المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب فضل [التقلل] من الدنيا، ومدح أهل الزهادة فيهم - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - جـ ١٣

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب اشتمال القرآن على جميع الأحكام إجمالاً وتفصيلاً

- ‌ باب الترهيب من الكذب

- ‌ بَابُ تَرْوِيحِ الْقُلُوبِ لِتَعِيَ

- ‌ باب التحذير من الكذب على رسول الله [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ومن كذب عليَّ [متعمدًا] ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ

- ‌ كِتَابُ الرَّقَائِقِ

- ‌ بَابُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقِصَرِ الْأَمَلِ

- ‌ بَابُ الْوَصَايَا النَّافِعَةِ

- ‌ بَابُ حُسْنُ الْخُلُقِ

- ‌ بَابُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الدِّينِ، وَبَذْلِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ دُونَهُ

- ‌ بابٌ

- ‌ بَابُ الضِّيقِ عَلَى الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا

- ‌ بَابٌ

- ‌ بَابُ فَضْلِ [الْعَمَلِ] الصَّالِحِ فِي الزمن السوء

- ‌ بَابُ وُقُوعِ الْبَلَاءِ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ ابْتِلَاءً

- ‌ بَابُ الْحَثِّ عَلَى الصَّبْرِ

- ‌ بَابُ ذَمِّ الْغَضَبِ

- ‌ بَابُ فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الْمَعْصِيَةَ مِنْ خوف الله تعالى

- ‌ بَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَةِ

- ‌ بَابُ التَّرْهِيبِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ

- ‌ بَابُ التَّخْوِيفِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

- ‌ بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ

- ‌ بَابُ عَيْشِ السَّلَفِ

- ‌ بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الْمُبَاهَاةِ بِالْمَطْعَمِ [وَالْمَلْبَسِ]

- ‌ بَابُ الْحَذَرِ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى، [وَكَثْرَةِ] الْمَالِ

- ‌ بَابُ فَضْلِ [التَّقَلُّلِ] مِنَ الدُّنْيَا، وَمَدْحِ أهل الزهادة فيهم

- ‌ بَابُ فَضْلِ الرِّزْقِ فِي الْوَطَنِ

- ‌ بَابُ إِظْهَارِ عَمَلِ الْعَبْدِ وَإِنْ أَخْفَاهُ

- ‌ بَابُ جَوَازِ الاحتراز بتَحْصِيلِ الْقُوتِ، مَعَ الْعَمَلِ [الصَّالِحِ]

- ‌ بَابُ التَّرْغِيبِ فِي التَّسْهِيلِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا

- ‌ بَابُ فَضْلِ مُخَالَطَةِ الناس، والصبر على أذاهم

- ‌ بَابُ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ الْأَبْدَالِ

- ‌ بَابُ بَرَكَةِ أَهْلِ الطَّاعَةِ

- ‌ بَابُ مَا يُكْرَمُ بِهِ الرجل الصالح

- ‌ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ

- ‌ بَابُ كَرَاهِيَةِ تَنْجِيدِ الْبُيُوتِ بِالسُّتُورِ، وَالتَّبَقُّرِ فِي التَّزَيُّنِ

- ‌ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّبَخْتُرِ فِي الْمَشْي

- ‌ بَابُ ذَمِّ الشُّحِّ

- ‌ بَابُ فَضْلِ مَنْ أَحَبَّ لقاء الله تعالى

- ‌ بَابُ التَّحْذِيرِ مِنَ الرِّيَاءِ، وَالدُّعَاءِ بِمَا يُذْهِبُهُ

- ‌ بَابُ التَّحْذِيرِ مِنْ مُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ

- ‌ بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الدُّنْيَا

- ‌ باب بقية التحذير من الرياء

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْجُوعِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْفَقِيرِ الْقَانِعِ

- ‌ بَابُ ذَمِّ الْكِبْرِ

- ‌ بَابُ الصَّمْتِ

- ‌ بَابُ الْإِيثَارِ

- ‌ بَابُ قِصَرِ الْأَمَلِ

- ‌ بَابُ السَّلَامَةِ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌ بَابُ الْحُزْنِ

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْحِدَّةِ

- ‌ بَابُ الِاسْتِعْطَافِ

- ‌ بَابُ خَيْرِ الْجُلَسَاءِ

- ‌ بَابُ فَضْلِ سُكْنَى الْمَقَابِرِ

- ‌ بَابُ فَضْلِ هَجْرِ الْفَوَاحِشِ

- ‌ بَابُ ثَمَرَةِ طاعة الله تعالى

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْبُكَاءِ مِنْ خشية الله تعالى

- ‌ بَابُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ

- ‌ بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّنَطُّعِ

- ‌ بَابُ كَرَاهَةِ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْحَاجَةِ

- ‌ بَابُ كَرَاهةِ سُكْنَى الْبَادِيَةِ، وَالزَّجْرِ عَنِ الْعُزْلَةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ

- ‌ بَابُ مَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِ لقاء الله تعالى

- ‌ كتاب الزهد والرقائق

- ‌ باب اجتناب [الشبهات]

- ‌ بَابُ فَضْلِ كتم الغيظ

- ‌ بَابُ تَقْدِيمِ عَمَلِ الْآخِرَةِ عَلَى عَمَلِ الدُّنْيَا

- ‌ بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌ بَابُ النَّصِيحَةِ من الدِّينِ

- ‌ بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ [لَا يَأْتَمِرُ]

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى

- ‌ بَابُ فَضْلِ الْخَوْفِ من الله - تعالى - وَالْبُكَاءِ مِنْ خشيته

- ‌ بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقِيَامَةِ

- ‌ كِتَابُ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ

- ‌ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ بَابُ التَّرْهِيبِ [مِنَ] الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى

- ‌ بَابُ فَضْلِ الدُّعَاءِ

- ‌ بَابُ جَوَامِعِ الدُّعَاءِ

- ‌ بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الْإِفْرَادِ بِالدُّعَاءِ

- ‌ بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَعَا للقوم

- ‌ بَابُ الدعاء بكف واحد

- ‌ بَابُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِرْجَاعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وسؤال الله عز وجل كُلَّ شَيْءٍ

- ‌ بَابُ ما يقول إذ أَخَذَ مَضْجَعَهُ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا اسْتَيْقَظَ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَرِقَ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ مَنْ طَنَّتْ أُذُنُهُ

- ‌ بَابُ مَا يَقُولُ مَنْ رَكِبَ السَّفِينَةَ

- ‌ بَابُ مَا يُرَدُّ بِالدُّعَاءِ مِنَ الْبَلَاءِ

- ‌ بَابُ دُعَاءِ الْمَرِيضِ

- ‌ بَابُ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ

- ‌ بَابُ الدُّعَاءِ لِلْغَيْرَى

- ‌ بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الدُّعَاءِ عَلَى النَّفْسِ وَالْوَلَدِ

الفصل: ‌ باب فضل [التقلل] من الدنيا، ومدح أهل الزهادة فيهم

21 -

‌ بَابُ فَضْلِ [التَّقَلُّلِ] مِنَ الدُّنْيَا، وَمَدْحِ أهل الزهادة فيهم

ص: 284

3172 -

قَالَ إِسْحَاقُ: أخبرنا جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ: دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَجُلًا مِنْ بَنِي جُمَحَ يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ [حذيم]، فقال له: إِنِّي مُسْتَعْمِلُكَ عَلَى أَرْضِ كذا وكذا، قال: أَوَتُقِيلَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: والله لا أفعل، قلدتموها في عنفي وَتَتْرُكُونِي، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَلَا نَفْرِضُ لك رزقاً؟ قال: فإنك قَدْ جَعَلْتَ لِي فِي عَطَائِي مَا يَكْفِينِي دُونَهُ، وَفَضْلًا عَلَى مَا أُرِيدُ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ، ابْتَاعَ لِأَهْلِهِ قُوتَهُمْ، وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ، فَتَقُولُ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ فَضْلُ عَطَائِكَ؟ فَيَقُولُ: قَدْ أَقْرَضْتُهُ. فَأَتَاهُ نَاسٌ [فَقَالُوا] : إِنَّ لِأَهْلِكَ / عَلَيْكَ حَقًّا، ولأصهارك عَلَيْكَ حَقًّا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُسْتَأْثِرٍ عَلَيْهِمْ، وَلَا بِمُلْتَمِسٍ رِضَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ لطلب الحورالعين، لَوِ اطَّلَعَتْ خَيْرَةٌ مِنْ خَيْرَاتِ الجنة، لأشرقت لها الْأَرْضُ كَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَمَا أَنَا بِمُخْتَلِفٍ عَنِ العتق الْأَوَّلِ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " يُجْمَعُ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، فَيَجِيءُ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فيدفون كما يدف الْحَمَامُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: قِفُوا عِنْدَ الْحِسَابِ،

⦗ص: 285⦘

فَيَقُولُونَ: مَا عِنْدَنَا مِنْ حِسَابٍ وَلَا آتيتمونا. فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ جَلَّ وَعَلَا: صَدَقَ عِبَادِي. فَيُفْتَحُ لَهُمْ بَابُ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُونَهَا قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِينَ عَامًا ".

ص: 284

3173 -

وقال أَبُو يَعْلَى: حدثنا الشَّاذَكُونِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، ثنا عَلِيُّ بن الحزور، قال: سَمِعْتُ أَبَا مريم يقول: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ ياسر رضي الله عنه يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَا تَزَيَّنَ الْأَبْرَارُ فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِيهَا ".

ص: 291

3174 -

حَدَّثَنَا إسماعيل بن سيف، ثنا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ البلخي عَنْ سُفْيَانَ، [عَنْ عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عن أبيه رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا فَادْنُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُلَقَّى الْحِكْمَةَ ".

ص: 292

3175 -

وقال الْحَارِثُ: حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحديث الأول قبله:" لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ".

ص: 295

3176 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا حَيَّانُ بْنُ البصري، عن [إسحاق بن نُوحِ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأقبل عَلَى أُسَامَةَ بن زيد رضي الله عنهما فَقَالَ: " يَا أُسَامَةُ، إِيَّاكَ وَكُلُّ كَبِدٍ جَائِعَةٍ تُخَاصِمُكَ إلى الله تعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وإياك ودعاء عبار قَدْ أَذَابُوا اللُّحُومَ، وحرقوا الْجُلُودَ بِالرِّيَاحِ وَالسَّمَائِمِ، وَأَظْمَأُوا الْأَكْبَادَ، حَتَّى غُشِيَتْ أبصارهم، فإن شئت فانظر إليهم فتسر فيم الْمَلَائِكَةُ، بِهِمْ تُصْرَفُ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ "، ثُمَّ بَكَى حَتَّى اشْتَدَّ نَحِيبُهُ، ثُمَّ قَالَ:" وَيْحٌ لِهَذِهِ الأمة، ما تلقى مِنْهُمْ مِنْ أَطَاعَ رَبَّهُ، كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أطاعوا الله تبارك وتعالى " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" نعم "، قال: ففيم إذا [يقتتلون] ؟ فقال [رسول اللَّهَ صلى الله عليه وسلم] : " [يَا عُمَرُ] تَرَكَ الْقَوْمُ الطَّرِيقَ، وَرَكِبُوا الدَّوَابَّ، وَلَبِسُوا [أَلْيَنَ] الثِّيَابِ، وَخَدَمَتْهُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ تَتَزَيَّنُ لَهُمْ تَزَيُّنَ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ أولياء الله تعالى عَلَيْهِمُ [العباء] ، مَحْنِيَّةٌ أَصْلَابُهُمْ، قَدْ ذَبَحُوا أَنْفُسَهُمْ بالعطش، فَإِذَا تَكَلَّمَ مِنْهُمْ متكلم كذب، وقيل لَهُ: أَنْتَ قَرِينُ الشَّيْطَانِ وَرَأْسُ الضَّلَالَةِ، تُحَرِّمُ زينة الله تعالى وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، يَتْلُونَ كتاب الله تعالى عَلَى غَيْرِ دِينٍ، اسْتَذَلُّوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَاعْلَمْ يَا أُسَامَةُ أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ من الله تعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَنْ طَالَ حُزْنُهُ وَعَطَشُهُ وَجُوعُهُ فِي الدُّنْيَا، [الأصفياء] الْأَبْرَارُ، الَّذِينَ إِذَا شَهِدُوا لَمْ يُقْرَبُوا، وَإِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، تَعْرِفُهُمْ بِقَاعُ الْأَرْضِ، يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَيَخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ الأرض، وتحف به الملائكة، ينعم النَّاسُ وينعموا هُمُ بِالْجُوعِ

⦗ص: 299⦘

وَالْعَطَشِ، لَبِسَ النَّاسُ لَيِّنَ الثياب ولبسوا هم أخشن الثِّيَابِ، افْتَرَشَ النَّاسُ الفرش وافترشوا هم الْجِبَاهَ وَالرُّكَبَ، ضَحِكَ النَّاسُ وَبَكَوْا، يَا أُسَامَةُ، لَا يجمع الله عز وجل عَلَيْهِمُ الشِّدَّةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَهُمُ الْجَنَّةُ، يَا لَيْتَنِي قَدْ رَأَيْتُهُمْ يَا أُسَامَةُ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْآخِرَةِ، والأرض بِهِمْ رَحِيمَةٌ، وَالْجَبَّارُ عَنْهُمْ رَاضٍ، ضَيَّعَ النَّاسُ فِعْلَ [النَّبِيِّينَ] وَأَخْلَاقَهُمْ وَحَفِظُوا هُمُ. الرَّاغِبُ مَنْ رَغِبَ إلى الله تعالى فِي مِثْلِ رَغْبَتِهِمْ، وَالْخَاسِرُ مَنْ خَالَفَهُمْ، تَبْكِي الْأَرْضُ إِذَا فَقَدَتْهُمْ، ويسخط الله تعالى عَلَى كُلِّ بَلْدَةٍ لَيْسَ فِيهَا مِثْلُهُمْ. يَا أُسَامَةُ، وإذا رأيتم في قرية، فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَمَانٌ لِتِلْكَ الْقَرْيَةِ، لَا يعذب الله تعالى قَوْمًا هُمْ فِيهِمْ اتَّخِذْهُمْ لِنَفْسِكَ، عَسَى أَنْ تَنْجُوَ بِهِمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَدَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَتَزِلَّ قَدَمُكَ فَتَهْوِي فِي النَّارِ، حُرِمُوا حَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، طلبوا الفضل من الْآخِرَةِ، وَتَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَنْ قُدْرَةٍ، لَمْ يَتَكَلَّبُوا عَلَى الدُّنْيَا تكلب الْكِلَابِ عَلَى الْجِيَفِ، شُغِلَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَشَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بطاعة الله تبارك وتعالى، لَبِسُوا الْخِرَقَ وَأَكَلُوا الْفِلَقَ، تَرَاهُمْ شُعْثًا غُبْرًا، يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ بِهِمْ دَاءً وَمَا ذَاكَ بِهِمْ، وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ عُقُولَهُمْ ذَهَبَتْ وَمَا ذَهَبَتْ، وَلَكِنْ نَظَرُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مَنْ ذَهَبَ بِعُقُولِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا، فَهُمْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا يَمْشُونَ بِلَا عُقُولٍ، يَا أُسَامَةُ، عقلوا حين ذهبت عُقُولُ النَّاسِ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْآخِرَةِ ".

ص: 298

3177 -

وقال مسدد: حدثنا أبو مُعَاوِيَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ:" إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ هَذَا الدِّينَارُ وَهَذَا الدِّرْهَمُ، وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ ".

صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ.

ص: 303