المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره - المحرر في الفقه على مذهب أحمد - ومعه النكت والفوائد السنية - جـ ٢

[مجد الدين بن تيمية - شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب شروط النكاح

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب حكم الشروط والعيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌مدخل

- ‌باب حكم المسمى ومهر المثل

- ‌باب الوليمة

- ‌باب القسم

- ‌باب النشوز

- ‌باب الخلع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌مدخل

- ‌باب صريح الطلاق وكناياته

- ‌باب الشك في الطلاق

- ‌باب تعليق الطلاق بالشروط

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌كتاب الرجعة

- ‌مدخل

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌مدخل

- ‌كتاب الظهار

- ‌مدخل

- ‌باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع

- ‌كتاب القذف واللعان

- ‌مدخل

- ‌باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

- ‌كتاب العدد

- ‌مدخل

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

- ‌مدخل

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الزوجات

- ‌باب نفقة الأقارب

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجراح

- ‌مدخل

- ‌باب ما يشترط لوجوب القود

- ‌باب القود فيما دون النفس

- ‌باب استيفاء القود والعفو عنه

- ‌باب ما يوجب الدية في النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب أروش الشجاج وكسر العظام

- ‌باب مقادير الديات

- ‌باب العاقلة وما تتحمله

- ‌باب القسامة

- ‌باب كفارة القتل

- ‌كتاب الحدود

- ‌حد الزنا

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب حكم الصيال وجناية البهيمة

- ‌باب حد السكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب إقامة الحد

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب المرتد

- ‌كتاب الجهاد

- ‌مدخل

- ‌باب قسمة الغنيمة وأحكامها

- ‌باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة في أخذ الجزية

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌باب قسمة الفيء

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌مدخل

- ‌باب الذكاة

- ‌باب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌مدخل

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والأيمان فيها

- ‌باب تعارض البينات واختلافها

- ‌كتاب الشهادات

- ‌مدخل

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب عدد الشهود وما يتبعه

- ‌باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الإقرار

- ‌مدخل

- ‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

الفصل: ‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

‌باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

إذا ادعى على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعى.

فغرمه كما لو شهد على غيره بإعتاق عبده ثم رجع عن الشهادة وكما لو أتلفه ثم أقر به وقال الشافعي في أحد القولين لا يغرم للثاني شيئا ولنا فيما إذا قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو وجه لا شيء لعمرو فيلزم هنا مثله وأولى لأن أبا حنيفة وافق في صورة الغصب وقال هنا إن سلم الغير إلى الأول بحكم حاكم فهي له ولا شيء للثاني لأن الواجب الإقرار وقد أقر وإنما منعه الحكم من القول وهو غير موجب الضمان.

فصل

قد عرفت من هذه المسألة أن الرجوع عن الإقرار بغير حد خالص لله لا يقبل وهذا صحيح وقطع به أكثر الأصحاب وقال في المغني لا نعلم فيه خلافا لأنه حق ثبت لغيره وقدم هذا في المستوعب والرعاية وقدم أبو بكر في التنبيه أن من أقر بمال أو حد أنه يقبل رجوعه تسوية بين الحقين.

قال السامري لما حكى في قبول الرجوع عن الإقرار بالأموال وجها لا يجوز أن يكون هذا مذهبا.

قوله: "وإذا ادعى رجل على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعي".

وهو واضح قال تعالى: [44:7]{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} وقيل لسلمان "قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل" وكذا إن قال زاد بعضهم لعمري أو لا أنكر أنا بحق في دعواك.

ص: 415

_________

وقوله: "إذا ادعى" قال الشيخ تقي الدين لا بد أن يكون بصيغة الخبر وهو إني أستحق عنده أو لي عنده وإما بصيغة الطلب وهو أن يقول أعطني انتهى كلامه وهو ظاهر فإنه إذا قال أعطني مائة قال نعم لا يلزم أن يكون مستحقا عليه وهو محتمل لذلك وللوديعة والقرض وغير ذلك فإذا قال أعطني عبدي هذا أو أعطني الألف الذي عليك قال نعم كان مقرا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره لأنه تصديق لما ادعاه لأن "نعم" مقررة لما سبقها وهذا بخلاف ما لو قال خذها أو خذ فإنه ليس بصيغة التصديق وإنما هو بذل مجرد ولا يلزم من بذل المدعى به وجوبه ولا إشكال.

وقال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة عقيب كلام الشيخ موفق الدين فيه نظر فإن "نعم" هنا جوابا لطلب وجواب الطلب الطاعة والبذل وفي كونه إقرارا وجهان فإن قوله هنا "نعم" لا يزيد على قوله خذها بل هو إلى الأخذ أقرب ومثاله الساعة أعطيك أو نعم أنا أعطيك أو وكرامة وعزازة.

وأما كون الطالب وصفها بأنها عنده فهذا له نظائر في الطلب استفهاما وأمرا مثل ألهذا العدل عندك ألف أو لهذه المرأة التي طلقتها عندك ألف وقد أبرأتك هذه المرأة التي طلقتها من جميع الدعاوى أو تقول هذه المطلقة قد أبرأتك أتصدقها فيقول نعم انتهى كلامه.

قال الشيخ تقي الدين والنحويون يقولون "نعم" جواب الاستفهام ولكن قد صارت في العرف بمنزلة أجل كما قد استعمل أجل جواب الاستفهام انتهى كلامه.

وهو يقتضي أن العرف يعمل دون الحقيقة اللغوية ولعل مراده في العامي دون اللغوي كما هو الراجح في المذهب في نظائره.

وقد ذكر ابن الحاجب وغيره أن "نعم" مقررة لما سبقها من الكلام شيئا مثبتا

ص: 416

وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر.

كان أو منفيا استفهاما كان أو خبرا تقول لمن قال قام زيد أو ما قام زيد أو لم يقم زيد نعم تصديقه لما قبله هذا بحسب اللغة دون العرف ألا ترى أنه لو قيل لك أليس لي عندك كذا مالا فقلت نعم لألزمك القاضي به تغليبا للعرف على اللغة.

وظاهر هذا تقديم العرف مطلقا كما هو ظاهر قول الشيخ تقي الدين وقال في المغني وإن قال أليس لي عندك ألف قال بلى كان إقرارا صحيحا لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى: [182:7]{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف.

وظاهر هذا أنه لو قال نعم لم يكن إقرارا صحيحا لخروجه عن اللغة وقد ذكروا في قوله أن دخلت الدار فأنت طالق بفتح "أن" هل يكون شرطا أم لا أم يفرق بين المعاصي وغيره كما هو الراجح؟ وكذا الخلاف في غير هذه المسألة.

فظهر من هذا أن الإتيان بحرف الجواب في غير محله كنعم في الجواب المنفي كقوله أليس عندك كذا فيقول نعم فيه ثلاثة أقول.

قوله: "وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر".

لأن هذه الأشياء تستعمل للاستهزاء و"لعل وعسى" للترجي وللمستقبل "وأظن وأحسب وأقدر" وضعت للشك والأصل بقاء براءة الذمة.

وقال القاضي في ضمن مسألة فيما أعلم فيما أعلم لا يمتنع أن نقول إذا قال له على ألف فيما أحسب وفيما أظن أنه يلزمه.

ص: 417

أو قال خذ أو أتزن أو أحرز أو افتح كمك لم يكن مقرا.

وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر أو خذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان.

قوله: "أو قال خذ أو اتزن أو أحرز أو فتح كمك لم يكن مقرا".

قطع به الأصحاب لأن هذه الأشياء تستعمل على سبيل البسط والمزح مع احتمالها خذ الجواب واتزن أو احرز أو افتح كمك لشيء آخر والذمة لا تشتغل بالاحتمال.

وقال الشيخ تقي الدين الصواب أن المفصول المحذوف هنا هو الدرهم على قياس أصح الوجهين إذا قال أنا مقر فتكون كالتي بعدها أعني خذها يبقى أن مجرد البذل هل هو إقرار كما لو قال أعطني الألف التي لك التي لي عندك فقال نعم ففيهما إذا ثلاثة أوجه.

قوله: "وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر إلى أن قال فوجهان".

أحدهما يكون مقرا لأن الظاهر انصرافه إلى المدعي لوروده عقب الدعوى وكذا الخلاف إن قال أقررت لأنه تعالى اجتزأ منهم في كونهم مقرين في الآية بقولهم {أَقْرَرْنَا} جوابا لقوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} ثم قالوا {أَقْرَرْنَا} ولم يقولوا أقررنا بذلك.

والثاني لا يكون مقرا لاحتمال مقر ببطلان دعواك أو بالعقد أو الشهادة ونحوه لأن قوله: "أقر" وعد بالإقرار في المستقبل فهو كقوله سأقر بدعواك ونحوه ولم أجد في هذا الأصل خلافا ولا يلزم من عدم إنكاره إقراره لوجود واسطة وهي السكوت عنهما مع احتمال لا أنكر بطلان دعواك وقيل يكون مقرا في "أنا مقر" فقط قواه بعضهم.

ص: 418

_________

قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب فيما إذا قال "أنا مقر" أن يكون مقرا بها لأن المفعول ما في الدعوى كما قلنا في قوله قبلت أن القبول ينصرف إلى الإيجاب لا إلى قبول شيء آخر فالإقرار أولى وقال المتوجه إن مجرد نفي الإنكار إن لم ينضم إليه قرينة بأن يكون المدعي مما يعلمه المطلوب أو قد ادعى عليه علمه وإلا لم يكن إقرار وإن قال "لا أنكر أن تكون محقا" فوجهان لاحتمال محقا في اعتقاده ونحوه.

قوله: "أو أخذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان".

ووجههما ما تقدم ولاحتمال خذها وإن لم تكن واجبة علي.

فصل

وإن قال لي عليك ألف فقال قضيتك منها مائة فقال القاضي ليس هذا إقرارا بشيء لأن المائة قد رفعها بقوله والباقي لم يقر به وقوله: "منها" يحتمل مما يدعيه وكذا قطع به في الكافي وغيره وذكر في المغني أنه يجيء على الرواية الأخرى يعني قوله إذا قال كان له على كذا وقضيت منه كذا أنه يلزمه ما ادعى قضاءه لأن في ضمن دعوى القضاء إقرارا بأنها كانت عليه فلا يقبل دعوى القضاء بغير بينة.

وقال ابن حمدان في الرعاية الكبرى ويحتمل أن يلزمه الباقي يعني تقبل دعوى القضاء وهي تتضمن الإقرار بالباقي فيلزمه.

وقال الشيخ تقي الدين يخرج على أحد الوجهين في "أتزنها وخذها واقبضها" أنه مقر بباقي الألف لأن الهاء ترجع إلى المذكور ويتخرج أن يكون مقرا بالمائة على رواية في قوله: "كان له علي وقضيته" ثم هل هو مقر بها وحدها أو بالجميع على ما تقدم انتهى كلامه.

ص: 419

وإن قال له على مائة إن شاء الله.

فصل

قال الشيخ تقي الدين هذه الألفاظ يعني الإقرار تارة تكون مبتدأة وهو ظاهر وتارة تكون جواب طلب وتارة جواب خبر وتارة جواب استفهام من المقر له أو من الشهود أو من غيرهما ثم تارة يكون بحضرة الحاكم وتارة بحضرة من يعلم أنهم يشهدون عليه وتارة مطلقا وقد تقدم هذا القسم في الشهادات ثم هذه الألفاظ قد تظهر على وجه التهكم والاستهزاء فهذه أقسام لا بد من اعتبارها.

قوله: "وإن قال له على مائة إن شاء الله".

قال أبو طالب سمعت الإمام أحمد قال إذا قال الرجل على ألف درهم إن شاء الله فقد أقر ليس استثناؤه بشئ وعلى هذا الأصحاب لأنه وصل بإقراره ما يرفعه واللفظ لا يحتمله فصح الإقرار وبطل ما يرفعه كاستثناء الكل.

قال أبو الخطاب وغيره ولا يلزم إذا قال له على ألف قبضها لأن ذلك يحتمله اللفظ وكذا ذكره القاضي والأولى المنع كما قطع به غير واحد ولأنه عقب الإقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضي رفع الحكم أشبه ما لو قال له علي ألف في مشيئة الله وقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والشافعي لا يصح الإقرار وهو احتمال في الرعاية لأنه علق إقراره بشرط فلم يصح كتعليقه على مشيئة زيد ولنا في هذا الأصل وجهان.

أحدهما الصحة كتعليقه بمشيئة الله تعالى.

والثاني لا يصح لإن الإقرار إخبار بحق سابق فلا يعلق على شرط مستقبل فعلى هذا الفرق أن مشيئة الله تعالى تذكر في الكلام تفويضا إليه وتبركا

ص: 420

_________

بخلاف مشيئة الآدمي ولأن مشيئة الله لا تعلم إلا بوقوع الأمر فلا يمكن وقوف الأمر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا فيوقف الأمر على وجودها والماضي لا يمكن وقفه في تعيين الأمر هنا على المستقبل فيكون وعدا.

فصل

ولو قال بعتك إن شاء الله أو زوجتك إن شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم خلافا عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله أن النكاح واقع وبه قال أبو حنيفة ذكره في المغني وقال القاضي وظاهر هذا أن الاستثناء في العقد لا يبطله ويحتمل أن يفرق بين الاستثناء في الإقرار والاستثناء في العقود فلا يحكم بصحة العقود وإن صححنا الإقرار لأنه إذا وجب البيع والنكاح كان له الرجوع في ذلك قبل القبول بخلاف الإقرار فإنه لا يمكنه الرجوع فيه ويحتمل أن يلزم على ما قال أبو إسحاق بن شاقلا ويكون تقديره إن شاء الله أن أتلفظ بالبيع أو إن شاء الله أن أبيعك وقد علمنا مشيئتنا به بوجود الإيجاب من جهته وقال القاضي أيضا في الخلاف وعلى قياس الإقرار بالبيع والنكاح وذكر أبو الخطاب والشريف مسألة تعليق الإقرار بمشيئة الله ثم قال وكذلك إذا قال قبلت النكاح إن شاء الله ذكره أبو إسحاق ثم استدل للمسألة كما تقدم وقال ولأن هذا مما يصح في المجهول وليس فيه تمليك فتعليقه بالشرط لا يبطله كالعتاق والطلاق والضمان ولا يلزم البيع لأنه لا يصح في مجهول ولا يلزم النكاح لأنه يبطل إذا علقه بشرط وإن كان يصح في المجهول لأننا قلنا وليس فيه تمليك وفي ذلك تمليك ومقتضى هذا أن تعليق الإقرار بشرط مطلقا لا يبطله بخلاف البيع والنكاح.

ص: 421

أو فيما أعلم أو في علمي أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن أدخل الدار أو قال المداعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال أو ليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه.

قوله: "أو فيما أعلم أو في علمي".

وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي لأنه لما أضافه إلى علمه كان يقينا لأن ما في علمه لايحتمل إلا الوجوب.

قال أبو الخطاب والشريف دليله إذا قال له علي ألف أعلمها وقال أبو حنيفة الإقرار باطل.

قال الشيخ تقي الدين وسلم ما إذا قال لفلان على ألف درهم وقد علمت وسلم له القاضي وغيره أن الشاهد لو قال أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم فيما أعلم لم تقبل شهادته وفرق بأن الإقرار يصح بالمجهول والمبهم ولا تصح الشهادة بذلك قال الشيخ تقي الدين وفيه نظر انتهى كلامه.

وما قاله صحيح والأولى قبول الشهادة وهذا الفرق لا أثر له هنا.

وقد عرف من هذه المسألة أنه لو قال فيما أظن لم يلزمه شيء وهو كذلك ونقله ابن هبيرة عن اتفاق الأئمة الأربعة.

قوله: "أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن يشاء الله كان الحكم كذلك".

وفيه الاحتمال السابق في قوله إن شاء الله وفيه نظر هنا.

قوله أو قال المدعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال المدعي أليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه.

تقدم ذلك في قوله إدا ادعى على رجل مائة والأولى بأن يكون مقرا وقد تقدم ذلك.

ص: 422

وإذا علق الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلي لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين.

قوله: "وإذا علق على الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح".

أما المسألة الأولى فلأنه ليس بمقر في الحال لأن المشروط عدم عند عدم شرطه والشرط لا يقتضى إيجاب ذلك بل إشكال فيقال يجب عند وجود الشرط وأما في الثانية فلا يصدق الكاذب.

وقال الشيخ تقي الدين والتحقيق أنه إن كان الشرط بما يجب به الحق صح تعليق الإقرار به1 كقول المرأة إن كان قد طلقني فله علي ألف أو إن طلقني أو إن كان عمل لي ونحو ذلك انتهى كلامه.

وليس هذا إقرارا وإنما هو التزام فهو كقولها اخلعني أو طلقني ولك ألف أو علي ألف أو بألف ونحو ذلك.

قوله: "إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلى لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين".

أما عدم صحة إقراره في المسألة الأولى فذكر في المغني أنه قول الأصحاب وقطع به في الكافي وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالشرط.

وقوله: "فعلي كذا" يصلح إقرارا ووعدا فلا يثبت الإقرار مع الاحتمال.

_________

1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين أنه قال "والتحقيق أنه إن كان الشرط مما قد يجب الوفاء به صح تعليق الإقرار به"

ص: 423

ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفي زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا.

ووجه الصحة أنه ظاهر في الإقرار لأن لفظه على ظاهرة في الثابت واللازم ومجيء الوقت يصلح أجلا لحلول الحق بخلاف غيره وحمل كلام المكلف على الصحة أولى.

وأما المسألة الثانية فوجه عدم الصحة فيها أنه علقه على شرط ووجه الصحة أنه لا يتصور صدقه إلا أن يكون ثابتا في الحال وقد أقر بصدقه.

قوله: "ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفى زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين".

أحدهما لا يكون مقر لما تقدم وكما لو قدم الشرط والثاني يكون مقرا فإن قدم الإقرار فلم يثبت حكمه والشرط لا يصلح أجلا فبطل ولأن الحق ثابت في الحال لا يقف على الشرط فسقط الاستثناء ولأن المقر لا يكون عليه علم الشرط إلا وهو عليه في الحال لأن الشرط لا يوجد.

قوله: "إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا".

وكذا قطع به في الكافي وغيره ونقله في المغني عن الأصحاب وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالإقرار وقوله: "إذا جاء وقت كذا" يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل بالاحتمال قال في المغني ويحتمل أن لا فرق بينهما يعني هذه المسألة وعكسها المتقدمة قال لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعا وجهان انتهى كلامه.

ص: 424

وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه.

وقال الشيخ تقي الدين مضمون هذه المسائل أن الإقرار لا يتعلق بشرط بل إذا تأخر الشرط هل يبطل وحده أو الإقرار كله على وجهين.

قال والصواب أن نفس الإقرار لا يتعلق وإنما يتعلق المقر به لأن المقر به قد يكون معلقا بسبب يوجبه أو يوجب أداءه أو دليل يظهره فالأول كما لو قال إن قدم فلان فعلي لزيد ألف درهم فإذا قال مقرا إذا قدم زيد فلفلان علي ألف درهم صح وكذا لو قال إن رد عبدي الآبق فله ألف درهم ثم أقر بها فقال إن رد عبدي فله عندي صح وكذا الإقرار بعوض الخلع لو قالت إن طلقني أو إن عفا عني قال وأما التعليق بالشهادة فقد يشبه التحكيم ولو قال إن حكمت علي بكذا التزمته لزمه عندنا فكذلك قد يرضي بشهادته وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد ورضى بشهادة واحد فهو بمنزلة أن يقول للحاكم إن شهد علي فلان فاقض بحكمه وما هو ببعيد لأن تعديل الشخص للشاهد قد يكفي.

وإذا حكم بشاهد فابرأ المطلوب من اليمين فهو بمنزلة إن شهد فلان فهو صادق انتهى كلامه.

قوله: "وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه".

في رواية ابن الحكم سئل الإمام أحمد عمن أقر فقال لفلان علي كذا وكذا إلى أجل.

فقال أبو عبد الله إذا قال لي في مرة واحدة قبل منه يعني إلى أجل وفي رواية أبي طالب في مسألته الطويلة في مناظرة أبي ثور وهي في الفلس وهذا هو المذهب لأن الأجل صفة في الدين فرجع فيه إلى المقر كالسواد والبياض والحلول ولأنه هكذا أقر كما لو قال ناقصة ولا بد من اتصاله وفي

ص: 425

ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قوله في الضمان وفي غيره وجهان.

معناه سكوت لا يمكنه الكلام فيه.

قوله: "ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله".

ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وعن الشافعي كالمذهبين لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال كما لو قال قضيته إياها والفرق ظاهر.

قوله: "فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قول في الضمان وفي غيره وجهان".

أما كون القول قول المقر في الضمان فلأنه فسر كلامه بما يحتمله من غير مخالفة لأصل ولا ظاهر فقبل لأن الضمان مقتضاه ثبوت الحق في الذمة فقط ومن أصلنا صحة ضمان الحال مؤجلا.

وأما إذا كان السبب غير ضمان كبيع وغيره فوجه قبول قول المقر في التأجيل أنه سبب يقبل الحلول والتأجيل فقبل قوله فيه كالضمان ولأن الأصل براءة الذمة وإنما ثبت شغلها بالحق وصفة الحلول أمر زائد محتمل فلا ينتقل عن الأصل بالاحتمال ووجه عدم قبول قوله أن سبب متقضاه الحلول فوجب العمل بمقتضاه وأصله كما لو صرح به أو فلم يقبل تفسيره بخلافه كما لو صرح به وبهذا فارق الضمان هذا ما ظهر لي من حل كلامه.

وقال ابن عبد القوي بعد نظمه كلام المحرر الذي يقوي عندي أن مراده يقبل في الضمان أي يضمن ما أقر به لأن إقرار عليه فإن ادعى أنه ثمن مبيع أو أجرة ليكون بصدد أن لا يلزمه هو أو بعضه إن تعذر قبض ما ادعاه أو بعضه أحد الوجهين يقبل لأنه إنما أقر به كذلك فأشبه ما إذا أقر بمائة

ص: 426

وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله.

وإذا قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان على مائة دينار أو قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة للأول ولا شيء للثاني.

صكة معيبة أو ناقصة قال وقيل بل مراده نفس الضمان أن يقبل قوله إنه ضامن ما أقر به عن شخص حتى إن برىء منه برىء المقر ويريد بغيره سائر الحقوق انتهى كلامه ولا يخفى حكمه.

وقد ذكر في المستوعب بعد مسألة الإقرار بدين مؤجل وإن أقر أنه كفل بألف إلى أجل كانت مؤجلة إلا أن تقوم ببينة بالحلول وهذا يؤيده ما تقدم.

وتخصيصه هذه المسألة يقتضي عدم القبول في غيرها فيكون تضمن القبول في الضمان وعدم القبول في غيره.

قوله: "وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله".

لأنه منكر والظاهر صدقه والأصل براءة ذمته وكذا إن أقر بغير لسانه ولو قال وإن أقر بغير لسانه لعربي بعجمية كان أولى.

قال الشيخ تقي الدين إذا أقر العامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله فهو كما لو قال في الطلاق إن دخلت أو قال أنت طالق واحدة في ثنتين انتهى كلامه وهو متوجه.

قوله: "وإذا قال لفلان مائة درهم وإلا فلفلان علي مائة دينار أو قال لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة الأولى ولا شيء للثاني".

قطع به جماعة في كتب الخلاف منهم أبو الخطاب والشريف لأن

ص: 427

وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما ولو قال لأحدهما علي مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين وإذا قال له علي مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة.

وإن قال له علي من ثمن خمر مائة لم تلزمه.

مقاصد الناس ومرادهم ترجع إلى أن للأول فإن لم يكن فالثاني كما يقول بع هذا الثوب من فلان وإلا فمن فلان وإلا كما يقول الحاكم للقاذف أئت بأربعة يشهدون لك وإلا جلدتك واقض دينك وإلا حبستك ويراد بذلك عند تعذر الأول كذا في مسألتنا وقد ثبت للأول بإقراره فلا يملك رفعه.

قوله: "وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما".

لأنه أقر للأول فثبت له وأضرب عنه بالإقرار الثاني فيلزمه أيضا كما لو قال لزيد لا بل لعمرو واقتصر في المستوعب على حكاية قول القاضي هذا وقاسه على هذا الأصل والأول أولى وقال أبو حنيفة لا يلزمه هذا الإقرار في حقهما جميعا.

قوله: "ولو قال لأحدهما على مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين".

وكذا ذكره غيره الحكم والدليل.

قوله: "وإذا قال له على مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة".

أما في المسألة الثانية فلأنه استثنى الكل فلا يصح بغير خلاف وأما في المسألة الأولى فلأن هذا يناقض ما أقر به أو نقول رفع جميع ما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل وفي هذه المسألة احتمال بعيد ذكره في الرعاية الكبرى.

قوله: "وإن قال له على من ثمن خمر مائة لم تلزمه".

لأنه لما قدم الصفة على المقر به لم يلتزم شيئا فهو كما لو قال على خمر

ص: 428

وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو بكفالة بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان.

قبلها ألف بخلاف ما لو أخرها لأن إقراره به مطلقا اقتضي لزومه فلا يقبل رفعه لأنه رجوع عن إقراره بحق آدمي كاستثناء الكل.

قوله: "وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو سلفا بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان".

وكذلك لو قال بشرط أجل مجهول ذكره القاضي وغيره.

أحدهما يلزمه ما أقر به ولا يقبل قوله لم يذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد غيره واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود رضي الله عنه وأنه قول أبي حنيفة ومالك وأظهر قولي الشافعي عند أصحابه لما تقدم.

والثاني يقبل قوله وهو الذي ذكره القاضي قياس المذهب وقياس قول الإمام أحمد في مسألة كان له على وقضيته لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزا إلى سبب صحيح وقيل يقبل قوله في ثمن مبيع لم أقبضه وفي معناه هلك قبل قبضه ذكره القاضي وغيره وصرحوا ومن شرط ضمانه القبض وهو واضح وهو ظاهر اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لأنه إقرار بحق في مقابلة حق لا يميل أحدهما عن الآخر فإذا لم يسلم ما له ما عليه كما لو قال بعتك هذا بألف قال بل ملكتنيه بغير شيء ولأنه فسر الإقرار بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض.

وحكى القاضي وأصحابه عن أبي حنيفة إن عين المبيع قبل قوله وإن كان أضعاف الثمن وإن لم يعين لم يقبل قوله.

قال القاضي إذا لم يكن معينا فإنما يكون موصوفا فإذا أحضر له ما تتناوله الصفة لزمه قبوله ولم يجز له الامتناع فلا فرق بين المعين وغيره.

ص: 429

وإذا قال كان له علي كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره.

قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أنه إذا لم تكف الصفة لم يلتفت إليه وكذلك لو ادعى أن المحضر غير الموصوف.

قوله: "ألف من ثمن مبيع ثم سكت ثم قال لم أقبضه قبل كالمتصل".

ذكره في المعنى ويؤخذ من كلام غيره لأن الإقرار تعلق بالبيع والأصل عدم القبض ولو قال على ألف ثم سكت ثم قال من ثمن مبيع لم أقبضه لم يقبل.

قوله: "وإذا قال كان له على كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره".

وأبي الخطاب وابن ماهان وهو الذي نصره القاضي وغيره وذكر القاضي أنه المذهب وأنه لم يجد عن أحمد رواية بغير هذا وقطع به ابن هبيرة عن أحمد واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود واختاره الخرقي وغيره لأنه قول يمكن صحته ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض بخلاف المنفصل فإنه قد استقر بسكوته عليه ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره.

واحتج القاضي بأنه يصح أن يرفع جميع ما أقر به كما يصح أن يرفع البعض إذا لم يتناقض اللفظ كما في قول صاحب الشريعة وقال لأنه رفع ما ثبت بقوله على وجه لا يفضي إلى التناقض فأشبه دعوى الاستبراء بعد الاعتراف بالوطء.

قال الشيخ تقي الدين هذا الضابط يعم صورا كثيرة لكن قد ينازع في قوله له على وقال لو قال إلى سنة أو ألف طرية فذكره القاضي محل وفاق محتجا به وكذلك لو قال ألف من ثمن مبيع شرط فيه الخيار.

ص: 430

وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب.

وقال الشيخ تقي الدين وكأن الضابط أن الصلاة المغيرة قدرا أو وصفا تقبل بلا تردد فأما الصلاة المسقطة فهي محل وفاق.

قوله: "وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة به".

اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وهو أحد قولي الشافعي وهو الأظهر عند أصحابه لأنه أقر وادعى القضاء فلا يسمع إلا ببينة أو يحلف خصمه كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل ولأنه وصل كلامه بما يرفعه فلم يقبل كاستثناء الكل.

قوله: "وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب".

لأنه كلام ظاهره التناقض لأنه نفي ما أثبت فكان وجوده كعدمه فيطالب بجواب صحيح قال في الرعاية الكبرى وهي أصح وأشهد كذا قال.

فصل

وكذا الخلاف فيمن قال وقضيت منه كذا وكذا الخلاف أيضا إن قال وبرئت منه أو من بعضه وقيل تقبل دعوى الوفاء لا الإبراء لأنه فعل الغير فلم يقبل قوله فيه بخلاف الوفاء وإن قال جوابا للدعوى أبرأني منها أو برئت إليه منها فهو كقوله كان له على ألف وقضيته قدمه في الرعاية وذكر ابن أبي موسى أنه إقرار فإن عجز عن إثبات البراءة فله اليمين.

فصل

ولو قال كان لي عنده ألف درهم قبضت منها خمسمائة وأطالبه بخمسمائة أخرى فهذا لا يكون إقرارا بالخمسمائة المقبوضة على الرواية الأولى وهو ظاهر.

ص: 431

_________

وأما على الرواية الثانية فقد يقال كذلك أيضا لأنه بدأ بالدعوى قبل القبض ولم يقر إلا بأنه قبض ما هو حقه وهذا اللفظ ليس بإقرار بحال بخلاف قوله كان لي علي فإن هذا اللفظ لو تجرد كان إقرارا.

ومثال ذلك أن يقول ابتعت منه بعيرا وقبضته وكذلك كل قبض مسبوق بدعوى الاستحقاق بخلاف ما لو قال قبضت منه ألفا كانت لي عليه أو كانت لي عنده فإن هذا بمنزلة قوله كان له علي ألف وقضيته إياه أو كان له عندي غصب وأعطيته إياه لكن ذاك إقرار بقبض وهذا إقرار بحق.

ونظير هذا أن يقول اقترضت منه ووفيته أو ابتعت منه ووفيته فإن الإقرار بأسباب الحقوق من العقود والفرض وسائر الأفعال كالإقرار بالحقوق فقوله كان له على أو عندي كذا أو غصب أو ثمن مبيع أو قرض أو أعطيته ذلك منزله قوله اقترضت منه ووفيته أو استعرت منه وأعدت إليه وبمنزلة قوله قبضت منه دين حق كان لي عنده فإن الدين يسقط بالقضاء والإبراء.

وجماع هذا كل إقرار بقبض غير موجب للضمان أو غير موجب للرد هل يجعل إقرارا بقبض مجرد وتسمع دعوى المقبض باستحقاق الرد أو الضمان.

لكن فرق بين أن يقر بقبض حقه وبين أن يقر بقبض مال المعطى ويدعى قبضا غير مضمون فالأول قبضته الدين الذي كان لي عليه أو الوديعة التي كانت لي عنده أو العارية أو الغصب والثاني أودعني أو رهنني ونحو ذلك.

فصل

قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إذا قلنا بظاهر المذهب وأنه ليس بمقر بل منكر فهل يحلف على بقاء الاستحقاق أو يحلف على لفظ الجواب إن اتفقا على نفي الاستحقاق فلا ريب وإلا فينبغي أن تطابق اليمين جواب الدعوى فيحلف لقد رددت عليه هذه الألف الذي يدعى به أو لقد وفيته إياها وإن لم

ص: 432

وإن قال له علي كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه بالوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة.

يقر بها في الحال لكون الإنكار مقيدا بردها في الزمن الماضي كما لو أنكر المؤتمنون الاستحقاق بناء على رد أو تلف فكما أن جواب الدعوى مجمل ومفسر فكذا اليمين على الجواب مجمل ومفسر انتهى كلامه.

وهذه المسألة وهي هل نكلف المدعى عليه اليمين على حسب الدعوى أو تكفي يمينه على نفي الاستحقاق مطلقا أو إن كان الجواب مطابقا للدعوى كلف اليمين على حسبه وإلا حلف على نفي الاستحقاق فيه ثلاثة أوجه.

قوله: "وإن قال له على كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان".

إحداهما يلزمه فيحلف المدعي أنه باق عليه ويأخذه نصره في المغني واختاره أبو الخطاب وقدمه بعضهم لما تقدم ولأنه قول متناقض وبه قال أبو حنيفة ومالك.

والثانية لا يلزمه مع يمينه وهي التي ذكرها القاضي وأبو الخطاب في رءوس المسائل واختارها الخرقي وعن الشافعي كالمذهبين لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض لأنه يحتمل أنه كان له وقضاه.

قوله: "وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه في الوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة".

لأن قوله: "له علي" إقرار يلزم منه عدم القضاء فدعوى الوفاء بعد ذلك يكذبها الإقرار السابق فلا تقبل ولا بينة لأنه مكذب لها وقيل ما أجابه بشيء.

فصل

وكذا إن قال وقضيته منه كذا أبو برئت منه أو من بعضه لأن عدم

ص: 433

وإذا قال كان له على كذا وسكت فهو إقرار.

الصحة لتناقض كلامه كذا في البعض لاستحالة بقاء المقر به عليه مع بقاء بعضه.

وقال ابن أبي موسى إن قال قضيت بعضه قبل منه في رواية كاستثناء البعض وإن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة كاستثناء الكل.

قوله: "وإذا قال كان له علي كذا وسكت فهو إقرار".

قطع به في الكافي وغيره وذكره في المغني ظاهر كلام أصحابنا لأنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فيجب استدامته حتى يعلم زواله قال ولهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم له بها ذكر هذا في الإقرار وذكر في الدعاوي أن المدعى عليه إذا أقر أنها كانت للمدعى أمس أو فيما مضى سمع إقراره في الصحيح وحكم به لأنه حينئذ يحتاج إلى سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى بينه انتهى كلامه.

فالمستشهد به هو نظير له المستشهد له لا فرق بينهما وفيهما جميعا الخلاف.

فعلى هذا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه لأنه لا تنافى بين الإقرار وبين ما يدعيه ذكره في المغني والشرح وزاد هذا على إحدى الروايتين.

وإنما زاد هذا لظنه أن معنى سماع دعوى له هو قبول قوله منفصلا كما لو أتى به متصلا على إحدى الروايتين فيها وليس كذلك فسماع الدعوى لعدم التنافي بين الدعوى والإقرار فتسمع بينته لأنه غير مكذب لها ولا يقبل قوله بمجرده كمسألة الاتصال قطع به الشيخ فيها وفي الشرح تبعا له ولم أجد فيه خلافا وهو واضح.

وجاء بن عبد القوي فتتبع الشرح على ما ذكره وزاد فقال كما لو وصله بإقراره مع أنه ذكر مسألة الانفصال في مسألة الاتصال وقطع بما قطع به غيره

ص: 434

ويتخرج أنه ليس بإقرار.

وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته.

قوله: "ويتخرج أنه ليس بإقرار".

هذا التخريج من نظيرها في مسألة الشهادة فإن فيها روايتين على ما ذكره الشيخ تقي الدين وذكر غير واحد وجهين.

وقال القاضي في شرح الخرقي لا يكون إقرارا وهو أحد قولي الشافعي لأنه أخبر به في زمن ماض فلا يثبت في الحال وكذلك لو شهدت البينة به لم يثبت.

وأجيب بأن الإقرار أقوى لأنه شهادة الإنسان على نفسه ويزول به النزاع ولأن الدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداء.

قوله: "وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور".

إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق وهذا قول القاضي وغيره كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل قاله في المغني وغيره.

قوله: "ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته".

الظاهر أن هذا التخريج من مسألة له على وقضيته وهذا اختيار الشيخ موفق الدين وقول الشافعي وقال ابن حمدان إن قاله منفصلا وإلا فلا.

وهذا خلاف ما ذكره في المغني وفيه نظر لأنه لا مناقضة مع الانفصال.

فرع

وإن قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها قد تلفت

ص: 435

وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمته مائة جيدة حالة.

قال في المغني فالحكم فيها كالتي قبلها وذكر غيره وجهين فعلى هذه الطريقة يقبل هنا وإن قلنا لا يقبل في التي قبلها.

فصل

ذكر الشيخ تقي الدين هنا مسائل المعروف في أكثرها خلاف ما ذكره قال وإذا أقر بأنه ووصله بأني أقررت قبل القبض أو أقررت أن مالي عنده شيء لئلا يتهم أو أني قبضت مالي عليه لئلا يؤذي ونحو ذلك لم يبعد إلا أن يكون هذا الإقرار بالإقرار إقرارا.

ولو قال له عندي هذا المال رهن لم يبعد إلحاقه بهذا وأما لو قال أودعني مالا وأذن لي في الصدقة به فهذا ظاهر.

ولو قال أباح لي أكله إذا شئت وقد أكلته فكذلك.

ولو قال الوارث لمورثي عندك ألف وديعة فقال أودعني ألف درهم وأمرني أن أتصدق بها أو أدفعها إلى فلان فينبغي أن يكون كذلك ولو كان الورثة صغارا فقال أمرني أن أدفعها إلى فلان جعله وصيا فكذلك.

وحاصله أن من أقر بأمانة ووصل كلامه بما يصح فهو بمنزلة من أقر بدين ووصل كلامه بما يصح بخلاف لو ثبتت الأمانة بإقرار أو غيره فادعى فيها آخر فإن هذا يقبل في بعض الأشياء دون بعض انتهى كلامه.

قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمه مائة جيدة حالة.

لأن الإطلاق يقتضي ذلك كما لو أطلقه في عقد بيع أو غيره ولأنه إذا سكت

ص: 436

سكوتا يمكنه الكلام فيه استقر حكم ما أقر به فلم يرتفع كالاستثناء المنفصل.

ذكره الأصحاب رضي الله عنهم وعللوا الاستثناء المنفصل باستقرار حكمه ولم يذكروا له أصلا وقاس في المغني الاستثناء في اليمين بإلا فدل على أن هذا عنده محل وفاق ولهذا لم يحك فيه خلافا كما حكاه في الاستثناء في اليمين.

وذكر في المستوعب أن الاستثناء هنا لا يصح إلا متصلا قال على ما ذكرنا في الاستثناء في اليمين ويوافق هذا ما قال ابن الزاغوني في الواضح فإن كان منفصلا وهو أن يسكت سكوتا يمكنه الكلام ثم استثنى فهل يصح فيه روايتان أصحهما لا والثانية يصح كما لو تقارب ما بينهما أو منعه مانع من تمام الكلام انتهى كلامه وهو يقتضي أنه إذا تقارب ما بينهما يصح قولا واحدا وفيه نظر ظاهر.

ويوافق هذا أيضا ما قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يعتبر في اتصال الصفات والاستثناء في الإقرار ما اعتبر في ذلك الإنشاءات وقد فرق الأصحاب بينهما فإن هناك لو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ووصل به بعض الصلات نفعه إذا عد اتصالا معتادا فينظر انتهى كلامه.

ووجه هذا أنه كلام متصل بعضه ببعض فأشبه الاستثناء في اليمين ووجه القول الآخر أن الأصل اعتبار الاتصال في الجميع خولف في الاستثناء في رواية للخبر فيه فيقتصر عليه ولأن الكفارة حق الله تعالى ومبناه على المسامحة بخلاف مسألتنا وفيه نظر.

والزيوف الرديئة والصغار دراهم طبرية كل درهم ثلثا درهم أربع دوانق.

فرع

ولا فرق بين الإقرار بها من غصب أو وديعة أو قرض أو غيره ذكره غير واحد.

ص: 437

وقيل إن كان ببلدة أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن المبيع بها.

وقال الشيخ تقي الدين أما إذا كان مودعا فقال له عندي دراهم أو أودعني دراهم ثم قال بعد هي زيوف أو ناقصة ونحو ذلك فيجب أن يقبل قوله مع يمينه لأنه لو ادعى ردها أو تلفها بعد ذلك قبل قوله مع يمينه فلا يكون دعوى تغيرها بأكثر من دعوى ردها أكثر ما فيه أن يقال دعوى الرد والتلف لا تنافي موجب الإقرار الأول بخلاف دعوى الصفة الناقصة لكن هو مؤتمن في الموضعين أكثر ما فيه أنه ادعى ما يخالف الأصل وذلك مقبول منه انتهى كلامه.

قوله: "وقيل إن كان ببلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن البيع بها".

هذا الوجه ذكر في المغني أنه أولى وقدمه في الكافي لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع والصداق وكما لو كانت معاملتهم بها ظاهرة في الأصح.

ذكر هذا الأصل في الرعاية لأن إطلاق الدرهم ينصرف إلى درهم الإسلام وهو ما كان منها كل عشرة وزن سبعة مثاقيل وتكون فضة خالصة بدليل تقدير الشرع بها نصب الزكوات والديات والجزية والقطع في السرقة ويخالف الإقرار البيع من حيث إنه إقرار بحق سابق فانصرف إلى دراهم الإسلام والبيع إيجاب في الحال فاختص بدراهم البلد1.

_________

1 بهامش الأصل: حاشية اقتضى كلامه -وهو ما صرح به غيره- أنه إذا أقر بعشر دارهم، ثم سكت سكوتا كان يمكنه الكلام فيه. ثم قال: زيوفا =

ص: 438

وإذا قال له علي مائة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوش ولم يقبل بما لا فضة فيه.

قوله: "وإذا قال له على مائدة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوشة ولم يقبل بما لا فضة فيه".

لأنه صادق لأنها دراهم ولأن الإطلاق ينصرف إلى ما فيه فضة وكذا سبق إلى الفهم وإن كان كذلك كان تفسيره به رجوعا عما أقر به فلا يقبل

_________

=أو صفاراً، أو إلى شهر: أنه لزمه عشرة جياد، وأوقية حالة، وذلك: لأنه إذا أقر بدارهم وأطلق اقتضى إقراره الدراهم الوافية، وهي دراهم الإسلام، كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل، وكل درهم ستة دوانق.

وإن أقر بدارهم وأطلق في بلد أوزانهم ناقصة أو نقدهم مغشوش. فهل يلزمه منها؟ فيه وجهان أطلقهما المصنف في الفروع

قال الشيخ موفق الدين في المغني: أولاهما: أنه يلزمه من دراهم البلد، لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم، كما في البيع والأثمان، والثاني: يلزمه الوازنة الخالصة من الغش، لأن إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل أن بها يقرر نصب الزكوات، ومقادير الديات.

ثم ذكر الفرق بين البيع والإقرار، كما ذكره المصنف هنا. انتهى كلامه.

قال في الفروع: والشهادة بمائة درهم أو دينار من نقد البلد، نقله ابن منصور. انتهى كلامه.

قال ابن منصور: قلت لأحمد: قال سفيان: إذا شهد على رجل بألف درهم أو مائة دينار. قال: له دراهم ذلك البلد، قال أحمد: جيد.

قال في المغني قال القاضي: لأنه لما جاز أن يحمل العقد على ذلك جاز أن تحمل الشهادة عليه.

قال الشيخ تقي الدين: ظاهر الملة أن الشهادة بنفس المال، لا بالإقرار به.

وهذا يقتضي أن إقراره بالمال المطلق يصح، ويحمل على عرف البلد كما في الإقرار.

ص: 439

وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك.

كاستثناء الكل وقال في الكافي إن فسر الزيوف بما لا قيمة له لم يقبل لأنه أثبت في ذمته شيئا وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة.

وظاهر هذا أنه لو فسره بما لا فضة فيه وله قيمة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله وقيل إن قال له على قرض أو ثمن مبيع ألف درهم زيوف أو بهرجة لزمه ألف جياد وهذا هو الذي صححه ابن أبي موسى وابن حمدان في الرعاية الكبرى.

قوله: "وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك".

مع يمينه لأن العين تثبت له بالاقرار وادعى المقر دينا فكان القول قول من ينكره مع يمينه لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله إلا ببينة وكذلك لو أقر بدار وقال قد استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجرة أو أقر بعبد وادعى استحقاق خدمته أو أقر بسكنى دار وادعى أنه سكنها بإذنه فالقول قول المالك مع يمينه.

قال الشيخ تقي الدين مضمون هذا أنه إذا أقر بعين له فيها حق لا يثبت إلا برضى المالك لم يقبل منه وكذلك إذا أقر بفعل فعله وادعى إذن المالك.

ثم قال الشيخ تقي الدين يتوجه على المذهب أن يكون القول قوله لأن الإقرار تضمن عدم وجوب تسليم العين أو المنفعة المذكورة فما أقر بما يوجب التسليم كما في قوله كان له على وقضيته ولأنا نجوز مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه فكذلك في الإقرارات والقرآن يدل على ذلك في آية الدين وقد تقدم نحو هذه المسألة في الرهن وفي العارية وهذا بخلاف مسألة العتق والخلع فإن هناك حقا لله وهو يعلم من نفسه أنه لا يحل له الاستعباد

ص: 440

وإذا قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة.

والاستمتاع ولأن يده كانت على الجميع فلا يخرج من يده إلا ما أقر باستحقاق خروجه من وجه انتهى كلامه.

وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين قبل قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه.

قوله: "وإذا قال له عندي ألف ثم فسره بدين أو وديعة قبل".

قال في المغني لا نعلم فيه خلافا وسواء فسره متصلا أو منفصلا.

وكلامه في المحرر يعطى هذا أيضا لأنه فسر لفظه بما يعطيه فقبل كما لو قال له على وفسره بدين فعند ذلك تثبت أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها أو ردها قبل وإن قال هي زيوف أو ناقصة فقد تقدم ولأنه إذا فسره بدين فقد أقر على نفسه بما هو أغلظ منه فيقبل.

قوله: "وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة".

وكذا قطع به جماعة وهو قول أبي حنيفة وظاهر مذهب الشافعي لأن علي للإيجاب وهو يقتضي كونها في ذمته والوديعة إنما هي عنده والإقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ ومقتضاه بدليل أنه لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة مع جواز التعبير بها عن اثنين ولو أقر بدرهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل منه ولو قبل مطلق الاحتمال لقبل تفسير الدراهم بالناقصة والزائفة والمؤجلة وقيل يقبل لاحتمال صدقه كما لو وصله بكلامه فقال لك على مائة وديعة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله متصلا كما لو قال دراهم ناقصة.

ص: 441

وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة.

فرع

وإن قال أودعني مائة فلم أقبضها أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا فقط وكذلك إن قال نقدني مائة فلم أقبضها وهو قول الشافعي.

فصل

وإن قال له على عشرة دراهم عددا لزمه عشرة معدودة وازنة لأن إطلاق الدرهم يقتضي الوزن وذكر العدد لا ينافي فوجب الجمع بينهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره ودعوى أن ذكر العدد لا ينافي قد يمنع فإنه يقال درهم وازن ودرهم عدد وعشرة وازنه وعشرة عدد ولهذا قال الشيخ تقي الدين متى قال عددا وجاء بما يسمى درهما قبل منه لأن هذا هو مفهوم هذا القول فإن التقييد بالعدد ينفي اعتبار الوزن انتهى كلامه.

وقال في الرعاية الكبرى وإن أعطاه خمسين وزنها مائة صح في الأصح.

وقيل بل في الأضعف فعلى الأول إن كان في بلد يتعاملون بها عددا من غير وزن فحكمه حكم ما لو أقر في بلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة وإن فسر الدراهم بسكة البلد أو بسكة تزيد عليها قبل وإن فسرها بسكة تنقص عنها فقيل لا يقبل لأن الإطلاق يحمل على دراهم البلد كما في البيع وقيل يقبل لأنه فسرها بدراهم الإسلام.

قوله: "وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فهو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة".

لأن مقتضى ذلك وحقيقته الإقرار له بالملك فلا يقبل تفسيره بما يرفعه.

ص: 442

وكذا إن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة.

وإن قال له من مالي ألف أو له نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو من ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين.

قوله: "وكذا إن قال في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة".

لأن مقتضاه ما خلفه أبوه لإضافته الميراث إليه فاقتضى وجوب ما أقر به.

قوله: "وإن قال له من مالي ألف أو نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء".

لأن لفظه يحتمل تفسيره ويحتمل غيره فلا ننتقل عن الأصل بالاحتمال أو باحتمال ظاهر لفظه خلافه ولهذا قال لو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء فعلى هذا لا يكون لفظه محتملا بحيث يؤاخذ بتفسيره وهو معنى كلام غيرهم وإن فسره بدين أو وديعة أو وصية قبل لأنه يجوز أن يضيف إليه مالا بعضه لغيره ومال غيره أيضا لا اختصاص له بدليل أو ولاية.

وكلام بعضهم يقتضي قبول تفسيره بالهبة وغيرها فعلى مقتضاه يكون محتملا غير طاهر في شيء فيؤاخذ بتفسيره.

قوله: "وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو في ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين".

إحداهما يكون إقرارا.

قال القاضي في التعليق فإن قال له في مالي ألف درهم أو في عبدي هذا نصفه أو قال له عبدي هذا أو داري هذه كان إقرارا صحيحا.

ص: 443

_________

قال في رواية ابن منصور إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإذا أقر له وهو صحيح فنعم فأما إن أقر وهو مريض فلا فقد حكم بصحة هذا الإقرار مع إضافته إليه.

وقال أيضا في رواية مهنا إذا قال نصف عبدي هذا لفلان لا يجوز إلا أن يكون وهبة أو أقر له به فقد حكم بصحة الإقرار مع الإضافة إذا أتى بلفظ الإقرار كذا قال.

وحكى مثل هذا عن أصحاب أبي حنيفة وقال أصحاب الشافعي لا يكون إقرارا ويرجع إليه فإن قال هبة لم أقبضه إياها كان القول قوله وإن كان دينا كان القول قوله ولزمه.

قال الشيخ تقي الدين كلام الإمام أحمد نص في أن الإضافة لا تمنع أن يكون إقرارا لكن ليس صريحا في أن هذا اللفظ بمجرده إقرار وهذا محل الخلاف كذا قال.

ووجه هذه الرواية أنه أقر له بجزء من ماله فأشبه ما لو قال له علي ألف أو لفظ يفهم منه الإقرار فأشبه ما ذكرناه.

فعلى هذا إذا فسر هذا اللفظ بما لا يقتضي الملك لم يقبل قاله القاضي.

ويؤخذ من كلام غيره كما لو قال له في مال أبي أو في تركة أبي ألف وأبوه ميت فإنه يكون له مقرا بألف تستوفى من تركة أبيه بلا خلاف عنده وقاسه القاضي على ما لو قال له على درهم ثم قال أردت درهم زعفران فإنه لا يقبل وإن كان الزعفران يوزن وكما لو قال العبد الذي في يدي والثانية لا يكون إقرارا لأنه أضاف المقر به إليه والإقرار إخبار بحق عليه فالظاهر أنه جعله له وهو الهبة والظاهر على هذه الرواية يكون الحكم كالمسألة قبلها.

فقد فرق في المحرر بين "مالي" و"في مالي" وبين "نصف مالي" و"نصف

ص: 444

_________

داري" وكلام غيره يدل على التسوية بين الصور كلها وأنها على روايتين.

قال في المستوعب فإن قال له في مالي أو من مالي أو قال له عبدي هذا أو داري هذه أو فرسي هذه أوله في عبدي هذا نصفه وفسره بالهبة قبل منه وإلا فلا يلزمه شيء ولا فرق في جميع ذلك بين "من" و"في" وأنه متى أضاف الملك إلى نفسه ثم أخبر بشيء منه لغيره لم يكن إقرارا.

وقد نقل ابن منصور عن الإمام أحمد إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإقراره جائز إذا كان صحيحا وهذا يقتضي صحة الإقرار مع إضافة الملك إليه وهو الذي نصره القاضي في الخلاف انتهى كلامه.

وهو معنى كلام الشيخ تقي الدين وغيره وأنه قد نقل عن أحمد ما يدل على روايتين قال في رواية مهنا فيمن قال نصف عبدي هذا لفلان لم يجز حتى يقول وهبته وإن قال نصف مالي لفلان لا أعرف هذا.

ونقل ابن منصور إذا قال فرسي هذا لفلان بإقراره جائز.

وظاهر هذه صحة الإقرار وأما حكايته في المحرر الروايتين في ميراثي من أبي ألف فهو معنى كلام غيره لأنها في معنى الصور البواقي ولغير واحد من الأصحاب كلام هنا فيه نظر.

فرع

فإن قال له في داري نصفها بحق لزمني أو بحق له قبلي فهو إقرار على كلا الروايتين.

قال القاضي لأنه إذا قال بحق فقد اعترف أن المقر له يستحق ذلك بحق واجب عرفه له ولزمه الإقرار به.

وقال في الرعاية صح على الأصح فحكى فيها الروايتين.

ص: 445

وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة.

وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد لا بل من عمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو.

قوله: "وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة".

وإن قال سكنى فكما لو قال عارية وإن قال له هذه الدار هبة اعتبرت شروطها قطع بها في هذه المسائل جماعة لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح وذكر القاضي وجها أنه لا يصح ذلك لأنه استثناء من غير الجنس.

فعلى هذا تثبت له الدار ملكا والأولى وليس هنا من أدوات الاستثناء شيء وإنما هذا بدل اشتمال وهو أن يبدل من الشيء بعض ما يشتمل عليه ذلك الشيء وهو شائع في اللغة وهو في القرآن كثير كقوله تعالى: [217:18]{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} فقتال بدل من الشهر وكقوله تعالى: [63:18]{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي نسياني ذكره وكقوله تعالى: [21:33]{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} وكقوله تعالى: [5،4:85]{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} وكقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} ولأنه لو قال هذه الدار ثلثها ربعها صح وكان مقر بالجزء الذي أبدله وقد أبدل الله سبحانه المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر وهو غيره فيفارق البدل الاستثناء في هذا ويوافقه في كونه يخرج من الكلام بعض ما يدخل فيه لولاه.

قوله: "وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو".

ص: 446

_________

قطع بهذا أكثر الأصحاب وسواء كان متصلا أو منفصلا لأنه ثبت ملك زيد فيه بإقراره له أولا وإقراره ثانيا رجوع عن حق آدمي ثابت فلا يقبل على ما تقدم لكن يقبل في حق نفسه فيغرم قيمته له لاعترافه بإحالته بالإقرار الأول بينه وبين ماله فغرمه كما لو أتلفه وللشافعي قول لا يغرم للثاني شيئا وهو وجه لنا لأنه لا يمكن جمعه لكل واحد منهما وإنما جاء التناقض من الإقرار الثاني فيختص البطلان به ولأن الإقرار الثاني إقرار بملك غيره فلا يقبل كما لو قال العبد الذي في يد زيد لعمرو.

وقال الشيخ تقي الدين يتوجه إذا كان الاستثناء متصلا أن لا يثبت حكم الإقرار الأول كما لو قال كان على وقضيته لأنه كلام منتظم ولهذا لا يثبت به كفر ولا نحوه ولو قال في الطلاق إنه سبق لسانه لكان كذلك انتهى كلامه.

وقوله: "علي وقضيته أقرب إلى هذه المسألة من كان له علي وقضتيه".

وعدم ثبوت الكفر لكونه حقا لله فرجوعه عنه مقبول.

وأما لو قال هذه المطلقة لا بل هذه فإنهما يطلقان فإن ادعى سبق لسانه بالأولى فهل يقبل منه ولا تطلق لم أجد هذا الفرع ولا ببعيد أن يخرج فيها الخلاف فيما إذا أتى بلفظ الطلاق وادعى سبق لسانه إليه وإنما أراد بلفظه غيره وعلى قياسه مسألتنا هذا في الإقرار ونظيرهما في العتق وفي هذا القياس نظر لأفضائه في الإقرار إلى سقوطه وسد بابه لتمكن المقر من رفعه بعد لزومه ظاهرا.

والطلاق مبغوض إلى الله تعالى والعتق محبوب إليه فافترقا.

فصل

وكذلك لو قال أودعنيه زيد لا بل عمرو ولو قال هذا العبد الذي هو في يدي حر ثم قال هو لفلان عتق العبد وضمن قيمته للمقر له كما يغرم الشاهد

ص: 447

وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.

ولو قال هذا الثوب لفلان فهلك في يده قبل أن يسلمه لفلان لزمه الضمان.

ذكر ذلك القاضي في ضمن الرجوع عن الشهادة وقال الإقرار يتعلق به الضمان كما يتعلق بالشهادة في المواضع التي ذكرناها انتهى كلامه.

وقد قال أحمد في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر.

قوله: "وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد".

وكذا قطع به في المغني وغيرهما في الرعاية أنه الأشهر لغيره لإقراره لزيد باليد.

وقوله: "وملكه لعمرو" إقرار على غيره فلا يقبل ولا يغرم له شيئا لعدم تفريطه لجواز أن يكون ملكها لعمرو وهي في يد زيد إعارة أو وصية أو غيرهما.

وقدم في المستوعب أنه يغرم لعمرو كالمسألة بعدها وهو معنى كلام الشيخ شمس الدين في شرحه لكن الظاهر والله أعلم أنه إنما قصد ذكر ما في المغني فينظر فيه.

قوله: "وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا".

كالمسألة قبلها.

قوله وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.

ص: 448

ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له.

وقال في المغني هذا وجه حسن لأنه ثبت لعمرو بإقراره السابق فلا يقبل بعد إقراره باليد لزيد وللشافعية وجهان كهذين.

وقطع أبو الخطاب في الهداية في هذه المسألة بأن العين للمغصوب منه ويضمن المقر لمن اعترف له بالملك القيمة وتبعه في المقنع والخلاصة وذكر في الرعاية الكبرى أنه الأشهر وقدمه في المستوعب ولم أدر ما يوجه به هذا الوجه ومن العجب أن ابن عبد القوي لم يذكره في كتابه مع أنه ينظم المقنع ويزيد عليه وإنما نظم ما في المحرر.

فرع

ولا فرق في ذلك بين المتصل والمنفصل ولو قال هذا الألف دفعه إلى زيد وهو لعمرو أو قال لعمرو ودفعه إلى زيد فعلى ما تقدم ذكره في المغني وهو واضح.

قوله: "ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له".

لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل ولأنه فوته عليه بالبيع فغرمه كتفويته بإتلاف وغيره ويعرف من هذه المسألة أن الحكم كذلك لو نقل الملك فيه بهبة أو غيرها أو أعتقه ثم أقر به.

قال الشيخ تقي الدين ومن باع شيئا ثم ادعى أنه ملك لغيره وهو وكيل المستحق أو وليه فهذا بمنزلة ادعائه لنفسه لأن البيع والشراء ليس إقرارا بالملك فإن كان البائع قد أقر أنه باع ملكه فهل له بعد هذا أن يدعيها لغيره بوكالة أو ولاية ويقيم بينة أم يكون تكذيبه لبينة نفسه بمنزلة تكذيبه لبينه

ص: 449

وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل قوله إلا ببينة إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته.

وإذا أقر أنه وهب أو قبض أو رهن وأقبض أو قبض ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه.

موكله وموليه الثاني هو الأظهر لأن الإنسان لا يدعي ما أقر فإن دعواه به باطل لا لنفسه ولا لغيره انتهى كلامه.

قوله: "وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل إلا ببينة".

لأنه الأصل والظاهر أن ما يتصرف فيه الإنسان له التصرف فيه ولما فيه من التهمة وتقبل البينة لأنه لا معارض لها ولا مانع فعمل بها.

قوله: "إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته".

لأنه مكذب لها لشهادتها بخلاف ما أقر به.

فرع

قال الشيخ تقي الدين وإن ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن انتهى كلامه.

وفي معنى دعوى عدم الملك كل دعوى تقتضي تقتض منع نقل الملك فيه كدعواه أنه رهن وغير ذلك وما تقدم من التعليل يدل عليه.

قوله: "وإن أقر أنه وهب وأقبض أو رهن ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه".

ص: 450

وعنه لا يملكه.

قطع به في المحرر وصححه أيضا في الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن العادة جارية بالقبض فبله فيحتمل صحة ما قاله فيحلف لنفي الاحتمال وهذا خلاف الشهادة على القبض قبله لأنها تكون شهادة زور لأن إنكاره مع الشهادة تكذيب لها وطعن فيها بخلاف الإقرار ولأنه يمكن إقراره بناء على وكيله وظنه والشهادة لا تجوز إلا على يقين.

قوله: "وعنه لا يملكه".

ذكر أبو الخطاب وجماعة في هذه المسألة روايتين وذكر غير واحد وجهين والشيخ موفق الدين ذكر الطريقين في كلامه.

وهذه الرواية نصرها جماعة منهم أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل وهو قول أبي حنيفة ومحمد والمحكي عن الشافعي كالقول الأول فمن أصحابه من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله ولم يوجب اليمين.

قال بعضهم وهو الأشبه لأن الإقرار يمنع الاستحلاف في حق المقر له بدليل أنه لو قال لفلان علي ألف درهم ثم قال استحلفوه لي أنه له على هذه الألف لم يكن له ذلك كذا هنا.

قال جماعة ولا يشبه هذا إذا أقر بالبيع وادعى أنه تلجئة إن قلنا إن ذلك يقبل لأنه لم ينفعه ما أقر به ولأن دعواه تكذيب لإقراره فلا تسمع كما لو أقر المضارب أنه ربح ألفا ثم قال غلطت ولأنه لو قال أحلفوه مع يمينه لم يستحلف له كذا هنا.

فرع

وكذلك الحكم لو أقر أنه اقترض منه ألفا وقبضها وقال له علي ألف أو قال له ألف ثم قال ما كنت قبضتها وإنما أقررت لأقبضها ذكره في المغني

ص: 451

وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه.

قوله: "وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب".

لم أجد في كلام الشيخ موفق الدين خلاف هذا وقطع به في المستوعب وغيره وذلك لاعترافهما بإشاعة الدار والمقر به بينهما كالباقي.

قوله: "وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه".

من إرث أو غنيمة أو شراء ونحوه ولم يكونا قبضاها بعد الملك لها فكذلك وإلا اختص المقر له بالمقر به.

لأنهما إذا لم يضيفا الشركة إلى سبب واحد يحتمل أن كل جزء من الدار مشترك بينهما ويحتمل أن تكون لهما نصفين وهي شركة بينهما بالسوية ومع الاحتمال لم يحصل اعترافهما بالاشتراك في كل جزء فيختص المقر له بالمقر به كما لو ادعى كل واحد منهما نصفها ولا يحتاج أن يقول "معينا" كما زاده بعضهم وإن أضاف الشركة إلى سبب واحد وقبضاها بعد الملك لها فقد حصلت يد كل واحد منهما على نصفها فيختص به وحكى في الرعاية قولا كقول القاضي ولم يذكر كقبضهما بعد الملك بالشراء فيترتب عليه حكم ولبعضهم في هذه المسألة كلام عجيب.

قوله: "ومن أقر لرجل بألف في وقتين لزمه ألف واحد".

وبه قال مالك والشافعي لأنه يحتمل التأكيد وغيره والأصل براءة الذمة اقتصر كثير من الأصحاب على هذا الدليل وفيه نظر لأن الكلام يحمل على حقيقته واصله وما تشتغل به الذمة وحقيقته وأصله التأسيس فيتعدد

ص: 452

_________

كما لو قال ألف وألف عملا بأصله وهو التغاير مع احتماله التأكيد واستدل بعضهم بأن العرف يشهد بذلك ولذلك لو قال شخص رأيت زيدا ثم قال رأيت زيدا كان زيد الثاني زيدا الأول والرؤية الثانية هي الأولة وهذه دعوى حقيقة عرفية تفتقر إلى دليل والأصل عدمها وبقاء الحقيقة اللغوية واستدل بعضهم بأن الله تعالى كرر الخبر عن جماعة من الرسل عليهم الصلاة والسلام ولم يكن المذكور في قصة غير المذكور في أخرى كذا ههنا وفيه نظر لأنا لا نمنع من استعمال المجاز والظاهر يزول بالقاطع.

وعن أبي حنيفة رواية كهذا القول مع اتحاد المجلس فقط والمشهور عنه أنه يلزمه ألفان وهو الأصح عند أصحابه وسواء كان الإقرار بما في الذمة أو بما في اليد وإن عرفه فقد وافق أبو حنيفة أنه الأول وهو واضح لأن اللام للعهد كقوله تعالى: [16:73]{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} .

وكذلك لو شهد له بألف ثم ادعى عليه بألف عند القاضي فأقر بألف فقال الطالب لي عليه ألف أخرى وأنا أقيم البينة فالقول قول المطلوب في أن المشهود به هو المقر به بخلاف الإقرارين وكذلك لو سلم أنه لو قال له علي درهم درهم أنه لا يلزمه إلا درهم واحد بخلاف الإقرارين في دفعتين ولو قال له على ألف من ثمن هذا المتاع بعينه ثم أقر به في مجلس آخر فهو إقرار بشيء واحد وفاقا كما أنه لو عزا الأولى إلى بيع والثاني إلى آخر لزم الألفان وفاقا.

قوله إلا أن يذكر ما يقتضي التعدد كأجلين أو شيئين أو سكتين ونحوه فيلزمه ألفان وقد تقدم.

لأن تغاير الصفات دليل على تغاير الموصوفات كمن قال قبضت ألفا يوم السبت وألفا يوم الأحد بخلاف تعدد الإشهاد وإن قيد أحد الإقرارين بسبب وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد فيكون ألفا واحدا مع اليمين.

ص: 453

_________

ولو شهد بكل إقرار شاهد جمع قولهما لاتحاد المخبر عنه ولا جمع في الأفعال.

قال الشيخ تقي الدين كلام أصحابنا في المسألة يقتضي أن يكون الإخبار كله من الشهادة ونحوها كالإقرار بخلاف الإنشاءات كتقرير الطلاق وكذلك صرح القاضي بالفرق بين الإخبار والإيقاع فان ما وقع مرة لا يقع ثانية بخلاف ما أخبر به مرة فإنه يخبر به ثانية.

قوله: "قد ذكرنا صحة استثناء الأقل دون الأكثر".

نص أحمد على ذلك وذكر الشيخ موفق الدين أنه لا يعلم في ذلك خلافا وحكى غيره الإجماع وحكاه أيضا هو في استثناء الكل لأن استثناء الأقل لغة العرب وهو في الكتاب والسنة كثير وعكسه استثناء الكل.

وقد قال ابن طلحة المالكي في كتاب المدخل فيما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا في لزوم الطلاق له قولان بناء على أنه استثناء أو أنه ندم.

قال القرافي فعدم اللزوم يقتضي جواز استثناء الكل من الكل.

قال الشيخ تقي الدين ليس كذلك وإنما على قول مالك يمشي هذا.

وقد تقدم أصله قال وذهبت طائفة من أهل العربية إلى أنه يجوز أن يستثنى عقد صحيح مثل العشرة والعشرين من المائة الواحدة والاثنين من العشرة بل بعض عقد كالخمسة من المائة والنصف من العشرة انتهى كلامه.

وحكى بعضهم هذا عن ابن عصفور ولم أجده في كلامه وكلام الأئمة ولغة العرب يقتضي عدم الفرق وهو أولى.

وقوله: "ودون الأكثر على الأصح".

نص عليه الإمام أحمد في الطلاق في رواية إسحاق فيمن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين هي ثلاث وقطع به أكثر الأصحاب حتى قال في المغني لا يختلف المذهب فيه وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الملك بن الماجشون.

ص: 454

_________

وذكر القاضي بن معتب في وثائقه أنه مذهب مالك وأصحابه وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول نحاة البصرة وذكر ابن هبيرة أن قول أهل اللغة يوافق هذا القول وحكاه ابن عقيل عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني وهو الذي ذكره ابن درستويه والزجاج وأبو بكر بن الأنباري وابن قتيبة وابن جنى وابن عصفور وغيرهم.

وقال ابن عبد القوي وكذا أكثر أهل اللغة من الأئمة المتقدمين وإذا منعه أهل اللغة لم يكن صحيحا ولأن الاستثناء وضع لمعنى وهو الاستدراك أو الاختصار وليس في الحكمة وجود ذلك في الأكثر ولأنا نمنع وجود ذلك في شرع أو لغة أو عادة فثبوته يفتقر إلى دليل والأصل عدمه فعلى هذا لا فرق عند الأصحاب بين استثناء الأكثر من عدد مصرح به إلا تسعين ونحوه أولا.

وفي كلام بعضهم الجواز إذا لم يكن كذلك نحو قولك خذ ما في الكيس من الدراهم إلا السلطانية أو قدم بنو فلان أو الحاج إلا المشاة وإن كان المستثنى أكثر من المستثنى منه والقول الآخر عندنا يصح استثناء الأكثر وقد ذكر القاضي وجها واختاره فيما إذا قال له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين أنه يلزمه درهمان وهذا إنما يجيء على القول بصحة استثناء الأكثر وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو المشهور من مذهب مالك نقله صاحب الجواهر وغيره كقوله تعالى: [42:15]{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} والغاوون أكثر بدليل قوله تعالى: [103:12]{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وأجيب بأن الغاوين أقل لأن الملائكة من العبادة قال الله تعالى: [103:12]{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وكون السياق في بني آدم لا يمنع العموم وبأن المستثنى منه غير عدد صريح أجاب به القاضي وأصحابه وبأن الاستثناء في الآية من غير الجنس إما المراد

ص: 455

_________

بعبادي الموحدون ومتبع الشيطان غير موحد وفي هذا نظر وإما لأن العباد ليس للشيطان عليهم سلطان أي حجة فهو على عمومه ومن اتبعه لا يضله بالحجة بل بتزينه يدل على هذا قوله تعالى: [22:14]{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} .

فاستدل ابن عبد القوي على أنه من غير الجنس بأن من وصلتها في موضع نصب في اختيار المحققين من النحاة ولو كان متصلا لكان في موضع رفع في اختيارهم لأنه من منفى بعد تمام الكلام.

قوله وإن في النصفين وجهين.

أحدهما يصح وهو ظاهر كلام الخرقي وذكر ابن هبيرة أنه ظاهر مذهب أحمد لأن ابن منصور روى عن الإمام أحمد إذا قال لك عندي مائة دينار قضيتك منها خمسين وليس بينهما بينة فالقول قوله.

قال الشيخ تقي الدين هذا ليس من الاستثناء المختلف فيه فإن قوله قضيتك ستين مثل خمسين وما قاله صحيح وهو الذي ذكره ابن عصفور لأن الممنوع منه استثناء الأكثر وهذا ليس بأكثر.

والثاني لا يصح واختاره أبو بكر وذكر الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين أنه أولى بناء على أنه لم يأت في لسانهم قال الزجاج في المعاني في العنكبوت في قصة لوط لم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا القليل من الكثير.

وقال أيضا فأما استثناء نصف الشيء فقبيح جدا لم تتكلم به العرب.

وقال أبو بكر بن الأنباري في الكافي وأعلم أنه ليس من كلام العرب أن يستثنى من الشيء نصفه فقبيح أن يقول لزيد علي عشرة إلا خمسة.

فصل

قال النحاة ومنهم ابن السراج في الأول إذا قال له عندي مائة درهم

ص: 456

_________

إلا درهمين فهو استثناء فيكون مقرا بثمانية وتسعين وإذا قال مائة إلا درهمان فهو صفة ويكون مقرا بمائة لأن التقدير مائة مغايرة لدرهمين وكذلك لو قال مائة غير الألف لأن الصفة تقضي على الموصوف ولو قال ألف مثل مائة أو ألف مثل درهمين كان مقرا بمائة ودرهمين لأن أجزاء المائة قد تماثل درهمين.

وكذلك قاله غير واحد من النحاة إذا قال درهم إلا دانقا فهو مقر بدرهم إلا دانق وإذا قال درهم إلا دانق بالرفع فهو مقر بدرهم كامل.

وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في مسألة توبة القاذف مستشهدا به قال وعلى أن النحاة قالوا إذا قال له علي عشرة دراهم إلا خمسة دراهم إلا ثلاثة دراهم أنه يلزمه سبعة ويرجع الأخير إلى العشرة والاستثناء الأول ليس في الحقيقة باستثناء وإنما هو وصف للعشرة لأن الاستثناء منها يجب أن يكون منصوبا فإذا كان مرفوعا كان وصفا فكأنه قال علي عشرة غير خمسة لا أذكرها فالخمسة مبهمة غير مفسرة فلا تلزمه وقوله إلا ثلاثة فإنها استثناء صحيح فيرجع إلى عشرة.

قال وهذا يدل على بطلان السؤال الذي ذكروه يعني الاستثناء من الاستثناء وهذا الاعتراض عليهم ليس بصحيح.

هذا كلام من كلام الشيخ تقي الدين ولم يفرقوا بين النحوي وغيره.

ويتوجه أن يقال في غير النحوي إذا قال إلا درهمان أنه يكون استثناء لأن الظاهر إرادته وإنما رفع جهلا كما قاله الشيخ موفق الدين وغيره في عشرة غير درهم برفع الراء إنه يلزمه تسعة كذلك.

قوله: "ويصح الاستثناء من الاستثناء كقوله علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما فيلزمه خمسة".

ص: 457

_________

لأنه أخرج منها بالاستثناء ثلاثة وعاد بالاستثناء من الاستثناء درهم فإذا ضممته إلى الأربعة صار خمسة وإذا صح الاستثناء فصحة الاستثناء من الاستثناء أولى لأن الاستثناء إبطال والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار ويكون استثناؤه من الإثبات نفيا ومن النفي إثبات وقد قال تعالى: [60-58:15]{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} .

قوله: "وإذا كان الكل أو الأكثر المستثنى مستثنى منه فهل يبطل وما بعده أو يرجع ما بعده إلى ما قبله أو ينظر إلى ما يؤول إليه جملة الاستثناءات فيه ثلاثة أوجه كذلك".

وجه الأول أن الاستثناء أصل والثاني فرعه والفرع يبطل ببطلان أصله.

ووجه الثاني أنه يحافظ على تصحيح كلام المكلف حسب الإمكان وهو ممكن بأن يجعل الاستثناء الأول كالعدم لبطلانه فيكون الاستثناء الثاني من الذي قبله لبطلان ما بينهما.

ووجه الثالث أن الكلام بآخره والمستثنى والمستثنى منه كجملة واحدة وهذا القول هو الذي وجدته في كلام النحاة.

وقال الشيخ تقي الدين عن الوجهين الأولين مأخذهما هل الاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ أو يخرجه بعد ما دخل الأول أصح انتهى كلامه.

والخلاف في الأصل المذكور في كلام أبي الخطاب والشيخ موفق الدين وغيرهما ولم أجد أحدا ذكره أصلا لهذه المسألة بل ما ذكر من التعليل يخالفه وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه كهذه الوجوه.

قوله: "فإذا قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما فهل يلزمه إذا صححنا استثناء النصف خمسة أو ستة على وجهين".

ص: 458

_________

أحدهما يلزمه خمسة لأن التقدير أن استثناء النصف صحيح وثلاثة من خمسة باطل فيبطل ما بعده.

والثاني يلزمه ستة لأن استثناء النصف صحيح واستثناء ثلاثة من خمسة باطل ووجوده كعدمه واستثناء اثنين من خمسة صحيح فصار المقر به سبعة ثم استثنى من الاثنين واحد يبقي ستة وعلى الوجه الثالث أن الكلام بآخره وتصح الاستثناءات كلها ويلزمه سبعة وهو واضح وألزمه بعضهم على هذا الوجه ستة بناء على أن الدرهم مسكوت عليه فلا يصح استثناؤه وفيه نظر.

قوله: "وإذا لم نصححه فهل يلزمه ثمانية أو عشرة على وجهين".

أحدهما يلزمه ثمانية لأن استثناء الخمسة باطل واستثناء ثلاثة من عشرة صحيح يبقى سبعة واستثناء الاثنين باطل واستثناء واحد من ثلاثة صحيح تزيده على سبعة.

وقال بعضهم على هذا الوجه أن استثناء خمسة وثلاثة باطل واستثناء اثنين من ثمانية صحيح واستثناء واحد من اثنين باطل وفيه نظر والثاني يلزمه عشرة لإبطال الأول وما بعده.

قوله: "وقيل يلزمه سبعة عليهما جميعا".

أي سواء قلنا يصح استثناء النصف أولا وهذا بناء على الوجه الثالث وهو تصحيح الاستثناءات كلها كما تقدم وحكاية المصنف هذا الوجه بهذه العبارة فيها شيء وأحسبه لو قال وعلى الوجه الثالث يلزمه سبعة كان أولى.

وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول المالكية قال ولك طريقان إن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني مما قبله إلى الآخر وإن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني ثم تنقص الثالث ثم أن تنقص الأول من المستثنى منه ثم تزيد عليه الثاني ثم تنقص الثالث ثم تزيد عليه الربع إلى آخره وهذا الثاني في الكافي انتهى كلامه.

ص: 459

_________

والثاني هو الذي في كلام غير واحد.

فصل

وإن كان الاستثناء الثاني بحرف عطف كان مضافا إلى الاستثناء الأول فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين كان مستثنيا لخمسة مقرا بخمسة.

وذكر ابن عبد القوي إن هذا الأقوى قال لأن الواو تجعل الاستثناء كشيء واحد كما يأتي في ترفيع المسائل وذكر الشيخ تقي الدين أن الأول قول أبي حنيفة والشافعي فإن استغرقت "إلا" سقط الاستثناء وقال أبو يوسف ومحمد يسقط الأخير المقتضى للاستغراق ويصح ما عداه وكلام هؤلاء إنما هو إذا كانت مستغرقة فأما إذا كانت مذهبة للأكثر فيجوز عندهم والوجهان لأصحابنا انتهى كلامه.

ولم أجد الوجهين صريحا إلا مع حذف إلا.

قوله: "وإذا قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ففي صحة استثنائه وجهان".

أحدهما يصح ذكره القاضي محل وفاق مع الحنفية وغيرهم استدل في الاستثناء المتعقب جملا1 إذا قال له على خمسة وخمسة وخمسة إلا سبعة فإن الاستثناء يعود إلى الجميع وكذلك أبو الخطاب وقال أجمعوا على أنه يلزمه ثمانية وأجاب ابن الحاجب بأنها منفردات وأيضا فللاستقامة وأجاب الآمدي بمنع صحة الاستثناء فيها وهو قول المالكية وذكره بعض متأخريهم وحكاه بعضهم أحد الوجهين للشافعية وقدمه في الرعاية وذكر ابن عبد القوي أنه أصح الوجهين لأن العطف جعل الجملتين كجملة واحدة فعاد الاستثناء إليهما

1 كذا بالأصل.

ص: 460

_________

كقوله تعالى في آية القذف: [5:24]{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} وكقوله عليه الصلاة والسلام.

"لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه".

فعلى هذا يلزمه في المسألة الأولى ثلاثة وفي الثانية درهمان والثاني لا يصح ذكر الشيخ موفق الدين أنه أولى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن الواو لم تخرج الكلام عن أن يكون جملتين والاستثناء يرفع الجملة الأخيرة أو أكثرها فيصير لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى إلغائه وإلغاء المستثنى منه اختص البطلان به والاستثناء في الآية والخبر لم يرفع أحد الجملتين إنما أخرج منهما معا من اتصف بصفته فنظيره من استأذن فائذن له وأعطه درهما وإلا فلا ونظير مسألتنا الزم زيدا وعمرا إلا عمرا.

وقطع أبو الخطاب في الهداية بهذا القول في المسألة الثانية وتبعه في المستوعب والخلاصة وأطلق في الهداية والمستوعب الخلاف في الأولى وقدم في الخلاصة عدم الصحة فهذا قول ثالث وذكر في المغني خمسة وتسعون إلا خمسة من صور الخلاف وفيها نظر وقطع به في المغني في مائة وعشرين إلا خمسين بصحة الاستثناء جعله أصلا لنظيرها في الطلاق ورأيت بعضهم يميل إلى هذا فيصير قولا رابعا.

فصل

قال في الكافي فإن وجدت قرينة صارفة إلى أحد الاحتمالين انصرف إليه.

قوله: "وإذا قال له علي خمسة إلا درهمين ودرهما لزمه خمسة جمعا للمستثنى".

وقيل ثلاثة لما تقدم في التي قبلها لأن الواو وإن قيل تجعل الجمل كجملة واحدة فسواء كونها مستثناة أو مستثناة منها وهذا معنى كلام غير واحد وصاحب المحرر وقد قدم جعل الجمل المستثناة كجملة وأطلق الخلاف في التي

ص: 461

_________

قبلها وقد حكى الشيخ موفق الدين في نظيرها في الطلاق وجهين للشافعية وأن جعل الجمل كجملة واحدة قول أبي حنيفة والشافعي وفيه شيء فليتأمل.

فصل

قال الشيخ تقي الدين إذا تعقب الاستثناء اسما مثل له هذا الذهب وهذه الدنانير وهذا البر إلا مثقالا فالمنقول عن مالك والشافعي وأصحابنا عودة إلى الجميع وقال أبو حنيفة يختص بالجملة الأخيرة وبعضهم يعبر عن هذه بأن الاستثناء تعقب جملا وهي المسألة الأصولية ويجعلون الأسماء المفردة داخلة في مسمى الجمل وهم لا يريدون بالجملة الكلام التام كما هو عند النحاة وإنما يعنون بها العدد المجتمع سواء كان أسماء مجتمعة مفيدة أو أسماء دالة على معان وفيها لأصحابنا وجهان انتهى كلامه.

فصل

الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات عندنا وعند الجمهور.

وقال الشيخ تقي الدين الاستثناء من الإثبات نفي أو في حكم النفي فإنه إذا قال له علي عشرة إلا درهمين فإما أن يكون منكرا للدرهمين أو ساكتا عن الإقرار بهما فلا يلزمه بالاتفاق.

فأما الاستثناء من النفي في العدد فقال أبو بكر بن السراج النحوي في الأصول إذا قلت ماله عندي مائة إلا درهمين فإن أردت الإقرار بما بعد إلا رفعته على البدل كأنك قلت ماله عندي إلا درهمان وإذا نصبت فقلت ما له عندي مائة إلا درهمين فما أقررت بشيء لأن عندي لم ترفع شيئا حتى يثبت عندك وكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون وكذلك إذا قلت ماله على عشرة إلا درهما لم يكن مقرا بشيء فاذا قلت إلا درهم فأنت مقر بدرهم.

ص: 462

_________

قال ابن الرومي في توجيه ذلك في شرح الأصول إن النفي دخل على الإيجاب فانه إذا قال له عندي مائة إلا درهمين اعترف بثمانية وتسعين فإذا أدخلت النفي على هذا فكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون فأتيت بالاستثناء تحكى صورة الإيجاب إلا أنه استثناء من نفي.

قال الشيخ تقي الدين وعلى هذا فمن نصب في الاستثناء من النفي لا يكون مثبتا للمستثنى ومن لافع يكون مثبتا وكأن الناصب جاء بكلامه النافي ردا على من أثبت والرافع ابتداء وعلى هذا فيكون قوله تعالى: [66:4]{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} على هذه القراءة في قوة ما فعله أكثرهم.

وقال بعضهم هذا الذي قاله ابن السراج إنما هو على لغة من يرفع المستثني من النفي فإذا نصب فيكون قد نطق بكلام غير عربي فيلغو وأما على لغة من يجوز النصب فيكون مقرا وهو حسن انتهى كلامه وهو واضح.

فلو قال نحوى ماله عندي عشرة إلا درهما ورفع إلى حاكم حكم عليه إن رآه إقرارا وإلا كسائر مسائل الخلاف فلو كان المقر له يعتقد أن هذا ليس إقرارا فهل ينفذ الحكم ويسوغ الأخذ ينبغي أن يخرج على ما إذا حكم حنفي بشفعة الجوار لمن يعتقد خلافه وفيها وجهان لنا وللشافعية مع أن هذا يدخل فيما حكاه صاحب المحرر من الروايتين كما تقدم.

فلو ادعى المقر أنه قصد أن يحكى صورة الإيجاب لا الإقرار فهل يقبل منه محل تردد لتردد النظر في مخالفته للظاهر أما الجاهل بالعربية فيتوجه فيه القول المتقدم وهو مؤاخذته بلغته وعرفه.

فصل

إذا قال له علي ألف إلا شيء قبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لكن لا يجوز استثناء الأكثر فيتعين حمله على ما دون النصف قاله في المغني.

ص: 463

_________

وينبغي أن يقال إلا أن نقول بصحة استثناء النصف فيقبل قال وكذلك إن قال إلا قليلا وينبغي أن يقال في هذه ما قاله في التي بعدها.

قال وإن قال له على معظم أو أجل ألف أو قريب من ألف لزمه أكثر من نصف الألف ويحلف على الزيادة إذا ادعيت عليه.

قال الشيخ تقي الدين وقال في الجواهر يعني المالكية إذا قال له عندي قريب المائة أو مائة إلا شيئا قال سحنون قال أكثر أصحابنا يلزمه ثلثا المائة بقدر ما يرى الحاكم وقيل ثلث مائة وقيل واحد وخمسون ليزيد على النصف.

وقال في الجواهر في موضع آخر إذا قال له علي مائة درهم إلا شيئا يلزمه واحد وتسعون وإن قال له على عشرة آلاف إلا شيئا يلزمه تسعة آلاف ومائة وله درهم إلا شيئا يلزمه أربعة أخماس درهم ولو قال له مائة وشيء يقتصر على المائة لأن الشيء لا يمكن رده إلى تقدير كرد الشيء المستثنى فيبطل لأنه شك لا مخرج له قال عبد الملك والمعتبر في جميع ذلك ما يحسن استعمال الاستثناء فيه وما شك فيه لا يثبت انتهى كلامه.

وقولنا أولى لما تقدم والتقدير يتوقف على توقيف ولا توقيف وتعارض الأقوال المذكورة يدل على فسادها ولأن الشيء إذا كان له موضوع فلا فرق بين أن يكون مقرا به أو مستثنى والأولى فيما إذا قال له مائة وشيء ما قلنا وهو أنه يلزمه مائة ويرجع في تفسير الشيء إليه كما لو انفرد.

قال الشيخ تقي الدين وقال ابن معتب في وثائقه إذا قال له علي عشرة إلا شيئا أو إلا كثيرا صدق في تفسيره مع يمينه يعني لأن الاستثناء يصح في التسعة إلى العشرة فكل ما صح استثناؤه صح أن يقر به الاستثناء المجهول وهذا قول الشافعي وعند أصحابنا لا يصح تفسيره بأكثر من

ص: 464

_________

النصف وفي النصف وجهان ويصح تفسيره بما دون النصف ووافق أبو حنيفة هنا فقال إذا قال له علي مائة درهم إلا قليلا أو إلا بعضها لا بد أن يزيد الباقي على النصف.

قوله: "وإذا قال له على هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة لأنها مقر بها" والواحد مستثنى وهو قليل فلم يلزمه ويرجع إليه في التعيين لأنه أعلم بمراده.

قوله: "فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى قبل وقيل لا يقبل وللشافعية أيضا وجهان".

أحدهما يقبل وهو الراجح في المذهب كحالة الحياة وكما لو مات بعد تعيينه ومن قال بهذا تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى تفسيره بخلاف استثناء الجميع.

والثاني لا يقبل لرفعه جميع ما أقر به كاستثنائه فإن قتلوا إلا واحدا أو غصبوا إلا واحدا أو قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا فماتوا إلا واحدا قبل تعيينه في هذه الصور بالباقي وجها واحدا لعدم التهمة لوجوب القيمة بخلاف الإقرار.

قوله: "وإذا قال له علي هذه الدار إلا هذا البيت أوله هذه الدار ولى هذا البيت منها صح استثناؤه منها".

وإن كان معظمها بخلاف قوله إلا ثلثيها أو ثلاثة أرباعها ونحوه لأن الأول استثناء والثاني في معناه.

وقوله: "وإن كان معظمها".

وكذلك ذكر غير ووجهه لأن ليس العدد صريحا ولم يذكره بعضهم وقد تقدم ذلك.

ص: 465

_________

وقوله: "بخلاف قوله إلا ثلثيها".

وهو معنى كلام غيره يعني فإنه استثناء الأكثر وهو باطل في الأشهر وكذا ذكره في الرعاية.

ويعرف من ذلك أنه لو قال هذه الدار ولى نصفها أنه معنى استثناء النصف وفي صحته خلاف وذكر في الرعاية الكبرى هذه المسألة وقال صح في الأقيس وذكر في الصغرى أنها كقوله إلا ثلثيها.

قوله: "لا يصح الاستثناء من غير الجنس".

قال الخلال باب الرجل يقر للرجل بدنانير ثم يستثنى منها غيرها ذكر هذا بعد باب له علي مائة دينار ولي عليه دينار أنه مقر مدع.

قال ابن منصور قلت لأحمد قال سفيان وإذا قال لك عندي مائة دينار إلا فرسا إلا ثوبا هذا محال يؤخذ بالمائة قال الإمام أحمد كما قال.

وذكر الشيخ تقي الدين أن مراد الخلال بالباب قلة تشبيه الاستثناء من غير الجنس يدعى تقديره لكن لي عليه فرس أو قيمة فرس وذكر أيضا أن رواية ابن منصور ليس فيها تصريح بخلاف مذهب أبي حنيفة بل موافقة لفتيا سفيان انتهى كلامه.

وقد ذكر في المغني أنه يكون مقرا بشيء مدعيا لشيء سواه فيقبل إقراره وتبطل دعواه كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء.

والمذهب أنه لا يصح استثناء غير أحد النقدين من الآخر لأن الاستثناء إما صرف للفظ عما يقتضيه لولاه أو إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه أو منع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل وهذه التعريفات في كلام أصحابنا وغيرهم وأما ما كان من غير الجنس فلا يكون استثناء إلا تجوزا وهو في الحقيقة استدراك و "إلا" فيه بمعنى "لكن" قاله أهل العربية منهم ابن السراج وابن

ص: 466

_________

قتيبة وحكاه عن سيبويه ولذلك لم يأت الاستثناء من غير الجنس في القرآن وغيره إلا بعد الجحد لأن الاستدراك لا يأتي إلا بين متنافيين وقياسا على التخصيص فإنه لا بد من كونه من الجنس والاستثناء من جملة المخصصات عند المخالفين أو أكثرهم ولأنه لو صح لاطرد في جميع المواضع.

وذكر الشيخ تقي الدين أنهم ساعدوا أنه لا يصح في البيع وبهذا قال زفر وبعض المالكية وبعض الشافعية.

وقال مالك والشافعي يجوز الاستثناء من غير الجنس مطلقا لوروده ونحن نمنع ذلك ثم نحمله على المجاز دفعا للاشتراك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن استثنى ما يثبت في الذمة صح وإن كان من غير الجنس وإن استثنى مالا يثبت في الذمة كالثوب والعبد ونحوه لم يصح الاستثناء وفسر أصحابنا ما يثبت في الذمة بالمكيل والموزون وقال قالوه فيما يتقارب من المكيل والموزون كالجوز والبيض.

قوله: "وعنه يصح استثناء أحد النقدين من الآخر خاصة".

هذه المسألة من الأصحاب من يحكى فيها وجهين وحكى ابن أبي موسى وغيره روايتين إحداهما يصح قطع به الخرقي وقدمه في الخلاصة لأنهما كالجنس الواحد لاجتماعها في أنهما قيم المتلفات وأرش الجنايات ويعبر بأحدهما عن الآخر ويعلم قيمته منه فأشبها النوع الواحد بخلاف غيرهما ومتى أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه واقتصر أكثر الأصحاب علي هذا حتى إن صاحب الخلاصة مع أنه لا يخل بفوائد الهداية على قوله اقتصر عليه.

وقال أبو الخطاب متى ثبت هذا مذهبا لأحمد كان استثناء الثوب من الدراهم جائزا إذ لا فرق بينهما.

قال في المغني وهو في قوة كلام غيره وقد ذكرنا الفرق.

ص: 467

_________

قال في المغني ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك انتهى كلامه فصار هذا قولا آخر.

وقال أيضا إنه إذا ذكر نوعا من جنس وذكر نوعا آخر من غير ذلك الجنس مثل عشرة آصع تمرا برنيا إلا ثلاثة تمرا معقليا أنه يحتمل جوازه على قول الخرقي لتقارب المقاصد من النوعين كالعين والورق وأن الصحيح خلافه لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك انتهى كلامه.

وظاهر كلامهم أنه لا يصح استثناء الفلوس من أحد النقدين وينبغي أن يخرج فيها قولان آخران أحدهما الجواز والثالث جوازها مع نفاقها خاصة لما تقدم من التعليل والثاني لا يصح ذكر القاضي أنه ظاهر كلام الإمام أحمد وأنه الصحيح وهو قول أبي بكر وقدمه أبو الخطاب وغيره وهو ظاهر ما نصره جماعة وصححه ابن عقيل وغيره لما تقدم.

فظهر من مجموع المسألة أنه هل يصح الاستثناء من غير الجنس أم لا فيه خمسة أقوال غير مسألة استثناء الفلوس من أحد النقدين.

قوله: "وإذا قال له علي مائة درهم إلا دينارا وصححناه رجع في تفسير قيمة الدينار إليه عند أبي الخطاب".

وقال غيره يرجع إلى سعر الدينار بالبلد إن كان وإلا فإلى التفسير.

ووجه الأول وعليه اقتصر في المستوعب والخلاصة وقدمه في الرعاية أن الدينار مجهول فرجع إليه في قيمته لأن أعلم بمراده كغيره من المجهول.

فعلى هذا إن فسره بأكثر من النصف لم يقبل وإن فسره بدونه قبل وفي النصف وجهان هذا معنى ما ذكره أصحاب هذا الوجه.

ص: 468

_________

ووجه الثاني أن الدينار إذا كان له سعر فإنه معلوم والظاهر إرادته فيرجع إليه فإن لم يكن فإلى تفسيره.

قال الشيخ تقي الدين بالأول قالت المالكية والشافعية قالوا يقال له اذكر قيمة العبد والثوب المستثنى ويكون مقرا بما يقر فإن استغرقت قيمته الألف لزمه الألف كاستثناء الألف من الألف وإلا صح.

قالت الشافعية وينبغي أن تكون القيمة مناسبة للثوب لئلا يعد نادما.

قالوا وهذا إذا استثنى مجهولا من معلوم فإن قيمة الثوب مجهولة والألف معلومة وعكسه له الألف إلا درهمان فيفسر الألف ويعود الحكم إما إلى الاستغراق فلا يقبل أو إلى عدم الاستغراق فيقبل وإن استثنى مجهولا من مجهول نحو له مائة إلا عشرة أو إلا ثوبا فعلى ما تقدم قال بعض المالكية ولا ينبغي أن ينازعهم أصحابنا في هذا لأنه مقتضى القواعد انتهى كلامه ونحن نوافقهم في المسألة الأخيرة ونخالفهم في الألف إلا درهما على الراجح.

قوله: "وإذا قال له علي شيء أو كذا قيل له فسره ليصير معلوما فتلزم به".

ويصح إقراره بغير خلاف قاله في المغني ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له فاحتيط لها والإقرار عليه فيلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولأن المدعي إذا لم يصحح دعواه فله داع إلى تحرير دعواه لكون الحق له بخلاف الإقرار ولأن المقر لا يؤمن رجوعه عن إقراره إذا شدد عليه فيفوت حق المقر له رأسا فقبلناه مع الجهالة وألزمناه تفسيره.

فإن قال له عليه كذا وكذا رجع إلى المقر في تفسيره ذلك ذكره القاضي في الوصايا وجعله أصلا للوصية بكذا وكذا أنه يرجع إلى تفسير الورثة.

قوله: "فإن أبى حبس حتى يفسر".

ص: 469

_________

قطع به جماعة لأنه امتنع من حق توجه عليه كحق معين امتنع من أدائه.

وقال القاضي يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئا فصدقه المقر ثبت وإن كذبه وامتنع من البيان قيل له إن بينت وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك وهذا قول الشافعية إلا أنهم قالوا إن بينت وإلا أحلفنا المقر له على ما يدعيه وأوجبناه على المقر.

قال في المغني ومع ذلك فمتى عينه المدعي وادعا فنكل المقر فهو على ما ذكروه.

فصل

قال الشيخ تقي الدين إذا أصر في الحبس على الامتناع فعلى المذهب أنه يضرب حتى يقر قال أصحابنا القاضي في كتابه المجرد والجامع وابن عقيل وغيرهما فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أنه يجبر حتى يختار منهن أربعا قالوا فإن لم يختر بعد الإجبار حبسه الحاكم ويكون الحبس ضربا من التعزيز فإن لم يختر ضربه وعزره يفعل ذلك ثانيا وثالثا حتى يختار لأن هذا هو حق قد تعين عليه ولا يقوم غيره مقامه فوجب حبسه وتعزيزه حتى يفعله.

وأيضا لم يذكروا الضرب إلا بعد الحبس وهل يجوز ضربه ابتداء يتوجه فيه ما ذكروه في الناشز هل تضرب من أول مرة على وجهين.

وهكذا إذا كان على رجل دين وله مال ناض لا يعرف مكانه وامتنع من قضاء دينه فإن الحاكم يحبسه ويضربه ويأمر بقضاء الدين لأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك وكذلك مذهب الشافعي منصوصا وكذلك مذهب مالك فيما يغلب على ظني وهو قياس قول أبي بكر ولم يزد ومراده أبو حنيفة قال قد أباح أصحابنا ضربه ثلاث مرات وسكتوا عما بعد الثالثة وقد نص

ص: 470

_________

الإمام أحمد على نظيره في المصر على شتم الصحابة رضي الله عنهم والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لي الواحد يحل ضربه وعقوبته".

وأيضا فحديث ابن عمر في صحيح البخاري "لما صالح يهود خيبر على إزالة الصفراء والحمراء فكتم بعضهم مال حيي بن أخطب وزعم أن النفقات أذهبته فقال للزبير دونك هذا فعاقبه حتى يحضر المال فعاقبه حتى أحضر المال1" ولم يقر بأن المال في يده لكن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن المال في يده وأنه كاذب في دعوى خروجه.

وأيضا فإن الله تعالى أباح للزوج ضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت عن أداء حقه الواجب من تمكينه من الوطء فعلى قياسه كل من امتنع من أداء حق واجب ثم هل يباح ضربها بأول مرة أو بعد الثلاث على وجهين.

وأيضا فإن التعزير مشروع في حبس المعصية التي لا حد فيها والمعاصي نوعان ترك واجبات وفعل محرمات.

هذا إذا كان التعزير لما مضى وأما إذا كان لما مضى من المعصية وليرجع إلى الطاعة بأداء الواجب والكف عن المحرم أولى2 وأحرى وجميع العقوبات لا تخرج عن هذا.

فمن الأول قتل القاتل ومن الثاني قتل المرتد ودفع الصائل وقد يجتمعان فيصير ثلاثة أقسام ولهذا من لا يقتل بالامتناع من الواجبات الشرعية فإنه يضرب وفاقا سواء كانت حقا لله تعالى أو لآدمي فتارك الصوم والحج إذا لم نقتله نحن كتارك الصلاة عند من لا يقتله وهم الحنفية إذا تقررت قاعدة المذهب.

1 الذي كتم الأصل كنز اليهود بخيبر: هو كناية بن الربيع.

2 كذا في الأصل. ولعله "وأما إذا كان لابعاده عن المعصية، وليواظب على الطاعة الخ- فأولى".

ص: 471

_________

أن كل حق تعين على إنسان لا يقوم غيره فيه مقامه فإنه يوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله فالممتنع من تفسير إقراره نوع من ذلك فإن تفسير الإقرار حق واجب عليه لإثباته فيه فوجب ضربه عليه حتى يفعله.

وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر أنه إن أصر على الترك عوقب بالضرب حتى يؤدى الواجب وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافا انتهى كلامه وهذا ظاهر كلام الشافعي في الأم عند ذكره مسألة المرتد.

وقد ذكر الشيخ موفق الدين وغيره أنه إذا حل الدين وامتنع الراهن من الوفاء أن الحاكم يفعل ما يرى من حبسه أو تعزيره ليبيعه أو بيعة الحاكم بنفسه أو نائبه.

وذكر في المستوعب والمغني وغيرهما أن من أسلم تحته أكثر من أربع يجب عليه اختيار أربع فإن أبي أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار قال في المغني إن هذا حق عليه يمكن إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين.

وهذا يوافق ما ذكره الشيخ تقي الدين في كل ممتنع من واجب عليه وأن له أن يعزره بالضرب ابتداء وأنه لا يقيد بثلاثة.

ثم قال الشيخ تقي الدين إذا ثبت تعزير الممتنع من تفسير إقراره فإنما المأخوذ به أنه وجب بإقراره حق مجهول ولا يعلم قدره إلا من جهته فعزره على بيان ما يعلمه من حق الغير ولا تأثير لكون أصل الحق عرف بإقراره.

ولهذا قلنا إن وارثه يؤخذ بالتفسير وإنما وقع تردد على الرواية الأخرى لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت ولهذا فرق الجد بين أن ينكر الوارث عليه أولا ينكر فأما مع علم من عليه الحق فلا.

فعلى قياس هذا كل من امتنع من إظهار حق عليه يجب إظهاره ولا يعلم

ص: 472

_________

من غيره كما لو قلت البينة بأنه انتهب من هذا شيئا ولم يعلموا قدره أو نوعه أو بأنه سرق من دار هذا كارة لا يعلمون ما فيها أو بأنه غل كيسا من أمانته لا يعلمون ما فيه ونحو ذلك مما يشهد فيه على المحارب والسارق والغال والخائن بحق عاينوه ولا يعلمون قدره إذ لا فرق بين ثبوت ذلك بإقراره أو بينة وكذلك لو شهدت البينة أيضا بأنا رأيناه اقترض منه مالا أو ابتاع منه سلعة وقبضها ولا نعلم قدر المقترض أو قدر الثمن أو علماه ونسياه.

فإن قيل قد يجوز أن يكون هو نسي ذلك الحق أو نسي قدره ابتداء.

قيل وكذلك إذا أقر بمجهول قد يكون نسيه أو جهل قدره ابتداء ولو امتنع فهل يحكم للمدعي مع يمينه لكون امتناعه لوثا؟.

هذا مذكور في غير هذا الموضع وهي متعلقة بمسألة النكول والرد.

ولو أقر بالقبض المحرم أو غير المحرم كالغصب وسائر أنواعه من النهب والسرقة والخيانة وامتنع من تعيين محله فإنه يضرب كما تقدم في ضرب من عليه دين وله مال ناض لا يعرف مكانه يضرب ليبينه فإنه بيان الواجب كما أن أصل تفسير الحق بيان واجب ولهذا ضرب الزبير بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنا لعم حيى بن أخطب حتى يعين موضع المال ولو كان المال بيد وكيله أو غيره وامتنع من تبيين محله لعزر بالحبس والضرب حتى يبينه كالمالك لأنه حق تعين عليه فلو علم بالمال من ليس بولي ولا وكيل بأن يقر بعض الناس بأني أعرف من المال عنده أو تقوم البينة بأن فلانا كان حاضرا إقباض المال ونحو ذلك فإن هذا يجب عليه بيان موضع المال لأن ذلك فيه حق للطالب إما أن يكون مستحقا للاستيفاء منه ولقوله تعالى: [2:5]{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولا يمكن إيصاله إليه إلا ببيان هذا ودلالته ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب فهو كالشاهد الذي يجب عليه أداء الشهادة ولأن إعانة المسلم على حقن دمه وماله

ص: 473

_________

واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "المسلم أخ المسلم لا يسلمه ولا يظلمه" وقال عليه الصلاة والسلام:. "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ونصر الظالم دفعه وفي الدلالة نصر الاثنين ولأن هذا بذل منفعة لا ضرر فيها في حفظ مال المسلم وهذا من أوجب الأشياء كالقضاء والشهادة لا سيما على أصلنا في إيجاب بذل المنافع مجانا على أحد الوجهين وكما يجب للجار منفعة الجدار ومنفعة إمرار الماء على إحدى الروايتين بل قد توجب دفع الغير عن دمه وماله إذا رأى نفسه أو ماله يتلف وهو قادر على تخليصه وقد أوجب القاضي وأبو الخطاب ضمان النفس على من قدر على تخليصها من هلكه فلم يفعل كما يضمن من لم يؤد الواجب من إطعامها وسقيها وفرق بعض الأصحاب أن سبب الهلاك هناك فعل الغير وهنا منع الطعام وأما تضمين من ترك تخليص المال ففيه نظر.

وأيضا فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن خروج الحقوق عن أصحابها منكر وإزالة المنكر واجبة بحسب الطاقة فكيف إذا كان يزول بمجرد البيان والدلالة واجبا عوقب على تركه بالحبس والضرب وكذلك لو كان يعلم موضع من عليه حق لله أو لآدمي وهو يريد استيفاءه من غير ظلم فإن الدلالة على النفوس الظالمة للمظلوم كالدلالة على المال لصاحبه فأما من آوى محدثا وكتمه فإن هذا يعاقب بالضرب والحبس بمنزلة كاتم المال وأولى فإن كتمان النفس ككتمان المال والدلالة عليها من غير الكاتم كالدلالة على المال.

وهذا كله إذا ظهر معرفة المسؤول عن النفس المستحقة والمال المستحق إما بإقراره وإما ببينة فأما إذا اتهم بذلك فهنا يحبس كما يحبس في التهمة بنفس الحق وأما ضربه فهو كالمتهم.

وأصل هذا أن الحق كما يكون عينا من الأموال فقد يكون منفعة على

ص: 474

_________

البدن كالمنافع المستحقة بعقد الإجارة والحقوق الواجبة عينا أو منفعة إما أن تجب بالشرط وإما أن تجب بالشرع فكأنما أنا نعاقب من امتنع عن النفقة الواجبة شرعا كذلك نعاقب من امتنع عن المنفعة الواجبة شرعا ومن أعظم المنافع بيان الحقوق ومواضعها من النفوس والأموال.

والممتنع عن البيان ممتنع عن منفعة واجبة عليه شرعا متعينة عليه فيعاقب عليها ولو لم تتعين عليه بأن كان العالمون عددا فهنا إذا امتنعوا كلهم عوقبوا أو بعضهم لكن عقوبة بعضهم ابتداء عند إقناعه يخرج على البيان هل هو واجب على الكفاية أو لأعيان كالشهادة والمنصوص أنه واجب بالشرع على الأعيان وكما يعاقب الرجل على شهادة الزور يعاقب على كتمان الشهادة انتهى كلامه.

وهو حسن واضح لم أجد في المذهب ما يخالفه صريحا.

قوله: "فإن فسره بحق شفعة أو أقل مال قبل".

لأنه صحيح لإطلاق "شيء" عليه حقيقة وعرفا فقبل كتفسيره بمال كثير.

وقال الشيخ تقي الدين في الشفعة نظر فإنها ليست مالا بدليل أنها لا تورث ولا يصالح عليها بمال فهي كحد القذف انتهى كلامه.

وهو متوجه لو كان المقر قال له على مال بخلاف له على شيء أو كذا.

قوله: "وإن فسره بميته أو خمر أو مالا يتمول كقشرة جوزة لم يقبل لأن إقراره اعتراف بحق عليه وهذا لا يثبت في الذمة".

مراده والله أعلم قشر جوزة غير الهند لأن قشرة تلك يعد مالا بمفرده قال ابن عبد القوي لو قيل إنه يقبل في إقرار الذمي تفسيره بخمر ونحوه مما يعدونه عندهم مالا لم يكن بعيدا كما يقبل تفسيره من مسلم بجلد ميتة لم يدبغ يعنى في أحد الوجهين لأنه مما يؤول إلى التمول فهنا عندهم أولى لأنها عندهم مال في الحال يجب ردها من غاصبها عليهم انتهى كلامه وهو متوجه

ص: 475

_________

وقد عرف مما تقدم أنه لو فسره بحبة حنطة ونحوها لم يقبل لعدم تمول ذلك على انفراده عادة قطع به غير واحد وذكر في الرعاية وجهين.

قوله: "وإن فسره بكلب يباح نفعه أو حد قذف فوجهان".

وجه القبول في تفسيره بكلب لأنه شيء يجب رده فيتناوله الإيجاب ووجه عدم القبول أو الإقرار إخبار عما يجب ضمانه والكلب لا يجب ضمانه ولم يفرق في المستوعب وغيره بين ما يجوز اقتناؤه ومالا يجوز ومرادهم ما يجوز كما صرح به جماعة.

وجاء في الرعاية الكبرى فجعله طريقة وقدمها وليس كذلك.

وأما حد القذف فينبغي أن يكون الخلاف فيه مبنيا على الخلاف في كونه حقا لله تعالى أو لآدمي فإن قلنا هو حق لآدمي قبل وإلا فلا.

وقطع بعضهم بالقبول ووجهه بأنه حق عليه في ذمته فالإيجاب يتناوله ووجه بعضهم عدم القبول بأنه ليس بمال ووجهه في المغني مع أنه صحح الأول بأنه لا يؤول إلى مال والله تعالى أعلم.

قوله: "وإن مات قبل أن يفسر أخذ وارثه بمثل ذلك إن ترك تركه وقلنا لا يقبل تفسيره بحد القذف وإلا فلا".

وجه ذلك لأنه حق على مورثهم تعلق بتركته فلزم القيام مقامه كما لو كان الحق معينا ولا فرق ولأن القريب لا يلزمه وفاء دين قريبه الحي فكذلك الميت إذا لم يخلف تركة.

وأما قوله: "وقلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف".

كان ينبغي أن يزيد ونحوه لأن الحكم عام فيما ليس بمال لعدم تحقق حق علي الموروث يتعلق بعين التركة فلا يلزم الوارث شيء.

قوله: "وعنه إن صدق الوارث مورثه في إقراره أخذ به وإلا فلا".

ص: 476

_________

قال الشيخ تقي الدين قد يصدقه في أصل الإقرار وينكر العلم وقد تقدم في الفصل الطويل تعليل الشيخ تقي الدين لهذه الرواية لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت وعللها ابن عبد القوي بأن المقر له لم يدع عليهم ولا يخفى ضعف ذلك.

قوله: "وعندي إن أبي الوارث أن يفسر وقال لا علم لي بذلك حلف ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم كما في الوصية لفلان بشيء لأن ما قاله محتمل فقيل قوله مع اليمين".

وهذا ينبغي أن يكون على المذهب لا قولا ثالثا لأنه يبعد جدا على المذهب إذا ادعى عدم العلم وحلف أن لا يقبل قوله ولو كان صاحب المحرر قال فعلى المذهب أو فعلى الأول وذكر ما ذكره إلى آخره كان أولى.

ولو ادعى الموروث عدم العلم وحلف فلم أجدها في كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى إلا ما ذكره الشيخ شمس الدين في شرحه بعد أن ذكر قول صاحب المحرر ويحتمل أن يكون المقر كذلك إذا حلف أنه لا يعلم كالوارث وهذا الذي قاله متعين ليس في كلام الأصحاب ما يخالفه.

قوله: "وإذا قال غصبت منه شيئا ثم فسره بنفسه لم يقبل وإن فسره بخمر أو كلب أو جلد ميتة قبل".

أما المسألة الأولى فلاقتضاء لفظه المغايرة لاقتضائه مغصوبا ومغصوبا منه وأحدهما غير داخل في الآخر ولأن الغصب لا يثبت عليه.

وأما الثانية فلأن ما قاله محتمل لأنه قد يرى بالغصب قهر صاحب اليد على ما بيده فيأخذه وإن لم يكن مالا فيقبل تفسيره بذلك وذكر في الكافي أنه يلزمه حق يؤخذ بتفسيره كما تقدم في قوله له علي شيء.

ص: 477

_________

وذكر في المغني أنه إن فسره بما ينتفع به نفعا مباحا قبل لاشتمال الغصب عليه وإلا فلا فهذه ثلاثة أوجه.

قوله: "وإن فسره بولده فوجهان".

أحدهما لا يقبل قطع به غير واحد.

والثاني يقبل ووجههما ما تقدم.

قوله: "وإن قال غصبتك ثم فسره أني حبستك وسجنتك قبل لصدقه عليه وإلا فلا ويجب تفسيره".

وذكر في الكافي أنه لا يلزمه شيء قد يغصبه نفسه فلا يتوجه عليه مطالبة بالاحتمال.

قوله: "وإذا قال له علي مال عظيم أو خطير أو جليل فهو كقوله مال يقبل تفسيره بأقل متمول".

وبهذا قال الشافعي وبعض المالكية لأنه لا حد لذلك في شرع ولا لغة ولا عرف والناس يختلفون في ذلك لأنه ما من مال إلا وهو عظيم بالنسبة إلى ما دونه.

ويحتمل أنه إن أراد عظمه عنده لقله ماله أو خسة نفسه قبل تفسيره بالقليل وإلا فلا.

وهذا والله أعلم معنى قول ابن عبد القوي ولو قيل يعتبر بالنسبة إليه في نفسه لم يبعد.

قال في الرعاية ويحتمل أن يلزمه ذكر وجه العظم أو يزيد على أقل ما يتمول شيئا لتظهر فائدته.

وقال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يرجع في هذا إلى العرف في حق القائل فإنه هذا يختلف باختلاف القائلين وكذلك في الأيمان والنذور وليس لهذا اللفظ حد في اللغة ولا في الشرع فيرجع فيه إلى العرف فإذا ما يجوز أن يسمى

ص: 478

_________

عظيما في عرفه قبل منه وإلا فلا ومعلوم أن المالك ونحوه لو قال له عندي مال عظيم لعله سقط من لفظه "أو كثير" وأحضر مائتي درهم كان خلاف عرفه انتهى كلامه.

ولم يوجز عن أبي حنيفة في هذه المسألة نص وقال صاحباه يلزمه مائتا درهم ومن أصحابه من قال إن قوله كقولنا ومنهم من قال عليه عشرة دراهم ومنهم من قال يعتبر فيه حال المقر وما يستعظمه مثله في العادة.

وقال بعض المالكية يلزمه مقدار الدية ومنهم من قال ما يستباح به البضع أو القطع ووافق الحنفية الأصحاب في المال المطلق وأن قوله له علي مال كقوله له علي شيء حكاه القاضي وغيره عنهم.

وحكى بعضهم عنهم التسوية كما هو قول المالكية وكذا حكى القاضي عن المالكية التسليم فيما إذا قال معلوم أو صالح أو نافع أو موزون.

قال الشيخ تقي الدين وسلم أصحابنا أنه لو قال مال جيد أنه يعد معنى زائدا على مسمى المال قال القاضي لأن الجودة تدل على مقدار ولهذا تستعمل في عقد السلم ليصير المسلم فيه معلوما انتهى كلامه وفي هذا التسليم نظر والأولى التسوية والله أعلم.

قوله: "وكذا قوله دراهم أو دراهم كثيرة يقبل تفسيرها بثلاثة".

وبهذا قال الشافعي في المسألة قبلها واختلف المالكية فمنهم من قال يلزمه مائتان وهو قول أبي يوسف ومنهم من قال تسعة ومنهم من قال ما زاد على ثلاثة وهو احتمال في الرعاية فإنه مال ويحتمل أن الكثيرة أكثر فيفسر الزيادة.

وقال أبو حنيفة لا يصدق في أقل من عشرة وكذلك لو قال لفلان علي أكثر ما يقع عليه اسم الدرهم.

قال القاضي ونحن لا نسلم هذا بل نقول يقبل تفسيره فيما زاد على أقل

ص: 479

_________

الجمع وإن قل فلو فسره بثلاثة دراهم ودانق قبل منه وهذا الخلاف كله في دراهم كثيرة فأما إن قال له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع.

قال ابن عبد القوى وقوله وأفرة وعظيمة ونحوها ككثيرة في الحكم.

قوله: "وإن قال له على كذا درهما لزمه درهم".

لأن الدرهم يقع مميزا لما قبله والمميز يقبل وكما لو قال كذا وفسره بدرهم وقال أبو حنيفة يلزمه عشرون لأنه أقل كلمة مفردة مميزة تمييز مفرد منصوب وهذا متوجه وهذا أقرب إن شاء الله تعالى.

قوله: "أو كذا كذا درهما لزمه درهم".

كأنه قال شيء شيء و"درهما" تمييز لبيان الشيء المبهم.

قال أبو الخطاب وغيره تكراره يقتضي التأكيد فإذا فسره بدرهم فقد فسره بما يحتمله فيقبل وكذا مذهب الشافعي هنا وفي التي قبلها.

وقال أبو حنيفة يلزمه أحد عشر لأن ذلك أقل مميز منصوب مفرد كمميز متكرر بغير عطف وهذا متوجه.

وذكر الشيخ تقي الدين أن أقرب إن شاء الله تعالى قال فإن أصحابنا بنوه على أن كذا كذا تأكيدا وهو خلاف الظاهر المعروف وأن الدراهم مثل الترجمة لهما وهذا يقتضي الرفع لا النصب ثم هو خلاف لغة العرب.

قوله: "أو فيهما درهم بالرفع لزمه درهم".

لأن تقديره مع عدم التكرير شيء هو درهم في له خبر مبتدأ محذوف أي ذلك له ذلك درهم وفي التكرير كأنه قال له على شيء شيء درهم خبر أي هو درهم.

قوله: "وإذا قال كذا وكذا درهما أو درهم بالرفع لزمه درهم عند ابن حامد ودرهمان عند التميمي".

ص: 480

_________

وجه الأول ما تقدم كأنه قال كذا درهم لأن كذا يحتمل بعض الدرهم فإذا عطف عليه مثله ثم فسرهما بدرهم واحد جاز وكان كلاما صحيحا.

ووجه الثاني أن التفسير يعود إلى كل واحد من المعطوفين بمفرده لدلالة العطف على التغاير.

قوله: "وقيل درهم وبعض آخر".

أعاد التفسير إلى الثاني والأول مبهم فيرجع في تفسيره إليه.

قوله: "وقيل درهم مع الرفع ودرهمان مع النصب".

لما تقدم ولأنه إذا نصب فهو تمييز لكل واحد فيلزم التعدد والذي نصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم قول ابن حامد وقال أبو حنيفة في كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون لما تقدم وهو متوجه وكلام الشيخ تقي الدين يقتضي أنه اختياره وعن الشافعي كقول ابن حامد والتميمي مع النصب.

قوله: "وإن قال ذلك كله بالخفض قبل تفسيره بدون الدرهم".

وكذا قطع به في الكافي وغيره تقديره بعض درهم لاحتمال لفظه ذلك وهو قول الشافعي وقال القاضي في المجرد يلزمه درهم نقله بعضهم في كذا كذا درهم ولا يحضرني له وجه وقيل يلزمه درهم وبعض آخر مع التكرار بالواو وقال أبو حنيفة يلزمه درهم لأنها أقل عدد المفسر بواحد مخفوض وإن شئت قلت لأنها أقل عدد يضاف إلى الواحد وهذا متوجه وهو مقتضى ما اختاره الشيخ تقي الدين في المسائل قبلها وذكر الشيخ شمس الدين ابن عبد القوي أن هذا القول وقول أبي حنيفة في المسائل قبلها ذكر ابن جنى ذلك كله في بعض كتبه النحوية وابن معطى في فصوله وغيرهما وهو مذهب جماعة من الفقهاء منهم محمد بن الحسن قال وهو الأقيس ردا لما أشكل.

ص: 481

_________

قوله: "وهذا كله عندي إذا كان يعرف العربية فإن لم يعرفها لزمه بذلك درهم في الجميع".

وجه قول الأصحاب رحمهم الله تعالى ما تقدم تسوية بين الجميع وصاحب المحرر يوافقهم في العالم بالعربية ويلزم الجاهل بها درهم في الجميع لأنه لا فرق عنده في ذلك ويقتضي عرفه ولغته درهم فلزمه وما زاد عليه مشكوك فيه أو يقال الأصل والظاهر عدمه فلم يلزمه وإذا كان لا بد لصاحب المحرر من مخالفة الأصحاب في ذلك فكان ينبغي أن يمشي على مقتضى العربية كما تقدم لا كما ذ كره الأصحاب ولعل هذا متوجه ولعل العامي يلزمه درهم في الجميع والعربي يلزمه مقتضى لسانه كما تقدم فصار هذا قولا آخر.

فرع

وإن قال له عندي كذا درهم بالوقف قبل تفسيره ببعض درهم في اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لجواز إسقاط حركة الخفض للوقف فلا يلزمه زيادة مع الشك وقال القاضي يلزمه درهم ويتوجه موافقة الأول في العالم بالعربية وموافقة الثاني في الجاهل بها.

قوله: "وإذا قال له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه".

فإن فسره بجنس أو أجناس قبل منه لأن ذلك محتمل من غير مخالفة لظاهر فقبل.

قوله: "وإذا قال له على ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو له دينار وألف أو ألف وخمسون درهما أو ألف وخمسمائة دينار".

فالألف من جنس ما ذكر معه نصره القاضي وأصحابه في كتب الخلاف

ص: 482

_________

ونصره في المغني وقطع به ابن هبيرة عن أحمد في العطف لأن العرب تكتفي بتفسير أحد الشيئين عن الآخر قال الله تعالى: [25:18]{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا} وقال تعالى: [17:50]{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قال أبو الخطاب وغيره لأن حرف العطف يقتضي التساوي بين الشيئين كما تقتضي البينة ذلك في ظاهر الكلام فوجب حمله عليه ولأن المفسر يفسر جميع ما قبله كقوله تعالى: [23:38]{تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ} وقال: [4:12]{أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} مع مفسر لم يقم دليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم جنس المفسر.

قال الأصحاب كما لو قال مائة وخمسون درهما ولعل مرادهم الحجة على قول التميمي لأن هذا الأصل متفق عليه ولهذا قال في المغني فإن قال له على تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم لا أعلم فيه خلافا وإن قال مائة وخمسون درهما فكذلك وخرج بعض أصحابنا وجها أنه لا يكون تفسيرا إلا لما يليه وهو قول بعض الشافعية وكذلك إن قال ألف وثلاثة دراهم أو خمسون وألف درهم أو ألف ومائة درهم أو مائة وألف درهم والصحيح ما ذكرنا انتهى كلامه وذكر في الكافي هذا الأصل مع حكايته احتمالا في ألف وخمسين درهما أو ألف وثلاثة دراهم ومراده والله أعلم ما تقدم.

وقال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلامه في الكافي كأنه فرق بين العدد الذي يلي المعطوف عليه وبين الذي لا يليه.

قوله: "وقيل يرجع في تفسيره إليه".

لأن العطف لا يقتضي التسوية بين المعطوفين في الجنس بدليل جواز قوله رأيت رجلا وحمارا ولأن الألف مبهم فرجع في تفسيره إليه كما لو لم يكن عطف صححه في المستوعب.

ص: 483

وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة.

قوله: "وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة".

لما تقدم والفرق ما ذكره أبو الخطاب وغير واحد أن الدرهم هنا ذكر تفسيرا ولهذا لا تجب به زيادة على الألف وقال أبو حنيفة إن عطف عليه ما يثبت في الذمة كان من جنسه وإلا فلا.

وقال مالك والشافعي كقول التميمي في المعطوف وأما في المميز والمضاف فالإصطخري وابن خيران كالوجه الثاني وخالفهما غيرهما.

قال الشيخ تقي الدين بخلاف قوله ألف وكر حنطة فإن القاضي كأنه نفي الخلاف فيه عن جميعهم فالتميمي قد يقول هنا.

وقال أيضا قد يتوجه أن المقر إذا مات ولم يظهر شيئا جعل الجميع جنسا واحدا وإن ادعى أن الألف من غير جنس ما معه قبل منه مع يمينه لأنه إذا لم يدع خلاف ذلك فالظاهر أنه لم يفتقر إليهما إلا وهما جنس واحد بخلاف ما إذا فسره بعد ذلك انتهى كلامه وهو خلاف كلام الأصحاب.

فصل

قال في المغني وغيره فأما إن كان لم يفسره به مثل أن يعطف عدد المذكر على عدد المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك ولا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على إبهامه كما لو قال على أربعة دراهم وعشر.

فصل

قال في المغني فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة وخمسين درهما أو خمسة وعشرين درهما لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه انتهى كلامه وهو يؤيد ما تقدم.

ص: 484

وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه.

فصل

وإن قال له على ألف إلا درهما أو ألف درهم سوى مائة فالجميع دراهم بناء على تلازم المستثنى والمستثنى منه فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر ومتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه.

قال في المغني وقد سلموه وقال التميمي وأبو الخطاب يرجع في تفسير الألف إليه وهو قول مالك والشافعي لأن الألف مبهم والدرهم لم يذكر تفسيرا له ولأنه يحتمل أنه أراد الاستثناء من غير الجنس وكلام بعضهم يقتضي أن الخلاف عندنا أنه هل يرجع إليه في تفسير المطلق سواء كان مستثنى أو مستثنى منه والتعليل يقتضيه فعلى هذا القول إن فسره بغير الجنس بطل الاستثناء على الراجح عندنا وعلى قول مالك والشافعي لا يبطل وقد تقدم ذلك.

ولعل صاحبالمحرر اختصر ذكر هذه المسألة لأنها تعرف من مسألة الاستثناء.

قوله: "وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه".

وقد يكون بينهما سواء نقله ابن عبد القوي وعزاه إلى الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن الشركة تقتضي التسوية البيع وبدليل الوصية والوقف والمضاربة وبدليل قوله تعالى: [12:4]{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} .

ولنا أن أي جزء كان له منه فله فيه شركة فقبل تفسيره بما شاء كالمساوى وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازا ولا مخالفة للظاهر.

وأما مسألة البيع فلنا وجه بعدم الصحة للجهالة والمذهب الصحة حملا

ص: 485

وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية.

وإن قال له على أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه لحله ونحوه قبل.

لكلام المكلف على الصحة لأن معرفة قدر المبيع شرط بخلاف الإقرار فانه يصح بالمجهول وأما المضاربة ونحوها فالفرق أنه جعل المال لهما فيها على حد واحد ولا مزية لأحدهما على الآخر فتساويا فيه بخلاف الإقرار.

وبهذا يجاب عن الآية أو نقول استفيدت التسوية فيها من دليل آخر وأحسب أن هذا قولنا وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي.

قوله: "وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية".

وجه الأول ما تقدم ولأنه العرف المعتاد فحمل الإطلاق عليه.

ووجه الثاني أن السهم عرف شرعي بدليل الوصية به فحمل الإطلاق عليه كما نقول في نذر رقبة مطلقة تحمل على الرقبة الشرعية وغير ذلك.

وينبغي أن يؤخذ من هذا أنه إذا تعارض في الإقرار حقيقة عرفية وحقيقة شرعية فأيهما يقدم فيه وجهان.

قوله: "وإن قال له علي أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه ونحوه قبل".

مع يمينه لأن ذلك محتمل ويمنع أن الظاهر بخلاف ذلك هذا قول أصحابنا والشافعي.

وقال في الكافي والأولى أنه يلزمه أكثر منه قدرا لأنه ظاهر اللفظ السابق إلى الفهم فلزمه كما لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة ولم يقبل تفسيره بدونها مع احتماله.

ص: 486

وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل منه وقيل لا يقبل فيلزم بتفسير حقهما.

وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية وإن قال له ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية.

واختار في المغني أنه إن فسره بدونه مع علمه بماله لا يقبل وإلا قبل ولو قال ما علمت لفلان أكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه أكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا يعرف في الأكثر انتهى كلامه.

قوله: "وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل وقيل لا يقبل ويلزم بتفسير حقهما".

وجه الأول احتمال إرادة حقك علي أكثر من حقه والحق لا يختص المال.

ووجه الثاني أن ظاهر اللفظ يدل على إقراره لهما بشيء من المال وأحدهما أكثر فيلزم بتفسيره لجهالته وهذا الراجح عند جماعة وهو أولي فلو ادعى عليه مبلغا فقال لك على أكثر من ذلك لم يلزمه أكثر منه ورجع إلى تفسيره عند القاضي لما تقدم ولاحتمال أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حب حنطة وأفعل التفضيل إذا استعمل بمن فإنه يتصل بجنسه وغير جنسه كزيد أشجع من إخوته وزيد أشجع من الأسد بخلاف استعماله مضافا فإن حقه أن لا يضاف إلا إلى ما هو بعض وعند الشيخ موفق الدين لا يقبل منه إلا الأكثر منه قدرا لأن لفظه "أكثر" إنما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف إليه أكثر.

قوله: "وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية".

لأن ذلك هو ما بينهما وكذا إن عرفهما بالألف واللام.

قوله: "وإن قال له علي ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية".

ص: 487

_________

أما المسألة الأولى فوجه الخلاف فيها أنها في معنى المسألة الثانية عرفا فتعطى حكمها والأولى أن يقال فيها ما قطع به في الكافي وهو ثمانية لأنه المفهوم من هذا اللفظ وليس هنا ابتداء غاية وانتهاء الغاية فرع على ثبوت ابتدائها فكأنه قال ما بين كذا وبين كذا ولو كانت "إلى" هنا لانتهاء الغاية فما بعدها لا يدخل فيما قبلها على المذهب قال أبو الخطاب وهو الأشبه عندي وهو قول زفر وبعض الشافعية والذي نصره القاضي وغيره أنه يلزمه تسعة وهو قول أبي حنيفة وقال محمد ابن الحسن يلزمه عشرة قال القاضي وغيره والقولان جميعا يقتضي أن يكونا مذهبا لنا لأنه قد نص فيمن حلف لا كلمتك إلى العيد هل يدخل يوم العيد في يمينه أم يكون بدؤه على روايتين.

وأما المسألة الثانية فوجه القول الأول فيها وهو الراجح في المذهب وذكر بعضهم أنه المذهب أن "من" لابتداء الغاية وهو عدد والعدد لا بد له من أول يبني عليه وإلا لم يصح و"إلى" لانتهاء الغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها في أكثر الاستعمال ولو كان دخولا مكتملا فالأصل عدم الزائد فلا يثبت مع الشك.

ووجه الثاني أنه أحد الطرفين فدخل كالآخر ولهذا يقال قرأت القرآن من أوله إلى آخره وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس هذا الوجه أحد عشر لأنه واحد وعشرة والعطف يقتضي التغاير.

ووجه الثالث أنهما حدان فلا يدخل ما بينهما كقوله ما بين درهم وعشرة وقال الشيخ تقي الدين الذي ينبغي في هذه المسائل أن يجمع ما بين الطرفين من الأعداد فإذا قال من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط وأربعة وأربعون إن

ص: 488

وإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة.

أخرجناهما وقوله: "ما بين درهم إلى عشرة" ليس بعرفي انتهى كلامه.

هذا المعنى ذكره الأصحاب في إن طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر بصيغة "إن" وكذا بصيغة "كلما" في وجه والمسألة مشهورة وأما هنا فيلزمه ذلك مع إرادته وطريق حسابه أن تزيد أول العدد وهو أحد على عشرة فيصير أحد عشرة ثم أضربهما في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب.

فصل

لو قال له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط فكلامهم يقتضي أنها على الخلاف في التي قبلها وذكر القاضي أن الحائطين لا يدخلان في الإقرار وجعله محل وفاق في حجة زفر وفرق بأن العدد لا بد له من ابتداء يبنى عليه وذكر الشيخ تقي الدين كلام القاضي ولم يزد.

قوله: "فإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة".

هذا تقرير واضح على الأوجه الثلاثة وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس الثاني ثلاثون وهذا منه بناء على أنه يلزمه في التي قبلها أحد عشر.

فصل

فإن قال له على ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة إلا قفيز حنطة على قياس المسألة قبلها ذكره القاضي وأصحابه وكذا صاحب المستوعب قال فان قلنا يلزمه تسعة فهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف

ص: 489

وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته أو مع درهم أو له درهم بل درهم أودرهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان.

ومحمد يلزمه كر شعير وكر حنطة وقدمه في الرعاية الكبرى.

قال الشيخ تقي الدين هو قياس الثاني في الأول وكذلك هو عند القاضي.

ثم قال هذا اللفظ ليس بمعهود فإن قال له علي ما بين كر حنطة وكر شعير فالواجب تفاوت ما بين قيمتهما وهو قياس الوجه الثالث اختيار أبي محمد انتهى كلامه.

قوله: "وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته درهم أو مع درهم".

قطع به غير واحد لأن اللفظ في هذه الصورة يجري مجرى العطف لاقتضائه ضم درهم آخر إلى المقر به فلزماه كالعطف والسياق واحد وهو في الإقرار فلا يقبل احتمال يخالفه لأنه خلاف الظاهر وقيل يلزمه درهم وهو قول القاضي لاحتمال إرادته فوق درهم في الجودة وكذا في باقي الصور فلا يجب الزائد مع الشك في دخوله في إقراره وللشافعي كالوجهين وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال فوق درهم لزمه درهمان وإن قال تحت درهم لزمه درهم لأن فوق تقتضي الزيادة بخلاف "تحت".

قال الشيخ تقي الدين بناء على أصله في الظروف أو لأن الفوق الزيادة بخلاف تحت ثم قال هذا في الظاهر قياس مسألة الظروف لكن فرق القاضي أن المقر به معين وهنا ادعاه أنه مطلق وقطع في الكافي وغيره أنه يلزمه في مع درهمان وحكى الوجهين في "فوق" و"تحت" وفيه نظر.

قوله: "أوله درهم بل درهم أو درهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان".

ص: 490

وقيل درهم.

وإن قال درهم قبله أو بعده درهم.

وهذا هو الراجح في المذهب وهو قول أبي حنيفة وقول الشافعي حملا لكلام المكلف على فائدة ولأن العطف يقتضي المغايرة وإضرابه عن الأول لا يسقطه فلزماه كدرهم ودرهم.

قوله: "وقيل درهم".

قال أحمد إذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق لا تطلق إلا واحدة وهذا في معناه لأنه لم يقر بأكثر من درهم والأصل عدم وجوب الزيادة فلا يلزمه وذكر القاضي أنه يلزمه درهمان ثم ذكر وجها في "بل" أنه يلزمه درهم قال لأنه للاستدراك وهذا يقتضي التسوية بين "بل" و"لكن" بخلاف درهم فدرهم وهو معنى ما في الكافي وغيره لأنه ذكر في ألف فألف أنه يلزمه ألفان وقدم في درهم بل درهم أنه يلزمه درهم وسلم الشافعي في طالق فطالق أو طلقة فطلقة أنه يقع طلقتان وخرجها ابن حربان على قولين كالإقرار ولو قال درهم ودرهم أو ثم درهم فدرهمان ودرهم أو درهم لزمه واحد وذلك محل وفاق ذكره القاضي وغيره فإن كرر الدرهم ثلاث مرات مع عطف متفق أو بدون عطف لزمه ثلاثة وقيل درهمان وقيل مع إرادة التأكيد وقيل الخلاف دون حرف عطف ومعه إن أراد تأكيدا صدق وإلا فلا ومع مغايرة العطف يلزمه ثلاثة.

قوله: "وإن قال درهم قبله درهم أو بعده درهم".

لزمه درهمان لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير في الوجوب فحمل عليه ولأن هذا مقتضى العرف والعادة ولا معارض له فلزمه وقد عرف من هذا أنه لو قال درهم قبله درهم أو بعده درهم أنه يلزمه ثلاثة دراهم لأنه فرق بين قبله

ص: 491

أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان.

درهم وبعده درهم وبين قبل درهم وبعد درهم وذكر في الرعاية الكبرى في درهم قبل درهم أو بعد درهم احتمالين كذا ذكروا.

قال ابن عبد القوي إنه لا يدري ما الفرق بين درهم قبله درهم بعده درهم في لزومه درهمين وجها واحدا وبين درهم فوق درهم ونحوه في لزومه درهما في أحد الوجهين لأن نسبة الزمان والمكان إلى مظروفيهما نسبة واحدة انتهى كلامه.

والمغايرة بين الأجناس كاتحادها ذكره في المغني وغيره.

قوله: "أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان".

أما المسألة الأولى فقطع به أكثرهم لأنه إنما نفى الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه فأشبه درهم بل أكثر فإنه لا يلزمه أكثر من اثنين وهذا قول الشافعي وغيره.

وذكر في الرعاية قولا أنه يجب ثلاثة.

وقال ابن عبد القوي وهو مقتضى درهم بل درهم وهو قول زفر وداود.

وفي كلام الأصحاب إشارة إلى الفرق بين هذه المسألة ودرهم بل درهم أن هذا عطف على وجه الخبر والاستدراك وذاك بخلافه فليتأمل.

وأما المسألة الثانية فلم أجد فيها خلافا ووجهه أنه أقر بشيء وإضرابه عن بعضه رجوع عن حق الغير فلا يقبل وفرق في المغني بين هذه المسألة والاستثناء أن الاستثناء لا ينفي شيئا أقر به وإنما هو عبارة عن الباقي بعد الاستثناء فإذا قال عشرة إلا درهما كان معناه تسعة بخلاف الإضراب وهذا الفرق إنما يتجه على قول تكرر في عبارته وهو أن الاستثناء ليس بإخراج وأن المستثنى مع المستثنى منه كمفرد كقول بعضهم فما على قول في كلامه وكلام

ص: 492

وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال له قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا.

غيره وقد تقدم أنه إخراج فلا يتجه ولم أجد فرقا فيخرج على هذا أنه لا فرق بين الإخراج بإلا أو بل.

وقال الشيخ تقي الدين يحتمل أن يقبل منه الإضراب لأنه دعوى عطف يقع كثيرا فقبل منه كدعوى العطف في الإقرار برأس المال في المرابحة وبالربح في المضاربة يعني على رواية.

ومقتضى كلامه قبول دعوى العطف مطلقا كالأصلين والفرق بين الأصلين في رواية وبين الإقرار أن المقر ليس بأمين للمقر له ولا دخل معه في شيء يقتضي أنه أمين ليقبل قوله عليه بخلاف الأصلين.

قوله: "وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا".

قطع به أكثر الأصحاب وتقدم وجهه في المسألة قبلها والفرق بين هذه وبين درهم بل درهم أو درهمان أن الأول يحتمل أن يكون هو الثاني أو بعضه بخلاف مسألتنا وتقدم كلام الشيخ تقي الدين قال بعد كلامه الأول أسقط ما أقر به وأثبت أكثر منه بكلام منتظم فكان أولى بالقبول من قوله على ألف قضيتها انتهى كلامه.

ومقتضاه قبول دعواه مع الاتصال فقط كمسألة الأصل.

فقد ظهر من هذا أو مما قبله أنه هل يقال لا يقبل الإضراب مطلقا وهو المذهب أو يقبل مطلقا أو يقبل مع الاتصال فقط أو يقبل مع الاتصال إضرابه عن البعض فيه أقوال وقول خامس وهو ما حكاه في المستوعب أنه يقبل مع تغاير الجنس لا مع اتحاده لأن انتقاله إلى جنس آخر قرينة في صدقه وأنه هو الذي عليه.

ص: 493

وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه وإن قال درهم في دينار لزمه درهم.

فعلى هذا يلزمه الدراهم الثلاثة في المسألة الأولى ويلزم في الثانية قفيز شعير أو دينار ولم يذكر صاحب المستوعب هذا القول إلا في مثل القفيز وقطع به في درهم بل دينار ويلزمهما ولا فرق بينهما في القطع والإلحاق وإنما صاحب المستوعب اقتصر.

قوله: "وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه".

لأن "أو" في الخبر للشك في نسبة الحكم إلى أحد المذكورين فيلزمه حدهما ويعينه لإيهامه كما لو قال له علي شيء ولو قال درهم أو درهمان فقد تقدم أنه يلزمه درهم وينبغي أن يقال والباقي مشكوك فيه فيسأل عنه ويؤخذ به وإما بكسر الهمزة مثل "أو" وقد قال ابن عبد القوي في إما وقد قيل بل ألزمه حتما بما ابتدأ وأراد ما ذكره الشيخ موفق الدين في له على إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه فلا يلزمه بالشك وأخذه من هذا القول الذي ذكره فيه نظر ظاهر وكلام الشيخ موفق الدين لا ينافي ما ذكره غيره والله تعالى أعلم.

قوله: "وإن قال درهم في دينار لزمه درهم".

لأنه أقر بدرهم دون دينار ولا يحتمل الحساب فإن قال أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار ذكره في المغني وغيره وهو واضح في إرادته معنى مع لاستعمال في بمعناها وفيه نظر في الزيادة والعطف وجعل ابن حامد الزيادة بمعنى مع كإرادة معناها في درهم في عشرة على ما يأتي.

قالوا وإن قال أسلمته درهما في دينار فصدقه المقر له بطل الإقرار فإن سلم

ص: 494

وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك وإن قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب

أحد النقدين في الآخر لا يصح وإن كذبه فالقول قول المقر له لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله: "في دينار".

وكذلك إن قال درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في ثوب اشتريته منه إلى سنة فصدقه بطل إقراره لأنه إن كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وإن كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والإمضاء وإن كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم.

قوله: "وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم".

لاحتمال الزيادة في عشرة لي كما لو قال في عشرة لي وظاهره أنه يلزمه درهم ولو خالف مقتضى عرفه وهو أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى العرف.

قوله: "إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك".

إما إذا أراد الحساب فإن كان من أهله لزمه عشرة وإن لم يكن من أهله فظاهر كلامه أنه كذلك وينبغي أن يقال هذا على أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى عرف العوام واصطلاحهم وأما إذا أراد مع عشرة فإن كان عاميا لزمه أحد عشر وإن كان حاسبا فمن الأصحاب من ذكر احتمالين ومنهم من ذكر وجهين أحدهما يلزمه أحد عشر لأنه لا يمتنع استعماله لاصطلاح العامة ولأنه نوى ما يحتمله في حق عليه فيقبل والثاني عشرة عملا بالظاهر وهو استعمال اللفظ بمعناه في اصطلاحهم.

قوله: "وإذا قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب.

ص: 495

أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين.

أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين".

وكذا درهم في كيس أو صندوق أو كيس أو صندوق فيه دراهم وزيت في زق وفص في خاتم.

أحد الوجهين لا يكون مقرا بالثاني وهو مذهب مالك لأن إقراره لم يتناول الظرف ويحتمل أن يكون في ظرف المقر فلا يلزمه مع الشك.

الثاني يكون مقرا بالجميع لأنه ذكره في سياق الإقرار أشبه المظروف واختيار الشيخ موفق الدين لزوم العمامة والسرج لأن يد العبد على عمامته ويده ليد سيده والظاهر أن سرج الدابة لصاحبها ولهذا لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها فهو كعمامة العبد ومذهب الشافعي لا يكون مقرا بالثاني ويلزمه عمامة العبد لا سرج الدابة لأنه لا يد للدابة وحكاه بعض أصحابنا قولا لنا وقيل في الكل خلاف الظرف والمظروف وهذا غريب وقيل إن قدم المظروف فهو مقربه وحده وإن أخره فهو مقر بظرفه وحده واختار ابن حامد الوجه الأول ونصره القاضي وتبعه أصحابه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة واحتج القاضي بأنه أقر بشيء في محله فوجب أن يكون إقرارا بالشيء دون المحل كما لو قال غصبتك دابة في اصطبل أو نخلة في بستان واحتج أبو حنيفة بأن المنديل في الثوب في العادة فقال القاضي ليس يتبع الثوب ألا تراه لو باع الثوب لم تدخل المنديل تبعا له واحتج أبو حنيفة بما لو قال غصبته دابة بسرجها فإنه يلزمه السرج وكذلك إذا قال ثوب بلفافة فقال القاضي لا نسلم لك هذا بل يكون إقرارا بالدابة دون السرج.

ص: 496

_________

وقال الشيخ تقي الدين الواجب أن يفرق بين ما يتصل أحدهما بالآخر عادة كالقراب في السيف والخاتم في الفص فانه إقرار بهما وكذلك الزيت في الزق والتمر في الجراب فإن ذلك لا يتناول نفس الظرف إلا نوعا هذا كلامه.

فصل

ومن صور الخلاف إذا قال غصبته ثوبا في منديل أو زيتا في زق ونحو ذلك ومن العجب حكاية بعض المتأخرين أنهما يلزمانه وأنه محل وفاق ودليل ذلك ما تقدم واختار التفرقة بين المسألتين الشيخ تقي الدين فإنه قال فرق بين أن يقول غصبته أو أخذت مه ثوبا في منديل أو يقول له عندي ثوب في منديل فإن الأول يقتضي أن يكون موصوفا بكونه في المنديل وقت الأخذ وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب بخلاف قوله له عندي فإنه يقتضي أن يكون فيه وقت الإقرار وهذا لا يوجب كونه له انتهى كلامه وهذا المعنى ذكره الشيخ موفق الدين أنه قول أبي حنيفة.

فصل

وإن قال له عندي عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو سرجها أو سيف بقراب أو قرابة أو دار بفرشها أو سفرة بطعامها أو سرج مفضض أو ثوب مطرز لزمه ما ذكره قطع به غير واحد.

وقال في المغني في بعض ذلك بغير خلاف لأن الباء تعلق الثاني بالأول لأنهما في موضع الحال من المعرفة والصفة من النكرة وهما مفيدان لمتبوعهما في الحكم ولهذا لو قال إن خرج زيد بعشيرته فأعطه درهما فخرج وحده لم يستحق شيئا ولأن اسم السرج والثوب يجمعهما وهذا بخلاف له عندي دار

ص: 497

وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما والله أعلم.

آخر الكتاب وهو المحرر في الفقه.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.

مفروشة أو دابة مسرجة فإن فيه الوجهين ذكره بعضهم وأظنه الشيخ موفق الدين.

وذكر في الرعاية الكبرى أنه إذا قال له في يدي دار مفروشة أنه لا يكون مقرا بالفرش وقد تقدم كلام القاضي في دابة بسرجها ونحو ذلك مع أن في المغني قال فيه بغير خلاف.

قوله: "وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما".

لأن الفص جزء من الخاتم لا ينفك عنه غالبا فهو كقوله له على ثوب فيه علم وذكر في الكافي فيه الوجهين وفي غيره ويحتمل أن يخرج على الوجهين.

قال بعضهم وهو بعيد وإن قال له خاتم وأطلق لزمه الخاتم بفصه لأن اسم الخاتم يجمعهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره.

وقال في الرعاية الكبرى إن جاءه بخاتم بفص وقال ما أردت الفص احتمل وجهين.

_________

مكتوب في الأصل المنقول منه بخط الشيخ الإمام العلامة تقي الدين الجراعي أيده الله تعالى وأبقى حياته.

هذا آخر ما وجد من هذه النسخة لكن فيها غلط كثير وزيادة ونقص.

ولقد اجتهدت في تحريرها حسب الإمكان والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 498

وكان الفراغ من طبعه بمطبعة السنة المحمدية في غرة ذي الحجة من سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من هجرة عبد الله ورسوله محمد خاتم المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وكان تصحيحه جهد الطاقة على الأصل المخطوط وبمراجعة الأصول المعتمدة في مذهب الإمام أحمد كالمغني وكشاف القناع والمنتهى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ووافق الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم تاسع عشرين من شعبان المكرم من سنة ثلاث وستين وثمانمائة على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى مغفرته أحمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن الشهير بابن زريق المقدسي الحنبلي غفر الله تعالى له ولوالديه ولمن دعا له بالتوبة والمغفرة والعتق من النار آمين.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل وعلى آله وصحبه أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

_________

ما وجد في هذه النسخة مخالفا للمنقول منها التي هي بخط الشيخ تقي الدين المذكور أعلاه أبقاه الله تعالى فإن كان في كلام الشيخ تقي الدين فهو إما من شرح المحرر له وإما من نكت ابن شيخ السلامية على المحرر وإن كان في التعليل فهو من المغني أو من مجمع البحرين لابن عبد القوي أو من الرعاية فليعم ذلك والحمد لله وحده.

وكان الفراغ من طبعه بمطبعة السنة المحمدية في غرة شهر ذي الحجة من شهور سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بذلنا في تصحيحه أقصى المستطاع مع الاستعانة بكتب المغني وكشاف القناع ومنتهى الإرادات وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد له وحده وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى إخوانه المرسلين وآلهم أجمعين.

ص: 499