الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه أبيات رضية حسنة جداً، جزلة بها حكمة. وله أيضاً:
ملكتُ الناسَ قهراً واقتداراً
…
وقتلتَ الجبابرةَ الكبارا
ووجهتُ الخلافةَ نحو مروٍ
…
إلى المأمونِ تبتدرُ ابتدارا
نصبتُ لا المنايا فاستدارتْ
…
لقاحاً، بعدَ ما كانت نوارا
حبيتُ المترفَ المخلوعَ حتى
…
نسجتُ من الدماءِ له إزارا
هتكتُ حجابهُ، وسريتُ عنهُ
…
رداءَ الملك ذلاً واقتسارا
فتكتُ به برغم بني أبيهِ
…
ولو نطقوا لصاروا حيثُ صارا
أصمُّ عن العتابِ، ويزدهيني
…
قراعُ الخيلِ، إما النقع ُثارا
وكان طاهر، مع جودة شعره، ظاهر البلاغة. ولما قتل علي بن عيسى بن ماهان، كتب إلى المأمون بخطه: كتابي إلى أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، من مضرب ابن ماهان، ورأسه بين يدي، وخاتمه في إصبعي. والسلام. ولما قتل الأمين ما في الكتاب الآن إنشاء رسالة، لتعرض على طاهر، فيكتب ما يستحسن، فدعا بكاتبه، وقال: اكتب: أما بعد، فإن المخلوع، وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرق بينهما حكم الكتاب في الولاية والحرمة، لمفارقته وفيه عصمة الدين، وخروجه عن الأمر الجامع للمسلمين. يقول الله عز وجل في حق نوح وابنه:" يا نوح إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح " ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وكتابي إلى أمير المؤمنين، وقد قتل الله المخلوع، ورداءه رداء عمله ونكثه، وأحمد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما كان ينتظر من صدق وعده، والحمد لله رب العالمين.
ولما قدم المأمون مدينة السلام ولى طاهراً خراسان، وصار إلى سمرقند، فصعد المنبر فحمد الله، واثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه، ثم قال: من كان أقلته خوف، أو أرقه جور، فهذا أوان العدل، فلينم. فلما تمكن بخراسان، جعل إبراهيم بي المهدي وغيره يحضون المأمون على قتله، ويحذرونه غائلته، فهم المأمون بالإيقاع به، وإعمال الحيلة عليه. فاتصل به بعض ذلك، فقال:
عتبتُ على الدنيا، فجفتْ ضروعها
…
فما الناسُ إلا بين راج فعايفِ
وأصبحتُ في دهرٍ، كثيرٍ صروفهُ
…
كأني فيه من ملوكِ الطوائفِ
قتلتُ أميرَ المؤمنينَ، وإنما
…
بقيتُ فداءً، بعدهُ، للخلائفِ
وقد بقيت في أمِّ رأسي فتكةٌ
…
تكونُ لحزمٍ، أو لرأيٍ مخالفِ
فاتصل شعره بالمأمون، فأظهر خلاف ما كان عزم عليه.
ذكر أبي العباس عبد الله بن طاهر
أجمع الرواة أن عبد الله بن طاهر أشعر من أبيه. وكان المأمون يدعي تربيته، ويسميه غرس يدي. وكان ذا بأس ونجدة وسخاء وحلم. ومن شعره:
إذا أنا لم أقضِ الحقوقَ، ولم تكن
…
تغولُ يدا جودي العقيلةَ من مالي
فلا كان لي مالٌ، ولا زلتُ معدماً
…
فأحسنُ من بخلٍ على الناسِ إقلالي
دعي عنكِ لومي يا أميمَ، وأيقني
…
بأنَّ قضاء الحقِّ مني على بالي
يلومونني أنْ أكسبَ الحمدَ والثنا
…
بهذا الحطامِ الزائلِ التافهِ البالي
لهجتُ بأبياتِ امرئ القيسِ هذهِ
…
فأكثرنَ إسراجي وحطي وترحالي
فلو أنَّ ما أدعي لأدنى معيشةٍ
…
كفاني، ولم أطلبْ، قليلٌ من المالِ
ولكنني أسعى لمجدٍ مؤثلٍ
…
وقد يدركُ المجدَ المؤثلَ أمثالي
وله أيضاً:
واعجبني من فتىً، شبيبتهُ
…
في عنفوانٍ، وماؤها خضلُ
وهو مقيمٌ بدارِ مضيعةٍ
…
طباعهُ، في امتحانهِ، الفشلُ
راضٍ بقوتِ المعاشِ، متضعٌ
…
على تراثِ الآباءِ يتكلُ
لا حفظَ الله ذاك من رجلٍ
…
ولا رعاهُ، ما حنتْ الإبلُ
كلا، وربيَّ حتى يكون فتىً
…
قد محنتهُ الأسفارُ والرحلُ
تغدو به همةٌ تنازعهُ
…
وطرفهُ بالسهادِ مكتحلُ
تخالهُ المرهفَ الحسامَ إذا
…
همَّ بأمرٍ لم يثنهِ الكسلُ
نال بلا ذلةٍ، ولا ضرعِ
…
ولا بوجهٍ تقودهُ الحيلُ
إلا بعضبٍ أومتْ بشقوتهِ
…
كفُّ تمطى به فتىً بطلُ
فتاهَ طولاً على السيوفِ، كما
…
أدبها في الجماجمِ العملُ
أعلتْ له ذكرهُ فكافأها
…
ما إنْ تولتْ في طغوها القبلُ
حتى متى تخدمُ الرجالَ، ولا
…
تخدمُ يوماً، لأمكَ الهبلُ
متى يرجى الغنى، إذا نزلتْ
…
بعقوتيكَ الأسقامُ والعللُ
ومما يستحسن من شعره:
فتىً إذا ما الحربُ قامت بهِ
…
قامَ مقامَ الأسدِ الوردِ
تحسبهُ عبداً لأخوانهِ
…
وليسَ فيه خلقُ العبدِ
قال: وأخذه من قول عروة بن الورد:
وإني لعبدُ الضيفِ ما دامَ ثاوياً
…
وما فيَّ إلا تلكَ من خلقِ العبدِ
وقال الآخر:
مخدمونَ، كرامٌ في مجالسهم
…
وفي الرحال، إذا صاحبتهمْ، خدمُ
وما أجالسُ من قومٍ فأذكرهم
…
إلا يزيدهمُ حباً إليَّ همُ
وقال آخر:
لعمرُ أبيكَ الخير إني لخادمٌ
…
صحابي، وإني، إذ ركبتُ، لفارسُ
وإني لعبدُ الله من غير ريبةٍ
…
وحاميهمُ بالسيفِ، والدين قابسُ
وقال الآخر:
عبيدُ أخوانهم، حتى إذا ركبوا
…
يومَ الكريهةِ، فالآسادُ في الأجمِ
وقد أكثر الشعراء في هذا المعنى، ومما يستحسن من شعره في الغزل:
نحنُ قومٌ تذيبنا الأعينُ النج
…
لُ، على أننا نذيبُ الحديدا
وترانا عندَ الكريهةِ أحرا
…
راً، وفي السلمِ للغواني عبيدا
نملكُ البيضَ، ثم تملكنا البي
…
ض الرقيقاتُ أوجهاً وخدودا
لا نصدُّ الوجوهَ من خشيةِ المو
…
تِ، ونخشى من الغواني صدودا
أخذ هذا المعنى المحدثين فقال:
تقتنصُ الآسادَ من غيلها
…
وأعينُ الغيدِ لها صائدةْ
ينبو الحسام ُالعضبُ عنا، وقد
…
تقدحُ فينا أعينٌ قاصدةْ
تهابنا الأسدُ، ونخشى المها
…
آبدةٌ ما مثلها آبدةْ
ومن هذا قول صريع الغواني:
نبادرُ ابطال الوغى فنبيدهم
…
ويقتلنا، في السلمِ، لحظُ الكواعبِ
وليست سهامُ الحربِ تعني نفوسنا
…
ولكنْ سهامٌ فوقتْ بالحواجبِ
ومن هذا:
فيا عجباً أنَّ الليوثَ تهابنا
…
وتلعبُ بالألبابِ منا الجآذرُ
ومات عبد الله بن طاهر وهو ابن ثمان وأربعين سنة. ومن جيد قصائده:
سحابُ الصبى عنا جميعاً تقشعا
…
فأورقَ عودُ الحلمِ فينا، وأينعا
خليليَ قد بانَ الشبابُ، وأصبحتْ
…
ديارُ التصابي واللذاذةِ بلقعا
عنيتُ زماناً بالشبابِ، ولم أزلْ
…
بحدتهِ، قبل المشيبِ، ممتعا
فلما تفرقنا كأنَّ الذي مضى
…
من العيشِ لم ننعم به ليلةً معا
وعاذلةٍ هبت بليلٍ تلومني
…
على أربعٍ، أكرمْ بما هنَّ أربعا
رأتني أهينُ المالَ في طلب العلى
…
وأبذلهُ للضيف جاءَ مروعا
وأغضي على أشياءَ، مما تريبني
…
ولو شئتُ غصَّ المرءُ بالماءِ مجرعا
وأركبُ حدَّ السيفِ في حومةِ الوغى
…
إذا لم أجدْ إلا إلى السيفِ مفزعا
وأسحبُ ذيلي في الرخاءِ بخردٍ
…
حسانٍ، كنظمِ الدرِّ لما ترصعا
فيوماً تراني في شبابٍ أجرها
…
ويوماً تراني في الحديد مقنعا
أعاذلَ من لم يبذلِ المالَ في العلى
…
يكن للتي يسمو إليها مطيعا
فلستُ ببدعٍ في سموي إلى العلى
…
ورفضي دنياتِ الأمورِ ترفعا
أبي رجعَ الإسلامَ غضاً لأهلهِ
…
وقد مالَ ركناهُ، بهم، وتضعضعا
وآبَ على مخلوعها بمصمم
…
فطارَ من الدنيا جناناً مفزعا
عشيةَ ألقى الموتَ بالخلدِ بركه
…
وللهِ يوم كانَ ما كانَ أشنعا
وكان حسينٌ لا كفاء لفضلهِ
…
وجدُّ أبي كان الرئيسَ المشيعا
أولئكَ أصلٌ، لم تخنهُ قرومهُ
…
ولم يلدوا إلا هماماً سميدعا
أعاذلَ من لم يغضِ عيناً على قذىً
…
يعشْ واحداً في الناسِ، حتى يودعا
ومن مراثي عبد الله قوله يرثي أخاه:
منْ ذا يساعدني على الدهرِ
…
أمْ منْ يعينُ بعبرةٍ تجري
دهرٌ غدا من غير مأثرةٍ
…
عندي، ولا نبلٍ، ولا وترِ
إلاّ تكنْ ترةٌ لديكَ له
…
فلقد رماكَ بقاصمِ الظهرِ
فغدا على كهفِ الأنامِ، إذا
…
ما ضنَّ عنا الغيثُ بالقطرِ
عمتْ مصيبتهُ، ولا جللٌ
…
ما عمَّ أهلَ البدوِ والحضرِ
ولقد يكونُ وحولهُ عصبٌ
…
كالليثِ وسطَ مزاعمٍ غبرِ
لا يسأمونَ، ولا يرونَ لهم
…
حصناً، سوى الهنديّ، والصبرِ