الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
كتب أميرُ المؤمنين ورابعُ الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المُبَشَّرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ابنه محمد ابن الحنفية:
((يا بُنَيَّ! تفقه في الدين، وعَوِّد نفسك الصبر على المكروه، وكِلْ نفسك في أمورك كلها إلى الله عز وجل، وأخلص المسألة لربك؛ فإن بيده العطاء والحرمان. وأكثر الاستخارة له. واعلم أن مَن كانت مطيتُه الليلَ والنهار؛ فإنه يُسار به وإن كان لا يسير؛ فإن الله (تعالى) قد أبى إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك.
وإن كنت غيرَ قابلٍ نصيحتى إياك، فاعلم علمًا يقينًا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل مَنْ كان قبلك.
فأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب؛ فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضًا.
وإياك أن تُوجِفَ بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أُخِّرتُ نَزَعْتُ؛ فإن هذا أهلك مَن هلك قبلك.
وأمسك عليك لسانك؛ فإن تلافيك ما فرط من صمتك أيسر عليك من إدراك ما فات من منطقك.
واحفظ ما في الوعاء بشد الوِكَاء (1)؛ فحسن التدبير مع الاقتصاد أبقى لك من الكثير مع الفساد، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.
والمرء أحفظ لسره، ولربما سعى فيما يضره.
وإياك والاتكالَ على الأماني؛ فإنها بضائع النوكى (2)، وتثبط عن الآخرة والأولى.
ومن خير حظ الدنيا القرين الصالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تَبِنْ منهم. ولا يغلبن عليك سوء الظن؛ فإنه لن يدع بينك وبين خليل صُلْحًا.
أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب.
واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومِن الكرم منع الحُرَم.
ومن حلم ساد، ومن تفهم ازداد.
امْحَض (3) أخاك النصيحة، حسنةً كانت أو قبيحة.
لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك.
(1) الوِكَاء: مايُشَدُّ به رأس القِربة ونحوها.
(2)
النوكي: جمع الأَنْوَك، وهو الأحمق.
(3)
يقَال: مَحَضَ فلانًا النُّصْحَ مَحْضًا: إذا أخلصه إياه، وكل شيء أَخْلَصْتَه فقد مَحَضْتَه.
واعلم يا بني! أن ما لك من دنياك إلا ما أصلحت به مثواك، فأنفق من خيرك، ولا تكن خازنًا لغيرك، وإن جزعت على ما يفلت من يديك، فاجزع على مالم يصل إليك.
ربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده.
ولم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر مَن زهد.
من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه.
رأس الدين اليقين، وتمام الإخلاصِ اجتناب المعاصي، وخير المقال ما صدقته الفعال.
سَلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
واحمل لصديقك عليك، واقبل عذر مَن اعتذر إليك.
وأخر الشر ما استطعت، فإنك إن شئت تعجلته.
لا يكن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، وعلى الإساءة أقوى منك على الإحسان.
لا تُمَلِّكَنَّ المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها؛ فإن المرأة ريحانة، وليست بِقَهْرَمَانة (1)؛ فإن ذلك أدوم لحالها، وأرخى لبالها.
واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك.
وأكرم الذين بهم تَصُول، وإذا تطاولتَ بهم تَطُول.
أسال الله عز وجل أن يُلْهمَك الشكر والرَّشَد، ويُقَوِّيك على العمل بكل خير، ويصرف عنك كل محذور برحمته.
(1) القَهْرَمَان: هو: المسيطر الحفيظ على من تحت يديه.