المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب العتق ـ ــ كتاب العتق هو: إسقاط الملك عن الآدمي تقربًا إلى الله - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١٠

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتاب العتق ـ ــ كتاب العتق هو: إسقاط الملك عن الآدمي تقربًا إلى الله

‌كتاب العتق

ـ

ــ

كتاب العتق

هو: إسقاط الملك عن الآدمي تقربًا إلى الله تعالى، وأصله من عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل؛ لأن العبد به يخلص من أسر الرق.

وخرج بالآدمي: الطير والبهائم، فلا يصح عتقها على الأصح، ويحتج لمقابله بم روى أبو نعيم عن أبي الدرداء أنه كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلها.

قال ابن الصلاح: والخلاف فيما يملك باصطياد، أما البهائم الإنسية فإعتاقها من قبيل سوائب الجاهلية، وذلك باطل قطعًا.

ولا يرد الوقف؛ لأنه نقل ملك إلى الله تعالى لا إسقاط، ولهذا يضمن بالقيمة فدل على بقاء الملك فيه.

فإن قيل: ذكر الأصحاب أن عتق الكافر ليس بقربة .. فالجواب: أن الكافر قصد القربة وإن لم يصح له ما قصد، وإنما يكون العتق قربة إذا تنجز، أما تعلقه .. فلا، قاله الرافعي في (كتاب الصداق) ، بخلاف التدبير.

والأصل فيه: قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} ، وفي غير موضع:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .

وفي (الصحيحين ([خ 2517 _ م 1509/ 24] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق رقبة مؤمنة .. كانت فداءه من النار).

وخصت الرقبة بالذكر؛ لأن ملك السيد للرقيق كالغل في رقبته، فهو محتبس به كما تحتبس الدابة بحبل في عنقها، فإذا أعتق .. أطلق من ذلك.

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإذا أعتق جماعة عبدًا مشتركًا حصل لكل منهم ثواب كامل؛ لما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم: (عتق النسمة أن ينفرد بعتقها، وفك الرقبة أن يعين في عتقها (صححه الحاكم [2/ 217].

والإجماع منعقد على صحته، وعتق العبد الصالح والقريب والمكدود وابذكر أفضل.

فائدة:

عاش النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثًا وستين بدنة، وأعتق ثلاثًا وستين نسمة.

فالذكور: أسلم، وأفلح، وأنجشة، وأيمن، وأنسة، وباذام، وبدر، وثوبان، وحاتم، وحنين، ودوس، ورافع، ورويفع، ورباح، وزيد جد هلال بن يسار بن زيد، وسابق، وسالم، وسعد، وسعيد، وسفينة ، وسلمان، وسندرة، وشقران، وسمعون، وضميرة، وطهمان، وعمرون، وغيلان، وقفير، وكريب، وكركرة، ومابورا القبطي، ومكحول، ومدعم، ونبيه، ونفيع بن الحارث أبو بكرة، وهرمز، وهلال، وواقد، ووردان، ويسار، وأبو أثيلة، وأبو البشير، وأبو الحمراء، وأبو رافع، وأبو سلمى، وأبو صفية، وأبو ضميرة، وأبو عبيد، وأبو قيلة، وأبو كبشة، وأبو لقيط، وأبو مويهبة، وأبو هند.

والإناث: سلمى أم رافع، وبركة أم أيمن، وميمونة بنت سعد، وخضرة، ورضوى، وأميمة، وريحانة، ورزينة، وركانة.

ص: 462

إِنَّمَا يَصِحُّ مِن مُطلَقِ التَّصَرُّفِ،

ــ

وأعتقت عائشة سبعًا وستين، وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرًا، واعتق العباس سبعين عبدًا، رواه الحاكم.

وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين عبدًا، وأعتق حكيم بن حزام مئة مطوقين بالفضة.

وأعتق عبد الله بن عمر ألفًا، واعتمر ألف عمرة، وحج ستين حجة، وحبس ألف فرس في سبيل الله.

وأعتق ذو الكلاع الحميري في يوم واحد ثمانية آلاف عبد.

وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألف نسمة، وروى الحاكم [3/ 311] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة).

قال: (إنما يصح من مطلق التصرف) فلا يصح من الصبي والمجنون؛ لعدم أهليتهما، ولما فيه من ضياع المال.

وحكى الماوردي في (كتاب الوصية) وجهًا: أن إعتاق المميز ينفذ في مرض الموت إذا قلنا: تصح وصيته، والمذهب النع؛ لأن الوصية يقدر على الرجوع فيها.

وشملت عبارته المسلم وغيره وإن لم يكن منه قربة كما تقدم، لكن تستثنى وصية السفيه بالعتق؛ فإنه يصح على المذهب، والمشترى قبل القبض يصح إعتاقه مع أنه ليس بمطلق التصرف.

وكذلك الوارث يصح إعتاقه رقبة العبد الموصى بمنفعته وهو غير تام الملك فيه كما قاله الرافعي في (باب الوصية) ، ولو يكتف في (الروضة) بإطلاق التصرف، بل ضم إليه: أن لا يصادف إعتاقه تعلق حق لازم لغيره؛ ليخرج الواقف والموقوف عليه إن قلنا: الملك له، وكذلك الراهن ومالك العبد المتعلق برقبته أرش جناية إذا كان

ص: 463

وَيَصِحُّ تَعلِيقُهُ وَإضَاَفتُهُ إِلَى جُزءٍ فَيَعتِقُ كُلُّهُ،

ــ

معسرًا على الأصح؛ لما فيه من تفويت الحق بغير بدل، بخلاف ما إذا كان موسورًا.

ولا بد أن يكون أهلًا للولاء، فلا يصح من المبعض، ولهذا لا يكفر بالعتق، وكذلك عتق المكاتب نفسه بإذن على الأصح؛ لآستعقابه الولاء وليس من أهله؛ ولا بد أيضًا من قيد عدم الإكراه بغير حق، ويتصور الإكراه بحق في البيع بشرط العتق.

قال: (ويصح تعليقه) بالصفات أي: المحققة الوقوع وغيرها قياسًا على التدبير؛ لما فيه من التوسعة لتحصل القربة، لكن يستثنى من إطلاقه المسجد؛ فإن وقفه تحرير كما صرح به الرافعي هناك، ومع ذلك لا يجوز فيه التعليق على الصحيح.

وكلام المصنف يقتضي: أن العتق لا يفسد بالشروط الفاسدة، بخلاف الوقف، وبه صرح القفال، واقتضى كلام الإمام وغيره القطع به، لكن مقتضى كلام الرافعي في الوقف أنه يفسد بذلك، وهو غلايب.

قال: (وإضافته إلى جزء فيعتق كله) ، سواء كان معنيًا أو شائعًا؛ تشوفًا للتكميل، وسواء كان من الموسر أو المعسر إذا كان باقية له؛ لما روى أحمد [2/ 347] وأبو داوود /3929] والنسائي [سك 4951] عن أبي المليح عن أبيه: لأن رجلاظص أعتق شقصًا من غلام، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز عتقه وقال:(ليس لله شريك).

وصح عن ابن عباس: أن رجلًا سأله عمن قال لخادمه: فرجك حر، قال:(هي حرة أعتق فيها قليلًا أو كثيرًا).

قال ابن حزم: ولا يعرف له مخالف من الصحابة إذا كان باقية له، فإن كان لغيره .. فسيذكره المصنف.

وفي كيفية عتقه إذا أضيف العتق إلى جزء شائع وجهان:

أحدهما: يقع على الجزء المسمى، ثم يسري إلى الباقي.

ص: 464

وَصَرِيحُهُ: تَحرِيرٌ وَإِعتَاقٌ،

ــ

وأصحهما: يقع على الجميع دفعة واحدة، وكأنه عبر عن الكل بالبعض.

فإن أضافه إلى جزء معين .. فوجهان مرتبان، وأولى بالجواز؛ لحصوله دفعة واحدة، وقد تقدم بيان هذا الخلاف في (الطلاق) ، ولا يخفى أن محل عتق الجميع إذا لم يمنع من التكميل مانع م=كمن رهن نصف عبده ولا يملك غيره، أو أعتق نصفه وهو معسر بقيمة الباقي.

ومن ثمرة الخلاف في الإضافة إلى جزء شائع أنه لو أوصى بعتق بعض عبده، فإن قلنا: العتق يقع بطريق السراية .. لم يعتق عنه إلا ما وصى بعتقه، وإن قلنا بالتعبير عن الكل بالبعض .. أعتق عنه جميعه إذا احتمله الثلث.

ومنها: إذا حلف لا يعتق عبدًا، فأعتق بعضه، إن قلنا: يقع على الجزء ثم يسري .. لم يحنث، وإن قلنا: توجه إلى الجميع .. حنث.

ومنها: لو قال لمقطوعة اليمين: يمينك حر .. لا تعتق على المذهب كما لو قال لها: يمينك طالق.

ومنها: إذا قال لوكيله: أعتق هذا العبد، فأعتق نصفه .. قال المتولي: على الأول لا يعتق، وعلى الثاني يعتق، ونقل الرافعي في آخر (التدبير) عن الروياني أنه قال: لا نعرف مسألة لا يسري العتق إلى باقي حصته إذا كان قابلًا للعتق إلا هذه.

قال: (وصريحه: تحرير وإعتاق) ، لما كان العتق حل القيد .. كان له صريح وكناية كالطلاق، فصريحه التحرير والإعتاث وما اشتق منهما؛ لورودهما في القرآن والسنة مكررين، وكذلك الاستعمال اللغوي كأنت حر أو محرر أو حررتك، أو أنت عتيق أو معتق أو أعتقتك، فلو قال: أعتقتك الله أو الله أعتقك .. فأوجه: ثالثها: صراحة الله أعتقك، بخلاف عكسه؛ فإنه دعاء.

ولو قال لمن زاحمته في الطريق: إليك يا حرة، وكانت أمته .. ففي (فتاوى الغزالي): لا تعتق، وإنما أعتق الشافعي أمته بذلك تورعًا.

ويستوي في ألفاظه الهازل واللاعب وغيرهما؛ لأن هزله جد كما رواه الترمذي وغيره.

ص: 465

وَكَذَا فَكٌّ رَقَبَةٍ فِي الأَصَّحُ، ولَا يَحتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، وَتَحتَاجُ إلِيَهَا كِنَايَةٌ،

ــ

قال: (وكذا فك رقبة في الأصح)؛ لوروده في القرآن.

وروى الحاكم [2/ 217] وأبو داوود عن البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: (أعتق النسمة: أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة) قال: أوليسا واحدًا يا رسول الله؟ قال: (لا، عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة: أن تعين في عتقها).

والثاني: أنه كناية؛ لأنه يستعمل في العتق وفي غيره، ويجريان في قوله: فككت رقبتك من الرق.

والظاهر: أن الترجمة صرائح العتق بجميع اللغات صرائح على المذهب كما سبق في نظيره من (الطلاق).

فرع:

ضرب رجل عبد غيره، فقال له سيد المضروب معاتبًا له: عبد غيرك حر مثلك .. لم يحكم بحريته بذلك، قاله والد الروياني.

قال: (ولا يحتاج إلى نية)؛ لأنه لم يفهم منه غيره عند الإطلاق، وهذا معلوم من لفظ الصريح، لكنه ذكر كالتوطئة لحكم الكناية.

وسكت الشيخان عما لو اشتهر لفظ للعتق في ناحية هل يكون حكمه حكم ما سبق في (باب الطلاق)؟ والقياس مجيء الخلاف فيه.

ولو كان اسمها قبل الرق حرة فناداها به وقصد النداء .. لم تعتق في الأصح، ولو قال: يا حرة في معرض التوبيخ .. لم تعتق وإن لم يكن اسمها حرة، حكاه في (الكفاية) عن القاضي حسين، ولعله أراد في الظاهر.

ومرادهم بعدم احتياجه للنية: نية الإيقاع، وإلا .. فلابد من قصد اللفظ بالجملة التي يقع بها العتق بمعناه كما تقرر في الطلاق؛ ليخرج العجمي إذا لفظ به ولم يعرف معناه.

قال: (وتحتاج إليها كناية)؛ لأنها تحتمل العتق وغيره، فافتقرت إلى النية كغيرها من الكنايات، وتكون في محلها كما تقدم في (الطلاق) ، وقل من تعرض

ص: 466

وَهِيَ: لَا مِلكَ لِي عَلَيكَ، لَا سُلطَانَ، لَا سَبِيلَ، لَا خِدمَةَ، أنتَ سَائِبَةٌ، أنَتَ مَولَاي، َ وكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَو كِنَايةٍ لِلِطَلَاقِ. وَقَولُهُ لِعَبدِهِ: أَنتِ حُرَةٌ، وَلِأمَتِهِ أنتَ حُرٌ .. صَرِيحٌ

ــ

لذلك ولو احتفت بها قرينة كالإمساك في الصوم.

قال: (وهي: لا ملك لي عليك، لا سلطان، لا سبيل، لا خدمة)؛ لإشعارها بإزالة الملك مع احتمال غيره، ومثلها: لا يد، لا أمر ونحوها؛ لاحتمالها.

وفي (لا خدمة لي عليك) وجه: أنه لا يكون شيئًا وإن نوى؛ لأن الخدمة لا تدل على الملك، إذ تجوز الوصية له بالخدمة دون الرقبة وقوله: أنت لله كناية، خلافًا لأبي حنيفة.

قال: (أنت سائبة)؛ لإشعارها بالعتق تشبيهًا بسوائب الجاهلية.

قال: (أنت مولاي)؛ لأن المولى مشترك بين معان فيا المعتق والمعتق.

ولو قال لعبده: ياسيدي .. قال القاضي حسين والغزالي: هو لغو، ورأى الإمام أنه كناية، قال في (الشرح الصغير): وهو الأشبه ، والمصحح في المذهب، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير).

وعد الصميري من الكنايات: لا أبيعك واذهب وامض.

وعد في (المحرر) منها ترجمة قوله لأمته: يا سيدة البيت القائمة بتدبير أمره

قال: (وكذا كل صريح أو كناية للطلاق)؛ لإشعاره بإزالة القيد، لكن يستثنى منه إذا قال: أنا منك طالق أو بائن ونحوهما ونرى إعتاق العبد أو الأمة .. فإنه لا يعتق على الصحيح، بخلاف نظيره من الطلاق.

والفرق: أن الزوجية تشمل الجانبين والرق يختص بالعبد.

قال: (وقوله لعبده: أنت حرة، ولأمته: أنت حر .. صريح) ويغتفر الخطأ في التذكير والتأنيث.

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

قال لعبده: يا خواجا .. لم يعتق، قاله المروروذي.

وفي (الأحياء) قبيل (باب ذم الغرور) بنحو ورقة: أن الزهري قال: من قال لعبده: خزاء الله .. عتق عليه.

وفي (الكشاف) في سورة (يس): إذا قال الرجل: كل مملوك لي قديم حر، أو كتب ذلك في وصيته .. عتق منهم من مضى له حول وأكثر؛ لأن القديم هو المحول.

وفي (فتاوى الغزالي): لو اجتاز بالمكاسين ومعه عبد فقال: هو حر خوفًا من المكس وقصد الإخبار .. لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى، وهو كاذب.

قال الرافعي: ومقتضاه أنه لا يقبل ظاهرًا، وتعقبه في (المهمات) فجعله مقبولًا في الظاهر، وهو غير ظاهر، بل الصواب: أنه كما لو قيل له: أطلقت زوجتك فقال: نعم وقصد ب لك الكذب .. فإنها تطلق منه ظاهرًا، فكذلك هنا.

ولو قال له: افرغ من هذا العمل قبل العشاء وأنت حر، وقال: أردت حرًا من العمل دون العتق .. دين، ولا يقبل ظاهرًا.

وفي (طلاق) الروضة: أنه لو قال لامرأته: يا ابنتي وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن، كما لو قال لعبده أو أمته ذلك.

قلت: المختار في هذا: أنه لا يقع الفرقة إذا لم تكن له نية؛ لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة.

ولو قال: أول من يدخل الدار من عبيدي أو أي عبد من عبيدي دخل الدار أولًا .. فهو حر، فدخل اثنان معًا وثم ثالث .. لم يعتق واحد منهم، أما الثالث .. فظاهر، وأما الاثنان .. فلأنه لا يوصف واحد منهما بأنه أول.

وقال الشيخ أبو علي: يحتمل وقوع العتق عليهما؛ لأن كل واحد منهما يوصف بأنه أول، لأنه لو قال: أول من رد آبقي .. فله دينار، فرده اثنان .. استحقا، قال: وعرضته على القفال فلم يستبعده، قال: في (المهمات): الحق أن الأول يطلق على المتعدد كما صرح به الرافعي في (باب المسابقة) ، ونص عليه الشافعي في (الكتابة).

وإذا قال: أول من يدخل الدار من عبيدي، أو أي عبد من عبيدي دخل أولًا ..

ص: 468

وَلَو قَالَ: عِتقُكَ إِليكَ أَو َخَيَّرتُكَ وَنَوَى تَفوِيضَ العِتقُ إليهِ فَأَعتَقَ نَفسَهُ فِي الَمجلِسِ .. عَتَقَ، أَو أعتَقتُكَ عَلَى أَلفٍ، أَو أنتَ حُرُّ عَلَى ألفٍ فَقَبِلَ، أَو قَالَ لَهُ العَبدُ: أَعتِقنِي عَلى ألفٍ، فَأجَابَهُ .. عَتَقَ فِي الحَالِ وَلَزِمَهُ الأَلفُ .....

ــ

فهو حر، فدخل واحد .. عتق على الأصح.

ولو قال: آخر من يدخل، فدخل بعضهم بعد بعض .. لم يحكم بعتق واحد منهم إلى أن يموت السيد ليتبين الآخر.

قال: (ولو قال: عنقك إليك أو خيرتك ،ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس .. عتق)؛ لأن العتق والطلاق يتقاربان فكل ما تقدم هناك يأتي مثله هنا.

وتعبيره ب (المجلس) يقتضي؛ أنه لا يشترط الفور، لكن ظاهر عبارة (الشرح) و (الروضة) اشترطاه حيث قالا: فأعتق نفسه في الحال .. عتق، وهو يوافق ما ذكره في تفويض الطلاق أنها لو أخرت بقدر ما ينقطع به الإيجاب عن القبول ثم طلقت .. لم يقع، فليحمل إطلاق المصنف المجلس على مجلس التخاطب لا الحضور.

وظاهر عبارته/ أن التفويض بالصريح نشترط معه نية التفويض، لكن صرح الشيخان في (الطلاق) بعدم الاحتياج، وإنما يشترط ذلك في التفويض بالكناية، وهو ظاهر.

فعلى هذا: يكون قول المصنف: (ونوى) قيدًا في الأخير،

ويقرأ (خيرتك) كما وقع في بعض نسخ (المحرر) من التخبير، لا [حررتك]، لكن عبارة الرافعي و (الروضة): ولو قال: جعلت عتقك إليك أو [حررتك] ، ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في الحال .. عتق.

قال: (أو أعتقتك على ألف، أو أنت حر على ألف فقبل) أي: في الحال (أو قال له العبد: أعتقني على ألف، فأجابه .. عتق في الحال، ولزمه الألف) أي: في

ص: 469

وَلَو قَالَ: بِعتُكَ نَفسَكَ بِألفٍ، فَقَالَ: اشتَرَيتُ .. فَالمَذهَبُ: صِحَّةُ البَيعِ، ....

ــ

الصور الثلاث كالخلع، بل أولى؛ لتشوف الشرع إلى تخليص الرقبة دون الفراق.

فعلى هذا: هو من جانب المالك معاوضة فيها شائبة التعليق، ومن جانب المستدعي معاوضة نازعة إلى الجعالة، ولا يقدح كونه تمليكًا؛ إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المقصود.

وفي (الحاوي) وجه: أنه لا يعتق؛ لأن للزوجة مدخلًا في رفع النكاح بالفسخ، وليس للعبد مدخل في رفع الرق عن نفسه، فكان العتق أضيق خمًا.

وقوله: (في الحال) تبع فيه (المحرر) ولا فائدة له، ولهذا لم يذكره في (الشرح) ولا في (الروضة) ، وكأنهما انتقلا من مسألة إلى مسألة أخرى، فالللذي في (الشرح) وفي (الروضة) في الصور الثلاثة (عتق) ولم يقولا في الحال، ثم قالا: ولو قال: أعتقتك على كذا إلى شهر كذا، فقبل .. عتق في الحال والعوض مؤجل، فلعله انتقل الحكم من هذه إلى ما ذكره.

ولو أعتقه على خمر أو خنزير .. عتق وعليه قيمته، وكذا إن قال: أعتقتك على أن تخدمني، ولو يذكر مدة، أو قال: على أن تخدمني أبدًا، ولو قال: على أن تخدمني شهرًا أو تعمل لي كذا، وفصله فقبل .. عتق وعليه ما التزم، وإن لم يفصل .. عتق وعليه القيمة، ولو خدمه نصف شهر ثم مات .. فللسيد نصف قيمته في تركته.

ومسألة الخدمة نذكورة في (الإجارة) ةفي (الكتابة) وههنا، ففي (الكتابة) و (الإجارة) لا يشترط تفصيل أنواع الخدمة، وهنا كما ترى، فبين الأبواب اختلفا في ذلك في كلام الشيخين.

قال: (ولو قال: بعتك نفسك بألف، فقال: اشتريت .. فالمذهب: صحة البيع) كالكتابة وأولى، لأن البيع أثبي والعتق فيه أسرع.

فعلى هذا: لو أقر السيد بيعه من نفسه .. عتق، ولا يلزم العبد الثمن، ونقل الربيع قولًا: أنه لا يصح؛ فإنه عامل رقيق بالبيع المحقق، فمنهم من أثبته قولا ومنهم من نفاه.

وصورة المسألة: أن يبيعه بثمن في ذمته حالا أو مؤجلا يؤديه بعد الحرية، فلو

ص: 470

وَيَعتِقُ فِي الحَالِ وَعَليهِ ألفٌ، وَالوَلَاءُ لِسَيِّدَهِ

ــ

باعه بثمن معين، فلا يصح قطعًا؛ لأنه لا يملكه.

وحكى الماوردي عن أبي هريرة: أنه لا يصح بالحال، ويصح بالمؤجل كالكتابة.

قال في (البحر): ونص الشافعي في (كتاب الإقرار) على جوازه؛ لأن العتق يحصل فيه قبل الأداء، بخلاف الكتابة، وهذه المسألة في (شرح) و (الروضة) في أوائل (الكتابة).

قال: (ويعتق في الحال وعليه ألف) وكأنه أعتقه على مال كالخلع، ولهذا كان عتاقة على الأصح لا بيعًا؛ فلا يثبت فيه خيار المجلس، ولو كان بيعًا .. لتثبت فيه.

قال: (والولاء لسيده)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق) ولو كان بيعًا .. لم يثبت فيه.

وقيل: لا ولاء عليه؛ لأنه عتق على ملك نفسه، ونسب لابن سريج، هذا إذا باعه نفسه جميعها، فإن باعه بعضها .. فهل يسري على البائع؟ قال البغوي في (الفتاوى): نعم؛ إذا قلنا الولاء له كما لو أعتقه، فإن قلنا: لا ولاء له .. لم يسر كما لو باعه من غيره، ولا يجب على السيد أن يحط عنه شيئًا على المذهب.

وحكى الإمام وجهًا: أنه يحب الإيتاء في كل عقد عتاقة فيه عوض كالكتابة.

حادثة:

عبد انتهى الملك فيه لبيت المال، فاشترى نفسه من وكيل بيت المال، اتفق هذا في بلاد الصعيد .. فأفتى الشيخ جلال الدين الدشاني –وهو أفقه تلامذة ابن عبد السلام- بالصحة، ورفعت القضية إلى القاضي بقوص- وهو القاضي شمس الدين الأصبهاني شارج (المحصول) – فقال: لا يصح؛ لأنه عقد عتاقة، وليس لوكيل

ص: 471

وَلَو قَالَ لِحَامِلٍ: أَعتَقتُكِ، أَو أَعتَقتُكِ دُونَ حَملِكِ .. عَتَقَا

ــ

بيت المال أن يعتق عبد بيت المال.

قال الشيخ: والصواب ما أفتى به الدشنائي؛ فإن هذا العتق إنما وقع بعوض فلا تضييع فيه على بيت المال.

وقوله: ليس لوكيل بيت المال العتق إن أراد مجانًا حيث لم يؤذن له .. فصحيح، وليس مما نخن فيه وإلا .. فممنوع، بل له العتق بعوض إذا كان مصلحة، وبغير عوض إذا أذن له الإمام.

وقد ذكر الرافعي في (الهدنة): أن العبد المسلم إذا أتانا .. فللإمام أن يدفع قيمته من بيت المال ويعتقه عن كافة المسلمين، وولاءه لهم.

قال: (ولو قال لحامل) أي: لأمة حامل بمملوك له (أعتقتك، أو أعتقتك دون حملك .. عتقًا) أما الأولى .. فكبيعها، لكن هل يعتق بطريق التبعية كما يتبع الحمل الأم في البيع، أو بطريق السراية؟ فيه وجهان: أصحهما: الأول؛ لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص.

وأما الثانية .. فلأن ابن عمر أعتق أمة واستثنى ما في بطنها له ، ثبت ذلك عنه كما قاله ابن المنذر في (باب الهدنة) ، ولا يعرف له مخالف، ولأنه جزء منها.

ويخالف ما لو قال: بعتك الجارية دون حملها فإنه لا يصح، لأن العتق لا يبطل بالاستثناء لقوته.

وهو كما لو استثنى عضوًا في البيع ،، بطل البيع.

وزعم في الروضة في (كتاب الوصية): أنه لا خلاف في هذه الصورة، واعترض عليه بأن أبا علي والقاضي حكيا فيه وجهين مبنيين على الخلاف السابق.

ص: 472

وَلَو أَعتَقَهُ .. عَتَقَ دُونِهَا، وَلَو كَانَت لِرَجُلٍ وَالَحملُ لِآخَرَ .. لَم يَعتَق أَحَدُهُمَا بِعِتقِ الآخَرِ

ــ

ولو عتقت قبل حروج الولد منها .. سرى العتق إليه على الأصح، قاله الشيخان في (كتاب العدة).

وكلام المصنف: محمول على المجتن كله أو بعضه.

وشمل إطلاقه ما لو قال لها: أنتي حرة بعد موتي، وفيها في (الرافعي) في (باب الوصية) وجهان:

أحدهما: لا يعتق الحمل؛ لأن إعتاق الميت لا يسري.

وأصحهما: يعتق؛ لأنه كعضو منها.

قال: (ولو أعتقه .. عتق دونها)؛ لأن الأصل لا يتبع الفرع، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع.

وقال الإمام في (كتاب الوصية): لم يصر أحد من الأصحاب إلى خلافه غير الشيخ أبي بكر الطوسي، ونقله الرافعي عن الأستاذ أبي إسحاق أيضًا بالقياس على عكسه، وفرق الجمهور بأنه إنما وقع العتق عليه تبعًا لاندراجه في بيع الأم، فلا تتبعه أمه عند توجه العتق إليه ابتداء، وإنما يعتق منفردًا إذا نفخت فيه الروح، فأما قبل ذلك .. فلا، لأن إعتاق ما لم تنفخ فيه الروح لا يصح كما نقله الشيخان في (كتاب التدبير) عن القاضي حسين.

قال: (ولو كانت لرجل والحمل لآخر .. لم يعتق أحدهما بعتق الآخر)؛ لأنه استتباع مع اختلاف المالك.

وحكى القاضي حسين وجهًا: أنه يعتق الولد، ويجب على معتق الأم قيمته وقت انفصاله.

ولا يسرس العتق من الولد إليها بلا خلاف، ويتصور الحمل لغير مالك الأم في الوصية والرد بالعيب إذا حدث الحمل على ملك المشتري ثم رد وقلنا: لا يتعدى للحمل الحادث، بخلاف الفلس على الأصح فيهما، وفي (الهبة) فيما إذا وهب الحامل وأطلق .. فإن الإمام حكى عن الجديد أنه لا يدخل الحمل في الهبة.

ص: 473

وَإِذَا كَانَ بَينَهُمَا عَبدٌ فَأعتَقَ أَحَدُهُما كُلَّهُ أو نَصِيبَهُ .. عَتَقَ نَصِيبُهُ، فَإن كَانَ مُعسِرًا .. بَقِيَ البَاقِي لِشَرِيكِهِ،

ــ

قال: (وإذا كان بينهما عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه .. عتق نصيبه) بالإجماع؛ لأنه مالك التصرف وقد وجه العتق على ملكه.

وصورة المسألة: أن يقول: نصيبي منك حر، أو أعتقت نصفك الذي أملكه، فلو قال: نصفك حر، وكان يملك نصفه .. فهل يعتق نصيبه كله ابتداء، أو يقع على النصف مشاعًا فيعتق الربع ثم يسري إلى ربع آخر فقط إن كان معسرًا، أو إلى الجميع إن كان موسورًا؟ وجهان:

قال الإمام: لا فائدة لهما إلا في تعليق طلاق أو عتق، كما لو قال: إن أعتقت نصيبي منه فامرأتي طالق، أو أمتي حرة .. فإن الطلاق والعتق يقعان على القول باختصاصه بنصيبه دون الوجه الآخر.

قال ابن الرفعة: وكذلك إذا وكل أحد الشريكين الآخر في عتق نصيبه منه فقال الوكيل: أعتقت نصفك، ولم ينو عنه ةلا عن موكله .. ففي وقوعه عنه أو عن الموكل وجهان.

وزاد في (المهمات) سؤال العتق على عوض، فإذا قال: أعتق النصف الذي لك على ألف، فأطلق إعتاق النصف، فإن قلنا: ينزل على نصفه .. استحق، وإن قلنا: يكون شائعًا ثم يسري .. لم يستحق إلا النصف الألف كما لو قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها طلقة ونصفًا، هل تستحق ثلثي لألف لوقوع طلقتين، أو النصف فقط لأنه إنما أوقع نصف الثلاث والتكميل حكم شرعي؟ فيه وجهان: أرجحهما: في زوائد (الروضة): الثاني.

ولو ملك المكاتب بعض قريبه فأعتق شريكه نصيبه، هل يسري أو يكون ملك المكاتب مانعًا لكونه يعتق عليه؟ فيه نظر.

قال: (فإن كان معسرًا .. بقي الباقي لشريكه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد .. قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعظى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا .. فقد عتق منه ما عتق (رواه

ص: 474

وَإِلَاّ .. سَرَى إِلَيهِ، أَو إِلَى مَا أيسَرَ بِهِ،

ــ

الشيخان [خ 2522_ م 1501/ 1] من حجديث عمر، ورواه الدارقطني [4/ 124](ورق منه ما بقي).

فإن قيل: في الكتب الستة: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شقصًا من مملوك .. فعليه كله إن كان له مال، وإلا .. استسعى العبد غير مشقوق عليه) فلم لا عملتم بذلك .. قيل: السعاية محمولة على أنه يستسعي لسيده الذي لم يعتقه؛ أي: يخدمه بقدر نصيبه كي لا يتوهم أنه يحرم عليه استخدامه.

فإن قيل: جاءت رواية: (فإن لم يكن له مال .. قوم العبد قيمة عدل ثم استسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه) .. فالجواب: أن جماعة رووا الحديث ولم يذكروا السعاية فدل على أنها ليست من متنه، بل من كلام الراوي، ولذلك قال الخطابي: اضطرب سعيد بن أبي عروبة فذكرها مرة، ومرة لم يذكرها، فدل على أنها مدرجة من كلام قتادة لا من متن الحديث.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن معسرًا (.. سرى إليه، أو إلى ما أيسر به)؛ للحديث السلبق، وليس المقصود من الموسر أنه يعد من الأغنياء، ولكن أن يكون له من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه فاضلًا عن فوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم، ويصرف إبى ذلك كل ما يباع ويصرف في الديوان، والاعتبار بحالة الإعتاق دون ما بعده.

والمريض ليس موسرًا إلا بثلث ماله، فإذا أعتق نصيبه من المشترك في مرض موته، فإن خرج جميع العبد من ثلث ماله .. قوم عليه نصيب شريكه وعتق جميعه، وإن لم يخرج منه إلا نصيبه .. عتق ولا سراية.

وعند أبي حنيفة: لا سراية ولا تقويم، ولكن إذا كان المعتق موسرًا .. فيتخير الشريك بين ثلاثة أمور: أن يعتق نصيب نفسه.

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأن يستسعي العبد حتى يؤدي قيمته نصيبه ويعتق، وعلى التقدير يكون ولاءه بينهما.

وأن يضمن المعتق قيمة نصيبه، ثم المعتق يستسمي العبد فيما غرم، فإذا أداه .. عتق، وكان جميع الولاء له.

وإن كان معسرًا .. فلا يضمنه الشريك، ويتخير بين الخصلتين الأوليين.

وموضع السراية بالاتفاق إذا لم يتعلق بمحل السراية حق لازم، فلو أعتق نصيبه ونصيب شريكه مرهون .. سرى على الأصح؛ لأن حق المرتهن ليس بأقوى من حق المالك، وتنتقل الوثيقة إلى القيمة.

ولو كان نصيب شريكه مدبرًا .. قوم أيضًا على الأظهر؛ لأن المدبر كالقن في البيع.

ولو كان نصيب الشريك مستولدًا بأن استولدها وهو معسر .. لم يسر على الأصح؛ لأن السراية تتضمن النقل.

وقيل: يسري؛ لأن السراية كالإتلاف، وإتلاف أم الولد يوجب القيمة.

وقوله: (إلى ما أيسر به) هو الصحيح المنصوص كبدل المتلف، ولأنه يقربه من الحرية.

وقيل: لا يسري؛ لأن تقويم البعض لا يفيده الاستقلال وكما لا يأخذ الشفيع البعض.

ولو كان العبد بين ثلاثة فأعتق اثنان منهما نصيبهما معًا وأحدهما موسر والآخر معسر .. فإنه يقوم جميع نصيبه الذي لم يعتق على الموسر كما جزم به الشيخان.

ولو أقر بحرية عبد في يد ثم اشترى بعضه وهو موسر .. ففي سرايته نظر.

ويتجه أن يقال: إن قلنا: إنه بيع .. يسري، أو افتداء .. فلا.

ولو كان عبد بين اثنين فباع أحدهما نصيبه للعبد هل يسري على الباقي إذا كان موسرًا؟ يتجه بناؤه على أنه عقد بيع أو إعتاقه.

ص: 476

وَعَلَيهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَومَ الإعتَاقِ. وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفسِ الِإعتَاقِ،

ــ

قال: (وعليه قيمة ذلك يوم الإعتاق)؛ لأنه وقت الإتلاف أو وقت سببه.

وظاهر عبارته: أن الواجب قيمة حصة الشريك إذا قومت وحدها لا ما يخصه من قيمة جميع العبد باعتبار التوزيع، حتى إذا كان العبد يساوي ثلاث مئة، ونصفه يساوي مئة، فأعتق أحد الشريكين نصفه وسرى إلى النصف الآخر .. لا يلزمه إلا مئة كما ذكره القاضي أبو الطيب في (باب الغصب) من (شرح الفروع) ، وكذلك الماوردي والروياني؛ لأن العتق ينقص القيمة، قال ابن الرفعة: وهو ظاهر التوجيه، ومثله قول الأصحاب: إن الواجب للزوج إذا طلق قبل الدخول وتعذر الرجوع للشطر قيمة النصف لا نصف القيمة.

وللشريك مطالبة المعتق بدفع القيمة وإجباره عليها، فلو مات المعتق .. أخذت من تركته، ولو لم يطالبه الشريك .. كان للعبد المطالبة، فإن لم يطلبه .. طالبه القاضي؛ لما في العتق من حق الله تعالى.

وإذا اختلفا في قيمته، فإن كان حاضرًا والوقت قريب .. راجعنا المقومين، وإن مات أو غاب أو تقادم العهد .. فقولان: الأظهر: تصديق المعتق؛ لأنه غارم.

قال: (وتقع السراية بنفس الإعتاق)؛ لما روى أبو داوود [3932]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق نصيبًا له من مملوك .. أعتق من ماله إن كان له مال) وفي (الصحيحين)[خ 2553_ م 1501/ 1] بنحوه.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لله شريك) وبنفس اللفظ (صار لله) فلو أبقينا ملك الشريك .. لأثبتنا الشركة.

فعلى هذا: يصير حكمه في الحال حكم الأحرار في الشهادة وافرث والجناية والحد وغيره، وهل تحصل الحرية دفعة واحدة؟ فيه وجهان في (الكفاية)، قال الإمام: ينقل الملك ثم يعتق، وقيل: يحصلان معًا والمشهور الأول.

ويستثنى من كون السراية بنفس الإعتاق ما لو كاتبا العبد المشترك ثم أعتق أحدهما نصيبه .. فإنما يحكم بالسراية بعد العجز عن أداء نصيب الشريك على الصحيح؛ فإن في التعجيل ضررًا على السيد لفوات الولاء، وبالمكاتب لانقطاع الكسب عنه.

ص: 477

وَفِي قَولٍ: بِأَدَاءِ القِيمَةِ، وَفِي قَولٍ: إن دَفَعَهَا .. بَانَ أَنَّهَا بِالإعتَاقِ. وَاستِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَينِ المٌوسِرِ يَسرِي،

ــ

قال: (وفي قول: بأداء القيمة)؛ لما روى النسائي [سك 4922]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسرًا .. يقوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط، ثم يعتق).

ولأنه عتق بعوض ورد في الشرع به فلا يسبق وقوع العتق دفع العوض كالكتابة، ولأن في إزالة ملك الشريك قبل أن يحصل العوض إضرارًا به؛ فإنه قد يفوته بهرب أو غيره، والضرر لا يزال بالضرر.

وعلى هذا القول: إن اختلفا في القيمة .. فالقول قول الشريك كالمشتري مع الشفيع.

قال: (وفي قول: إن دفعها .. بان أنها بالإعتاق)؛ لأن الحكم بالعتق يضر السيد، والتأخير إلى الأداء القيمة يضر بالعبد، والتوقف أقرب إلى العدل ورعاية الجانبين.

وسكت المصنف عن الشق الآخر وهو يفهم أن المراد وإن لم يدفع .. بان أنه لم يعتق كما عبر في (التنبيه).

والصواب في تقديره وإن فات الدفع كما عبر به في (الشرح) و (الروضة) أي: بأن كان معسرًا، فعدم الدفع لا نهاية له.

وإذا اختلفا في القيمة لتلف أو غيبة أة تغير القيم لطول المدة .. فالمصدق الشريك على هذا القول أيضًا.

قال: (والاستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري) كالإعتاق، بل هو أولى منه بالنفوذ؛ لأنه فعل والأفعال أقوى، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور دون إعتاقهما، وإيلاد المريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث.

وقيل: العتق أولى؛ لأنه لا يفيد حقيقة العتق.

وقيل: هما سواء؛ لتعارض المعنيين، والأوجه الثلاثة حكاها الرافعي في (الرهن) وعزى الأول للأكثرين.

ص: 478

وَعَلَيهِ قِيمَةٌ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِن مَهرِ مِثلٍ، وَتَجِري الأَقوَالُ فِي وَقتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، فَعَلَى الأَوَلِ وَالثَّالِثِ: لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الوَلَدِ، وَلَا يَسرِي تَدبِيرٌ، وَلا يَمنَعُ السِّرَايَةَ دَينٌ مُستَغرِقٌ فِي الأَظهَرِ

ــ

قال: (وعليه قيمة نصيب شؤيكه)؛ للإتلاف بإزالة الملك.

وتعبيره ب (قيمة النصف) صريح في إيجابها، لا نصف القيمة، وبينهما فرق تقدم، ونصف القيمة أكثره لأجل التشقيص، والصواب هنا قيمة النصف، لأنه إنما أتلف بعضًا.

قال: (وحصته من مهر مثل) بسبب الاستمتاع بملك غيره، ويجب مع ذلك أرش البكارة لو كانت بكرًا، وهل يفرد أو يدخل في المهر؟ خلاف اضطرب فيه الترجيح كما تقدم.

قال: (وتجري الأقوال في وقت حصول السراية، فعلى الأول والثالث: لا تجب قيمة حصته من الولد)؛ أما على القول الثاني .. فإنها تجب.

قال: (ولا يسري تدبير)؛ لأنه كتعليق العتق بصفة، ولأن السراية على الميت ممتنعة، فإن قال: دبرت نصفك مثلًا، فإذا مات .. عتق ذلك الجزء فقط، ولو قال: دبرت يدك .. فوجهان:

قيل: يلغو.

وقيل: يعتق كله بعد موته.

وإن دبر شركًا في عبد .. لم يقوم عليه في الأصح، وفي قول: إن التدبير يسري ويقوم عليه، فإن قيل: يرد عليه ما لو دبر حاملًا فإنه يثبت للولد حكم التدبير على المذهب كما ذكره في بابه فإنه تدبير سري .. فالجواب: أنه ليس على سبيل السراية كما سيأتي في مكانه.

قال: (ولا يمنع السراية دين مستغرق في الأظهر) كما لا يمنع تعلق الزكاة.

والثاني: يمنع؛ لأنه معسر يحل له أخذ الزكاة.

ص: 479

وَلَو قَالَ لِشَريكِهِ المُوسِرِ: أَعتَقتَ نَصِيبَكَ فَعَليكَ قِيمَةُ نَصِيِبي، فَأنكَرَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَلَا يَعتِقُ نَصِيبُهُ، وَيَعتِقُ نَصِيبُ المُدَّعِي بِإقرَارِهِ إِن قُلنَا: يَسرِي بِالِإعتَاقِ، ولَا يَسرِي إلَى نَصِيبِ المُنكِرِ. وَلَو قَالَ لِشَرِيكِه: إن أَعتَقَ نَصِيبَكَ فَنَصيِبي حُرٌّ بَعدَ نَصِيبِكَ، فَأعتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ .. سَرَى إلَى نَصِيبِ الأَوَّلِ إن قُلنَا: السِّرَايَةُ بِالِإعتَاقِ،

ــ

كل هذا إذا كان من يسري عليه العتق غير محجور عليه، فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ووجدت الصفة قبل فك الحجر عنه، فإن قلنا: الاعتبار في نفوذ العتق بحالة وجود الصفة وهو الأصح .. لم يسر.

قال: (ولو قال لشريكه الموسر: أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي، فأنكر) أي: ولا بينة للمدعي (.. صدق بيمينه، فلا يعتق نصيبه)؛ لأن الأصل عدم العتق، فلو كان معسرًا وأنكر وحلف .. لم يعتق من العبد شيء، فلو اشترى المدعي نصيب المدعي عليه .. عتق عليه ولا سراية.

قال: (ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا: يسري بالإعتاق) مؤاخذة له بإقراره.

قال: (ولا يسري إلى نصيب المنكر) وإن كان موسورًا؛ لأنه لم ينشئ العتق، فأشبه ما إذا ادعى أحد الشريكين على رجل: إنك اشتريت نصيبي وأعتقته، وأنكر المدعى عليه بعتق نصيب المدعي ولا يسري.

قال: (ولو قال لشريكه: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر بعد نصيبك، فأعتق الشريك وهو موسر .. يرى إلى نصيب الأول إن قلنا: السراية بالإعتاق) وكذلك إذا قلنا بالتبيين إذا أديت القيمة، وإذا قلنا بالأداء .. فنصيب المعلق عمن يعتق؟ فيه وجهان.

أما لو كان الشريك المعتق معسرًا .. فيعتق على كل منهما نصفه، فلو اقتصر على

ص: 480

وَعَليهِ قِيمَتُهُ. وَلَو قَالَ: فَنَصِيِبي حُرٌّ قَلبَهُ، فَأعتَقَ الشَّرِيكُ: فَإِن كَانَ المُعَلِّقُ مُعسِرًا .. عَتَقَ نَصِيبُ كُلَّ عَنهُ، وَالوَلَاءُ لَهُمَا، وَكَذَا إِن كَانَ مُوسِرًا وَأبطَلنَا الدَّورَ، وإلَاّ .. فَلَا يَعتِقُ شَيءٌ ،

ــ

قوله: (فنصيبي حر) أو: فجميع العبد حر .. كان الحكم كما لو قال: (بعد نصيبك) أو: بعد عتق نصيبك.

قال: (وعليه قيمته)؛ لأن الراية أقوى من العتق بالتعليق، لأن السراية قهرية لا مدفع لها، وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه.

قال: (ولو قال: فنصيبي حر قبله، فأعتق الشريك: فإن كان المعلق معسرًا .. عتق نصيب كل عنه) المنجز في الحال والمعلق قبله؛ لموجب التعليق ولا سراية.

قال: (والولاء لهما)؛ لاشتركهما في العتق، وهذا لا خلاف فيه، وكذا إذا كانا معسرين.

قال: (وكذا إن كان) أي: المعلق (موسورًا وأبطلنا الدور) أي: اللفظي وهو الأصح، فيعتق نصيب كل واحد منهما عنه ولا شيء لأحدهما على الآخر كما لو قال: مع نصيبك.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يبطل الدور اللفظي كما قاله ابن الحداد (.. فلا يعتق شيء)؛ لأنه لو نفذ إعتاق المقول له في نصيبه .. لعتق نصيب القائل قبله، ولو عتق .. ليرى، ولو سرى .. لبطل عتقه، فيلزم من مفوذه، وإذا لم ينفذ عتق حصة المقول له .. لم ينفذ عتق حصة المعلق، فعبر المصنف بقوله:(فلا يعتق شيء)؛ لتكون أنص على المراد من غيرها.

وبقي من أقسان المسألة ما إذا قال: فنصيبي حر مع عتق نصيبك، أو في حال عتق نصيبك، إن قلنا بحصول السراية بالإعتاق .. عتق نصيب كل واحد عن نفسه على الأصح، وقال القفال والشيخ أبو علي: يعتق جميع على المقول له.

حادثة:

سئل الشيخ عن رجل مات وترك عبدًا، فادعت زوجته أنه عوضها إياه عن صداقها وأنها أعتقته، فهل يعتق نصيبها ويسري إلى باقيه، أو لا؟ فقال: يعتق نصيبها

ص: 481

وَلَو كَانَ عَبدٌ لِرَجُلِ نِصفُهُ وَلآخِرَ ثُلُثَهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ، فَأعتَقَ الآخِرَانِ نَصِيبَهِمَا مَعًا .. فَالقِيمَةُ عَلَيهِمَا نِصفَانِ عَلَى المَذهَبِ. وَشَرطُ السِّرَايَةِ: إِعتَاقُهُ بِاختِيَارِهِ،

ــ

ولا يسري؛ لأن الإقرار بإعتاقه يحتمل أن يكون قبل الموت وبعده، والأول يقتضي المؤاخ1ة في نصيبها وعدم السراية، والثاني يقتضي السراية، فحمل على المتيقن وهو عدمها، ويؤاخذ بإقرارها في إسقاط صداقها.

قال: (ولو كان عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه، فأعتق الآخران نصيبهما معًا .. فالقيمة عليهما نصفان على المذهب)؛ لأن ضمان التلف يستوي فيه القليل والكثير كما لو مات عن جراحتهما المختلفة.

والطريق الثاني: حكاية قولين: أحدهما: هذا.

والثاني: أنها على الملكين كنظيره من الشفعة، وفرق الأول بأن الأخذ بالشفعة من مرافق الملك كالثمرة، وهنا سبيله سبيل ضمان المتلف، وموضع الخلاف إذا كانا مويرين، فإن كان أحدهما موسرًا فقط .. قوم عليه نصيب الثالث بلا خلاف، كذا قاله الشيخان.

وحكى القاضي فيه وجهًا كمذهب مالك: أنه يخصه بالسراية ما كان يخصه لو كان موسرًا، لكنه خالفه في موضع آخر.

وضبط المصنف بخطه (الآخران) بكسر الخاء؛ ليوافق قوله في (المحرر): فأعتق الثاني والثالث.

وقوله: (معًا) المراد: أنه وقع ذلك اتفاقًا، أو علقا بصفة واحدة فوجدت، أو صفتين فوجدتا معًا.

قال: (وشرط السراية: إعتاقه باختياره) ، سواء باشر ذلك أو تسبب فيه بأن ملكه باختياره كالشراء والهبة وقبول الوصية.

واحترز ب (الختيار) عما لو عتق عليه .. فلا يسري، كمن كاتب عبدًا فاشترى

ص: 482

فَلَو وَرِثَ بَعضَ وَلَدِهِ .. لَم يَسرِ. وَالمَرِيضُ مُعسِرٌ إلَاّ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَالمَيتُ مُعسِرٌ، فَلَو أوصَى بِعِتقِ نَصِيبِه .. لَم يَسرِ

ــ

شقصًا ممن يعتق على سيده، ثم عجزه السيد فصار الشقث له وعتق عليه .. فالأصح: أنه لا يسري.

ومن قال: إن المصنف احترز ب (الاختيار) عما إذا أعتق مكرهًا واهم؛ لأن الكلام فيما يعتق منه الشقص، وهذا لا عتق فيه أصلًا.

قال: (فلو ورث بعض ولده .. لم يسر)؛ لأن التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات، ولم يوجد منه صنع ولا قصد إتلاف.

وعبر في (المحرر) بالقريب بدل الولد، وهو أعم.

قال: (والمريض معسر إلا في ثلث ماله) فإذا أعتق في مرض موته نصيبه ولم يخرج من الثلث غيره .. فلا سراية في الباقي، ولم يذكروا هنا إجازة الوارث؛ لأن السراية قهرية.

والتحقيق: أن المريض موسر كالصحيح؛ فإن شفي .. لزمه ما جرى، وإن مات .. نظر في الثلث عند الموت، وفارق المفلس؛ لتعلق حق الغرماء بالأعيان.

قال: (والميت معسر، فلو أوصى بعتق نصيبه .. لم يسر) ولو خرج جميعه من الثلث؛ لأن الموت ينقل المال إلى الوارث، ويبقى الميت معسرًا ولا تقويم على من لا يملك شيئًا وقت نفوذ العتق، بل لو كان العبد له فأوصى بإعتاق بعضه فأعتق .. لم يسر، فلو قال: أعتقوا نصيبي وكملوا العتق .. كملناه إن خرج من الثلث، وإلا .. فما يخرج.

تتمة:

أمة حامل من زوج، اشتراها زوجها وابنها الحر معًا وهما موسوران .. فالحكم كما لو أوصى سيدها بها لهما وقبلا الوصية معًا .. تعتق الأمة على الابن، والحمل يعتق عليهما ولا يقوم.

ص: 483

فَصلٌ:

إذَا مَلَكَ أَهلٌ تَبَرُّعٍ أَصلَهُ أو فَرعَهُ .. عَتَقَ،

ــ

قال: (فصل:

إذا ملك أهل تبرع أصله أو فرعه .. عتق) أي: عليه، قال ابن المنذر: أجمعوا على ذلك، زكأنه لم يعبأ بخلاف داوود.

واستدل لعتق الأصول بقوله تعالى: {واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} ولا تأتي خفض الجناح مع الاسترقاق.

وفي (صحيح مسلم)[1510] عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).

وهذه الرواية محمولة على الرواية الأخرى (فيعتق عليه).

وظن داوود أن الرواية بنصب (فيعتقه) عطفًا على (فيشتريه) فيكون الولد هو المعتق فقال: لا بد من إنشاء عتق، ولا يعتق بمجرد الملك شيء.

والمشهور في الرواية الرفع، والضمير عائد على المصدر المحذوف الذي دل عليه الفعل، تقديره: فيعتقه الشراء، وعلى النصب ينعكس المعنى، والصواب الرفع، وتؤيده رواية (عتق عليه) ، وفي أخرى (فهو حر).

وأما عتق الفرع .. فلقوله تعالى: {وقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} ، وقوله تعلى:{ومَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ ولَدًا (92) إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ إلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} ، فدل على أنه لا تجتمع بنوة وملك.

ولأن الله تعالى سمى أولد الرجل باسم نفسه فقال: {قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا} ، وقال:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} .

ولا فرق بين أن يدخل في ملكه قهرًا أو اختيارًا، بعوض أو بلا عوض، والتقييد ب (أهل التبرع) تبع فيه (المحرر) ، ولم يذكره في (الروضة).

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يحسن الاحتراز به عن الصبي والمجنون؛ لأنهما إذا ملكا القريب .. عتق عليهما، إنما احترز به عن المكاتب إذا وهب له أو وصي له به، وكان القريب كسوبًا يقوم بكفاية نفسه .. فإنه يجوز له قبوله، وإذا قبله .. ملكه، ولا يعتق عليه؛ لضعف ملكه، ولأنه لو عتق .. لكان ولاؤه له، ولا يكون الولاء لرقيق.

وكذلك لو وطء أمته فأتت منه بولد كما سيأتي في موضعه.

وشملت عبارته الأب والأم والأجداد والجدات من الجهتين، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا.

وحكى القاضي حسين في الولد المنفي باللعان وجهين.

أما ولد الرضاع .. فلا يعتق عند جمهور العلماء؛ وقال شريك بن عبد الله القاضي: يعتق، وخطأه الناس.

وسواء اتفق الوالد والولد في الدين أو اختلفا.

وخرج غير الأصول والفروع كالإخوة والأعمام وسائر الأقارب؛ فإنهم لا يعتقون بالملك.

وعند أبي حنيفة وأحمد: يعتق كل ذي رحم محرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من ملك ذا رحم محرم .. فقد عتق عليه) رواه ابن ماجه [2525 بنحوه] والنسائي [سك 4877] من حديث ابن عمر.

وجوابه: أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، وقال الترمذي: إنه خطأ عند أهل الحديث، وكذلك قال ابن عساكر.

وقال الأوزاعي: يعتق كل قريب محرمًا كان أو غيره.

وقال مالك في المشهور عنه: يعتق السبعة المذكورون في آية الميراث: الوالدان والأولاد والإخوة والأخوات، ولا يعتق العم والعمة، ولا الخال والخالة، فالمذاهب خمسة.

ويستثنى من إطلاق المصنف مسائل:

ص: 485

وَلَا يَشتَرِي لِطِفلٍ قَرِيبَهُ،

ــ

منها: صورة المريض الآتية في الكتاب.

ومنها: إذا ملك المكاتب أباه كما تقدم، وإذا وكله في شراء عبد فاشترى الوكيل من يعتق عليه وكان معنيًا .. ففي (الروضة) في (كتاب القراض): أن الوكيل رده؛ لآنه لا يعتق على الموكل قبل رضاه بالعيب.

زكذلك إذا أوصى له بمن يعتق على وارثه بأن أوصى له ببعض ابن أخيه فمات وقبل الأخ الوصية .. فإن الشقص يعتق، ولا سراية في الأصح؛ لأن الملك حصل للميت أولًا، ثم انتقل إلى الأخ إرثًا.

وكذا إذا باع ابن أخيه بثوب ومات ووارثه أخوه، فرد الثوب بعيب.

ويبقى النظر فيما إذا اشترى زوجته الحامل هل يعتق عليه الحمل؟ ينبغي تخريجها على أن الحمل يعلم أم لا، إن قلنا: نعم .. عتق، وإلا .. فلا، فلو اطلع على عيب بها ثم أراد ردها هل له ذلك؟ يحتمل بناؤه على العلتين.

ولو اشتراها في مرض موته ثم انفصل قبل موته، فإن قلنا: الحمل يعلم .. لم يرث؛ لأنه لو ورث .. لكان وصية لوارث، وإن قلنا: لا يعلم .. فينبغي أن يرث؛ لأن الحرية لم تحصل له بالشراء، بل بعده، فإذا انفصل بعد موته .. كان الأمر كذلك.

قال: (ولا يشتري لطفل قريبه) أي: الذي يعتق عليه؛ لأنه إنما يتصرف بالغبطة كما ليس له أن يعتق عبده عنه، ولا خصوصية للطفل، بل المجنون والسفيه كذلك، فلو قال: لمحجور .. كان أشمل.

وظاهر عبارة الكتاب و (الروضة) و (أصليهما) تبعًا للغزالي: أنه يملكه ثم يعتق عليه، وهو المنقول عن النص، واستشكله في (المطلب) بأن البعضية إذا نافت الملك فكيف يحكم بوجوده مع اقترانها بسببه؟! ولهذا قال ابن الحداد: إذا قهر مسلم قريبه الحربي لا يملكه؛ لأن القرابة دافعة، ولقوة هذا السؤال قال الغزالي بعد ذلك: عندي أنه لا يملكه، بل يندفع الملك بموجب العتق، ويترتب العتق على سبب الملك لا على حقيقته، واختاره أيضًا هو في (تعليق الطلاق) تبعَا لأبي إسحاق المروزي،

ص: 486

وَلَو وَهَبَ لَهُ أَو وَصَّى لَهُ: فَإِن كَانَ كَاسِيًا .. فَعَلَى الوَليَّ قَبُولُهُ، وَيَعتِقُ وَيُنفِقُ مِن كَسبِهِ، وَإلَّا: فَإِن كَانَ الصَّبِيُّ مُعسِرًا .. وَجَبَ القَبُولُ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيتِ المال، أو مُوسِرًا .. حَرُمَ. وَلو مَلَكَ فِي مَرضِ مَوتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ .. عَتَقَ مِن ثُلُثِهِ،

ــ

وفي آخر (النهاية): إنما جوزنا الشراء ذريعة إلى تخليصه من الرق، وإلا .. فالمقتضي لعدم الملك موجود.

قال: (ولو وهب له أو وصى له: فإن كان كاسبًا .. فعلى الولي قبوله، ويعتق وينفق) عليه (من كسبه)؛ لانتفاء الضرر وحصول الكمال للأب، ولا ينظر إلى احتمال توقع وجوب النفقة في المستقبل لزمانة تطرأ؛ لأن المنفعة محققة، والضرر مشكوك فيه والأصل عدمه.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن كاسبًا (فإن كان الصبي معسرًا .. وجب القبول)؛ لأنه يعتق عليه فيحصل بذلك كمال وثواب بلا ضرر، وفي وجه: يجوز ولا يجب.

قال: (ونفقته في بيت المال) هذا في المسلم؛ لأنه محاويج المسلمين، أما الكافر .. فلا حق له فيه، ولهذا يقطع بسرقته، لكن الإمام ينفق عليه منه عند الحاجة بشرط الضمان كالمضطر يأكل طعام الغير بشرط الضمان، قاله الرافعي في (السرقة) ، ورجح في اللقيط المحكوم بكفره أنه يتفق عليه ولا ضمان.

قال: (أو موسرًا .. حرم) أي: القبول؛ لأنه يعتق عليه، ويطالب بنفقته، وفي ذلك ضرر، وفي (الحاوي) وجه: أنه يجب؛ لما يستفيده الزالد من عتق أبيه واستحقاق الولاء عليه، وقال الصيمري في (شرح الكفاية): إنه مذهب الشافعي.

وتفصيله بين الكاسب وغيره يقتضي أن القريب القادر على الكسب لا تجب نفقته، وسبق في (النفقات) ما يخالفه من أن المراد بالكاسب القادر عليه، ولم يفصل، وكان الأحسن أن يعبر بوجوب النفقة وعدمه كما في (الروضة) وغيرها لا بالكسب وغيره.

قال: (ولو ملك في مرض موته قريبه بلا عوض .. عتق من ثلثه)؛ لأنه دخل في ملكه وخرج بلا مقابل فاعتبر من الثلث كما لو تبرع به.

ص: 487

وَقِيلَ: مِن رَأسِ المَالِ، أَو بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ .. فَمِن ثُلُثِهِ، وَلَا يَرِثُ، فَإِن كَانَ عَلَيهِ دَينٌ .. فَقِيلَ: لَا يَصِحٌّ الشِّرَاءُ، وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، ولَا يَعتِقُ، بَل يُبَاعُ لِلدَّينِ،

ــ

قال: (وقيل: من رأس المال) فيعتق عليه جميعه؛ لأن الشرع أخرجه عن ملكه فكأنه لم يدخل وهذا هو الأصح في (الشرحين) و (الروضة) هنا، وفي (كتاب الوصية) في مسألة الإرث، وبه قطع الأستاذ أبو منصور، وهو الأولى.

فعلى الأول: لا يرث؛ لئلا يجمع بين الوصية والإرث.

وعلى الثاني: يرث؛ لأنه عتق بالشرع.

وشمل قوله: (بلا عوض) الوصية والهبة، وبه صرح في (المحرر).

قال: (أو بعوض بلا محاباة) كما إذا اشتراه بثمن مثله (.. فمن ثلثه)؛ لأنه فوت على الورثة ما بدله من الثمن.

وأطلق المصنف العوض، وينبغي أن يكون مراده: المعاوضة المحضة، فأما غيرها كالصداق والخلع والصلح عن الدم .. فينبغي إلحاقها بما إذا ملك بلا عوض، فيكون على الخلاف المتقدم.

قال: (ولا يرث)؛ لأن عتقه من الثلث وصية، ولا يجمع بينها وبين الميراث، كذا أطلقوه وعللوه.

قال الرافعي: وكأنه تفريع على بطلان الوصية للوارث، فإن صححناها موقوفة على الإجازة .. لم يمتنع الجمع بينهما، فيحتمل أن يوقف الأمر على الإجازة، ويحتمل خلافه، وفي وجه ضعيف: أنه يرث.

قال: (فإن كان عليه دين) أي: مستغرق (.. فقيل: لا يصح الشراء)؛ لأنه عقد عتاقة، فإذا لم يمكن تحصيلها .. وجب إبطال العقد.

قال: (والأصح: صحته)؛ إذ لا خلل في العقد.

قال: 0ولا يعتق، بل يباع للدين)؛ لأن عتقه يعتبر من الثلث، والدين يمنع منه كما يمنع الدين العتق بالإعتاق، ويخالف شراء الكافر للمسلم؛ لأن الكفر يمنع الملك للعبد المسلم.

ص: 488

أَو بِمُحَابَاةٍ فَقَدَرُهَا كَهِبَةٍ، وَالبَاقِي مِنَ الثُلُثِ. وَلَو وَهَبَ لِعَبدٍ بَعضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ فَقَبِلَ وَقُلنَا: يَستَقِلُّ بِهِ .. عَتَقَ وَسَرَى، وَعَلَى سَيِدِهِ قِيمَةُ بَاِقِيهِ.

فَصلٌ:

أَعتَقَ فِي َمَرَضٍ مَوتِهِ عَبدًا لَا يَملِكُ غَيرَهُ .. عَتَقَ ثُلُثُهُ،

ــ

قال: (أو بمحاباة) كما إذا اشتراه بخمسين وهو يساوي مئة (فقدرها كهبة) فيأتي فيه الخلاف فيما لو وهب منه هل هو من الثلث أو من رأس المال؟

قال: (والباقي من الثلث) فعلى الأول: كله من الثلث، وعلى الثاني: يعتبر منه نصفه، وحيث عتق من رأس المال .. ورث على الصحيح، أو من الثلث .. فلا على الصحيح.

قال: (ولو وهب لعبد بعض قريب سيده فقبل وقلنا: يستقل به) أي: بالقبول دون مراجعة السيد.

قال: (.. عتق وسرى، وعلى سيده قيمة باقيه)؛ لأن قبوله كقبول سيده شرعًا، كذا جزم به الرافعي.

واستشكل في (الروضة) السراية فقال: ينبغي أن لا يسري؛ لأنه ملكه قهرًا كالإرث، والذي حاوله بحثًا رجحه الرافعي في (كتاب الكتابة) قبل الحكم الرابع، وتبعه المصنف فيه.

تتمة:

جرح عبد أباه، فاشتراه الأب ثم مات بالجراحة، إن قلنا: تصح الوصية للقاتل .. عتق من ثلثه، وإلا .. لم يعتق.

وعلى هذا: قال البغوي: ينبغي أن تجعل صحة الشراء على وجهين كما لو اشتراه وعليه دين.

قال: (فصل:

أعتق في مرض موته عبدًا لا يملك غيره .. عتق ثلثه)؛ لأن التبرع في مرض الموت يعتبر من الثلث، حتى لو مات عقب موت السيد .. مات وثلثه حر.

ص: 489

فَإِن كَانَ عَلَيهِ دَينٌ مُستَغرِقٌ .. لمَ يَعتِق شَيءٌ مِنهُ، وَلَو أَعتَقَ ثَلَاثَةَ لَا يَملِكُ غَيرَهُم قِيَمتُهُم سَوَاء .. عَتَقَ أَحَدَهُم بِقُرعَةٍ، وكَذَا لَو قَالَ: أَعتَقتُ ثُلُثُكُم، أو ثُلُثُكُم حُرِّ ....

ــ

فلو مات قبل السيد فهل يموت رقيقًا كله أو حرًا كله أو ثلثه؟ أوجه، صحح الصيدلاني الأول، وبه أجاب الشيخ أبو زيد في مجلس الشيخ أبي بكر المحمودي، فحمده وارتضاه، كذا حكاه الشيخان هنا، ونقلا في (الوصايا) عن الأستاذ تصحيح الثاني واقتصرا عليه، وإطلاق المصنف يقتضي ترجيح الثالث.

قال ((فإن كان عليه دين مستغرق .. لم يعتق شيء منه)؛ لأن العتق وصية، والدين مقدم عليها.

واحترز ب (المستغرق) عنل لا يستغرق، فالباقي بعد الدين كأنه كل المال.

وأراد بقوله: (لم يعتق): عدم النفوذ، لكن يحكم بإعتاقه في الأصل، حتى لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو إبراء المستحق .. نفذ، كما صرح به الرافعيفيما لو أوصى بشيء وعليه دين مستغرق.

قال: (ولو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم قيمتهم سواء .. عتق أحدهم)؛ لأن رجلًا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أرعة، رواه مسلم.

قال في (البحر): المراد: جزأهم باعتبار القيمة؛ لأن عبيد الحجاز غالبًا لا تختلف قيمتهم، وبهذا قال مالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: لا يقرع بل يعتق من كل ثلثه، فلو مات أحدهم قبل موت السيد .. فالمذهب أنه يدخل في القرعة، وللإمام احتمال أنه لا يدخل، وكأنه أعتق عبدين فقط، وأقامه الغزالي وجهًا، والتفريع على الأول.

قال: (بقرعة)؛ لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقًا، فلو اتفقوا على أنه إن طار غراب ففلان حر أو من وضع صبي يده عليه حر .. لم يجز.

قال: (وكذا لو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حر) فيقرع بينهم؛ لتمييز الحر من غيره.

ص: 490

وَلَو قَالَ أَعتَقتُ ثُلُثَ كُلِّ عَبدٍ .. أُقرِعَ، وَقِيلَ: يَعتِقُ مِن كُلِّ ثُلُثَهُ. وَالقُرعَةُ: أَن تُؤخَذَ ثَلَاثَ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٍ، يُكتَبُ فِي ثِنتَينِ رِقٌ وَفِي َواحِدَةٍ عِتقٌ، وَتُدرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ وَتَخَرَجُ وَاحِدَةٌ بِاسمِ أَحَدِهِم؛ فَإِن خَرَجَ العِتقُ .. عَتَقَ وَرَقَّ الآخَرَانِ، أوِ الرِّقُّ .. رَقَّ وَأُخرِجَت أُخرَى بِاسمِ آَخَرَ،

ــ

قال: (ولو قال: أعتقت ثلث كل عبد .. أقرع) أي: ويعتق واحد بالقرعة؛ لأن العبيد له على الخلوص، وإعتاق بعض العبد الخالص كإعتاق كله، فصار كما لو قال أعتقتكم.

قال: (وقيل: يعتق من كل ثلثه) أي: ولا إقراع؛ لتصريحه بالتبعيض، وهذا هو القياس، ولكن تشوف الشارع إلى تكميل العتق أوجب اتباع القرعة.

ونظير المسألة: إذا وصى بعتق ثلث كل من عبيده الثلاثة .. فيأتي فيه الوجهان: الأصح يعتق واحد بقرعة، وقيل: من كل ثلثه.

ولو دبر عبدًا وأوصى بعتق عبد .. ففي قول: يقدم المدبر؛ لأن عتقه يقع بالموت، والموصى بعتقه يتوقف على إنشائه، فأشبه ما إذا قال: إذا مت فسالم حر ثم غانم، والأظهر: يسوي بينهما في الإقراع؛ لاستوائهما في حالة وجوب الحق بالعتق المنتظر، وحكاه في (البحر) عن نص (الأم).

قال: (والقرعة: أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية ، يكتب في ثنتين رق وفي واحدة عتق، وتدرج في بنادق كما سبق) أي: في (باب القسمة).

والختيار أن تجفف حتى تيبس، وأن توضع مغطاة، ويؤمر من لم يشاهدها بالإخراج، وأن يكون المخرج قليل الفطنة ظاهر السلامة.

قال: (وتخرج واحدة باسم أحدهم؛ فإن خرج العتق .. عتق ورق الآخران، أو الرق .. رق وأخرجت باسم آخر) وتجوز بأقلام متساوية، وبالنوى والبعر كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغتائم ، كذا استدل به الرافعي وغيره، قال ابن الصلاح: ولا أعرف له صحة.

ص: 491

وَيَجُوزُ أَن تُكتَبَ أَسمَاؤُهُم ثُمَّ تُخرَجُ رُقعَةٌ عَلَى الحُرِّيَّةِ، قَمَن خَرَجَ اسمُهُ .. عَتَقَ وَرَقَّا، وَإن كَانُوا ثَلَاثَةَ قِيَمةُ وَاحِدٍ مِئَةٌ، وَآخَرَ مِئَتَانِ وَآخرَ ثَلَاثُ مِئَةٍ .. أُقرِعَ بِسَهمَي رِقِّ وَسَهمِ عِتقٍ؛ فَإِن خَرَجَ العِتق ُلذَيِ المئَتَينِ .. عَتَقَ وَرَقَّا، أو لِلثَّاِلثِ .. عَتَقَ ثُلُثَاهُ، أَو لِلأَوَّلِ .. عَتَقَ، ثُمَّ يُقرَعُ بَينَ الآخَرَينِ بِسَهمِ رِقَّ وَسَهمِ عِتقٍ، فَمَن خَرَجَ .. تُمِّمَ لَهُ الثُلُثُ. وِإِن كَاُنوا فَوقَ ثَلَاثَةٍ وَأمكَنَ تَوزِيعَهُم بِالعَدَدِ وَالقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيَمتُهُم سَوَاءٌ .. جُعِلُوا اثنَينِ اثنَينِ، أَو باِلقِيمَةِ دُونَ العَدَدَ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِم مِئَةٌ، وَقِيمَةُ اثنَينِ مِئَةٌ، وثَلَاثَةُ مِئَةٌ

ــ

فإن تفاوت كداوة وقلم وحصاة .. منعه الصيدلاني، وتوقف فيه الرافعي.

قال: (ويجوز أن تكتب أسماؤهم ثم تخرج رقعة على الحرية ، فمن خرج اسمه .. عتق ورقًا)؛ لأن به يفصل الأمر أيضًا.

وكلام المصنف يقتضي: أن الصفة الأولى أولى؛ فإنه عبر هنا بالجواز ، لكن صوب القاضي والإمام وغيرهما هذه الكيفية؛ لأن الإخراج فيها يكون مرة واحدة، بخلاف الأولى؛ فإنها تحتاج إلى إعادة سهم الرق أولا.

قال: (وإن كانوا ثلاثة قيمة واحد مئة، وآخر مئتان وآخر ثلاث مءة .. أقرع بسهمي رق وسهم عتق؛ فإن خرج العتق لذي المئتين .. عتق) أي: وتم الثلث (ورقا9؛ لزيادتهما عليه، (أو للثالث .. عتق ثلثاه)؛ لأنه الثلث، (أو للأول .. عتق، ثم يقرع بين الآخرين بسهم رق وسهم عتق، فمن خرج .. تمم منه الثلث) ، فإن الثاني .. عتق نصفه، أو الثالث .. فثلثه.

قال: (وإن كانوا فوق ثلاثة وأمكن توزيعهم بالعدد والقيمة كستة قيمتهم سواء) وكذلك تسعة واثنا عشر ونحو ذلك. فيجعلون ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، ويفعل كما سبق في الثلاثة المتساوية، وكذا لو كانت الستة قيمة ثلاثة منهم وثلاثة خمسون فنضم إلى كل نفيس خسيسًا.

قال: (.. جعلوا اثنين اثنين) ثم نفعل كما فعلنا في الثلاثة المتساويين القيم.

قال: (أو بالقيمة دون العدد كستة قيمة أحدهم مئة، وقيمة اثنين مئة، وثلاثة مئة ..

ص: 492

جُعِلَ الأَوَّلُ جُزءًا ،وَالِاثنَانِ جُزءًا ،وَالثَلاثَةُ جُزءًا. وَإن تَعَذَّر بِالقِيمَةِ كَأَربَعَهٍ قِيَمُتُهم سَوَاءٌ .. فَفِى قَولٍ: يُجَزَّوُونَ ثَلَاثَةَ أَجزاءٍ: وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ وَاثنَانِ ، فَأِن خَرَجَ العِتقُ لِوَاحِدٍ .. عَتَقَ ثُمَّ أُقرِعَ لِتَتمِيمِ الثُلُثِ ، أَو لِاثنَينِ .. رَقَّ الآخَرَانِ ثُمَّ أُقرِعَ بَينَهُمَا ، فَيَعتِقُ مَن خَرَجَ لَهُ العِتقُ وَثُلُثُ الآخَرِ ،وَفِى قَولٍ: يُكتَبُ اسمُ كُلَّ عَبدٍ فِي رُقعَهٍ ، فَيَعتِقُ مَن خَرَجَ أَوَّلًا وثُلُثُ الثَّانِي

ــ

جعل الأول جزءا ، والاثنان جزءا ، والثلاثه جزءا) ، حينئذ يقرع ، غير ان المثال هكذا وقع فى (المحرر) فتابعه المنصف ، وهو غير مطابق ، فان السته لها ثلث صحيح ، وانما مثاله: خمسه قيمه احدهم مئه، واثنين مئه وفى هذه الصوره وجهان: اصحهما – وهو المنصوص -: تجزؤهم كما ذكره المنصف.

وقيل: يجزؤون بالعدد ، فيجعل اللذان قيمتهما مئه جزءا ، والذى قيمته مئه مع واحد من الثلاثه الباقين جزءا ، والباقين جزءا.

قال: (وان تعذر) اى: توزيعهم (بالقيمه) اى: او بالعدد، فان لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح (كاربعه قييمتهم سواء .. ففى قول: يجزؤون ثلاثه اجزاء: واحد وواحد واثنان) ، لانه اقرب الى فعله صلى الله عليه وسلم.

قال: (فان خرج العتق لواحد .. عتق) اى كله (ثم اقرع) اى: بين الواحد وبين الاثنين الباقيين (لتتميم الثلث) ، فمن خرج له سهم الحريه .. عتق ثلثه ، كذا قاله الرافعى ، ويحتاج الى تامل ، فانه ان خرج للواحد .. فعتق ثلثه واضح ، وان خرج للاثنثن .. فكيف يفعل؟ هل يعتق من كل منهما سدسه، او يقرع بينهما ثانيا فمن خرجت له ثلثه؟ وقل من تعرض لذلك.

قال: (او لاثنين .. رق الاخران ثم اقرع بينهما ، فيعتق من خرج له العتق وثلث الاخر) طلبا للمساواه.

قال: (وفى قول: يكتب اسم كل عبد فى رقعه ، من خرج اولا وثلث الثانى) ، لان ذلك اقرب الى فصل الامر ، فيخرج رقعه على عتق ، فمن خرج اسمه .. عتق ثلثه ، لكن كلام المنصف يوهم انه يعتق ثلث الثانى من غير اعاده

ص: 493

قُلتُ: أَظهَرُهُمَا: الأَوَّلُ ، واللهُ أعلَمُ. وَالقَولَانِ فِي استِحبَابٍ ، وَقِيلَ إيجَابٍ.

ــ

قرعة ، وليس كذلك ، بل تعاد كما ذكرناه ، وهو صريح كلام (المحرر).

قال: (قلت: اظهرهما: الأول والله أعلم) اى: إنهم يجزؤون ثلاثة اجزاء بحيث يقرب من التثليث ، لما قلناه من كونه اقرب إلى فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، وهذا صححه الرافعى ، ونقله ابن الرفعه عن النص.

وصورة المسألة: ثمانية قيمتهم سواء.

وفى المسألة قولان: أظهرهما: يجزؤون ثلاثة وثلاثة واثنين ، فتكتب اسماؤهم فى ثمانى رقاع ، فإن كانوا اربعه .. فعلى يجزؤون واحدا يجزؤون واحدا وواحدا واثنين ،

وعلى الثانى: كل اسم فى رقعه. اما اذا امكن التسوية بالعدد القيمه او عكسه كسته قيمه احدهم مئة واثنين مئة وثلاثة مئة .. فوجهان: الصحيح المنصوص: يجزؤون واحدا واثنين وثلاثة ، مراعاة للقيمة.

والثانى: يجزؤون بالعدد ، فاللذان قيمتهما مئة جزءا والذى قيمنه مئة مع واحد من الثلاثة جزءا والباقيان جزءا ، فيقرع ويعتق قدر الثلث.

قال: (والقولان فى استحباب) ، لان المقصود يحصل بكل طريق.

قال: (وقيل: ايجاب) ، لأنه اقرب الى فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، وهذا نقله فى (شرح) و (الروضة) عن مقتضى كلام الاكثرين ، ونقل الاول عن القاضى حسين.

فرع:

قال فى (البحر): لو كان فى العبيد اخوان او اب وابن .. كان الجمع بينهما اولى من التفرقه.

وإن كان فيهم ام وابن بالغ ففرق بينهما .. جاز ، او ام وابن صغير .. لم يجز ، قال ابن الرفعه: وفيما قاله نظر ، لان التفرقه بالحرية غير داخله فى التحريم ، وفي

ص: 494

وَإذَا أعَتَقنَا بَعضَهُم بِقُرعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وخَرَجَ كٌلٌّهٌم مِن الثٌلٌثِ .. عَتَقٌوا ، وَلَهٌم كَسبٌهٌم مِن يَومِ الإعتَاقِ ، وَلَا يَرجِعٌ الوَارِثٌ بِمَا أنفَقَ عَلَيهِم ، وَإن خَرَجَ ثُمَّ ظَهَرَ عَبدٌ آخَرُ .. أُقرِعَ

ــ

اعتراضه نظر ، لان التفرقه فى البيع جازت للضرورة ، ولا ضرورة هنا عند امكان الضم اليها كما سبق.

قال: وإن كان فيهم زوجان .. فهل تجوز التفرقه؟ وجهان ، وجه المنع انها تفضى الى فسخ النكاح ، وكل هذا اذا امكن الجمع.

وقال: (وإذا اعتقنا بعضهم بقرعه فظهر مال) اى: للميت جهلناه وقت القرعه (وخرج كلهم من الثلث .. عتقوا ، ولهم كسبهم) وكذا كل ما كان فى معنى الكسب كالولد وارش الجناية وغيرهما.

قال: (من اليوم الإعتاق) وترتب على ذلك جميع احكام الحرية ، حتى كانت امه زوجها الوارث بالملك .. بطل نكاحها ، ولو وطئها الوارث بالملك .. لزمه مهرها ، ولو زنى احدهما وجلد خمسين .. كمل حده إن كان بكرا ورجم إن كان ثيبا. ولو كان الوارث باع أحدهم .. بطل إعتاقه وكان ولاؤه للأول ، ولو كاتبه .. بطلت كتابته ورجع على الوارث بما ادى ، وصار حرا فى جميع الاحكام.

قال: (ولا يرجع الوارث بما انفق عليهم) كمن نكح امراه نكاحا فاسدا على ظن انه صحيح ثم فوق القاضى بينهما .. لا يرجع بما انفق ، لأنه انفق على ان لا يرجع.

قال القاضى: ويحمل ان يرجع كما لو انفق على المبتوتة الحامل بقول القوابل ثم بان ان لا حمل .. فإنه يرجع.

قال: (وان خرج) اى: من الثلث (ثم ظهر عبد اخر .. اقرع) اى: بينه وبين من بقى من العبيد ، كما اذا اعتقنا واحدا من ثلاثه ثم ظهر مال يجرج به اخر .. اقرع ، فمن خرج اسمه منهم .. عتق ، فلو ظهر له مال اخر .. اقرعنا وهكذا.

ص: 495

وَمَن عَتَقَ بِقُرعَةٍ .. حُكِمَ بِعتقِهِ مِن يَومِ الإعتَاقِ ، وَتُعتَبَرُ قِيَمتُهُ حِينَئذٍ ، وَلَهُ كَسبُهُ مِن يَومِئذٍ غَيرَ مَحسُوبٍ مِنَ الثُلُثِ. وَمَن بَقِىَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَومَ المَوتِ وحُسِبَ مِنَ الثُلُثَينِ هُوَ وَكَسبُهُ البَاقِي قَبلَ المَوتِ ، لَا الحَادِثُ بَعدَهُ ،فَلَو أُعتِقَ ثَلَاثَةً لَا يَملِكُ غَيرِهِم قِيمَةُ كُلِّ مِئَهٌ ،فَكَسَبَ أَحَدَهُمُ مِئَةً .. أُقرِعَ ، فَإن خَرَجَ العِتقُ لِلكَاسِبِ .. عَتَقَ وَلَهُ المِئَةُ ، وَإن خَرَجَ لِغَيرِهِ .. عَتَقَ ثُمَّ أُقرِعَ ، وَإِن خَرَجَت لِغَيرِهِ .. عَتَقَ ثُلُثَهُ ، وَإن خَرَجَت لَهُ .. عَتَقَ رُبعُهُ ، وَتَبِعَهُ رُبعُ كَسبِهِ

ــ

قال: (ومن عتق بقرعه .. حكم بعتقه من يوم الاعتاق ، وتعتبر قيمته حينئذ) بخلاف من اوصى بعتقه ، فانه تعتبر قيمته الموت ، لانه وقت الاستحقاق.

قال: (وله كسبه من يومئذ) اى: من يوم الاتاق ، وكذا كل ما يختص به الحر من الحقوق كالكسب وغيره كما تقدم.

قال: (غير محسوب من الثلث) ، سواء فى حياه المعتق او بعد موته ، لحصوله فى ملكه.

قال: (ومن بقى رقيقا قوم يوم الموت) ، لانه وقت استحقاق الوارث.

قال: (وحسب من الثلثين هو كسبه الباقى قبل الموت) ، لانه انما ملكه بعد ذلك.

قال: (لا الحادث بعده) ، لانه حدث على ملك الورثه ، حتى لو كان على سيده دين .. بيع فى الدين ، والكسب للوارث لا يقضى الدين منه ، خلافا للاصطخرى.

قال: (قلو اعتق ثلاثه لا يملك غيرهم قيمه كل مئه ، فكسب احدهم مئه .. اقرع ، فان خرج العتق للكاسب .. عتق وله المئه) ، لمل سبق ، وفهم كلامه انه يحكم برق الاخرين ، لانهما ثلثا ماله.

قال: (وان خرج لغيره .. عتق ثم اقرع) اى: بين المكتسب والاخر.

قال: (وان خرجت لغيره .. عتق ثلثه) فيبقى ثلثاه ، والمكتسب وكسبه للورئه.

قال: (وان خرجت له) اى: للمكتسب (.. عتق ربعه ، وتبعه ربع كسبه) ،

لانه يجب ان يبقى للوثه ضعف ما عتق ، ولا يبقى ذلك الا بذلك ، لانه عتق ربعه ،

ص: 496

فصل:

ــ

وقيمة الربع خمسه وعشرون تبعه من كسبه خمسه وعشرون غير محسوبه عليه ، فيبقى من كسبه خمسه وسبعون ويبقى منه ما قيمته خمسه وسبعون وعبد قيمته مئه ، فجمله التركه المحسوبه ثلاث مئه وخمسه وسبعون ، منها قيمه العبيد كلهم ثلاث مئه ، ومنها من كسب احدهم خمسه وسبعون ، جمله ما عتق مئه وخمسه وعشرون ، وجمله ما بقى للورثه مئتان وخمسون.

واما ربع كسبه وهو خمسه وعشرون .. فانه غير محسوب عليه ، لانه تابع لمل عتق منه ، وفى هذه الصوره ياتى الدور ، ويستخرج بطريق الجبر والمقابله ، وقد وبينها فى

(المحرر)، وحاصله: يعتق ربعه ويتبعه ربع ويتبعه كسبه كما قاله المنف.

تتمه:

سئل العبادى عمن له ثلاثه اعبد فقال: احدعبيدى حر ، ثم قال: احد عبيدى حر ، ثم

قال ثالثا: احد عبيدى حر .. فقال: يعتق الجميع ، قال: ولو قال: احد هؤلاء حر ، وقاله ثانيا

وثالثا .. لا يعتق الا واحد ، لان قوله: احد عبيدى ينصرف الى المملوك ، وقوله: احد هؤلاء لا يتعين فى الرق ، فانه لو قال لعبده وحر: احدكما حر .. انصرف الى الحر.

وقال القاضى حسين: لا يعتق فى المسالتين الاواحد ، لانه قوله ثانيا: احد عبيدى حر) يقتضى ان يكون له عبيد ولم يكن له الا عبدان.

فقيل له: رجل قال: عبيدى احرار ، وليس له الا عبد؟ قال: احد زوجاتى طوالق وليس له الا زوجه او زوجتان لا يقع عليه طلاق وهو بعيد ، والمساله فى (فتاوى البغوى) واجاب

فيها بما اجاب به العبادى ، وهو الصواب.

قال: (فصل):

هذا باب الولاء ، وهو بفتح الواو والمد ، مأخوذ من الموالاة ، وهى المعاونة والمقاربة ، فكانه أحد أقارب المعتق.

ص: 497

مَن عَتَقَ عَلَيهِ رَقِيقٌ أَو كِتَابَةٍ وَتَدبِيرٍ وَاستِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ وسِرَايَةٍ .. فَوَلاؤُهُ لَهُ،

ــ

وهو في الشرع عبارة عن عصوبة متراخية عن عصوبة النسب، يرث بها المعتق ويلي أمر النكاح والصلاة عليه، ويعقل ذكور العصبة من بعده، وقد بالغ المصنف في اختصاره.

والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعلى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ} .

وروى أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب) وفي (رواية كلحمة الثوب).

واللحمة بضم اللام وفتحها، وقيل: في النسب بالفتح، وفي الثوب بالضم.

ومعنى الحديث: المخالطة في الولاء، وأنها تجري مجرى النسب في الميراث، كما تخالط اللحمة سدى الثوب حتى يصيرا شيئًا واحدًا؛ لما بينهما من المداخلة الشديدة.

وإنما قال: (لا يباع ول يوهل) لأن العرب كانت تبيعه كما قيل [من الطويل]:

فباعوه مملوكًا وباعوه معتقًا

فليس له حتى الممات خلاص

فنهاهم الشارع عن ذلك، وهذا كالإجماع من أهل العلم، إلا أنه روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء مواليها من العباس أو من ابن عباس.

قال: (من عتق عليه رقيق بإعتاق) ، سواء نجز ذلك أو علقه صفة فوجدت.

قال: (أو كتابة وتدبير واستيلاد وقرابة وسراية .. فولاؤه له) أما إذا باشر العتق .. فلقوله صصلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق (متفق عليه.

وأما في الباقي .. فقياسًا عليه، ولا ينتفي عنه بنفيه بأن أعتقه على أن لا ولاء عليه، أو أنه لفلان أو للمسلمين، فإن الشرط بلغو ويثبت له الولاء.

ودخل في كلام المصنف ما لو التمس من مالك العبد عتقه عنه بمال أو مجانا فأجاب .. فإنه يعتق عنه وولاؤه له.

ص: 498

ثُمَّ لِعَصَبَتَهِ،

ــ

أما إذا باع عبده نفسه .. فإن الولاء يثبت له على المذهب، ولا تشمله عبارة المصنف.

ولو شهد بعتق عبد ثم اشتراه .. عتق عليه؛ لإقراره ، وولاؤه موقوف على الظاهر النص.

وقيل: يسلم له من ميراثه الأقل مما بذله ومن جملة الميراث، وصححه الجمهور.

ولو أعتق مسلم كافرًا أو عكسه .. ثبت الولاء وإن لم يتوارثا.

وادعى الماوردي الإجماع على أن المسلم إذا أعتق كافرًا .. ثبت له الولاء، وحكى الخلاف في ثبوته للكافر على المسلم.

وفائدة ثبوت الولاء: الإرث إذا أسلم، وما نقله القاضي عبد الوهاب المالكي عن الشافعي أنه قال: إن المسلم يرث عبده الكافر .. لم يصح عن الشافعي.

هذا إذا لم يطرأ استرقاق بعد الإعتاق، فلو أعتق الكافر كافرًا فالتحق العتيق بدار الحرب فاسترق ثم أعتقه سيده الثاني .. ففي ميراثه ثلاثة أوجه حكاها ابن القطان والدارمي:

أحدها: للسيد الأول؛ لأن ولاؤه استقر له.

والثاني: للثاني؛ لأن عتقه أقرب إلى الموت.

والثالث بينهما، والراجح: الثاني؛ فإن ابن اللبان قال في (الإيجاز): إنه مذهب الشافعي ومالك، ورد الأول بأنه لما استرق .. بطل ولاؤه ، وهذا الفرع تقدم في (الفرائض) عند قول المصنف:(فصل من لا عصبة له بنسب وله معتق).

وإذا ثبت الولاء على العتيق .. استرسل وانتقل إلى عتيق وأولاده وأحفاده، لكن تستثنى صورتان ستأتيان.

قال: (ثم لعصبته) أي: الأقرب فالأقرب كما سبق في (الفرائض) ، ولا ينتقل الولاء لقير العصبة من الورثة؛ إذ لو انتقل إلى غيرهم .. لكان موروثًا وهو لا يورث لكن يورث به، ولأنه لو ورث .. لاشترك فيه الرجال والنساء.

ص: 499

وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إِلَاّ مِنْ عَتِيقِهَا

ــ

ووقع في (الروضة) هنا: أن من أعتق عن غيره بغير إذنه .. وقع العنق عن المعتق عنه وله الولاء دون المعتق، وهو سبق قلم، وعبارة الرافعي: من أعتق عن غيره بغير إذنه .. وقع العتق عنه وكان الولاء له دون المعتق عنه، خلافًا لمالك، وهذا هو الصواب.

ونقل الشيخان في (الظهار) عن البغوي من غير مخالفة أنه لو قال: أعتق عبدك عني على ألف، فقال: أعتقته عنك مجانًا .. عتق عن المعتق دون المستدعي، ومسألتنا أولى بذلك، وقد تقدم في (الفرائض) الصور الأربعة التي يخالف فيها الولاء النسب.

تنبيه:

ظاهر عبارته أن الولاء لا يثبت في حياة المعتق لعصبته، بل إنما يثبت بعده وهو المشهور، وقال ابن المنذر: يثبت في حياته.

ومراده بالعصبة: العصبة بنفسه لا بغيره، ولهذا قال بعده:(ولا ترث امرأة بولاء)؛ لأن البنت عصبة بأخيها وعند عدمه صاحبة فرض، ولا شيء لأصحاب الفروض في الولاء بحال.

قال: (ولا ترث امرأة بولاء إلا من عتيقها)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق).

وروى النسائي [سك 6365] بإسناد جيد: أن ابنة حمزة – واسمها فاطمة، وقيل:

ص: 500

وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، وَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ،

ــ

أمامة - أعتقت عبدا لها، فمات وترك ابنته ومولاته، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف والمعتقة النصف.

وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبية عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يرث الولاء من يرث المال) فرواه الترمذي [2114] وقال: إسناده ضعيف.

والمصنف قدم المسألة في (الفرائض) لكن بغير هذه العبارة.

قال: (وأولاده وعتقائه) كالرجل، وزاد في (التنبيه) ثالثة وهي: جر الولاء إليها ممن أعتقت.

وصورته: أن يتزوج عبدها بمعتقة رجل، فتأتي منه بولد، فولاؤه لمولى أمه، ثم تعتق المرأة عبدها، فينجر ولاء الولد إليها.

قال: (وإن عتق عليها أبوها ثم أعتق عبدًا فمات بعد موت الأب بلا وارث .. فماله للبنت)، لأنها معتقة المعتق، فإن كان له عصبة كأخ وأبن عم قريب أو بعيد .. فميراث العتيق له؛ لأنه عصبة المعتق بالنسب، ولا شيء للبنت؛ لأنها معتقة المعتق، وهي متأخرة عن عصبة النسب.

وصورة المسألة: امرأة اشترت أباها فعتق عليها، ثم أعتق الأب عبدًا ومات عتيقه بعد موته.

قال الشيخ أبو علي: سمعت بعض الناس يقول: أخطأ في هذه المسألة أربع مئة قاض؛ لأنهم رأوها أقرب، وهي عصبة له بولائها عليه.

وصورها في (الوسيط) بابن وبنت شريا أباهما فعتق عليهما، ثم اشترى الأب مملوكًا وأعتقه ومات، ثم مات العتيق، فقال القضاة الغالطون: ميراث العتيق بين الأخ والأخت؛ لأنهما معتقا معتقه.

والصواب: أنه للأخ، ولا شيء للأخت؛ لأنها معتقة المعتق، فلو كان الأخ قد مات قبل أبيه وخلق ابنًا أو ابن ابن وان سفل أو كان للأب المعتق ابن عم بعيد .. فهو أولى من البنت كما تقدم.

ص: 501

وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ، وَمَنْ مَسَّهُ رِقُّ .. فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا لِمُعْتِقهِ وَعَصَبَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ .. فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الأُمِّ،

ــ

فلو مات هذا الأخ بعد موت الأب ولم يخلف إلا أخته .. فلها نصف ميراثه بالأخوة ونصف الباقي؛ لأن لها نصف ولاء الأخ لإعتاقها نصف الأب، فيجتمع لها ثلاثة أرباع الإرث.

ولو مات الأب ثم مات الابن ثم مات العتيق ولم يخلف إلا البنت .. فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضًا، النصف؛ لكونها معتقة نصف المعتق، ونصف الباقي؛ لثبوت ولاء السراية على نصف الأخ بإعتاقها نصف أبيه، والربع الباقي في هذه والتي قبلها لبيت المال.

قال: (والولاء لأعلى العصبات) هو مراد (المحرر) بقوله: الولاء للكُبْر؛ لقول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت: الولاء للكُبْر، قاله أبو داوود، وأسنده البيهقي [10/ 303] وعبد الرزاق [16238] وهو بضم الكاف وسكون الباء؛ أي: أكبر الجماعة في الدرجة والقرب دون السن.

مثاله: أعتق عبدًا ومات عن ابنين .. فولاء العتيق لهما، ثم مات أحدهما وخلق ابنًا .. فولاء العتيق لابن المعتق دون ابن ابنه.

ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن أربعة والآخر عن خمسة .. فالولاء بين العشرة بالسوية، فإذا مات العتيق .. ورثوه اعتبارًا؛ لاستوائهم في القرب.

قال: (ومن مسه رق .. فلا ولاء عليه إلا لمعتقه وعصبته) أي: عصبة معتقة ولا ولاء عليه لغير، كمعتق أبيه أو أمه، وذلك لأن نعمة من أعتقه عليه أعظم من نعمة من أعتق بعض أصوله فيخصص بالولاء، فإن لم يوجد .. فالولاء لعصباته، فإن فقدوا .. فالميراث بعدهم لبيت المال.

قال: (ولو نكح عبد معتقا فأتت بولد .. فولاؤه لمولى الأم)؛ لأنه المنعم عليه فإنه عتق بإعتاق أمه.

ص: 502

فَإِنْ أَعْتَقَ الأَبَ .. أنْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ. وَلَوْ مَاتَ الأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الجَدُّ .. انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الجَدُّ وَالأَبُ رَقِيقٌ. أنْجَرَّ فَإِنْ أَعْتَقَ الأَبَ بَعْدَهُ .. أنْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَقِيلَ: يَبْقَي لِمَوَالِي الأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الأَبُ فَيَنْجَرُّ إلَى مَوَالَي الجَدِّ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الوَلَدُ أَبَاهُ .. جَرَّ وَلَاءَ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ،

ــ

قال: (فإن أعتق الأب .. انجر إلى مواليه) فينتقل من موالي الأم إلى موالي الأب، ومعناه: بطلان ولاء موالي الأم وثبوته لموالي الأب؛ لما روى البيهقي [10/ 306]: أن الزبير بن العوام رأى فتية ظرافًا فأعجبه ظرفهم، فسأل عنهم فقالوا: رافع بن خديج زوج أمته من غلام فلان الأعرابي، ثم أعتقها فهؤلاء منها، فاشترى الزبير الغلام من الأعرابي وأعتقه، ووجه إلى رافع أن ولاءهم لي، فتحاكما إلى عثمان فحكم بالولاء للزبير، ولم يعرف لهم مخالف؛ لأن الولاء فرع النسب، والنسب معتبر بالأب، وإنما ثبت لموالي الأم لعدم الولاء من جهة الأب، فإذا عاد الولاء إلى جهة الأب .. عاد إلى موضعه.

ومحل الانجرار إلى موالي الأب إذا لم يكن معتق الأب هو الابن نفسه، فإن اشترى الولد أباه فعتق عليه .. فالأصح أن ولاء الابن باق لموالي أمه كما سيأتي.

قال: (ولو مات الأب رقيقًا وعتق الجد .. انجر إلى مواليه)؛ لأنه كالأب في النسب والتعصيب، فيجر الولاء كالأب.

قال: (فإن أعتق الجد والأب رقيق .. انجر) كما لو مات الأب رقيقًا.

قال: (فإن أعتق الأب بعده .. أنجر إلى مواليه)؛ لأن الجد إنما جره لكون الأب رقيقًا، فإذا اعتق .. كان أولى بالجر؛ لأنه أقوي من الجد في النسب.

قال: (وقيل: يبقي لموالي الأم حتى يموت الأب فينجر إلى موالي الجد) وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه إنما ينجر لبقا، الأب رقيقًا، فإذا مات .. زال المانع، وهذا الوجه قطع به البغوي، وقال المصنف: إنه أقوي، لكن صحح الشيخ أبو علي عدم الانجرار.

قال: (ولو ملك هذا الولد) أي: الذي ثبت عليه الولاء لموالي أمه (أباه .. جر ولاء إخوته إليه)، وهذا لا خلاف فيه كما صرح به في (المحرر)، والمراد: إخوته

ص: 503

وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الأَصَحُّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ المَنْصُوصُ: لا يَجُرُّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

من أبية، سواء كانوا من أمه أو من معتقة أخرى.

قال: (وكذا ولاء نفسه في الأصح) كما لو أعتق الأب غيره ثم يسقط ويصير كحر .. لا ولاء عليه.

قال: (قلت: الأصح المنصوص: لا يجره والله أعلم) بل يبقى ولاؤه لموالي الأم؛ لأنه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، ولهذا لو اشترى العبد نفسه .. يعتق ويكون الولاء للسيد، وكذا المكاتب إذا عتق بأداء النجوم، وإذا تعذر الجو .. بقي الولاء في موضعه، وهذا الذي صححه الرافعي في (الشرحين) وهو ظاهر مذهب الشافعي، وكأن الذي وقع في (المحرر) سبق قلم.

تتمة:

تزوج معتق بحرة أهلية لا ولاء عليها، فولدت ولدًا .. فولاء الولد لمعتق الأب في الأصح، وقيل: لا ولاء عليه لأحد.

وإذا تزوج حر لا ولاء عليه معتقة فأتت بولد .. فهل عليه لموالي الأم ولاء؟ فيه أوجه: أصحها: لا.

والثاني: نعم.

والثالث: إذ كان أبوه حرًا ظاهرًا وباطنًا .. فلا، وإن كان ظاهرًا فقط كالمحكوم بحريته بالدار .. فنعم.

* * *

خاتمة

أعتق كافر مسلمًا وله ابن مسلم وابن كافر، ثم مات العتيق بعد موت معتقه .. فولاؤه للمسلم فقط، ولو أسلم الآخر قبل موته .. فولاؤه لهما، ولو مات في حياة معتقه .. فميراثه لبيت المال.

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذلك لو أن المعتق المسلم قتل العبد المعتق وللسيد ابن .. لا يرثه المعتق؛ لأنه قاتل ولاء أبنه، بخلاف النسب؛ فإن ولد القاتل يرث، والفرق أن في (باب النسب) الأخوة ثابتة بين الأخ والمقتول فلهذا ورثه، وفي (الولاء) الابن إنما ثبت له الولاء بموت أبيه، وكذلك في التزويج.

ونص الشافعي على أن المرأة إذا أعتقت أمة وكان لها ابن صغير وأخ .. لا يزوج العتيقة ولد المعتقة، إنما يزوجها السلطان لهذه العلة، وفي النسب إذا كأن الأخ صغيرًا .. زوج العم.

* * *

ص: 505

كتاب التدبير

ص: 507