المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صورة الفتوى التي أفتى بها أحدنا في حيفا لما سئل عن الصياحفي التهليل والتكبير وغيرهما أمام الجنائز - النقد والبيان في دفع أوهام خزيران

[محمد كامل القصاب]

الفصل: ‌صورة الفتوى التي أفتى بها أحدنا في حيفا لما سئل عن الصياحفي التهليل والتكبير وغيرهما أمام الجنائز

وأهمُّ شيء يجب انتباه علماء العصر إليه: أشباه تلك الواقعات، وتوضيح أحكام الشَّريعة فيها، ليعود للدِّين مجدُه، وللإسلام زهرتُه، وليقف المجازفون في الملَّة السَّمحة عند حدِّهم، ولا يطمعوا في إغواء غيرهم، ويكون في ذلك الأمن من استشراء داء المبشِّرين؛ لأنَّ المسلمين متى وقفوا على معالم الشرع الصَّحيحة، لا يمكن أن يلتفتوا إلى السَّفاسف، ولا أن يعتنوا بالزَّعانف، والله يعلم أننا ما قصّرنا في مقاومة التّيّارين، دون أن تأخذنا في الله لومة لائم، وإنَّ ذلك هو الذي هيَّج علينا خزيران وأضرابُه مِن جنود المتمسكين بالمحافظة على إرضاء العامة، ومناوأة الخاصة، وإنّا لهم لبالمرصاد، والله مِن ورائهم محيط، والحمد لله أولاً وآخراً، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد المعصوم مِن الخطأ والزلل، وعلى آله وأصحابه والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ونستغفر الله العظيم مِمّا طغا به القلم، وكان الفراغ مِن تأليفها في الضّحوة الكبرى يوم الثّلاثاء الواقع في 22 ذي الحجة عام 1343هـ.

‌صورة الفتوى التي أفتى بها أحدنا في حيفا لما سئل عن الصِّياح

في التَّهليل والتَّكبير وغيرهما أمام الجنائز

سؤال: ما قول أهل العلم الحق في الصِّياح في التَّهليل والتَّكبير وغيره أمام الجنائز؟ أفتونا أثابكم الله.

ص: 136

الجواب: هو مكروه تحريماً، وبدعة قبيحة، يجب على علماء المسلمين إنكارها، وعلى كل قادر إزالتها، قال الله -تعالى-:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] ؛ أي: ادعوه تذللاً واستكانة، إنه لا يحبُّ المجاوزين لما أمروا به من الدُّعاء بالتّشدق، ورفع الصَّوت، فمن جاوز ما أمره الله في شيء من الأشياء فقد اعتدى، وأخرج البخاري ومسلم في «صحيحيهما» في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الناسُ يجهرون بالتَّكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أيها الناس! أربعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (1) .

قال صاحب «الدر» (2) : «ويكره في الجنازة رفع صوت بذكر أو قراءة» .

قال ابن عابدين في «حاشيته» (3) عليه: «قال صاحب «البحر» : وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصَّمتَ، وفيه عن «الظهيرية» : فإن أراد أن يذكر الله- تعالى- يذكره في نفسه» انتهى باختصار وتصرّف.

وقال الشُّرُنبلالي (4) -أيضاً-: «ويكره رفع الصوت بالذِّكر والقرآن، وعليهم الصّمت، وقولهم: كل حي سيموت، ونحو ذلك خلف الجنازة

بدعة» .

(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» (رقم 2992) ، ومسلم في «صحيحه» (رقم 2704) .

(2)

(2/233 - حاشيته) .

(3)

(2/233) .

(4)

في «مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح» (ص 101) .

ص: 137

قال العلامة الطحطاوي (1) في «حاشيته عليه» : «وفي «القهستاني» عن «القنية» : يكره تحريماً رفع الصوت بالذكر والقرآن خلف الجنازة. وفي «السراج» : ويستحب لمن اتبع الجنازة أن يكون مشغولاً بذكر الله -تعالى- سراً والتفكر فيما يلقاه الميت، وأنَّ هذا عاقبة أهل الدنيا

فإن لم يذكر الله- تعالى- فلْيلزم الصَّمت، ولا يرفع صوتَه بالقراءة ولا بالذكر، ولا يغترّ بكثرة من يفعل ذلك، وأما ما يفعله الجهال في القراءة على الجنازة من رفع الصوت والتَّمطيط فيه، فلا يجوز بالإجماع (2) ، ولا يسع أحداً يقدر على إنكاره أن يسكت عنه، ولا ينكر عليه» (3) انتهى.

فيؤخذ من هذا: أنه يتعيَّن على كل قادر على إزالة هذه البدعة،

أن يزيلها، وإلا فهو آثم وشريك لصاحبها، ويجب على كلِّ عالم أن ينكرها، وإلا فهو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا حدثت في أمتي البدع، وشتم أصحابي، فلْيظهر العالِمُ علمَه، فمن لم يفعل لعنه الله والملائكة والناس أجمعين» (4)

رواه الحافظ الآجري في كتاب «السُّنَّة» (5) من (6) طريق الوليد بن مسلم عن معاذ بن جبل. انتهى.

(1) في الأصل: «الطنطاوي» !!

(2)

في الأصل: «في الإجماع» ، والمثبت من «حاشية الطحطاوي» .

(3)

«حاشية الطحطاوي» (ص 332) .

(4)

مضى تخريجه مسهباً في التعليق على (ص 45-47) .

(5)

أي: «الشريعة» (رقم 2075) وسنده عنده هكذا: «بقية بن الوليد والوليد بن مسلم، قالا: ثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ» ، لا كما في الأصل -وهو المثبت-، وروي على ضروب وألوان، ذكرتُ ذلك في تخريجي للحديث، والله الموفق.

(6)

في الأصل: «في» ، والصواب ما أثبتناه.

ص: 138