الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يغرب، أو ثقة حافظ له مناكير، أو حافظ له أوهام أو ثقة يهم قليلاً، .... وغيرها. وفي الجملة فإن ألفاظ التوثيق إن اقترنت بعبارات تشعر بخطأ الراوي أو تغيره فإنه يكون من مرتبة الاختبار في الغالب الأعم، وبحسب القرائن، والله أعلم.
المطلب السابع: الحكم على الحديث
.
وهذه المرحلة مهمة للغاية ودقيقة، إذ يترتب عليها قبول الحديث أو رده، والدراسة تنصب على قسمين (1):
1 -
دراسة الإسناد.
2 -
دراسة المتن.
ومن المعلوم أن صحة الحديث تستلزم صحة السند والمتن جميعاً، ولا يصح إطلاق الصحة على الحديث لثقة رجال السند ما لم يسلم المتن من الشذوذ والعلة، وكذا المتن لا يصح ما لم يصح السند، وقد يضعف السند لعلة ما كانقطاع أو تدليس أو إرسال .... ولكن المتن صح من جهة إسناد آخر، وهنا أيضاً لا يصح إطلاق الصحة على الحديث بهذا الإسناد.
ويمكنك التفصيل في الحديث فتقول: إسناده ضعيف (باطل، منكر .. ) ومتنه صح من حديث آخر، أو إسناده باطل، وصح متنه من وجه آخر .. وهكذا.
(1) وقبل الشروع في ذلك لابد أن ننظر في الحديث، فأن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فهو صحيح إذ الأصل فيما احتجا به الصحة، فلا حاجة حينئذ إلى دراسة الحديث.
ولدراسة الإسناد لابد من الترجمة لكل الرواة لننظر في رواة طرق الحديث هل هم ثقات أو دون ذلك أو فيهم ضعيف أو متهم بالكذب، وهل يصح من الطرق شيء أو علها صحت جميعها أو ربما لم يصح منها شيء.
فإن كان السند غريباً مطلقاً، أي ليس فيه متابعات ترجمنا لكل السند ثم حكمنا عليه بعد تتبع كتب العلل وأحكام الأئمة النقاد، وحسب ما سنذكره لاحقاً.
وإن كان السند فيه طرق متعددة نلاحظ موضع التفرد في الإسناد، ويمكننا الاستعانة بمخطط لشجرة الرواة يسهل علينا تحديد موضع التفرد في السند، وفائدة معرفة موضع التفرد هي معرفة المتابعات التامة والقاصرة لتسهيل دراسة الإسناد، إذ لو ثبت ضعف المدار فإن الإسناد يبقى ضعيفاً ولو كان الرواة دون المدار كلهم ثقاتٍ، فحينئذٍ نستطيع أن نحكم ابتداءً بضعف السند، أما إن كان موضع التفرد ومن فوقه من رواة مرتبة الاحتجاج، فحينئذ ٍ ندرس رواة الطرق طريقاً طريقاً، فإن صح الإسناد من طريق واحد فالإسناد صحيح، وبقية الطرق متابعات له إن كان رواتها من رواة الاعتبار، وقد تصح جميعها، وقد يصح بعضها، وقد تكون بمجموعها حسنة، فيكون الإسناد حسناً، وقد لا تصح كلها، وحينئذٍ يعد الإسناد ضعيفاً، وهكذا ..
وهذا إذا لم يكن هذا الإسناد معارضاً بإسناد أصح منه، أو حكم إمام ناقد بخلافه، كأن يكون معارضاً بإسنادٍ مرسلٍ، والمرسل هو الصواب، أو يكون أخطأ فيه راوٍ من رواته فرفعه، والصواب وقفه، إذ لابد من مراجعة كتب العلل كعلل ابن أبي حاتم، وعلل ابن المديني وعلل أحمد وعلل الدارقطني، وكتب التراجم كالجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والكامل في الضعفاء لابن عدي، والضعفاء الكبير للعقيلي، إذ قد تذكر فيها الأحاديث الأغاليط المنتقدة على الراوي في ترجمته ويُتكلم في علته، وغيرها من الكتب الأخرى ككتب التخريج ولاسيما نصب الراية للزيلعي، والتلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني، وغيرها.
فإن سلم لنا الإسناد حينئذٍ يأتي دور المتن لدراسته، هل فيه شذوذ أو نكارة، أو اضطراب
…
الخ
أم هو سالم من تلك العلل؟ ولكي نعرف هذه المشكلة نجمع طرق الباب من المتابعات والشواهد، قال يحيى بن معين:" لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه"(1).
وقال أحمد بن حنبل:" الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضا"(2).وقال علي بن المديني:" الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه "(3).
وقال عبد الله بن المبارك:" إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض"(4).
وكما سلف في دراسة الإسناد من ضرورة مراجعة كتب العلل، فكذا يجب مراجعتها ههنا ويجب البحث أيضاً في كتب السنن والجوامع فأحيانا يذكر أصحابها العلل في موضعها، وكتب الشروح كالتمهيد لابن عبد البر، وفتح الباري لابن حجر، وغيرها وكتب مختلف الحديث كـ (مختلف الحديث) لابن قتيبة، أو الكتب التي اختصت بتوضيح مشكل التعارض في الحديث، ككتاب شرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي، والتحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي، وغيرها.
فإذا عرفت أنّ الحديث فيه علة، ولم تتمكن من الوقوف عليها بعد البحث في الكتب المعتمدة فأعلم أن القصور في بحثك، فاجهد في ذلك، فقلما فات الأئمة المتقدمين والمتأخرين أحاديث من مثل ذلك، فعليك بالرجوع والبحث.
(1) الجامع لأخلاق الراوي، الخطيب 2/ 212.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه 2/ 295.
فإن لم تجد –بعد البحث الحثيث- تعارضاً أو إشكالا بين الروايات المتعددة، ووجدت المتن قد سلم من الشذوذ أو العلة فهذا يدل على أن المتن صحيح.
وقبل أن تشرع في إطلاق حكمك على الحديث يتوجب عليك الرجوع إلى أقوال الأئمة النقاد وأحكامهم والوقوف عند أقوال الأئمة المتقدمين، فإن اتفق المتقدمون على قبول حديثٍ، أو رده فلا يجوز مخالفتهم بوجه من الوجوه، أما إذا اختلفوا في حديث ما فلا مانع من دراسة أقوالهم والترجيح بينها وفق القواعد المقررة في التعارض والترجيح المعتبرة، والعبرة بقولهم لا بقولك فأنت إنما رجحت حسب. ولا مانع من الجمع بين القولين إن أمكن ذلك بتوجيه معتبر؛ ولكن لا يحل لك الخروج بقول ثالث يرد القولين، فلا يعقل المجيء بشيء فاتهم بالجملة!
وحكمك على الحديث إنما يكون على الإسناد حسب، فتقول: هذا إسناد صحيح أو حسن أو ضعيف، ولا يجوز إطلاق الحكم على الحديث كأن تقول:" حديث صحيح". إلا إن تكون مسبوقاً به، كأن يكون الحديث في صحيح البخاري، أو أنك:" تزعم أنك استقرأت جميع كتب السنّة، وتوصلت إلى أن هذا الحديث ليس له علّة باطلة تقدح في صحته. ولا يصح أن تستقرأ فقط، إلا أن تكون دقيق الفهم عالماً بالتخريج وعلم المصطلح والجرح والتعديل، وقد بلغت مبلغ العلماء فيها، وتجزم بعدم وجود علّة باطنة تقدح في الحديث "(1).
قال البيهقي: " أنّ الأحاديث التي قد صحّت، أو وقفت بين الصحّة والسُّقْم قد دُوّنت وكُتبت في الجوامع التي جمعها أئمةُ أهل العلم بالحديث، ولا يجوز أن يذهب منها شيءٌ على جميعِهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حفظها. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يُقبل منه .. "(2).
(1) التخريج ودراسة الأسانيد ص 10.
(2)
مناقب الشافعي، البيهقي 2/ 321،وينظر مقدمة ابن الصلاح ص 61.
ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر: "وبهذا التقرير يتبين عِظَمُ موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدةُ فحصهم، وقوةُ بحثهم، وصحةُ نظرهم، وتقدمُهم بما يوجب المصيرَ إلى تقليدهم في ذلك، والتسليمَ لهم فيه"(1).
وقال السخاوي: "ولذا كان الحكم من المتأخرين عسراً جداً، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم وأصحابِهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابِهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ولم يجئ بعدهم مساوٍ لهم ولا مقاربٌ؛ أفاده العلائي، وقال: فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمداً لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلَف النقل عنهم عُدِل إلى الترجيح"(2).
وقال البيهقي: " وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم وإنما يعرف بكثرة السماع ومجالسة أهل العلم بالحديث ومذاكرتهم والنظر في كتبهم والوقوف على روايتهم حتى إذا شذ منها حديث عرفه "(3).
وقال ابن رجب الحنبلي: " وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه: " إنه لا يتابع عليه " ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض
(1) النكت على ابن الصلاح 2/ 726.
(2)
فتح المغيث 1/ 237.
(3)
معرفة السنن والآثار 1/ 144.
تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه" (1).
ومما زاد الطين بلة، أن بعض المستعجلين أو جهلة القوم أو المغرضين راحوا يطعنون في أصح كتاب بعد كتاب الله (صحيح البخاري) أو في تصحيح أئمة النقد كأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي بحجة أنّ في الإسناد رجلاً ضعيفاً، وهو خلاف (المقرر في قواعد المصطلح)! والحق أنهم استعجلوا في تطبيق هذه القواعد أو أنهم لم يحسنوا استعمالها، وإلا فأئمة المصطلح قرروا أنّ العالم الجهبذ الناقد الفطن قد ينتقي من أحاديث الضعيف أحسنها، كما فعل الأئمة المتقدمون، فهم أعرف بحديث الضعيف وتفريعاته، فليتنبه لهذه الدقيقة التي غابت أو غيبت عن بعض المعاصرين بل وحتى على بعض العلماء السابقين بسبب الاستعجال وعدم التدقيق، قال الذهبي:" فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَل على الحاكم في تصرفه في المستدرك "(2).
وتأمل قوله أيضاً: " يا شيخ أرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشَّزْر ولا ترمقنهم بعين النقص، ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا، وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة وأبو داود؟ فاسكت بحلم أو انطق بعلم، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء؛ ولكن نسبتك إلى
(1) شرح علل الترمذي 1/ 142.
(2)
الموقظة ص 46.