المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب شروط من تقبل شهادته - المحرر في الفقه على مذهب أحمد - ومعه النكت والفوائد السنية - جـ ٢

[مجد الدين بن تيمية - شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب شروط النكاح

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب حكم الشروط والعيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌مدخل

- ‌باب حكم المسمى ومهر المثل

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القسم

- ‌باب النشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌مدخل

- ‌باب صريح الطلاق وكناياته

- ‌باب الشك في الطلاق

- ‌باب تعليق الطلاق بالشروط

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌كتاب الرجعة

- ‌مدخل

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌مدخل

- ‌كتاب الظهار

- ‌مدخل

- ‌باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع

- ‌كتاب القذف واللعان

- ‌مدخل

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب العدد

- ‌مدخل

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

- ‌مدخل

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجراح

- ‌مدخل

- ‌باب ما يشترط لوجوب القود

- ‌باب القود فيما دون النفس

- ‌باب استيفاء القود والعفو عنه

- ‌باب ما يوجب الدية في النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب أروش الشجاج وكسر العظام

- ‌باب مقادير الديات

- ‌باب العاقلة وما تتحمله

- ‌باب القسامة

- ‌باب كفارة القتل

- ‌كتاب الحدود

- ‌حد الزنا

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب حكم الصيال وجناية البهيمة

- ‌باب حد السكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب إقامة الحد

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب المرتد

- ‌كتاب الجهاد

- ‌مدخل

- ‌باب قسمة الغنيمة وأحكامها

- ‌باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة في أخذ الجزية

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌باب قسمة الفيء

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌مدخل

- ‌باب الذكاة

- ‌باب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌مدخل

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والأيمان فيها

- ‌باب تعارض البينات واختلافها

- ‌كتاب الشهادات

- ‌مدخل

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب عدد الشهود وما يتبعه

- ‌باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الإقرار

- ‌مدخل

- ‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

الفصل: ‌باب شروط من تقبل شهادته

‌باب شروط من تقبل شهادته

وهي في ظاهر المذهب ستة العقل والحفظ والعدالة والإسلام إلا حيث نذكره والبلوغ والنطق.

فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه ولا مغفل ولا من يعرف بكثرة الغلط والسهو وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته ولا تقبل شهادة غير العدل.

ويعتبر للعدالة شيئان الصلاح في الدين والمروءة فالصلاح في الدين أداء

"أقر الحبشة في المسجد يوم العيد على اللعب بالحراب" وقد قال الإمام أحمد في العمل بالرمح والقوس إنه أفضل من الصلاة في الثغر وأما في غير الثغر فسوى بينهما ولأنه سبحانه وتعالى قال: [60:8]{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يتناول كلما يستطاع من القوة فيدخل فيه ما يرمى به وما يضرب به وما يطعن به سواء كان المرمى به سهما أو حربة وسواء كان السهم منفردا أو جاريا في مجري وسواء كان يؤثر باليد أو بالرجل الذي يسمى الجرخ.

وكذلك المضروب به يدخل فيه ما يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وما يقتل بثقله كاللت وما يقتل بهما كالدبوس فأما قوله صلى الله عليه وسلم "ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" فقد أراد به القوة الكاملة وهذا كثيرا ما يكون لحصر الكمال لا لحصر أصل الاسم كقوله تعالى: [15:30]{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقوله صلى الله عليه وسلم."ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه" ونحو ذلك وذلك لأن الرمى يصيب العدو البعيد مع الحائل من نهر ونحوه ويدفع العدو عن الإقدام ففيه ثلاثة فوائد لا توجد في غيره من السلاح انتهى كلامه.

ص: 247

الفرائض وسننها الراتبة وتجنب المحارم بأن لا يأتى كبيرة ولا يدمن على صغيره وفي رد الشهادة بالكذبة الواحدة روايتان وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة.

ولا تقبل شهادة من فسقه لبدعة كمن يعتقد مذهب الرافضة أو الجهمية أو المعتزلة تقليدا ويتخرج أن تقبل إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفة.

ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد.

قوله: "ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد".

أطلق جماعة من الأصحاب أن شهادة القاذف لا تقبل منهم الشيخ في الكافي وقاسه على الزنا.

وقال في المغني وعندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط إلا بالجلد ثم احتج بالآية وقال رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لا يمكنه تحقيقه بالجلد ولأن الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة لرد شهادته والحد كفارة وتطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعا به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر.

وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى حتى قبل تحقق سببه ويصير مستحقا بعده هذا باطل انتهى كلامه.

وقالت الحنفية الزاني ونحوه يفسق بنفس الفعل الموجب للحد والقاذف لا يفسق بنفس القذف لجواز أن يكون صادقا.

ص: 248

_________

وقال القاضي إذا عجز عن تصديق نفسه بإقامة البينة صار فاسقا وسقطت شهادته.

وقولهم يجوز أن يكون صادقا في قذفه غير صحيح لأنه إذا عجز عن إقامة البينة حكمنا بكذبه ألا ترى أنه يوجب الحد عليه ولا يجوز أن نوجب الحد عليه ولم نحكم بكذبه.

قال الشيخ تقي الدين عن كلام القاضي هذا وهذا الكلام يقتضي أنه يفسق حين يجب عليه الحد وذلك يستدعي مطالبة المقذوف وقالت الحنفية الحاكم لو شاهد رجلا يزني أو يسرق يحكم بفسقه ولم يقبل شهادته ولو رآه يقذف لم يحكم بفسقه لجواز كونه صادقا قال القاضي إذا عجز عن إقامة البينة حكم بفسقه.

وقال أبو الخطاب في الانتصار ولا فرق بينهما ولأنه لم يذكر شهادته بصورة الزنا والسرقة لجواز الشبهة فإن انكشف له الحال بأنه زنى بانتفاء الشبهة رد حينئذ كالقذف سواء إذا عجز عن إقامة البينة على صدقه وشهادته وحكم بفسقه وحده ولا فرق بينهما.

وقال القاضي بعد ذلك لا يحكم بكذبه بنفس القذف وإنما يحكم بالقذف والعجز عن تصديقه بالبينة وذلك متأخر عن حال القذف بدليل قوله تعالى: [13:24]{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فحكم بكذبهم بالعجز عن الإيتاء بالشهادة1.

ثم قال فإن قيل فيجب أن تقبل شهادته قبل عجزه عن إقامة البينة لأنه لم يحكم بكذبه قيل إنما لم تقبل شهادته قبل ذلك لأن القذف سبب في القدح في العدالة فأكسب ذلك شبهة في قبولها كطعن الخصم في الشهود.

1 بهامش الأصل: الذي في النكت عن شيخ السلامية: عن الإتيان بالشهادة

ص: 249

_________

قال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أنه يتوقف عن القبول1 بعد القذف وقبل العجز ثم قال واحتج بأنه يجوز أن يأتي بالبينة قبل وقوع2 الحد عليه فلا يتبين عجزه عن إقامة البينة قبل وقوع الحد عليه فيجب أن تقبل شهادته.

والجواب أن هذا التجويز لم يمنع من إقامة الحد عليه كذلك لا يمنع من رد الشهادة لأن الحد لا يجوز استيفاؤه إلا بعد ثبوت سببه كسائر الحدود فلما جاز استيفاؤه في هذا الحال وجب الحكم بفسقه ورد شهادته.

قال الشيخ تقي الدين فقد تحرر أن القاذف له ثلاثة أحوال أحدها أن لا تطلب منه البينة الثاني أن تطلب منه فيعجز الثالث أن تطلب منه فيذهب ليأتي بها وهنا يتوجه أن ينظر ثلاثة أيام فمن عجز فهو فاسق ومتى ذهب ليأتي بها فهو بمنزلة المطعون فيه وإن لم يطالب بالحد ولا بالبينة فهنا على مقتضى كلام القاضي لم تزل عدالته وهو ظاهر القرآن ويحتمل كلامه الثاني أن يكون مطعونا فيه وعلى عموم كلامهم في أن القذف يوجب الفسق لا تقبل شهادته انتهى كلامه.

وكلام أبي الخطاب المذكور يقتضى أن الحكم بالفسق ورد الشهادة والحد يتعلق بالعجز عن إقامة البينة وأن ما كان ثابتا من قبول الشهادة وغيره يستصحب إلى حين العجز ولم أجده ذكر في بحث المسألة ما ينافيه بخلاف القاضي فصار فيما إذا طلبت منه البينة فذهب ليأتي بها أو لم تطلب منه ثلاثة أقوال الثالث تقبل إذا لم يطالب بها وفي المسألة أيضا قول غريب.

قال القاضي في العدة فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد فيما

1 بهامش الأصل: "على القبول"

2 بهامش الأصل: "إقامة الحد"

ص: 250

يسوغ في الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد من معنى وجهة غيره فلا يكون سببا في رد شهادته انتهى كلامه.

ويوجه بأنه أحد نوعي القذف فاستوت فيه الشهادة والرواية في القبول كالنوع الآخر فإن القاذف في الشتم لا تقبل شهادته ولا روايته حتى يتوب وحكي هذا عن الشافعي.

قال الشيخ تقي الدين عقيب كلام القاضي المذكور مضمون هذا الكلام أنه يقبل خبره وشهادته وهو خلاف المشهور والمحفوظ عن عمر في قوله لأبي بكرة "تب أقبل شهادتك" ولكن الناس قبلوا رواية أبي بكرة فيجوز أن ترد شهادته كما لو جلد ويقبل خبره كالمتأول في شرب النبيذ ونحو ذلك ولأن الخبر لا يرد بالتهمة التي ترد بها الشهادة من قرابة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك أو لاشتراك المخبر والمخبر فيه بخلاف الشهادة انتهى.

فصل

وقوله: "حتى يتوب".

يعني إذا تاب قبلت شهادته جلد أو لم يجلد وقال أيضا في رواية عبد الله حدثنا عبد الصمد حدثنا سليمان يعني ابن كثير حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب "أن عمر حين ضرب أبا بكرة ونافعا وشبلا1 استتابهم وقال من تاب منكم قبلت شهادته".

1 نافع بن علقمة قال ابن السكن: سكن الشام، ولم يزد على ذلك. وقال ابن عبد البر: سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن حديثه مرسل. اهـ. وشبل بن معبد أخو أبي بكر لأمه. روى أبو عثمان النهدي قال: "شهد أبو بكر ونافع –يعني ابن علقمة- وشبل بن معبد على المغيرة: أنهم نظروا إليه كما ينظرون المرور في المحكمة: فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق. فقال: رأيت مجلساً قبيحاً ونهزا. فجلدهم عمر".

ص: 251

_________

وقال في رواية ابن منصور في المحدودين إذا تابوا جازت شهادتهم.

وقال حرب قال الإمام أحمد في القاذف إذا تاب قبلت شهادته.

وكذا نقل عنه جماعة منهم صالح وزاد أذهب إلى قول عمر بن الخطاب وقال له بكر بن محمد تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك قال نعم وقول الله تعالى: [5:24]{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} .

وقال في رواية حنبل إذا تاب ورجع جازت شهادته على فعل عمر وإلا لم تقبل كذا قال الله تعالى: [4:24]{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فإذا تاب قبلت شهادته.

وقال في رواية حرب شهادة القاذف إذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد وكذلك كل محدود تقبل شهادته إذا كان عدلا قيل للإمام أحمد جلد أو لم يجلد قال نعم فذهب إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تقبل وتقبل في رؤية الهلال على ما ذكره القاضي عنه.

وتقبل شهادة الذمي إذا حد بالقذف ثم أسلم واعتذر عن رؤية الهلال بأنه خبر وليس بشهادة فقال القاضي لو لم تكن شهادة لم يعتبر فيها العدد وقد قال أبو حنيفة إذا لم تكن في السماء علة اعتبر فيه عدد كثير وكذلك يعتبر فيها مجلس الحكم.

قال الشيخ تقي الدين وهذا من القاضي يقتضي أن شهادة الواحد عند غير الحاكم لا تؤثر وقد ذكرت اعتبار اللفظ في موضعه انتهى كلامه.

واعتذر الحنفي عن الذمي بأنه اجتلب بإسلامه عدالة لم يبطلها حد القذف بخلاف المسلم فإنه أبطل عدالته بحده في القذف فلم يستفد بتوبته عدالة لم تكن فلهذا لم تقبل شهادته فقال أبو الخطاب لا فرق بينهما فإن الذمي كان عدلا

ص: 252

وتوبته إكذابه نفسه.

في دينه لا سيما عندهم وعلى رواية لنا بأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة وولايته على بنيه ثابتة فأبطل عدالته بالقذف والحد ثم استحدث عدالة بالإسلام ومثله المسلم أبطل عدالته ثم بالتوبة استحدث عدالة أخرى ثم تبطل في المسلم إذا زنى وسرق وشرب وحد فإنه قد أبطل عدالته وإذا تاب قبلت شهادته وإن لم تتجدد عدالة بإسلامه على زعمهم ثم يجب أن يعلل بهذا في رد شهادته في رؤية الهلال وأخبار الديانات وولايته على أولاده في أموالهم وقد قال يصح منه جميع ذلك انتهى كلامه.

قوله: "وتوبته إكذابه نفسه".

قال القاضي فيقول كذبت فيما قلت وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد توبة القاذف أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ورجحه بعضهم قال الإمام أحمد في رواية المروزي وحرب وابن منصور ويعقوب وصالح توبة القاذف أن يكذب نفسه وقال في رواية الميموني توبته عندي أن ينزع عن القذف ويكذب نفسه وحديث عمر رضي الله عنه يدل على هذا وقال في رواية الحارث وقد قيل له عن القاذف ماتوبته قال يكذب نفسه يقول إني قد قذفت فلانا وإني قد تبت من قذفي إياه قلت وإن كان قد شهد وقد رآه يزني يتوب من حق قد شهد به قال ماأدري هذه توبة القاذف قال وإنما أذهب إلى حديث أبي بكرة.

وقال في رواية حنبل لا تقبل شهادته حتى يقول إني تائب لأن أبا بكرة قال له عمر "إن تبت قبلت شهادتك".

وقال في رواية حنبل أيضا يكذب نفسه ويرجع عن قوله ويتوب

ص: 253

_________

ليس بالتوبة خفاء وقال أبو طالب سمعت أحمد قال وتوبة القاذف أن يقوم فيكذب نفسه ويقول إني تائب مما قلت.

وقال أيضا في رواية أبي طالب وقد سأله عن توبة القاذف قال توبته إذا رجع فقال قد رجعت وتاب وأعلن مثل قول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك".

وقال مهنا قال أحمد تجوز شهادة المحدود في القذف إذا عرفت توبته يقول إني قد رجعت عما كنت قلت في فلان لا بد من هذا.

وقال له مهنا في موضع آخر لا بد من أن يتكلم به قال لا بد أن يتكلم به وإلا من أين تعلم بتوبته فقد روى عن ابن المسيب عن عمر مرفوعا توبته إكذاب نفسه ولأن إكذاب نفسه يزيل تلوث عرض المقذوف الحاصل بقذفه فتكون التوبة به وبه قال مالك وهو منصوص الشافعي.

وقيل إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه لأن المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة وإنما اعتبر القول ليعلم تحقق الندم.

وتتمة هذا القول وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه سواء كان القذف بشهادة أو سب لأن قد يكون كاذبا في الشهادة صادقا في السب وهذا معنى ما اختاره في المغني وقطع به في الكافي وقيل إن كان سبا فالتوبة إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن يقول القذف حرام باطل ولست أعود إلى ما قلت قال القاضي وهو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالذنب1 وقطع به في المستوعب إلا أنه قال يقول ندمت على ما

1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية: "فلا يؤمر بالكذب"

ص: 254

_________

كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه ولا يقول ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك أن لا يشهد.

وقال الشيخ تقي الدين ويتوجه أن يحمل قوله إذا أكذب نفسه على الشهادة بالقذف كقضية أبي بكرة.

فرع

وتقبل شهادة القاذف بمجرد التوبة في ظاهر كلام الإمام أحمد وقطع به في المستوعب وغيره وقدمه في الكافي وهو المشهور وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد ويحتمل أن يعتبر مضي مدة يعلم توبته فيها.

وذكر في الرعاية أنه إن كان شهادة قبل بمجرد التوبة وإن كان شتما وقذفا فيعد إصلاح العمل سنة وذكر ابن هبيرة عن مالك أنه يعتبر ظهور أفعال الخير من غير حد وعن الشافعي أنه قدره بسنة.

وقال القاضي في بحث المسألة على أن في الآية ما يمنع رجوعه إلى مايليه وهو زوال تتمة الفسق من وجوه.

أحدها أنه لو عاد إلى زوال تتمة الفسق لم يشترط فيه صلاح العمل ولكان يقتصر على قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لأن الفسق يرتفع بمجرد التوبة وإنما قبول الشهادة يشترط فيه صلاح العمل فثبت أن الاستثناء عاد إليه1.

واحتجوا للمسألة بما رواه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى: [5،4:24]{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "إذا قال بعد ضربه أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات حين يفرغ من ضربه ولم يعلم منه بعد إلا خيرا قبلت شهادته".

1 بهامش الأصل: "عائد إليه"

ص: 255

_________

ثم إن القاضي ذكر بعد ذلك المسألة بخلاف ذلك وقال إن شهادته تقبل بمجرد التوبة لأنا قد حكمنا بصحة التوبة في الباطن فلم نعتبر في قبول الشهادة إصلاح العمل كالتوبة عن الردة.

وقال الشيخ تقي الدين عند قوله إن القاذف تقبل شهادته إذا تاب معناه التوبة الصحيحة التي يعلم صحتها وذلك لا يكون إلا بعد سنة وصلاح العمل المذكور في القرآن إنما هو لتصحيح التوبة وسقوط العقوبة لا يستلزم قبول الشهادة فإن العقوبة تسقط بالشهادات وبالدخول في أوائل الخير وعلى هذا فلا فرق بين التوبة من الردة وغيرها وقوله -يعني القاضي- "قد حكمت بصحة التوبة في الباطن" فيه نظر ونصوص أحمد تخالف ذلك فإنه إن أراد أنه هو الذي حكم بذلك فقد يصدق وأما نحن فلم نحكم بصحتها في الباطن.

قال القاضي ولأن القذف على ضربين قذف بلفظ الشتم كقوله زنيت وأنت زان وقذف بلفظ الشهادة المردودة ثم إذا كان بلفظ الشهادة المردودة قبلت شهادته بمجرد التوبة كما دل عليه حديث عمر فكذلك إذا كان بلفظ الشتم قال ولأنه يقبل خبره بمجرد التوبة ولا يعتبر فيه صلاح العمل كذلك في باب الشهادة واستشهد بآية الفرقان والبقرة وفي كلاهما نظر قاله الشيخ تقي الدين.

قال القاضي ولأن التوبة الباطنة بحكم بصحتها في الحال وهو إذا وجد التركي والندم والعزم على الخروج من المظلمة أو يكون فيما بينه وبين الله تائبا ولا يشترط فيها صلاح العمل كذلك التوبة الحكمية بعلة أنها إحدى التوبتين.

فقد ظهر من ذلك أن لنا في قبول شهادة القاذف بمجرد التوبة خمسة أقوال.

والمعروف في المذهب أن التوبة من الردة ليست كغيرها كما أن المعروف الحكم بصحة التوبة في الباطن.

ص: 256

وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل سنة.

وظاهر كلام بعضهم التسوية بين قبول الخبر والشهادة بمجرد التوبة وعدمه خلاف ما صرح به القاضي فتكون المسألة على وجهين.

فرع

رجل حلف بالطلاق أنه رأى شخصا يزني فهل تطلق امرأته.

ينبغي أن يقال إن علم كذب نفسه طلقت باطنا وظاهرا وإن علم صدق نفسه طلقت في الحكم.

قوله: "وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته".

هذا هو الراجح في المذهب لما تقدم وقوله عليه الصلاة والسلام: "التوبة تجب ما قبلها" رواه مسلم وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه عن النبي صلى الله عليه وسلم."التائب من الذنب كمن لا ذنب له" إسناده ثقات رواه ابن ماجة وغيره.

قوله: "وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل".

سنة لما تقدم لأن فيها يتبين صلاحه لاختلاف الأهوية وتغير الطباع وعن الشافعي كالروايتين وقيل إن فسخ بفعل وإلا فلا يعتبر فيه إصلاح ذلك.

وقيل يعتبر مضى مدة يعلم فيها حالة بذلك.

وذكر القاضي في موضع أن التائب من البدعة يعتبر له مضى سنة لحديث صبيغ "أن عمر رضي الله عنه لما ضربه أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة" رواه الإمام أحمد رضي الله عنه.

وروى المروزي عن أحمد أنه قال لا يكلم التائب عن البدعة إلا بعد أن

ص: 257

_________

يأتي عليه سنة كما أمر عمر بن الخطاب أن لا نكلم صبيغ إلا بعد سنة وقال من علامة توبته في هذه السنة أن ينظر إليه فان كان يوالي من عاداه على بدعته ويعادي من والاه فهذه توبة صحيحة واختار القاضي في موضع أن التائب من البدعة كغيره في أنه لا يعتبر إصلاح العمل وقال عن هذا النص محمول على طريق الاختيار الإحتياط وقال وقد قال الإمام أحمد في رواية يعقوب في رجل من الشكاك أظهر التوبة فقال يتوب فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب قال وظاهر هذا أنه لم يجعل مجانبته شرطا في صحة توبته وإنما جعلها ليكون ذلك دلالة على توبته عند من عرف ذلك منه ولم يشترط معنى زائدا على ذلك وهذا اختياره في المغني قال والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فتعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه.

وقال الشيخ تقي الدين من تأمل كلام أحمد وجده إنما يعتبر في جميع المواضع التوبة لكن نحن لا نعلم صدقه في توبته بمجرد قوله قد تبت فلا بد من انكفافه عن ذلك الذنب وعلاماته سنة ليكون هذا دليلا لنا على صدق توبته فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب فجعل التوبة فيما بينه وبين الله صحيحه في الحال وأما عند الناس فيترك مواضع الذنب وهو مجانبة أصحاب الذنب وقول القاضي إنما أمر بذلك ليكون دليلا على توبته عند من عرف ذلك منه ضعيف لأن المجانبة لأهل المقالة المبتدعة واجبة وإنما أمر به لأن ملازمته دليل على القيام بموجب التوبة ولأنه قال حتى يعرف الناس منه ذلك وهذا يقتضي معرفة من عرف أنه قد تاب ومن لم يعرف أنه تاب ألا ترى أن المسألة أنه أظهر التوبة فحقيقة

ص: 258

ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته.

التوبة عن إظهار وكذلك قوله من علامة توبته موالاة من عاداه على البدعة ومعاداة من والاه عليها وقال فهذه توبة صحيحة فعلمت أنه لا بد من علامة تدلنا على صحة التوبة وإلا فلو كان مجردالتكلم بالتوبة موجبا لصحتها لم يحتج إلى علامة.

ثم ذكر الشيخ تقي الدين كلامه المكتوب في القاذف وذكر ابن عقيل أن المبتدع إذا تاب هل تقبل شهادته أو يعتبر به صلاح العمل قال والقياس قبول شهادته لصحة توبته كما قدمناه في الردة والقذف لكن طرحنا القياس ههنا لأجل الإثم والأثر ثم ذكر رواية المروزي المذكورة لقول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك" وقال مالك لا أعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لأبي بكرة.

قوله: "ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولى أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته".

نص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وغيره وأنه يحد شارب النبيذ ويصلى خلفه وتقبل شهادته وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه.

ونقل عنه علي بن الموفق في الصلاة خلف من يشرب النبيذ لا يصلى خلف من يشرب هذا ولا خلف من يجلس إلى من يشرب هذا.

قال القاضي وهذا محمول على ما يسكر ويجوز أن يحمل على ظاهره

ص: 259

_________

فيخرج روايتان ويشهد لذلك ما قاله في رواية أبي الحارث في إمام يبيع كرمه ممن يتخذه خمرا لا يصلون خلفه.

وقال في رواية عبد الله وإبراهيم من استطاع الحج ولم يحج لا تجوز شهادته انتهى كلام القاضي وكذا نقل أبو الحارث.

قال القاضي في موضع آخر وهذا مبالغة في الفور لأنه قد أسقط عدالته في الموضع الذي يسوغ فيه الاجتهاد وقال أيضا وظاهر هذا أنه لم يسوغ الاجتهاد في تأخيره أي تأخير الحج.

وذكره في المغني قولا واحتج له في المغني يقول عمر "ما هم بمسلمين".

وقال ابن أبي موسى الأظهر من قول الإمام أحمد أنه لا تقبل شهادة من شرب النبيذ متأولا ولم يسكر قال في الرعاية لفسقه إذا وهذا قول مالك واختاره الشيخ تقي الدين وقال ترد شهادته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع والعلة أنه موجب للحد وهذا لا يتعداه.

وقال الإمام أحمد في رواية العباس بن محمد في شارب النبيذ أنا أجيز شهادته ولا أصلي خلفه إن وجدته في الجامع.

ولعل "لا" زائدة.

ونقل غير واحد عن الإمام أحمد فيمن ترك الوتر متعمدا ساقط العدالة.

وقال في رواية سندي قيل له فترى أن يكتب عمن يبيع هذه العينة قال لا يعجبني أن يكتب عن معين وفي اللاعب بالشطرنج خلاف سيأتي.

وقال الشيخ تقي الدين في المصرين على ترك الجماعة ترد شهادتهم بل يقاتلون في أحد القولين وهذا عند من لا يقول بوجوبها فأما من قال بوجوبها فإنه يقاتل تاركها ويفسق المصرين على تركها إذا قامت عليهم الحجة التي تبيح القتال والتفسيق كما يقاتل أهل البغي بعد إزالة الشبهة ورفع المظلمة.

قوله في المحرر "متأولا".

ص: 260

_________

وكذا من قلد متأولا ويدخل في كلامه وكلام غيره من قال يقول عليه الصلاة والسلام.

الماء من الماء أو أجاز بيع درهم بدرهمين نقدا.

وظاهر كلامه في الرعاية أنه يفسق في هاتين الصورتين اتفاقا وذكر في المستوعب المسألة كما ذكر غيره وقال وذكر ابن أبي موسى أنه لا تقبل شهادة من يقول الماء من الماء ولا من يجوز بيع درهم بدرهمين نقدا وتعليل هذا أنه لضعف الخلاف فيهما وفي هذا نظر وأما لاعتقاد أن فيهما إجماعا بعد اختلاف وأن هذا إجماع صحيح ففيه نظر أيضا.

فصل

قال القاضي على ظهر أجزاء العدة نقلت من المجموع لأبي حفص البرمكي من خط ولده أبي إسحاق عبد الله سمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في المشاع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا.

قال القاضي هذا محمول على أحد وجهين إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص فهذا فاسق لأنه ترك ما هو الحق عنده واتبع الباطل أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق لأنه أخل بفرضه وهو التقليد فأما إن كان عاميا وقلد في ذلك لم يفسق لأنه قلد من يسوغ اجتهاده.

قال الشيخ تقي الدين قد فسق العاصي المجتهد إذا عمل برخصة مختلف فيها من غير اجتهاد والعامي إذا عمل بها من غير تقليد ومع هذا فكلام الإمام أحمد إنما هو فيمن يتبع الرخص مطلقا المختلف فيها مع ضعفها وهذا فاسق لأنه يفعل الحرام قطعا انتهى كلامه.

ص: 261

وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه.

ولم يقل في موضع آخر مع ضعفها انتهى كلامه.

وما ذكره القاضي هو ظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى وقد ذكروا فيمن صلى وترك شرطا أو ركنا ساغ فيه الخلاف من غير تأويل ولا تقليد أنه لا تصح صلاته في أصح الروايات لأن فرضه التقليد وقد تركه والثانية لا إعادة إن طال الزمن والثالثة تصح مطلقا لخفاء طرق هذه المسائل وعلى هذه الرواية يخرج عدم الفسق في مسألتنا.

ويوافق كلام القاضي قول ابن عقيل لو شرب النبيذ عامي بغير تقليد لعالم فسق.

ووجدت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي الحنبلي الآخذ برخص العلماء هل يفسق أم لا فيه روايتان مثل الآخذ برخص مالك في ترك الشهادة في النكاح والقول بطهارة الكلب والخنزير في حال الحياة وكاستباحة النبيذ على قول النعمان وتزويج ابنته من الزنا على قول الشافعي ونحو ذلك مما ليس له شبهة قوية فأما ما قويت شبهته كمس الذكر في حق المتوضىء وخروج الدم من بقيه البدن وما أشبه ذلك فلا يفسق وهذا كله في حق العالم فأما العامي فموسع عليه في ذلك انتهى كلامه.

فظهر من ذلك أن من فعل مختلفا فيه بغير تأويل ولا تقليد أنه يفسق في المشهور وإن تأول أو قلد إن لم يترخص فلا يفسق وإن تتبع الرخص فهل يفسق أم لا أم يفرق بين ما قوى دليله وما ضعف أم لا يقال بهذه التفرقة في حق العالم فقط أم يفرق بين العامي والعالم مطلقا فيه أقوال.

قوله: "وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه وقد تقدم".

وقال في رواية الأثرم في المحتجم يصلي ولا يتوضأ فإن كان ممن يتدين بهذا

ص: 262

وقيل لا ترد أيضا.

فلا وضوء فيه فلا يعيدون وإن كان يعلم أنه لا يجوز يعيدون كلهم.

قال القاضي فقد أبطل إمامته مع اعتقاده التحريم وإبطال الإمامة ههنا كإبطال الشهادة لأن العدالة شرط فيها وهذا هو المشهور لأنه فعل يحرم على فاعله فأشبه المتفق على تحريمه.

واعتبر في المغني على هذا أن يتكرر ولم أجده في غيره.

وذكر في المستوعب في الصلاة أنه يفسق ولهذا قال في الرعاية فسق على الأصح.

وقوله في المحرر "وقيل لا ترد أيضا".

وهو قول الشافعية لأن لفعله مساغا في الجملة فأشبه المتفق على حله.

ونقض على الشافعية بنص الشافعية في المعتاد مع خلاف إبراهيم بن سعيد وعبيد الله بن الحسن وبمن طلق ثلاثا وأمسك امرأته مع خلاف الحسن.

فأما اعتقاد استباحة هذا المحرم فلا يسقط الشهادة ذكره القاضي وغيره من الأصحاب محل وفاق.

وقد قال عبد الله سئل أبي عن عبد الصمد بن النعمان قال نحن لا نكتب عن عبد الصمد قيل لعبد الله فلم كرهه قال كان يرى العينة.

فصل

هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد المختلف فيه ويشهد به؟.

ينبغي أن يقال يدخل في كلام الأصحاب فإن كان متأولا أو مقلدا لمتأول جاز وفي بعض المواضع خلاف سبق وإلا لم يجز.

وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد

ص: 263

_________

ويشهد به فإن كان ذلك في عقد متفق على فساده كعقد الربا والعقد المشروط فيه الخيار المجهول أو شرط باطل بإجماع لم يجز شهوده ولم تجز الشهادة به فأما إن كان فساده مما يسوغ الاجتهاد فيه فلا يمنع لأنه لا يقطع على فساده نص عليه في رواية أحمد بن صدقة وقد سأله فإن كانوا يشهدون على ربا قال لا يشهدون على ربا إذا علموا.

وقال في رواية حرب في الرجل يدعى إلى الشهادة ويظن أنه ربا أو بيع فاسد قال إذا علم ذلك فلا يشهد.

وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في الرجل يفضل بعض ولده يشهد قال لا يشهد قيل له فقد شهد فقال لا تشهد للذي أشهدك ولا لولده.

وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد لا تشهد على عطية من لم يعدل فيها وكذلك نقل أبو الحارث إذا علمت أنه يريد أن يزوى ميراثه عن ورثته يصيره لبعض دون بعض لا تشهد له بشيء.

قال وظاهر هذا يقتضي أنه لا يشهد وإن كان مختلفا فيه لأن تفضيل بعضهم على بعض مختلف فيه واحتج بقوله: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد".

ولحديث النعمان بن بشير ولحديث."لعن شاهدا الربا" قال ولأن فعل الفاسد منكر وحضور المنكر منكر.

فإن قيل ما رويتموه من الأخبار في أحكام يسوغ فيها الاجتهاد وهو الشهادة في نكاح المحرم وإذا خص بعض أولاده قيل في هذا تنبيه على تحريم ذلك فيما اتفق على فساده وإذا قام الدليل على المختلف فيه خصصناه وبقي تنبيهه على ظاهره.

فان قيل فالشاهد لا يلزم بشهادته وإنما ذلك إلى اجتهاد الحاكم.

قيل وإن لم يلزم فلا يجوز له أن يحضر المنكر لأن حضوره منكر.

ص: 264

_________

فإن قيل فلله حكم في الفاسد كما له حكم في الصحيح فهو ينقل الفساد فينفذه الحاكم؟

قيل فيجب أن يحضر المؤاجر المشاهد بيع الخمر فيشهد بذلك وكذلك دور الفسق لشاهد الزنا فيشهد بذلك لأن لله فيه حكما وهو سقوط ثمن الخمر ومهر الزانية.

قال الشيخ تقي الدين الشهادة عليه إعانة على حصوله والإعانة على المحرم محرمة فأما إذاغلب على ظنه أنه يشهد عليه ليبطله فذلك شيء آخر انتهى كلامه.

وظاهر قول الشيخ تقي الدين كما تقدم في أول الفصل وعليه ما ذكره القاضي في نص الإمام أحمد.

وكذا ما رواه أبو النصر العجلي أنه سمع أبا عبد الله يكره العينة ويكره أن يشهد الرجل على شيء منها هذا إن حملت الكراهة على التحريم وإطلاق القاضي عدم المنع يقتضى جواز الشهادة مطلقا وهو خلاف كلام الإمام أحمد.

وقد يقال ما ضعف دليله وكان خلاف خبر واحد لم يشهد فيه وإلا شهد كعطية الأولاد وما في معناها.

وقال القاضي سعد الدين الحارثي في شرحه العلم بالتفضيل أو التخصيص يمنع تحمل الشهادة به وأداؤها مطلقا حكاه الأصحاب ونص عليه ثم ذكر النصوص السابقة وأن الإمام أحمد قال في رواية أحمد بن سعيد وإن سأله بما استمع عند قاض يرى ذلك جائزا لم يشهد له به وعلله الحارثي بأنه جور فامتنعت الإعانة عليه وذكر أنه قول إسحاق.

ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل نحل نحلة لابنه ولم يعلم الشهود أن له ابنا غيره ثم علموا بعد أن له غيره فدعاهم إلى الشهادة قال إن لم يشهدوا له أرجو ليس عليهم شيء انتهى كلامه.

ص: 265

وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه فلا تقبل

فأما إن احتمل عند الشاهد أن العقد فاسد فإنه يشهد وكذلك ينبغي إن ظن فساده على مقتضى كلام الإمام أحمد السابق لكن هنا ينبغي أن يقال يكره وقد يقال بتحريمه كما في ظن جعل العصير خمرا وظن جعل الدار المستأجرة مكانا يباع فيه الخمر.

وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر فصل الشهادة على الإقرار الذي يعلم أنه تلجئه أو كاذب أو فيه تأويل وقد أبطل الإمام أحمد إقرار التلجئة ونصه مكتوب عند مسألة الإقرار للزوجة إذا أبانها ثم تزوجها وقال في موضع آخر إن الأمر بإقرار باطل مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة فإن الأمر بذلك والشهادة عليه باطل.

قوله: "وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب في يدنسه ويشينه إلى آخره".

المروءة الإنسانية وقال ابن فارس الرجولية وقيل صاحب المروءة من يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس وقيل هو الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه قال أبو زيد يقال مرؤ الرجل أي صار ذا مروءة فهو مري على وزن فعل وتمرأ إذا تكلف المروءة.

والرقاص الذي يعتاد الرقص ويقال رقص يرقص.

والشطرنج قال الجواليقي فارسي معرب وهو بالشين المعجمة المفتوحة ومكسورة وحكى فيه بعضهم بالسين المهملة والمعروف في المذهب تحريم اللعب بالشطرنج.

قال حرب قيل للإمام أحمد أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس

ص: 266

شهادة المصافع والمتمسخر والمغني والرقاص والمشعوذ ومن يلعب بالنرد أو الشطرنج.

كله قيل فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال لا يجوز هكذا وجدت هذا النص.

ونقل الشيخ تقي الدين من زاد المسافر لأبي بكر عن حرب قال قلت لأبي إسحاق أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس كله قلت فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال هو فجور.

وذكرها أبو حفص عن الإمام أحمد انتهى كلامه.

وقال ابن عقيل وقد قال أبو بكر قياس قول الإمام أحمد ومعناه قول الشافعي بالشطرنج وأنه إذا لم يأخذ العوض لم ترد شهادته انتهى كلامه.

وظاهره أنه لا ترد شهادة لاعب الشطرنج بها إذا لم يأخذ العوض.

وقال في الرعاية وقيل يكره فتقبل شهادة من لم يكثر.

فظهر من ذلك أنه لا يحرم في وجه وأن عليه هل تقبل شهادة من أكثر منه فيه وجهان.

وعلى التحريم قال القاضي في موضع هو كالنرد في رد الشهادة وهو قول أبي حنيفة ومالك.

وقال أيضا في موضع اللعب بالشطرنج وسماع الغناء بغير آلة نقول فيه ما نقول في شرب النبيذ وأنه إذا فعل ذلك متأولا لم ترد شهادته وقد أومأ إليه أبو بكر في كتاب الخلاف من الشهادات لأنه حكى قول الشافعي في سماع المغني واللعب بالشطرنج وقال قياس قول أبي عبد الله على مذهب الشافعي لأن التأويل يحتملها وكذا حكى في المغني قول أبي بكر إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته إلا أن يشغله عن الصلاة عند أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات أو

ص: 267

أو الحمام أو يدخل الحمام بلا مئزر أو يأكل في السوق أو يمد رجليه في مجمع

يعلب بها على الطريق أو يفعل في لعبة ما يستخف به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة وهذا مذهب الشافعي كسائر المختلف فيه انتهى كلامه.

وكذا مثل غير واحد من الأصحاب بحكاية ما يضحك منه الناس ونارنجيات وتعزيم وأكله في طريق الناس يرونه وبوله في شارع ومشرعة وكشف رأسه أو بطنه أو صدره أو ظهره في موضع لم تجر عادته بكشفه فيه وخطاب زوجته أو أمته حيث يسمع الناس بلا عذر واستماع الغناء وكشف عورته في حمام أو غيره وتحريش البهائم والجوارح للصيد ودوام اللعب والمعالجة بشيل الأحجار الثقال والمقيرات والأخشاب وما عده الناس سفها وإسقاط مروءة وما فيه المخاطرة بالنفوس والثقاف.

وقال في الرعاية ويستحب تأديب الخيل والثقاف واللعب بالحراب وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض إذا لم يكن فيه دناءة ولا ترد به الشهادة.

وقال ابن عقيل في الفنون مثل الأكل على الطريق ومد الرجلين بين الجلساء وكشف الرأس بين الملأ والقهقهة وقال في موضع آخر الأرجوحة والتعلق عليها والترجيح فيها مكروه نهى عنه السلف وقيل إنها لعبة الشيطان فلا تقبل شهادة المدمن لها وقال في موضع آخر وتكره الأراجيح وكل ما يسمى لعبا إلا ما كان إعانة على الحرب كاللعب بالحراب والأسلحة والرماية وقال في موضع آخر فأما حبس المطربات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنهما في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا لأنه ليس من الحاجات لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش وحبسها تعذيب فيحتمل أن ترد باستدامته الشهادة ويحتمل أن لا ترد لأن ذلك ليس من الأمور البعيدة عن المباح وقال أيضا في موضع آخر في هذه المسألة أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا

ص: 268

الناس أو يتحدث بمباضعة أهله ونحوه.

لينوح فيستلذ بنياحته وقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها1.

فإنما جازت شهادته لأن الإمام أحمد قد نص على أن القاضي إذا شهد بعد عزله على قضية أن شهادته تقبل فأولى أن تقبل شهادة القاسم وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والأصطخري.

قال القاضي دليلنا أن القاسم بغير أجر يتصرف من جهة الحكم فوجب أن يقبل قوله فيه دليله الحاكم يقبل قوله فيما يحكم به به في حال ولايته عندهم وعندنا يقبل في حالة الولاية وبعد الولاية ولا يلزم عليه إذا قسم بأجرة لأن تصرفه لا يكون من جهة الحكم لأنه أجير وشهادة الأجير لا تجوز فيما يستحق عليه الأجرة لأن لهما فيه منفعة وهو استحقاق الأجرة متى صحت القسمة وهذا معنى كلام أصحاب القاضي كأبي الخطاب والشريف.

قال الشيخ تقي الدين والتعليل الأول يقتضي أن قول القاسم خبر لا شهادة كالحاكم والتعليل الثاني ضعيف لأنه يوجب أن لا تقبل شهادتهما بالقيمة والقدر لأنهما يستحقان عليه الأجرة ولأن الأمناء تقبل أقوالهم فيما يستحقون عليه أجرة كالوصي في العمل والإنفاق وذلك لأنهما تراضيا بأن يكون حكما بينهما يجعل كالحاكم لو أعطيناه جعلا على ما ذكره بعض أصحابنا وشبيه بهذا ما لو رضي الخصم بشهادة عدوه أو أبى خصمه ومن يتهم عليه أو رضي بقضائه وكذلك شهادة الظئر المستأجرة بالرضاع وشهادة القابلة بالولادة انتهى كلام الشيخ تقي الدين.

وقال أيضا بناها القاضي على أن شهادة الإنسان على فعل نفسه تقبل

_________

1 سقط من الأصل ورقة أو أكثر.

ص: 269

وأما أصحاب الصناعة الدنية عرفا كالحارس والحائك والنخال والصباغ والحجام والكساح والقمام والزبال والكناس والدباغ والنفاط ونحوهم فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقهم في دينهم.

كالمرضعة ضعف مأخذهما من وافقه أنهما ليسا شهادة على فعل نفسه انتهى كلامه.

وقال القاضي قال مالك والشافعي لا تجوز شهادتهما.

قال الشيخ تقي الدين وكذلك قال القاضي في مسألة الحكم بالعلم في حكمه بعلمه سبب يوجب التهمة وهو أنه يثبت حكمه بقوله فهو كقاسمي الحاكم إذا شهدا بالقسمة لم يحكم بشهادتهما لأنهما أثبتا فعلهما بشهادتهما.

وقوله: "وأما أصحاب الصناعة الدنيئة عرفا إلى آخره".

فالنخال: الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها والقمام الذي يجمع القمامة وهي الكناسة ويحملها والفعل منه قم يقم والجمع قمام والمقمة المكنسة وقممت البيت كنسته.

قوله: "فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقتهم في دينهم".

لأن للناس حاجة إلى ذلك فرد شهادة فاعله تمنع من تعاطيه ومن الأصحاب من ذكر المسألة على الوجهين ومنهم من ذكر فيها روايتين.

ووجه عدم القبول أن تعاطي ذلك يتجنبه أهل المروءات وقطع في الكافي أن الحائك والدباغ والحارث تقبل شهادتهم لغيرهم.

وقطع في المغني بأن الكساح والكناس لا تقبل شهادتهم لغيرهم وهو معنى ما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.

قال في الرعاية بعد حكاية الخلاف وكذا الخلاف في النخاس والدباب والوقاد والصائغ.

ص: 270

ولا يقبل مستور الحال منهم وإن قبلناه من غيرهم.

قال ابن حمدان وكذا الجصاص والطفيلي والقيم والمصارع والمصور والمكاري والحمال والجزار ومن لبس من الرجال زي النساء أو زي أهل الذمة أو غير زي بلده الذي يسكنه أو غير الزي المعتاد بلا عذر أو أكثر الضحك والاستهزاء بالناس وكلامهم وإطراحهم ومناكدتهم.

وقال في المغني فأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا لا ترد الشهادة إلا من كان منهم يحلف كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه فلا شك أن شهادته ترد وكذلك من كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها أولا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له ومن كانت صناعته محرمة كصانع الزمامير والطنابير فلا شهادة له ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتق ذلك ردت شهادته.

قال ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوى وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافا قال لأنه يأكل محرما ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة فإن لم يتكرر هذا منه لم ترد شهادته فإنه من الصغائر.

وقال الأزجي الحنبلي في نهاية المطلب له والصناعات تنقسم إلى مباح وهي مالا دين فيه ككتابة وبناء وخياطة وإلى حرام كتصوير ونحوه وإلى مكروه وهو ما يباشر فيه النجاسة كحجام وجزار.

قال وهل يدخل الفاصد في هذه الكراهة الظاهر أنه يلتحق بذلك وكذلك الختان بل أولى لكونه يباشر العورات وعلى هذا يكره كل كسب

ص: 271

ولا تقبل شهادة الكفار إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم.

دنيء كدباغ وسماك وقيم وحلاق وقد قيل إن الحمامي يلتحق بهؤلاء والصحيح أنه لا يلتحق بهم انتهى كلامه.

وذكره السماك في هؤلاء فيه نظر وصرح ابن عقيل في الفنون أنه لا تقبل شهادة الخياط وفي ذكره الخياط نظر.

قوله: "إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم".

كذا ذكره الأصحاب تصريحا وظاهرا قال القاضي نص عليه في رواية عبد الله فقال قال الله تعالى: [282:2]{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس ممن يرضى وقال تعالى: [95:5]{ذَوَا عَدْلٍ} وليسوا بعدول.

فظاهر الآية يدل على أن لا شهادة لهم في المواضع التي أجازها أبو موسى الأشعري في السفر في الوصية.

وكذلك نقل المروزي فقال الآية تدل على ذلك فيقسمان بالله ثم أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم وهذه ضرورة.

قال الشيخ تقي الدين وهل تعتبر عدالة الكافرين في الوصية في دينهما عموم كلام الأصحاب يقتضي أنه لا يعتبر وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم.

وصرح القاضي بأن العدالة غير معتبرة في هذه الحال والقرائن تدل عليه وكذلك الآثار المرفوعة والموقوفة.

وأما المسلمون فصرح القاضي أنه لا تقبل شهادة فساق المسلمين في هذه الحال جعله محل وفاق واعتذر عنه انتهى كلامه.

ص: 272

وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل.

وسيأتي في ذكر مسألة ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء من كلامه ما يخالفه وقال أكثر العلماء منهم الأئمة الثلاثة لا تقبل شهادتهم على المسلمين بحال ولم أجد بهذا قولا في مذهبنا.

وقد قال الإمام أحمد في رواية حرب وغيره لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى يقول: [282:2]{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليسوا ممن نرضى وظاهره كقول الأئمة الثلاثة إلا أنه صرح بخلافه في غير موضع.

قوله: "وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان".

إحداهما يعتبر قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأن الأصل عدم قبول خولف في أهل الكتاب لأن الأخبار المروية في ذلك إنما هي في أهل الكتاب فيقتصر عليها.

والثانية لا يعتبر قدمه في الرعاية وهو ظاهر كلام جماعة في ظاهر قوله تعالى: [106:5]{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} .

فعلى الأولى هل يعتبر كونهم من أهل الذمة ظاهر كلامه في المستوعب والمغني وابن هبيرة وغيرهم كلام أنه يعتبر وظاهر كلامه في الكافي وغيره أنه لا يعتبر وقدمه في الرعاية فهذا وجهان على هذه الرواية وقطع بعضهم بأنه يعتبر أن يكونوا رجالا ولم أجد ما يخالفه صريحا.

قوله ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل للآية وتصريح خبر أبي موسى.

قال ابن قتيبة لأنه وقت يعظمه أهل الأديان.

ص: 273

_________

قال الشيخ تقي الدين هذا يناسب الشهادة والأمانة على المال ما خانوا في الأمانة ولا حرفوا الشهادة انتهى كلامه.

قال في الرعاية يجب ذلك وقيل يستحب قال القاضي في ضمن مسألة تغليظ اليمين في الدعاوي يحمل الاستحلاف في الآية عليه إذا رآه الإمام أزجر للحالف يعني كاستحلاف الخصم.

وقال القاضي في احكام القرآن يستحلف الشهود بعد صلاة العصر إذا كانوا من غير أهل ملتنا إذا اتهمهم الورثة في الشهادة لأنه قال: [106:5]{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كان الموصي المشهود له من ذوي قربى الشهود {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} فيما أوصى به الميت وأشهدهما عليه ولذلك قال فيما بعد: [108:5]{أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الشهود عند ارتياب الورثة.

قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن استحلاف الشهود حق للمشهود عليه فإن شاء حلفهم وإن شاء لم يحلفهم ليست حقا لله وهو ظاهر القرآن.

فصل

لو حكم حاكم بخلاف قولنا في هذه المسألة فهل ينقض حكمه.

احتج به في المغني بالآية الكريمة ثم قال وهذا نص الكتاب وقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتهى كلامه.

وقد عرف من مذهبنا أن حكم الحاكم ينقض إذا خالف نص كتاب أو سنة.

وهذا يوافق ما قاله في الروضة "أن النص إذا تطرق إليه الاحتمال ولا دليل عليه لا يخرجه عن كونه نصا".

قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن ينقض حكم الحاكم إذا حكم بخلاف هذه الآية فإنه خالف نص الكتاب بتأويلات غير متجهة انتهى كلامه.

ص: 274

_________

وهذه المسألة قد يعايى بها يقال أين لنا مفردة لا يتحقق فيها خلاف عندنا لو حكم حاكم بخلاف قولنا فيها نقض حكمه.

فصل

المذهب أنه لا تقبل شهادة الكافر في غير الوصية في السفر وسيأتي الكلام في شهادة بعضهم على بعض وقال أبو حفص البرمكي تقبل شهادة السبي بعضهم على بعض في النسب إذا ادعى الآخر أنه أخوه.

قال ابن عقيل ولا أعرفه التعليل يجب أن يكون تصحيحا لشهادة بعضهم على بعض في الجملة.

وقال القاضي أبو الحسين في التمام لا تختلف الرواية إذا سبى قوم ثم عتقوا فادعوا أنسابهم لم يقبل إقرارهم حتى يقيموا البينة واختلفت الرواية هل من شرط البينة أن يكونوا من المسلمين؟ على روايتين.

أصحهما لا تسمع إلا من مسلم وبه قال الشافعي والثانية تسمع من الكافر.

وجه الأولى اختارها الخرقي ما روى الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن لا تورث حميلا حتى تقوم بينة من المسلمين والحميل المجهول من النسب على غيره وقد جاء عن العرب حميل بمعنى محمول.

ووجه الثانية أنه يتعذر إقامة المسلمين فأشبه الوصية في السفر تقبل فيها شهادة أهل الذمة لتعذر المسلمين هناك انتهى كلامه.

وقد ذكر القاضي أبو يعلى هذه المسألة فقال وقد قال الإمام أحمد في السبي إذا ادعوا نسبا وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم نص عليه في رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم لأنه قد تتعذر البينة العادلة ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب لأنه لا نص في ذلك.

ص: 275

_________

قال الشيخ تقي الدين فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه روايتان لكن التحليف هنا لم يتعرضوا له فيمكن أن يقال لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا في التحميل بخلاف ما إذا كانوا أصولا قد علموا من غير تحميل.

وقال أيضا نقل ابن صدقة عن الإمام أحمد سئل الإمام أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضر إلا النساء هل تجوز شهادتهن قال نعم تجوز شهادتهن في الحقوق ذكرها القاضي مستشهدا بقبول الشهادة حال الضرورة.

وظاهر هذه أنه تقبل شهادة النساء منفردات في الوصية مطلقا كما تقبل شهادة الكفار وهذا يؤيد ما ذكرته يعني ما تقدم من أنها تقبل في السفر والحضر إذا لم يكن ثم مسلم.

وفي موضع آخر قال يعني القاضي نقلت من خط أبي حفص عن سندى1 القزاز قال وسئل عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضره إلا النساء هل يجوز شهادتهن في الحقوق يحتمل أنها تقبل مع يمين الموصى له كأحد الزوجين.

ويتوجه أن يكون ذلك فيما ليس له منكر فإن الشهادة على الميت ليست كالشهادة على الحي فإنه إما أن يقر أو يجحد فإن جحد كل جحده معارضا لأحدهما وسلم الآخر بخلاف مالا معارض له ولهذا قلنا إن الإمام لا يرجع حتى يسبح به اثنان في الصلاة وهذا فرق معنوي.

وقال أيضا قول الإمام أحمد أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم هذه ضرورة فيقتضي عمومه أنها لا تقبل في السفر على كل شيء عند عدم

1 بهامش الأصل: في نسخة عن حبيب القزاز.

ص: 276

المسلمين فتقبل على الإقرار وعلى نفس الموت لأجل انتقال الإرث وزوال النكاح وعلى القتال وعلى غير ذلك وهذا هو القياس الجلي فإنها إذا قبلت على الوصية فلأن تقبل على الموت أولى وأحرى وليس في الوصية معنى إلا وقد يوجد في غيرها مثله أو أقوى أو قريب ولذلك قلنا شهادتهم في إحدى الروايتين بالنسب والولادة في مسألة الحميل إذ ليس هناك من يعلم النسب من المسلمين.

قال وقوله: "هذه ضرورة" يقتضى هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضرا وسفرا وعلى هذا فشهادة بعضهم على بعض ضرورة فلو قيل إنهم يحلفون في شهادة بعضهم على بعض كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين وأصحابهم في وصية السفر لكان متوجها ولو قيل بقبول شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عدم فيه المسلمون لكان له وجه وتكون شهادتهم بدلا مطلقا يؤيد ما ذكرته ما ذكره القاضي وغيره محتجا به وهو في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد "أن رجلا من المسلمين خرج فمر بقرية فمرض ومعه رجلان من المسلمين فدفع إليهما ماله ثم قال ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه فلم يجدوا أحدا من المسلمين في تلك القرية فدعوا أناسا من اليهود والنصارى فأشهدهم على ما دفع إليهما وذكر القصة فانطلقوا إلى ابن مسعود فأمر اليهود أن يحلفوا بالله لقد ترك من المال كذا ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أن شهادة اليهود والنصارى حق فحلفوا فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى وكان ذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه".

قال أبو العباس فهذه شهادة الميت على وصيته قد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة لأنهم المدعون والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة.

ص: 277

_________

ولعل ابن مسعود أخذ هذا من جهة أن الورثة يستحقون بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثما فلذلك يستحقون على الوصيين بشهادة الذميين بطريق الأولى وهذا يؤيد ما ذكرته باطنها انتهى كلامه يعني باطن الورقة وسيأتي ذلك.

فظهر من مجموع ذلك أنه هل تقبل شهادة الكفار في غير الوصية في السفر في كل شيء عند عدم المسلمين حضرا وسفرا أو لا تقبل في غير الوصية في السفر أو تقبل ضرورة في السفر خاصة أو تقبل في مسألة الحميل خاصة أربع روايات.

وإذا قبلت شهادتهم فهل يحلفون فيه تفصيل سبق وقد قال ابن حزم اتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر.

فصل

قال الشيخ تقي الدين سنح لي في الآية [118:5-106] أن ورثة السهمي1 لما ادعوا الجام المفضض والمخوص فأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام على ظهر الجام المدعي وذكر مشتريه أنه كان اشتراه من الوصيين صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين فإذا حلف الأوليان أن الجام كان لصاحبهم صدقا في ذلك وهذا لوث في الأموال نظير اللوث في الدماء لكن هناك ردت اليمين على المدعي بعد أن حلف المدعى عليه فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمه كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه وإن كان المطلوب حالفا أو باذلا للحالف وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "حلفا أن الجام لصاحبهم" وفي حديث عكرمة "ادعيا أنهما اشترياه منه فحلف الأوليان على

1 اسمه بديل بن أبي مريم.

ص: 278

_________

أنهما ما كتما ولا غيبا" وهي أشياء فكان في هذه الرواية أنه لما كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوه.

فجنس هذا الباب أن المطلوب إذا حلف ثم ظهر كذبه هل يقضي للمدعى بيمينه فيما يدعيه لأن اليمين مشروعة في جانب الأقوى فإذا ظهر صدق المدعي في البعض وكذب المطلوب قوى جانب المدعي فحلف كما يحلف مع شاهد واحد وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على اليد الحسية.

قال وقال القاضي في أحكام القرآن قوله تعالى [107:5]{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعني ظهور شيء من مال الميت في يد الوصي لم يشهدا به {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يعني في اليمين لأن الوصي يحصل مدعيا والورثة ينكرونه فصارت اليمين عليهم وعسي أنه لو لم يكن للميت إلا وارثان فكانا يدعيا عليها لأن هذه الآية وردت على سبب معين فيحتمل أن يكون الورثة اثنان.

وقال في مسألة القضاء بالنكول هذه الآية وردت في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا شهدوا على الميت وحلف الشهود إذا كانوا من أهل الذمة ثم ظهر في يد الوصي شيء من مال الميت لم يشهد به الشهود فإن للورثة أن يحلفوا أنه لم يوص به لأنهم منكرون لدعوى الوصي أنه موصى له فيكون قوله تعالى: [108:5]{أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الورثة فيما ظهر أنه لم يكن موصى به بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به.

قال الشيخ تقي الدين كيف بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به وقد قال لم يشهد به الشهود لكن كأنه قصد بعد أيمان الشهود فيما شهدوا أنه موصى به وهذا المعنى ضعيف لأن رد اليمين بهذا الاعتبار لأوصيتم1 على

1 كذا في الأصل.

ص: 279

_________

به حتى يحلفوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم اللهم إلا أن يقال هذا يحملهم على أن يشهدوا بجميع ما قبضه الوصي ولا يكتموا الشهادة ببعض ما قبضه لئلا ترد لكن الشهادة عليه بالقبض ليست شهادة على الميت وهل حكمها حكمها قد بينته في غير هذا الموضع.

وقال يعني القاضي من يقول يرد اليمين على المدعي إذا نكل المطلوب يقول معنى الآية أقر برد أيمان عند عدم أيمانهم.

وقال الشيخ تقي الدين وقد ذكر المالكية مسألة يحكم فيها بيمين المدعيين على أحد القولين وهو ما إذا غار قوم على بيت رجل فأخذوا ما فيه والناس ينظرون إليهم ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه ولكن على أنهم أغاروا وانتبهوا فقال ابن القاسم وابن الماجشون القول قول المنتهب مع يمينه لأن مالكا قال في منتهب الصرة يختلفان في عددها القول قول المنتهب مع يمينه وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب القول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشبه ويحمل على الظالم قال مطرف ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه لأن بعضهم عون لبعض كالسراق المحاربين ولو أخذوا جميعا وهم أملياء كل واحد منهم ما ينوبه وقال ابن الماجشون وأصبغ في الضمان قالوا والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل ما مره بينهم1 أو على وجه الفساد وكذلك والى البلد يغير على أهل ولايته وينهب ظلما مثل ذلك في المغيرين.

قال الشيخ تقي الدين المحاربون قصدهم المال مطلقا والمغيرون قصدهم من قوم بأعيانهم.

قال ابن القاسم ولو ثبت أن رجلين غصبا عبدا ففات فله به أخذ قيمته من المليء ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه انتهى كلامه.

1 كذا في الأصل.

ص: 280

وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.

فصل

قال القاضي لا يحلف الشاهد على أصلنا إلا في موضعين هنا وفي شهادة المرأة بالرضاع.

قال الشيخ تقي الدين هذان الموضعان قبل فيهما الكافر والمرأة وحدها للضرورة فقياسه أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف.

قوله: "وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض".

نقل الجماعة المروذي وأبو داود وحرب والميموني لا تجوز شهادة بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى قال: [282:2]{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس الذمي ممن نرضى وبه قال مالك والشافعي.

قال القاضي ونقل حنبل عنه تجوز شهادة بعضهم على بعض.

واختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو بكر الخلال وصاحبه غلط حنبل فيما نقل والمذهب أنه لا تقبل.

وكان شيخنا1 يحمل المسألة على روايتين إحداهما تجوز شهادة بعضهم على بعض على ظاهر ما رواه حنبل والثانية لا تجوز وهو الصحيح انتهى كلامه.

قال أبو الخطاب وقال ابن حامد وشيخنا المسألة على روايتين قال وهو الصحيح فإن حنبلا ثقة ضابط وروايته أقوى في باب القياس ويعضد هذا أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أجاز شهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر فلولا كونهم أهلا للشهادة لما جازت ونصر أبو الخطاب هذه الرواية وهي قول أبي حنيفة وجماعة.

_________

1 لعله يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لأنه شيخ ابن مفلح

ص: 281

_________

قال الشيخ تقي الدين وهي إن شاء الله أصح انتهى كلامه وقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة بعضهم على بعض رواه ابن ماجة وغيره من رواية مجالد وهو ضعيف عند الأكثر ويحتمل أنه أراد اليمين فإنها تسمى شهادة قال الله تعالى: [6:24]{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} .

وقال الشيخ تقي الدين وهذا الخلاف على أصلنا إنما هو حيث لا نجيز شهادتهم على المسلمين فأما إذا أجزنا شهادتهم على المسلمين فعلى أنفسهم أولى كما ذكره الجد في الوصية في السفر وقد ذكر في قبول شهادتهم في كل ضرورة غير الوصية روايتين كالشهادة على الأنساب التي بينهم في دار الحرب فعلى هذه الرواية تقبل شهادة بعضهم على بعض في كل موضع ضرورة كما تقبل على المسلمين وأولى بنفي التحليف وضرورة شهادة بعضهم على بعض أكثر من ضرورة المسلمين فيقرب الأمر انتهى كلامه وقد تقدمت هذه الرواية التي ذكرها.

وأما على الرواية التي تقبل شهادة بعضهم على بعض فتقبل مطلقا بعضهم تصريحا وبعضهم ظاهرا لما في تكليفهم إشهاد المسلمين من الحرج والمشقة وعلى هذه الرواية لا يختلف.

وتقدم كلام الشيخ تقي الدين فتارة مال إليه مطلقا وتارة فصل وعلى هذه الرواية تعتبر عدالته في دينه صرح به القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ولم أجد ما يخالفه صريحا.

فصل

ترجم القاضي وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.

وترجم أبو الخطاب وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وقال في أثناء بحث المسألة فأما الحربي فلا تقبل شهادته على أهل ذمتنا.

ص: 282

وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان والأول المذهب.

ولا تقبل شهادة الصبيان بحال.

لعلوه على ذمة الإسلام ولانقطاع الولاية بينه وبين أهل الذمة فأما شهادته على حربي مثله فتقبل.

فظهر من ذلك أنه هل تقبل شهادة المستأمن والحربي أولا أو تقبل على مثله خاصة فيه ثلاثة أقوال وأنه هل تقبل شهادة الذمي على المستأمن والحربي فيه قولان.

قوله: "وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان".

ذكر أبو الخطاب وغيره ما معناه أنه إنما لم تقبل شهادتهم على المسلمين لأنهم يعادونهم بالباطل وشهادة العدو لا تقبل ولا يلزمنا شهادة اليهود على النصارى فإنا لا نقبلها إذا قلنا الكفر ملل وهو رواية لنا وبه قال قتادة والزهري وابن أبي ليلى وأبو عبيدة وإسحاق.

وإذا قلنا الكفر ملة واحدة وهي رواية لنا قبلناها وهو قول أبي حنيفة وبينهم عداوة ظاهرة وهي عداوة بباطل ويجوز أن يقال بل وعدواتهم بحق لأن اليهود تنكر على النصارى قولهم المسيح ابن الله وهو إنكار بحق والنصارى تنكر على اليهود جحد نبوة عيسى وقولهم عزيز ابن الله وهو إنكار بحق فقبلت شهادتهم كشهادة المسلمين عليهم.

قوله: "ولا تقبل شهادة الصبيان بحال".

هذا هو المذهب وذكر جماعة أنه أصح الروايات منهم القاضي وقال نقل ذلك الميموني وحرب وابن منصور فقال لا تجوز شهادة الصبي حتى يحتلم أو يتم له خمسة عشر سنة وهو اختيار الخرقي وأبي بكر انتهى كلامه واختاره غيرهما من الأصحاب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.

ص: 283

وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفرقهم عن الحال التي تجارحوا عليها.

قوله: "وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط".

قال القاضي وفي رواية أخرى تجوز شهادته في الجملة إذا كان مميزا وهو ظاهر ما رواه ابن إبراهيم وسئل هل تجوز شهادة الغلام قال إذا كان ابن عشر سنين أو اثنى عشرة سنة وأقام شهادته جازت شهادته انتهى كلامه.

وهذا النص إنما يدل لما ذكره بعض الأصحاب من أنه تقبل شهادة ابن عشر لأنه يضرب على الصلاة أشبه البالغ ولم أجد ما ذكره المصنف نصا عن الإمام أحمد ووجهه أنه مأمور بالصلاة أشبه البالغ وقد يقال إذا وجدت فيه بقية الشروط يدخل في قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قال ابن حامد تقبل على هذه الرواية في غير الحدود والقصاص كالعبد.

قوله: "وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفريقهم عن الحال التي تجارحوا عليها".

لأن الظاهر صدقهم وضبطهم وإذا تفرقوا احتمل أن تلغو.

قال القاضي وفيه رواية أخرى تجوز شهادتهم في الجراح والقتل إذا جاءوا مجتمعين على الحال التي تجارحوا عليها أو يشهد على شهادتهم قبل أن يتفرقوا ولا يلتفت بعد ذلك إلى رجوعهم فأما إن تفرقوا ثم شهدوا بها لم تقبل وهذا ظاهر ما نقله حنبل عنه تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح فإذا كانوا في المالا1 بأنهم عقلوا.

_________

1 كذا في الأصل غير منقوطة ولعلها "تثبتنا شهادتهم إذا عقلوا" أو نحو هذا.

ص: 284

_________

قال القاضي فقد أطلق القول بجوازها في الجراح لكنه محمول على التفصيل الذي ذكرناه لأنه صار في ذلك إلى قول على وهو على ذلك الوجه وذكر القاضي أن هذا قول مالك ومن الأصحاب من جمع ذلك وذكر روايتين.

قال القاضي بعد كلامه المذكور وقد ذكر أبو بكر هذه الرواية على التفصيل الذي ذكرنا في تعاليق أبي إسحاق فقال روى عن علي رضي الله عنه قال شهادة الصبيان بعضهم على بعض تجوز ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل قال أحمد ابن حنبل كذلك وزاد فإذا تفرقوا لم تقبل لأنه يمكن أن يجيبوا انتهى كلامه وليس ما ذكره موافق لما ذكره القاضي وإنما هو رواية أخرى بقبول شهادتهم بعضهم على بعض في كل شيء ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل.

قال الإمام أحمد في رواية المروزي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن خلاس أن عليا قال شهادة الصبيان على الصبيان جائزة وذكره في المغني عن علي وعن جماعة وهو قول في الرعاية فقال وقيل تقبل على مثله وعن أحمد ما يدل عليه قال عبد الله سألت أبي عن شهادة الصبيان فقال علي أجاز شهادة الصبيان الذين عرفوا بعضهم على بعض وروى سعيد حدثنا هاشم عن مغيرة عن إبراهيم قال "كانوا يجيزون شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما كان بينهم" فهذه ثمانية أقوال في المذهب إن لم يكن رواية عن الإمام أحمد وسيأتي في الفصل بعد هذا حكاية القاضي أن شهادتهم بالمال لا تقبل.

فصل

قال الشيخ تقي الدين وذكر القاضي أنه لا يقبل إقراره وفاقا قال وهذا عندي عجيب واعتذروا عنه بأن إقراره لا يكون إلا بالمال إما عليه وإما

ص: 285

ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه.

على غيره قال وذكر عنهم أن الخلاف في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل قال الشيخ تقي الدين وهذا أيضا عجيب فإن الصبيان لا قود بينهم وإنما الشهادة بما يوجب المال وما أظن إلا أنهم أسقطوا الإقرار لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف بخلاف المشهود به ولا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض وهل تقبل شهادة الصبيان على المعلم ذكرابن القصار فيه خلافا بين أصحابه انتهى كلامه.

وذكر في المغني أن إقرار الصبي لا يصح بغير خلاف نعلمه واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام."رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم الصبي حتى يبلغ" ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح منهم كالبلغ وما ذكره القاضي من أن الخلاف عنهم في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل تقدم أنا قبلنا شهادتهم وقال ابن حامد في غير الحدود والقصاص كالعبد.

وما ذكره من أنها لا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض هذا ينبغي أن يكون على رواية حنبل لا تقبل إلا في الجراح أما على غيرها من روايات القبول فتقبل وحكاية ابن القصار الخلاف في قبول شهادتهم على المعلم يدخل في الأقوال السابقة القبول وعدمه والمذهب عدم القبول مطقا كما تقدم.

قوله: "ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه".

فقال في رواية حرب من كان أخرس فهو أصم لا تجوز شهادته وهذا هو المذهب المنصور وبهذا قال أبو حنيفة وحكاه القاضي وغيره عن الشافعي لأنها محتملة والشهادة يعتبر فيها اليقين فلم تقبل كإشارة الناطق وإنما قبلت في أحكامه المختصة به كالطلاق والعتق والنكاح والبيع واللعان واليمين للضرورة

ص: 286

وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل.

وقيل تقبل بالإشارة ممن فهمت منه فيما طريقة الرؤية وقد أومأ إليه أيضا.

وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وبما سمعه قبل صممه.

وهي هنا معدومة وهي أن تلك الأشياء لا تستفاد إلا من جهته بخلاف الشهادة وقال القاضي وقد قيل إن تلك الأشياء ينبنى أمرها على غالب الظن دون الشهادة.

قوله: "وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل".

قيل للإمام أحمد في رواية حرب فإن كتبها فقال لم يبلغني فيه شيء قال أبو بكر عبد العزيز لا يعمل على الكتاب والشهادة لا تجوز على من لا يعرف.

وكأن وجه قول أبي بكر وصاحب المحرر الاختلاف في الكتابة هل هي صريحة حتى لو كتب طلاق امرأته ولم ينو فيه قولان.

قوله: "وقيل تقبل بالإشارة الخ".

هذا قول مالك لأنها أقيمت مقام نطقه في أحكامه فكذا في شهادته وحكاه في المغني عن الشافعي وهذا أحد الوجهين في مذهبه والأصح فيه عدم القبول.

قوله: "وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وفيما سمعه قبل صححه".

لأنه في ذلك كمن لا صمم به ولأنه فيما رآه كغيره من الناس وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي في مسألة الأعمى العمى فقد حاسة لا تمنع النظر1

_________

1 كذا بالأصل. ولعله "تمنع النظر ولا تمنع السمع"

ص: 287

وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات.

والسمع فلم تمنع من تحمل الشهادة كفقد الشم والذوق ولا يلزم عليه الخرس لأنه يمنع النطق ولا يلزم عليه الصمم لأنه يمنع السمع ولذلك قال بعد ذلك لا ينتقض بالأخرس وبالأطرش ثم قال الأصم لا يجوز قضاؤه ويصح أداء الشهادة منه ذكره محل وفاق.

قوله: "وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات".

يجوز للأعمى تحمل الشهادة فيما طريقه الصوت كالنسب والموت والملك المطلق والوقف والعتق والولاء وسائر العقود كالنكاح والبيع والصلح والإجارة والإقرار نص عليه في رواية مهنا فقال تجوز شهادة الأعمى في نسب الرجل إذا عرف أنه فلان وتجوز في النكاح شهادة مكفوفين ولا تجوز شهادة أعمى في الزنا ولذلك نقل الأثرم عنه قال إذا كان شيئا يضبطه مثله في النسب وما أشبهه ودار قد عرف حدودها قبل عماه فإن كان أعمى لم يزل فعلى ما يشبه أن يقوم به مثله ذكره القاضي وهو معنى كلام غيره وهو قول مالك وابن المنذر وروى عن علي وابن عباس قال أحمد في رواية مهنا قد أجاز على شهادة أعمى يروى من حديث أبي عوانة عن الأسود بن قيس أن عليا "أجاز شهادة أعمى" واحتج في الرواية محمد بن الحكم بالذين سمعوا من عوانة مثل الأسود وغيره وهذا أعظم لأنه يؤخذ به ويعمل به ويحكم لأنه يحصل له العلم بذلك وتجوز روايته بالسماع واستماعه لزوجته فجازت شهادته كالبصير وهذا بخلاف ما طريقه الرؤية لأنه لا رؤية له وقال أبو حنيفة لا تقبل في شيء أصلا مع تسليمه أن النكاح ينعقد بشهادة أعميين قال الإمام أحمد في رواية مهنا شهد قتادة عند إياس بن معاوية وهو أعمى فرد شهادته وقال الشافعي تقبل في ثلاث مواضع أحدها ما طريقه الاستفاضة كالنسب

ص: 288

وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان.

والموت والنكاح ونحوه والثاني الضبط وهو أن يتعلق بإنسان فيسمع إقراره فيجوز أن يشهد عليه الثالث في الترجمة.

قوله وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه.

وبه قال الشافعي لما تقدم ولحدوث الصمم وروى الخلال عن إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن شهادة الأعمى فيما قد عرفه قبل أن يعمى فقال جائز في كل ما ظنه مثل النسب ولا تجوز في الحدود وقال أبو حنيفة لا تجوز أصلا وذكر أحمد عن أصحاب أبي حنيفة الجواز في هذه المسألة.

قوله: "فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان".

من الأصحاب من يعيد هذا إلى المسألة الأخيرة قال القاضي فإن تحمل الشهادة على الأفعال ثم آداها وهو أعمى جاز سواء كان على الاسم والنسب أو على الأعيان دون الاسم والنسب على ظاهر ما رواه الأثرم عنه.

وقوله: "إذا كان شيئا يضبطه وقد عرفه قبل عماه".

قال وقال أصحاب الشافعي إن كان قد تحملها على الاسم والنسب جاز وجها واحدا وإن كان على الأعيان فعلى وجهين.

وقال بعض أصحابنا بعد أن ذكر هذين الوجهين وكذا قيل إن عرفه بصوته فوصفه للحاكم بما يميزه فيه الوجهان ووجه الجواز عموم ما تقدم ووجه عدمه أن هذا مما لا ينضبط غالبا.

فصل

فأما الشهادة على الأفعال فلا تجوز ذكره القاضي محل وفاق واعتذر

ص: 289

_________

بأن الأفعال طريقها المشاهدة وذلك لا يمكن حصوله من الأعمى وكذلك ذكره غير القاضي.

قال الشيخ تقي الدين ما علمه بالاستفاضة كالولادة شهد به على قول الخرقي انتهى كلامه وهو معنى كلام القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما لأنه فيما علم بالاستفاضة كالبصير.

فصل

قال الشيخ تقي الدين بعد مسألة شهادة الأعمى كذلك إذا تعذر وجود1 المشهود عليه بموت أو غيبة أو حبس فشهد البصير على حليته إذ في الموضعين تعذرت الرؤية من الشاهد فأما الشاهد نفسه هل له أن يعين من رآه وكتب صفته أو ضبطها ثم رأى شخصا بتلك الصفة هذا أبعد فإن ذاك تعريف من الحاكم وهذا تعريف من الشاهد وهو شبيه بخطه إذا رآه ولم يذكر الشهادة انتهى كلامه.

فصل

فإن قال الأعمى أشهد أن لفلان علي هذا شيئا ولم يذكر اسمه ونسبه أو شهد البصير على رجل من وراء حائل ولم يذكر اسمه ونسبه لم يصح ذكره القاضي محل وفاق أصلا للمخالف وفرق بأن المشهود عليه مجهول.

قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب أنه إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء كما تصح الشهادة عليه تحملا فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه حين التحمل ولو كان الشاهد بصيرا فكذلك لا نشترطها عند الأداء وهذا نظير إشارة البصير إلى الحاضر إذا سماه ونسبه وهو لا يشترط في أصح الوجهين فكذلك

1 في نسخة أخرى: حضور

ص: 290

_________

إذا أشار إليه لا تشترط رؤيته قال وعلى هذا فتجوز شهادة الأعمى على من عرف صوته وإن لم يعرف اسمه ونسبه ويؤديها عليه إذا سمع صوته.

فصل

قال القاضي ضمن المسألة وأيضا فإن حدوث العمى بعد تحمل الشهادة لم يتعذر معه إلا معاينة المشهود عليه والإشارة إليه وهذا لا يمنع من سماع شهادته وقبولها لأن المقصود بمعاينته والإشارة إليه هو تعيينه وتمييزه عن غيره ليصير معلوما عند الحاكم فيتمكن بذلك من إنفاذ الحكم عليه وهذا يحصل مع حدوث العمى بما يصفه بلسانه من اسمه ونسبه وصفاته التي تميزه وتعينه.

فإن قيل لو كان التعيين باللسان يقوم مقام الإشارة لوجب أن يصح في البصر إذا شهد قيل يصح ذلك من البصير من غير حضور الخصم ويكون التعيين باللسان بناء على قولنا في القضاء على الغائب وسماع البينة عليه فإن حضر الخصم احتمل أن تقبل الشهادة عليه من غير إشارة إليه إذا ذكر اسمه ونسبه وهو الصحيح واحتمل أن تجب الإشارة إليه مع الحضور لأنه أقرب إلى علم الحاكم به وفصل الحكم بينه وبين خصمه بخلاف الأعمى فإن فصل الحكم يحصل بسماع كلامه لتعذر الإشارة من جهته بدليل جواز الشهادة على الغائب عند المخالف بلا إشارة وإذا حضر وجبت الإشارة.

قال الشيخ تقي الدين الأعمى تمكن منه الإشارة إذا عرف الصوت قال القاضي وأيضا فإنه ليس من شرط صحة الشهادة معاينة المشهود عليه بدليل اتفاقهم على جواز الشهادة على الميت والموكل الغائب.

وقال أيضا تعيين الشهود عليه للحاكم يحصل بالتسمية والنسبة والصفة.

ص: 291

ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا.

قال الشيخ تقي الدين فقد سووا بين شهادة الأعمى وبين شهادة البصير على الغائب والميت وفي شهادة الأعمى بالصفة دون الاسم والنسب وجهان فكذلك الشهادة على الغائب والميت والضابط أن كل شهادة على غير معاين فإنه يشهد فيه بالاسم والنسب إن عرفه وإن لم يعرفه ففي الشهادة بالجلية وجهان.

فصل

وقد تقدم بعض ذلك عند قوله في المحرر "والسماع على ضربين".

فصل

ولا يمتنع أن تقبل شهادة الأعمى قياسا على شهادة غيره على ظاهر كلامه وإطلاقه.

قوله: "ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا".

للتهمة وقد تقدم الحديث في ذلك قال صالح قال أبي كل من شهد بشهادة يجر بها إلى نفسه شيئا شهادته وكذا نقل عنه أبو الحارث ونص أحمد في رواية أبي الصقر أن كل من جر إلى نفسه منفعة لا تجوز شهادته ويدخل في كلامه وكلام غيره ما صرح به ابن عقيل وغيره من أنه لو لم يحكم بشهادتهما حتى مات المشهود له فورثاه لم يحكم بشهادتهما لأنه لو حكم حكم بشهادة الشاهدين لأنفسهما.

ومراده في المحرر "من يجر إلى نفسه بها نفعا" حال الشهادة بدليل ما يأتي وهو معنى كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى فلو شهد غير وارث فصار عند الموت وارثا سمعت دون العكس كذا ذكر بعضهم هذه المسألة.

ص: 292

كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده والوصي للميت والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر.

وتحريرها على ما ذكره بعضهم أن طرآن الإرث بعد الحكم بالشهادة لا يضر كطرآن الفسق وإن كان طرأ قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لأنهما صارا مستحقين كما لو طرأ الفسق قبل الحكم.

قوله: "كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده".

وذكر القاضي شهادة المرء لنفسه أو لعبده لا تجوز جعله محل وفاق في مسألة مجهول النسب.

قوله: "والوصي للميت".

لأنه يأكل منه عند الحاجة ولأنه يثبت له فيه حق التصرف قال ابن منصور قلت للإمام أحمد سئل سفيان عن شهادة الوصي قال إذا شهد على الورثة جاز وإذا شهد لهم لم يجز وقال حرب سمعت الإمام أحمد يقول شهادة الوصي إذا كان لا يجر إلى نفسه شيئا جائزة وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.

قال في المغني والحكم في أمين الحاكم يشهد للأيتام الذين هم تحت ولايته كالحكم في الوصي قياسا عليه فأما شهادته عليه فمقبولة كما نص عليه الإمام أحمد وهو ظاهر كلام الأصحاب قال في المغني لا نعلم فيه خلافا.

وقال القاضي ويخرج على ذلك ما قاله في الأب من الروايتين يعني في شهادته على ولده.

وذكر الشيخ تقي الدين أنها تجوز قال إلا أن يقال قد يستفيد بهذه الشهادة نوع ولاية في تسليم ومثله شهادة المودع وفي مثله أودعنيها فلان وملكها فلان.

قوله: "والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر لتعلق حقوقهم به".

ص: 293

وأحد الشفيعين يعفو الآخر عن شفعته والوكيل لموكله أو الشريك لشركيه بما هو وكيل أو شريك فيه.

وقيل الحجر إنما يتعلق حقوقهم بذمته وثبوت المطالبة لهم لم تثبت بشهادتهم بل بيساره وإقراره لدعواه الحق الذي شهدوا به وذكر القاضي أنه إذا شهد لغريمه المعسر بمال قبلت شهادته وإن كان يستفيد القضاء جعله محل وفاق لأن دينه ثابت في ذمة غريمه سواء كان غنيا أو فقيرا وحق المطالبة ثابت أيضا وليس يثبت بشهادته له حقا لنفسه لم يكن ثابتا قبل ذلك وإختار ابن حمدان أنه لا تقبل شهادته قبل الحجر مع إعساره وذكر القاضي أيضا وغيره أنه إذا شهد الأخ المعسر لأخيه المعسر بمال قبلت شهادته وله النفقة1 جعله محل وفاق كما تقبل الشهادة على رجل أنه أخذ من بيت المال وإن جاز أن يثبت له حق في بيت المال.

قوله: "وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته".

لأنه متهم لتوفرها عليه وتقبل بعد إسقاطه شعفته لعدم التهمة.

قوله: "والوكيل لموكله والشريك لشريكه بما هو وكيل أو شريك فيه".

نص عليه الإمام أحمد في الشريك لشريكه في رواية ابنيه وغيرهما وعلل بجر المنفعة وقال في المغني بعد أن ذكر أنه قول جماعة منهم الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا فإن شهد الوكيل لموكله بعد العزل فوجهان وإن كان

_________

1 الذي نقله الشيخ تقي الدين بن تيمية عن القاضي: أنه في التعليق: وإذا شهد الأخ المعسر لأخيه المعسر بمال. فإن شهادته مقبولة، وإن كان يجر بشهادته له النفقة.

ص: 294

والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده.

ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا.

قد خاصم فيه ردت وكذلك شهادة الوصي ليتيم في حجره فإن شهد على موكله قبلت وذكر الشيخ تقي الدين فيه كلامه المكتوب في شهادة الوصي على الميت.

قوله: "والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم" لأنه قد يسرى إلى النفس فتجب الدية للشاهد ابتداء.

قوله: "وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان".

أحدهما لا تقبل لأنه قد انعقد سبب استحقاقه بدليل أن عطيته للوارث وفي الزائد على الثلث يقف على الإجازة وكالمسألة قبلها والثاني تقبل ذكر في المغني أنه الأظهر كما لو شهدا له وهو صحيح والحق المشهود به في هذه المسألة إنما يحب للمشهود له ثم احتمال انتقاله إلى الشاهد لا يمنع الشهادة له كالشهادة لغريمه.

قوله: "فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده".

وكذا ذكر الشيخ موفق الدين وغيره لما تقدم من أن طرآن المانع بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق.

قوله: "ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا كشهادة من لا تقبل شهادته لإنسان يجرح الشاهد عليه".

قال حرب سمعت الإمام أحمد يقول لا تجوز شهادة دافع الغرم لأنه يدفع عن نفسه وقد تقدم الحديث في ذلك وقد قال الزهري مضت السنة في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم وروى سعيد

ص: 295

كشهادة من لا تقبل شهادته للانسان يجرح الشاهد عليه.

حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد الله ابن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه ولا شهادة لخصم ولا ظنين مرسل جيد.

قوله: "كشهادة من لا تقبل شهادته".

ليس مثالا ومراده والله أعلم شهادة من يدفع عن نفسه بها ضررا لا تقبل ولو كان قال ولا شهادة من لا تقبل شهادته كان حسنا.

قال الشيخ تقي الدين عن كلامه في المحرر هذا ما دفع الضرر عن نفسه وإنما دفعه عمن لا يشهد له فهو بمنزلة من جر بشهادته إلى من لا يشهد لا يشهد له فلو قيل لا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه أو إلى من يتهم له أو يدفع عن نفسه أو من يتهم له لعم نعم لو جرح الشاهد على نفسه انتهى كلامه.

وقد ذكر في الرعاية الكبرى في شهادة الوالد لولده والعكس أن مكاتب والديه وولده كهما في ذلك وذكر ابن عقيل أنه لا تقبل شهادة العبد لمكاتب سيده.

قال ويحتمل على قياس ما ذكرناه أن لا تصح شهادته لزوج مولاته بالحقوق لأن في ذلك جر نفع لسيدته وبعضها يعود بنفعه انتهى كلامه.

وكلام أكثرهم يدل على القبول ويدخل في كلامه في المحرر شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ لدفعهم الدية عنهم وظاهره قبول شهادته إذا كان لا يحمل من الدية شيئا لفقره أو لبعده وهو ظاهر كلام غيره.

وذكر غير واحد احتمالين أحدهما هذا والثاني لا تقبل لجواز أن يؤسر أو يموت قبل الحلول فيحمل.

فظهر أن احتمال تجدد الحق له لا يمنع قبول الشهادة إلا أن يجب له ابتداء

ص: 296

ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على قذفه أو قطع الطريق عليه.

كشهادة الوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال وإلا لمن يعتقد سبب استحقاقه كشهادة الوارث لمورثه في المرض فإن في هذه المسألة وجهين كما تقدم واحتمال تجدد الحق عليه لا يمنع إلا بعد وجود السبب كمسألة العاقلة.

قوله: "ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه".

أطلق العداوة وليس كذلك ولعل المثال يؤخذ منه تقييد المطلق وهو مراده قال القاضي شهادة العدو على عدوه غير مقبولة ذكره الخرقي فقال لا تقبل شهادة خصم وإنما يكون هذا في عداوة لا تخرجه عن العدالة مثل الزوج يقذف زوجته ولا تقبل شهادته عليها وكذلك من قطع عليه الطريق لا تقبل شهادته على القاطع وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل خاصم مرة ثم ترك ثم شهد لم تقبل وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تقبل وهذا في عداوة لا تخرج إلى الفسق فإذا أخرجت فلا خلاف فيها واحتج القاضي وغيره بالأحاديث السابقة قال القاضي ولأنه متهم في شهادته بسبب منهى عنه فوجب أن لا تقبل شهادته كالفاسق.

قال الشيخ تقي الدين وهذا جيد والمقطوع والمقذوف ليس في حقه سبب منهى عنه فهذا يخالف ما ذكره أولا اللهم إلا أن يراد به عادي قاذفه وقاطعه فإن هجره المنهي عنها فهذا أقرب لكن يخالف ما ذكر أولا في الظاهر.

وكذلك قال القاضي في الفرق بين عداوة المسلم للذمي وعداوته للمسلم مع أن عداوة المسلم للذمي مأمور بها وعداوة المسلم للمسلم منهي عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. "لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عبادا لله إخوانا".

ص: 297

_________

فلم يكن اعتبار إحداهما بالأخرى لأن المسلم يعادي الذمي من طريق الدين وهو لا يدعوه إلى ما يخاف من ذنبه ومن الكذب عليه وعداوة المسلم للمسلم عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وهذا يحمل من طريق العادة والجبلة على مخالفة الدين والإضرار به بالكذب والمين.

قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن عدواة المتدين بذلك متأولا لا تمنع قبول الشهادة فصار على الظاهر فيها ثلاثة أوجه انتهى كلامه.

وقال أيضا ليس في كلام أحمد ولا الخرقي تعرض للعدو وإنما هو الخصم والتفريق بين الخصم في الحديث موافق لما قلت وقد يخاصم من ليس بعدو وقد يعادي من ليس بخصم وإنما الخصم هو المدعي أو المدعى عليه فشهادته شهادة مدع أو مدعى عليه ولا يجوز أن يراد به أن كل من خاصم شخصا في شيء مرة لم تقبل شهادته عليه في غير ذلك إذا لم يكن بينهما إلا مجرد المحاكمة فإن محاكمته في ذلك الشيء بمنزلة مناظرته في علم وقد يكون المتحاكمان عارفين للحق لا يدعي أحدهما ظلم الآخر بمنزلة المحاكمة في المواريث وموجبات العقود وهو أحد نوعي القضاء الذي هو إنشاء من غير إنكار ولا بينة ولا يمين ولا يحمل كلام أحمد على هذا وإنما أراد والله أعلم أن من خاصم في شيء مرة ثم شهد به لم تقبل شهادته لأنه بمنزلة من ردت شهادته لتهمة ثم أعادها بعد زوال التهمة وهنا المخاصم طالب فإذا شهد بعد ذلك فهو متضمن تصديق نفسه فيما خاصم فيه أولا وهذا يدخل فيه صور.

منها أن يخاصم في حقوق عين هي ملكه ثم تنتقل العين إلى غيره فيشهد ومنها أن يكون وليا ليتيم أو وقف ونحوهما ويخاصم في شيء من أموره ثم يخرج عن الولاية ويشهد به.

ومنها أن يكون وكيلا فيخاصم ثم تزول وكالته فيشهد فيما خاصم فيه.

ص: 298

_________

فإذا قيل شهادة العدو غير مقبولة فإنما هو من عادى أما المقطوع عليه الطريق إذا شهد على قاطعه فهذا لا معنى له إذ يوجب أن لا يشهد مظلوم على ظالمه مع أنه لم يصدر منه ما يوجب التهمة في حقه.

والتحقيق أن العداوة المحرمة تمنع قبول الشهادة وإن لم تكن فسقا لكونها صغيرة أو صاحبها متأولا مخطئا وفيه نظر كعداوة الباغي للعادل وكما كان بين بعض السلف وكذلك مداعاة القاضي كذلك وقد كتبته قبل1 فأما المباحة ففيه نظر انتهى كلامه.

وقال أيضا الواجب في العدو والصديق ونحوهما أنه إن علم منهما العدالة الحقيقية قبلت شهادتهما وأما إن كانت عدالتهما ظاهرة مع إمكان أن يكون الباطن بخلافها لم تقبل ويتوجه مثل هذا في الأب وسائر هؤلاء انتهى كلامه.

وذكر في المستوعب والرعاية وغيرهما أن شهادة العدو لا تقبل على عدوه وجعلوا من ذلك الخصم على خصمه وقيد جماعة العداوة بكونها لغير الله.

قال في المغني المراد بالعداوة هنا العداوة الدنيوية ومثل كما في المحرر وغيره أما العداوة في الدين كالمسلم يشهد على الكافر أو المحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن العداوة في الدين والدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وزاد في الرعاية على قيد كونها لغير الله ظاهرة.

وقد قال القرطبي وغيره في قوله تعالى: [135:4]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الآية في هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله ونفوذ شهادته عليه لأنه أمره بالعدل

1 بهامش النكت: هذا المضروب بالأحمر ليس من كلام الشيخ تقي الدين ولا فهمت ما هو. وهو الكلام الموضوع تحته خط.

ص: 299

_________

وإن أبغضه ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه.

وقال ابن عقيل التهم إنما تقدح إذا كانت تهمة قادحة لفرط الإشفاق في الأبوة والعداوة بين المتعادين والفسق الذي يزيل العدالة وتزول معه الثقة فأما ما بعد التهمة التي إذا علق الرد عليها انسد باب الشهادة فلا بدليل أن الأختان والأصهار يتضاغنون وأهل الصناعة الواحدة يتحاسدون والمختلفون في المذاهب يتخارصون ولكن لما بعد ذلك ولم يخل منه أحد سقط اعتباره ولم يمنع قبولها لئلا ينسد باب الشهادة وكذلك القرابة كلها تعطى إشفاقا وعصبية حتى القبيلة انتهى كلامه.

واحتج الخصم أن هذه العداوة فلا تمنع قبول الشهادة كالصداقة كشهادته له.

وأجاب القاضي وغيره بأن الشرع ورد بالتفرقة بين العداوة والصداقة فإنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادته خزيمة بن ثابت لنفسه ونحن نعلم أن صداقة الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم تزيد على كل صداقه ورد شهادة العدو بقوله: "لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين""ولا تقبل شهادة ذي طعن" ولأن الصداقة لا تحمل على الكذب للصديق والعداوة تحمل على الكذب ولا تمنع العدالة منه وهذا معلوم بالعادة من طباع الناس وخلقهم وجبلتهم.

وأما شهادة العدو لعدوه فتقبل ذكره القاضي محل وفاق غير مرة لأنه متهم عليه غير متهم له فهو على ما قلنا في شهادة الأب تقبل على ولده ولا تقبل له.

وقال أيضا وقال شيخنا أبو عبد الله فيه وجه آخر لا تقبل شهادته له لأنه متهم أيضا في ذلك بأن يقصد الصلح والصداقة فيشهد له بذلك.

ص: 300

وفي شهادة البدوي على القروي وجهان.

وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية ابن منصور وقيل له رجل خاصم في خصومة مرة فردت ثم شهد بعدالة الشاهد قال لا تقبل انتهى كلامه.

فصل

ومن سره إساءة أحد وغمه فرحه فعدو وقال ابن حمدان أو حاسد قال ابن عقيل ولا تقبل شهادة من عرف بالعصبية كعصبية أهل البادية على أهل القرى فإن البدوي يميل إلى البادية ولا يميل إلى أهل القرى وكذلك قبيلة على قبيلة تعرف بينهم مساوات1 ومباينة فتكون في حيز العداوة وكذلك شهادة أهل المحال المتباين أهلها بالعصبيات وهذا يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام "ولا ظنين" وهو المتهم والعصبية توجب التهمة.

فصل

قوله: "وفي شهادة البدوي على القروي وجهان".

أحدهما تقبل وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره أبو الخطاب وصححه في المستوعب وهو قول ابن سيرين وأبي حنيفة والشافعي للعمومات ولأن من قبلت شهادته على أهل البلد قبلت شهادته على أهل القرى.

قال ابن عقيل العدالة تجمع والمساكن لا تقدح في العدالة ولا توجب التهمة ولو جاز أن توجب تهمة لما قبلت شهادة عربي على عجمي ولا العكس لأن المنافرة والمباينة بين العجم والعرب أكثر من تباين البدو والحضر مع التساوي في العربية.

_________

1 بهامش الأصل: كذا في الأصل "مساوات" جمع أسية. أهـ، والصحيح في جمعها "إساءات"

ص: 301

_________

وقال أيضا بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه قال البدوي يعادي القروي في العادة قال وهذا بعيد لأن القبائل من البدو يتعادون أكثر عداوة ويصول بعضهم على بعض في مطرد العادة.

والثاني لا تقبل قطع به ابن هبيرة وغيره عن أحمد قال في المغني وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبي عبيد ورواه الخلال عن عمر بن عبد العزيز وقطع به القاضي في التعليق واحتج بقول أحمد في رواية حرب تجوز شهادة الأعراب على الأعراب وعلى القروي أخشى ألا تجوز لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:.

"لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" إسناده جيد رواه أبو داود وابن ماجة والدارقطني وغيرهم.

قال في المغني ويحمل الحديث على من لم تعرف عدالته وخصه بهذا لأن الغالب أنه لا يكون له من يسأله الحاكم عنه.

قال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم إلا لما فيهم من الجفاء لحقوق الله تعالى والجفاء في الدين.

قال الشيخ تقي الدين وبناه القاضي على أن العادة أن القروي إنما يشهد أهل القرية دون أهل البدو فإذا كان البدوي قاطنا مع المدعين في القرية قبلت شهادته لزوال هذا المعنى انتهى كلامه.

وقد ذكر غير واحد من الأصحاب هذا التعليل فيكون هذا قولا ثالثا.

وقيل للقاضي التهمة هنا ممن اشهد لا من الشاهد فقال التهمة هنا واقعة بهما لأن صاحب الحق لا يعدل عن أهل بلده إلا لعلة في الملك والشاهد أيضا في العادة إنما يشهد على أهل بلده ولا يخرج إلى بلد آخر فيشهد فيه على غيره.

وقال الشيخ تقي الدين البدوي على الوصية في السفر ينبغي أن يقبل لأنه ضرورة وهو أولى من الذميين انتهى كلامه وهو حسن لكنه قول

ص: 302

ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض وعنه تبل فيما لا يجر به نفعا في الغالب بأن يشهد له بعقد نكاح أو قذف وعنه تقبل شهادة المولود للوالد وبالعكس لا تقبل.

رابع قال مالك لا تجوز شهادة البدوي على القروي إلا في الجراح والقود احتياطا للدماء.

فصل

تقبل شهادة البدوي برؤية الهلال اتفاقا وتقبل شهادة القروي عليه اتفاقا.

قوله: "ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض".

فنص أحمد أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده1 انتهى كلامه.

وهو كالصريح إن لم يكن صريحا في أنه لا فرق بين الداعية وغيره وبين من يكفر أو يفسق وصرح به الشيخ تقي الدين على هذا التخريج.

وهذا التخريج قد يقال هو خلاف المذهب.

وإن قلنا برواية حنبل في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض كما هو ظاهر قول جماعة من الأصحاب وقد يقال المذهب التسوية على رواية حنبل كما هو قول أبي الخطاب وظاهر كلام غيره ممن بعده.

ومن لم يذكر التخريج فإما أنه لم يثبت رواية حنبل هنا وإما لأنها خلاف المذهب فلم يشتغل بالتفريع عليها.

_________

1 قال بهامش الأصل: هنا سقط ثلاث ورقات

ص: 303

وفي شهادة أحد الزوجين الآخر روايتان.

وتقبل شهادة بعض هؤلاء على بعض.

وتقبل شهادة الأخ لأخيه والصديق لصديقه والمولى لعتيقه وولد الزنا في الزنا وغيره والمرضعة على إرضاعها والقسام على قسمته.

والأول اختيار الشيخ تقي الدين فانه قال والفرق بينهما أن الذمي يقر على كفره والداعية إلى البدعة لا يقر على بدعته كذا قال.

والبدعة إن كانت مفسقة أقر عليها الداعية وغيره وإن كانت مكفرة لم يقر عليها الداعية ولا غيره لكن قد يفرق بينهما بأن أهل الذمة إنما قبلت شهادة بعضهم على بعض لمظنة الحاجة إلى ذلك لانفرادهم وعدم اختلاطهم بالمسلمين ولأنه لا يلزم من قبول شهادة كافر على كافر قبول شهادة كافر أو فاسق على مسلم.

قال الشيخ تقي الدين والواجب أن روايته وشهادته واحدة وفي روايته الخلاف المسطور في أصول الفقه ومأخذ رد شهادته إنما هو استحقاقه الهجران وعلى هذا فينبغي قبول شهادته حيث لا يهجر إما للغلبة وإما للتألف وتقبل عند الضرورة كما قبلنا شهادة الكتابي على المسلم عند الضرورة وأولى فإن من كان من أصله قبول شهادة الكافر على المسلم للحاجة فقبول شهادة المبتدع للحاجة أولى وكذلك شهادة النساء وكذلك شهادة بعض الفساق كما كتبته في موضع آخر وهذا هو الاقتصاد في هذا الباب فإنه إذا كثر أهل البدعة في مكان بحيث يلزم من رد شهادتهم فتنة وتعطيل الحقوق لم يهجروا بل يتألفوا وأما إذا كانوا مقهورين بحيث يهجرون لم تقبل شهادتهم ولو قيل في الامامة أيضا مثل ذلك لتوجه كما في علم الحديث والفرق بين الاضطرار والاختيار بين القدرة والعجز أصل عظيم.

ص: 304

وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة.

فصل

قد عرف مما تقدم أنه هل تقبل شهادة من كفر أو فسق ببدعة أم لا تقبل أو تقبل مع الفسق خاصة أو تقبل إذا لم يكن داعية أو تقبل مع الحاجة والمصلحة خاصة؟ فيه أقوال.

قوله: "وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة" قال الخلال عن الميموني سأل رجل أحمد بن حنبل عن شهادة العبد تجوز قال لا أعرف إلا ذلك قلت من احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أمة في الرضاع على شهادة العبد هل يكون ذا حجة له قال نعم ورأيت أبا عبد الله يستحسنه ثم قال وأي شيء أكثر من هذا يفرق بينهما بقولها؟.

وقال حمدان بن علي الوراق سمعت أبا عبد الله يسأل عن شهادة العبد فقال كان أنس يجيز شهادة العبد وحديث عقبة بن الحارث "تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت إني قد أرضعتكما".

وقال الخلال أخبرنا المروذي حدثنا أبو عبد الله حدثنا محمد بن فضيل حدثنا مختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن شهادة العبد قال فيه اختلاف قلت حديث حفص عن المختار بن فلفل عن أنس قال ليس شيء يدفعه وقد أجاز شهادته وقال الله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} فإذا كان عدلا ينبغي أن تجوز شهادته.

وقال الخلال حدثنا المروذي عن أبي عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال قال علي "شهادة العبد جائزة" وقال أيضا عن المروزي "شهادة العبد جائزة".

ص: 305

وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة.

وقال أيضا عن المروذي حدثنا أبو إسحق بن يوسف حدثنا عوف بن محمد ابن سيرين قال "لا أعلم شهادة الحر تفضل على شهادة العبد إذا كان مرضيا".

وقدم هذا في الرعاية تبعا للمحرر واختاره أبو الخطاب في الانتصار فقال والأولى المنع1 فإنه لا فرق حتى العدل بين شهادة وشهادة.

وقال الإمام أحمد في رواية ابن منصور العبد إذا كان عدلا جازت شهادته والمكاتب أحرى أن تجوز شهادته قال وهذا يدل على أنها تقبل في جميع الأشياء وكذا قال في رواية مهنا إذا تزوج بشهادة عبدين جاز إذا كانا عدلين والنكاح عنده جار مجرى القصاص ولهذا لا يجيز فيه شهادة النساء انتهى كلامه.

ووجه هذه الرواية تقدم ولأنه ذكر مكلف يقبل إخباره فقبلت شهادته كالحر أو نقول ذكر مكلف تقبل شهادته في رؤية هلال رمضان وهي شهادة يعتبر لها مجلس الحكم وتحتاج إلى العدد ويخص أمانه وولايته في الصلاة وعلى أقاربه وتصح توليته أسباب السرايا2 وولايته فيما يوصى إليه ويوكل فيه فقبلت شهادته كالحر هذا معنى كلام أبي الخطاب والقاضي إلا أنه قال الشهادة برؤية الهلال شهادة عند أبي حنيفة يعتبر لها العدد وقد قيل يعتبر فيها مجلس الحاكم.

قوله: "وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة".

قال الإمام أحمد في رواية الميموني لا تجوز شهادتهم يعني العبيد في الحدود.

_________

1 كذا في الأصل. والجملة كلها مطربة فيما يظهر لي

2 كذا في الأصل.

ص: 306

_________

ولم يقيموا الحدود مقام الحقوق في الحقوق شاهد ويمين والحد ليس كذلك قلت قول أنس لم يفرق في حد ولا حق.

وذكره أحمد عن إبراهيم النخعي جوازها في الشيء اليسير قال أحمد والناس اليوم على ردها فليس نرى أحدا يقبلها قلت وما يستوحش من هذا قال في الحدود كأنها أشنع وإنما ذاك عنده لتهيب الناس لردها.

وقطع به القاضي في التعليق وتبعه جماعة وذكر في المغني أنه ظاهر المذهب وذكر ابن هبيرة أنه المشهور من مذهب الإمام أحمد وعلل بعضهم بأنه ناقص فلم تقبل شهادته فيها كالمرأة.

قال الخرقي تجوز شهادة العبد في كل شيء إلا في الحدود وتبعه بعضهم على هذه العبارة وهو أحد احتمالين في المغني والكافي.

قال ابن القاسم سألت الإمام أحمد عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا أحدهم عبد قال تمت الشهادة هم أربعة العبد منهم يدرأ عنهم الحد.

قال محمد بن موسى سئل الإمام أحمد عن أربعة أعبد شهدوا على الزنا قال قد أحرزوا ظهورهم وإن كانوا عبيدا لأن الحدود مبناها على الدرء والإسقاط يغلظ في طريق ثبوتها ولهذا لا تقبل شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا يقضي فيها بالنكول ولا يستحلف فيها وتسقط بالشبهة بخلاف غيرها فجاز أن لا تسمع فيها شهادة العبد.

وعن أحمد التوقف في هذه المسألة قال أبو الحارث قلت للإمام أحمد شهادة العبد قال قد اختلف الناس في ذلك وأبى أن يجيب فيها وقال أيضا أحب العافية من ذلك وأبى أن يجيب قال وكذلك المكاتب والمدبر وعن أحمد رواية خامسة لا تقبل بحال قال في رواية أبي طالب العبد في جميع أمره ناقص ليس مثل الحر ولا تقبل له شهادة في الطلاق والأحكام

ص: 307

ومن شهد عند الحاكم فرد شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه.

وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي لأنها مبنية على المروءة والكمال.

قال الشيخ تقي الدين قد يؤخذ عن الإمام أحمد رواية كذلك وسيأتي في المسألة بعدها.

قوله: "ومن شهد عند الحاكم فردت شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه".

نقل عنه حنبل في الصبي إذا بلغ جازت شهادته وكذلك إذا شهد وهو عبد لم تجز فإذا أعتق جازت إذا كان عدلا واحتج القاضي أيضا مع أنه ذكر أن أحمد نص عليه بقول الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الصبي إذا حفظ الشهادة ثم كبر فشهد جازت شهادته وكذلك العبد إذا عتق وكذلك اليهودي والنصراني إذا كان عدلا جازت شهادته إذا أسلم.

قال الشيخ تقي الدين في رواية أبي طالب الظاهر أنها فيما إذا لم ترد في زمان المنع انتهى كلامه.

وهو الذي نصره القاضي وأصحابه وغيرهم.

وذكر في المستوعب أنه أصح الوجهين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لأن هذا المانع زال قطعا ولا تهمة فيه فهو كما لو ابتدأ بها في هذه الحال بخلاف الفسق1.

_________

1 بهامش الأصل: قال شيخ عز الدين ابن شيخ السلامية في نكته على المحرر، ومن خطه نقلت: هذه الرواية أنص عن أحمد من الأولى، بل لوقيل: إن المذهب رواية واحدة على المنع: لم يستبعد، فإن رواية أبي طالب في الجواز ليس فيها الرد. كما تقدم.

ص: 308

وعنه لا تقبل أبدا.

وإن ردت لتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح كما لو ردت لفسق وقيل تقبل.

قوله: "وعنه لا تقبل أبدا".

قال في رواية يعقوب بن بختان في الصبي إذا ردت شهادته ثم أدرك لم تجز شهادته لأن الحكم قد مضى ونقل ابن بختان أيضا في موضع آخر إذا ردت شهادة العبد أو الذمي أو الصبي ثم أسلم الذمي وعتق العبد وأدرك الصبي لم تجز شهادتهم لأن الحكم قد مضى وهذه اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وهي قول مالك لأنها ردت بمانع أشبه الفسق.

قوله: "وإن ردت بتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح".

وذكر في الكافي أنه الأولى وقدمه في الرعاية لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ولأنها ردت للتهمة كالمردودة بالفسق والثاني تقبل صححه في المغني لأن الأصل قبول شهادة العدل وقياسه على الفسق لا يصح لأن هذه ردت بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق وقبول الشهادة هنا من نقض الاجتهاد في المستقبل وهو جائز وهذا معنى قوله: "تقبل".

قوله كما لو ردت لفسق.

نص عليه قال في رواية أحمد بن سعيد في شهادة الفاسق إذا ردت مرة ثم تاب وأصلح فأقامها بعد ذلك لم تجز لأنه حكم قد مضى ولم أجد فيه خلافا إلا قوله في الرعاية الكبرى لم تقبل على الأصح وهو مذهب الأئمة

ص: 309

وقيل لا تقبل في كل مانع ما زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه.

ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته.

الثلاثة ورواية القبول قال بها أبو ثور والمزني وداود قال ابن المنذر والنظر يدل على هذا لغير هذه الشهادة كالمسائل المتقدمة وقد تقدم دليل المنع والفرق.

قال الشيخ تقي الدين وتعليلهم الفرق بين الكفر والفسق بأن الكفر يتدين به يقتضى أن يلحق به الفسق بالاعتقاد أو بعمل يستند إلى اعتقاد كشرب النبيذ إن قيل به انتهى كلامه.

وقوله: "وقيل لا تقبل في كل مانع زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه".

يحتمل أن يكون هذا القول في هذه المسألة خاصة ويحتمل أن يكون فيها وفي التي قبلها وهذا الأمر قريب ووجهه أن زوال المانع باختيار الشاهد يورث تهمة تشبه الفسق.

فرع

لو عزل من وظيفة للفسق مثلا ثم تاب وأظهر العدالة فهل يعود يتوجه أن يقال فيها ما قيل في مسألة الشهادة أو أولى لأن تهمة الإنسان في حق نفسه ومصلحته أبلغ من حق الغير1 أما لو رأى الحاكم رده إليها بتأويل أو تقليد كان له ذلك كسائر مسائل الخلاف وكما لو رأي قبول الشهادة في مسألتنا.

قوله: "ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته".

_________

1 بهامش الأصل: قال ابن شيخ السلامية هذا فيه نظر

ص: 310

وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها إلا عداوة ابتدأها المشهود عليه بأن قذف الشهود فإنها لا تمنعه.

ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها

قال القاضي على قياس حدوث العمى بعد التحمل وقبل الأداء وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لعدم التهمة في حال أداء الشهادة فهو كالموت فإنه محل وفاق وقال أبو حنيفة لا يحكم بها كما لو طرأ الفسق.

قوله: "وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها".

لم أجد فيه خلافا كما تقدم وذكره القاضي محل وفاق أن الشهود إذا ارتدوا أو فسقوا أو رجعوا قبل الحكم أنه لا يحكم بها قال لأنه يورث تهمة في حال الأداء.

قال الشيخ تقي الدين إدخال الردة في هذا مشكل قال وقد علل بأن الفسق والردة مما يستسر به فيدل على نظائره مما قبله انتهى كلامه.

فصل

فإن حدث ما يمنع الحكم بها بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم وإن كان ذلك قبل الاستيفاء لم يستوف إن كان حدا الله تعالى لأنه يدرأ بالشبهة وإن كان مالا استوفي وإن كان قودا أو حد قذف فوجهان.

قوله: "ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها".

فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها ذكره القاضي محل وفاق في مواضع منها شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال وذكر أنه يعتبر فيه لفظ الشهادة جعله محل وفاق ذكره الشيخ تقي الدين ولم يحك فيه خلافا وقال أبو الخطاب في الانتصار في بحث شهادة امرأة فيما لا يطلع عليه الرجال

ص: 311