الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا بني! مَثِّلْ لنفسك ماتستحسنه من غيرك مثالاً، ثم اتخذه إمامًا. وانظر إلى ما كرهته لغيرك فاجتنبه ودعه (1).
واعلم يا بني! أن مَن جمع بين الحياء والسخاء؛ فقد استجاد الحلة إزارها ورداءها)). ثم أنشأت تقول:
صاف الكرام وكن لعرضك صائنًا
…
واعلم بأن أخا الحفاظ أخوك
الناس ما استغنيت عنهم أنت أخوهم
…
فإذا افتقرت إليهم رفضوك!
(" الشعب "، و" صفة الصفوة "لابن الجوزى بتصرف).
وصية أمامةَ بنتِ الحارث زوجِ عوفِ بن مُحَلِّم الشيبانيّ لابنتها عند الزفاف
وهي وصية تطرب السامع، وتشنف المسامع، ينبغي لكل أم لَبَّةٍ (2) حصيفة أن تتلوها على مسامع ابنتها عند الزفاف.
فقد ذكروا أن الحارث بن عمرو ملك كِنْدَةَ لما بلغه جمالُ ابنة عوف بن مُحَلِّم الشيباني، وكمالُها، وقوةُ عقلها، دعا امرأة مِن كندة يُقال
(1) يُروى أن نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم قيل له: مَن أدبك؟ فقال: ((ما أدبني أحد، ولكن رأيت جهل الجاهل فاجتنبته)) قال الإمام أبو حامد الغزالي:" ولقد صدق (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) .. فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم؛ لكملت آدابهم، واستغنوا عن المؤدِّبين " ا. هـ
(2)
أُمٌّ لَبَّةٌ: أي مُحِبَّةٌ عاطفةٌ.
لها: عصام، ذات عقل ولسان، وأدب وبيان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف.
فمضت حتى انتهت إلى أمها، وهي أمامة بنت الحارث، فأعلمتها بما قَدمَتْ له.
فأرسلت أمامة إلى ابنتها، وقالت: أي بنية! هذه خالتك، أتتك لتنظر إليك، فلا تستري عنها شيئًا إن أرادت النظر من وجه أو خلق، وناطقيها إن استنطقتك.
فدخلت إليها، فنظرت إلى ما لم تر قط مثله!
فخرجت مِن عندها وهى تقول: ((ترك الخِداع مَنْ كَشَفَ القناع))، فأرسلتها مثلاً.
ثم انطلقت إلى الحارث، فلما رآها مقبلة قال لها: ما وراءك يا عصام؟
قالت: ((صَرَّح المَحْضُ عن الزبد)) (1). رأيت جبهة كالمرآة المصقولة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل، إن أَرْسَلَتْه خِلْتَه (2) السلاسل؛ وإن مشطته قلتَ: عناقيد جَلَاها الوابل.
وحاجبين (3) كأنما خُطَّا بقلم، أو سُوِّدا بِحُمَم (4).
تقوسا علي مثل عين ظَبْيَةٍ عَبْهَرَة (5).
(1) تعنى بالزبد: رغوة اللبن، وبالصريح: اللبن الذي تحته المحض، وهذا مثل يُضرب للصدق يحصل بعد الخبر المظنون." لسان العرب".
(2)
أي: ظننتَه وحسبتَه.
(3)
أي: ورأيت حاجبين.
(4)
الحُمَمُ: الفَحْمُ.
(5)
أي ممتلئة الجسم.
بينهما أنف كحَدِّ السيف الصَّنيع (ِ (1)، حَفَّتْ به وَجْنَتَان كالأرجُوان (2)، في بياض كالجُمَان (3).
شُق فيه فم كالخاتم، لذيذة المبتسم، فيه ثنايا غر ذات أشَر (4).
تَقَلَّب فيه لسان، ذو فصاحة وبيان، بعقل وافر، وجواب حاضر.
تلتقي فيه شفتان حَمْروان، تجلبان ريقًا كالشهد إذا دلك.
في رقبة بيضاء كالفضة، رُكبت في صدر كصدر تمثال دُمْية.
وعَضُدان مُدْمَجَان، يتصل بهما ذراعان، ليس فيهما عظم يُمَسُّ، ولا عرق يُجَسُّ.
رُكبت فيهما كفان دقيقان قصبهما لين عصبهما، تعقد إن شئتَ منهما الأنامل
…
[ثم ذكرت أوصافًا لا يجمل ذكرها فى مثل كتابنا هذا].
فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوجها إياه، وبعث بصداقها، فجهزت.
فلما أراد أن يحملوها إلى زوجها، قالت لها أمها:
((أي بنية! إن الوصية لو تُرِكَتْ لفضلِ أدبٍ، تُرِكَتْ لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل.
(1) سيف صَنيع: أي: مَجْلُوٌّ.
(2)
الأرجوان: شجر له نور أحمر أحسن ما يكون، وكل لون يشبهه فهو أرجوان.
(3)
الجُمَان: جمع الجُمَانة، وهي: حبة تُعْمَل من الفضة كالدُّرَّة.
(4)
تأشير الأسنان: تحزيزها وتحديد أطرافها، يقال: أَشَرت المرأة أسنانها تَأْشِرُهَا أَشْرًا. والتأشير ضربان: خلقة، وتصنعًا، والأخير منهي عنه شرعًا، والله أعلم.
ولو أن امرأة استغنت عن الخروج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها؛ كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهن خُلِقَ الرجال.
أي بنية! إنك فارقت الجو الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا.
فكوني له أَمَةً يَكُنْ لكِ عبدًا وَشيكًا.
يا بنية! احملي عنى خصالاً عَشْرًا، تكن لك ذخرًا وذِكْرًا.
- الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
- والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود.
- والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه؛ فإن حرارةَ الجوع ِ مَلْهَبة، وتنغيصَ النوم مبغضة.
- والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وِحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسنُ التقدير، وفي العيال والحَشَم حسن التدبير.
- ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيتِ سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أَوْغَرْتِ صدره.