المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مُقَدِّمَةُ النَّظْمِ - النظم المفيد الحاوى عقيدة التوحيد للطحاوى

[محمود أبو سريع]

الفصل: ‌ ‌مُقَدِّمَةُ النَّظْمِ

‌مُقَدِّمَةُ النَّظْمِ

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

يَقُولُ رَاجِي رَحْمَةِ السَّمِيعِ

ذُو العَجْزِ مَحْمُودٌ أبُو سَرِيعِ

2 -

حمْدًا لمنْ قدْ خَصَّنا بالدِّينِ

وَبِالنَّبيِّ المُصْطَفَى الأَمِينِ

3 -

أَحْمَدُهُ ـ جَلَّ ـ عَلى الإنْعَامِ

بِنِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالإسْلامِ

4 -

وَأَفضَلُ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ

عَلَى النَّبيِّ المُصْطفى الكَرِيمِ

5 -

ثمَّ الرِّضَا عَنْ صَحْبهِ وآلِهِ

وَكُلِّ مَنْ سَارُوا عَلى مِنوَالِهِ

6 -

وَبَعْدُ فالتَّوْحِيدُ في الإسْلامِ

مَنْزِلةً كَذِرْوةِ السَّنامِ

7 -

نَرْقَى بهِ إلى ذُرَا اليَقِينِ

فكَيْفَ لا يكُونُ أصْلَ الدِّينِ؟

8 -

لأجْلهِ أنْشَأَ ربِّي الخلْقَا

وَمَا أَرَادَ اللهُ مِنْهُمْ رِزْقَا

9 -

فإنهُ ـ سُبْحَانهُ ـ الرَّزَّاقُ

كمَا هُوَ المُدَبِّرُ الخَلاقُ

10 -

وَهْوَ سَبيلُ الفَوْز وَالسَّعَادَةْ

لأنَّهُ الأسَاسُ في العِبَادَةْ

11 -

إذْ إنَّهُ يُصَحِّحُ النَّوَايَا

وَيَرْفعُ الذُّنُوبَ وَالخَطَايا

12 -

بِدُونهِ الأعْمَالُ ليْسَتْ تُقبَلُ

وَلايَصِحُّ مَعْ سِوَاهُ عَمَلُ

13 -

وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مُفِيدَةْ

ضَمَّنتُها مَسَائِلَ العَقِيدَةْ

14 -

مُتَّخِذًا عَقِيدَةَ الطَّحَاوِي

أصْلا أطُوفُ حَولهُ وَآوِي

15 -

فقَدْ رَوَى فيها عَقِيدةَ السَّلَفْ

نقِيَّةً كَمَا تلقَّاهَا الخَلَفْ

16 -

فلَمْ يُكَدِّرْ ابْتِدَاعٌ مَاءَهَا

أو غَشِيَتْ سُحْبُ الهَوَى سَمَاءَها

17 -

وَكَيْفَ لا وَالشَّيخُ فِيمَا عَرَضَا

عَنِ الكَلامِ وَذَوِيهِ أعْرَضَا؟

18 -

وَاطَّرَحَ الآرَاءَ وَالأوْهَامَا

وَمَا أَعَارَ أَهْلهَا اهْتِمَامَا

19 -

وَكَانَ جُلُّ ما عَليْهِ اعْتَمَدَا

قُرْآنَ ربِّي وَحَديثَ أحْمَدَا

20 -

فَجَاءَ مَا بهَا مِنَ النُّقُولِ

يحْكِي كَلامَ اللهِ وَالرَّسُولِ

ص: 5

21 -

وَهِيَ في التَّوْحِيدِ وَالإيمَانِ

دِينُ أبي حَنيفَةَ النُّعْمَانِ

22 -

ثمَّ الذِي رَآهُ وَاجْتَبَاهُ

وَاخْتارَهُ في اللهِ صَاحِباهُ

23 -

أَعْني أَبَا يُوسُفَ فَخْرَ المذهَبِ

مَنْ نُورُهُ جَلَّى ظَلامَ الغَيْهَبِ

24 -

ثمَّ الإِمَامَ العَالمَ الربَّاني

مُحَمَّدَ بْنَ الحَسَنِِ الشَّيْباني

25 -

وَغَيرَهم مِنْ فقهَاءِ الملَّةِ

مِنَ الشُّيُوخِ السَّادَةِ الأجِلَّةِ

26 -

فكَانَ مَا أحْرَى الذِي قدْ نقَلَهْ

فِيهَا بأنْ نحْفَظَهُ وَنعْقِلَهْ

27 -

نَظَمْتُها مُقَرِّبًا لعِلمِهَا

مُسَهِّلا لحفْظِها وفَهْمِهَا

28 -

كَشَفْتُ عَنْ مَواضِعِ الإبهامِ

فَاقْتَرَبَ المَعْنى مِنَ الأفْهَامِ

29 -

وَزِدْتها فوَائِدًا مُهِمَّةْ

تكْمِلَةً للأصْلِ أوْ تَتِمَّةْ

30 -

حَتى غَدَتْ بفضْل ربِّي جَامِعَةْ

كُلَّ الأصُولِ والفُرُوع التَّابعَةْ

31 -

هَذا وَقَدْ ضَمَّنتُها الأدَلَّةْ

لَكِنَّها كمَا سَتَأْتِي قِلَّةْ

32 -

أَسُوقُها بالنَّصِّ إنْ تُوَافي

تُطَابِقُ الأوْزَانَ وَالقَوافي

33 -

وَبَعْضُها تُسَاقُ بالإِشَارَةِ

إِنْ ضَاقَ نظْمُنا عَنِ العِبَارةِ

34 -

وَرُبَّمَا أَحْكِي خِلافًا وَارِدَا

وَأَدَعُ التَّرْجِيحَ فيهِ عَامِدَا

35 -

أَخَافُ أنْ يَكْبُو بهِ حِصَاني

إِذْ لَسْتُ مِنْ فَوارِسِ المَيْدَانِ

36 -

َوَكنْتُ فِيهَا نَاقِلا أمِينَا

وَلمْ أَكُنْ كالخَائِنِينَ الدِّينَا

37 -

فلَمْ أُحَرِّفْ أيَّ مَعْنىً أَوْرَدَهْ

وَإِنما جَاءَ كَمَا قَدْ قَصَدَهْ

38 -

أَيْ لمْ أَكُنْ لقَوْلهِ مُحَرِّفا

وَلمْ أَكُنْ لِقَصْدِه مُخَالِفَا

39 -

حَتَّى الذِي في قَوْلِهِ تَكَرَّرَا

أَوْرَدْتهُ كمَا أتَى مُكرَّرَا

40 -

إِذْ رُبَّما يَكُونُ شَيْخِي أوْرَدَهْ

لِغَرَضٍ لَهُ كَأَنْ يُؤَكِّدَهْ

41 -

وَرَغْمَ أنَّ شَيْخَنا مَا نَسَّقا

وَلمْ يُجَمِّعْ الذِي تَفَرَّقا

42 -

فَقَدْ مَشَيْتُ مَشْيَهُ مُرَتِّبَا

تَرْتيبَهُ وَلمْ أَكُنْ مُعَقِّبَا

ص: 6

43 -

لَكِنَّهُ إِنْ خَالَفَ اعْتِقَادَا

أِسْلافِنَا أَوْسَعْتُهُ انتِقَادَا

44 -

مُصَحِّحًا مَا جَاء مِنْ أخْطَاءِ

لَدَيْهِ مِنْ مَيْلٍ إِلى الإِرْجَاءِ

45 -

وَنقلِهِ ألْفَاظَ مَنْ تَكَلَّمَا

مِمَّا يَكُونُ التَّرْكُ فيهَا أسْلَمَا

46 -

وَكُنْتُ في التَّصْحِيحِ ذَا انحِيَازِ

لابْنِ أبي العِزِّ مَعَ ابْنِ بَازِ

47 -

فهَاكَ نظْمًا وَاضِحًا مُفصَّلا

كأنَّهُ الصَّبَاحُ حِينَ أقْبَلا

48 -

قَصَدْتُ فيهِ وَجْهَهُ تعَالى

وَمَا قَصَدْتُ سُمعَةً أوْ مَالا

49 -

محَّضْتُ فيهِ المُسْلِمَ النَّصِيحَةْ

وَسُقْتُها صَرِيحَة فَصِيحَةْ

50 -

سمَّيْتُهُ النَّظمَ المُفِيدَ الحَاوِي

عَقِيدَةَ التَّوحِيدِ للطَّحَاوِي

51 -

وَالمُرْتجَى إنْ كُنْتُ مِمَّنْ قَصَّرا

في نَظْمِها عِنْدَ امْرِئٍ أَنْ أُعْذَرَا

52 -

وَأنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنِ الزَّلَلْ

فقَدْ نَظَمْتُ مَتْنَها عَلَى عَجَلْ

53 -

أَضِفْ إليهِ قِلَّةَ البِضَاعَةِ

ثمَّ قصُورَ البَاعِ في الصِّناعَةِ

54 -

وَرَبُّنا المَسْئولُ في الرِّعَايَةِ

وَالمُسْتعَانُ في بُلُوغِ الغَايَةِ

55 -

سَأَلْتُهُ العِصْمَة وَالتوْفِيقَا

مُذلِّلا لعَبْدِهِ الطَّرِيقَا

ص: 7

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِ الطَّحَاوِي: هَذا ذِكْرُ بَيَانِ عَقِيدَةِ أهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ: أبي حَنيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثابتٍ الكُوفيِِّ، وَأبي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بنِ إبْراهِيمَ الأنصَارِيِّ، وَأبي عَبْدِاللهِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ، رِضْوانُ اللهِ عليهم أجْمَعِين، وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ العَالمِينَ، نقُولُ في تَوْحِيدِ اللهِ مُعْتقِدِينَ بتَوْفِيقِ اللهِ: إنَّ اللهَ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لهُ.

56 -

قَالَ أبُو جَعْفرٍ الطَّحَاوِي

اِغْفِرْ لَهُ يا رَبَّنا المَسَاوِي

57 -

أَقُولُ غَيْرَ مُنْكِرٍ أوْ جَاحِدْ

مُعْتَقِدًا أنَّ الإِلَهَ وَاحِدْ

58 -

وَأنَّهُ قَدْ جَلَّ عَنْ أنْ يُعْبَدَا

بالحَقِّ مَعْبُودٌ سِوَاهُ أبَدَا

59 -

وَأنَّهُ رَبُّ الوُجُودِ الخَالِقُ

مُدبِّرُ الأمْرِ المَلِيكُ الرَّازقُ

60 -

مُنْفَرِدٌ بالخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ

وَالملْكِ وَالأرْزَاقِ وَالتَّقْدِيرِ

61 -

ففِي الأُلُوهِيَّةِ قَدْ توَحَّدَا

وَفِي الرُّبُوبيَّةِ قدْ تَفَرَّدَا

62 -

وَهُوَ أيْضًا وَاحِدٌ فِي الذَّاتِ

وَوَاحِدُ الأسْمَاءِ والصِّفاتِ

63 -

قَدِ انْتَفَى في كُلَّهَا التَّشْريكُ

فَمَا لَهُ حَقًّا بها شَرِيكُ

64 -

وَالعَبْدُ لا يسْتَكْمِلُ التَّوْحِيدَا

إلا إِذا مَا تَرَكَ التَّنْدِيدَا

65 -

وَجَرَّدَ التَّوْحِيدَ للرَّحْمَنِ

فجَاءَ بالثَّلاثَةِ الأرْكَانِ

66 -

يُوَحِّدُ الإِلَهَ مِنْ مَعْبُودِ

وَفِي الرُّبُوبِيَّةِ للوُجُودِ

67 -

وَيُثْبِتُ الأسْماءَ والصِّفاتِ

مُرَاعِيًا قوَاعِدَ الإِثبَاتِ

68 -

وَقِيلَ بَلْ تَوْحِيدُهُ نوْعَانِ

قَصْدٌ وإِثباتٌ بلا نُكْرَانِ

69 -

فأوَّلُ النوْعَيْنِ في إِثبَاتِ

حَقِيقَةِ الرَّبِّ وَتِلْكَ الذَّاتِ

ص: 8

70 -

ثمَّ يَلِي هَذا وُجُوبُ المَعْرِفَةْ

بمُا لرَبِّنا مِنِ اسْمٍ أوْصِفَةْ

71 -

تثْبِتُها لهُ مَعَ التَّنْزِيهِ

لَهُ عَنِ المَثِيلِ وَالشَّبِيهِ

72 -

وَذَاكَ تَوْحِيدُ الإِلَهِ في الطَّلَبْ

وَالْقَصْدِ دُونَ غَيْرهِ فليُجْتَنَبْ

73 -

فلا يَكُونُ غَيْرُهُ مَرْجُوَّا

كَلا وَلا مَسْئُولا اَوْ مَدْعُوَّا

74 -

وَذَلِكَ التَّوْحِيدُ في العِبَادَة

تَضَمَّنَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةْ

75 -

وَقالَ قوْمٌ عِنْدَنا التَّوْحِيدُ

قِسْمَانِ لَيْسَ فِيهمَا تَعْقِيدُ

76 -

توْحِيدُهُ ـ جَلَّ ـ بأفعَالِ الوَرَى

كَالنَّذْرِ وَالطَّوَافِ فِي أُمِّ القُرَى

77 -

ثمَّ بأَفْعَالِ الإِلَهِ نُفْرِدُهْ

أَيْضًا فَلا إِشْرَاكَ بَلْ نُوَحِّدُهْ

78 -

وَلَيْسَ بيْنَ هَذِهِ الأَصْنَافِ

وَالحَمْدُ للهِ مِنِ اخْتِلافِ

79 -

فكُلُّهَا فِي الاعْتِقَادِ عَائِدَةْ

إلى أُصُولٍ رَاسِخَاتٍ وَاحِدَةْ

80 -

بَلْ كُلُّها جَاءَتْ مِنَ التَّغْيِيرِ

في اللَّفْظِ وَالتَّنْوِيعِ في التَّعْبِيرِ

ص: 9

فصْلٌ:

في نظْم قوْلِهِ: وَلا شَيْءَ مِثلهُ.

81 -

وَأنهُ جَلَّ عَنِ الأمْثَالِ

في الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالأفْعَالِ

82 -

إيَّاكُمُ أَنْ تضْرِبُوا الأَمْثَالا

لَهُ فَعْنَهَا اللهُ قَدْ تَعَالى

83 -

كَمَثَلُ اللهِ كمِثْلِ البَدْرِ

أوْ مِثْلُ عِلْمِهِ كمِثْلِ البَحْرِ

84 -

وَلا يُقاسُ اللهُ في الأُصُولِ

قِيَاسَ تمْثِيلٍ وَلا شُمُولِ

85 -

إِذْ كَوْنُهُ مُبَايِنًا للنَّاسِ

يحُولُ دُونَ ذلِكَ القِيَاسِ

86 -

فلا يُقاسُ عِلْمُهُ بعِلْمِنا

وَلا يُقَاسُ حِلْمُهُ بحِلْمِنا

87 -

فعِلْمُهُ لَيْسَ لهُ حُدُودُ

سُبْحَانهُ وعِلْمُنا مَحْدُودُ

88 -

وَلا يُقَاسُ اللهُ بالمَوْجُودِ

مِنْ خَلْقِهِ في صِفَةِ الوُجُودِ

89 -

فاللهُ ـ جَلَّ ـ وَاجِبُ الوُجُودِ

لا مُمْكِنٌ كَسَائِر المَوْجُودِ

90 -

وَهَكَذا أمَّا قِيَاسُ الأوْلى

فاسْتعْمَلُوا هَذا بحَقِّ المَوْلى

91 -

فللإلهِ المَثَلُ الأعْلى كَمَا

حَكَاهُ في الذِّكْرِ الذِي قَدْ أُحْكِمَا

92 -

فاللهُ بالكَمَالِ مَا أوْلاهُ

ثمَّ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ أَعَلاهُ

93 -

نَقُولُ في التَّمْثِيلِ إنَّ البَصَرَا

فِينَا مِنَ الكَمَالِ نحْنُ البَشَرَا

94 -

أَلا يَكُونُ مِنْ صِفَاتِ المَوْلى

مِنْ بَابِ أَوْلى أوْ طَرِيقِ الأَوْلى

95 -

ثمَّ كَمَا لا أَحَدٌ يُمَاثِلُهْ

فَلَيْسَ في الحُقُوقِ مَنْ يُعَادِلُهْ

96 -

وَهَلْ تَرَى في الكَوْن مِنْ مَخْلوقِ

لَهُ الذِي للهِ مِنْ حُقُوقِ؟

97 -

أَيَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ أنْ نَدْعُوَهْ

أَوْ يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ أنْ نَرْجُوَهْ؟

98 -

فلا تَكُنْ مِثْلَ الذِين عَدَلُوا

بربِّهم ـ سُبْحَانهُ ـ أَوْ مَثَّلُوا

ص: 10

فصْلٌ:

في نظْمِ قوْلِهِ: وَلا شيْءَ يُعْجِزُهُ.

99 -

وَأنَّهُ لا يُعْجِزُ القَدِيرا

مِنْ أحَدٍ واسْألْ بِهِ خَبيرا

100 -

وَانْظُرْ أفَاتَ اللهَ مِنْ مَخْلوقِ

عَصَاهُ أمْ هَلْ كَانَ بالمَسْبُوقِ؟

101 -

سُبحَانَ رَبِّي مِنْ قَوِيٍّ قَادِِرِ

سُبْحَانَ رَبِّي مِنْ عَزِيزٍ قَاهِرِ

102 -

قَدْ أوْجَدَ الكوْنَ بتِلْكَ المَقْدِرَةْ

وَأحْكَمَ الكَوْنَ بها وَدبَّرَهْ

103 -

بهَا السَّمَاءُ ارْتَفَعَتْ بِلا عَمَدْ

وَبَسَطَ الأرْضَ عَلَى مَاءٍ جَمَدْ

104 -

بها جَمِيعُ الكَائِناتِ طَائِعَةْ

مُنْقَادَةٌ لمَا يُرِيدُ خَاضِعَةْ

105 -

فلا تحرُّكٌ وَلا سُكُونُ

إلا بإذْنِ رَبِّنا يكُونُ

106 -

بها يُقلِّبُ القُلُوبَ صَارِفَا

لهَا إلى مَا شَاءَ رَبِّي عَاطِفَا

107 -

بها يَقُولُ إنْ أرَادَ أمْرَا

كُنْ فيَكُونُ عِزَّةً وَقَهْرَا

108 -

بها يَكُونُ نَصْرُ أوْلِيَائِهِ

وَهُمْ قلِيلُونَ عَلَى أَعْدَائِهِ

109 -

أَحْيَا بها رَبِّي وَقَدْ أمَاتا

سُبْحَانَهُ وَأَنْبَتَ النَّبَاتَا

110 -

وَيبْعَثُ العِبَادَ للحِسَابِ

بها فَذُو ثوَابٍ اوْ عِقَابِ

ص: 11

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: وَلا إِلَهَ غيْرُهُ.

111 -

وَأنَّ ربِّي لا إِلَهَ غَيْرُهُ

وَأنَّهُ لا خَيْرَ إلا خَيْرُهُ

112 -

وَاعْلَمْ بأنَّ العِلْمَ بالتَّوْحِيدِ

أَوَّلُ مَفْرُوضٍ على العَبِيدِ

113 -

وَأنَّ أوْلى ما أرَى اعتِقَادَهْ

أنْ يَعْرِفُوا مَعَانيَ الشَّهَادَةْ

114 -

وَأنْ يكُونُوا مِنْ أُولي الإيمَانِ

بمَا احْتوَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَعَاني

115 -

وَأنْ يَكُونَ النَّاسُ عامِلِينا

بمُقْتَضَاها مُخْلِصِينَ الدِّينا

116 -

فقَوْلُ: لا إلهَ إلا اللهُ

أيْ أنَّهُ المعْبُودُ لا سِوَاهُ

117 -

فمَا لنا بِالحَقِّ مِنْ مَعْبُودِ

سِوَى الإِلَهِ الحَقِّ في الوُجُودِ

118 -

فلْتعْتقِدْ هَذا وَرَبَّكَ اعْبُدَا

وَلا تخَامِرْكَ الشُّكُوكُ أبَدَا

119 -

وَمُقْتَضَى كَلِمَةِ الشَّهَادَةْ

إِفْرَادُ رَبِّ النَّاسِ بالعِبَادَةْ

120 -

وَنَفَيُ مَا نفَتْهُ مِنْ وُجُودِ

آلهةٍ سِوَاهُ في الوُجُودِ

121 -

فقُمْ وَحَقِّقْ هَذِهِ المَعَاني

حتَّى تكُونَ مِنْ أُولي الإيمَانِ

122 -

وَلا تخَالِفْ مُقتَضَاهَا ظَاهِرَا

أوْ بَاطنًا فتسْتَحِيلَ كَافِرَا

123 -

اِحْذَرْ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

لِغَيْرِ رَبِّي الوَاحِدِ المَعْبُودِ

124 -

لا تَقْرَعِ الأبْوَابَ إلا بَابَهْ

وَلا تَكُنْ لغَيْرِهِ إِنابَةْ

125 -

لا تَدْعُ غَيرَ اللهِ في خَطْبٍ نَزَلْ

وَلا تَكُنْ عَلَى سِوَاهُ تتَّكِلْ

126 -

لا تَسْتَغِثْ إلا بِهِ سُبْحَانَهْ

وَلا تكُنْ بغَيْرِهِ اسْتِعَانَةْ

127 -

وَلا تُسَوِّ أَحَدًا بالرَّبِّ

في الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ثمَّ الحُبِّ

128 -

وَطمَعٌ في غَيرِهِ وَرَغْبَةْ

شِرْكٌ كَذَاكَ خَشْيَةٌ وَرَهْبَةْ

129 -

إِذَا اسْتعَذْتَ مِنْ شُرُورِ مَا خَلَقْ

فَلا يَكُنْ لهَا سِوَى رَبِّ الفَلَقْ

ص: 12

130 -

لا تَسْتَعِذْ إلا برَبِّ النَّاسِ

مِنْ شَرِّ وَسْوَاسٍ وَمِنْ خَنَّاسِ

131 -

إيَّاكَ أنْ تذْبَحَ أوْ أنْ تنْحَرا

لِغيْرِهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ فتَخْسَرَا

132 -

وَلا تُقَدِّمْ أبَدًا قُرْبَانَا

لِغَيْرِهِِ فَتَتْبَعَ الشَّيْطَانَا

133 -

ألمْ يُقرِّبْ بَعْضُهُمْ ذُبَابَا

لِصَنَمٍ فاسْتَوْجَبَ العَذَابَا

134 -

إيَّاكَ أنْ تُقَدِّم النُّذُورَا

لِغَيرِ مَنْ يُصَرِّفُ الأُمُورَا

135 -

هَذا وَللنَّذْرِ شُرُوطٌ تُرْعَى

مَنْ ليْسَ يَرْعَاهَا أسَاءَ صُنْعا

136 -

بَلْ لا تُوَفَّى هَذِهِ النُّذُورُ

مَا لمْ تُرَاعَ تِلْكُمُ الأمُورُ

137 -

وَتِلْكَ أَنْ يَكُونَ نَذْرَ طَاعَةْ

وَلمْ يُجَاوِزْ حَدَّ الاسْتِطَاعَةْ

138 -

وَلا يَكُونُ في مَكَانٍ يُشْرَكُ

بِهِ وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْلَكُ

139 -

وَلا يَرَى تأْثِيرَ هَذَا النَّذْرِ

إنْ يَشْتَرِطْ فيهِ حُصُولَ أمْرِ

140 -

فمِثْلُ هَذا مَا لهُ تأثِيرُ

وَمَا لهُ تَقْدِيمٌ اوْ تأْخِيرُ

141 -

يَسْتَخْرجُ اللهُ بِهِ مِنَ البَخِيلْ

وَلا يكُونُ غيْرُ ما قضَى الجَلِيلْ

142 -

وَمِنْ هُنا قَدْ كَانَ غَيْرَ مُسْتحَبّْ

لَكِنَّمَا الوَفَاءُ فِيهِ قَدْ وَجَبْ

143 -

إيَّاكَ أنْ تَذِلَّ أوْ أنْ تخْضَعَا

لأَحَدٍ سِوَاهُ أَوْ أَنْ تخْشَعَا

144 -

إِيَّاكَ أنْ تَطُوفَ بالقُبُورِ

وَتَصْرِفَ الطَّوَافَ للمَقْبُورِ

145 -

وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا أحَبَّهْ

رَبُّ الوَرَى مِنْ طَاعَةٍ وَقُرْبَةْ

146 -

فَصَرْفُ مِثْلِ هَذِهِ العِبَادَةْ

لغَيْرِهِ يُخِلُّ بِالشَّهَادَةْ

147 -

وَكيْفَ لا وَصَرْفُهَا لخلْقِهِ

تَسْويَةٌ لهُمْ بِهِ في حَقِّهِ؟

148 -

وَهَلْ يكُونُ مَنْ يُسَوِّي أحَدَا

برَبِّنا فيمَا لهُ قدْ وَحَّدَا؟

149 -

أَلَيْسَ مَنْ سَوَّى به ِ بَعْضَ الوَرَى

يَكُونُ قَدْ أَشْرَكَ شِرْكًا أكْبَرَا؟

150 -

بَلْ إنَّهُ يَكُونُ مِمَّنْ كَفَرَا

وَإِنْ يَكُنْ بِ (لا وَإلا) جَهَرَا

151 -

فكِلْمَةُ التَّوحِيدِ مَا لمْ تمْنَعِ

قَائِلَهَا عَنْ شِرْكِهِ لمْ تنْفَعِ

ص: 13

152 -

كَمْ وَاحِدٍ قَدْ قَالهَا وَعُدَّا

في الشَّرْعِ مُشْرِكًا بهِ مُرْتَدَّا

153 -

فاحْرِصْ على إِعْطاءِ هَذِي الكَلِمَةْ

حَقًّا لهَا وَلاتكُنْ كالظَّلَمَةْ

154 -

وَحَقُّهَا عِلْمٌ بمِا تَقُولُ

وَبَعْدَهُ اليَقِينُ وَالقَبُولُ

155 -

وَالانْقِيَادُ أيْ تكُونُ تَابِعَا

لِكُلِّ مَا تَدْعُو إليهِ طَائِعَا

156 -

وَالصِّدْقُ وَالإخْلاصُ في الأقْوَالِ

وَسَائِرِ الأعَمَالِ وَالأفعَالِ

157 -

وَحُبُّها ويقْتَضِي الوَلاءَا

لأهْلِهَا وَللْعِدَا البَرَاءَا

158 -

أَخُوكَ مَنْ للدِّينِ ياهَذا انْتَسَبْ

لا مَنْ يكُونُ ذا دَمٍ أو ذَا نَسَبْ

159 -

عَدُوُّكَ الكَافِرُ بالإسْلامِ

وَإنْ يكُنْ مِنْ أقْرَبِ الأَنَامِ

160 -

فهَذِهِ شُرُوطُها إنْ تجْتَمِعْ

في قَائِلٍ فهْوَ بها سينْتَفِعْ

161 -

وَمَا عَسَى تُغْنِي عَنِ الإنْسَانِ

إِنْ قالهَا فَحَسْبُ بِاللسَانِ

162 -

أنَّى لَكَ النَّجَاةُ يَا مَخْذُولُ

وَأنْتَ لمْ تعْمَلْ بمَا تَقُولُ؟

ص: 14

فرْعٌ:

وَمِنَ الشِّرْكِ باللهِ اتخَاذُ الوَسَائِطِ بَيْنَ اللهِ وَبيْنَ العِبَادِ.

163 -

اعْلَمْ بِأَنَّ رَبَّنا قَرِيبُ

مِنَّا وَحَاضِرٌ فلا يَغِيبُ

164 -

أبْوَابُهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لا تُغْلقُ

دُونَ الوَرَى وَكَيفَ وَهْوَ الخَالِقُ؟

165 -

وَمَا عَليْها حَاجِبٌ يَسْتَأْذِنُ

رَبِّي فيُعْطِي الإِذْنَ أوْ لا يأْذَنُ

166 -

وَاللهُ لمْ يحْتَجْ إِلى وَزَيرِ

يُعِينُهُ في الحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ

167 -

وَلمْ يُفَوِّضْ أحَدًا أوْ وَكَّلَهْ

يَكُونُ بَيْننا وَبَيْنهُ صِلَةْ

168 -

يَعْرِضُ أحْوَالَ الوَرَى عَلَيْهِ

مُبَلِّغًا حَاجَاتِهِمْ إِلَيْهِ

169 -

وَهَلْ يُقاسُ اللهُ بالأنَامِ

مِنْ سَائِرِ المُلُوكِ وَالحُكَّامِ؟

170 -

وَهَلْ يكُونُ اللهُ مِثْلَ النَّاسِ

مِنْ عَاجِزٍ أوْجَاهِلٍ أوْ ناسِي؟

171 -

أليْسَ يَدْرِي اللهُ مَنْ يَتُوبُ

وَمَنْ لبَابِ فَضْلِهِ يَئُوبُ؟

172 -

أليْسَ يَدْري اللهُ مَنْ بالبَابِ

مِنْ غَيرِ أَنْ يَحْتاجَ للحُجَّابِ؟

173 -

أمْ أنهُ يجْهَلُ مَنْ مَدََّ اليَدَا

إليهِ يدْعُو رَاجيًا منهُ النَّدَى؟

174 -

سُبْحَانَهُ مِنْ صَمَدٍ قَرِيبِ

وَمِنْ سَمِيعٍ للدُّعَا مُجِيبِ

175 -

وَهُوَ لا تخْفَى عليهِ خَافِيَةْ

يَعْلَمُ مِنَّا السِّرَّ كالعَلانِيَةْ

176 -

حَاجَاتُنا مَرْفُوعَةٌ إليهِ

مِنْ غَيْر شَافِعٍ لَنا لَدَيْهِ

177 -

فَهَلْ نقِيمُ بيْننا وَبيْنَهُ

وَسَائِطًا تُرْجَى وَتُدْعَى دُونَهُ؟

178 -

أَمْ نطْرَحُ الوَليَّ وَالشَّفِيعَا

مِنْ دُونِهِ فَهْيَ لَهُ جمِيعا؟

179 -

أَليْسَ في الوَسَائِطِ المذْكُورَةْ

شِرْكٌ كمَا يُعلمُ بالضَّرُورَةْ؟

180 -

أَمَا بها ضَرْبٌ مِنَ القِيَاسِ

لِرَبَّنَا ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالنَّاسِ؟

181 -

أَمَا بها لِرَبِّنا تَشْبِيهُ

بِالعَاجِزِينَ أيُّها النَّبِيهُ؟

ص: 15

182 -

أمَا تَعَالى أنْ تكُونَ وَاسِطَةْ

بَيْنَ الوَرَى وَبَيْنَهُ كَالرَّابِطَةْ؟

183 -

بَلى فليْسَ بيننا مِنْ وَاسِطَةْ

يَدْعُونها إلا وَكانَتْ سَاقِطَةْ

184 -

مَا ثَمَّ إلا الرُّسْلُ في الإِبْلاغِ

وَمَا عَلَيْهِمُ سِوَى البَلاغِ

185 -

أَمَّا اتخَاذُ الشُّفعَاءِ عِنْدَهُ

وَالأوْلِيَاءِ دُونَهَ فرُدَّهُ

186 -

فَلا تَكُنْ مُتَّخِذًا وَلِيَّا

مِنْ دُونِهِ وَإِنْ يَكُنْ نَبِيَّا

187 -

وَلا تُوَسِّطْ مَنْ يَكُونُ شَافِعَا

لَدَيْهِ حَتَّى يَجْلِبَ المَنَافِعَا

188 -

لا تَعْتَمِدْ عَلَيْهِ عِنْدَ الشِّدَّةْ

ليَدْفَعَ البَلاءَ أوْ يَرُدَّهْ

189 -

فَلَيْسَ عَنْ طَريقِ مَيْتٍٍ تجْلَبُ

مَنْفَعَةٌ مِنْ رَبِّنا أوْ تطْلَبُ

190 -

وَلَيْسَ عَنْ طَريقِ ميْتٍ يُرفَعُ

عَنَّا بَلاءٌ نازِلٌ أوْ يُدْفَعُ

191 -

افْزَعْ إلى المَوْلى وَقِفْ بالبَابِ

وَقُلْ لهُ يا رَبَّنا اكْشِفْ مَا بي

192 -

قُمْ ناجِ رَبَّ النَّاسِ إنْ خَطبٌ نزَلْ

وَلا تنَاجِ غَيْرَهُ عز وجل

193 -

فإنَّهُ أقْرَبُ للعَبيدِ

وَهُوَ في السَّمَا مِنَ الوَرِيدِ

194 -

لا تنْخَدِعْ بمَنْ يُبِيحُ الوَاسِطَةْ

فَمَا كَلامُهُ سِوَى مُغالَطَةْ

195 -

هَلْ كَانَ في الأَصْنَامِ غَيْرُ مَا في

هَذِي الوَسَائِطِ مِنَ الأوْصَافِ؟

196 -

ألمْ تَكُنْ تُعْبَدُ حتَّى تَشْفَعَا

لهُمْ لَدَيْهِ كَيْ يُجِيبَ مَنْ دَعَا

197 -

يَدْعُونها في حَالَةِ السَّرَّاءِ

وَيكْفُرُونهَا مَعَ الضَّرَّاءِ

198 -

وَهَؤُلاءِ القَوْمُ عِنْدَ البَاسِ

بالعَكْسِ يَنْسَونَ إِلَهَ النَّاسِ

199 -

وَيسْتَغِيثُونَ بمَنْ إذا دُعِي

لدَفْعِ ضُرٍّ لمْ يُجِبْ أوْ يسْمَعِ

200 -

لِكَوْنِهِ قَدْ مَاتَ أوْ لا يقْدِرُ

عَلَيْهِ إلا القَادِرُ المقْتَدِرُ

201 -

كَقَوْلِهمْ للمُصْطَفَى اكْشِفْ خَطْبي

وَيَا رَسُولَ اللهِ فَرِّجْ كَرْبي

202 -

يَدْعُونَهُ بكَاشِفِ الخُطُوبِ

وَأنَّهُ مُفرِّجُ الكُرُوبِ

203 -

يَا قَوْمُ إنَّ جَهْلَكُمْ تَنَاهَى

فَمَنْ يكُونُ ذَاكَ إلا اللهَ

ص: 16

204 -

سُبْحَانَكَ اللهُمَّ هَذَا إِفْكُ

سُبْحَانَكَ اللهُمَّ هَذَا شِرْكُ

205 -

مَنْ يَكْشِفُ الخُطُوبَ إلا اللهُ

وَمَنْ لنَا فِي كَرْبِنا إِلاهُ؟

206 -

مَا ذَلِكَ القوْلُ وَالاعْتِقَادُ

في الدِّينِ إِلا الشِّرْكُ وَالإِلحَادُ

ص: 17

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: قَدِيمٌ بلا ابْتِدَاءٍ، دائِمٌ بلا انْتِهاءٍ.

207 -

وَرَبُّنَا هُوَ القَدِيمُ البَاقِي

عِنْدَ أبي جَعْفَرٍ الوَرَّاقِ

208 -

فلَيْسَ قبْلَ رَبِّنا مَوْجُودُ

وَلا لِشَيءٍ بعْدَهُ وُجُودُ

209 -

وَرَغْمَ هَذا مَا لَهُ بِدَايَةْ

سُبْحَانَهُ كلا وَلا نِهَايَةْ

210 -

فَهُوَ أَوَّلٌ بلا ابْتِدَاءِ

وَهُوَ آخِرٌ بلا انْتِهاءِ

211 -

هَذَا وَينبَغِي هُنا أنْ نذْكُرَا

أَنَّ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أمْرًا مُنْكَرَا

212 -

فَالشَّيْخُ مِثْلُ كُلِّ مَنْ تكَلَّمَا

عَدَّ القَدِيمَ اسمًا لهُ أَوْ عَلَمَا

213 -

وَذَاكَ لَفْظٌ لا أَرَى أنْ يُطْلَقَا

عَلَيْهِ مِنْ وَصْفٍ أوِ اسْمٍ مُطْلَقَا

214 -

إِذْ هَذِهِ الأسْمَاءُ توْقِيفِيَّةْ

سَبِيلُها الأدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةْ

215 -

وَالوَاجِبُ الوَقْفُ على المَنقُولِ

فِيها وَلا مَجَالَ للعُقُولِ

216 -

بَلْ لا يُسَمَّى اللهُ باشْتِقَاقِ

لاسْمٍ مِنَ الأفْعَالِ باتِّفَاقِ

217 -

حَتَّى وَلوْ أخْبرَ باسْمِ الفَاعِلِ

عَنْهُ وَكَانَ النَّقْلُ غَيرَ بَاطِلِ

218 -

وَهَلْ يجُوزُ أنْ يُسمَّى زَارِعَا

أَوْ أنْ يُسَمَّى مَاكِرًا أَوْ خَادِعَا؟

219 -

ثمَّ اسْمُهُ الأوَّلُ يُغْني عَنْهُ

إنْ لمْ يَكُنْ في الوَصْفِ بُدٌّ مِنْهُ

220 -

فَقِفْ أخِي عِنْدَ حُدُودِ النَّقْلِ

فَالدِّينُ بِالمَنْقُولِ لا بِالعَقْلِ

ص: 18

فصْلٌ:

في نظْمِ قوْلِهِ: لا يَفْنى وَلا يَبِيدُ.

221 -

وَاللهُ لا يَفْنى وَلا يَبِيدُ

في حِين يفْنى الخَلْقُ وَالعَبِيدُ

222 -

فَكُلُّ مَنْ عَلى الوُجُودِ فَانِي

حَقًّا وَيبْقَى وَجْهُ ذِي الإحْسَانِ

223 -

إِذ كُلُّ نفْسٍ للوَفَاةِ ذائِقَةْ

وَلا تَرَى في الكَوْنِ إلا خَالِقَهْ

224 -

لكِنَّهُ كمَا ابْتَدَا يُعِيدُ

فرَبُّنا المُبْدِئُ وَالمُعِيدُ

ص: 19

فصْلٌ:

في نظْمِ قوْلِهِ: وَلا يَكُونُ إلا مَا يُريدُ.

225 -

وَرَبُّنا يفْعَلُ ما يُرِيدُ

لأنَّهُ ذُو قوَّةٍ شَدِيدُ

226 -

فإنْ أرَادَ اللهُ أمْرًا أَوْقَعَهْ

مَنْ يَسْتَطِيعُ دُونَهُ أَنْ يمْنعَهْ؟

227 -

يَقُولُ للشَيْءِ إذا أرَادَهْ

كُنْ فَيَكُونُ تَابِعًا مُرَادَهْ

228 -

وَكُلُّ أمْرٍ لمْ يُرِدْ أنْ يقَعَا

فإنَّهُ يَكُونُ ممَّا امْتَنَعا

229 -

فَلا يكُونُ غيْرُ مَا يُرِيدُ

أرَادَ أَوْ لمْ يُرِدِ العَبِيدُ

230 -

هَذِي هِيَ الإِرَادَةُ الكَوْنِيَّةْ

وَلَيْسَتِ الإِرَادَةُ الدِّينِيَّةْ

231 -

وَهَاكَ ما أرَاهُ مِنْ تفْرِيقِ

بَيْنَهُمَا يُبْنى عَلَى تحْقِيقِ

232 -

فَسَمِّ بالكَوْنيَّةِ المشْتَمِلَةْ

على مَشِيئَةِ الإِلَهِ الشَّامِلَةْ

233 -

أَوْ هِيَ مَا تأْتي بمَعْنى شَاءَا

كَمَا عَنِ المُحَقِّقِينَ جَاءَا

234 -

وَمَا كَشَاءَ وَاجِبُ الوُقُوعِ

لَيْسَ بجَائِزٍ ولا مَمْنُوعِ

235 -

فَلا يَجُوزُ بَلْ مِنَ المَمْنُوعِ

أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنِ الوُقُوعِ

236 -

وَمَا المحبَّةُ بهَا مَعْنِيَّةْ

فَسَمِّهَا الإِرَادَةَ الدِّينِيَّةْ

237 -

أَوْ هِيَ مَا تضَمَّنَتْ رِضَاهُ

وَحُبَّ مَا أرَادَ أَوْ قَضَاهُ

238 -

وَاعْلَمْ بأنَّ حُبَّهُ المُرَادَا

لا يَقْتَضِي الوُقُوعَ وَالإِيجَادَا

239 -

بَلْ ذِي لحِكْمَةِ الإِلَهِ تابعَةْ

لِذَا فَقْدْ تَكُونُ غَيْرَ وَاقِعَةْ

ص: 20

فصْلٌ:

فى نظْمِ قَوْلِهِ: لا تبْلُغُهُ الأوْهَامُ، وَلا تُدْرِكُهُ الأفهَامُ.

240 -

وَاللهُ لا تبْلُغُهُ الأوْهَامُ

كَلا وَلا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ

241 -

لا تَنْتَهي الظُّنُونُ وَالأفْكَارُ

إِليْهِ وَالعَقْلُ بهِ يَحَارُ

242 -

فهْوَ عَلى خِلافِ مَا بَالبَالِ

يخْطُرُ أوْ يَدُورُ في الخيَالِ

243 -

وَكُلُّ مَا تأتِي به الظُّنُونُ

فِيهِ فَرَبِّي فَوْقها يَكُونُ

244 -

لا أَحَدٌ يَعْرِفُ كُنْهَ ذَاتِهِ

فَكَيْفَ خَاضَ النَّاسُ في صِفاتِهِ؟

245 -

إذْ هُوَ لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ

وَلمْ تحِطْ عِلْمًا بهِ النُّظَّارُ

ص: 21

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: وَلا يُشْبهُ الأنَامَ.

246 -

وَرَبُّنا بذَاتِهِ تعَالى

أَنْ يُشْبِهَ الأنَامَ وَاسْتَحَالا

247 -

لا يُشْبِهُ الأنَامَ في صِفاتِهِ

فكَيْفَ يُشْبِهُ الوَرَى في ذَاتِهِ؟

248 -

بَلْ إنهُ قَدْ جَلَّ في سَمَائِهِ

حَتى عَنِ الشَّبِيهِ في أسْمَائِهِ

249 -

فقَدْ أتَتْ في غَايةِ الكَمَالِ

وَالحُسْنِ وَالجَلالِ وَالجَمَالِ

250 -

أَسمَاؤُهُ الحُسْنَى بها تَبَاهَى

وَكَيْفَ لا وَحُسْنُها تَنَاهَى؟

251 -

وَالنَّاسُ مَهْمَا حَاوَلُوا اسْتِقْصَاءَها

لم يَسْتَطِيعُوا أَبَدًا إِحْصَاءَها

252 -

حَيْثُ بعِلْمِ الغَيْبِ رَبِّي اسْتأْثَرَا

ببَعْضِها وَمَا بها قدْ أَخْبَرَا

253 -

فلَمْ يُضَمِّنْها كِتَابًا أنزَلَهْ

وَلمْ يُعَلِّمْها نَبِيًّا أرْسَلَهْ

254 -

وَمَا أتَى مِنهَا كَثِيرٌ كَافِي

أَنْ نَعْرِفَ اللهَ بها وَشَافِي

255 -

فلا تُسَمِّ غَيْرَ رَبِّنا بها

وَلا تَكُنْ فِيها لَهُ مُشَبِّهَا

256 -

وَكُنْ لمَا قَدْ أَوْهَمَ التَّشْبِيها

بِربِّنا مُغيِّرًا تنْزِيها

257 -

فَالمُصْطَفَى غَيَّرَ لاحْتِرَامِ

أَسْمَائِهِ بعْضًا مِنَ الأسَامي

258 -

قَدْ لَقَّبُوا أبُا شُرَيْحٍ بالحَكَمْ

وَالحَكَمُ اسْمٌ للإِلَهِ أوْ عَلَمْ

259 -

فقالَ يُكْنى بِابْنِهِ الكَبِيرِ

إذْ كَانَ لابُدَّ مِنَ التَّغْيِيرِ

260 -

ثمَّ اشْتِرَاكُ رَبِّنا مَعَ البَشَرْ

في صِفَةٍ قَدْ جَاءَنا عَلَى صُوَرْ

261 -

فالصُّورَةُ الأُولى غَدَتْ مَنْفِيَّةْ

وَهِيَ الاشْتِرَاكُ في الكَيْفِيَّةْ

262 -

وَلا يَجُوزُ الاشْتِرَاكُ مَعْنا

مَتى يَكُونُ في تمَامِ المعْنى

263 -

وَجَازَ الاشْتِرَاكُ في أَصْلِ الصِّفَةْ

كَمَا أتَانا عَنْ شُيُوخِ المَعْرِفَةْ

ص: 22

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: حَيٌّ لا يَمُوتُ.

264 -

وَرَبُّنا لهُ الحَيَاةُ الكَامِلَةْ

لكُلِّ أوْصَافِ الكَمَالِ شَامِلَةْ

265 -

وَلمْ تَزَلْ تلْكَ الحَيَاةُ لازِمَةْ

لذَاتِهِ سُبْحَانَهُ أيْ دائِمَةْ

266 -

فَلَمْ يزَلْ رَبُّ الوَرَى مَوْجُودا

وَبالحَيَاةِ لمْ يزَلْ مَشْهُودَا

267 -

فَليْسَ بَعْدَ مَوْتٍ اوْ وَفاةِ

قَدْ أدْرَكَتْهُ صِفَةُ الحَيَاةِ

268 -

كَذَلِكَ الحَيَاةُ لا تُفَارِقُهْ

فالمَوْتُ جَلَّ اللهُ لا يُلاحِقُهْ

269 -

فَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ أبَدَا

وَالمَوْتُ لا يَتْرُكُ مِنَّا أحَدَا

270 -

وَالمَوْتُ نفْسُ الموْتِ سَوْفَ يُذْبَحُ

وَاللهُ يبَقَى وَحْدَهُ وَيُصْبِحُ

271 -

سُبْحَانَهُ مِنْ أَوَّلٍ وَآخِرِ

سُبْحَانَهُ مِنْ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ

ص: 23

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: قيُّومٌ لا يَنَامُ.

272 -

وَرَبُّنا سُبْحَانَهُ القيُّومُ

أَيْ أنهُ بِذَاتِهِ يقُومُ

273 -

وَقِيلَ قَدْ قَامَ بِهِ الوُجُودُ

وَهُوَ مَعْنىً ثَابِتٌ مَوْجُودُ

274 -

وَالمَعْنيَانِ فِيهِما أمْرَانِ

كِلاهُمَا للوَصْفِ لازِمَانِ

275 -

فَالأوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ الوَرَى

وَفَقْرُنا إِلَيْهِ خُذْهُ الآخَرَا

276 -

لِذَلِكَ القيُّومُ لا يُدْرِكُهُ

نَوْمٌ وَمَنْ للكَوْنِ مَنْ يُمْسِكُهُ؟

277 -

وَمَنْ لهُ بالرِّزْقِ والتَّدْبيرِ

إِنْ نامَ عنهُ اللهُ ذُو التَّقْدِيرِ؟

ص: 24

فصلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: خَالِقٌ بلا حَاجَةٍ.

278 -

وَرَبُّنا بلا مِثَالٍ سَابِقِ

أَوْجَدَ مَا في الكَوْنِ مِنْ خَلائِقِ

279 -

فهُوَ خَالِقٌ لهمْ سُبْحَانَهْ

بغيْرِ حَاجَةٍ وَلا اسْتِعَانَةْ

280 -

خَلَقَهُمْ ـ جَلَّ ـ ليَعْبُدُوهُ

وَبالإِلهيَّةِ يُفْرِدُوهُ

281 -

وَمَعَ هَذا لمْ يكُنْ مُفْتَقِرَا

سُبْحَانَهُ إلى عِبَادَةِ الوَرَى

282 -

وَهُوَ مَا احْتَاجَ إلى مُعِينِ

فهَمَّ بالخَلْقِ وَبالتَّكْوِينِ

283 -

أيَسْتَعِينُ رَبُّنا بالعَجَزَةْ

وَهْوَ الذِي لا شَيْءَ يَوْمًا أعْجَزَهْ؟

284 -

أليْسَ رَبُّنا بقَادِرٍ على

جَمِيع مَا في الكوْنِ جَلَّ وَعَلا؟

285 -

فلا يُقالُ خَلْقُهُ للْكَوْنِ

قَدْ كَانَ مِنْهُ رَغْبَةً في العَوْنِ

ص: 25

فصلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: رَازقٌ بلا مَئُونة ٍ.

286 -

وَهْوَ بلا مَئُونَةٍ قدْ رَزَقَا

سُبْحَانَهُ جَمِيعَ مَنْ قَدْ خَلَقَا

287 -

فقَدْ تكَفَّلَ الإِلَهُ الرَّبُّ

برِزْقِ كُلِّ كَائِنٍ يَدِبُّ

288 -

وَالرِّزْقُ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ فَلا

يُعْزَى لِغَيْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلا

289 -

فَلا يُسَمَّى غَيرُ رَبِّي رَازِقَا

كمَا سِوَاهُ لا يُسَمَّى خَالِقَا

290 -

بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ الأرْزَاقُ

وَلَيْسَ دُونَهُ لنَا رَزَّاقُ

291 -

قَدْ خَلَقَ الأرْزَاقَ والمُرْتزَقَةْ

وَأَوْصَلَ الرِّزْقَ إلى مَنْ خَلَقَهْ

292 -

وَهْوَ الذِي يُهيِّئُ اكْتِسَابَها

لخَلْقِهِ بخْلْقِهِ أَسْبَابَها

293 -

فَالوَاجِبُ المَفْرُوضُ أنْ تُضَافا

إَلَيْهِ وَالشُّكْرُ لَهُ اعْتِرَافا

294 -

وَالرِّزْقُ نوْعَانِ إذا مَا يُطْلَقُ

فمُطْلَقُ الرِّزْقِ وَرِزْقٌ مُطْلَقُ

295 -

فمُطْلَقُ الرِّزْق قِيَامُ الرَّازِقِ

بِرِزْقِ كُلِّ هَذِهِ الخَلائِقِ

296 -

يُوَصِّلُ اللهُ إِلَيْها كُلَّ مَا

تحْتَاجُ في المَعَاشِ ممَّا عُلِمَا

297 -

مُسَهِّلا للخَلْقِ كُلَّ سَبَبِ

لِنَيْلِ رِزْقِهِ وَلوْ بالتَّعَبِ

298 -

يُدبِّرُ الأرْزَاقُ في أجْسَامِها

حَتَّى يُعِينَها عَلَى قِيَامِها

299 -

ثمَّ إِلى الأعْضَاءِِ وَالأجْزَاءِ

يَسُوقُ مَا تحْتاجُ مِنْ غِذاءِ

300 -

وَمُطْلَقُ الرِّزْقِ بهَذا المَعْنى

يَعُمُّ كُلَّ الخلْقِ حَتَّى الجِنَّا

301 -

كَمَا يَعُمُّ البرَّ ثمَّ الفَاجِرا

وَعَمَّ أيضًا مُسْلمًا وكافِرا

302 -

كَمَا يكُونُ الرِّزْقُ للأجْسَامِ

مِنَ الحَلالِ أَوْ مِنَ الحَرَامِ

303 -

وَلايُسَمَّى مِنْ حَرَامٍ رِزْقا

إلا بقَيْدٍ واعْتبَارٍ حقَّا

304 -

وَهْوَ مَسَاقُ القُوتِ للأعْضَاءِ

مَعَ انْتِفَاع العُضْوِ بالغِذَاءِ

ص: 26

305 -

وَنَوْعُهُ المَخْصُوصُ رِزْقٌ مُطْلَقٌ

يَنْفَعُ رَبُّنا بِهِ مَنْ يَرْزُقُ

306 -

وَهُوَ رِزْقُ القَلْبِ بالإيمَانِ

ثمَّ حَلالُ الرِّزْقِ للأبْدَانِ

307 -

وَيَنْبَغِي اسْتِحْضَارُ هَذَينِ مَعَا

لِطَلَبِ الرِّزْقِ إذَا اللهَ دَعَا

308 -

وَذَلِكَ الرِّزْقُ المُسَمَّى المُطْلَقَا

لَيْسَ يَخُصُّ غَيْرَ مَنْ قَدِ اتَّقَى

ص: 27

فصْلٌ:

في نظْمِ قوْلِهِ: مُمِيتٌ بلا مَخَافةٍٍ.

309 -

وَرَبُّنا يُمِيتُ دُونَ خَوْفِ

مَنْ عُمْرَهُ وَرِزْقَهُ يَسْتَوْفي

310 -

فلا وَفَاةَ قَبْلَ أنْ يسْتكْمِلا

كُلُّ امْرِئٍ رِزْقًا لهُ وَأَجَلا

311 -

حَتَّى الذِي مِنَ العِبَادِ يُقتَلُ

مَا فاتَهُ رِزْقٌ لهُ أَوْ أجَلُ

312 -

وَالقَوْلُ أنَّ رزْقَهُ وَأجَلَهْ

قَدْ قُطِعَا بقَتْلِهِ مَا أبْطَلَهْ

313 -

فَرِزْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مَكْتُوبُ

وَعُمْرُهُ أيْضًا لَهُ مَضْرُوبُ

314 -

وَهُوَ لا يَمُوتُ إلا فِيما

قُدِّرَ مِنْ وَقْتٍ لَهُ قَدِيما

315 -

ثمَّ تَوَفِّي النَّفْسِ باعْتِبَارِ

تقْدِيرِهِ أُضِيفَ ذَا للبَارِي

316 -

وَبِاعْتِبَارِ قَبْضِ رُوحِ مَنْ هَلَكْ

وَمَنْ تَوَلاهَا أُضِيفَ للمَلَكْ

317 -

ثمَّ أُضِيفَ باعْتِبارِ مَنْ يَلِي

أُمُورَهَا مِنْ بَعْدِهِ للرُسُلِ

318 -

فَكُلُّ مَا في هَذِهِ الأخْبَارِ

مِنْ نِسْبَةٍ تكُونُ بِاعْتِبَارِ

319 -

فَلا اخْتِلافَ لا وَلا تعَارُضَا

بَينَ الإضَافَاتِ وَلا تَناقُضَا

ص: 28

فصْلٌ:

في نظمِ قوْلِهِ: بَاعِثٌ بلا مَشَقةٍ.

320 -

وَيَبْعَثُ المَوْتى مِنَ القُبُورِ

بِلا مَشَّقةٍ بِنَفْخِ الصُّورِ

321 -

لمْ يعْيَ رَبُّ النَّاسِ حِينَمَا خَلَقْ

فَكَيْفَ يَعْيَا أنْ يُعِيدَ مَا سَبَقْ؟

322 -

أمَنْ يَشُقُّ الأرْضَ بالنَبَاتِ

يَعْجَزُ عَنْ إِعَادَةِ الأمْوَاتِ؟

323 -

ألَيْسَ مَنْ أوَّلَ مَرَّةٍ فَطَرْ

بقَادِرٍ عَلى إعَادَةِ البَشَرْ؟

324 -

ثمَّ أَلا تَرَى المَعَادَ أَهْوَنا

عَلَى الذِي قَدِ ابْتَدَا وَكَوَّنا؟

325 -

وَمَا الذِي يمْنَعُ هَذَا القَادِرْ

أَنْ يبْعَثَ المَوْتَى مِنَ المَقَابِرْ؟

ص: 29

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: مَا زَالَ بصِفَاتِهِ قدِيمًا قبْلَ خَلقِهِ، لمْ يَزْدَدْ بكوْنِهمْ شَيْئًا لمْ يَكنْ قبْلهُمْ مِنْ صِفتِهِ، وَكمَا كانَ بصِفاتِهِ أزَلِيًّا، كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْها أبَدِيًّا.

326 -

مَا زَالَ قَبْلَ خلقِهِ قَدِيما

بوَصْفِهِ الذِي غَدَا عَظِيمَا

327 -

لمْ يَزْدَدِ اللهُ بخَلْقِهِ لهُمْ

وَصْفًا وَلا اسْمًا لمْ يكُونا قبْلَهُمْ

328 -

ثمَّ كمَا صِفَاتُهُ بلا ابْتِدَا

كَذا عَلَيْها لايَزَالُ أبَدَا

329 -

لا يَنْقَضِي وَصْفٌ مِنَ الصِّفَاتِ

بَلْ إنَّهُ يَبْقَى بقَاءَ الذَّاتِ

330 -

أيْ لمْ تكُنْ بعَدَمٍ مَسْبُوقَةْ

وَبالفَنَاءِ لمْ تكُنْ مَلحُوقَةْ

ص: 30

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: ليْسَ بَعْدَ خَلقِ الَخَلقِ اسْتَفَادَ اسْمَ الخَالِقِ، وَلا بإحْدَاثِ البَريَّةِ اسْتفادَ اسْمَ البَارِي.

331 -

لمْ يَسْتفِدْ سُبْحَانَهُ اسْمَ الخَالِقِ

مِنْ بَعْدِ خَلْقِ هَذِهِ الخَلائِقِ

332 -

وَلا بِإِحْدَاثِ البَرَايَا مِنْ عَدَمْ

قَدِ اسْتَفادَ لفْظَةَ البَارِي عَلَمْ

ص: 31

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: لهُ مَعْنى الرُّبُوبيَّةِ وَلا مَرْبُوبَ، ومَعْنى الخَالِقِ وَلا مَخْلُوقَ.

333 -

أمْرُ الرُّبُوبيَّةِ مِنْ صِفاتِهِ

وَلمْ يكُنْ فِي الكَوْنِ غَيْرُ ذاتِهِ

334 -

كَمَا لهُ الخَلْقُ وَلا مَخْلُوقا

وَهَكَذَا الرِّزْقُ وَلا مَرْزُوقا

ص: 32

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: وَكمَا أنهُ مُحْيي المَوْتى بعْدَ مَا أحْيَا، اسْتحَقَّ هَذا الاسْمَ قبلَ إحْيَائِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتحَقَّ اسْمَ الخَالِقِ قَبْلَ إِنشَائِهِم، ذَلكَ بأنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قدِيرٌ، وَكلُّ شيْءٍ إليهِ فقيرٌ، وَكُلُّ أمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ، لايَحْتاجُ إلى شَيْءٍ (ليسَ كمِثلِهِ شيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .

335 -

ثمَّ كمَا الإلهُ مُحْيٍ بَعْدَ مَا

يُحْيِي الذِي بالمَوْتِ خِيلَ عَدَمَا

336 -

وَمَعَ هَذا يَسْتَحِقُّ الوَصْفَا

بذَلِكَ الفِعْل وَلمَّا يُلْفَى

337 -

فهُوَ أيْضًا خَالِقٌ مِنْ قَبْلِ

إِنْشَائِهِمْ وخَلْقِهِمْ بالفِعْلِ

338 -

ذَلِكَ أنَّ رَبَّنا قَدِيرُ

وَكُلُّ أمْرٍ عِنْدَه يَسِيرُ

339 -

وَلَيْسَ رَبُّ النَّاسِ بالمُحْتَاجِ

إلى الوَرَى وَهُمْ أُولُو احْتِيَاجِ

340 -

فَهُوَ ذَاتًا بالغِنى جَدِيرُ

وَكُلُّنا لفَضْلِهِ فَقِيرُ

341 -

سُبْحَانَهُ ليْسَ لهُ نَظِيرُ

وَهْوَ السَّمِيعُ وَهُوَ البَصِيرُ

ص: 33

اسْتدْرَاكٌ:

342 -

هَذا كَلامُ الشيْخ وهْوَ قدْ حَكَمْ

فيهِ عَلَى صِفَاتِ ربِّي بالقِدَمْ

343 -

وَهْوَ كَلامٌ مُجْمَلُ المَعَاني

مَا جَاءَ في حَدِيثٍ أوْ قُرْآنِ

344 -

وَلمْ يَقُلْ بهِ أَئِمَّةُ الهُدَى

إِذْ وَقَفُوا عِنْدَ الذِي قدْ وَرَدَا

345 -

لذا فهَذَا الحُكْمُ لنْ نقْبَلَهُ

إلا بِتَفْصِيلٍ لمَا أجْمَلَهُ

346 -

فَوَصْفُهُ صِفَاتِ رَبِّي بالقِدَمْ

حَقٌّ بمَعْنى لمْ تَكُنْ بَعْدَ العَدَمْ

347 -

أَيْ إِنْ أرَادَ أنها لمْ تخْلَقِ

فَقَوْلُهُ قَدْ صَحَّ لا إِنْ يُطْلَقِ

348 -

هَذَا وَلوْ قَالَ بوَصْفِ المَوْلى

لَيْسَ بمَخْلُوقٍ لكَانَ أَوْلى

349 -

لأنَّهُ لَيْسَ بِهِ إِجْمَالُ

وَمَا عَليهِ يُورَدُ الإشْكَالُ

350 -

وَإِنْ أرَادَ أنَّ رَبِّي في الأزَلْ

قَدْ كَانَ مَوْصُوفًا بها وَلمْ يَزَلْ

351 -

فَقَدْ غَدَا التَّفْصِيلُ فِيها وَاجِبَا

حَتَّى يَكُونَ الحُكْمُ حُكْمًا صَائِبا

352 -

فاعْلَمْ صِفَاتِ رَبِّنا العَليَّةْ

ذَاتِيَّةً وَبَعْضُها فِعْليَّةْ

353 -

أمَّا صِفَاتُ الذَّاتِ فهْيَ اللازِمَةْ

لهُ كعِلْمٍ وَحَيَاةٍ دائِمَةْ

354 -

أَوْهِيَ لا ينْفَكُّ عنهَا اللهُ

كَالوَجْهِ أوْ مَا جَاءَ في مَعْناهُ

355 -

فَهُوَ لم يَزَلْ وَلا يزَالُ

مُتَّصِفًا بها كمَا يُقَالُ

356 -

فَهَذِهِ كذَاتِهِ العَظِيمَةْ

بِذلِكَ المَعْنى غَدَتْ قدِيمَةْ

357 -

أمَّا صِفَاتُ الفِعْل حَيْثُ أطلِقَتْ

فهْيَ بمَا يَشَاءُ رَبِّي عُلِّقَتْ

358 -

فإنْ يشَأْ يفْعَلْ وَإِلا مَا فَعَلْ

إِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ عز وجل

359 -

وَتلِكَ كالخَلِقِ أو الإِحِيَاءِ

وَالرِّزْقِ أوْ إِمَاتَةِ الأحْيَاءِ

360 -

أوْ كَنُزُولِهِ إلى السَّمَاءِ

وَكَالكَلامِ أوْ كالاسْتِوَاءِ

361 -

فهَذِهِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ

قَدِيمَةُ الأنوَاعِ والأجْناسِ

ص: 34

362 -

أمَّا عَنِ الأفْرَادِ وَالآحَادِ

فَإِنها حَادِثةُ الإِيجَادِ

363 -

فَاللهُ لمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ

تُوجَدُ مِنْ جَنَابِهِ الأفْعَالُ

364 -

أَفْعَالُهُ شيْئًا فشَيئًا تُوجَدُ

وَإنهَا حِينًا فحِينَا تُورَدُ

365 -

قُلْ لي مَتى ربِّي على العَرْش عَلا

ثمَّ مَتى إلى السَّمَاءِ نَزَلا؟

366 -

أقبْلَ خَلْقِ العَرْشِ رَبُّنا اسْتَوَى

عَلَيهِ أمْ هَذا ضَلالٌ وَهَوَى؟

367 -

أَرَبُّنا إلى السَّمَاءِ نازِلُ

وَلمْ تكُنْ هَذَا كَلامٌ باطِلُ؟

368 -

فَكَيْفَ نقْضِي أنَّ ذِي الأفْعَالا

قَدِيمةٌ كذَاتِهِ تعَالى؟

369 -

وَهَكذا نهْدَى إلى الصَّحِيحِ

مِنْ قَوْلِهِ بذَلِكَ التَّوْضِيحِ

370 -

ثمَّ اجْتِنَابُ الوَصْفِ هَذا أسْلَمُ

وَاللهُ مِنَّا بِالصَّوَابِ أعْلَمُ

ص: 35

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: خَلقَ الخَلقَ بعِلمِهِ.

371 -

قَدْ خَلَقَ الخَلْْقَ بهمْ عَلِيمَا

وَلمْ يزَلْ بَرًّا بهمْ رَحِيمَا

372 -

وَكَيْفَ لا يَعْلَمُ مَنْ قَدْ خَلَقَا

وَهْوَ اللَّطِيفُ والخَبيرُ مُطْلَقَا

373 -

أَحَاطَ عِلْمُ رَبِّنا العَلِيِّ

في الكَوْنِ بِالخَفِيِّ وَالجَلِيِّ

374 -

سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ مَا قَدْ كَانَا

وَمَا يَكُونُ في غَدٍ وَالآنَا

375 -

حَتَّى حَدِيثُ النَّفْسِ وَالظُّنُونُ

يَعْلَمُها مَا كَانَ أوْ يكُونُ

376 -

سُبْحَانَهُ سَبَقَ فينا عِلْمُهُ

وَفَضْلُهُ قدْ عَمَّنا وَحِلْمُهُ

ص: 36

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: وَقدَّرَ لهُمْ أقْدَارًا، وَضَرَبَ لهُمْ آجَالا.

377 -

ثمَّ لنَا قَدْ قَدَّرَ الأقدَارَا

وَضَرَبَ الآجَالَ والأعْمَارَا

378 -

وَالعَبْدُ لا يَعْدُو الذِي قَدَّرَهُ

وَلا يَفُوتُهُ الذِي سَطَّرَهُ

379 -

وَمَا أصَابَ العَبْدَ مِنْ مُصَابِ

فَهْوَ بإذْنِ اللهِ في الكِتَابِ

380 -

وَهَكَذَا آجَالُنَا مَحْدُودَةْ

كذَلِكُمْ أنْفَاسُنا مَعْدُودَةْ

381 -

فَإِنْ أتَى الأجَلُ لا شَفَاعَةْ

وَلمْ يُؤَخَّرْ أَوْ يُقَدَّمْ سَاعَةْ

382 -

وَمَا أَتى مِنِ ازْدِيَادِ العُمْرِ

بِصِلَةِ الأرْحَامِ ثمَّ البرِّ

383 -

فَقِيلَ قَدْ كنَّى بِهِ عَنْ بَرَكَةْ

في العُمْرِ أَوْ ذُرِّيَّةٍ مُبَارَكَةْ

384 -

وَقِيلَ يبْقَى ذِكْرُهُ الجَمِيلُ

فِيهمْ كَأنَّ عُمْرَهُ طَوِيلُ

385 -

وَقِيلَ طُولُ العُمْرِ هَذَا يُعْتبَرْ

حَقِيقَةً وَلا مَجَازَ في الخَبَرْ

386 -

فَالعُمْرُ في اللَّوْحِ الذِي قدْ سُلِّمَا

لِقَابِضِ الأرْوَاحِ لَيْسَ مُبْرَمَا

387 -

وَإِنمَا مُعَلَّقٌ كَمَنْ يُطِعْ

فَعُمْرُهُ كَذَا وَإِلا قَدْ قُطِعْ

388 -

وَالعُمْرُ في عِلْمِ الإلَهِ أُبْرِمَا

لِعِلْمِهِ بمَا يكُونُ مِنْهُمَا

389 -

فالعُمْرُ في القُرْآن للمَقْطُوعِ بِهْ

وَفي الحَدِيثِ للمُعَلَّقِ انْتَبهْ

390 -

وَقِيلَ بَلْ رَبِّي ابْتدَاءً طَوَّلا

عُمْرَ الذِي يَعْلَمُهُ قَدْ وَصَلا

391 -

وَجَاءَتِ الدَّعْوَةُ في الحَدِيثِ

كَدَافِعٍ وَبَاعِثٍ حَثيثِ

392 -

ألا تَرَاهُ نَاهِيًا وآمِرَا

مَعْ أنَّهُ قَدْ حَدَّدَ المَصَائِرَا

393 -

إِذَنْ فلا زيَادَةٌ في الأجَلِ

عَنِ الذِي قَدَّرَهُ في الأَزَلِ

394 -

وَهَكَذَا فلا اخْتِلافَ الآنا

وَالنَّصُّ لا يُعَارِضُ القُرْآنا

ص: 37

فَصْلٌ:

في نَظْمِ قَوْلِهِ: وَلمْ يَخْفَ عليهِ شَيْء قَبْلَ أنْ يخْلُقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلونَ قبْلَ أنْ يَخْلقهُمْ، وَأمَرَهُمْ بطاعَتِهِ، ونهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

395 -

وَاللهُ لا شَيْءَ عَليْهِ يخْفَى

مِنْ قَبْلِ أَنْ نخْلَقَ أَوْ أَنْ نُلْفَى

396 -

يَعْلَمُ مَا العِبَادُ عَامِلُوهُ

وَكَيْفَ هَؤُلاءِ فاعِلُوهُ

397 -

بَلْ كُلُّ أَمْرٍ لمْ يكُنْ لوْ كَانا

يَعْلَمُهُ وَالوَقْتَ وَالمَكَانا

398 -

يَعْلَمُ مَنْ يكُونُ فينا صَالِحَا

وَمَنْ يكُونُ في العِبَادِ طالِحَا

399 -

وَمَنْ يكُونُ مُؤْمِنًا أوْ كافِرَا

وَالبَرَّ أوْ مَنْ كَانَ يَوْمًا فَاجِرا

400 -

وَيَعْلمُ الأقوَالَ والأفعَالا

وَيَعْلَمُ الأرْزَاقَ والآجَالا

401 -

يَعْلَمُ كُلَّ أمْرِنا قَدِيما

إِذْ لمْ يزَلْ إِلهُنا عَلِيما

402 -

وَرَغْمَ ذا بِطَاعَةٍ قدْ أمَرَا

وَعَنْ مَعَاصِيهِ العِبَادَ زَجَرَا

403 -

فَمَنْ يَكُنْ أطَاعَ رَبِّي وَعَدَهْ

خَيْرًا وَمَنْ عَصَى فَقَدْ توَعَّدَهْ

ص: 38

فصْلٌ:

في نظْمِ قَوْلِهِ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْري بتقْدِيرهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَشِيئَتُهُ تنفُذُ، لا مَشِيئةَ للعِبَادِ إلا مَا شَاءَ لهُمْ، فمَا شَاءَ لهُمْ كَانَ، وَمَا لمْ يَشَأْ لمْ يَكُنْ.

404 -

وَكُلُّ شَيْءٍ بالقَضَاءِ والقَدَرْ

يَجْرِي لمَا غَدَا لَهُ مِنْ مُسْتَقَرّْ

405 -

لا تخْرُجُ الأشْيَاءُ عَنْ تَقْدِيرِهِ

وَلا تكُونُ بِسِوَى تدْبيرِهِ

406 -

مَا شَاءَ رَبِّي نَافِذٌ وَوَاقِعْ

لَيْسَ لَهُ مِنْ مَانِعٍ أوْ دَافِعْ

407 -

وَلمْ يقَعْ مَا شَاءَهُ عَبِيدُهْ

مَا لمْ يَكُنْ سُبْحَانَهُ يُرِيدُهْ

408 -

فَمَا يشَأْ لهُمْ يَكُنْ وَمَا لا

يَشَأْ يَكُنْ وُقُوعُهُ مُحَالا

ص: 39

فصْلٌ:

في نظمِ قوْلِهِ: يَهْدِي مَنْ يشَاءُ وَيعْصِمُ وَيُعَافِي فضَلا، وَيُضِلُّ مَنْ يشَاءُ وَيَخْذُلُ وَيبْتلِي عَدْلا، وَكلهُمْ يَتقَلَّبُونَ فِي مَشِيئتِهِ بَيْنَ فضْلِهِ وَعَدْلِهِ.

409 -

وَرَبُّنا يَهْدِي إلى الإيمَانِ

بِفَضْلِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ إنْسَانِ

410 -

يَعْصِمُهُمْ سُبْحَانَهُ برَحْمَتِهْ

مِنَ الوُقُوعِ في مُحِيطِ نِقْمَتِهْ

411 -

كَمَا يُعَافي اللهُ مَنْ قدْ أخْلَصا

مِنْ أنْ يَكُونَ بَيْنَنا مِمَّنْ عَصَى

412 -

وَمَنْ يُقارِفْ مِنْهُمُ الذُّنُوبا

وَفَّقَهُ اللهُ لِكَيْ يَتُوبا

413 -

وَهُمْ بفَضْلِ اللهِ مَا أَوْلاهُمْ

أنْ يَذْكُرُوا ويَشْكُرُوا مَوْلاهُمْ

414 -

وَهْوَ بفَضْلِهِ عَلى مَنْ آمَنا

قَدِ اسْتَحَقَّ الشُّكْرَ مِنهُمْ وَالثَّنا

415 -

كَمَا يُضِلُّ اللهُ عَنْ نهْجِ الهُدَى

بِعَدْلِهِ مَنْ شَاءَ أهْلا للرَّدَى

416 -

يُسْلِمُهُمْ رَبِّي إلى الشَّيْطانِ

وَيبْتَلِيهِمْ منهُ بالعِصْيَانِ

417 -

ثمَّ إلى أنْفُسِهِمْ يَكِِلُهُمْ

فَلا يُوفَّقُونَ بَلْ يخْذُلهُمْ

418 -

وَرَبُّنا حَيْثُ يُضِلُّ العَبْدَا

لحِكْمَةٍ قَدِ اسْتَحَقَّ الحَمْدَا

419 -

وَرَبُّنا إنْ شَاءَ عَدْلا حَوَّلا

إلى الضَّلالِ مَنْ هَدَاهُ أوَّلا

420 -

وَرُبَّمَا يَمُنُّ بالهِدَايَةِ

فَضْلا على مَنْ ضلَّ في البِدايَةِ

421 -

وَهَكَذا يُقلِّبُ العِبَادَا

رَبُّكَ كَيْفَ شَاءَ أوْ أرَادَا

422 -

فيَتقَلَّبُونَ في مَشِيئَتِهْ

مَا بَيْنَ رَحْمَةٍ له وَحِكْمَتِهْ

423 -

وَمَا لعَبْدٍ مُطْلَقًا أنْ يَخْرُجَا

عَنْ تِلْكَ بَلْ يكُونُ فِيهَا مُدْرَجَا

ص: 40

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُتعَالٍ عَنِ الأضْدَادِ والأندَادِ، لا رَادَّ لِقضَائِهِ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، ولا غَالِبَ لأمْرِهِ.

424 -

وَاللهُ لا ضِدَّ لهُ يُناوِئُهْ

أمْرًا وَلا نِدَّ لهُ يُكافِئُهْ

425 -

بَلْ جَلَّ رَبُّنا عَنِ الأنْدَادِ

كَمَا تَنَزَّهَ عَنِ الأضْدَادِ

426 -

قَضَاءُ رَبِّي لا يُرَدُّ مَاضِي

وَلا مُعَقِّبَ لحُكْمِ القَاضِي

427 -

وَأَمْرُهُ الكَوْنيُّ لا غَالِبَ لهْ

مَنْ ردَّ يومًا أمْرَهُ أوْ أبْطَلَهْ؟

428 -

سُبْحَانَهُ إذَا قَضَى أَوْ كَتَبَا

أَمْرًا فإنَّهُ عَلَيْهِ غَلَبَا

ص: 41

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: آمَنا بذلِكَ كلهِ، وَأيْقنا أنَّ كلا مِنْ عِنْدِهِ.

429 -

بِكُلِّ هَذَا نحْنُ قدْ آمَنَّا

وَأَنَّ كُلا مِنْهُ قدْ أيْقنَّا

430 -

قَدِ اعْتَقَدْنَاهُ اعْتِقَادًا جَازِمَا

وَقَرَّ فى النَّفْسِ قَرَارًا لازِمَا

431 -

وَمَا لنَا إنْ طَالتِ الآجَالُ

عَنْهُ تحَوُّلٌ وَلا انْتِقَالُ

ص: 42

فصْلٌ:

في نظمِ قَوْلِهِ: وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَنبيُّهُ المُجْتبَى، وَرَسُولُهُ المُرْتضَى، وَأَنهُ خَاتمُ الأنبيَاء ِ، وَإمَامُ الأتقِيَاءِ، وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ العَالمِينَ، صلى الله عليه وسلم.

432 -

وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحمَّدَا

قَدْ جَاءَنَا بِالبَيِّناتِ وَالهُدَى

433 -

وَأنَّهُ عَبْدُ الإِلَهِ المُصْطَفَى

مِنَ الخِيَارِ نَسَبًا وَشَرَفا

434 -

وَأنَّهُ هُوَ النَّبيُّ المُجْتَبَى

مِنَ العِبَادِ عَجَمًا وَعَرَبا

435 -

وَأنَّهُ هُوَ الرَّسُولُ المُرْتَضَى

لخَتْمِ مَا مِنَ الرِّسَالاتِ مَضَى

436 -

وَأنِّهُ إمَامُ مَنْ قَدِ اتَّقَى

ثمَّ خِتَامُ الأنْبيَاءِ مُطْلَقَا

437 -

وَأنَّهُ سَيِّدُ كُلِّ مُرْسَلِ

وَخَيْرُ كُلِّ آخِرٍ وَأَوَّلِ

438 -

وَهْوَ حَبيبُ رَبِّهِ وَالأَوْلى

مِنْ ذَاكَ قوْلُنا خَلِيلُ المَوْلى

439 -

قَدْ جَمَعَ الخُّلَّةَ وَالتَّكْلِيمَا

أَيْ مَا لَدَى مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَا

ص: 43

فرْعٌ:

في بَيَان مُقتضَى شَهَادَةِ: أنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَسُولُ اللهِ.

440 -

وَمُقْتَضَى (مُحَمَّدٌ رَسُولْ)

تصْدِيقُهُ في كُلِّ مَا يقُولْ

441 -

وَأَنْ نطِيعَ الأمْرَ يَا أُولي النُّهَى

مَعَ اجْتِنَابِ كُلِّ مَا عَنْهُ نهَى

442 -

أَنْ نعبُدَ الإِلَهَ بالذِي شَرَعْ

لنا مِنَ الدِّينِ وَليْسَ بالبِدَعْ

443 -

وَأَنْ نحِبَّ دِينَهُ وَصَحْبَهُ

وَالسَّالِكِينَ نهْجَهُ وَدَرْبَهُ

444 -

فهَاكَهَا أرْكانًا اوْ أُصُولا

للمُرْتضِي مُحَمَّدًا رَسُولا

445 -

وَمَنْ يُضَيِّعْها فمَا ارْتضَاهُ

لأنَّهُ خَالَفَ مُقْتَضَاهُ

ص: 44

فرعٌ:

فِيمَا فرَضَهُ اللهُ عَلينا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

446 -

وَاعْلَمْ بأنَّ رَبَّنا لهُ قَضَى

مِنَ الحُقُوقِ فَوْقَ هَذا المقْتَضَى

447 -

دَعَا إلى الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ

عَلَيْهِ في قُرْآنِهِ الحَكِيمِ

448 -

وَأَوْجَبَ التَّأْيِيدَ وَالتَّعْزِيرَا

بِنَصْرِهِ وَأوْجَبَ التَّوْقِيرَا

449 -

وَقدْ قَضَى لهُ بالاحْتِرَامِ

حِينَ نُنَادِيهِ مَعَ الإكْرَامِ

450 -

وَكَيْفَ لا وَرَبُّنا قَدْ أكْرَمَهْ

عِنْدَ الخِطَابِ دُونَ مَنْ تقَدَّمَهْ؟

451 -

وَلمْ يكُنْ إلا لَهُ يَقُولُ

يَا أيُّها النَّبيُّ وَالرَّسُولُ

452 -

وَمَا أبَاحَ اللهُ أنْ نُقَدِّمَا

بَيْنَ يدَيْهِ القَوْلَ إنْ تكَلَّمَا

453 -

وَذِكْرُهُ رَبُّ الوَرَى قدْ رَفَعَهْ

فأيْنَ يُذْكرْ رَبُّنا يُذْكَرْ مَعَهْ

454 -

فلا تَصِحُّ خُطْبَةُ الخَطِيبِ

بِدُونِ ذِكْرِ المُصْطَفَى الحَبِيبِ

455 -

وَلا يَجُوزُ عِنْدَنا أَذَانُ

لَيْسَ بهِ نَبِيُّنا العَدْنانُ

456 -

بَلْ حَرَّمَ اللهُ لهُ لحُرْمَتِهْ

بَعْضَ الذِي أبَاحَهُ فِي أُمَّتِهْ

457 -

فَاللهُ لمْ يجْعَلْ لنا نِكَاحَا

أزْوَاجِهِ مِنْ بَعْدِهِ مُبَاحَا

ص: 45