المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

_________ أو يجب قتله قودا أو أن هؤلاء يستحقون دمه فالأشبه - المحرر في الفقه على مذهب أحمد - ومعه النكت والفوائد السنية - جـ ٢

[مجد الدين بن تيمية - شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب شروط النكاح

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب حكم الشروط والعيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌مدخل

- ‌باب حكم المسمى ومهر المثل

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القسم

- ‌باب النشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌مدخل

- ‌باب صريح الطلاق وكناياته

- ‌باب الشك في الطلاق

- ‌باب تعليق الطلاق بالشروط

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌كتاب الرجعة

- ‌مدخل

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌مدخل

- ‌كتاب الظهار

- ‌مدخل

- ‌باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع

- ‌كتاب القذف واللعان

- ‌مدخل

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب العدد

- ‌مدخل

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

- ‌مدخل

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجراح

- ‌مدخل

- ‌باب ما يشترط لوجوب القود

- ‌باب القود فيما دون النفس

- ‌باب استيفاء القود والعفو عنه

- ‌باب ما يوجب الدية في النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب أروش الشجاج وكسر العظام

- ‌باب مقادير الديات

- ‌باب العاقلة وما تتحمله

- ‌باب القسامة

- ‌باب كفارة القتل

- ‌كتاب الحدود

- ‌حد الزنا

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب حكم الصيال وجناية البهيمة

- ‌باب حد السكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب إقامة الحد

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب المرتد

- ‌كتاب الجهاد

- ‌مدخل

- ‌باب قسمة الغنيمة وأحكامها

- ‌باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة في أخذ الجزية

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌باب قسمة الفيء

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌مدخل

- ‌باب الذكاة

- ‌باب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌مدخل

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والأيمان فيها

- ‌باب تعارض البينات واختلافها

- ‌كتاب الشهادات

- ‌مدخل

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب عدد الشهود وما يتبعه

- ‌باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الإقرار

- ‌مدخل

- ‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

الفصل: _________ أو يجب قتله قودا أو أن هؤلاء يستحقون دمه فالأشبه

_________

أو يجب قتله قودا أو أن هؤلاء يستحقون دمه فالأشبه في مثل هذا أن يستفسر عن صفة الإقرار كما استفسر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا أو يفرق بين الحق المحض لله تعالى وبين القود وحد القذف.

وأما الإقرار بالحجة فمقبول أيضا لكن لو قال أقررت بهذا المال وكنت غالطا فهنا يتوجه أن لا يحكم بهذا الإقرار كما لو قال كان له علي وقضيته لأن الإقرار الأول لم يثبت والثاني إنما أثبته على صفة لا يحكم بها فهو كما لو قال شهد على شاهد وهو كاذب والشاهد لم تعلم عدالته وفيه نظر.

يوضح هذا أن أصحابنا شبهوا الشهادة على الشهادة بالشهادة على الإقرار وقبلوا على كل شاهد شاهدا والرجل هنا أعني عقبة بن الحارث مقر شاهد على الشهادة والاحتجاج بحديث الأمة السوداء على أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة فيه نظر لأنه فتيا من النبي صلى الله عليه وسلم لعدم شروط الحكم من الدعوى وغيرها واقتصار الأصحاب في الشهادة على الشهادة على مجرد المعنى يدل على أنه لا أثر في المسألة عندهم.

ص: 359

‌كتاب الإقرار

‌مدخل

كتاب الإقرار

قال بعض الأصحاب رحمهم الله تعالى الإقرار الاعتراف وهو إظهار الحق لفظا وقيل تصديق المدعي حقيقة أو تقديرا وقيل هو صيغة صادرة من مكلف مختار رشيد لمن هو أهل لاستحقاق ما أقر به مكذب للمقر وما أقر به تحت حكمه غير مملوك له وقت الإقرار به.

وقال ابن حمدان هو إظهار المكلف الرشيد المختار ما عليه لفظا أو كتابة في الأقيس أو إشارة أو على موكله أو موروثه أو موليه بما يمكن صدقه فيه.

ص: 359

_________

قوله: "أو كتابه في الأقيس".

وذكر في كناية الطلاق أن الكتابة للحق ليست إقرارا شرعيا في الأصح وقوله أو إشارة.

بعد مراده من الأخرس ونحوه أما من غيره فلا أجد فيه خلافا.

والأصل فيه الكتاب والسنة وأجمعوا على صحة الإقرار قال في المغني لأنه إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإن أكذب المدعي ببينته ثم أكذب المقر ثم صدقه سمع.

ويجب الإقرار بحق الآدمي وحق الله تعالى الذي لا يسقط بالشبهة كزكاة وكفارة ولا يصح إقرار واحد بما ليس بيده وتصرفه شرعا واختصاصه قال في الرعاية ولا بما هو ملكه حين الإقرار على الأشهر فيه وأطلق غيره الروايتين ونص القاضي في الخلاف على صحة الإقرار مع أنه إضافة الملك إليه قال في الرعاية ولا بما يستحيل منه ولا لمن لا يصح أن يثبت ذلك له بحال وإقراره بما في يد غيره وتصرفه شرعا وحسا دعوى أو شهادة فإذا صار بيده وتصرفه شرعا لزمه حكم إقراره.

قال الشيخ تقي الدين إن الإقرار ينقسم إلى ما يعلم كذبه كإقراره لمن هو أكبر منه أنه ابنه ومن هذا الجنس كل إقرار بحق أسنده إلى سبب وذلك السبب باطل مثل أن يقر أن له في تركة أبيه ثلثها بجهة الإرث وليس بوارث أو أن لفلان علي كذا من ثمن كذا أقرض كذا أو نكاح كذا إذا كان السبب لا يثبت به ذلك الحق فحيثما أضاف الحق إلى سبب باطل فهو باطل وإن أضافه إلى سبب يصلح أن يكون حقا لكن قد علم ارتفاعه مثل أن يقول له علي ألف من ثمن هذه الدار ويكون المشتري قد أبرأه قبل ذلك أولها علي

ص: 360

_________

صداقها وتكون قد أبرأته منه قبل ذلك أوله علي حقه من إرث أبي ويكونان قد اصطلحا قبل ذلك وتبارآ فهذا أيضا كذلك لأن الإقرار إخبار فإذا كان الخبر قد علم كذبه وبطلانه كان باطلا.

قال وإلى ما يعلم صدقه كإقراره بأن هذا المال الذي خلفه أبوه هو بينه وبين أخيه ابن الميت نصفين وإلى ما يحتمل الأمرين فالأصل فيه التصديق إلا أن يثبت ما يعارضه مما يقفه أو يرفعه.

فالأول مثل تكذيب المقر له فإنه أيضا خبر فليس تصديق أحدهما أولى من الآخر فيعود الأمر كما كان.

وأما الثاني فالبينات فإذا قامت البينة بأنه كان مكرها على إقراره فإقرار المكره لا يصح أيضا وإن أمكن أن يكون مطابقا كان إقرار تلجئة وهو أن يتفق المقر والمقر له على الإقرار ظاهرا مثل بقاء المقر به للمقر فهو باطل فإذا شهدت بينة بأنهما اتفقا قبل الإقرار كان ذلك مبطلا لهذا الإقرار وإذا كان الإقرار إنشاء في الباطن مثل إقرار المريض لمن يقصد التبرع له إما بعطية وإما بإبراء فيجعل الإنشاء إقرارا لينفذ1.

قال فإذا قامت البينة بأنهما اتفقا على الإقرار على ذلك مثل أن يشهد الشاهد أنه قيل للمريض أعط فلانا ألف درهم أو أوص له بها فقيل له بل أجعل ذلك إقرارا أو أنه قال المريض كيف أصنع حتى أعطي فلانا ألفا من أصل المال فقيل له أقر له بها أو أن اثنين تراضيا على ذلك ثم أمرا به

1 بهامش الأصل: في نسخة: إن كان لوارث أو لينفذ من أصل المال ليضيع المال على الورثة، أو لئلا يزاحم الوصايا، ومثل إقرار الأب لابنه بالدار الفلانية: ملكه، وأشياء من هذا يقصد به الإعطاء أو الإبراء، ويجعل ذلك إقراراً، فهذا قد كتبت حكمه وسيأتي.

ص: 361

_________

المريض فإنه يجب العمل بهذه البينة أو يقول ما له عندي شيء أو ما لأحد عندي شيء لكن أنا مقر أو أقر له يألف أو اشهدوا علي أن له عندي ألفا أو يقول بعد ذلك له عندي ألف فيكون قد تقدم الإقرار ما يبطله وما ينافيه وإن شهدت بينة بأن هذا المقر به لم يكن ملكا للمقر له بل كان ملكا للمقر إلى حين الإقرار إن كان عينا أو كانت ذمته بريئة منه إن كان دينا فهل تقبل هذه البينة فإنها تضمنت نفيا فينبغي أن يقال إن كان نفيا يحاط به قبل ذلك وإلا لم يقبل وهل يستفصل المقر له من أين لك هذا الملك نعم.

قال وكذلك يستفصل المدعي عنده التهمة والمدعى عليه.

فصل

من ملك شيئا ملك الإقرار به ومن لا فلا وهذا المشهور في كلام الأصحاب وثم صور مستثناة.

وقال الشيخ تقي الدين ما يملك إنشاءه يملك الإقرار به وما لا يملكه فإن كان مما لا يمكنه إنشاؤه بحال ملك الإقرار به أيضا كالنسب والولاء وما يوجب القود عليه إذا لا طريق إلى ثبوته إلا بالإقرار به فصار كالشهادة بالاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها لكن يستثنى النكاح والولد على ما فيه من الخلاف.

وإن كان مما يمكنه إنشاء سببه في الجملة كالأفعال الموجبة للعقوبة1 قبل إذا لم يكن متهما فيه وأحسن من هذا أن ما لا يصح أو مالا يحل إنشاؤه منه إن كان متهما في إقراره به لم يقبل وإلا قبل وهنا يتبين أن المقر شاهد على نفسه بمالا يمكنه إنشاؤه ومن هذا إقراره بالبينونة فإنه لا يملك إنشاءها لكنه لا يتهم على إسقاط حقه من الرجعة وسقوط حقها من النفقة ضمنا وتبعا.

1 بهامش الأصل في نكت ابن شيخ السلامية: الموجبة للمال.

ص: 362

_________

وقد ذكر القاضي في إخبار الحاكم بعد العزل لما قاسه على الإخبار قبل العزل فقيل له المعنى في الأصل أنه يملك الحكم فلهذا ملك الإقرار به وليس كذلك ههنا لأنه لا يملكه فلم يملك الإقرار به كمن باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه أو باعه بعد أن باعه لم يقبل منه.

فقال هذا غير ممتنع كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى الصبي بعد بلوغه أو ادعى الإنفاق عليه فإنه يقبل وإن كان في حال لا يملك التصرف عليه وكذلك العبد المأذون إذا حجر عليه فأقر بثمن مبيع في حال الإذن وكذلك المكاتب إذا أقر بعد العجز بثمن مبيع في حال الكتابة يقبل ذلك وإن لم يملك ذلك في حال الإقرار كذلك ههنا وكذلك الموصى وكذلك المودع إذا ادعى رد الوديعة أو تلفها بعد عزل المودع له وكذلك العبد إذا أقر بجناية عمدا فإنه يقبل إقراره وإن لم يكن مالكا لما أقر به.

قال ولا معنى لقولهم إن دعوى النفقة لا يمكن إقامة البينة عليها فإنه منقوض برد الوديعة يمكن إقامة البينة عليه يقبل قوله فيها ويقبل والإنفاق على الزوجة لا يمكن إقامة البينة عليه ومع هذا لا يقبل قوله فيها.

قال الشيخ تقي الدين تسمية هذه الأشياء إقرارا يجوز وقد ذكر الجد وغيره تسمية بعض هذا إقرار والتحقيق أن يقال المخبر أن أخبر بما على نفسه فهو مقر وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مدعى وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمنا عليه فهو مخبر وإلا فهو شاهد فالقاضي والوكيل والمأذون له والوصي كل هؤلاء مأذون لهم مؤتمنون فإخبارهم بعد العزل ليس إقرارا وإنما هو خبر محض انتهى كلامه.

فصل

قال الشيخ تقي الدين فأما ما يملك الإنسان إنشاءه فهل يجوز إقراره به

ص: 363

_________

ويجعل الإنشاء في ضمن الإقرار قاصدا بالإقرار الإنشاء مثل أن يقر أنه ملك ابنه الشيء الفلاني أو أنه قد وقف المكان الفلاني أو أنه وقف عليه من واقف جائز الأمر يعني نفسه انتهى كلامه والجواز متوجه.

فصل

قال القاضي في التعليق ضمن مسألة النكول الإنسان لا يكون مخيرا بين أن يقر وبين أن لا يقر لأنه لا يخلو إما أن يكون الحق عليه فلا يسعه أن لا يقر أولا يكون عليه فلا يسعه أن يقر لأنه كاذب.

قال الشيخ تقي الدين فأما إذا كان الإنسان ببلد سلطان ظالم أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة فخاف أو يؤخذ ماله أو المال الذي يتركه لوارثه أو المال الذي بيده للناس إما بحجة أنه ميت لا وارث له أو بحجة أنه مال غائب أو بلا حجة أصلا فهل للإنسان أن يقر إقرارا يدفع به ذلك الظلم ويحتفظ المال لصاحبه مثل أن يقول لحاضر إنه ابنه أو يقر أن له عليه كذا وكذا أو يقرأ أن المال الذي بيده لفلان فإن ظاهر هذا الإقرار يتضمن مفسدتين إحداهما الكذب والثانية صرف المال إلى من لا يستحقه عمن يستحقه وهذا إقرار تلجئه.

أما الأول فينبغي أن يكون كالتعريض في اليمين فيجوز له أن يتأول في إقراره بأن يعني بقوله ابني كونه صغيرا وبقوله أخي أخوة الإسلام وأن المال الذي بيدي له أي له ولاية قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله إلى مستحقه وإن له في ذمتي عشرة آلاف درهم أي له في عهدتي أي يستحق فيما عهدت إليه قبض ذلك ونحو ذلك فإن النبي كان مع أبي بكر وأقر أنه أخوه وحلف على ذلك وكذلك إبراهيم عليه السلام أقر على زوجته أنها أخته وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم "أقر أنهم من ماء".

ص: 364

كتاب الإقرار

لا يصح الإقرار من غير مكلف مختار.

وأما الثانية فلا يجوز ذلك إلا إذا أزال هذه المفسدة بأن يكون المقر أمينا حقا والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا إقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا.

وينبغي أن يكون التعريض في الشهادة إذا خاف الشاهد من إظهار الباطن ظلم المشهود عليه كذلك بأن يستنطق الشهادة ولا يمكن كتمانها وكذلك التعريض في الحكم إذا خاف الحاكم من إظهار الأمر وقوع الظلم وكذلك التعريض في الفتوى والرواية والإقرار والشهادة والحكم والفتوى والرواية ينبغي أن يكون كاليمين بل اليمين خبر وزيادة.

قوله: "ولا يصح الإقرار من غير مكلف مختار".

لأن القلم مرفوع عنه بنص الحديث المشهور وكبيعه وغيره.

وقوله: "مختار" لما تقدم ولأنه عفى عن المكره بنص الخبر المشهور.

وقال الخلال من تقدم إلى الحاكم فدهش فأقر ثم أنكر قال إسحاق بن إبراهيم سئل الإمام أحمد عن الرجل يقدم إلى السلطان بحق لرجل عليه فيمدده السلطان فيدهش فيقر له ثم يرجع بعد ما أقر به فيقول هددني ودهشت للسلطان أن يأخذه بما أقر به أو يستثبت وهو ربما علم أنه أقر بتهديده إياه قال أبو عبد الله يؤخذ بإقراره الأول.

قال الشيخ تقي الدين السلطان هو الحاكم كما ترجم الخلال والتهديد من الحاكم إنما يكون على أن يقول الحق لا على أن يقر مثل أن يقول اعترف بالحق أو أن كذبت عزرتك أو إن تبين لي كذبك أدبتك فيهدده على الكذب

ص: 365

إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن.

والكتمان ويأمره بالصدق والبيان فإن هذا حسن فأما أن كان التهديد على نفس الإقرار فهذا أمر بما يجوز أن يكون حقا وباطلا ومحرما فالأمر به حرام والتهديد عليه أحرم وهو مسألة الإكراه على الإقرار ففرق بين أن يكرهه على قول الحق مطلقا أو على الإقرار انتهى كلامه.

قوله: "إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن".

أما قوله: "إذا صححنا تصرفه بالإذن" فقيد واضح لأنه إذا لم يصح تصرفه بالإذن فوجود الإذن كعدمه لعدم فائدته وكذا ما زاده في الرعاية مع اتفاق الدين واختلافه.

وأما صحة إقراره فيما أذن له فيه فهو المذهب كما قطع به هنا وقطع به غيره ولو كان في المحرر زاد نص عليه كان أولى وهو نص مشهور قال الإمام أحمد في رواية مهنا في إقرار اليتيم يجوز إقراره بقدر ما أذن له الوصي في التجارة وهو قول أبي حنيفة كالبالغ والفرق بالتكليف لا أثر له وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشيء اليسير يتسامح به كما صح تصرفه فيه بدون إذنه أن نقول لا يصح إقراره مطلقا كقول مالك والشافعي.

وظاهر ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد في ابن أربع عشرة سنة كان أجيرا مع رجل فقد أستاذه شيئا فأقر الغلام أنه أخذه ثم أنكره فقال لا يجب عليه إقراره حتى يأتي أحد الحدود الإنبات أو الاحتلام أو خمسة عشر سنة.

وقال القاضي في التعليق وهذا محمول على أنه غير مأذون له في التجارة

ص: 366

وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين.

وقال الشيخ تقي الدين ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا أتى عليه الحدود صح إقراره بمثل هذا وإن لم يكن رشيدا وهو ظاهر كلام الجد.

لكن قد يقال يقبل في الحدود لا في الأموال فتقطع يده ولا يغرم كالعبد انتهى كلامه.

والمشهور صحة إقرار السفيه بمال ويتبع به بعد فك الحجر.

فرع

لو أقر الأب على ابنه المأذون له لم ينفذ وذكره القاضي محل وفاق في حجة المخالف وسلمه واعتذر بأنه لا يملك بإذنه الإقرار وإنما يرتفع عنه الحجر بإذنه في التجارة فيجوز إقراره لنفسه.

قال الشيخ تقي الدين هذا يشبه مذهب أبي حنيفة وأما على أصلنا فإنما استفاد الإقرار بإذنه بدليل أنه يتقدر في قدر ما أذن فيه وعلى أصل أبي حنيفة لا يتقدر ولو أقر الأب بصدقة في مال ابنه فإنه يقبل لأن الأب يملك التصرف.

قوله وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين.

وكذا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أما كون القول قوله فلأن الأصل معه وهو الصغر وسيأتي كلام الشيخ تقي الدين في الفصل بعده.

وأما كونه بلا يمين فكحكمنا بعدم بلوغه وغير المكلف لا يجوز تكليفه بوجوب اليمين عليه.

قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يجب عليه اليمين لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق انتهى كلامه.

فأما إن كان اختلافهما بعد ثبوت بلوغه وادعى أنه حين الإقرار لم يبلغ

ص: 367

_________

فهل يقبل قوله مع يمينه عملا بالأصل وهو الصغر قطع به في المغني أولا يقبل لتعليق الحق بذمته ظاهرا فيه وجهان ذكرهما في الكافي.

وهذا بخلاف دعوى زوال العقل حين الإقرار لأن الأصل السلامة ذكره الشيخ موفق الدين.

وينبغي أن يقال إلا أن يكون يعتريه ذلك في بعض الأحيان فتكون كمسألة الصغير على الخلاف كما سوى بينهما في دعوى البائع الصغر أو زوال العقل حين البيع.

قال الشيخ موفق الدين فإن ادعى أن كان مكرها لم يقبل إلا ببينة فإن ثبت أنه كان مقيدا أو محبوسا أو موكلا به فالقول قوله مع يمينه لأن هذه دلالة الإكراه انتهى كلامه.

وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتابة حجة عليه وما أشبه ذلك في هذه الحال.

فصل

قال الشيخ تقي الدين قد نص أحمد على أنهما إذا اختلفا فقال بعتك قبل أن أبلغ وقال المشتري بل بعد بلوغك فالقول قول المشتري وهذا يتجه في الإقرار وسائر التصرفات لأن الأصل في العقود الصحة فإما أن يقال هذا عام وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكا فيه غير محكوم ببلوغه أولا يتيقن فإنا هنا تيقنا صدور التصرف ممن لم نثبت أهليته والأصل عدمها فقد شككنا في الشرط وهناك يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها والظاهر صدره وقت الأهلية والأصل عدمه قبل وقت الأهلية والأهلية هنا متيقن وجودها.

ص: 368

_________

فصل

قال الشيخ تقي الدين سئلت عن مسألة وهي من أسلم أبوه فادعى أنه بالغ فأفتى بعضهم بأن القول قوله في ذلك وقلت إذا لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها وهكذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي مثل الإسلام وثبوت الذمة للولد تبعا لأبيه ولو ادعى1 البلوغ بعد تصرف الولي وكان رشيدا أو بعد تزويج ولي أبعد منه إلا أن يقال لا يحكم بإسلام الولد وذمته حتى يسأل هل بلغ أو لم يبلغ بخلاف تصرف الولي له أو لموليته فإن الولاية كانت ثابتة والأصل بقاؤها وهنا الأصل عدم إسلام الولد وذمته فيقال في الرجعة كذلك ينبغي أن لا تصح الرجعة حتى تسأل المرأة ومع أن في مسألة الرجعة وجهين على قول الخرقي ينبغي أن يكون القول قوله هنا مطلقا كما في الرجعة وما ذكرته على الوجه المقدم ولم أجد فرقا بين كون المرأة مؤتمنة على فرجها في انقضاء العدة أو في بلوغها وهكذا في كل موضع كان الإنسان مؤتمنا فيه إذا ادعى ذلك بعد تعلق الحق به ونظيره اختلاف الروايتين فيما إذا ادعى المجهول الرق بعد التصرف ففيه روايتان لكن هناك إذا قبلناه فلأن الرق حق آدمي فالمقر به حق آدمي بخلاف الحيض أو البلوغ فإنه سبب يثبت له وعليه به حقوق وقد يقال في الرجعة لم يقبل قوله2 لأن فيه إبطال حق آدمي بخلاف الإسلام والذمة فيقال بل إبطال الإسلام والعصمة أعظم ونظيره في المجهول المحكوم بإسلامه كاللقيط فاللقيط إذا ادعى الكفر بعد البلوغ انتهى كلامه.

1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "أو لو ادعى"

2 بهامش الأصل: في نسخة الذي ذكره شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين "وقد يقال في الرجعة: لم يقبل قولها"

ص: 369

ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره.

ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل.

قوله: "ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره".

لأنه أقر بما لم يكره عليه فهو كما لو أقر به ابتداء.

قوله: "ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته".

لأن الأصل التساوي ودعوى مخالفة حال المرض وحال الصحة في ذلك تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وقد يعلل بعدم التهمة.

فصل

ولا تفتقر الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله لأن الظاهر السلامة وصحة الشهادة ذكره في المغنى.

قوله: "إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل".

هذا المذهب قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة فقال في رواية ابن منصور إقرار المريض في مرضه للوارث لا يجوز.

وقال في رواية أبي طالب في الرجل يقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة على الألف فإن لم تكن بينة فصداق نسائها.

وقال في رواية مهنا في امرأة أقرت في مرضها أنه ليس لها على زوجها مهر لم يجز إقرارها إلا أن يقيم شهودا أنها أخذته ولا يصدق قولها وهذا قول أبي حنيفة كهبته ولأنه محجور عليه فأشبه إقرار الصبي فعلى هذا لو أجازه

ص: 370

_________

بقية الورثة صح ذكره جماعة منهم الشيخ موفق الدين واحتج له وقال مالك يقبل ذلك إذا كان لا يتهم له ولا يقبل إذا كان يتهم له كمن له بنت وابن عم فأقر لبنته لم يصح ولو أقر لإبن عمه صح ولو كانت له زوجة وابن عم صح إقراره لابن العم دون الزوجة ولو كانت له زوجة وولد صح إقراره للزوجة دون الولد لأن علة المنع التهمة واختص الحكم بها.

وجوابه أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فاعتبرت مظنتها وهو الإرث.

وللشافعي قولان أحدهما كقولنا والثاني يقبل وهو قول جماعة منهم إسحاق كالأجنبي والفرق واضح وسلم الشافعي على ما ذكره القاضي لو قال كنت وهبت لفلان الوارث كذا ثم أتلفه لا يجوز بخلاف ما لو قال كنت وهبت لفلان الأجنبي كذا ثم أتلفه عليه فإنه يجوز.

وذكر ابن البنا من أصحابنا أنه يصح إقرار المريض باستيفاء دين الصحة والمرض جميعا.

قال في المستوعب وهو محمول على ما إذا كان الغرماء غير الوارثين.

وقال ابن هبيرة إذا أقر المريض باستيفاء ديونه قال أبو حنيفة يقبل قوله في ديون الصحة دون ديون المرض وقال مالك إن كان ممن لا يتهم قبل إقراره سواء كان إقراره في المرض أو في الصحة وقال الإمام أحمد يقبل في ديون المرض والصحة جميعا كذا ذكر وهو صحيح لأن مراده من أجنبي وكذا ذكره أصحابنا في كتب الخلاف.

قال في الرعاية ولا يصح إقرار رجل مريض بقبض صداق ولا عوض خلع بلا بينة ويصح بقبض حوالة ومبيع وقرض ونحو ذلك وإن أطلق احتمل وجهين.

وقال الأزجي في نهايته فإن أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته

ص: 371

_________

لأجنبي صح وإن كان لوارث فوجهان.

وقال الشيخ تقي الدين في الإقرار للوارث هنا احتمالات أحدها أن يجعل إقراره للوارث كالشهادة فترد في حق من ترد شهادته له كالأب بخلاف من لا ترد ثم على هذا هل يحلف المقر له معه كالشاهد وهل تعتبر عدالة المقر ثلاث احتمالات.

ويحتمل أن يفرق مطلقا بين العدل وغيره فإن العدل معه من الدين ما يمنعه من الكذب ويخرجه إلى براءة ذمته بخلاف الفاجر وإنما حلف المقر له مع هذا للتأكيد فإن في قبول الإقرار مطلقا فسادا عظيما وكذا في رده مطلقا فساد وإن كان أقل فإن المبطلين في هذا الإقرار أكثر من المحقين وهذه الحجة لمن رده كالشهادة مع التهمة وكطلاق الفار انتهى كلامه.

فصل

وإن كان على المريض دين للوارث فقال القاضي هو مأمور بإيصال الحق إلى وارثه ويقدر أن يقضيه دينه باطنا ويوصله إليه فيتخلص بذلك من ظلمه وإن كان لو أقر لم يقبل إقراره كما أن الوصي إذا كان شاهدا على الميت بدين وليس معه شاهد غيره فهو مأمور بقضاء الدين سرا وإيصاله إلى مستحقه ليخلص الميت وإن أظهر ذلك أو أقر به لم يقبل قوله فيه ولم يثبت به الدين وإن كان مأمورا بالقضاء.

فصل

ويجوز عندنا للميت الإقرار لجميع الورثة ويخيرون بين أخذ المال والإقرار بالإرث هذا لفظ القاضي وأظنه موافقة للحنفية قاله الشيخ تقي الدين.

قوله: "ولو أقر لامرأته بالصداق فلها قدر مهر المثل بالزوجية".

لا بإقراره والذي قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أنه يصح الإقرار لأنه

ص: 372

ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها.

إقرار بما تحقق سببه ولم يعلم البراءة منه أشبه ما لو اشترى عبدا من وارثه فأقر للبائع بثمن مثله وقيل لا يصح ذكره في الرعاية.

ثم ذكر ما في المحرر قولا فيكون وجه عدم الصحة أنه أقر لوارث وهو قول الشعبي وصاحب المحرر تبع القاضي وهو معنى كلامه في المستوعب.

قال القاضي وأما إذا أقر لزوجته بالصداق فنقل أبو طالب عنه إذا أقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة أن لها صداق ألف درهم لا يجوز إقراره لها لعل صداقها أقل فإن لم يكن لها بينة فصداق نسائها إذا كان ذلك يعرف فإن لم يعرف ذلك يكون ذلك من ثلثه.

قال فقد نص على أنه لا يقبل إقراره بالصداق على الإطلاق وإنما يقبل ما صادف مهر المثل لأن ثبوته بالعقد لا بإقراره فإن تعذر مهر المثل اعتبر من ثلثه واختلفت الرواية في قدر الصداق فنقل أبو الحارث مهر المثل لأنها معاوضة في مرض الموت أشبه ثمن المبيع ولا يعتبر من الثلث لأنها وصية لوارث.

ونقل أبو طالب من الثلث لأن الزيادة على مهر المثل محاباة لا يقابلها عوض فهي كالمحاباة والمحاباة هناك من الثلث فكذلك هنا هكذا نقل الشيخ تقي الدين كلام القاضي ثم قال من عنده كلامه في رواية أبي طالب يقتضي أنه إذا لم يعرف مهر المثل اعتبر ما أقر به من الثلث لأنا قد تيقنا أن لها صداقا فلم نبطل الإقرار ولم نعلم أن هذا كله واجب فكأنه ملك أن يوصى به لأنه لا طريق إلى معرفته من غيره ووصيته من الثلث لأنه غير مصدق للوارث انتهى كلامه.

قوله: "ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها".

كذا ذكره غيره وذكر في المغني أنه قول أبي حنيفة ومالك لأنه غير

ص: 373

ولو أقر لها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره.

أمين أقر بما يسقط حق غيره فهو كإقراره بمال غيره وعند الشافعي يقبل.

قوله: "ولو أقر بها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره".

قال الشيخ تقي الدين الفرق بين هذه وبين أن يتبرع في مرضه ظاهر بمنزلة أن يقر ثم يصح ثم يمرض ونظيرها أن يتبرع لأخيه ثم ينحجب بولد يولد له ثم يموت الولد انتهى كلامه.

ووجه المسألة أنه أقر لوارث في مرض الموت أشبه ما لو لم يبنهما قال القاضي أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن أقر في مرضه لامرأة بدين ثم تزوجها ثم مات وهي وارثة يجوز هذا أقر لها وليست له بامرأة إلا أن يكون تلجئة فقد أجاز الإقرار1 فاقتضى أنها لو كانت وارثة لم يصح وبهذا قال أبو حنيفة وقال محمد بن الحسن إقراره جائز فإن برأ من ذلك المرض ثم تزوجها ثم مات صح الإقرار وفاقا على ما ذكره القاضي.

قال الشيخ تقي الدين أخذ مذهب الإمام أحمد من عكس علته وقد يكون الحكم ثابتا في هذه الصورة لعلة أخرى عنده ثم قوله: "أقر لها وليست لها بامرأة".

قد يراد به ليست امرأة في بعض زمان الإقرار ثم الأخذ بتعليله يقتضي أنه إذا صح ثم تزوجها يكون الإقرار أيضا باطلا وإن كان البرء ليس من فعله وقد فرق القاضي بالتهمة في الطلاق بأن يكونا قد تواطآ على ذلك وهذه العلة منتفية فيما إذا انفسخ النكاح بغير فعله وفيما إذا طلقها ثلاثا وفيما إذا كان الزوج المطلق سفيها فيخرج في المسألتين ثلاثة أوجه انتهى كلامه.

_________

1 في نسخة بهامش الأصل: وجعل العلة فيه: أنها لم تكن وارثة حين الإقرار

ص: 374

ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحال الإقرار أو الموت على روايتين.

وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزم في حصة الأجنبي ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر الأجنبي بذلك.

والقاضي والأصحاب اعتبروا المظنة وعللوا بجواز أن يكون على وجه الحيلة فقد اكتسب تهمة فيخرج وجه في مسألة المحرر فيه بعد والتخريج فيما إذا برىء من ذلك المرض فيه بعد أيضا لأن كل مرض معتبر بنفسه بدليل ما لو تبرع في المرض الأول أو طلق فارا أو غير ذلك.

قوله: "ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحالة الإقرار أو الموت على روايتين".

إحداهما يعتبر بحالة الإقرار قطع به القاضي وغيره وهو المشهور ونصره في المغني لوجود التهمة في هذه الحال بخلاف العكس كالشهادة.

والثانية بحالة الموت وهي مذهب الشافعي لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فأشبه الوصية والفرق أن الوصية عطية بعد الموت فاعتبر فيها حالة الموت بخلاف مسألتنا.

قوله: "وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزمه في حصة الأجنبي".

هذا هو المنصور في المذهب كما لو كان الإقرار بلفظين.

قال القاضي وهذا بناء على أصلنا في تفريق الصفقة في البيع مع انتفاء الجهالة فيه فأولى أن يفرق في الإقرار مع دخول الجهالة فيه.

وذكر أبو الخطاب والأصحاب قولا بعدم اللزوم والصحة أخذا من تفريق الصفقة وقاس القاضي الصحة على الوصية.

قال الشيخ تقي الدين فكان التفريق بينهما محل وفاق ولو أقر لأجنبي ولعبده بدين فإنه يصح في حصة الأجنبي ذكره محل وفاق ولو أقر بزق خمر

ص: 375

الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين.

وبزق خل وبملكه وبملك غيره ذكره محل وفاق وقاس في المغني عدم الصحة على شهادته لابنه وأجنبي وفرق بأن الإقرار أقوى ولذلك لا تعتبر فيه العدالة ولو أقر بشيء له فيه نفع كالإقرار بنسب موسر قبل وهذا الفرق على منصوص الإمام أحمد وهو عدم صحة الشهادة لهما ولنا قول تصح شهادته للأجنبي وكأن صاحب المحرر رأى أن الإقرار لقوته ودخوله الجهالة فيه لا يتخرج فيه عدم الصحة مطلقا قال ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر لأجنبي بذلك ولم أجد هذا التخريج لغيره وهذا قول أبي حنيفة.

قوله: "الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله".

هذا هو المنصوص وذكر في الكافي أنه ظاهر المذهب لعدم التهمة في حقه بخلاف الوارث وذكر في المغني أن الأصحاب حكوا رواية لا يقبل مطلقا تسوية بين الوارث وغيره لأن حق الورثة تعلق بماله أشبه المفلس والفرق ظاهر.

قوله: "لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين".

وذكر في المستوعب روايتين وأن أصحهما عدم المحاصة.

وذكر القاضي في موضع أنه قياس المذهب أخذا من مسألة المفلس لأنه في الموضعين أقر بعد تعلق الحق بما له وصححه في الخلاصة وقدمه غير واحد وبه قال أبو حنيفة.

قال الشيخ تقي الدين ونصه أن إقرار لا يبطل التبرعات السابقة على الإقرار يقوي أنهم لا يزاحمون والقول بالمحاصة ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن أبي موسى وأبو الحسن التميمي وقال القاضي في موضع وقطع به أبو الخطاب

ص: 376

والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة.

والشريف في رءوس المسائل وبه قال مالك والشافعي لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال فتساويا كديني الصحة وكما لو ثبتا ببينة وكالمهر وكما لو أقر لهما جميعا في المرض ذكره القاضي وغيره محل وفاق واعترض المخالف بأن مهر المثل ثبت بالعقد لا بالإقرار.

فقال القاضي النكاح ثبت بإقراره لا بالبينة ولأنها قد تكون مطلقة منه فتستحق نصف المهر فإذا أقر بالدخول استحقت كمال الصداق بإقراره فيكون نصف الصداق مستحقا بإقراره.

وقال الشيخ تقي الدين إذا أقر في مرضه بدين ثم أقر لآخر أو أقر في صحته بدين ثم أقر في مرضه بوديعة أو غصب أو عارية فتخرج على الوجهين وعلى هذا لو أقر بدين ثم بوديعة لم يبعد الخلاف انتهى كلامه.

وينبغي أن يكون إن أقر له بعين أن يكون المقر له أولى بها على الثاني دون الأول1 ولهذا قال في الرعاية ولو أقر بعين لزمه في حقه ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفى الغرماء وقيل بلى.

وقال في المستوعب بعد حكاية الروايتين في المحاصة قال أبو الحسن التميمي وكذلك إذا أقر بعين ماله لزمه الإقرار في حقه ولم ينفرد به المقر له حتى يستوفى الغرماء قال في المستوعب وهذا على الرواية الأولة يعني عدم المحاصة.

قوله: "والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة" لأنه ممنوع من عطية الزائد على الثلث لأجنبي كالوارث فيما دونه وعدم

_________

1 بهامش الأصل قوله: "وينبغي أن يكون- إلى آخره" هو كلام الشيخ عز الدين بن شيخ السلامية.

ص: 377

وإذا قال هذا الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو الثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه.

المحاصة علي هذه الرواية واضح ذكره غير واحد.

قال الشيخ تقي الدين ويؤخذ من معنى كلام غيره فعلى هذه الرواية يكون الإقرار بما زاد على الثلث وصية قال وكذلك الإقرار بالثلث كذا قال فلو وصى لآخر بالثلث فعلى هذه الرواية ينبغي أن يتزاحما في الثلث لأن رده فيما زاد على الثلث إجراء له مجرى الوصية ولو جعلناه خبرا محضا لقبلناه ولا فرق اللهم إلا أن يقال للمقر أن يبطل حق الموصى له بالإقرار ولا يملك ذلك في حق الورثة فاذا أقر كان كأنه أبطل كل وصية زاحمت هذا الإقرار لكن على هذا تبطل الوصايا المزاحمة له وكلاهما محتمل انتهى كلامه.

قال في المستوعب وغيره والأخرى لا يصح إلا في مقدار الثلث إلا أن يجيز الورثة بعد وفاة المقر كما لو كان الإقرار لوارث.

قوله: "وإذا قال هذه الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو بالثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه".

ظاهره أن على إحدى الروايتين يلزمهم التصدق بالثلث مطلقا والأخرى بالجميع مطلقا وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية فإنه قال لزم الورثة أن يتصدقوا بثلثها سواء صدقوه أو كذبوه.

وقال شيخنا يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها وهو أيضا ظاهر كلام الشيخ موفق الدين وغيره.

وذكر في المستوعب ما قدمه أبو الخطاب ثم قال هذا على رواية الجماعة أن اللقطة تملك بعد الحول وعلي رواية حنبل والبغوي أنها لا تملك بعد الحول دراهم كانت أو غيرها يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها انتهى كلامه.

ص: 378

وإذا أعتق عبده أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضهما نص عليه.

وفيه نظر فإن الكلام إنما هو على المذهب ولم يذكر أبو الخطاب وجماعة هذه الرواية الغريبة في عدم ملك اللقطة وحكوا الخلاف هنا ولهذا قطع أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل بوجوب التصدق بالجميع ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة في الاكتفاء به بالثلث وعلل بأنه إقرار لغير وارث فمعلوم أنهما لم يريدا بهذا التفريع على الرواية الغريبة.

وقال في الخلاصة ما قدمه أبو الخطاب ثم قال وقيل تكون الألف صدقه إذا صدقوه انتهى كلامه.

وكلام أبي الخطاب وغيره يخالفه وذكر ابن عبد القوى لزوم الصدقة بالجميع أشهر الروايتين وعلل بأنه إقرار لأجنبي قال وسواء صدقوه أو كذبوه وعنه يلزمهم الثلث إن كذبوه بناء على الرواية الأخرى في الإقرار للأجنبي انتهى كلامه.

وفيه نظر وهو خلاف كلام الشيخ موفق الدين والشيخ مجد الدين وغيرهما لأن بعضهم هنا أطلق الخلاف وبعضهم قدم لزوم التصدق بالثلث مع اتفاقهم على أن الصحيح صحة الإقرار لأجنبي وعلل الشيخ موفق الدين وغيره لزوم التصدق بالثلث بأن الأمر بالصدقة به وصيغة بجميع المال فيلزمه الثلث وعلل القول الآخر بأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمه الصدقة بجميعه فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله.

فقد ظهر من ذلك أن الأولى أن يقال نقلا ودليلا أن على المذهب وهو ملك اللقطة وصحة الوصية هل يلزمهم التصدق بالثلث أو بالجميع على قولين.

قوله: "وإذا أعتق عبدا أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضها نص عليه".

ص: 379

وقيل يقبل ويباع العبد فيه.

وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها.

الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.

وكذا حكاه الشيخ موفق الدين وغيره عن نص الإمام أحمد قاطعين به لأن الحق ثبت في التبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره.

قوله: "وقيل يقبل".

لثبوته عليه باعترافه كما لو ثبت ببينة كما ساوى دين المريض الثابت باعترافه دين الصحة وتكلم بعضهم في هذه المسألة بكلام عجيب.

قوله: "وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها".

لأن صاحب الدين لا يفوت حقه بفوات العين غالبا لثبوت حقه في الذمة.

قوله: "الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح".

وصححه أيضا القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما وقدمه جماعة لأنه عند الإقرار غير وارث ووجه الآخر أنه عند الموت وارث ولأنه إقرار لوارث أشبه ما لو أقر له بمال.

قلنا هذا إقرار بمال من طريق الحكم وهناك من طريق الصريح والأصول تفرق بين الإقرارين ألا ترى أنه لو اشترى دارا من زيد فاستحقت وعاد على زيد بالثمن ثم ملكها المشترى لم يلزمه تسليمها إلى زيد وإن كان دخوله معه في عقد الشراء إقرارا منه بأن الدار ملك لزيد ولو أقر صريحا بأن الدار ملك لزيد ثم ملكها بوجه من الوجوه لزمه تسليمها إليه وكذلك لو اشترى إنسان دارا فاستحقت كان له الرجوع على البائع بالدرك ولو أقر بأن الدار للبائع

ص: 380

وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه.

ثم اشتراها وقبضها منه ثم استحقت لم يرجع عليه بشيء ذكر هذا الكلام القاضي في التعليق وذكره أيضا في المستوعب وغيره.

قال الشيخ موفق الدين ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث ثم صار وارثا فمن صحح الإقرار ثم صححه ههنا ومن أبطله أبطله وما قاله صحيح.

وقال الشيخ تقي الدين كلام القاضي الذي أخذه من كلام الإمام أحمد إنما يقتضي المنع إذا كان له وارث فأما من لا وارث له إذا أقر بوارث فقد نص الإمام أحمد في الروايتين على قبول قوله ومن قال بأنه كالوصية1 فقد يخرج هذا على روايتين انتهى كلامه.

قوله: "وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه".

في رواية مهنا فقال إذا أقر أنه قتل عمدا وأنكر مولاه فلم يقم بينة لم يجز إقراره قيل له يذهب دم هذا قال يكون عليه إذا عتق.

وكذلك نقل ابن منصور عنه إذا اعترف بالسرقة أو بجرح فهو جائز ولا يجوز في القتل وهذا هو المذهب والمنصور في كتب الخلاف وبه قال زفر والمزنى وداود لأنه يسقط حق السيد به أشبه الإقرار بقتل الخطأ فإنه لا يلزمه في حال رقه ذكره القاضي وغيره محل وفاق ولأن من لا يصح

_________

1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين "ومن علل بأنه كالوصية".

ص: 381

وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له بالقود العفو على رقبة العبد.

وإذا أقر العبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو العبد غير المأذون له بمال عن معاملة أو مطلقا لم يقبل على السيد.

إقراره بقتل الخطأ لا يصح إقراره بقتل العمد كالصبي والمجنون وقيل لا يصح إقراره بقود في النفس فما دونها فلا يصح إقراره بمال وقيل في إقرار العبد روايتان بالقتل والتجريح.

قوله: "وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له العفو على رقبة العبد".

لئلا يفضي إلى إيجاب مال في حق غيره وظاهر كلام الخرقي أنه يؤخذ به في الحال أيضا.

وذكر الشيخ تقي الدين بعد حكاية قول ابن عقيل وأبي الخطاب أن القاضي قاله في ضمن مسألة إقرار المرأة بالنكاح واحتجا به وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولأنه مال في المعنى لأنه مال لأحد نوعي القصاص فصح إقراره به كما دون النفس.

قال وبهذا ينتقض الدليل الأول ولأن إقرار مولاه عليه به لا يصح فلو لم يقبل إقراره لتعطل وعفو المقر له بالقود على رقبة العبد أو على مال ليس له من الأصحاب من ذكره ومنهم من لم يذكره والشيخ موفق الدين تفقه فيه فقال وينبغي وقد عللوا القول الأول بأنه متهم في أن يقر لمن يعفو على مال فيستحق رقبته ليخلص من سيده.

قوله: "وإذا أقر لعبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو للعبد غير المأذون له بمال عن معاملته أو مطلقا لم يقبل على السيد".

لأنه إيجاب حق في رقبة مملوكه لمولاه فلم يقبل إقراره على أحد سواه.

ص: 382

بل يتبع به بعد العتق ويقطع للسرقة في الحال.

وقوله: "غير المأذون له" يعني يقبل إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه كالصبي المأذون له ذكره القاضي محل وفاق في مسألة الصبي المأذون له أن إقرار العبد المحجور عليه لا يلزمه في الحال ولو كان مأذونا له لزمه.

قوله: "بل يتبع به بعد العتق".

عملا بإقراره على نفسه وهذا إحدى الروايتين ذكرهما الشيخ موفق الدين وغيره والأخرى يتعلق برقبته كجنايته.

قوله: "ويقطع للسرقة في الحال".

نص عليه في رواية مهنا لما تقدم قال في المغني ويحتمل أن لا يجب القطع لأن ذلك شبهة وهو قول أبي حنيفة لأن هذه العين لم يثبت حكم السرقة فيها فلم يثبت القطع.

وقال القاضي إذا أقر العبد المأذون له بحق لزمه مما لا يتعلق بأمر التجارة كالقرض وأرش الجناية وقتل الخطأ والغصب فحكمه حكم العبد المحجور عليه.

وقال أبو الخطاب وغيره لم يصح قبل الإذن قال ولا يلزم إذا أقر بدين من جهة التجارة لأنه مأذون فيه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة في قوله معلق برقبته وقال القاضي فحكمه حكم العبد المحجور عليه وفي روايتان إحداهما يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق والثانية برقبته ولا يتعلق ذلك بذمة السيد رواية واحدة واستدل القاضي بأنه أقر بحق يتعلق بإتلاف يثبت في ذمته كما لو أقر أنه أفضى امرأة بكرا بإصبعه.

قال الشيخ تقي الدين هذا الذي قاله فيه نظر من وجهين أحدهما جعله القرض من ديون غير التجارة وهو خلاف ما في هذا الكتاب وغيره الثاني:

ص: 383

_________

أنه جعله فيما لم يؤذن له كالمحجور وجعل في المحجور روايتين إحداهما يتعلق برقبته والروايتان فيما ثبت من معاملة المحجور عليه فأما ما أقر به هو ولم يصدقه السيد ولا قامت به بينة فإنه لا يثبت في رقبته وجنايته على النفوس والأموال تتعلق برقبته والرواية الأخرى فيها غريبة وما قصد القاضي إلا ديون المعاملة كما في هذا الكتاب وغيره إلا أن يريد القاضي بالقرض مالا تعلق له بالتجارة وما زاد على قدر الإذن انتهى كلامه.

وبناه أبو حنيفة على أن ضمان الغاصب يجري مجرى البيع الفاسد بدليل أنه يتعلق به تمليك ولو أقر بشراء فاسد لزمه كذلك إذا أقر بالغصب.

فقال القاضي لا نسلم أن الملك يتعلق بالغصب ولا بالبيع الفاسد ولو أقر أنه أفضى امرأة بكرا لم يؤخذ في الحال عنده.

قال الشيخ تقي الدين أبو حنيفة بناه على أصله في أن الإذن فك الحجر مطلقا فيبقى في الأموال كالحر.

وقال الشيخ تقي الدين أيضا يتوجه فيمن أقر بحق الغير وهو غير متهم كإقرار العبد بجنايته الخطأ وإقرار القاتل بجنايته الخطأ أن يجعل المقر كشاهد ويحلف معه المدعي فيما يثبت بشاهد ويمين أو يقيم شاهدا آخر كما قلنا في إقرار بعض الورثة بالنسب هذا هو القياس والاستحسان انتهى كلامه.

فصل

قال القاضي فإن حجر الولي عليه فأقر بدين بعد الحجر لم يصدق.

وقال في رواية حنبل إذا حجر الولي على العبد فبايعه رجل بعد ما علم أن مولاه حجر عليه لم يكن له شيء لأنه هو أتلف ماله.

واحتج القاضي بأن الحجر لا يتبعض فإذا صار محجورا عليه في البيع والشراء وجب أن يصير محجورا عليه في إيجاب الدين.

ص: 384

ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي.

قال الشيخ تقي الدين وكذلك ذكر أبو محمد فصلوا بين أن يأذن له مرة ثانية أو لا يأذن له وقال أبو حنيفة إن كان عليه دين يحيط بما في يده فإقراره باطل وإن لم يكن عليه دين وكان في يده مال لزمه في المال ولا يلزم في رقبته واحتج بأن يده ثابتة على المال بعد الحجر بدليل أنه لو حجر عليه وله ودائع عند أقوام كان هو الذي يتقاضاها ولا يبطل الحجر ما ثبت له من الحق ولم يمنع القاضي هذا الوصف قاله الشيخ تقي الدين.

واحتج أبو الخطاب وغيره بأنه محجور عليه بالرق فلم يصح إقراره كما لو كان عليه دين يحيط بما في يده.

وقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب صحة إقراره مطلقا كالحاكم والوكيل والوصي بعد العزل ولأن الحجر عندنا يتبعض ثبوتا فيتبعض زوالا انتهى كلامه.

واحتج الشريف وغيره بأن الحجر لا يتبعض فإذا كان محجورا عليه في البيع والابتياع لم يصح بالإقرار في الدين ولنا أن نقول حجر يمنع بعض التصرف في أعيان المال لحق الغير فمنع التصرف مطلقا لحقه أيضا تسوية بين تصرفاته ولأنه محجور عليه لحق الغير فلم يقبل إقراره كالمحجور عليه لفلس أو سفه يقر بدين وعليه دين قبل الحجر.

قوله: "ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي".

وذكره أيضا أصحابه كأبي الخطاب والشريف فإنهم قالوا لزمه فإن عجز بيع فيها إن لم يفده المولى.

وقال في المستوعب لزمته فإن عجز تعلقت برقبته وقال أبو حنيفة يستسعى فيها في الكتابة وإن عجز بطل إقراره بها وسواء قضاها أو لم يقضها

ص: 385

ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة.

وإذا أقر عبد غير مكاتب لسيده أو أقر له سيده بمال لم يصح.

وعن الشافعي كقولنا وعنه أنه موقوف إن أدى الكتابة لزمته وإن عجز بطل فمن أصحابنا من اقتصر في حكاية هذا القول ومنهم من زاد حتى يعتق.

واحتج الأصحاب بأن إقرار لزمه في حال الكتابة فلا يبطل بعجزه كالإقرار بالدين وعن الشافعي أن المكاتب في يد نفسه فصح إقراره بالجناية كالحر قالوا ولا يلزم المأذون له لأنه في يد المولى.

قوله: "ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون".

بجامع الرق وقد تقدم الفرق.

قوله: "ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه".

لأنه لا يملك من العبد إلا المال.

قوله: "ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة".

لأنه إيجاب حق في ماله وكجناية الخطأ وقطع بهذا في الكافي وقال في المغني ويحتمل أن يصح إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ويجب المال دون القصاص.

قوله: "وإذا أقر عبد غير مكاتب أو أقر له سيده بمال لم يصح".

أما المسألة الأولى فلأن مال العبد لسيده ولو قلنا بأنه يملك فقد أقر له بماله فلم يفد إقراره شيئا وكان هذا على المشهور وهو عدم ثبوت مال لسيد عبد في ذمته وهو الذي قطع به غير واحد.

ص: 386

ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما.

ومن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده.

وقال بعض الأصحاب ويحتمل أن يصح إقرارهما بما يكذبهما إن قلنا العبد يملك وإلا فلا.

وقال الشيخ تقي الدين إقراره لسيده ينبنى على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء ودواما وفيها ثلاثة أوجه في الصداق وأما المسألة الثانية فلما تقدم من أن مال العبد لسيده فلا يصح إقراره لنفسه وفيه الإحتمال في التي قبلها وقال الشيخ تقي الدين وإقرار سيده له ينبني على أن العبد إذا قيل يملك هل يثبت له دين على سيده انتهى كلامه والمشهور لا يثبت.

قوله: "ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما".

أما لزوم الألف في حالة التصديق فلاتفاقهما عليه.

قال الشيخ موفق الدين ويكون كالكتابة.

قال ابن عبد القوي وهو كالكتابة في ذمة العبد لكنها حالة ويعتق في الحال وهذا معنى كلام غيره.

وأما عتقه في حالة التكذيب فلإقراره بذلك وهو يدعى عليه شيئا الأصل عدمه فلهذا لم يلزمه شيء ويحلف على نفيه وقيل لا يحلف وهذا غريب.

قوله: "من أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده".

ومقتضى هذا أنه يلزمه بتصديقه.

وصرح به غيره لأن يد العبد كيد سيده والحق للسيد فيه.

وقال الشيخ تقي الدين إذا قلنا يصح قبول الهبة والوصية بلا إذن السيد

ص: 387

وإن أقر ببهيمة لم يصح وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه.

لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد وقد يقال بل وإن لم نقل بذلك نحو أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه أو أتلفه وضمن قيمته انتهى كلامه وهو متوجه.

فرع

وإن أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزيز أو حد قذف صح وإن كذبه السيد ذكره الشيخ موفق الدين وغيره لأن الحق له دون سيده.

وقال الشيخ تقي الدين وهذا في النكاح فيه نظر انتهى فجعل النظر في النكاح خاصة فإن العبد لا يصح نكاحه إلا بإذن سيده فإن في ثبوت نكاح العبد ضررا عليه فلا يقبل إلا بتصديق السيد كإقرار القاتل بجناية الخطأ انتهى كلامه. 1 وعلى الأول المطالبة والعفو للعبد.

وقال الشيخ شمس الدين بن عبد القوي إذا قلنا الواجب أحد شيئين القصاص أو الدية يحتمل أن للسيد المطالبة بالدية مالم يعف العبد انتهى كلامه.

والقول بأن للسيد المطالبة بالدية فيه إسقاط حق العبد مما جعله الشارع مخيرا فيه فيكون منفيا.

قوله: "وإن أقر ببهيمة لم يصح".

هذا الذي قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك.

قوله: "وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه".

كالإقرار للعبد قال في الرعاية كما لو أقر بسببها أو بسبب دار.

_________

1 بياض في الأصل.

ص: 388

ومن أقر لحمل امرأة صح إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل.

وقال في المغني وإن قال على بسبب هذه البهيمة لم يكن إقرارا لأنه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الإقرار ذكر المقر له وإن قال لمالكها أو لزيد على بسببها ألف صح الإقرار وإن قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذا لم يمكن إيجاب شيء بسبب الحمل.

وقال الشيخ تقي الدين عن هذا القول هذا هو الذي ذكره القاضي في ضمن مسألة الحمل فإنه قال من صح الإقرار له بالوصية والإرث صح الإقرار المطلق له كالطفل والبالغ فقيل له هذا يبطل بالإقرار للبهيمة فإنه لا يصح وتصح الوصية لها لأنه لو أوصى بمائة درهم علق بها دابة فلان لم يستحقها صاحبها.

ووجب صرفها إلى علفها ومع هذا إن أبهم الإقرار لها لم يصح فقال هذا لا يبطل لأن الإقرار هناك صحيح لأنه لصاحب البهيمة وليس للبهيمة والذي يدل على ذلك أنه إذا رد الوصية لم تصح وإذا قبلها صحت.

ثم ذكر في نفس المسألة أنه يصح لما قاسه المخالف وقال لا خلاف أنه لو قال لهذه البهيمة على ألف درهم لم يصح إقراره كذلك الحمل فقال القاضي وعلى أن البهيمة لا يصح الإقرار لها إذا كان مضافا إلى الوصية والحمل يصح الإقرار له إذا كان مضافا إلى الوصية انتهى كلامه ولا يخفى أن فيه نظر.

قوله: "ومن أقر لحمل امرأة بمال صح".

هذا هو المشهور ونصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم.

وذكر الشيخ زين بن المنجا أنه المذهب لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح وهو الوصية والإرث فيحمل عليه المطلق حملا لكلام المكلف على الصحة كالإقرار لطفل وهذا أصح قولى الشافعي.

قوله: "إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل".

ص: 389

وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد.

كذا قطع به غير واحد لفوات شرطه وذكر في المغني والكافي أنه إذا خرج ميتا وقد كان عزى الاقرار إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصى وموروث الطفل وإن أطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل إقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد بإقراره.

قال الشيخ تقي الدين ظاهر ما في الكتاب يبطل مطلقا وقال أيضا قد ثبت أن المال للحمل إما إرثا أو وصية وأنه بإلقائه ميتا يكون لورثة ما فإذا لم يعرفوا ذلك يكون بمنزلة أن يقول هذا المال الذي في يدي وديعة أو غصب ولا يذكر المالك أو يقول لا أعرف عينه.

قوله: "وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي".

لأن الشرط فيه محقق.

قوله: "وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية".

لعدم المزية لأحدهما على الآخر.

قوله: "إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد".

وكذا ذكر في المغني وغيره وذكر في الرعاية هذا قولا وقدم التسوية وليس بجيد وذكر في الكافي وغيره أنه بينهما نصفين من غير تفضيل ومراده ما تقدم.

ص: 390

وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون من الاثنين على حسب ذلك.

قوله: "وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون بين الاثنين على حسب ذلك".

وهذا قول أبي حنيفة لأنه لا يملك بغير الإرث والوصية والاستدلال بها على ذكر السبب فيه نظر وقد وقع الاتفاق على صحة الإقرار للطفل مع انحصار السبب فيه كذا في مسألتنا وقد ذكر بعض الأصحاب قولا بعدم صحته مطلقا ولا أحسبه قولا في المذهب.

ويقال عزوته إلى كذا أو عزيته وأعزوه وعزواه وعزياه لغتان والواو أفصح.

فصل

وإن قال لهذا الحمل على ألف درهم أقرضنيها فذكر الشيخ موفق الدين تفريعا على قول ابن حامد أنه يصح إقراره في قياس المذهب لأنه وصله بما يسقطه فهو كما لو قال ألف لا تلزمني فإن قال أقرضني ألفا لم يصح لأن القرض إذا سقط لم يبق شيء يصح به الإقرار.

قال الشيخ تقي الدين الصلة المناقضة لفظا ظاهرا فأما الصلة المناقضة شرعا كقوله من ثمن خمر أو خنزير فوجهان وهذه الصلة مناقضة عقلا فهو كما لو قال ألف من ثمن مبيع من ألف سنة ومن أجرة من مائة عام ونحو ذلك.

فصل

وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق وعزاه إلى سبب صحيح مثل أن يقول:

ص: 391

ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره وأقر بيده وقيل ينتزع منه لبيت المال فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه.

من غلة وقفه صح وإن أطلق خرج على الوجهين قبلها فإن صح نزل على ما يمكن من ذلك وغيره وإن أقر لدار أو دكان لم يصح.

قوله: "ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره".

لأنه لا يقبل قول الغير على غيره في ثبوت حق له ينكره

قوله: "وأقر بيده".

وقدمه أيضا غيره جعلا لإقراره كالعدم في البطلان.

قوله: "وقيل ينتزع منه لبيت المال".

لأنه ضائع لخروجه من ملك المقر وعدم دخوله في ملك المقر له.

وذكر ابن عبد القوي على هذا يعطاه من قامت له بينة به أو وصفه كسائر الأموال الضائعة.

قوله: "فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه"

لأنه تعلق الحق ببيت المال فصار كزائد.

قوله: "وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه".

وقطع به الشيخ موفق الدين في مسائل اللقيط لما تقدم من جعل إقراره كالعبد يقر سيده ومن ادعى عينا في يده أو أقر بها قبل منه.

وذكر في الرعاية أنه يقبل منه في الأشهر كما لو قال غلطت وعدم القبول مطلقا حتى مع الغلط عليه يدل كلام الشيخ موفق الدين في الأقضية والدعاوي لاعترافه أنها لغيره فلا يسمع منه الرجوع عن إقراره وصورة الغلط

ص: 392

ولم يقبل بعدها عود المقر له إلى دعواه ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان ولو كان المقر عبدا أو نفس المقر بأن أقر برقها الغير فهو كغيره من الأقوال على الأول وعلى الثاني يحكم بحريتهما.

تشبه صورة الجهل وهي أن من أنكر المال المقر به له فيصدقه المقر ثم بان أنه للمقر له فهل يسقط حق المقر له بإنكاره جهلا أم لا يسقط ويغرمه المقر كما في الرعاية أنه لا يسقط ويغرمه المقر وفيه احتمال.

قوله: "ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه".

لتعلق حق غيره بذلك ولا يملك إسقاطه.

قوله: "ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان".

أحدهما يقبل لدعواه شيئا لا منازع له فيه والثاني لا يقبل لأنه لم يثبت استحقاقه بتكذيبه وليس هو بصاحب يد فيقبل منه.

قال الشيخ تقي الدين كذلك يجيء الوجهان في كل مالم يتعلق به حق غيره إذا أنكر استحقاقه والنسب فيه حق الولد وستأتي الزوجية فيها قولان.

قوله: "ولو كان المقر له عبدا أو نفس المقر بأن يقر برقبته للغير فهو كغيره من الأموال على الأول".

يعني على قولنا يقر بيده لأنه مال فأشبه غيره من الأموال ولا حرية مع ثبوت اليد عليه.

قوله: "وعلى الثاني يحكم بحريتهما".

يعني على قولنا ينزع لبيت المال لأنه لا يد لأحد عليه والأصل في بني آدم الحرية فعمل بها ولا ناقل عنه وقد ذكر الشيخ موفق الدين في اللقيط إذا أقر إذا بالرق ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره فإن به بعد ذلك لرجل آخر جاز.

ص: 393

وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.

وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق.

ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانيا كما لو أقر بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن إقراره بها يبطل ولو لم يرد انتهى كلامه.

قوله: "وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل".

لأن النكاح يفتقر إلى شرائط لا يعلم حصولها بالإقرار ولأنها تدعي حقا لها وهي النفقة والكسوة والسكنى.

قوله: "وعنه يقبل وهو الأصح".

وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه حق عليها فقبل كما لو أقرت بمال وقد قال الأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ادعى اثنان عبدا فأقر أنه لأحدهما فهو للمقر له ومرادهم وليس هو في يد أحد كما لو صرحوا به.

وقال أبو حنيفة لا يلتفت إلى إقراره وهو بينهما واحتجوا بأن من صح إقراره للمدعي إذا كان منفردا صح إذا كان لأحد المتداعيين كالذي في يده مال وأقر به لغيره وهذا التعليل جار في مسألتنا ولا خفاء أن المراد غير المجبرة أما المجبرة فلا يقبل إقرارها.

قال الشيخ تقي الدين المجبرة لا معنى لقبول قولها.

وقال أيضا وكلام القاضي والجد وإن تضمن أن إقرار المجبرة بالنكاح

ص: 394

وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني.

كإقرار غيرها فهو في غاية الضعف فإن المجبرة في النكاح بمنزلة السفيه في المال إذا أقر بعقد بيع لا يصح وإن صدق في إقراره لأنه إقرار على الغير.

قوله: "وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني".

قطع في المغني أنه لا يقبل منها إذا ادعاها اثنان.

وذكر الشيخ تقي الدين أن القاضي نصر ذلك لأنها متهمة في إقرارها في أنها مالت لأحدهما لجماله وماله ولهذا منعناها أن تلي عقد النكاح فصار كإقرار العبد بقتل الخطأ لا يقبل ولو أقر بقتل العمد قبل لأنه غير متهم في ذلك بخلاف ما إذا كان المدعى واحدا لأنه لا تهمة تلحق لإمكانها عقد النكاح عليه ولأنها تعترف بأن بضعها ملك عليها فصار إقرارا بحق غيرها ولو أرادت ابتداء تزويج أحدهما قبل انفصالها من دعوى الآخر لم يكن لهما.

وهذا بخلاف دعواهما عينا في يد ثالث فأقر لأحدهما فإنه يقبل لأنها لا تثبت بإقراره إنما يجعل المقر له كصاحب اليد فيحلف والنكاح لا يستحق باليمين فلم ينفع الإقرار به هنا.

قال القاضي وهذا بخلاف من ادعى عليه اثنان عقد بيع فإن إقراره لأحدهما لا تهمة فيه فإن الغرض المال وهذا يحصل منها.

قال الشيخ تقي الدين كلاهما سواء في العرف والشرع فإنه إذا ادعاها اثنان تقدر أن تتزوج بأحدهما أيضا إذا حلفت للآخر كما في البيعين وإن كان المانع الدين فلا فرق بين أن تحلف للآخر أو تنكره وهو زوجها وفي الباطن لا يمكنها إنكاره ولا الحلف وفي الظاهر يمكن كلاهما وإن لم يوجب

ص: 395

_________

عليها يمينا فهي يكفي مجرد إنكارها فالحاصل أن مجرد الدعوى لا تمنعها من شيء انتهى كلامه.

قال القاضي في التعليق إدا ادعي نفسان زوجية امرأة فأقرت لأحدهما فهل يقبل إقرارها أم لا نقل الميموني عن الإمام أحمد إذا ادعيا امرأة وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين ولم يجيء ولي فرق بينهما فإن أنكرتهما وقامت لكل واحد منهما بينة أنها امرأته فهو على ما يقول الولي لأن كل واحد منهما مكذب بيته صاحبه فإن لم يكن ولي فسخت النكاح قال وظاهر هذا أنه لا يقبل إقرارها وإذا أقر الولي لأحدهما قبل إقراره وحكم بها لمن أقر له الولي وحكم البينتين إذا تعارضتها في النكاح أن تسقطا ويكونان كمن لا بينة لهما فيجري الإقرار مع البينة مجراه مع عدمها وإنما قبل إقرار الولي لأنه يملك العقد عليها أن لأن المسألة محمولة على أن الولي يملك الإجبار على النكاح ومن ملك العقد ملك الإقرار به فأما المرأة فلم يقبل إقرارها في هذا الموضع لما نذكره فإن كان المدعي واحدا فأقرت له فهل يقبل إقرارها أم لا يتخرج على روايتين نص عليهما في الرق إذا ادعى رجل رق امرأة فأقرت له قال وحكم العتق والنكاح سواء لأن المزيل لهما مبنى على التغليب والسراية وهو العتق والطلاق.

قال الشيخ تقي الدين "قوله إذا ادعيا نكاح امرأة وأقرت لواحد منهما وجاء بشاهدين ولم يجيء بولي فرق بينهما" مضمونها أنه يفرق بينهما مع قيام البينة بالنكاح وهذا يبين أنه لم يكن لرد الإقرار لأن البينة قد شهدت بما أقرت به لأن قوله وجاء فيه ضمير مفرد لا مثنى هذا ظاهره لأنه قال وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين فرق بينهما فهذه ضمائر الوحدة وهذا يبين لك أن الرد1 لم يكن لكونه ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما وإنما النكاح

1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "أن المؤثر"

ص: 396

_________

عنده ثابت فأبطله لعدم الولي ألا تراه يقول فرق بينهما وهذا إنما يقال في النكاح المنعقد لا فيما لم يثبت وليس في الرواية أنها اجتمعت بمن أقرت له فعلم أن قوله فرق بينهما للثبوت.

وحينئذ فيحتمل أن يكون الإبطال لأن البينة شهدت على عقد مجرد لم يتضمن مباشرة الولي وهذه الشهادة لا تصح كما ذكره القاضي أخذا من مفهوم كلامه أو شهدت على عقد بغير ولي فتكون قد صرحت البينة بعدم الولي فلا ريب أنه باطل عنده ويحتمل أن الدعوى بالنكاح عن امرأة لا تصح وإنما تصح على وليها معها لأن المرأة وحدها لا يصح منها بذل النكاح ولا الإقرار به كما دل عليه كلامه كما لو ادعى عليها الرق في إحدى الروايتين بناء على أن المرأة لا تعقد النكاح وإنما يعقده وليها فالدعوى عليها كالدعوى على السفيه بعقد بيع أو الدعوى على أحد الوصيين بعقد بيع وإذا لم يصح والشهادة القائمة شهادة على غير خصم1 ففيه حكم على ولي غائب عن المجلس يمكن حضوره فلا يصح أو لأن الشهادة لم تكن عليه فإنها لا تصح إلا بحضوره فيفرق بينهما حتى يثبت النكاح أو لأجل ثبوت فساده ألا تراه قال في الصورة الثانية فسخت النكاح وقال في الأولى فرق بينهما فعلمنا أنه تفريق بدن لا إبطال نكاح ويحتمل أن المرأة كانت مجبرة وإذا كانت مجبرة لم يصح إقرارها ولا الدعوى عليها كما قاله القاضي في إقرار الولي عليها وهذا الاحتمال أظهر في القياس فلا تكلف في تخريجه على القواعد المذهبية.

وقوله: "إذا أنكرتهما وأقام كل واحد بينة فهو على ما يقول الولي فإن لم يكن ولي فسخت النكاح".

1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "وإذا لم يصح بالشهادة القائمة على غير الخصم".

ص: 397

_________

يقتضى أن العبرة بإقرار الولي إما لأنه مجبر كما تأوله القاضي أو لأنه مأذون له فالعبرة بتصديقه وتكذيبه لأنه هو المباشر للعقد الذي يصح منه ذلك دونها كما أن العبرة به إذا ادعى على سفيه بعقد بيع فإذا قامت البينتان إما أن يقال سقطتا للتهاتر كما قاله القاضي أو يقال ثبت العقدان فالمرجع إلى الولي في تعيين أيهما هو الصحيح لكونه بإذنه أو لكونه المقدم كما قلته فيما إذا ثبت بيعان فالمرجع إلى البائع في تعيين المقدم ويحلف للآخر.

وقوله: "فإن لم يكن ولي فسخت النكاح".

يؤيد هذا الاحتمال لأنه لو لم يثبت عقد لم يحتج إلى فسخ بل يثبت عقدان لم يتعين صحيحهما أو لم يكن فيهما صحيح لعدم إذن الولي فينفسخ النكاحان وإذا نزلت المسألة على الولي المجبر كما فسروا به قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها" ظهر ما ذكرته جيدا.

وبكل حال قد تبين أن ليس في كلام الإمام أحمد ما يقتضى أنه أبطل الإقرار لادعاء نفسين لها ولا تأثير للمدعيين بل عنده أن إقرار المرأة لم يصح إما مطلقا وإما إذا كانت مجبرة وهذا هو الحق فإنه لا أثر لهذا من جهة الفقه انتهى كلامه.

وقول القاضي في سقوط البينتين هو معنى كلام غير واحد.

قال في المغني وإذا أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا وحيل بينهما وبينها والذي قاله في الرعاية تعارضتا وسقطتا ولا نكاح وقال غير واحد وإن جهل سبق التاريخ عمل بقول الولي نص عليه قال ابن حمدان المجبر فإن جهل فسخا فأما إن اختلف تاريخهما فهي للأسبق تاريخا.

فرع

ظاهر كلام القاضي هنا أنه لا يرجح أحدهما بكون المرأة في يده وبيته

ص: 398

وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة.

وهو ظاهر كلام غيره أيضا وقطع به في المغني لعدم ثبوت اليد على حرة.

وقال القاضي في موضع آخر إذا ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة وليست في يد واحد منهما فإنهما يتعارضان ويسقطان ذكره محل وفاق.

قال الشيخ تقي الدين ومقتضى هذا أنها لو كانت في يد أحدهما كانت من مسائل الداخل والخارج.

فرع

فلو أقر الرجل بالنكاح فهل يقبل إقراره يخرج على الروايتين في قبول قول المرأة والأولى في العبارة أن يقال إذا ادعى النكاح وصدقته فهل تقبل دعواه لأن الحق له والحق فيه تبع بخلافها؟.

قال الشيخ تقي الدين عقب رواية عدم قبول إقرارها ويلزم من هذا أيضا أنه لا يصح إقرار الرجل بالنكاح فإنها إذا أقرت ابتداء فلا بد من تصديقه فلا يصح وإن أقر هو ابتداء فتصديقها إقرارها فلا يصح انتهى كلامه.

قال في الكافي من ادعى نكاح صغيرة في يد فرق بينهما وفسخه الحاكم إلا أن يكون له بينة لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة ومقتضى هذا أنها لو صدقته فيه لم يقبل لكن قال وإن صدقته إذا بلغت قبل ولم يزد على ذلك.

وقال في الرعاية قبل على الأظهر وقد قال في آخر باب في المستوعب ومن أقر بأب أو مولى عليه أعتقه أو بزوجية وصدقه المقر له ثبت إقراره بذلك سواء كان المقر رجلا أو امرأة انتهى كلامه.

قوله: "وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة"

ص: 399

أو مقرة له بالإذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة.

وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر فلم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه.

لعدم اعتبار قولها.

قوله: "أو مقرة له بالأذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة".

لما تقدم من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به وقال ابن عبد القوى لأنها كالمقرة بأصل العقد.

معنى قوله: "وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة".

لعل هذا في الموجود في كلامهم قال ابن عبد القوي لأن الفروج يحتاط لاستباحتها فلا تباح مع لفظ محتمل ولهذا لا ينعقد بالكناية وهذا فيه نظر والأول أولى ولعل صورة الإذن من أهلها لم يتفطن لها فلا يكون مخالفا فيها وإن تناولها إطلاق كلامه فأما إن لم تكن مجبرة ولا مقرة بالإذن لم يقبل قوله عليها كإقرار أجنبي على غيره بمال.

قوله: "وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر ولم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه".

هذا ينبنى على صحة إقرار المرأة بالنكاح قاله الشيخ تقي الدين وهو صحيح.

وإنما ذكرها الأصحاب لخلاف أبي حنيفة فيها.

قال القاضي هذا قياس قول أصحابنا وهو قول أبي يوسف ومحمد.

وقال أبو حنيفة إن أقرت المرأة وماتت فصدقها لم يرثها وإن أقر هو ومات فصدقته ورثته.

ولنا أنه أحد الزوجين فورث كالآخر وكما لو وجد التصديق في الحياة.

ص: 400

إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان.

ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن سقط به وارثا معروفا إذا أمكن صدقه.

قال الشيخ شمال في شرحه وقد ذكرنا فيما إذا أقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه على وجهين بناء على ثبوت نسبه فيخرج هنا مثله انتهى كلامه.

كذا قال ومأخذ الخلاف في الملك لا يجيء في هذه لكن فيما إذا أقر بنسب صغير ميت قول بعدم الإرث معللا بالتهمة في ذلك كذلك يخرج هنا.

قوله: "إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان".

والصحة والإرث قطع به أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة كما تقدم وذكر ابن عبد القوي أن عكس هذا أقوى الوجهين في نظيرهما في ثبوت النسب وهو غريب وقطع غير بثبوت النسب احتياطا له.

وهذه المسألة نظير من أقر له بمال فكذبه ثم صدقه وفيها وجهان وكذلك يجيء هنا لو كذبه في الحياة ثم صدقه فيها وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى.

قوله: "ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن أسقط به وارثا معروفا".

كذا ذكر غيره نصا وظاهرا لأنه إقرار من مكلف ليس فيه منازع فثبت كما لو أقر بمال ولأن الظاهر احتياط الإنسان فلا يلحق به من ليس منه فيقبل ذلك.

قوله: "إذا أمكن صدقه".

ص: 401

ولم يدفع به نسبا لغيره وصدقه المقربه إلا في الولد الصغير أو المجنون.

لأنه لا يلتفت إلى قول من لا يمكن صدقه.

قوله: "ولم يدفع به نسبا لغيره".

لما فيه من قطع النسب الثابت من غيره وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه".

قوله: "وصدقه المقر به".

لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه في ذلك كما لو أقر له بمال فإن صدقه ثبت وإن كان بعد موت المقر لوجود الإقرار والتصديق وذكر ابن عبد القوي أنه لو خرج فيه قول كما سيأتي لم يكن بعيدا للتهمة فيه ولا بد من عدم اشتراط المنازع فيه لأنه لا ترجيح يسقط به حق الآخر.

قوله: "إلا في الولد الصغير أو المجنون".

فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب لأنه لا قول له وإن بلغ أو عقل فأنكر لم يقبل منه للحكم بثبوت نسبه كما لو قامت به بينة وكما لو ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت ملكه بذلك فلما كبر جحد قوله وسبق فيه رواية بأن إقرار المزوجة لا يقبل بالولد تقدم ذلك.

فصل

وظاهر كلامه أنه لو استلحق كبيرا عاقلا ميتا لم يثبت نسبه وهو أحد الوجهين لأنه مكلف لم يوجد منه تصديق والثاني يثبت قطع به في الكافي وهو قول القاضي وغيره وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه غير مكلف كالصغير وذكر الشيخ تقي الدين أو الأول أصح وأن في الإقرار بالميت الصغير نظرا وذكر غيره احتمالا في ثبوت نسبه دون ميراثه للتهمة وقال أبو حنيفة لا يثبتان لذلك قلنا:

ص: 402

فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب وسبق فيه رواية بأن إقرار المرأة المزوجة لا يقبل بالولد.

يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرا والمقر فقيرا قال في المستوعب لا عبرة بمن قال لا يثبت نسبه.

فصل

ومتى ثبت نسب المقر به ورجع المقر عن الإقرار لم يقبل رجوعه وإن صدقه المقر له في الرجوع فكذلك في أصح الوجهين كالثابت بالفراش والثاني لا يثبت كالمال.

قال الشيخ تقي الدين إن جعل النسب فيه حق الله فهو كالحرية وإن جعل حق آدمي فهو كالمال والأشبه أنه حق لآدمي كالولاء.

ثم إذا قبل التراجع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها هل يزول.

وكذلك إذا رجع عن التصادق على النكاح فالمصاهرة الثابتة هل تزول أو تكون كالإقرار بالرق بعد التصرف انتهى كلامه.

فصل

قال الشيخ تقي الدين فأما إن ادعى نسبا فلم يثبت لعدم تصديق المقر به1 أو قال لا أب لي أو أنا فلان بن فلان وانتسب إلى غير معروف أو قال لا أب لي أو لا نسب لي ثم ادعي بعد هذا نسبا آخر أو ادعى أن له أبا فقد ذكروا فيما يلحق من النسب أن الأب إذا اعترف بالابن بعد نفيه قبل منه فكذلك غيره لأن هذا النفي أو الإقرار لمجهول أو لمنكر لم يثبت به نسب.

_________

1 بهامش الأصل: في كلام الشيخ تقي الدين "أو قال: لا أب لي"

ص: 403

ويكفى في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك.

ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك.

فيكون إقراره بعد ذلك مجهولا كما قلنا فيما إذا أقر بمال المكذب إذا لم نجعله لبيت المال فإنه إذا ادعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه ولو كان المقر به رق نفسه فهو كغيره بناء على أن الإقرار للمكذب وجوده كعدمه وهناك على الوجه الآخر نجعله بمنزله المال الضائع أو المجهول الحال فيحكم بالحرية وبالمال لبيت المال وهنا يكون بمنزلة المجهول النسب فيقبل منه الإقرار به1 ثانيا وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول والرجوع عن الإقرار غير مقبول والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا لآدمي هو من باب الدعاوي فيصح الرجوع عنه انتهى كلامه.

وقد تقدمت الإشارة إلى المسألة في غير موضع.

قوله: "ويكفي في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك".

هذا هو المشهور لأن النسب يحتاط له فاكتفى بالسكوت كما لو بشر بولد فسكت بخلاف سائر الأشياء.

قوله: "وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك".

لأن السكوت محتمل فاعتبر التكرار لزوال الاحتمال.

قوله: "ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك".

_________

1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية في كلام الشيخ تقي الدين هذا "فيقبل به الإقرار"

ص: 404

_________

كذا ذكره الأصحاب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن كانت حرة معروفة الأصل فهي زوجة استحسانا.

وقال القاضي فإن قيل أليس قد قال أبو بكر في النكاح من المقنع وأومأ إليه الإمام أحمد في رجل باع أمة له من رجل فولدت عند المشترى ولدا فأدعاه البائع أنه ولده وصدقه المشترى أنها تصير أم ولد للبائع فحمل إقراره بالولد على أنه كان في ملكه ولم يحمله على وطء شبهة لذلك يجب أن يحمل إقراره بالولد على أنه كان في زوجية.

قيل له كلام أبي بكر محمول في تلك المسألة على أن البائع ادعى أنه ولده وأنها علقت به في ملكه فمثاله هنا أن يقر بنسبه في زوجية وسلم القاضي أن إقراره بالولد لا يكون إقرارا بنسب أخيه قاله الشيخ تقي الدين.

ومراد القاضي والله أعلم غير التوأم وظاهر كلام أبي بكر خلاف ما قال الشيخ تقي الدين في مسألة أبي بكر قد تقدم في هذه المسألة وجهان في الاستيلاد مع أن الوجهين ذكرهما في الكافي على قولنا أن الاستيلاد لا يثبت إلا إذا علقت به في ملكه فأما إذا قلنا إنه إذا استولدها بنكاح أو وطء شبهة ثم ملكها صارت أم ولد فهذا الأشبه فيه.

وقال ونظير هذا اللقطة فلذلك يجب أن يكون في هذه المسألة مع أن الأشبه بكلام الإمام أحمد ثبوت الاستيلاد هناك والزوجية هنا حملا على الصحة انتهى كلامه.

والوجه بصيرورتها أم ولد وهو منصوص الشافعي لأنه الظاهر بإقراره بولدها وهي في ملكه بخلاف مسألتنا.

ووجه الأول أن ذلك ليس حقيقة لفظه ولا مضمونه والنسب يحتاط له

ص: 405

ولا يصح إقرار من له نسب معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم إلا وورثة أقروا بمن لو أقر به مورثهم ثبت نسبه.

فيلحق بشبهة أو نكاح فاسد فلا يلزمه مالم يتضمنه لفظه وكما لو كانت غير معروفة بالحرية عند أبي حنيفة.

قوله: "ولا يصح إقرار من لا نسب له معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم".

لأن إقرار الإنسان على غيره مقبول وفيه عار وضرر وقال بعضهم من له نسب معروف لا يصح إقراره ولعل مراده من ليس له فسقطت لفظة "ليس".

قوله: "إلا ورثة أقروا بمن لو أقر به موروثهم ثبت نسبه".

وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وحكاه عن أبي حنيفة.

قال في المغني والمشهور عن أبي حنيفة لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت بإقرار اثنين وهذا الذي حكاه عن مالك حكاه الأصحاب عن أبي حنيفة كالشهادة.

ولنا قصة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وهي مشهورة متفق عليها وقد أثبت فيها النبي صلى الله عليه وسلم بقول عبد بن زمعة وحده فلأن الوارث يقوم مقام الموروث في حقوقه ولو أنه واحد كذا النسب لأنه منها ولأنه حق يثبت بإقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين بخلاف الشهادة ولهذا لا نعتبر لفظها ولا العدالة.

ويعرف من قوله: "ورثة" أقرار غير الوارث لا يقبل لعدم قبوله في المال فكذا النسب ومقتضى كلامه أنه لو أقر الوارث بمن نفاه الموروث ثبت نسبه والظاهر أنه لم يرده لأنه قد حكى في موضع آخر أن نص الإمام أحمد لا يثبت خلافا للقاضي وقطع الشيخ موفق الدين وغيره بالمنصوص لما فيه من الضرر

ص: 406

فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب.

على الموروث والعار عليه.

قوله: "فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب".

ذكره غير واحد بالإجماع إذالم يكن المقر اثنين لأن النسب لا يتبعض ولا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر.

قال في الرعاية فإن أقر بعضهم ولم يشهد منهم أو من غيرهم عدلان أنه ولده أو ولد على فراشه أو أنه أقر به لم يثبت نسبه على المذهب فهذا رواية في ثبوت النسب بقول البعض ولعل مراده إذا كان البعض ابنين لأنه هو المعروف في كلام القاضي وغيره قال ابنه أبو الحسين إذا أقر اثنان من الورثة على أبيهما بدين أو نسب فهل يثبت ذلك في حق الباقين بغير لفظ الشهادة على روايتين إحدهما يعتبر لفظ الشهادة لأنه إثبات حق على الغير أشبه ما إذا شهد اثنان على نسب الغير أو بدين على الغير والثانية لا يعتبر لأنه يشبه الشهادة لأنه إثبات حق على الغير ويشبه الإقرار من حيث تثبت المشاركة له فيما في يده من المال المقصود فأعطيناه حكم الأصلين فاشترطنا العدد اعتبارا بالشهادة ولم تشترط لفظ الشهادة اعتبارا بالإقرار.

قال القاضي في التعليق ويتخرج على هذا الاختلاف هل يشترط فيهما العدالة على روايتين وقال أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين.

فرع

وإذا لم يثبت النسب من الموروث لعدم إقرار كل الورثة فهل يثبت من المقر حتى لو مات المقر ولا وارث له غير المقر به يرثه الذي قطع بعضهم أنه لا يثبت.

وذكر غير واحد وجهين أحدهما يثبت لأن النسب يحتاط له والمعنى

ص: 407

لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض.

ولو مات المنكر المقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به.

الذي لأجله لم يثبت النسب من الموروث يختص به ولا يتعداه والثاني لا يثبت لأن النسب لا يتبعض.

قوله: "لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض".

تقدم ذلك.

قوله: "ولو مات المنكر والمقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما".

وقدمه أيضا في المغني لأنه صار جميع الورثة كما أقر به ابتداء.

وقطع به في المستوعب وقال ذكره القاضي في المجرد.

قوله: "وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه".

كما لو لم يمت وكما لو أنكر الأب نسبه في حياته فأقر به الوارث وكذا الخلاف لو كان وارثه ابنا فأقر بالذي أنكره أبوه ذكره في المغني وغيره فأما إن كان المقر غير مكلف لم يثبت النسب فإن مات فوارثه يقوم مقامه وإن صار مكلفا ثبت نسبه وإن أقر له وإلا فلا وإن لم يخلف وارثا إلا أخاه المقر قام مقامه في الإقرار لأنه صار جميع الورثة.

قوله: "فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به".

ص: 408

ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار له كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال.

هذا تفريع واضح لا حاجة للمختصر إليه لأنه ثبتت أخوته على الأول بخلاف الثاني والأخ يسقط بني العم.

قوله: "ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر".

لأن إقراره تضمن جعل المال له فأشبه جعل المال وصية وهل تصح وصية من لا وارث له بجميع ماله فيه روايتان وعليهما يخرج الوجهان في هذه المسألة.

قوله: "وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال".

لأن ثبوت المال من ثبوت الأخوة فإذا انتفى انتفى تابعه وقطع في المغني بعدم ثبوت النسب لعدم إقرار كل الورثه ثم قال وهل يتوارثان فيه وجهان.

أحدهما يتوارثان لأن كل واحد منهما يقر أنه لا وارث له سوى صاحبه ولا منازع لهما والثاني لا يتوارثان لأن النسب بينهما لم يثبت فإن كان لكل واحد منهما وارث غير صاحبه لم يرثه لأنه منازع في الميراث ولم يثبت نسبه انتهى كلامه.

فقد جعل الخلاف في توارثهما مع انتفاء النسب وهذا غريب وكيف يثبت التوارث مع انتفاء سببه وقد تقدم قريبا ذكر هذه المسألة في فرع وأن فيها خلافا في ثبوت النسب وأن فيها معنى الإرث ذكره في المستوعب وغيره.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الفرائض في زياداته على كتاب

ص: 409

وإن أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه نص عليه ويتخرج أن يقبل بدونه.

أبيه حدثنا عبد الله بن عوف وكان ثقة حدثنا شريك من جابر عن الشعبي عن علي في رجل ادعى أخاه وأنكره إخوته قال: "يتوارثان بينهما دونهم".

جابر هو الجعفي ضعيف وإن صح فقد يقال توارثهما يدل على تواضع النسب وثبوته بينهما لما بينهما من اللازم.

وقال الشيخ تقي الدين هذا يقتضي أن المقر به يرث المقر مطلقا كما عليه أن يدفع في حياته فضل ما في يده له كأنه أقر بأن المال الذي في يده يتسحقه هكذا قال.

قوله: "وإذا أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه".

نص عليه في رواية أحمد بن القاسم وذكر له أن قوما يقولون في الحميل إنه إنما منعوه الميراث إلا ببينة من أجل الميراث فأما قوم يسبون جاءوا مسلمين أو أسلموا في مواضعهم فإنهم خلاف هذا قال أجل هذا غير ذاك.

قال القاضي فقد نص على أنه لا يقبل قبول السبي وبين أن العلة فيه إسقاط الميراث بالميراث وقال أيضا في رواية حرب من ميراث الحميل إذا قامت البينة أنه أخوه أو ابنه أو وارث له ورثتاه وإلا فلا.

قال القاضي فقد نص على اعتبار البينة في ذلك وأنه لا يقبل مجرد إقرارهم وهذا هو الذي عليه الأصحاب لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والحق لمولاه فلا يقبل إقراره بما يسقطه كما لو دفع بإقراره نسبا لغيره.

قوله: "يتخرج أن يقبل بدونه".

ص: 410

وإن لم يكن له عليه ولاء قبل إقراره وإن كان أخا أو عما أو غيرهما بشرط التصديق والإمكان.

وإذا أقر ورثة ميت عليه لزمهم قضاؤه من التركة وإن أقر بعضهم لزمه منه بقدر إرثه.

قال ابن عبد القوى لأنه لم يسقط به نسبا والإرث يسقط تبعا لا قصدا فلا نص لحد الأصل انتهى كلامه.

ولعل هذا التخريج من قبول إقراره بالنسب وهو أسقط به وارثا معروفا إذا لم يدفع به نسبا لغيره وهنا لم يسقط به نسبا والنسب يحتاط لإثباته وهذا قول أبي حنيفة وأنهم يصدقون في كل ما يصدق فيه أهل الذمة.

قوله: "وإن لم يكن عليه ولاء قبل إقراره به وإن كان أخا أو عما بشرط التصديق والإمكان".

قال في الرعاية وتصديقه إن كان مكلفا لأنه لا ضرر على أحد بإقراره فيقبل.

قوله: "وإذا أقر ورثه ميت بدين عليه لزمهم قضاؤه من التركة".

كإقرار الميت به في حياته لأن الوارث يقوم مقام الموروث والإقرار أبلغ من البينة ويلزم الوارث أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين بمنزلة الجاني.

قوله: "وإن أقر بعضهم لزمهم منه بقدر إرثه".

فلو كان ابنين فأقر أحدهما وجب عليه في حصته نصف الدين وإن كانوا ثلاثة وجب عليه ثلث الدين قال القاضي في رواية الأثرم فيمن علم على أبيه دينا فإنما عليه بحصته وإن لم يرد الآخرون وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم عنه في الورثة يقر اثنان منهم بدين على أبيهم وينكر الباقون أعطى كل واحد منهما بحصته من الدين الذي على أبيهما وهذا قول الشافعي وأبي ثور لأنه لا يستحق أكثر من ذلك كما لو أقر الورثة كلهم ولأنه أقر بدين تعلق بمال

ص: 411

إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه.

ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة.

مشترك فلزمه بقدر حصته كالشريك ولأنه حق يتعلق بالتركة فلم يؤخذ منه إلا ما يخصه كالوصية وقال أبو حنيفة يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه لأن الدين يتعلق بالتركة فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل ولأنه يدعي أن ما يأخذه المنكر غصبا فأشبه ما لو غصبه أجنبي.

وقال ابن عبد القوي ويخرج لنا مثله على قولنا إنه إذا اختار السيد فداء العبد الجاني يلزمه جميع الأرش انتهى كلامه وفيه نظر.

وقد تقدم لنا في إقرار بعض الورثة بالنسب أنه إذا أقر اثنان من الورثة بدين هل يلزم الباقين على روايتين.

قوله: "إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه".

يعني من التركة لثبوت الحق كما لو كانت البينة أجنبية.

قوله: "ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة".

أما كون إقرار الميت يقدم على إقرار الوارث فتؤكده بالسبق واحتمال المواطأة في الثاني ومن عليه الحق أعلم به فيقدم.

قوله: "وقيل يقدم ما أقر به الورثة".

لثبوته بإقرارهم كشهادتهم ويحتمل التسوية بين الإقرارين ويقدم ما ثبت ببينة على مجرد الإقرارين لقوتهما ولما في التساوي من تسليط على إبطال حق غيره الثابت بالبينة بمجرد قوله.

ص: 412

وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر مثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا.

قوله: "وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر بمثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول".

قطع به الأصحاب رحمهم الله تعالى وقال الشيخ تقي الدين يشبه إذا أقر في مرضه مرتين أو أقر في صحته ثم في مرضه من وجه انتهى كلامه.

وقال الشافعي يقبل إقراره الثاني فيتشاركان لأن من قبل إقراره أولا قيل ثانيا إذا لم يتغير حاله كالموروث.

ووجه قولنا أن الأول تعلق حقه بالتركة فلا يقبل إقرار غيره بما يسقط حقه كإقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني فأما الموروث فإن أقر في صحته صح لعدم تعلق الدين بماله وإن أقر في مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك قال في المغني.

وهذا يدل على استوائهما في الحكم لاستوائهما في المعنى وأنه إذا قيل بالمحاصة قيل بالمشاركة هنا لعدم الفارق فيكون لنا قولان كقول الشافعي.

قال في المغني وأن أقر يعني الموروث في مرضه لغريم يستغرق تركته دينه ثم أقر لآخر في مجلس آخر والفرق بينهما أن إقراره الأول لم يمنعه من التصرف في ماله ولا أن يعلق به دينا آخر بأن يستدين دينا آخر بفعله فلا يملكه بقوله ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين انتهى كلامه ولعل الفرق من هذه الجهة فيه نظر فتأمله.

قوله: "وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا".

قطع به جماعة منهم الشيخ موفق الدين وصاحب المستوعب لأن حكم

ص: 413

وقيل يقدم الأول وظاهر كلام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها للثاني.

المجلس حكم الحال الواحد فيما يعين قبضه ولحوق الزيادة وإمكان الفسخ وغير ذلك كذا في مسألتنا.

قال الشيخ تقي الدين وهو الذي في التعليق ذكره وفاقا مع أبي حنيفة في ضمن مسألة الإقرار مرتين لكن قال إذا ادعى رجل أن له على أبيه ألف درهم فأقر له بذلك فقيدها بالإقرار بعد الدعوى فيمكن الفرق انتهى كلامه.

قوله: "وقيل يقدم الأول".

لما تقدم لأن الغير لا يملك إسقاط حق غيره كما نقول في إقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني ودعوى ثاني المجلس ممنوعة وإنما حصل الثاني في مواضع لمصلحة المكلفين لاحتمال حصول اتحاد غرض أو غيره أو دهشة ونحو ذلك فجعل الشارع المجلس فيه ظاهرا نظرا إلى مصلحة مخصوصة.

قوله: "وظاهر كلام الإمام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول".

لأن مع تواصل الكلام هو كالإقرار الواحد بدليل أنه يملك تغييره وتقريره بشرط استثناء ونحو ذلك فيكون كالكلام الواحد وإلا قدم الأول لما تقدم.

قوله: "ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها الثاني".

لأنه حصل للأول بالإقرار السابق ولم يقبل رجوعه بالإقرار الثاني لأنه حق آدمي ويغرم قيمتها للثاني لأنه بإقراره لغيره حال بينه وبين ملكه

ص: 414