المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب أمهات الأولاد - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١٠

[الدميري]

الفصل: ‌كتاب أمهات الأولاد

‌كِتَابُ أُمَّهَاتِ الأَوْلَادِ

ــ

كتاب أمهات الأولاد

ختم المصنف كتابه بأبواب العتق، رجاء أن الله تعالى يعتقه وقارئه من النار، وأخر هذا الباب، لأنه عتق قهري مشوب بقضاء أو طار، ولذلك توقف الشيخ عز الدين فى كتاب (الشجرة) في كون الاستيلاء قربة.

و (الأمهات): جمع أم، وتقدم فى أول (باب ما يحرم من النكاح) أن الأكثر فى جمعها: أمهات كما عبر به المصنف، ويجوز أمات على قلة، هذا فى الأناسى، فأما فى غيرها .. فبالعكس، أنشد الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} للمأمون بن الرشيد (من البسيط):

وإنما أمهات الناس أوعية .... مستودعات وللآباء أبناء

وأفتتح الباب في (المحرر) بقوله: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى مارية حين ولدت: (أعتقها ولدها) قال الحاكم [2/ 19] فى (كتاب الورع) من (مستدركه): إنه صحيح الإسناد، وصححه ابن حزم [المحلى 9/ 18] أيضًا، لكن إبن ماجة [2516] رواه بإسناد ضعيف، واستشهد البهيقي [6/ 160] بقول عائشة:(ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة) فدل على أن مارية عتقت بموته صلى الله عليه وسلم.

ص: 583

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومعنى قوله: (أعتقها ولدها): أنه أثبت لها حرمة الحرية، لا أنها عتقت حقيقة.

وفي (الصحيحين)[خ2229 - م1438/ 125] عن أبي موسى: قلنا يا رسول الله، إنا نأتى السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل؟ فقال:(ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة).

ففي قوله: (ونحب أثمانهن) دليل على أن بيعهن بالإستيلاد ممتنع.

وأجمعوا على أن ولد الرجل من أمته ينعقد حرًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة: أن تلد الأمة ربتها (. فأقام الولد مقام أبيه، والأب حر فكذلك الولد، ولا ولاء عليه لأحد، لأن مانع الرق قارن سبب الملك فدفعه، بخلاف ما لو اشترى زوجته الحامل منه .. فإن الولد يعتق عليه وولاؤه له.

وتظهر فائدة ولائه فيما لو أوصى لموالي فلان .. فإنه يدخل، وفي تحمل العقل، فإن المولى يتحمله والأب لا يتحمله ..

ص: 584

إِذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيْتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةً .. عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِدِ،

ــ

قال: (إذا أحبل أمته فولدت حيًا أو ميتًا أو ما تجب فيه غرة .. عتقت بموت السيد)، لما روى الحاكم [2/ 19] وابن ماجة [2515] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما أمة ولدت من سيدها .. فهي حرة بعد موته).

وروى البهيقي [10/ 346] عن ابن عمر أنه قال: (أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطًا).

وروى الدارقطني [4/ 134]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث، يستمتع بها مدة حياته، فإذا مات .. عتقت (لكن قال البهيقي [10/ 248]: إنه لم يصح إلا من كلام عمر.

وشمل قوله: (الإحبال) ما إذا كان الوطء مباحًا أو محرمًا بأن كانت مزوجة أو محرمًا له أو مسلمة وهو كافر .. فهو كذلك، سواء أوجبنا عليه الحد إذا علم أم لا.

وسيأتي في خاتمة الباب حكم عقوبته، لكن تعبيره بـ (الإحبال) يقتضي اعتبار فعله، فلو علقت منه باستدخال ذكره أو مائه .. كان الحكم كذلك كما يثبت النسب، وتؤيده رواية الدارقطني [4/ 131]:(أيما أمة ولدت من سيدها .. فهى حرة عن دبره).

وعلم من قوله: (أو ما تجب فيه غرة): أنه لا يشترط انفصال جميعه فلو أخرج رأسه وباقيه مختف ثم مات السيد .. عتقت، وبه صرح الدارمي.

كل هذا إذا لم يزاحم حق الغير، فإن زاحم بأن استولد الأمة التي تعلق بها رهن أو أرش جناية واستمر حتى مات السيد .. فإنها لا تعتق بموته، وكذلك أمة المحجور عليه بفلس إذا أولدها بعد الحجر.

لكن يرد على إطلاقه المكاتب، فإنه إذا أحبل أمته ثم مات رقيقًا قبل العجز أو بعده .. لم يعتق بموته على الأصح.

وشمل إطلاق (موته) ما لو قتلته، وبه صرح الرافعي فى (باب الوصية) ،

ص: 585

أَوْ أَمَةِ غَيْرَهُ بِنِكَاحٍ

فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ- وَلَا تَصِيُر أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَلِكَهَا- أَوْ بِشُبْهَةٍ

فَالْوَلَدْ حُرُّ، وَلَا تَصِيرُ أُمُّ وَلَدٍ إِذَا مَلِكَهَا فِي الْأَظْهَرِ

ــ

وكذلك لو كانت الأمة يملك بعضها على الصحيح المنصوص، والولد حر عند العراقيين، وهو صريح في أن الحرية لا تتبعض في الولد، وهو الأصح في (الشرح الصغير) وقيل: تتبعض، وصححه في (الروضة) في آخر (الكتابة).

واحترز بقوله: (أو ما تجب فيه غرة) عما إذا وضعت مضغة ليس فيها تخطيط جلي ولا خفي، وشهد القوابل أنه مبدأ خلق آدمي لو بقي لتخطط

فإن أمية الولد لا تثبت بذلك، كما لا تجب الغرة على المنصوص فيهما، ونص على أن العدة تحسب بذلك، وللأصحاب في ذلك طرق مشهورة تقدمت. فإن ألقت مضغة ظهر فيها التخطيط

تثبت الغرة والاستيلاد.

وأشار بقوله: (عتقت بموت السيد) إلى أنها تعتق من رأس المال، ويقدم عتقها على الديون كما سيذكره في آخر الباب.

قال: (أو أمة غيره بنكاح) وكذلك بالزنا (

فالولد رقيق)؛ لأنه يتبع الأم فيكون لسيدها بالإجماع، لكنه يستثنى من طرده جارية ولده التي لم يستولدها، فإذا أولدها الأب

صارت أم ولد، ومن عكسه: إذا غر بحرية أمة فنكحها وأولدها

فالولد حر، وقد ذكره المصنف في (باب الخيار والإعفاف).

قال: (ولا تصير أم ولد إذا ملكها)؛ لأن ثبوت الحرية للأمة فرع ثبوتها للولد وهو هنا رقيق، وفيه قول مخرج من المرهونة إذا بيعت في الدين ثم عادت إليه.

ولو ملك الولد

عتق عليه إن كان من نكاح لا من زنا.

قال: (أو يشبهه) بأن وطئها ظانًا أنها زوجته الحرة أو أمته (

فالولد حر) بلا خلاف؛ نظرا إلى ظنه، فلو ظنها زوجته الأمة

كان الولد رقيقًا، وهذه الصورة ترد على المصنف، واحترز عنها في (المحرر) بقوله: على ظن انه يطا زوجته الحرة.

قال: (ولا تصير أم ولد إذا ملكها في الأظهر)؛ لأنها علقت به في غير ملكه، فأشبه ما لو علقت به في نكاح.

والثاني: تصير؛ لأنها علقت بحر، والعلوق بالحر سبب للحرية بالموت

ص: 586

وَلَهُ وِطٌء أَمْ الْوَلَدِ وَاسْتِخْدَامِهَا وَإِجَارَتَهَا وَأَرَشْ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا،

ــ

وموضع الخلاف في الحر، فإن وطىء العبد جارية غيره بشبهة ثم عتق ثم ملكها

لا تصير قطعًا؛ لأنه لم ينفصل من حر.

قال: (وله وطء أم الولد) بالإجماع.

واستثنى الجرجاني منه أمة الكافر إذا أسلمت، وأخته من الرضاع إذا أحبلها جاهلًا بالتحريم؛ فإنها تصير مستولدة ووطؤها ممتنع.

واستثنى الجيلي ثالثة وهي: أن من يطأ موطوءة اينه

فتصير أم ولد، ولا يحل له وطؤها.

وتستثني رابعة وهي: إذا أولد مكاتبته

فإنها تصير أم ولد، ولا يحل له وطؤها ما دامت الكتابة الصحيحة باقية.

قال: (واستخدامها وإجارتها)؛ لبقاء ملكه عليها كالمدبرة، وقال مالك: لا يؤجرها كما لا بييعها.

وله أيضًا كتابتها؛ لأنه يملك كسبها، فإذا أعتقها على صفة

جاز.

فإن قيل: في الجزم بجواز الإجازة نظر؛ لأنها بيع، وقد قالوا في الأضحية المعينة: لا تصح إجارتها كما لا يصح بيعها إلحاقًا للمنافع بالأعيان

قلنا: الفرق خروج الأضحية عن ملكه بالكلية، بخلاف المستولدة.

وعلم من جواز الإجارة جواز الإعارة من باب أولى.

قال: (وأرش جناية عليها)؛ لدوام ملكه، وكذا أرش الجناية على أولادها التابعين لها؛ لأنهم ملكه، وله قيمتهم أيضًا إذا قتلوا، ولو غصبهم غاصب فماتوا في يده

ضمنهم بالقيمة للسيد.

وأصل ذلك: أن أم الولد تضمن عندنا بالغصب، خلافًا لأبي حنيفة؛ بناء على أصله: أن التضمين يوجب التمليك.

واحترز ب (أم الولد) عن المكاتبة؛ فأرش الجناية عليها لا لها.

ص: 587

وكَذَا تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيُحَرِّمُ بَيْعِهَا

ــ

قال: (وكذا تزويجها بغير إذنها في الأصح)؛ لأنه يملك رقبتها ومنافعها، حتى الاستمتاع، فملك تزويجها برضاها وبدونه كالمدبرة.

والثاني: لا يجوز وإن رضيت؛ لأنها ناقصة في نفسها، وولاية الولي عليها ناقصة أيضًا، فأشبهت الصغيرة إذا زوجها الأخ برضاها.

والثالث: يجوز له برضاها؛ لأنه ثبت لها حق الحرية بسبب لا يملك السيد إبطاله، فلا يملك تزويجها بغير إذنها كالمكانية.

وكان الصواب: أن يعبر ب (الأظهر)؛ فإن الخلاف أقوال مذكورة في (التنبيه) وغيره.

وإذا أراد أن يزوج بنت أم ولده

فهي كالأم فيها الأقوال، وإذا جوزناه

لا يحتاج إلى استيرائها، بخلاف أم الولد؛ فإنها ليست فراشًا للسيد، ولا يخفى أن هذا إذا كان السيد مسلمًا، فإن كان كافرًا وهي مسلمة

فليس له تزويجها على الأصح؛ بناء على أنه يزوجها بالملك. قال: (ويحرم بيعها) هذا الذي قطع به الجمهور، وأول من قضى به عمر، ونص عليه الشافعي في خمسة عشر كتابًا، ويدل له حديث ابن عمر المتقدم، ولا يعرف للشافعي فيها إلا هذا القول، وجوز بيعها ابن القاص والمحاملي، ويحكى عن ابن عباس والشيعة وداوود، لقول جابر:(كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأسًا) رواه أبو داوود [3950].

والجواب: أنه منسوخ؛ فإن ابن أبي شيبة رواه عنه ثم قال: وذكر لي أنه رجع عنه.

ص: 588

وَرَهْنُهَا وَهَبْتُهَا.

ــ

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك، كما قال ابن عمر:(كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسًا، حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فتركناها) وقد ناظر فيها أبو بكر بن داوود أبا العباس بن سريج فقال: أجمعنا على أنها قبل أمية الولد كانت تباع، فيستصحب هذا الإجماع إلى أن يثبت ما يخالفه، فقال له ابن سريج: أجمعنا على أنها حين كانت حاملًا بحر لا تباع، فيستصحب هذا الإجماع القريب إلى أن يثبت ما يخالفه، فأفحمه.

واستثنى القفال بيعها من نفسها، فأفتى بجوازه؛ تغليبًا لجانب الافتداء.

وقال في (اللباب): يجوز بيعها في ثلاث مسائل: المرهونة، والجانية، وأم ولد المكاتب. اهـ.

والظاهر: أن استيلاد المفلس في حال الحجر كاستيلاد الراهن، وعبارة المصنف قد تشمل منع كتابتها؛ لأن الكتابة اعتياض عن الرقبة، ونقله الروياني عن النص، لكن رجح الرافعي الجواز، وحقيقة الثابت للسيد على المستولدة إنما هو اختصاص لا ملك، فيتصرف في منفعتها لا في عينها، كالموقوف ينتفع به ولا يبيعه.

وتقدم أن القاضي إذا قضى بجواز بيعها

نقض قضاؤه، وليس ذلك لمخالفة خير الواحد كما قاله الغزالي، بل لمخالفة الإجماع؛ لأن الخلاف الذي كان فيها قد ارتفع بالإجماع بعده، ووقع في (الروضة) في (كتاب القضاء) عن الروياني تصحيح عدم نقضه، وهو وجه مبني على أن الإجماع بعد الاختلاف لا يرفع حكم الاختلاف، ومنهم من بناء على الخلاف في اشتراط انقراض العصر، ولا اعتبار بخلاف الشيعة والظاهرية.

قَالَ: (وَرَهْنُهَا وَهِبَتْهَا)؛ لِأَنَّ الْهِبَة تُبْطِلُ الْمَلِكُ، وَالْرَّهْنُ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَا

ص: 589

وَلَوْ وَلَدَت مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا

فَالْوَلَدُ لِلْسَيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ،

ــ

البيع، وإنما ذكرهما المصنف مع أنه إذا حرم بيعها حرم رهنها وهبتها؛ للتنبيه على أن تعاطي العقود الفاسدة حرام وإن لم يتصل بها المقصود كما نص عليه في (الأم)، وقد تقدم ذكر ذلك في (البيع) وغيره.

وكذلك تحرم الوصية بها، وفي صحة وقفها خلاف تقدم في بابه.

قال: (ولو ولدت من زوج أو زنًا) أي: بعد الاستيلاد (

فالولد للسيد يعتق بموته كهي) حكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء؛ لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، فكذا في سببه اللازم.

ولا يأتي فيه الخلاف في ولد المدبرة والمكاتبة؛ لأن الاستيلاد أقوى، بدليل أنه لا يرتفع بحال بخلافهما، ولا يتوقف عتقه على عتق الأم، فلو ماتت قبل موت السيد

بقى حكم الاستيلاد في حق الولد، وهذا أحد المواضع التي يزول فيها حكم المتبوع ويبقى حكم التابع كما في نتاج الماشية في الزكاة، وكذلك الموقوفة، فهي وإن كانت لا تباع بحال لا يتعدى حكم الوقف إلى ولدها على الأصح؛ لأن المقصود بالوقف حصول الفوائد والمنافع للموقوف عليه.

وولد الموصى بمنفعته كالأم على الصحيح، رقبته للوارث ومنفعته للموصى له؛ لأن جزء من الأم، والمؤجر والمعار لا يتعدى حكمهما إلى الولد؛ لأن العقد لم يقتضه، وولد المعتقة بصفة والمكاتبة يتبعها، إن عتقت

عتق، وولد الأضحية والمنذورة والهدي له حكمها؛ لزوال الملك عنها، وولد الماشية التي تجب الزكاة في عينها تزكى بحول الأصل.

والأصح: أن ولد العرض مال تجارة، وولد المبيعة الحادث في مدة الحبس في يد البائع ليس للبائع حبسه، وولد المرهونة الحادث بعد الرهن غير مرهون، وولد المضمونة غير مضمون، وولد المغصوبة غير مغصوب، وولد المودعة كالثوب الذي أطارته الريح إلى داره، وولد الجانية لا يتبعها في الجناية، وولد المرتدين مرتد على الأظهر، وولد العدو في قبول شهادته ثلاثة أقوال لمالك تقدمت، وولد مال القراض يعود به المالك، وولد المستأجرة غير مستأجر.

ص: 590

وأولادها قبل الاستيلاد من زنا أو زوج لا يعتقدون بموت السيد، وله بيعهم، وعتق المستولدة من رأس المال.

ــ

فإن قيل: يستثنى من إطلاق المصنف صورتان:

إحداهما: ما حكاه الرافعي قبيل (الصداق) عن (فتاوي البغوي) وأقره: أن الزوج إذا كان يظن أن أم الولد حرة

فالولد حر، وعليه قيمته للسيد.

والثانية: إذا أحبل الراهن المرهونة وهو معسر، وقلنا بالأصح: إنها لا تصير مستولدة، فبيعت في الدين، ثم ولدت عند المشتري أولادًا، ثم ملكها الراهن هي وأولادها

فإنها تصير مستولدة على الصحيح، وأولادها أرقاء لا يعكون حكمها، قاله الرافعي في (باب الإقرار بالنسب)

فالجواب: أنهم في المسألة الثانية ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد، وفي الولى ليسوا أولاد أم ولد في ظنه.

وقوله: (كهي فيه) جرّ الضمير بالكاف، وهو شاذ كما تقدم.

قال: (وأولادها قبل الاستيلاد من زنًا أو زوج لا يعتقون بموت السيد، وله بيعهم)؛ لحدوثهم قبل أن يثبت لها سبب الحرية.

قال: (وعتق المستولدة من رأس المال)، فيقدم على الديون والوصايا، سواء استولدها في الصحة أو المرض، أو مجز عتقها في مرض موته.

أما عتقها

فلما سبق من حديث ابن عباس، وسئل عكرمة عنها فقال: هي حرة، قيل له: بأي شيء تقوله؟ قال: بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} وكان عمر من أولي الأمر، وقال: أعتقها ولدها وإن كان سقطًا.

ولأن ولدها جزء منها، وقد انعقد جزءًا، فاستتبع الباقي كالعتق، لكن العتق فيه قوة فأثر في الحال، وهذا فيه ضعف فأثر بعد الموت.

وأما كونه من رأس المال

فلأنه إتلاف حصل بالاستمتاع، فأشبه الإتلاف بالأكل واللبس، وبالقياس على من تزوجها في مرض موته، فمن الأصحاب من حكى عن القديم: أنها لا تعتق بموته، ويكون الاستيلاد كالاستخدام.

ص: 591

ــ

والحق أن الشافعي إنما حكى ذلك عن علي رضي الله عنه؛ فإنه خطب على منبر الكوفة فقال: اجتمع رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر أن لا تباع أمهات الأولاد، وأنا الآن أرى بيعهن، فقال له عبيدة السلماني: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، فأطرق رأسه ثم قال: اقضوا فيه ما أنتم قاضون؛ فإني أكره أن أخالف أصحابي، كذا رواه البيهقي [10/ 343] وغيره، وقد تقدم عن عبيدة نظير هذه القصة في (ميراث الجد والإخوة).

وأما جناية أم الولد

فتقدم حكمها في (باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة).

تتمة:

وصى بأم الولد من الثلث بقصد الرفق بالورثة

لم ينفذ، بخلاف ما إذا أوصى بحجة الإسلام من الثلث؛ لأن المستولدة كالمال الذي يتلفه بالأكل والشرب في حال المرض، فلا يحسب من الثلث، وهي تعتق بمجرد الموت، فليس للوصية فيها أثر.

وفي (فتاوى القفال): أن من وطىء جارية ببيت المال

يحد، فإن أولدها

فلا نسب ولا استيلاد، سواء الفقير والغني؛ لأنه لا يجب الإعفاف في بيت المال.

وختم الرافعي كتابه بقوله: وإذا أولد جاريته المحرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة

لزمه التعزيز، وفي قول: الحد، ثم قال: وعلى القولين: لو أولدها

يكون الولد حرًا نسبيًا، وتصير هي مستولدة.

قال الأصحاب: ولا يتصور اجتماع هذه الأحكام مع ثبوت الحد إلا في هذه الصورة على أحد القولين، وما جزم به هنا من كون الولد نسبيًا مع القول بوجوب الحد صحح خلافه في آخر (كتاب النكاح)، وفي (باب حد الزنا).

قال في (المهمات): والذي ذكره من أن هذه الأحكام لا تجتمع إلا في هذه الصورة غريب؛ فإنها تجتمع فيما إذا وطىء الأب جارية ابنه واستولدها ولم تكن مستولدة الابن، وإذا أولد الرجل المشتركة، وإذا أولد جاريته المزوجة، وإذا أولد جاريته المعتدة، وإذا أولد أمته المجوسية أو الوثنية، وإذا أولد الذمي أمته التي

ص: 592

ــ

أسلمت قبل أن تباع عليه

ففي جميع هذه الصور تثبت الحرية والنسب والاستيلاد مع وجوب الحد على قول كما قرره الرافعي في غير هذا الباب، والله سبحانه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.

ونختم الكتاب بما بدأنه به من حمد الله الذي يبدىي ويعيد، والصلاة والسلام على نبيه محمد المخصوص بعموم الشفاعة يوم الوعيد، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور وفتنة الأمل البعيد، ونسأله الفوز يوم يقال: شقي فلان وفلان سعيد.

قال مؤلفه محمد بن موسى الدميري، وقال الله تعالى شر نفسه، وجعل يومه خيرًا من أمسه: فرغت منه في شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وسبع مئة، جعله الله خالصًا لوجهه، موجبًا للفوز لديه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ص: 593