المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس: في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها - المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز - جـ ١

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول: في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان

- ‌فصل:

- ‌الباب الثاني: في جمع الصحابة رضي الله عنهم القرآن وإيضاح ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان

- ‌الباب الثالث: في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌الفصل الأول: في سرد الأحاديث في ذلك

- ‌الفصل الثاني: في المراد بالأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها

- ‌الفصل الثالث: في المجموع في المصحف هل هو جميع الأحرف السبعة التي أبيحت القراءة عليها أو حرف واحد منها

- ‌الباب الرابع: في معنى القراءات المشهورة الآن وتعريف الأمر في ذلك كيف كان

- ‌الباب الخامس: في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة المروية

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌الباب السادس: في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها

- ‌الفروق: بين النسخ الثلاث التي اعتمد عليها في نشر الكتاب

- ‌المراجع:

- ‌الفهارس:

- ‌ فهرس الآيات والكلمات القرآنية التي أوردها المؤلف:

- ‌ فهرس الأحاديث:

- ‌ فهرس الأعلام:

- ‌ فهرس القبائل والجماعات:

- ‌ فهرس الأماكن والبلدان:

- ‌ فهرس الأيام:

- ‌ فهرس الكتب التي ذكرها المؤلف في الكتاب:

- ‌فهرس مواضيع الكتاب:

الفصل: ‌الباب السادس: في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها

‌الباب السادس: في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها

لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلا في قوة حفظه وسرعة سرده وتحرير النطق بألفاظه والبحث [77 و] عن مخارج حروفه والرغبة في حسن الصوت به.

وكل ذلك وإن كان حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى وهو فهم معانيه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته، ونحن نسرد من الأخبار والآثار ما يشهد لما قلناه بالاعتبار.

أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن" عن ابن عباس ومجاهد (1) وعكرمة في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} (2)، قال: يتبعونه حق إتباعه.

(1) هو مجاهد بن جبر المخزومي، أبو الحجاج المكي، من كبار التابعين والأئمة المفسرين، قرأ القرآن عرضا على عبد الله بن السائب، وقرأ على عبد الله بن عباس ثلاثين مرة من فاتحته إلى خاتمته، واقفا عند كل آية يسأله فيم نزلت وكيف كانت، توفي سنة 104هـ على خلاف "صفة الصفوة 2/ 117، معجم الأدباء 6/ 242، غاية النهاية 2/ 41، تهذيب التهذيب 10/ 42".

(2)

البقرة: 121.

ص: 193

وعن الشعبي في قوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم} (1)، قال: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العمل به.

وعن أبي هريرة (2) : أن رجلا أتى أبا الدرداء بابنه فقال: با أبا الدرداء، إن ابني هذا جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه (3) .

وروي مرفوعا وموقوفا: "اقرءوا القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه"(4) .

وعن الحسن (5) : أن أولى الناس بالقرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه. [77 ظ]

قال: وحدثنا حجاج عن عبد الرحمن بن أبي الزناد (6) عن سليمان بن سحيم (7) قال: أخبرني من رأى ابن عمر وهو يصلي ويترجح ويتمايل ويتأوه، حتى لو رآه من يجهله لقال: أصيب الرجل، وذلك لذكر النار إذا مر بقوله

(1) آل عمران: 187.

(2)

هو حدير بن كريب الحضرمي، أبو الزاهرية الحمصي، توفي سنة 129هـ على خلاف "تهذيب التهذيب 2/ 218".

(3)

نقل الباقلاني رواية أبي الزاهرية هذه في كتاب الانتصار 1/ 47ظ.

(4)

ذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/ 43 نقلا عن مسند الفردوس عن ابن عمر.

(5)

هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي مشهور، توفي سنة 110هـ "وفيات الأعيان 1/ 169، ميزان الاعتدال 1/ 245، غاية النهاية 1/ 235، تهذيب التهذيب 2/ 263".

(6)

هو عبد الرحمن بن أبي الزناد بن عبد الله بن ذكوان القرشي بالولاء المدني، من حفاظ الحديث، توفي سنة 174هـ "تاريخ بغداد 10/ 228، ميزان الاعتدال 2/ 111، تذكرة الحفاظ 1/ 228، تهذيب التهذيب 6/ 170".

(7)

هو سليمان بن سحيم، أبو أيوب المدني، من رواة الحديث، توفي "137هـ" في أول خلافة المنصور أبي جعفر عبد الله "تهذيب التهذيب 4/ 193".

ص: 194

تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} (1) ، أو شبه ذلك.

حدثنا ابن المبارك (2) عن مسعر (3) عن عبد الأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه: فليس بخليق أن يكون أوتي علما ينفعه؛ لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (4) .

وعن أبي ذر (5) رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع وبها يسجد:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (6) .

وعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة

(1) الفرقان: 13.

(2)

هو عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن المروزي الحنظلي بالولاء التركي الأب، أحد المجتهدين الأعلام، من حفاظ الحديث، توفي سنة 181 "تذكرة الحفاظ 1/ 253، غاية النهاية 1/ 446، تهذيب التهذيب 5/ 382".

(3)

هو مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث الهلالي العامري الرواسي، أبو سلمة الكوفي، من ثقات رجال الحديث، كان من المرجئة، توفي سنة 153هـ على خلاف "ميزان الاعتدال 3/ 163، تهذيب التهذيب 10/ 113".

(4)

الإسراء: 107-109، وانظر: كتاب الزهد لابن المبارك ص41.

(5)

هو أبو ذر الغفاري، صحابي، من السابقين إلى الإسلام، اختلف في اسمه واسم أبيه، والمشهور أنه جندب بن جنادة بن سكن، توفي سنة سنة 32هـ على خلاف "الإصابة 4/ 62، تهذيب التهذيب 12/ 90".

(6)

المائدة: 121.

ص: 195

التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (1) ، لم يزل يرددها حتى أصبح.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (2) ، حتى أصبح.

وعن عامر بن عبد قيس (3) : أنه قرأ ليلة من سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} (4) ، لم يزل يرددها حتى أصبح.

وعن هشام بن عروة عن عبد الله بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر (5) رضي الله عنهما "سورة الطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (6) . ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها:{وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُوم} ، قال: وهي في الصلاة.

وعن سعيد بن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين

(1) الجاثية: 21.

(2)

طه: 114.

(3)

هو عامر بن عبد الله المعروف بعامر بن عبد قيس البصري، من سادات التابعين، توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان "41-60هـ""تهذيب التهذيب 5/ 77".

(4)

المؤمن: 18.

(5)

هي أخت عائشة لأبيها وأخت عبد الله بن أبي بكر لأبيه وأمه، وأم عبد الله بن الزبير، توفيت سنة 73هـ "الطبقات الكبرى 8/ 249، الإصابة 4/ 229".

(6)

الطور: 27.

ص: 196

مرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (1) .

وعنه أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (2) فلم يزل فيها، حتى نادى منادي السحر.

وعن أبي حمزة قال: قلت [78 ظ] لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول (3) .

وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (4) .

وعن مجاهد في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (5)، قال: ترسل فيه ترسلا.

وحدثنا جرير عن مغيرة (6) عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله،

(1) البقرة: 281.

(2)

وتسمى "الانفطار".

(3)

رواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 344ظ، 360و.

(4)

الإسراء: 106.

(5)

الزمل: 4.

(6)

هو مغيرة بن مقسم الضبي بالولاء، أبو هشام الكوفي، الفقيه، الحافظ، ولد أعمى، قال ابن فضيل كما في تهذيب التهذيب:"كان يدلس، وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال: حدثنا إبراهيم "النخعي"، توفي سنة 133هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 135، تهذيب التهذيب 10/ 269".

ص: 197

فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل، فإنه زين القرآن.

وفي كتاب ابن أبي شيبة:

عن ابن عباس {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} ، قال: بينه تبيينا. وعن مجاهد قال: بعضه في إثر بعض.

وعن محمد بن كعب (1) قال: لأن أقرأ {إِذَا زُلْزِلَت} و {الْقَارِعَةُ} (2) ، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن هذا القرآن (3) .

قال أبو عبيد: حدثنا أبو النضر (4) عن شعبة قال: حدثني معاوية بن قرة (5) قال: سمعت عبد الله بن مغفل (6) يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير، وهو يقرأ سورة الفتح [79 و]-أو قال: من سورة الفتح- ثم قرأ معاوية قراءة لينة، فرجع ثم قال:

(1) هو محمد بن كعب بن سليم بن عمرو، أبو حمزة القرظي تابعي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: رآه، عالم بتأويل القرآن، كان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف فماتوا سنة 120هـ على خلاف "غاية النهاية 2/ 23، تهذيب التهذيب 9/ 420".

(2)

يعني "سورة الزلزال" و"سورة القارعة".

(3)

المصنف 2/ 162و.

(4)

هو هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي، أبو النضر البغدادي، توفي سنة 207هـ "تذكرة الحفاظ 1/ 327؛ تهذيب التهذيب 11/ 18".

(5)

هو معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري، تابعي، من رواة الحديث، توفي سنة 113هـ "تهذيب التهذيب 10/ 216".

(6)

هو عبد الله بن مغفل بن عبد غنم، أبو سعيد المزني، من أصحاب بيعة الشجرة، توفي سنة 57هـ على خلاف "الإصابة 2/ 372؛ تهذيب التهذيب 6/ 42".

ص: 198

لولا أخشى أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن (1) .

قال: وحدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قلت لعطاء (2) ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس بذلك، سمعت عبد الله بن عمر يقول: كان داود عليه السلام يفعل كذا وكذا لشيء ذكره، يريد أن يبكي بذلك ويبكي.

ثم ذكر أبو عبيد أحاديث كثيرة في تحسين الصوت بالقرآن، ثم قال: وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، لا الألحان المطربة الملهية.

وقد روي في ذلك أحاديث مفسرة مرفوعة وغير مرفوعة، منها عن طاوس (3) قال:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن -أو أحسن قراءة- فقال: "الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى"(4) .

وعنه: "أحسن الصوت بالقرآن أخشاهم لله تعالى".

(1) ورواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 359ظ، وانظر: البخاري 6/ 112، ومسلم 2/ 193، وأبا داود 2/ 99 أيضا.

(2)

هو عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي بالولاء، أبو محمد المكي، من كبار التابعين، توفي سنة 114هـ "صفة الصفوة 2/ 119، تذكرة الحفاظ 1/ 92، ميزان الاعتدال 2/ 197، غاية النهاية 1/ 513، تهذيب التهذيب 7/ 199".

(3)

هو طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني، أبو عبد الرحمن اليماني، أحد الأعلام التابعين، توفي سنة 106هـ "وفيات الأعيان 1/ 291، تهذيب التهذيب 5/ 8".

(4)

ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 119و، والبيهقي في شعب الإيمان 1/ 358و، وأبو عبد الله الحليمي في المنهاج 2/ 102و، والدارمي في سننه 2/ 471.

ص: 199

وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم"(1) .

وعن عابس الغفاري (2) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته خصالا: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما يتخذون القرآن من أمير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، إلا ليغنيهم به غناء.

وعن أنس: أنه سمع رجلا يقرأ بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه.

وقال شعبة: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث: "زينوا القرآن بأصواتكم"(3) .

(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 429و، وذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/ 43 نقلا عن الطبراني، وأبو الحسن السخاوي في جمال القراء ص26، نقلا عن أبي عبيد.

(2)

هو عابس بن عابس الغفاري، صحابي، انظر ترجمته في: الإصابة 2/ 244.

(3)

حديث "زينوا القرآن بأصواتكم": رواه أبو داود 2/ 99، والنسائي 2/ 179، وابن ماجة 1/ 426، والبيهقي في شعب الإيمان 1/ 357ظ، والدارمي في سننه 2/ 474، قال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن 1/ 290: "معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن، هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض، أي عرضت الحوض على الناقة

ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح

".

وفي سنن الدارمي 2/ 474 عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا". ورواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 357ظ أيضا.

ص: 200

قال أبو عبيد: وإنما ذكره أيوب فيما يرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألحان المبتدعة (1) ، يعني معنى الحديث غير ذلك، وهو لما سبق.

وعن الحارث (2) عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن في الصلاة قبل العشاء الآخرة وبعدها ويغلط أصحابه (3) .

وعن يحيى بن أبي كثير (4) قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ههنا قوما يجهرون بالقراءة في صلاة النهار، فقال:"ارموهم بالبعر".

قال أبو عبيد: جلست إلى معمر بن سليمان (5) بالرقة، وكان من خير من رأيت، وكانت له [80 و] حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له: لو أتيته فكلمته، فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم، فأكرمتهما

(1) نقل قول أبي عبيد هذا أبو الحسن السخاوي في جمال القراء ص27و.

(2)

هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارقي، أبو زهير الكوفي، اتهم بالكذب، والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه، توفي سنة 65هـ "ميزان الاعتدال 1/ 202، تهذيب التهذيب 2/ 145".

(3)

رواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 430و، وانظر: كتاب الانتصار 1/ 35ظ أيضا.

(4)

هو يحيى بن أبي كثير صالح "وقيل: يسار، وقيل: نشيط وقيل: دينار" بن المتوكل الطائي بالولاء، أبو نصر اليمامي، تابعي، من أصحاب الحديث، توفي سنة 129هـ "الطبقات الكبرى 5/ 555، تهذيب التهذيب 11/ 268".

(5)

هو معمر بن سليمان النخعي، أبو عبد الله الرقي، توفي سنة 191هـ "تهذيب التهذيب 10/ 249".

ص: 201

عن ذلك (1) .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن".

حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقرأ القرآن عند الأمر يعرض من أمر الدنيا.

حدثنا حفص (2) عن هشام بن عروة قال: كان إذا رأى شيئا من أمر الدنيا يعجبه، قرأ:{وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} (3) الآية.

حدثنا معاذ (4) عن عوف (5) عن زياد بن مخراق (6) عن أبي كنانة (7) عن أبي موسى

(1) نقل ابن حجر قول أبي عبيد هذا في تهذيب التهذيب 10/ 250.

(2)

هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي، كان ثقة مأمونًا، كثير الحديث، فقيها، توفي سنة 194هـ "تذكرة الحفاظ 1/ 273، تهذيب التهذيب 2/ 415".

(3)

طه: 131، انظر: المصنف 2/ 161ظ.

(4)

هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحارث العنبري التميمي، أبو المثنى البصري، الحافظ، من الأثبات في الحديث، توفي سنة 196هـ "تاريخ بغداد 13/ 131، تذكرة الحفاظ 1/ 297، تهذيب التهذيب 10/ 194".

(5)

هو عوف بن أبي جميلة العبدي الهجري، أبو سهل البصري، المعروف بالأعرابي، توفي سنة 146هـ "تذكرة الحفاظ 1/ 129، ميزان الاعتدال 2/ 308، تهذيب التهذيب 8/ 166".

(6)

هو زياد بن مخراق المزني بالولاء، أبو الحارث البصري "تهذيب التهذيب 3/ 383".

(7)

هو أبو كنانة القرشي، مجهول الحال، ذكره ابن سعد في طبقاته من "الطبقة الأولى من الفقهاء والمحدثين والتابعين من أهل البصرة من أصحاب عمر بن الخطاب"، وذكره ابن حجر أنه روى حديث "إن من إجلال الله.. ." المذكور عن أبي موسى الأشعري. "الطبقات الكبرى 7/ 131، تهذيب التهذيب 12/ 213".

ص: 202

الأشعري رضي الله عنه قال: إن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه (1) .

ورواه البيهقي في "الشعب" عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط"(2) .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة:

حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم"(3) .

وقال عبد الله: إياكم والتنطع والاختلاف (4) .

وقال [80 ظ] حذيفة: إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوًا ولا ألفًا، يلفت كما تلفت البقرة بلسانها، لا يجاوز ترقوته (5) .

قال صاحب الغريبين (6) في الحديث: "هلك المتنطعون

" (7) .

(1) المصنف 2/ 163ظ. الجافي عن القرآن: التارك لتلاوته، البعيد عنها، والغالي فيه: المجاوز حده.

(2)

شعب الإيمان 1/ 433ظ، ورواه أبو داود في سننه 4/ 361، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 163ظ.

(3)

المصنف 2/ 163و. وانظر: البخاري 6/ 115، وسنن أبي داود 4/ 335-337 أيضا.

(4)

المصنف 2/ 159ظ.

(5)

المصنف 2/ 160و.

(6)

هو أحمد بن محمد بن محمد، أبو عبيد الهروي الفاشاني، توفي سنة 401هـ "وفيات الأعيان 1/ 34، طبقات السبكي 3/ 34".

(7)

انظر: مسلم 8/ 58، وسنن أبي داود 4/ 281.

ص: 203

"هم المتعمقون الغالون"، قال:"ويكون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع، وهو الغار الأعلى"(1) . قال: "وفي حديث حذيفة: من أقرأ الناس منافق لا يدع منه واوًا ولا ألفا يلفته بلسانه، كما تلفت البقرة الخلاء بلسانها، أي تلويه، يقال: لفته وفتله، أي لواه"(2) والخلاء الرطب من الكلأ.

وخرج أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (3) جزءا في حلية القارئ، جمع فيه أخبارًا وآثارا حسنة، من ذلك:

وعن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكو"(4) :

وعن بريدة (5) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن بحزن فإنه نزل بحزن".

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن الناس صوتا بالقرآن من إذا سمعته يقرأ، حسبته

(1) كتاب الغريبين ص188ظ.

(2)

نفس المصدر ص171ظ.

(3)

هو محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، أبو بكر البغدادي، مصنف "كتاب الشريعة في السنة" و"الأربعين" وغير ذلك، توفي سنة 360هـ "وفيات الأعيان 1/ 617، تذكرة الحفاظ 3/ 139".

(4)

ورواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 345ظ، 358ظ، وابن ماجة في سننه 1/ 424، "فتباكوا": أي تكلفوا البكاء.

(5)

هو بريدة بن الحصيب، أبو عبد الله الأسلمي، أبو عبد الله الأسلمي، صحابي، توفي سنة 63هـ "تهذيب التهذيب 1/ 432".

ص: 204

يخشى الله عز وجل" (1) .

وعن إبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا [81 و] يكن هم أحدكم آخر السورة (2) .

وعن الحسن البصري قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، لا علم لهم بتلاوته، ولم ينالوا الأمر من أوله. قال الله عز وجل:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (3) ، أما تدبر آياته، اتباعه والعمل بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله (4) ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس واحد، والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراء تقول مثل هذا، لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه

(1) ورواه ابن ماجه في سننه 1/ 425.

(2)

ورواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 344ظ، وفي سنن أبي داود 2/ 77، أتى ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذا كهذ الشعر ونثرًا كنثر الدقل؟ قال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن 1/ 283: "الهذ سرعة القراءة، وإنما عاب عليه ذلك؛ لأنه إذا أسرع القراءة ولم يرتلها فاته فهم القرآن وإدراك معانيه".

(3)

ص: 29.

(4)

نقل الباقلاني في كتاب الانتصار 1/ 48و، قول الحسن البصري هذا من "أن أحدكم

" إلى "

وقد والله أسقطه كله".

ص: 205

إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون (1) .

وقال الفضيل بن عياض (2) : ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد من الخلق حاجة، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه" (3) .

وفي "كتب شعب الإيمان":

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا"(4) .

وعن عبد الملك بن شبيب عن رجل من ولد (5) ابن أبي ليلى قال: دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت لي: يا أبا عبد الرحمن، هكذا تقرأ سورة هود، والله إني فيها منذ ستة أشهر، وما فرغت من قراءتها (6) ،

(1) انظر: الإحياء 1/ 282، وجمال القراء ص28ظ.

(2)

هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، أبو علي التميمي اليربوعي، الزاهد المشهور، شيخ الحرم، توفي سنة 187هـ "وفيات الأعيان 1/ 525، تذكرة الحفاظ 1/ 225، تهذيب التهذيب 8/ 294".

(3)

انظر: الإحياء 1/ 282.

(4)

شعب الإيمان 1/ 337و.

(5)

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، فقيه، عالم بالقرآن، وأما في الحديث فلم يعد حجة، توفي سنة 148هـ "وفيات الأعيان 1/ 572، ميزان الاعتدال 3/ 87، تهذيب التهذيب 9/ 301".

(6)

شعب الإيمان 1/ 345و.

ص: 206

قال ابن أبي مليكة (1) : صحبت ابن عباس -يعني في السفر- فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن، يقرأ حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب (2) .

وقال عبد الله بن عروة بن الزبير (3) : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله (4) .

وقال محمد بن جحادة (5) : قلت لأم ولد الحسن البصري: ما رأيت منه؟ (6) فقالت: رأيته فتح المصحف، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان (7) .

وعن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوسا نقرأ القرآن، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورًا فقال:"اقرءوا القرآن، فيوشك أن يأتي قوم يقرءونه، يقومونه كما يقوم القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه"(8) .

(1) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله القرشي التيمي المكي، تابعي ثقة، توفي سنة 117هـ "تذكرة الحفاظ 1/ 95، تهذيب التهذيب 5/ 306".

(2)

شعب الإيمان 1/ 347و.

(3)

هو عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو بكر، تابعي، توفي سنة 125هـ على خلاف "تهذيب التهذيب 5/ 319".

(4)

شعب الإيمان 1/ 347ظ.

(5)

هو محمد بن جحادة الأزدي الكوفي، من ثقات التابعين، توفي سنة 131هـ "ميزان الاعتدال 3/ 35، تهذيب التهذيب 9/ 92".

(6)

أي: من الحسن البصري.

(7)

شعب الإيمان 1/ 368ظ.

(8)

شعب الإيمان 1/ 428و.

ص: 207

وفي رواية سهل بن سعد (1) : يقومون حروفه كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه (2) .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إياكم والهذاذين الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة التي لا أمسكت ماء ولا أنبتت [82 و] كلأ (3) .

وفي كتاب شيخنا "جمال القراء":

"قال رجل لسليم (4) رحمه الله: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فقال سليم: يابن أخي، شهدت حمزة وأتاه رجل في مثل هذا، فبكى وقال: يابن أخي، إن التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته، وهذا هو التشديق"(5) .

وفيه:

"قال سفيان بن عيينة: من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن، فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا

(1) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد أبو العباس الأنصاري، آخر من مات بالمدينة من الصحابة، توفي سنة 91هـ على خلاف "الإصابة 2/ 88، تهذيب التهذيب 4/ 252".

(2)

شعب الإيمان 1/ 428ظ.

(3)

شعب الإيمان 1/ 429و.

(4)

هو سليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي بالولاء، أبو عيسى "ويقال: أبو محمد" الكوفي، المقرئ، أخص أصحاب حمزة بن حبيب وأقومهم لحروفه، توفي سنة 198هـ "النشر 1/ 166، غاية النهاية 1/ 318".

(5)

جمال القراء ص125ظ.

ص: 208

بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} (1) . وقال: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (2) ، يعني القرآن".

قال الشيخ رحمه الله: "أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من الدنيا".

"وقال الحسن: قراء القرآن على ثلاثة أصناف:

صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة، كثير هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم واستشعروا الخوف وارتدوا الحزن، فأولئك يسقي الله بهم الغيث وينصرهم على الأعداء، والله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر".

"وعن أبي الأحوص قال: إن كان الرجل ليطرق الخباء فيسمع فيه كدوي النحل، فما لهؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون"(3) .

وفي "كتاب الإحياء":

"حكي عن أبي سليمان الداراني (4) أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها

(1) الحجر: 87، 88.

(2)

طه: 131.

(3)

جمال القراء ص29و، ظ.

(4)

هو عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي، أبو سليمان الداراني، أحد رجال التصوف، توفي سنة 205هـ على خلاف "تاريخ بغداد 10/ 248، وفيات الأعيان 1/ 347، فوات الوفيات 1/ 251، شرح الرسالة القشيرية 1/ 113".

ص: 209

أربع ليال، أو خمس ليال، ولولا إني أقطع [82 ظ] الفكر فيها، ما جاوزتها إلى غيرها" (1) .

قلت: فمثل هذا الذي حصل على المقصود من العلوم.

قال أبو حامد الغزالي (2) في كتاب ذم الغرور:

"اللب الأقصى هو العمل، والذي فوقه هو معرفة العمل، وهو كالقشر للعمل وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه، والذي فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق الرواية، وهو قشر بالإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه، وما فوقه هو العلم باللغة والنحو، وفوق ذلك القشرة العليا وهو العلم بمخارج الحروف، والعارفون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل، فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته، فتجاوز إلى ما وراءه، حتى وصل إلى باب العمل، وطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه، ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات، فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع، وسائر العلوم خدم له ووسائل إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه، وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب، سواء كان في المنزل القريب، أو في المنزل البعيد، وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها"(3) .

وقال في كتاب تلاوة القرآن:

(1) الإحياء 1/ 290.

(2)

هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، أبو حامد الطوسي، فيلسوف، متصوف، فقيه، له مؤلفات في عدة فنون، منها "إحياء علوم الدين"، توفي سنة 505هـ "المنتظم 9/ 168، وفيات الأعيان 1/ 561، طبقات السبكي 4/ 101، شذرات الذهب 4/ 10".

(3)

الإحياء 3/ 398.

ص: 210

"أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن: أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكّل بالقراء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة الشيطان لمن كان مطيعا لمثل هذا التلبيس"(1) .

ثم قال: "وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ"(2) .

قلت: صدق رحمه الله، ومع أن الأمر كذلك، فقد تجاوز بعض من يدعي تجويد اللفظ إلى تكلف ما لا حاجة إليه، وربما أفسد ما زعم أنه مصلح له.

قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الحافظ المقرئ رحمه الله:

"التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفي الحروف حقوقها [83 و] من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح، إن كانت كذلك من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".

قال: "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من القراء من الإفراط في

(1) الإحياء 1/ 292.

(2)

الإحياء 1/ 295.

ص: 211

التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك".

قال أبو بكر بن مجاهد:

"كان أبو عمرو سهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل"(1) .

وقال حمزة:

إن لهذا التحقيق منتهى ينتهي إليه، ثم يكون قبيحا مثل البياض، له منتهى ينتهي إليه، فإذا زاد صار برصا.

وقال رجل لحمزة: يا أبا عمارة، رأيت رجلا من أصحابك همز حتى انقطع زره فقال: لم آمرهم بهذا كله (2) .

وقال أبو بكر بن عياش: إمامنا يهمز {مُؤْصَدَة} (3) ، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها.

وأنشدنا شيخنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي رحمه الله تعالى قصيدة من نظمه في علم التجويد، يقول فيها:

لا تحسب التجويد مدا مفرطا

أو مد ما لا مد فيه لوان

أو أن تشدد بعد مد همزة

أو أن تلوك الحرف كالسكران

(1) كتاب السبعة ص11ظ.

(2)

انظر: جمال القراء ص126و.

(3)

الهمزة: 8.

ص: 212

أو أن تفوه بهمزة متهوعا

فيفر سامعها من الغثيان

للحرف ميزان، فلا تك طاغيا

فيه، ولا تك مخسر الميزان

فإذا همزت فجئ به متلطفا

من غير ما بهر وغير توان

وامدد حروف المد عند مسكن

أو همزة حسنا أخا إحسان (1)[83 ظ]

أي: مدا حسنا، والقصيدة طويلة تنيف على ستين بيتا، والله تعالى يوفقنا للرشد ويكفينا شر كل أحد.

(1) انظر: جمال القراء ص179و.

ص: 213