الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: تعريف توحيد الألوهية
المراد بتوحيد الألوهية: إفراد الله جل وعلا بالتعبد في جميع أنواع العبادات (1). ويعبر بعض أهل العلم بالعبادة بدل التعبد، ولا فرق، إذ مراده بالعبادة معناها المصدري وهو التعبد. والتعبد له ركنان وشرطان لصحته، أما الركنان: فغاية الخضوع والتذلل لله، وكمال المحبة له. وأما الشرطان: فمعرفة المعبود – وهو الله سبحانه وتعالى، ومعرفة دينه الشرعي الجزائي، والمقصود بالعبادات: ما يتعبد به لله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولها شرطان: المتابعة فيها – أي أن تكون وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والصدق والإخلاص لله جل وعلا فيها.
وهذا هو معنى شهادة ألا إله إلا الله – وتمام تحقيقها بشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يوضح أن التعريف السابق هو تعريف لشهادة ألا إله إلا الله قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 26 - 28] قال ابن جرير: (وقوله: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ يقول تعالى ذكره: وجعل قوله إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ِإلَّا الَّذِي فَطَرَنِي وهو قول لا إله إلا الله: كلمة باقية في عقبه، وهم ذريته، فلم يزل في ذريته من يقول ذلك من بعده.)(2) اهـ.
وكلمات السلف كلها تدور حول هذا المعنى فمنهم من فسر الكلمة بشهادة ألا إله إلا الله ومنهم من فسرها بالإسلام (3).
ولا خلاف بين القولين، إذ الإسلام هو الاستسلام لله بالعبودية، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد شيئاً سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله المتركبة من النفي والإثبات؛ نفي عبادة ما سوى الله، وإثبات العبادة لله وحده، وهذان هما النفي والإثبات نفسهما الواردان في الآية بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي.
ويؤكد صحة هذا التفسير أن إبراهيم عليه السلام جعل الكلمة في بنيه بأمرين: الدعاء والوصية (4) أما الدعاء – ففي قوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: 35] فهذا تبري من عبادة ما سوى الله تعالى، وهذا يستلزم إفراد الله جل وعلا وحده بالعبادة – ولذلك كان من دعائه: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ [البقرة: 128] وأما الوصية ففي قوله: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إَلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة: 131 - 132] فبين الله تعالى أن إبراهيم عليه السلام وصى بنيه بالإسلام، وكذلك يعقوب عليه السلام وصى بها بنيه وعهدوا بها إلى أولادهم من بعدهم، ثم إن الله بين صيغة هذه الوصية بقوله: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133].
(1) انظر: ((رسالة في معنى العبادة لأبي بطين ضمن مجموعة التوحيد)) (1/ 170).
(2)
((تفسير الطبري)) (21/ 589).
(3)
انظر: ((تفسير الطبري)) (21/ 589 - 590).
(4)
انظر: ((أضواء البيان)) (7/ 231).
فهذا نص في أن الوصية هي الإسلام وهي قولهم: نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وبه يظهر ظهوراً جلياً أن الكلمة هي الإسلام – أي الاستسلام لله بالعبودية – وقد لخص ذلك ابن جرير الطبري بقوله (وهي الإسلام الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله وخضوع القلب والجوارح له)(1) اهـ. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– 1/ 75
وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة (2). ويسمى باعتبار إضافته إلى الله تعالى بـ (توحيد الألوهية)، ويسمى باعتبار إضافته إلى الخلق بـ (توحيد العبادة)، و (توحيد العبودية) و (توحيد الله بأفعال العباد)، و (توحيد العمل)، و (توحيد القصد)، و (توحيد الإرادة والطلب)، لأنه مبني على إخلاص القصد في جميع العبادات، بإرادة وجه الله تعالى (3).
وهذا التوحيد من أجله خلق الله الجن والإنس، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، ومن أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]، ومن أجله قامت الخصومة بين الأنبياء وأممهم، وبين أتباع الأنبياء من أهل التوحيد وبين أهل الشرك وأهل البدع والخرافات، ومن أجله جردت سيوف الجهاد في سبيل الله، وهو أول الدين وآخره، بل هو حقيقة دين الإسلام (4)، وهو يتضمن أنواع التوحيد.
فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات (5)، فإن من عبد الله تعالى وحده، وآمن بأنه المستحق وحده للعبادة، دل ذلك على أنه مؤمن بربوبيته وبأسمائه وصفاته، لأنه لم يفعل ذلك إلا لأنه يعتقد بأن الله تعالى وحده هو المتفضل عليه وعلى جميع عباده بالخلق، والرزق، والتدبير، وغير ذلك من خصائص الربوبية، وأنه تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي تدل على أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
ومع أهمية هذا التوحيد فقد جحده أكثر الخلق، فأنكروا أن يكون الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وعبدوا غيره معه.
قال العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل الصنعاني: (اعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك، كما قررناه وكررناه، ولذا قالوا: أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ [الأعراف: 70] أي لنفرده بالعبادة، ونخصه بها من دون آلهتنا؟
…
فعبدوا مع الله غيره، وأشركوا معه سواه، واتخذوا له أنداداً) (6). تسهيل العقيدة الإسلامية لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين– ص: 53
(1)((تفسير الطبري)) (3/ 93 - 94).
(2)
((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني: الأصل الثالث (ص: 13)، ((الدرر السنية)) (2/ 291)، و ((ينظر شرح الطحاوية)) (ص: 24).
(3)
((شرح الطحاوية)) (ص: 24)، ((مجموعة التوحيد)) (1/ 6)، ((الدرر السنية)) (2/ 250، 304)((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 22)، ((القول السديد)) (ص: 19)، ((القواعد الحسان)) (ص: 192)، ((الحق الواضح المبين)) (ص: 57)، ((القول المفيد)) (1/ 9).
(4)
((شرح الطحاوية)) (ص: 21 - 24 - 29)، ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: 20)، ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 20 - 21)، ((الدر النضيد)) للشوكاني (ص: 65)، ((قرة عيون الموحدين)) لعبد الرحمن بن حسن (ص: 4)، ((معارج القبول)) (2/ 402 - 410).
(5)
((شرح الطحاوية)) (ص: 29 - 32 - 41)، ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 23)، ((قرة عيون الموحدين)) (ص: 5).
(6)
((تطهير الاعتقاد)) (ص: 12، 20)، وينظر ((قرة عيون الموحدين)) (ص: 4).