المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب التدبير ــ كتاب التدبير هو في اللغة: النظر في عواقب الأمور. وفي الشرع: - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١٠

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتاب التدبير ــ كتاب التدبير هو في اللغة: النظر في عواقب الأمور. وفي الشرع:

‌كتاب التدبير

ــ

كتاب التدبير

هو في اللغة: النظر في عواقب الأمور.

وفي الشرع: تعليق عتق يقع بعد الموت.

وحده بعضهم بأنه تعليق عتقه بالموت، وهو غير مانع؛ فإنه لو قال: إذا من فأنت حر قبل موتي بشهر فمات فجأة .. فهذا تعليق بالموت وليس تدبيرًا؛ لأنه يعتق من رأس المال.

ولفظ مأخوذ من الدبر: لأن الموت دبر الحياة، وقيل: لأنه لم يجعل تدبيره إلى غيره، وقيل: لأنه دبر أمر حياته باستخدامه وأمر آخرته بعتقه.

وكان معروفًا في الجاهلية فأقره الشرع، وقيل.: إنه مبتدأ في الإسلام، ولا يستعمل التدبير في غير العتق من الوصايا، وقد دبر المهاجرون والأنصار، وأجمع المسلمون على جوازه.

وافتتحه في (المحرر) بقول جابر: (إن رجلًا أعتق غلامًا عن دبر لم يكن له مال غيره، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم رواه الشيخان [خ 2141 - م997]، واشتراه نعيم النحام.

ووقع في (الرافعي) وبعض كتب الحديث والفقه: نعيم بن النحام، وهو وهم، واسم العبد المدبر: يعقوب، ومدبره أبو مذكور الأنصاري.

ص: 509

صَرِيحُهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إِذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُ .. فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي، وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي،

ــ

وفي (سنن الدارقطني)[4/ 139]: أن النبي صلى الله عليه وسلم باعد بعد الموت، وهو خطأ، وفيه أيضًا: أنه إنما باع خدمته، وهو منقطع.

قال: (صريحة: أنت حر بعد موتي، أو إذا مت أو متى مت .. فأنت حر، أو أعتقتك بعد موتي)؛ لأن هذه الصيغ لا تحتمل غيره وهو شأن الصريح، لكن كان ينبغي أن يقول: مثل كذا؛ لأن صرائحه لا تنحصر في ذلك، ومنها: حررتك بعد موتي، أو إذا مت .. فأنت عتيق.

ووقع في (الكفاية): أن إذا مت .. فأنت حر كناية، وهو سبق قلم.

قال: (وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب) كذا نص عليه هنا، ونص في (الكتابة) على أن قوله: كاتبتك على كذا .. لا يكفي حتى يقول: فإذا أديت .. فأنت حر وينوي ذلك، فقيل قولان فيها:

أحدهما: أنهما صريحان؛ لاشتهارهما في معناهما كالبيع والهبة.

والثاني: كنايتان؛ لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق.

والثالث: إن كان اللافظ فقيهًا .. افتقر إلى النية، وإلا .. فلا، والأصح: تقرير النصين.

والفرق: أن التدبير مشهور يعرفه كل أحد ولا يحتمل إلا العتق بعد الموت، فاستغنى عن النية، والكتابة لا يعرفها إلا الخواص وتحتمل أمورًا منها المراسلة والمخارجة مثل: كاتبتك كل يوم بكذا.

وموضح الخلاف: حيث لم ينو العتق، فإن نواه .. فلا خلاف فيه.

قال: (ويصح بكناية عتق مع نية كخليت سبيلك بعد موتي)؛ لأنه نوع من العتق فدخلته كنايت

ص: 510

وَيَصِحُّ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوِ المَرَضِ .. فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتَ .. فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي؛ فَإِنْ ُوِجَدِت الصِّفَةُ وَمَاتَ .. عَتَقَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ ثُمَ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ .. اشْتُرِطَ الدُّخُولُ بَعْدَ المَوْتِ،

ــ

ولو قال: دبرت نصفك أو ربعك .. صح، فإذا مات .. عتق ذلك الجزء ولم يسر كما تقدم.

قال: (ويصح مقيدًا كإن مت في هذا الشهر أو المرض .. فأنت حر) فإن مات على تلك الصفة .. عتق، وإلا .. فلا، وهو كالمطلق في الإعتاق من الثلث، لكن شرط المقيد أن يكون إلى مدة يمكن بقاؤه إليها.

فلو قال: إذا مت بعد ألف سنة فأنت حر .. ففي صيرورته مدبرًا وجهان في (البحر) في (باب الخيار)، وصحح: أنه لا يكون مدبرًا؛ للقطع بأنه لا يبقى إلى هذه المدة.

قال: (ومعلقًا كإن دخلت .. فأنت حر بعد موتي)؛ لأنه دائر بين كونه عتقًا أو وصية، وتعليقهما جائز.

قال: (فإن وجدت الصفة ومات .. عتق، وإلا .. فلا)؛ لأنه يصير مدبرًا ما لم يدخل.

قال الإمام: وإذا وجد الدخول .. حصل التدبير، والتحق بالتدبير المقيد إن كان يختلف به غرض.

قال: (ويشترط الدخول قبل موت السيد) كسائر الصفات المعلق عليها، فإن مات السيد قبل الدخول .. فلا تدبير.

قال: (فإن قال: إن مت ثم دخلت فأنت حر .. اشترط الدخول بعد الموت)؛ اعتبارًا بمقتضى تعليقه ب (ثم)، فلو دخلها قبل موته .. لم يعتق.

ومقتضى عبارته: أن هذه الصورة يعتق فيها بالتدبير، والصحيح: أنه يعتق بالصفة

ص: 511

وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ،

ــ

لا بالتدبير؛ لأن التدبير تعليق العتق بموته فقط، وهنا علقة بموته ودخول الدار بعده.

تنبيه:

ظاهر كلامه: أنه لو أتى بالواو .. لم يشترط في الترتيب.

ونقل الشيخان عن البغوي فيها الاشتراط أيضًا إلا أن يريد الدخول قبله.

والصواب: ما اقتضته عبارة المصنف، فقد قال الشيخان في (تعليق الطلاق): إن هذا وجه مفرع على أن الواو للترتيب، وجزما بأنه لا فرق بين أن يتقدم الأول أو يتأخر، فالذي قاله البغوي مبني على أن الواو للترتيب وهو ضعيف.

قال: (وهو) أي: الدخول بعد الموت (على التراخي)، فلا يشترط فيه الفور؛ إذ ليس في الصيغة ما يقتضي ذلك.

قال: (وليس للوارث بيعة قبل الدخول) كما لو أوصى لإنسان بشي، ليس للوارث بيعه قبل قبوله وإذ كان للموصي أن يبيعه، وكذلك كل تصرف يزيل الملك، وله التصرف بما لا يزيله كالاستخدام والإجارة.

وفي وجه ضعيف: أن للوارث أيضًا أن يبيعه؛ لأن أحد شرطي العتق لم يوجد فصار كما لو قال: إذ أكلت هذين الرغيفين فأنت حر، فأكل أحدهما .. لم يمتنع بيعة، لكن في رجوع ذلك إلى خيرة العبد وشهوته وعدم الاعتراض عليه نظر؛ لأنه قد يكون عاجزًا لا منفعة فيه ولا خدمة فيبقى كلًا على الورثة، قال الدارمي: فيقال له: إن فعلت كذا وإلا .. جعلنا لهم التصرف فيك، وهذا متعين يجب تنزيل إطلاق المطلقين عليه.

وقد قال الأصحاب في الموصى له: إنه إذا لم يقبل ولم يرد .. خيره الحاكم بينهما بطلب الوارث، فإن لم يفعل .. حكم عليه بالإبطال.

وفي معنى البيع كل تصرف يزيل الملك، فلو نجز الوارث عتقه قبل الدخول .. ففيه احتمالان لابن أبي الدم:

ص: 512

وَلَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ .. فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ شِئْتُ فَأَنْتً مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إِنْ شِئْتً .. اشْتُرِطَتِ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةَ، وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتُ .. فَلِلتَّراَخِي. وَلَوْ قَالَا لِعَبْدِهمَا: إِذًا مِتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ .. لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتًا،

ــ

أحدهما: المنع كما يمتنع بيعه وهبته.

والثاني: نعم؛ لقوة العتق؛ ولأن المقصود عتقه كيف شاء تحقيقًا لغرض الميت، وهذا هو الصواب، فكم من رقبة يمتنع بيعها ويجوز عتقها كالمبيع قبل القبض وغيره.

قال: (ولو قال: إذا مت ومضى شهر فأنت حر .. فللوارث استخدامه في الشهر)؛ لبقائه على ملكه.

قال: (لا بيعة) لتعلق حق المعتق به، ثم هل هذا تدبير مطلق أو مقيد، أو لا مطلق ولا مقيد، وإنما هو مجرد تعليق لا تدبير؟ فيه أوجه: أصحها ثالثها.

قال: (ولو قال: إن شئت فأنت مدبر أو أنت حر بعد موتي إن شئت .. اشترطت المشيئة متصلة) أي: اتصالًا لفظيًا؛ لأن الخطاب يقتضي جوابًا في الحال كالبيع، ولأنه كالتمليك وهو يفتقر إلى القبول في الحال.

قال: (وإن قال: متى شئت .. فللتراخي)؛ لأنه صريح فيه، وهذا لا خلاف فيه، وكذا: مهما شئت.

نعم؛ تشترط المشيئة في حياة السيد كسائر الصفات المعلق عليها، إلا إذا علق صريحًا بمشيئته بعد الموت .. فإنه يحصل العتق بذلك، وفي اشتراط الفور حينئذ عقب الصوت تفصيل، فإن قال: إذا مت فشئت .. اشترط في الأصح، ولو قال: إذا مت فمتى شئت فأنت حر .. لم يشترط قطعًا. قال: (ولو قالا لعبدهما: إذا متنا فأنت حر .. لم يعتق حتى يموتا) لأنهما علقة عتقه بموتهما، ثم إن ماتا معًا .. فالحاصل: عتق لا تدبير في الأصح، وإن ماتا مرتبًا .. فقيل: لا تدبير، والأصح: أنه بموت الأول صار نصيب الثاني مدبرًا، وأشار المصنف إلى هذا حيث قال:

ص: 513

فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .. فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيِبِه. وَلَا يَصحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ،

ــ

(فإن مات أحدهما .. فليس لوارثه بيع نصيبه) أي: وله التصرف فيه بما لا يزيل الملك كالاستخدام والإجارة؛ لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك.

وفية وجه: أن له بيعه كما تقدم في نظيره، أما كسب العبد بين موتيهما .. ففيه وجهان:

أحدهما: أنه معدود من تركة الميت.

والأصح: أنه يختص به الوارث وقد تقدم في (الوصايا) قبيل قوله: (فصل أوصى بشاة) أنه لو أوصى بعتق عبد فاكتسب مالًا بين الموت والإعتاق تصحيح أنه للعبد.

والفرق: أن المعتق هناك مستحق حالة الاكتساب، فإنه واجب على الفور بخلافه هنا.

فرع:

قالا: إذا متنا معًا .. فالحكم كما تقدم، سواء قالاه معًا أو مرتبًا.

ولم يحمل الشافعي قولهما متنا معًا على موتهما دفعة واحدة؛ لأنه يصدق أن يقال: ماتا معًا وإن ترتب موتهما.

وكذلك الحكم إذا قال الزوج لامرأتيه: إن ولدتما معًا أو دخلتما معًا ونحو ذلك .. فأنتما طالقان، أو قال لعبديه: فأنتما حران .. فالمنقول في جميع ذلك أن الاقتران في الزمان لا يشترط، كذلك نقله ابن الرفعة والقمولي عن النص، وسبقهما إلى ذلك الماوردي والروياني.

وقد تقدم الكلام على لفظة (معًا) في أول (الجنايات) عند قول المصنف: (فصل وجد من شخصين معًا).

قال: (ولا يصح تدبير مجنون وصبي لا يميز)؛ لعدم أهليتهما للتبرع وهذا في الجنون المطبق، أما غيره .. فهو في حال إفاقته التامة كسائر المكلفين.

ص: 514

وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الأَظْهَرِ، وَيَصحُ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيِّ، وَتَدْبِيُر الْمُرْتَدِّ يَنْبَنِي عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ. وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ .. لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمًذْهَبِ، وَلَوِ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ،

ــ

قال: (وكذا مميز في الأظهر) كهبته وإعتاقه ونحوهما.

والثاني: يصح؛ إذ لا تضييع فيه، بل هو باق على ملكه، والقولان كالقولين في وصيته.

قال: (وصح من سفيه)؛ لأنه مكلف وله قول فأشبه النكاح والطلاق، بخلاف الصبي، وقيل: قولان كالصبي.

والخلاف في المحجور عليه، أما من طرأ سفهه بعد رشده ولم يحجر عليه .. فتصرفه نافذ على الأصح، وتدبير المفلس كإعتاقه، وقد سبق في بابه وفي تدبير العاصي بسكره الخلاف في تصرفاته، وتدبير المكره باطل قطعًا.

قال: (وكافر أصلي) حربيًا كان أو ذميًا أو مجوسيًا أو وثنيًا؛ لأنه صحيح الملك، قال تعالى:{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فأضافها إليهم إضافة ملك، سواء كان ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام.

قال: (وتدبير المرتد ينبني على أقوال ملكه) فإن قلنا ببقاء ملكه .. صح، أو بزواله .. فلا، أو بالوقف .. فموقوف، إن أسلم .. بانت صحته، وإن مات مرتدًا .. فلا.

قال: (ولو دبر ثم ارتد .. لم يبطل على المذهب)؛ لأن الردة تؤثر في العقود المستقبلة دون الماضية.

دليله: أنها لا تفسد المبيع والهبة السابقين عليها.

والطريق الثاني: القطع بالبطلان.

والثالث: البناء على أقوال الملك.

قال: (ولو ارتد المدبر .. لم يبطل) أي: تدبيره وإن صار دمه مهدرًا، كما لا يبطل الاستيلاء والكتابة بها، فلو مات السيد قبل قتله .. عتق، ولو التحق بدار

ص: 515

وَلِحَرْبِيِّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إِلَى دَارِهِمْ. وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ .. نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ،

ــ

الحرب فسبي .. فهو على تدبيره لا يسترق؛ لأن سيده إن كان حيًا .. فهو له، وإن كان ميتًا .. فولاؤه له، وإن كان سيده ذميًا .. ففي استرقاق عتيقه خلاف 0 ولو استولى الكفار عليه ثم تخلص .. فهو على تدبيره.

قال: (ولحربي حمل مدبره إلى دارهم) سواء دبره في دار الحرب أو الإسلام، لأن أحكام الرق باقية عليه، وهكذا حكم مستولدته، بخلاف المكاتب؛ فإنه في حكم الخارج عن ملكه.

فإن قيل: الحربي في دارنا إن لم يكن مستأمنًا .. لم يمكن من ذلك، وإن كان مكن وليس بحربي .. فما صورة المسألة؟ فالجواب: أن المراد: إذا دخل إلينا بأمان كما صورها الشافعي في (المختصر)، وذلك لا يخرجه عن كونه حربيًا.

والمصنف أطلق (مدبره) وقيده في (الروضة (بالكافر، ومراده: الأصل؛ ليخرج المرتد، فإنه يمنع من حمله؛ لبقاء علقة الإسلام كما يمتنع على الكافر شراؤه.

قال: (ولو كان لكافر عبد مسلم فدبره .. نقض وبيع عليه)؛ لأن التدبير لا يزيل الملك ولا يمنع من البيع.

وصورة المسألة: أن يقع التدبير بعد الإسلام، فإن وقع قبله .. فسنذكره، وهذا يؤخذ من إدخال الفاء على (دبره).

والرافعي لم يذكر هذه المسألة في (الشرحين) هنا، بل في (كتاب الكتابة) استطراد.

وإنما قال المصنف: (نقض وبيع عليه) ولم يقتصر على البيع؛ لأنا إن جعلناه وصية .. فلا بد من نقضه قبل البيع وإن جعلناه تعليقًا بصفة بيع عليه، والأولى أن يكون على التقديم والتأخير؛ أي: بيع عليه ونقض تدبيره بالبيع.

ص: 516

وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ .. نُزِعً مِنْ سَيِّدِهِ وَصُرِفَ َكْسُبُه إِلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: يُبَاعُ، وَلَهُ بَيْعُ المُدَبِّرِ

ــ

قال: (ولو دبر كافر كافرًا فأسلم ولم يرجع السيد في التدبير) أي: بما يحصل به الرجوع من قول إن اكتفينا به، أو إزالة ملك إن اعتبرناه.

قال: (.. نزع من سيده)؛ لما في بقائه في يده من الإذلال ويجعل تحت يد عدل ولا يباع، بل يبقي مدبرًا؛ لتوقع الحرية.

قال: (وصرف كسبه إليه) أي: إلى سيده كما لو أسلمت مستولدته.

قال: (وفي قول: يباع) أي: وينقض التدبير: دفعًا للإذلال، لأن العبد المسلم لا يقر في ملك الكافر، وإلى هذا ذهب جماعة من الأصحاب، وبه قال مالك، وهو مقابل لقوله:(نزع من يده).

أما لو أسلم مكاتب الكافر .. فالمذهب أنه لا يباع، بل تبقى الكتابة؛ لانقطاع سلطنة السيد واستقلاله، فإن عجزه السيد .. بيع عليه.

قال: (وله) أي: للسيد الجائز التصرف (بيع المدبر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم باعه.

وكذلك له أن يتصرف فيه بجميع أنواع التصرفات التي كانت مشروعة له قبل التدبير، سواء كان التدبير مطلقًا أو مقيدًا، وسواء بيع في الدين أم غيره، لحاجة أم لغيرها.

وقال أبو حنيفة: لا تجوز إزالة الملك عنه في التدبير المطلق.

وقال مالك: لا يباع العابر مطلقًا، وأجاب عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم باعة للدين.

ورد بأنه لو كأن كذلك .. لتوقف على طلب الغرماء، ولباع منه بقدر الدين، ولما دفع قيمته إلى المدبر، فدل على أنه ليس لأجل الدين، وهو قد روى والشافعي [1/ 226] والبيهقي [8/ 137] والحاكم [4/ 219] وقال: صحيح على شرط الشيخين عن

ص: 517

وَالتَّدبِيرُ: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: وَصِيَّةٌ، فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ .. لَمْ يَعُدِ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهبِ،

ــ

عائشة: أنها باعت مدبرة لها سحرتها، ولم ينكر عليها ذلك أحد من الصحابة.

ولا خلاف عندنا في جوازه، وفي معنى البيع: كل تصرف يزيل الملك كالصداق والخلع والهبة المقبوضة، فإن لم يقبض .. لم يبطل التدبير على الأصح، ورجح في (التنبيه) مقابله، وهو المنصوص في (الأم)، لكن يستثنى السفيه؛ فإنه يصح تدبيره ولا يصح منه بيعه، وكذا المميز إن صححناه، قال ابن الرفعة: ولو أراد الولي بيعة لإبطال التدبير .. لم يجز، كما لا يجوز للولي أن يرجع فيه بالقول قطعًا، فلو أذن له الصبي في البيع .. كان البيع بإذن الصبي رجوعًا بكل حال، قاله الماوردي.

وهذا بيع لا يجوز للولي تعاطيه إلا بإذن الصبي.

قال: (والتدبير: تعليق عتق بصفة) لا يحتاج إلى قبول بعد الموت، خلاف الوصية.

قال: (وفي قول: وصية) أي: للعبد بالعتق نظرًا إلى أنه يعتبر من الثلث، وهذا نص عليه في (البويطي)، واختاره المزني والربيع، ورجحه القاضيان الطبري والروياني، والموفق بن طاهر، والجويني في (مختصره) ومن تبعه، والغزالي في (الخلاصة)، ويعضده قول الشافعي في (الأم): ولا أعلم من أدركتهم اختلفوا في أن التدبير وصية من الثلث.

لكن يستثنى من إطلاقه ما لو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنًا .. فإنه لا يتبعها كما سيأتي وإن كان ولد المعلقة المعتق يتبعها.

قال: (فلو باعه ثم ملكه .. لم يعد التدبير على المذهب)؛ لأنا إن قلنا: وصية .. فكما لو وصى بشيء ثم باعة ثم عاد إلى ملكه، وإن قلنا: تعليق .. فعلى الخلاف في عود الحنث، والأصح: لا يعود.

ص: 518

وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِ كَأَبْطَلْتُهُ، فَسَخْتُهُ، نَقَضْتُهُ، رَجَعْتُ فِيهِ .. صَحَّ إِنْ قُلْنَا: وَصِيَّةٌ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ مُدَبَّرٍ بِصِفَةٍ .. صَحَّ وَعَتَقَ بِالأَسْبَقِ مِنَ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ، وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا .. بَطَلَ تَدْيِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ،

ــ

قال: (ولو رجع عنه بقول كأبطلته، فسخته، نقضته، رجعت فيه .. صح إن قلنا: وصية)؛ لأن حكمها كذلك.

قال: (وإلا .. فلا) كما في سائر التعليقات بالصفة، فلو قال: أعتقوا عني فلانًا إذا مت .. جاز أن يرجع فيه باللفظ قطعًا كسائر الوصايا، وإذا ضم إلى الموت صفة أخرى نحو: إذا مت فدخل الدار .. لم يجز الرجوع باللفظ قطعًا، وإنما الخلاف في التدبير.

قال: (ولو علق عتق مدبر بصفة .. صح) ويبقى التدبير بحاله، كما لو دبر المعلق العتق يصفة .. فإنه يجوز.

قال: (وعتق بالأسبق من الموت والصفة) تعجيلًا للعتق، فإن وجدت الصفة قبل الموت .. عتق بها، وإن مات قبلها .. عتق بالتدبير.

قال: (ولو وطء مدبرة)؛ لبقاء ملكه.

وروى مالك [2/ 814] والشافعي [أم 8/ 25] عن ابن عمر: أنه دبر أمتين وكان يطؤهما، وصح ذلك عن عدد من الصحابة، ولم يخالف فيه إلا الزهري، وهو محجوج بإجماع غيره.

قال: (ولا يكون رجوعًا) وإن جعلناه وصية، سواء عزل عنها أم لا.

قال: (فإن أولدها .. بطل تدبيره)؛ لأن الاستيلاء أقوى فيرتفع به الأضعف كما يتفع النكاح بملك اليمين، وقيل: لا يبطل التدبير، ويكون لعتقها بالموت سببان، وقيل: لا يبطل، بل يدخل في الاستيلاء كالحدث في الجنابة.

وفائدة الخلاف فيما لو قال: كل مدبر لي حر هل يعتق؟

قال: (ولا يصح تدبير أم ولد)؛ لأنها تستحق العتق بالموت بالجهة القوية،

ص: 519

وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكاتبٍ وَكَتابةُ مُدَبَّرٍ

ــ

وليس لنا ما يمتنع التدبير فيه مع وجود أهلية الملك إلا هذه الصورة، على أنه قد يتصور تدبير المستولدة فيما إذا قال لها السيد: إن مت .. فأنت حرة قبل موتي بشهر، وقلنا: إن هذا تدبير مقيد كما في (الحاوي الصغير) .. فإنه يصح تدبيرها في هذه الصورة، وفائدته: أن كسبها يكون لها في الزمن الذي بان أنها كانت فيه حرة قبل الموت.

قال: (ويصح تدبير مكاتب) كما يصح تعليق عتقه بعد تدبيره على صفة، فإن أدى المال قبل موت السيد .. عتق بالكتابة وبطل التدبير، وإن لم يؤج حتى مات السيد .. عتق بالتدبير وبطلت الكتابة.

قال: (وكتابة مدبر) بناء على أنه تعليق عتق بصفة ولا يبطل التدبير.

وإن قلنا: إنه وصية .. بطل، فعلى الأول: يكون مديرًا مكاتبًا، فإن أدى النجوم .. عتق بالكتابة، وإن مات السيد قبل الأداء .. عتق بالتدبير، وإن لم يحتمله الثلث .. عتق قدر الثلث وثبتت الكتابة في الباقي، وقيل: يسأل، فإن أراد بكتابتها الرجوع .. فالقولان، وإلا .. فلا قطعًا.

تتمة:

جزم الشيخان بأنه إذا م يحتمل الثلث جميعه .. عتق الثلث وبقي ما زاد على الكتابة، فإذا أدى قسطها .. عتق.

وسيأتي بعد هذا أنه دبر عبدًا وباقي ماله غائب .. لا يعاق العبد بموته؛ لاحتمال تلف المال، وفي ثلثه وجهان: أصحهما: أنه لا يعتق أيضًا؛ لأن في تنجيز العتق تنفيذًا للتبرع قبل تسلط الورثة على الثلثين.

وقياس هذا ألا يتنجز العتق في شيء من المكاتب؛ لأن الورثة لم يصل إليهم مثلاه، لا جرم قال في (المهمات): فالمذكور هنا مفرع على الوجه الضعيف.

ص: 520

فصل:

وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحِ أَوْ زِنًا .. لًا يَثْبُتُ لِلْولَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا .. ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عِلِى الْمَذْهَبِ،

ــ

قال: (فصل:

ولدت مدبرة من نكاح أو زنا .. لا يثبت للولد حكم التدبير في الأظهر)؛ لأنه عقد يقبل الرفع فلا يسري إلى الولد كولد المرهونة والموصى بها، كذا صححه في (المحرر) ، وجعله في (الروضة) الأظهر عند الأكثرين، وأقر صاحب (التنبيه) على تصحيحه.

والثاني: يثبت له ذلك، حتى لو ماتت وبقي الولد .. عتق بموت السيد؛ لأن الولد يتبع أمه رقا وحرية، وكما يتبع ولد المستولدة والأضحية والهدي، وهذا صححه في (ألشرح الصغير) ، وهو مذهب الأئمة الثلاثة.

فعلى هذا: إذا لم يف الثلث إلا بأحدهما .. أقرع بينهما.

كل هذا إذا حملت بعد التدبير وانفصل قبل موت السيد، فإن مات وهو حمل .. عتق معها بلا خلاف كما لو أعتق أمة حاملا، كذا قال الرافعي، وفيه وجه: أن الحمل لا يتبع، حكاه ابن يونس وابن الرفعة.

وأما ولدها قبل التدبير .. فلا يتبعها خلاف، فلو أنفصل أحد توأمين قبل التدبير والآخر بعده .. فهل هما كالمنفصل قبل التدبير أو بالعكس، أو يعطى كل حكمه وهو الأشبه فيه نظر.

وإنما قال المصنف: (لا يثبت) ولم يقل: لا يسري كعبارة (الوجيز)؛ لأن السراية لا تكون في الأشخاص، إنما تثبت بالتبعية كالبيع.

قال: (ولو دبر حاملا .. ثبت له حكم التدبير على المذهب)؛ لأن الجنين بمنزله عضو من أعضائها وكما يتبعها في العتق والبيع.

وقيل: وجهان: ثانيهما: المنع، كما لو دبر نصف عبده .. فإنه لا يسري إلى الباقي.

ص: 521

فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا .. دَامَ تَدْبِيرُهُ، وَقِيلَ: إِنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ .. فَلَا، وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا .. صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ .. عَتَقَ دُونَ الأُمِّ، وَإنْ بَاعَهَا .. صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ. وَلَوْ وَلَدَتِ الُمَعَّلقُ عِتْقُهَا .. لَمْ يَعْتِقِ الْوِلِدُ،

ــ

وعبر المصنف بالثبوت؛ لأنه ليس على سبيل السراية كما تقرر، ويعرف كونه موجودا عند التدبير بأن تضعه لدون ستة أشهر كما في نظائره.

قال: (فإن ماتت) أي: الأم في حياة السيد (أو رجع في تدبيرها .. دام تدبيره) كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل موت السيد أو رجع فيه، ومراده: إذا رجع في تدبير الأم بالقول وجوزناه .. فبنظر، فإن قال: رجعت في تدبيرها دون الولد .. لم يخف حكمه، وإن أطلق .. فوجهان:

أحدهما: يتبعها في الرجوع كما يتبعها في التدبير.

والأصح: لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال، بخلاف التدبير؛ فإن فيه معنى العتق، وللعتق قوة.

قال: (وقيل: إن رجع وهو متصل .. فلا) أي: لا يدوم تدبيره، بل يتبعها في الرجوع كما يتبعها في التدبير، وهذا تفريغ على جواز الرجوع أيضا.

قال: (ولو دبر حملا .. صح) كما يصح إعتاقه ولا يتعدى إلى الأم.

قال: (فإن مات) أي: السيد (عتق .. دون الأم)؛ إذ لا استتباع.

قال: (وإن باعها) أي: حاملا (.. صح وكان رجوعا عنه) كما لو باع المدير ناسيا للتدبير.

وقيل: إن قصد به الرجوع حصل، وصح البيع في الحمل والأم، وإن لم يقصد .. لم يحصل به الرجوع ولا يصح البيع في الولد ويبطل في الأم على الأصح، والصحيح: حصول الرجوع مطلقا قصده أم لا.

قال: (ولو ولدت المعلق عتقها .. لم يعتق الولد)؛ لأن ولد المدبرة إنما يتبعها لمشابهتها المستولدة في العتق بموت السيد، وليس كذلك معلقة العتق بصفة.

ص: 522

وَفِي قَوْلٍ: إِنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ .. عَتَقَ. وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ، وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنِّ، وَيَعْتِقُ بِالْمَوْتِ مِنَ الثُّلُثِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ

ــ

قال: (وفي قول: إن عتقت بالصفة .. عتق) المراد: أن الصفة إذا وجدت في الأم وعتقت هي .. يعتق الولد على هذا القول، ولو دخل الولد بنفسه .. لم يعتق، وقال الشيخ أبو محمد: يتعلق عتقه بدخوله في نفسه، فهو سراية عتق لا سراية تعليق.

فعلى هذا: لا يعتق بدخولها ويعتق بدخوله، ولو بطل التعليق فيها بأن ماتت .. بطل في حق الولد أيضا، وقال ابن الصباغ: الفرق بينه وبين التدبير: أن الشرط دخول الأم الدار، فإذا فات .. فات ذلك، والشرط في المدبر موت السيد، ولم يفت ذلك في حق الولد، إلا أن يكون علقه بفعل نفسه أو غيرها فيكون كالمدبرة.

ومحل الخلاف: في الحمل الكائن بعد التعليق، أما الموجود عنده .. فيتبعها قطعا، صرح به ابن الصباغ وغيره، وأجرى المصنف فيه الخلاف في (تصحيحه).

قال: (ولا يتبع مدبرا ولده)؛ لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية لا الأب، وكذا في سبب الحرية.

قال: (وجنايته كجناية قن)؛ لثبوت الملك عليه، ففي العمد يقتص منه ويفوت التدبير، وفي المال يفديه السيد، وفي قدر ما يفديه القولان في القن، وإن سلمه للبيع .. بطل التدبير.

قال الجوهري: (القن): العبد الذي ملك هو وأبواه، يستوي فيه الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، وربما قالوا: عبيد أقنان، ثم يجمع على أقنة، وينشد لجرير [من الرجز]:

أولاد قوم خلقوا أقنة

قال: (ويعتق بالموت من الثلث كله أو بعضه بعد الدين) وهو قول علي وابن عمر وسعيد بن المسيب والزهري والأئمة الثلاثة وإسحاق؛ لما روى ابن عمر: أن النبي

ص: 523

وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرضِ كَإِنْ دَخَلْتَ فِي مَرضَ ٍموْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ .. عَتَقَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنِ احْتَمَلَتِ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ فِي الأَظْهَرِ

ــ

صلى الله عليه وسلم قال: (المدبر من الثلث) رواه الشافعي [أم 8/ 18] والدارقطني [4/ 138] وابن ماجه [2514] ، وأطبق الحفاظ على تصحيح وقفه على ابن عمر، وأما رفعه .. فلم يصح.

وأيضا فإنه تبرع يلزم بالموت فيكون من الثلث كالوصية، والمسألة تقدمت في قول المصنف:(ويعتبر من الثلث عتق علق بالموت).

وإنما يعتق المدبر بعد الديون، فإذا كان عليه دين مستغرق للتركة .. لم يعتق منه شيء، وإن لم يكن دين ولا مال سواه .. عتق ثلثه، ولو دبر عبدا وباقي أمواله غائب .. لم يعتق ثلثاه؛ لاحتمال تلف المال، وكذا ثلثه الأخير في الأصح.

وقد تقدمت الإشارة إلى هذا قريبا، والحيلة في عتق عبده – إذا لم يكن له غيره – أن يقول: هو حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة .. فقبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم .. عتق من رأس المال، كذا نقله الشيخان عن إبراهيم المروروذي، وصرح به خلائق منهم القاضي حسين والماوردي والروياني والبغوي، وجزم به الرافعي أيضا في (كتاب الوصية) ، وهذه الحيلة تأتي أيضا في جواز بيع المدبر بالاتفاق بيننا وبين المخالف، فإذا قال له ذلك وأراد بيعه .. جاز بالإجماع؛ لأنه معلق العتق بصفة.

قال: (ولو علق عتقا على صفة تختص بالمرض كإن دخلت في مرض موتي فأنت حر .. عتق من الثلث) كما لو أعتقه حينئذ.

قال: (وإن احتملت الصحة فوجدت في المرض .. فمن رأس المال في الأظهر) اعتبارا بحالة التعليق؛ لأنه لم يكن مهتما بإبطال حق الورثة.

والثاني: من الثلث اعتبار بوقت وجود الصفة؛ فإن العتق حينئذ يحصل، وموضع الخلاف إذا وجدت الصفة بغير اختياره، فإن وجدت باختياره كدخوله الدار فدخل في مرضه .. اعتبر من الثلث جزما، قاله الرافعي تفقها، وبه صرح الماوردي.

ص: 524

وَلَوِ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَ .. فَلَيْسَ بِرُجُوعِ، بَلْ يُحَلِّفَ. وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ: كَسَبْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَقَالَ الوَارِثُ: قَبْلَهُ .. صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ،

ــ

هذا إذا كان الحق لثالث، فإن كان لهما .. فالاعتبار بحالة التعليق بلا خلاف، حكاه في (التهذيب).

ومنه: ما لو علقه بصفة فوجدت بعد ما جن أو حجر عليه بسفه .. فإنه يعتق قطعا؛ لأن حجر الجنون والسفه ليس لحق أحد، بخلاف حجر الفلس والمرض؛ فإنهما لحق الغير.

قال: (ولو ادعى عبده التدبير فأنكر .. فليس برجوع) أي: إن لم نجوز الرجوع بالقول، وكذا إن جوزناه في الأصح، كما أن جحود الردة لا يكون إسلاما، وجحود الطلاق لا يكون رجعة.

والمصنف خالف هذا في (أصل الروضة) في (باب الدعاوى) فجزم بأنه رجوع، والصواب: الأول؛ فقد حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن النص، وفي (التهذيب) وغيره أنه المذهب، وصححوا في إنكار الوكالة التفصيل بين أن يكون له غرض في الإخفاء أم لا، ولم يذكروه هنا، وكلام المصنف صريح في سماع دعوى العبد التدبير على سيده، وهو المذهب؛ لأنه حق ثابت في الحال يجوز تعليق الدعوى به.

قال: (بل يحلف) أي: السيد، وله أن يسقط اليمين عن نفسه بأن يقول: إن كنت دبرته .. فقد رجعت إذا جوزناه الرجوع باللفظ، وكذا إن قامت بينة وحكم بها حاكم.

قال: (ولو وجد مع مدبر مال فقال: كسبته بعد موت السيد، وقال الوارث: قبله .. صدق المدبر بيمينه)؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان، ولأن اليد له، بخلاف ولد المدبرة إذا قالت: ولدته بعد موت السيد .. فإن القول قول الوارث، خلافا للشاشي في (الحلية)؛ لأنها تزعم حريته، والحر لا يدخل تحت اليد.

ص: 525

وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ .. قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ

ــ

قال: (ولو أقاما بينتين .. قدمت بينته)؛ لاعتضادها باليد، ولو أقام الوارث بينة بأن هذا المال كان في يد المدبر في حياة السيد، فقال المدبر: كان في يدي لكن كان لفلان فملكته بعد موت السيد .. صدق المدبر أيضا على النص.

تتمة:

تقدم أنه إذا دبر أحد الشريكين نصيبه .. فالمشهور: أنه لا يسري، ولا يقوم عليه نصيب شريكه، فإن مات وعتق نصيبه .. لم يسر أيضا إلى نصيب الشريك؛ لأن الميت معسر، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت وهو موسر .. فإنه يسري.

ولو دبر بعض عبده .. صح ولا سراية على المشهور.

* * *

خاتمة

قال لعبده: إذا قرأت القرآن ومت .. فأنت حر، فإن قرأ جميع القرآن قبل موت سيده .. عتق بموته، وإن بعضه .. لم يعتق بموت السيد.

وإن قال: إن قرأت قرآنا ومت فأنت حر، فقرأ بعض القرآن ومات .. عتق، والفرق: التعريف والتنكير، كذا نقله الرافعي عن النص.

والصواب ما قاله الإمام في (المحصول): أن القرآن يطلق على القليل والكثير؛

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنه اسم جنس كالماء والعسل؛ لقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ} .

وهذا الخطاب كان بمكة بالإجماع، لأن السورة مكية، وبعد ذلك نزل قرآن كثير، وما نقل عن الشافعي ليس على هذا الوجه؛ فإن القرآن بالهمز عند الشافعي يقع على الكثير والقليل، والقرآن بغير همز، عنده اسم للجميع، كذا أفاده البغوي في تفسير (سورة البقرة) ، ولغة الشافعي بغير همز، والواقف على كلام الشافعي يظنه مهموزا وإنما نطق في ذلك بلغته المألوفة له لا بغيرها، وبهذا اتضح الإشكال وأجيب عن السؤال.

* * *

ص: 527

كتاب الكتابة

ص: 529