فحسب بما لا يتعلق بالطريقة التي تكتسب بها اللغة، أو يحتفظ بها في المخ، أو تستخدم في وظائفها المتنوعة، ومما لا يتعلق بالاعتماد المتبادل بين اللغة والثقافة، وبما لا يتعلق بالميكانيكية الفسيولوجية والسيكولوجية التي يشتمل عليها السلوك اللغوي باختصار بما لا يتعلق بأي شيء خلاف النظام اللغوي لذاته وفي حد ذاته "كما عبر سوسير أو بالأحرى محررو كتابه" ويعنى علم اللغة الموسع في حالته الأكثر شمولا بكل شيء يتعلق بأي شكل من الأشكال -على الإطلاق- باللغة أو اللغات.
ولما كانت كثير من فروع المعرفة -خلاف علم اللغة- تعنى باللغة فلن تكون مستغربة تلك المناطق المتداخلة بين فروع المعرفة العديدة التي تقع في إطار علم اللغة الموسع والتي تأخذ أسماء مميزة مثل: علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي، وعلم الأجناس اللغوي، وعلم الأسلوب
…
إلخ.
وما ينبغي أن نؤكد عليه أن المميز بين علم اللغة البحث، وعلم اللغة الموسع مستقل عن المميز بين علم اللغة النظري وعلم اللغة التطبيقي، وهناك -من حيث المبدأ- جانب نظري في كل فرع من فروع علم اللغة الموسع، ويحدث كذلك في مجالات علم اللغة التطبيقي مثل تعليم اللغة أن يكون من
1 أدت الاهتمامات المتداخلة لعلم اللغة والفروع العلمية الأخرى إلى نشأة فروع حديدة مثل علم اللغة الأنثرولوجي "anthropological lingustics" وعلم اللغة البيولوجي "biolinguistics" وعلم اللغة الآلي "compuational Ltnguistics" وعلم اللغة الإنثولوجي "ethnolinguistics" وعلم اللغة الرياضي "mathematica Linguistics" وعلم اللغة العصبي "neurolinguistics" وعلم اللغة النفسي "psycholinguistics" وعلم اللغة الاجتماعي "socielinguistics".