الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: اللغة وصفي وليس معياريا
…
رابعا: علم اللغة وصفي وليس معياريا 1:
يستخدم مصطلح "وصفي""deseriptive" هنا بمعنى مختلف عن المعنى الذي يقابل فيه "عام" من ناحية أو "تاريخي" من ناحية أخرى، والتقابل الذي يتعلق بهذا المكان هو ذلك الذي يربط بين كيف تكون الأشياء، وكيف يجب أن تكو الأشياء والمصطلح البديل المعياري "prescriptive" بالمعنى الذي يقابل فيه المصطلح "وصفي" "descriptive" هو "normative" والقول بأن علم اللغة وصفي "أي: غير معياري" يعني أن اللغوي يحاول كشف القوانين التي تسير الجماعة اللغوية -في أدائها اللغوي الفعلي- وفقا لها وتسجيلها ولا يسعى إلى فرض قوانين ومستويات صواب أخرى "أي: دخيلة" عليهم.
ومن الممكن أن يلتبس استخدام كلمة "قانون" -وقد فرغت للتو من التفرقة بين الوصفية والمعيارية- بين هذين المعنيين المختلفين إلى حد بعيد، ويتحدث اللغويون -سواء أكان ذلك صوابا أم خطأ- بهذه المصطلحات، وربما كان مفيدا لهذا السبب أن نوضح الاختلاف بين نوعين من القوانين -دعنا نطلق عليهما القوانين الداخلية، والقوانين الخارجية على الترتيب- من شيء آخر خلاف استخدام اللغة، لنتكلم عن السلوك الجنسي في مجتمع بعينه فلو أننا تبنينا وجهة النظر الوصفية البحتة "أي: غير المعيارية" في بحث السلوك الجنسي فسوف نحاول الكشف عن كيفية السلوك الفعلي للناس ما إذا كانوا يمارسون الجنس غير الشرعي، وإن كانوا يمارسونه فما نوع هذا الجنس وفي أي مرحلة من العمر، وما إذا كان الأزواج والزوجات مخلصين
1 فهدف علم اللغة وصف حقائق الاستخدام اللغوي كما هو وليس كما ينبغي أن تكون فيما يتعلق ببعض الحالات النموذجية الحقيقية أو المتخيلة.
-أو غير مخلصين- بدرجة واحدة لزوجاتهم أو لأزواجهن وهلم جرا، وبقدر ما يكون سلوك مجموعات معينة داخل المجتمع محكوما في الواقع بمبادئ يمكن تحديدها -سواء أكان أفراد هذه المجموعات يعترفون بهذه المبادئ أو حتى على وعي بها أم لا- نستطيع أن نقول إن سلوكهم محكوم بقانون: القوانين الداخلية في سلوكهم العملي، لكن مثل هذه القوانين "إن صح أن نسميها قوانين" مختلفة إلى حد بعيد في هيئتها إن لم يكن في محتواها عن قوانين السلوك التي قد يحكم بها القانون أو الدين المعتنق -ببساطة- قواعد السلوك وآدابه الواضحة المتعارف عليها، والناس في ممارستهم قد يقرون -أو لا يقرون- ما أدعوه بالقوانين الخارجية "أي: الدخيلة أو غير الداخلية" للسلوك الجنسي، وأكثر من ذلك قد يوجد اختلافات بين كيف يتصرفون وكيف يتكلمون أو حتى يفكرون فيما فعلوه، وكل هذه الاختلافات لها متعلقاتها المتبادلة التي تتصل بالسلوك اللغوي، والمميز الأكثر أهمية على كل حال هو الذي يربط بين القوانين الخارجية "أي: المعيارية" والقوانين الداخلية "أي: الوصفية"، فالمعيارية أوامر "قل كذا أو لا تقل كذا"، والوصفية تقريرات "الناس تقول كذا أو لا تقول كذا".
وسبب إلحاح اللغويين هذه الأيام على ما يميز بين القوانين الوصفية والقوانين المعيارية يعود ببساطة إلى أن النحو التقليدي يتصف بالمعيارية اتصافا شديدا، ويراه النحاة كما لو كانت مهمته صياغة مستويات الصواب وفرضها -إن لزم الأمر- على متكلمي اللغة، وكثير من القواعد المعيارية للنحو التقليدي، تبدو معروفة للقارئ مثل: لا تستخدم أبدا نفيا مزدوجا مثل "I didnt do nothing" ولا تختم الجملة بحرف جر مثل "thats the"؛ "man l was spesking to" وأين الفعل "to be" يأخذ حالة واحدة بعده
وقبله، وعليه يجب أن تصحح "lts me" إلى "lts l" وأن تكون "Ain t" خطأ وأنه يجب ألا نقسم المصدر كما في "l want you to clearly understand" حيث أدخلت "clearly" بين "to" و"understand".
والتفكير في الأمثلة المذكورة كورة أعلاه يظهر بسرعة أنها متغايرة الخواص إلى حد بعيد، وهناك بعض اللهجات الإنجليزية لا يستخدم فيها أبدا ما يسمى بالنفي المزدوج "أي: لا تستخدم فيها أبدا "l didt do nothing" كمكافئ العبارة: "l did t do anything" في اللغة الإنجليزية المشتركة" غير أن هناك لهجات أخرى تعد فيها -من وجهة النظر الوصفية البحتة- البنية الصحيحة، وعندما تقدم الأسباب لإدانة النفي المزدوج باعتباره غير صحيح -بواسطة بعض المبادئ المعيارية- فيما يتعلق بذلك الاستخدام الفعلي الذي قد يحكم عليها وتوجد على غير المستوى المطلوب يكون المنطق بمثابة محكمة الاستئناف، ويخبرنا المنطق بأنه يقال إن نفيين يصنعان إثباتا، وهو ما يقتضي تعليقات عديدة، أولها إن هذا القول يدل على الفهم الخاطئ لما يقوم به المنطق وكيفية قيامه بها، غير أننا لسنا في حاجة إلى التعمق في البديهات المنطقية، ولا في القضية المعقدة عن كيفية ارتباطا ما يدعى بالمنطق الطبيعي للسلوك اللغوي المعتاد بنظم المنطق التي شيدها المناطقة وبحثوها، والقضية ببساطة أنه لا يوجد شيء مختل منطقيا بشكل متأصل فيما يسمى بالنفي المزدوج، وفي اللهجات التي يستخدم فيها باطراد تؤدي دورها بطريقة منظمة تماما وفق القوانين النحوية ومبادئ التفسير الداخلية لسلوك الجماعات اللهجية، موضع البحث، والقضية الثانية التي تتولد في الذهن أن ما يسمى ببنية النفي المزدوج لا يمكن وصفه وصفا مناصبا كما يؤدي دوره في لهجات إنجليزية معينة دون أن نأخذ في حسابنا عنصري النبر والتنغيم، وتجيز قوانين اللغة الإنجليزية المشتركة "أي: القوانين المتأصلة في السلوك اللغوي للمتكلمين بلهجة إنجليزية معينة" قولك
I didn t do nothing "لتعني على وجه التقريب Its not true"؛ "that I did nothing" بشرط أن تكون didnt منبورة أو أن تكون do أو nothing منطوقة بنبر ثقيل بشكل خاص وذلك مع تضمينات أو افتراضات مسبقة إضافية، وفي اللهجات التي يكون فيها "I didnt do nothing" مع نبر عادي غير مشدد يمكن أن تعني "I didt do anything" يكون لها أيضا المعاني التي لها في اللغة الإنجليزية المشتركة غير أن النبر والتنغيم يمنعان اللبس، وأخيرا يمكن أن نلاحظ وجود لغات كثيرة يذكر فيها ما يطلق عليه بنية النفي المزدوج في اللهجة الأدبية المشتركة وذلك مثل اللغة الفرنسية، واللغة الإيطالية، واللغة الإسبانية، واللغة الروسية -ولا نذكر سوى قلة من اللغات الأوروبية الحديثة الأكثر شيوعا، وحتى أعظم اللهجات مكانة في الإغريقية القديمة- الإغريقية الكلاسيكية كما استخدمت في كتابات أفلاطون "Plato" أو سوفوكليس "sophocles" أو ثوسيديدس "Thucydides" أو المؤسس الأول للمنطق أرسطو "Aristotle" نفسه سيوجد فيها بنية النفي المزدوج على الرغم من أن النحو التقليدي قد أخذ مصادره من وصف اللهجات الأدبية الإغريقية القديمة!
وبعض القواعد المعيارية الأخرى في النحو التقليدي مثل تخطئة انقسام المصدر "to clearly understand" أو الخاصة بـ"Its me" مأخوذة من تطبيق مبادئ وتصنيفات -أسست في المقام الأول لوصف الإغريقية واللاتينية- على اللغة الإنجليزية، واللغات التي تكون فيها الصيغ التي ينطبق عليها مصطلح "مصدر" صيغ أحادية الكلمة هي اللغة الإغريقية واللغة اللاتينية، واللغة الفرنسية، واللغة الجرمانية، واللغة الروسية.. إلخ، وتبعا للنحو التقليدي فإن الصيغ الثنائية الكلمة "to understand"؛ و"to go". إلخ تسمى أيضا مصادر مع أن وظيفتها تشبه جزئيا فقط وظيفة
المصادر اللاتينية، وكما رأينا أخيرا سواء أكانت الصيغة التي يمكن قسمتها "بالمعنى الذي نتحدث فيه عن المصدر المنقسم" أحد المعايير الأساسية التي يطبقها اللغوي ليقرر ما إذا كانت الصيغة موضع البحث صيغة أحادية الكلمة أم صيغة ثنائية الكلمة فمن المفترض أنه بواسطة معايير أخرى وبواسطة تقاليد الكتابة الخاصة باللغة المكتوبة ألا يكون هناك مانع -من حيث المبدأ- من أن ينقسم ما يسمى بالمصدر في اللغة الإنجليزية وهو في الصيغة الثنائية الكلمة، وفيما يتعلق بالنقد الموجه إلى "Its me".. إلخ فإن حقيقة الوضع الذي يشار إليه في النحو التقليدي باعتباره اختلاف في الحالة1 "I في مقابل me، و she في مقابل her، و he في مقابل him
…
إلخ" لا يوجد في كل اللغات، كما أنه لا يوجد شيء يمكن أن يميز من خلال وظيفته وخصائصه النحوية كفعل يعني "to be" وأكثر من ذلك فإن اللغات التي فيها كل من الحالة والفعل الذي يمكن تمييزه باعتباره مكافئا لـ"ess" اللاتيني أو "to be" الإنجليزي تتنوع الأبنية الموجودة فيها وتعارض الحالة التي هي عليها بشكل مباشر القانون: الفعل "to be" يأخذ حالة واحدة قبله وبعده، ذلك القانون المعياري المؤسس على اللغة اللاتينية الذي لا يمكن أن يلقى تأييدا على نطاق أكثر اتساعا.
ومما يسترعي الانتباه بشكل كاف أن كثيرا من المتكلمين الذين يعدون من وجهة نظر النحاة التقليديين نماذج جيدة للمتحدثين بالإنجليزية يقولون ويكتبون:
1 الحالة "case" فصيلة نحوية "grammatical category" تستخدم في تحليل أصناف الكلمات "word classes" لتمييز العلاقة النظمية بين الكلمات في جملة ما من خلال تقابلات مثل الفاعلية والمفعولية، والتصنيف التقليدي كما تجده في النحو اللاتيني يعتمد على تنوع الصيغ الصرفية للكلمة.
He told you and l، between yuy and l.. إلخ، ومثل هذه الأبنية تنتقض قانونا معياريا آخر للغة الإنجليزية وهو أن "الأفعال وحروف الجر تتحكمان في مفعولهما في حالة المفعولية"، ومن المفترض أن تكون هذه الأبنية قد نشأت نتيجة اللحن الاشتقاقي أي: التوسع في تطبيق بعض الأسس والقوانين -على أساس من الفهم الخاطئ لمجال تطبيقها- على مجموعة من الظواهر لا تنطبق أساسا عليها، وطبيعة القانون المعياري مفهومة خطأ- والكثير من المتكلمين ممن قد يقولون بطريقة طبيعية:
you and me will go" لا يقولون أبدا "me will go" ولا "He told I" ويفسر كبديل عن التوجيه "لمن يعاني رداءة الأداء في اللغة الإنجليزية" بإحلال "you" و"I" مكان "yot" و"me" أو ""me" و"you"" في جميع مواضع ذكرها، وهي لا تؤثر في إنتاج ما يقبل به النحوي التقليدي على أنه صواب فحسب مثل "you and I will go together".... إلخ ولكن تؤثر كذلك في إنتاج ما قد يدينه مثل: "you and I"، و"He told yot and I" إلخ وهو ما لا يتضمن بطبيعة الحال أن المتكلم باللغة الإنجليزية يقول "between you and I و you and I He told"
…
إلخ يقوم بنفسه بعملية إجراء التطبيق أو التطبيق الخاطئ للقانون التقليدي، وهذ الأبنية شائعة الآن في كلام المتكلمين باللغة الإنجليزية المشتركة من الطبقتين الوسطى والعليا في إنجلترا لدرجة أنه من الواجب أن يتعلمها ربما معظم أولئك الذي يستخدمونها بطريقة طبيعية في العملية العادية لاكتساب اللغة، وثمة شك ضئيل -رغم ذلك- حول ما إذا كانت نشأتها ترجع إلى عملية اللحن الاشتقاقي.
ولا يمكن للمنطق كما لا يمكن لنحو اللغة اللاتينية أن يكون بمثابة محكمة استئناف عندما نكون بعدد ما إذا كان شيء ما في اللغة الإنجليزية صوابا
أم خطأ، ولا يمكن كذلك أن يكونا سلطة لا معقب لها من التقليد من أجل التقليد ""هذا ما تعلمته وتعلمه آبائي، وما تعلمه آباء آبائي"" ومن أجل استخدام أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم أفضل الكتاب في اللغة، وثمة وجهة نظر شائعة في مجتمعنا -أو كانت موجودة حتى وقت قريب- تذهب إلى أن التغير اللغوي يتضمن بالضرورة انحطاطا أو فسادا في اللغة، وهي وجهة نظر لا يمكن الدفاع عنها، فكل اللغات عرضة للتغيير وهي حقيقة ثابتة بطريقة الاستقراء، ومهمة علم اللغة التاريخي أن يبحث تفصيل التغير اللغوي عندما يكون متاحا للبحث، وأن يبني نظرية تفسيرية للتغير اللغوي تسهم في فهمنا لطبيعة اللغة، والعوامل التي تحدد التغير اللغوي معقدة ولا نفهم حتى الآن إلا جانبا منها فحسب، غير أنه يكفي ما هو معروف الآن -وما هو معروف منذ منتصف القرن التاسع عشر- لأن يكون واضحا لأي مراقب غير متحيز للتغير في اللغة أن ما هو مدان في أي وقت باعتباره فسادا أو خطأ في مستويات الاستخدام التقليدية يمكن دائما أن يكون له مثيل في تطور سابق من النوع نفسه في الاستخدام الذي يتعامل معه التقليديون أنفسهم باعتباره صوابا غير قابل للخطأ.
وفيما يتصل بمبدأ اتباع المستويات التي وضعها الكتاب والكبار المعترف بهم فإن هذا المبدأ لا يمكن الدفاع عنه كذلك -عدم إمكانية الدفاع يعني فيما يتعلق بالاستخدام المتداول بشكل عام- فليس من سبب يدعونا للاعتقاد بأن الكاتب -حتى لو كان عبقريا- تحوطه العناية الإلهية بمعرفة موثوقة ومؤكدة للقوانين الخارجية للصواب تمتنع عن بقيتنا، وقد حدث ذلك لدرجة أن اكتسب النحو التقليدي نزعة أدبية قوية إلى حد بعيد، ويرجع ذلك إلى أنه في فترات هامة عديدة في تطور الثقافة الأوروبية من فترة مدرسة الإسكندرية -في القرن الثاني قبل الميلاد إلى عصر النهضة
الإنسانية- خضع الوصف النحوي للإغريقية أولا ثم للاتينية لمهمة عملية تجعل الأدب في المرحلة الأولى متاحا لأولئك الذين لم -وبطبيعة الأشياء لا يستيطعون- يتكلموا بطريقة طبيعية اللهجة الإغريقية أو اللاتينية التي قامت عليها لغة النصوص الكلاسيكية، والنزعة الأدبية للقواعد التقليدية لا يمكن أن توضح توضيحا تاريخيا فحسب بل يمكن تبريريها إلى حد بعيد بقدر ما يلقى وصف الإغريقية واللاتينية من اهتمام، وهو ما لا يمكن تبريره إلى حد بعيد عندما نأتي إلى الوصف النحوي للغات الحديثة المنطوقة.
ولا توجد مستويات صواب مطلقة في اللغة، ونستطيع أن نقول عن أجنبي إنه أخطأ إذا قال شيئا ينتقض القوانين الداخلية في استخدام المتكلمين الأصليين، ونستطيع أيضا أن نقول -إذا أردنا- عن متكلم ممن يتكلمون بلهجة اجتماعية أو إقليمية للغة الإنجليزية إنه تكلم بطريقة مخالفة للنحو لو أن قوله انتقض القوانين الداخلية في اللغة الإنجليزية المشتركة، غير أننا في قولنا هذا نفترض بالطبع أن هذا المتكلم يقصد أو ربما يجب أن يقصد استخدام اللغة الإنجليزية المشتركة، وهو افتراض يحتاج في حد ذاته إلى إثبات.
ويجب أن نؤكد الآن -وهذه نقطة قد أسيء فهمها كثيرا- أنه عند رسم مميز بين الوصف والمعايرة لا يقول اللغوي بعدم وجود مكان على أية حال لتأسيس مستويات الاستخدام ومعايرتها فهناك فوائد تعليمية وإدارية واضحة في عالمنا المعاصر لتوحيد اللهجة الأساسية التي تستخدم في دولة معينة أو في منطقة معينة، وعملية التوحيد هذه حدثت خلال فترة طويلة في بلدان غربية كثيرة يتدخل من الحكومة أو بدون تدخل منها، وهو ما يحدث الآن بشكل متزايد في كثير من البلدان النامية في إفريقيا وآسيا كسياسة رسمية، ومشكلة اختيار لغة معينة، أو لهجة معينة وتوحيدها وتدعيمها على حساب غيرها أمر
محفوف بالمصاعب الاجتماعية والسياسية، وهو قسم مما سنسميه التخطيط اللغوي ويعد أحد القطاعات الهامة في مجال علم الاجتماع اللغوي التطبيقي.
ويجب ألا نعتقد أن إنكار اللغوي لأن يكون كل تغير في اللغة تغيرا للأسوأ يعني ضمنا أن يكون التغير في اللغة تغيرا إلى الأفضل، فهو لا يعبر إلا عن شكوكه في الإعجاب الدال على عدم التفكير في معايير مشكوك فيها تجريبيا، ويسلم بأنه قد يكون من الممكن -من حيث المبدأ- أن نقيم اللهجات واللغات من خلال ما يتصل بها مرونة، وإمكانية التعبير، والدقة، والإمكانيات الجمالية، كما يسلم بالتأكيد بأن استخدام المتكلمين والكتاب -الأفراد- للهجتهم أو لغتهم يتفاوت فعاليته، ومع ذلك لا يستطيع إلا أن يقرر -على أساس من العمل الأكثر اتصافا بالعلمية الذي أجري على اللغة واللغات في الأعوام الأخيرة- أن معظم الأحكام حول هذه الأمور ذاتية إلى حد بعيد، واللغوي باعتباره أحد أفراد الجماعة اللغوية له تحيزاته الخاصة وهي إما تتصل به شخصيا أو تستمد من خلفيته الاجتماعية والثقافية والجغرافية، وقد يكون محافظا أو تقدميا حسب مزاجه، ومواقفه تجاه لغته الخاصة لن تكون أقل ذاتية في هذا الخصوص من مواقف غير المتخصص، فقد يجد في نبرة معينة أو لهجة معينة ما يرضيه أو ما لا يرضيه، وقد يصحح حتى كلام أطفاله إذا وجدهم يستخدمون طريقة في النطق أو كلمة أو تركيبا نحويا يتجهم له المتشددون، لكنه وهو يفعل ذلك -إن كان صادقا مع نفسه- يعرف أن ما يصححه ليس خطأ متأصلا، لكنه خطأ متصل ببعض المستويات التي يرغب لأولاده أن يتبنوها لأسباب تتصل بالمكانة الاجتماعية أو الفائدة التربوية.
وبقدر ما يلقى موقفه من اللغة الأدبية من عناية يكشف اللغوي ببساطة أن اللغة تستخدم في العديد من الأغراض، وأن استخدامها فيما يتصل بهذه الأغراض لا يجب أن يحكمه معايير يمكن تطبيقها على اللغة الأدبية، بمفردها أو عليها بصفة أساسية، وهذا لا يعني أنه يعادي -بأي شكل من الأشكال- الأدب أو دراسة الأدب في مدارسنا وجامعاتنا، فعلى العكس من ذلك نجد كثيرا من اللغويين لهم اهتمام خاص بالبحث في الأغراض الأدبية التي توظف لها اللغة ويكمن نجاحها في تحقيق تلك الأغراض، وهو ما يعد جزءا -هاما إلى حد بعيد- من الفرع المعروف بعلم الأسلوب في علم اللغة الموسع.