الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد طلب مني بعض الأخوة الأفاضل أن أكتب محاضرات في مادة علم تخريج الحديث النبوي، لطلاب قسم الحديث في الجامعة الإسلامية ببغداد، فعقدت العزم بعد التوكل على الله تعالى وشرعت بكتابة محاضرات فيها بعبارة سهلة تيسر على الطالب الاستفادة منها عملياً إن شاء الله تعالى، إذ الغالب في البحوث التي تعرضت لهذا العنوان غلبت عليها الدراسة الوصفية النظرية، فأردت في هذه العجالة تيسير عرضه على الطلبة ولا سيما بعد ضعف الهمة في طلب العلم وقصور الطالبين على المختصرات حتى بلغ ببعض من تخصص في الحديث في الدراسات العليا أن يكتفي في دراسة الإسناد بعزو الحديث إلى مصدر أو مصدرين ويسميه تخريجاً!
ومما دفعني أكثر إلى كتابة هذا البحث ما رأيت من بعض المشتغلين -اليوم- بالحديث النبوي وتحقيقه من تخبط في تخريج الحديث أو قصور فيه، ومنهم من يظن أنّ الحكم على الإسناد هو عملية رياضية (1+1=2)، فيعمد إلى تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني ثم يدرس رجال الإسناد: فإن كانوا ثقاتاً قال: صحيح، وإن كانوا صدوقين أو فيهم صدوق قال: حسن، وإن كان فيه ضعيف قال ضعيف! من دون الرجوع إلى دواوين العلل والرجال، وهذا غلط محض، وقد صُحِّحتْ عشرات بل مئات الأحاديث بناءً على هذه الطريقة، ولو فتشت عن هذه الأحاديث بتأنٍّ في كتب العلل لوجدتها هناك ولا أرى يخلص منها إلا مثل همل النعم.
وإن تعجب فعجب من أولئك الذين يُخطِّئون أئمة النقد الجهابذة، ويردون كلامهم وأحكامهم بفهم معوج لقواعد مصطلح الحديث، أو يحاكمونهم على وفق قواعد المتأخرين! وكم من مرة تقرأ مثل ذلك هنا أو هناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فأردت في هذا البحث -المتواضع- إرشاد طلبتنا الأعزاء والأخوة الباحثين بأيسر العبارة، دون غوص في تفرعات الموضوع، كما وجدته في كثيرٍ من البحوث التي تحدثت عن التخريج
،بحيث أرهق البحث بتفريعات كثيرة هي مفيدة ومهمة ولكنها قد تحير الباحث المبتدئ، لذا حاولنا ههنا التركيز على الجانب التطبيقي منه أكثر من الجانب النظري، وقد انتفعت مما كتبه الأخوة والأساتذة في هذا الميدان، وحاولت تسهيل الأمر على طلبتنا الأعزاء بطريقة ميسرة، وحاولت فتح الباب أمامهم للولوج في هذا العلم، معتذرا عن أي قصور وقع في بعض مباحثه، فإن وفقت فمن الله وحده وإن كانت الأخرى فمن نفسي والشيطان. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا وعلى آله وصحبه أولاً وآخراً.
المُيَسّر
في علم تخريج الحديث النبوي
بقلم
الدكتور عبد القادر مصطفى المحمدي
الأستاذ المساعد في قسم الحديث -كلية أصول الدين
1431هـ-2010م
الفصل الأول
الدراسة النظرية لعلم تخريج الحديث
المبحث الأول
تعريف التخريج وفوائده
المطلب الأول: تعريف التخريج لغة واصطلاحاً:
التخريج: لغة: خَرَجَ خُرُوجاً " نقيض دَخَلَ دُخُولاً " ومَخْرَجاً " بالفتح مَصدرٌ أَيضاً فهو خارِجٌ وخَرُوجٌ وخَرَّاجٌ وقد أَخْرَجَه وخَرَجَ به. والمخرج: موضع الخروج .. ِوخَرَّجَ فلانٌ عَمَله إِذا جعله ضروباً يخالف بعضه بعضا (1).
وفي الاصطلاح:
من يتتبع صنيع المحدثين الأقدمين يجد أنّ معنى التخريج عندهم إذا أطلق إنما يريدون به: ما ينتقيه الراوي لنفسه من أصول سماعاته من أحاديث شيوخه.
وقد يكون هذا الانتقاء مرتباً على أسماء مشايخه بحسب حروف المعجم وحينئذٍ يسمى معجماً، أو يكون حسب الأقدم من شيوخه وهذا يسمونه (مشيخة)،أو يرتب بشكل فوائد منتقاة عشوائياً بغير ترتيب، وحينئذٍ يسمى (فوائد) .. وهكذا (2).
وأحياناً يعسر على الراوي ذلك (التخريج) فيستعين ببعض أقرانه (زملائه) ممن يحسن ذلك.
(1) ينظر: لسان العرب ابن منظور مادة (خرج) 2/ 249،وينظر مادة (خرج) في القاموس المحيط، الفيروز آبادي 1/ 238،،وتاج العروس، الزبيدي 4/ 158،ومختار الصحاح، الرازي ص196.
(2)
ينظر: تحرير علوم الحديث، عبد الله الجديع 2/ 734،وكيف ندرس علم التخريج، الدكتور حمزة المليباري والدكتور سلطان العكايلة ص 16.
قال الخطيب:" وإن لم يكن الراوي من أهل المعرفة بالحديث وعلله واختلاف وجوهه وطرقه وغير ذلك من أنواع علومه فينبغي له أن يستعين ببعض حفاظ وقته في تخريج الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه فقد كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك فمنهم أبو الحسين بن بشران كان محمد بن أبي الفوارس يخرج له الإملاء
…
" (1).
وفي هذا يقول الحافظ السخاوي: "التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه أو أقرانه، أو نحو ذلك، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما مما سيأتي تعريفه. وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج، والتصنيف، والعزو وجعل كل صنف على حده"(2).
وأما عند المعاصرين فعرفه الغماري:"عزو الأحاديث التي تذكر في المصنفات مطلقة غير مسندة ولا معزوة إلى كتاب أو كتب مسندة، إما مع الكلام عليها تصحيحاً وتضعيفاً وداً وقبولاً وبيان ما فيها من علل، وإما بالاقتصار على العزو إلى الأصول"(3).
وعرفه الدكتور محمد أبو شهبة:" عزو الأحاديث إلى من ذكرها في كتابه من الأئمة وبيان درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف"(4).
وعرفه الدكتور محمود الطحان فقال:" هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته مع بيان درجته صحة أو ضعفاً عند الحاجة إلى ذلك"(5).
(1) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 88.
(2)
فتح المغيث 2/ 372.
(3)
حصول التفريج بأصول التخريج ص21.
(4)
حاشية كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص 353.
(5)
أصول التخريج ودراسة الأسانيد ص 10.
وعرفه الدكتور دخيل بن صالح بأنه:" بيان مصادر الحديث وإسناده، ومتنه ودرجته بحسب الحاجة"(1).
وعرفه الدكتور حاتم العوني:"عزو الحديث إلى مصادره الأصلية المسندة، فإن تعذرت فإلى الفرعية المسندة، فإن تعذرت فإلى الناقلة عنها بأسانيدها، مع بيان مرتبة الحديث غالباً "(2).
وقال الدكتور محمد أبو الليث: التخريج يطلق على استعمالين:"الأول: رواية المحدث الأحاديث في كتابه بأسانيده. والثاني: عزو فلان أحاديث كتاب كذا أي عزاها ونسبها إلى من رواها من الأئمة في كتابه بإسناده مع بيان درجتها من حيث القبول والرد"(3).
وهكذا نجد تعاريف هؤلاء المعاصرين كلها تدور في فلك واحد، هو عزو الحديث والحكم عليه عند الحاجة، وحتى من اعترض على هذه التعاريف فإنه لم يبتعد بما حده عن فلك تلك التعريفات، إذ عرفه الدكتور حمزة المليباري بعد اعتراضه على ما سبق:"هو كشف مظان الحديث من المصادر الأصلية التي تعتمد في نقله على الرواية المباشرة، لمعرفة حالة روايته من حيث التفرد أو الموافقة أو المخالفة"(4).قلت: وما أضافه أستاذنا المليباري، ليس إضافة جديدة، بل هو من لوازم دراسة الحديث للحكم عليه.
وكذا الشيخ عبد الله الجديع، إذ قال بعد اعتراضه:"أن تعمد إلى حديث فتجمع طرقه: أسانيده ومتونها، من الكتب الحديثية التي تقوم على الإسناد لا الكتب الناقلة عنها ثم التأليف بينها لتحرير مواضع الاتفاق والافتراق في الأسانيد فتتبين المتابعات والشواهد، وفي المتون
(1) طرق التخريج بحسب الراوي الأعلى ص7.
(2)
تخريج ودراسة الأسانيد ص2.
(3)
تخريج الحديث نشأته ومنهجيته ص 16.
(4)
كيف ندرس علم تخريج الحديث ص28.
فيتبين ما فيها من التوافق اللفظي والمعنوي والزيادة والاختلاف" (1).ولا أخاله خرج عن هذا الفلك.
فالتخريج يطلقه المحدثون على معانٍ منها:
1 -
معرفة المصنفات التي أخرجت هذا الحديث، وذكرته بالإسناد.
2 -
يطلق ويراد به مخرج الحديث ويعنون به الصحابي تحديداً، ثم بعد الوقوف على الصحابي الذي رواه يبحثون في الطرق الموصلة إليه.
وهكذا يمكننا تعريفه باختصار فنقول: علم يُعنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث عزوه إلى مصادره الأصلية، وبيان درجته من خلال دراسة الإسناد والمتن رواية ودراية.
*شرح التعريف:
قولنا: (علم يعتني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم):ويدخل فيه المرفوعات والموقوفات والمعلقات .. الخ ويلحق به آثار الصحابة.
ويخرج من هذا التعريف الآيات القرآنية وأقوال الفقهاء، والقواعد الفقهية والأحكام، والشعر والنثر.
قولنا: (من حيث عزوه إلى مصادره الأصلية): ونعني بـ (مصادره الأصلية):الكتب التي خرجت الحديث النبوي متصلاً أو غير متصل كالصحاح والجوامع والمصنفات والمسانيد والموطآت .... الخ. ويخرج بهذا القيد الكتب الفرعية (إلا عند الضرورة كما سيأتي لاحقاً).
قولنا: (وبيان درجته من خلال دراسة الإسناد والمتن):أي إصدار الحكم على الحديث، ويكون ذلك باتصال سنده أو عدمه والنظر إلى حال رواته، ثم بيان علته إن كانت هناك علة في الحديث.
(1) تحرير علوم الحديث 2/ 736.