المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْإِجَازَة   هِيَ فِي الأَصْل مصدر أجَاز ووزنها فعالة وَأَصلهَا إجوازة تحركت - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ٣

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌ ‌الْإِجَازَة   هِيَ فِي الأَصْل مصدر أجَاز ووزنها فعالة وَأَصلهَا إجوازة تحركت

‌الْإِجَازَة

هِيَ فِي الأَصْل مصدر أجَاز ووزنها فعالة وَأَصلهَا إجوازة تحركت الْوَاو فَتوهم انفتاح مَا قبلهَا فإنقلبت الْفَا فَبَقيت (1) الْألف الزَّائِدَة الَّتِي بعْدهَا فحذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَت إجَازَة وَفِي الْمَحْذُوف من الْأَلفَيْنِ الزَّائِدَة أَو الْأَصْلِيَّة قَولَانِ

وَالْأول قَول سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش وَيُقَال أجزت لفُلَان كَذَا وأجزت فلَانا كَذَا فَمن عداهُ بِحرف الْجَرّ فَهُوَ بِمَعْنى سوغت لَهُ وأبحت وَمن عداهُ بِنَفسِهِ فَهُوَ بِمَعْنى أجزته مَاء أَي أسقيته مَاء لأرضه أَو لماشيته وَالْأول أظهر وَأشهر (2) وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنَّهُ يحْكى عَن بعض الْمُحدثين أَنه سُئِلَ حَال إِجَازَته عَن وزن إجَازَة فتوقف وَتردد

315 -

(قَوْله) وَزَاد الْبَاجِيّ فَادّعى الْإِجْمَاع على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ وَهُوَ بَاطِل فقد خَالف فِيهَا جماعات وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي

ص: 502

قلت سبق الْبَاجِيّ إِلَى نقل ذَلِك القَاضِي أَبُو بكر وَدَعوى المُصَنّف بُطْلَانه فِيهِ (أ / 170) نظر فَإِن الْخَطِيب وَغَيره من الْمُحَقِّقين حملُوا كَلَام المانعين على الْكَرَاهَة فَإِن الرِّوَايَة عَن الشَّافِعِي هِيَ أَن الرّبيع قَالَ فَاتَنِي من الْبيُوع من كتاب الشَّافِعِي ثَلَاث وَرَقَات فَقلت لَهُ أجزها لي فَقَالَ فاقرأ (1) عَليّ كَمَا قرئَ عَليّ ورددها (2) عَليّ غير مرّة حَتَّى أذن الله فِي جُلُوسه فَجَلَسَ فقرئ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا من الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُول على الْكَرَاهَة للاتكال على الْإِجَازَة بَدَلا من السماع لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة (3) ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى دَاوُد بن عَليّ (4) قَالَ لي حُسَيْن الْكَرَابِيسِي لما كَانَت قدمة الشَّافِعِي الثَّانِيَة - يَعْنِي إِلَى بَغْدَاد - أَتَيْته فَقلت لَهُ فَأذن لي أَن اقْرَأ عَلَيْك الْكتب فَأبى وَقَالَ خُذ كتب الزَّعْفَرَانِي فانسخها فقد أجزتها لَك فأخذتها إجَازَة (5) انْتهى لَكِن الْكَرَابِيسِي من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ على قَوْله الْجَدِيد وَالربيع من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم (6)

نعم قد سبق عَن الرّبيع أَنه روى عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة لمن بلغ سبع سِنِين وَفِي الْمعرفَة للبيهقي مَا نَصه وَأما الْإِجَازَة فقد حكينا عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان فِي حِكَايَة ذكرهَا عَن الشَّافِعِي وَقَالَ فِي آخرهَا يَعْنِي أَنه كره الْإِجَازَة قَالَ وروينا عَن ابْن وهب أَنه ذكر لمَالِك الْإِجَازَة فَقَالَ تُرِيدُ أَن تَأْخُذ الْعلم فِي ايام يسيرَة (7) انْتهى

ص: 503

قَالَ الْخَطِيب وَكَذَلِكَ المحكي عَن مَالك وَقد ثَبت عَنهُ الحكم بِصِحَّة الرِّوَايَة بِأَحَادِيث الْإِجَازَة قَالَ على أَن مَنعه إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْكَرَاهَة أَن يُجِيز الْعلم لمن لَيْسَ [من](1) أَهله وَلَا خدمه (2) وَإِنَّمَا المحكي عَن شُعْبَة وَابْن الْمُبَارك وأضرابهما قَوْلهم (3) لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقيل فِي مَعْنَاهُ إِنَّهَا لَا تقوم مقَام السماع والمشافهة فِي النَّقْل وَأَن ذَلِك أبعد من التَّصْحِيف والتحريف أَو أَن الْإِسْنَاد إِلَيْهَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الرحلة فخافوا على الطلاب ترك السماع والرحلة

وَقَول المُصَنّف وَمِمَّنْ أبطلها من أهل الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ (4) فَهَذَا رَوَاهُ عَن الْخَطِيب من جِهَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب (5) أَنه قَالَ سَمِعت

ص: 504

إِبْرَاهِيم يَقُول الْإِجَازَة والمناولة لَا تجوز وَلَيْسَ بِشَيْء (1) لكنه روى بعد بأوراق عَن سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب هَذَا قَالَ سَأَلت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ قلت سَمِعت كتاب الْكَلْبِيّ وَقد تقطع عَليّ [وَالَّذِي](2) هُوَ عِنْده يُرِيد الْخُرُوج فَكيف ترى أَن أستجيزه أَو أسأله أَن يكْتب بِهِ إِلَيّ قَالَ لَا قل (3) لَهُ يكْتب (أ / 97)[بِهِ](4) إِلَيْك فَتَقول كتب إِلَيّ فلَان وَالْإِجَازَة لَيْسَ هِيَ بِشَيْء

قَالَ الْخَطِيب قد ذكرنَا فِيمَا تقدم الرِّوَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه كَانَ لَا يعد الْإِجَازَة والمناولة شَيْئا وَهَا هُنَا قد اخْتَار الْمُكَاتبَة على إجَازَة (5) المشافهة والمناولة أرفع من الْمُكَاتبَة لِأَن المناولة إِذن مشافهة فِي رِوَايَة الْمعِين وَالْمُكَاتبَة مراسلة بذلك قَالَ فأحسب إِبْرَاهِيم رَجَعَ عَن القَوْل الَّذِي أسلفناه عَنهُ إِلَى مَا ذكره هُنَا من تَصْحِيح الْمُكَاتبَة وَأما اخْتِيَاره لَهَا على إجَازَة المشافهة فَإِنَّهُ قصد بذلك إِذا لم يكن للمستجيز بِمَا استجازه نُسْخَة منقولة من أصل الْمُجِيز وَلَا مُقَابلَة بِهِ وَهَذَا القَوْل فِي معنى مَا ذكره لي البرقاني (6) ونرى أَن إِبْرَاهِيم ذهب إِلَى أَن الْإِجَازَة لمن لم يكن [لَهُ](7) نُسْخَة منقولة من الأَصْل أَو مُقَابلَة بِهِ لَيست شَيْئا لِأَن تَصْحِيح ذَلِك سَمَاعا للراوي ومقابلا بِأَصْل كِتَابه وَرُبمَا كَانَ فِي غير الْبَلَد الَّذِي الطَّالِب فِيهِ مُتَعَذر (أ / 171) إِلَّا

ص: 505

بعد الْمَشَقَّة وَالْمُكَاتبَة بِمَا يروي وإنفاده (1) إِلَى الطَّالِب أقرب إِلَى السَّلامَة (2) وأجدر بِالصِّحَّةِ (3)

316 -

(قَوْله) قَالَ أَبُو نصر سَمِعت عَامَّة من أهل الْعلم يَقُولُونَ قَول الْمُحدث قد أجزت لَك (4) ان تروي عني تَقْدِيره أجزت لَك مَا لَا يجوز فِي الشَّرْع لِأَن الشَّرْع لَا يُبِيح رِوَايَة مَا لَا يسمع (18 19 20 21) انْتهى

ص: 506

وَهَذَا القَوْل فِيهِ نظر لِأَن للإجازة (1) وَالرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ شُرُوطًا من تَصْحِيح (2) الْخَبَر من الْمُجِيز بِحَيْثُ يُوجد فِي أصل صَحِيح سَمَاعه عَلَيْهِ الموجز سَمَاعا مِنْهُ من الشُّيُوخ مَعَ رِعَايَة جَمِيع شُرُوط الرِّوَايَة وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِجَازَةِ الرِّوَايَة عَنهُ مُطلقًا سوى عرف (3) رِوَايَة الْخَبَر عَن الْمُجِيز بِهِ (4) لَا بل لَا تجوز الرِّوَايَة عَن الْمُجِيز إِلَّا بعد مَحْض سَمَاعه أَو إِمَّا يُوصي لَهُ بِهَذَا الْجُزْء وَحفظه فَلَا تكون الرِّوَايَة عَنهُ إِذْنا فِي الْكَذِب عَلَيْهِ

318 -

(قَوْله) ثمَّ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل وَقَالَ بِهِ جَمَاهِير أهل الْعلم تَجْوِيز الْإِجَازَة (7 8 9 10 11 12 13 الْغَائِب (6) وَلم يشْتَرط فِيهِ سَمَاعا وَلَا إجَازَة

ص: 507

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه فِي كتاب الْوَصِيَّة إِنَّه ذكر عِنْد الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقَالَ لَو بطلت الْإِجَازَة لذهب الْعلم وضاعت (1) الْكتب الْمنزلَة وَغير الْمنزلَة خَاصَّة هَذَا الَّذِي فِيهِ {وَمن بلغ} (2) و {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله ثَنَا مَحْمُود (4) بن غيلَان (5) أَنا وَكِيع عَن عمرَان بن حدير (6) عَن أبي مجلز (7)

ص: 508

عَن بشير (1) قَالَ كتبت كتابا عَن أبي هُرَيْرَة فَقلت أرويه عَنْك قَالَ نعم (2) وَأخرج مثله عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة (3)

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي كتاب الْوَجِيز الْإِجَازَة ضَرُورِيَّة لِأَنَّهُ قد يَمُوت الروَاة ويفقد الْحفاظ الوعاة فَيحْتَاج إِلَى إبْقَاء الْإِسْنَاد وَلَا طَرِيق إِلَّا الْإِجَازَة فالإجازة فِيهَا نفع عَظِيم ورفد (4) جسيم إِذا الْمَقْصُود إحكام السّنَن المروية فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وإحياء الْآثَار سَوَاء كَانَ بِالسَّمَاعِ أَو الْقِرَاءَة أَو المناولة أَو الْإِجَازَة قَالَ وسومح بِالْإِجَازَةِ لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} (5) وَقَوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة (6)

ص: 509

قَالَ وَمن مَنَافِعهَا أَنه لَيْسَ طَالب علم يقدر على رحْلَة وسفر إِمَّا لعِلَّة توجب عدم الرحلة أَو بعد الشَّيْخ الَّذِي يَقْصِدهُ فالكتابة حِينَئِذٍ بِهِ أرْفق (أ / 172) وَفِي حَقه أوفق فَيكْتب من بأقصى (1) الْمغرب إِلَى من بأقصى الْمشرق وَيَأْذَن لَهُ فِي رِوَايَة مَا يَصح عَنهُ وَيكون ذَلِك الْمَرْوِيّ حجَّة كَمَا فعله سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد صَحَّ عَنهُ أَنه كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر (2) وَغَيرهمَا مَعَ رسله فَمن قبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة لَهُ وَمن لم يقبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ (3)

وتوسط أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي كِتَابه مآخذ الْعلم قَالَ بلغنَا أَن نَاسا يكْرهُونَ الْإِجَازَة وَيَقُولُونَ لَو اقْتصر عَلَيْهَا بطلت الرحلة وَقعد النَّاس عَن طلب الْعلم وَنحن فلسنا نقُول إِن طَالب الْعلم يقْتَصر على الْإِجَازَة فَقَط ثمَّ لَا يسْعَى وَلَا يرحل لَكِن نقُول الْإِجَازَة لمن كَانَ لَهُ فِي الْقعُود عَن الطّلب عذر من قُصُور نَفَقَة أَو بعد مَسَافَة أَو صعوبة مَسْلَك فَأَما أَصْحَاب الحَدِيث (4) فَمَا زَالُوا يتجشمون المصاعب ويركبون الْأَهْوَال أخذا بِمَا حث عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (5) وَيخرج من كَلَام بَعضهم مَذْهَب آخر وَهُوَ أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا عِنْد عدم إِمْكَان السماع

ص: 510

319 -

(قَوْله) محتجا على الْإِجَازَة لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ مروياته فقد أخبرهُ بهَا جملَة كَمَا لَو أخبرهُ تَفْصِيلًا (3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 فحسبك (6) بِمَا هَذِه صفته (7) انْتهى

ص: 511

وَكَلَامه إِن كَانَ فِي الْإِجَازَة المقرونة بالمناولة فَقَوله إِنَّه لم يقل (د / 98) بِهِ أحد من التَّابِعين مَرْدُود فَسَيَأْتِي نقلهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم بل جَاءَ عَن أنس مَا يشْعر بهَا فَفِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ كُنَّا إِذا أكثرنا على أنس ابْن مَالك أَتَانَا بمخال (1)(2) لَهُ فألقاها إِلَيْنَا وَقَالَ هَذِه أَحَادِيث سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتها وعرضتها (3) وَأسْندَ الرامَهُرْمُزِي إِلَى الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بِأَن يدْفع الْمُحدث كِتَابه وَيَقُول ارو عني جَمِيع مَا فِيهِ ويسعه (4) أَن يَقُول حَدثنِي فلَان عَن فلَان (5)

وَإِن كَانَ كَلَام ابْن حزم فِي الْإِجَازَة الخالية عَن المناولة فَلَا يُنَاسب تَعْلِيله وَإِطْلَاق من جوزها يَشْمَل ذَلِك وَمَا نَقله المُصَنّف عَمَّن قَالَ من الظَّاهِرِيَّة إِن الْعَمَل بِالْإِجَازَةِ لَا يجب وَيجْرِي مجْرى الْمُرْسل يَقْتَضِي ذَلِك منع الْعَمَل دون التحديث وَقد نقل عَن الْأَوْزَاعِيّ عكس ذَلِك فَفِي كتاب الرامَهُرْمُزِي قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي كتاب (6) الْأَمَانَة يَعْنِي المناولة (أ / 173) يعْمل بِهِ وَلَا يحدث بِهِ وَعَن الْأَوْزَاعِيّ فِي ذَلِك رِوَايَات ذكرهَا الرامَهُرْمُزِي (7)

وَكَأن معنى قَوْله لَا يحدث بِهِ أَي بِصِيغَة التحديث وَإِلَّا فَلَا معنى للْعَمَل

ص: 512

بِهِ مَعَ نَفْيه التحديث وَأما قَوْله صلى الله عليه وسلم تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم (1) فَأخْبر صلى الله عليه وسلم بكيفية نقل الشَّرِيعَة فقد يَقْتَضِي منع الْإِجَازَة

وَسكت المُصَنّف عَن ذكر الْخلاف فِي رُتْبَة الْإِجَازَة وَقد تعرض لذَلِك فِي المناولة وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَالْمَشْهُور أَنَّهَا دون السماع وَقيل كالسماع وَحَكَاهُ ابْن عَاتٍ (2) فِي كتاب رَيْحَانَة النَّفس (3) عَن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد ابْن بَقِي بن مخلد (4) قَالَ كَانَ يَقُول الْإِجَازَة عِنْدِي وَعند ابي وجدي كالسماع

وَالثَّالِث أَنَّهَا أقوى من السماع وَهُوَ اخْتِيَار عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه وَعَلِيهِ بنى كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ بِالْوَصِيَّةِ وَقَالَ فِيهِ مَا حدثت بِحرف مُنْذُ سَمِعت الحَدِيث وكتبته إِلَّا على سَبِيل الْإِجَازَة لِئَلَّا أوبق فَأدْخل فِي الصَّحِيح لأهل الْبدع والمحتجين [بِهِ](5)

ص: 513

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ وَأبْعد النَّاس من الْكَذِب الَّذِي لَا يحدث النَّاس إِلَّا بِالْإِجَازَةِ ليخلص النَّاس من التُّهْمَة وَسُوء الظَّن ويخلص نَفسه من الرِّيَاء وَالْعجب وَقد رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي (1) فِي بعض تعاليقه رَأَيْت محدثي الْعَصْر يتهافتون (2) ويتنافسون فِي تَرْجِيح رِوَايَة الحَدِيث سَمَاعا على رِوَايَته إجَازَة وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء ألقوه وتلقوه عَمَّن قبلهم وغفلوا عَن الْأَشْيَاء تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة وَالْحق التَّفْصِيل وَهُوَ الْفرق بَينهمَا فِي عصر السّلف فَأَما مُنْذُ دونت الدَّوَاوِين وَجمع السّنَن واشتهرت فَلَا فرق بَينهمَا

وَالْفرق بَين الزمانين أَن السّلف رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا يجمعُونَ الحَدِيث من صحف النَّاس وصدور الرِّجَال فدعَتْ الْحَاجة إِلَى السماع خوفًا من التَّدْلِيس والتلبيس وَلِهَذَا كَانَ شُعْبَة يَقُول إِنِّي لأنظر إِلَى فَم قَتَادَة فَإِن قَالَ سَمِعت كتبت وَإِن قَالَ عَن فلَان لم أكتب (3) وَذَلِكَ لأَنهم (4) رُبمَا كتبُوا ودلسوا بالعنعنة فَإِذا روى ذَلِك الْكتاب إجَازَة توهم الرَّاوِي عَنهُ أَن العنعنة سَماع وَلَا أسمع مِنْهُ الحَدِيث لحرى (5) فَبين أَو سُئِلَ فالجيء إِلَى التَّبْيِين وَهَذَا بِخِلَاف مَا بعد تدوين الْكتب فِي علم الْمَتْن والسند فَإِن فَائِدَة الرِّوَايَة إِذا إِنَّمَا هِيَ اتِّصَال سلسلة الْإِسْنَاد بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تبركا وتيمنا وَإِلَّا فالحجة تقوم بِمَا فِي السّنَن وَنَحْوهَا وَيعرف الْقوي والضعيف والنقلة من كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَلما ذكرته من الْفرق بَين العصرين كَانَ المتقدمون لَا يروون حَدِيثا إِلَّا مُسْندًا ويسمون مَا لَيْسَ بِمُسْنَد تَعْلِيقا

ص: 514

وَصَارَ الْمُتَأَخّرُونَ يصيغون كتب الْأَحْكَام وَنَحْوهَا محذوفة الْأَسَانِيد إِحَالَة على مَا قَرَّرَهُ الْأَولونَ واتفاقا فَإِن هَؤُلَاءِ الْمُحدثين (1) يصححون السماع على عَامي لَا يعرف معنى مَا يسمع خُصُوصا إِذا عمر وَبعد عَهده بِسَمَاع مَا سمع فَإِنَّهُ قد ينسى وَلَا يعرف [أَنه](2) قد سَمعه إِلَّا بِوُجُود اسْمه فِي الطَّبَقَة فَأَي فرق بَين السماع على مثل هَذَا وَبَين أَن يَقُول أجزت لَك أَن تروي عني الْكتاب

وَإِذ قد بَان مَا ذكرته أَن فَائِدَة الرِّوَايَة بعد تدوين السّنَن إِنَّمَا هُوَ اتِّصَال السَّنَد وسلسلة الرِّوَايَة وَذَلِكَ حَاصِل بِالْإِجَازَةِ فَوَجَبَ أَلا يكون بَين الْإِجَازَة و [بَين](3) السماع فرق نعم لَو أتفق شيخ حاذق بِعلم الحَدِيث وفوائده كَانَت الرِّوَايَة (أ / 174) سَمَاعا أولى لما يُسْتَفَاد مِنْهُ وَقت السماع لَا لقُوَّة رِوَايَة السماع على الْإِجَازَة لِأَن تِلْكَ الْفَائِدَة تنفك عَن الرِّوَايَة بِدَلِيل مَا لَو قرئَ عَلَيْهِ الحَدِيث بحثا تفقها لَا رِوَايَة وَالله أعلم (4) انْتهى

وَنَحْوه مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن ميسر الْمَالِكِي (5) من أَن الْإِجَازَة على وَجههَا خير وَأقوى من السماع الرَّدِيء حَكَاهُ الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الوجازة

321 -

(قَوْله) فِي الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم عَن جمَاعَة كثيرين

ص: 515

وَفَاته أَن أَبَا جَعْفَر بن الْبَدْر الْكَاتِب (1) جمع جُزْءا فِيمَن أجَاز هَذِه الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم على حُرُوف المعجم لكثرتهم وَمِمَّنْ أجازها أَحْمد بن الْحُسَيْن بن خيرون الْبَغْدَادِيّ (2) وَأَبُو الْوَلِيد بن رشد الْمَالِكِي (3) وَرجحه أبن الْحَاجِب (4) وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي زيادات الرَّوْضَة إِنَّه الصَّحِيح (5) وَاحْتج بَعضهم عَلَيْهَا بقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم بلغو عني الحَدِيث (6)

ص: 516

وَبِمَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات حَدثنَا عَفَّان (1) ثَنَا حَمَّاد (2) ثَنَا عَليّ بن زيد بن جدعَان (3) عَن أبي رَافع (4) أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما احْتضرَ قَالَ من أدْرك زماني من سبي الْعَرَب فَهُوَ حر من مَال الله (5)

322 -

(قَوْله) وأنبأني من سَأَلَ الْحَازِمِي (5 6 فَأجَاب هَذَا مِمَّا وَقع فِي كَلَام الْمُتَأَخِّرين وَلم أر فِي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين من ذَلِك

ص: 517

شَيْئا غير أَن نَفرا من الْمُتَأَخِّرين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ وَلم يرَوا بهَا باسا وَرَأَوا أَن التَّخْصِيص والتعميم فِي هَذَا سَوَاء وَقَالَ مَتى عدم السماع الَّذِي هُوَ مضاه للشَّهَادَة فَلَا معنى للتعيين قَالَ وَمن أدْركْت من الْحفاظ نَحْو أبي الْعَلَاء (1) وَغَيره كَانُوا يميملون إِلَى الْجَوَاز وَفِيمَا كتب إِلَيْنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي من الْإسْكَنْدَريَّة فِي بعض مكاتباته أجَاز لأهل بلدان عدَّة مِنْهَا بَغْدَاد وواسط وهمدان وأصبهان وزنجان وعَلى الْجُمْلَة فالتوسع فِي هَذَا الشَّأْن غير مَحْمُود فمهما أمكن الْعُدُول عَنهُ إِلَى غير هَذَا الِاصْطِلَاح أَو تهَيَّأ تأكيده بمتابع لَهُ سَمَاعا أَو إجَازَة خَاصَّة كَانَ ذَلِك أَحْرَى وَإِن ألحت الضَّرُورَة من يُرِيد تَخْرِيج حَدِيث فِي بَاب لم يجد مسلكا سواهُ استخار الله تَعَالَى وَجوز أَلْفَاظه نَحْو أَن يَقُول أَخْبرنِي فلَان إجَازَة عَامَّة أَو فِيمَا أجَاز لمن أدْرك حَيَاته أَو يَحْكِي لفظ الْمُجِيز فِي الرِّوَايَة فيتخلص من غوائل (د / 99) التَّدْلِيس والتشبع بِمَا لم يُعْط وَيكون مقتديا وَلَا يعد مقترفا هَذَا كَلَام الْحَازِمِي

323 -

(قَوْله) قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (13 14 الرِّوَايَة بهَا وَهَذَا يَقْتَضِي تصحيحها وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة لَهَا (2)

ص: 518

يُرِيد أَن فَائِدَة الْإِجَازَة الرِّوَايَة بهَا فَإِذا لم تسْتَعْمل فَأَي فَائِدَة لجوازها لَكِن هَذَا لَا يتنافى مَعَ كَلَام ابْن الصّلاح لِأَنَّهُ لم يدع عدم الْجَوَاز بل ذكر أَنه لم يسمع وُقُوع ذَلِك وَحجَّة الْجَوَاز على مَا ذكره النَّوَوِيّ لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع وَقد وَقعت وَلم يبلغ ابْن الصّلاح ويساعد مَا قَالَه مَا رَأَيْته فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَهُوَ بِخَط الْحَافِظ فَقَالَ وسئلت عَن الْإِجَازَة الْعَامَّة وَالرِّوَايَة بهَا فقد روى بهَا غير وَاحِد من الْحفاظ (أ / 175) وجوزوها وَلست أرى الرِّوَايَة بهَا وَلَا التعريج عَلَيْهَا انْتهى

وَقد حكى ابْن دحْيَة أَن الْحَافِظ السلَفِي حدث عَن ابْن خيرون بهَا وَابْن دحْيَة حدث بهَا فِي تصانيفه عَن أبي الْوَقْت (1) والسلفي وَأَبُو الْحسن الشَّيْبَانِيّ القفطي (2)

ص: 519

حدث فِي كتاب تَارِيخ النُّحَاة (1) عَن السلَفِي بهَا وَعَن الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ أَنه دَعَا النَّاس إِلَى قِرَاءَة البُخَارِيّ على أبي الْعَبَّاس ابْن (2) بِالْإِجَازَةِ فَسَمعهُ عَلَيْهِ خلق كثير وَكَذَا الْحَافِظ الدمياطي حدث بإجازته الْعَامَّة من الْمُؤَيد الطوسي (3) وَسمع بهَا الْحفاظ الْمزي والذهبي والبرزالي على الرُّكْن الطاووسي (4) بإجازته الْعَامَّة من أبي جَعْفَر الصيدلاني (5) وَغَيره

324 -

(قَوْله) أَو يَقُول أجزت لفُلَان أَن يروي عني (6) كتاب الْمسند وَهُوَ يروي جمَاعَة من كتب (7) الْمسند الْمَعْرُوفَة بذلك ثمَّ لَا يعين هَذِه إجَازَة

ص: 520

فَاسِدَة (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبل وَإِن شَاءَ لم يقبل لتوقف تَمام البيع على

ص: 521

قبُوله وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْإِجَازَة فَإِنَّهَا لَا تتَوَقَّف على الْقبُول فَلَا يكون قَوْله أجزت لمن شَاءَ الرِّوَايَة تَعْلِيقا لِأَن قبل مَشِيئَة الرِّوَايَة لَا يكون مجَازًا أَو بعد مشيئتها يكون وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق وتجهيل (1) وَذَلِكَ مُبْطل وَنَظِيره من الْوكَالَة وكلته فِي بيع هَذِه الْعين لمن شَاءَ أَن يقبلهَا (2) وَإِذا بَطل فِي الْوَصِيَّة مَعَ احتمالها مَالا يحْتَمل فِي غَيرهَا فَلِأَن يبطل فِي هَذِه أولى نعم نَظِير فرع البيع أَن يَقُول أجزتك إِن شِئْت على معنى أَن تروي إِذا شِئْت وَذَلِكَ صَحِيح لما بَيناهُ

326 -

(قَوْله) أما إِذا قَالَ أجزت لفُلَان كَذَا إِن شَاءَ أَو لَك إِن شِئْت فَالْأَظْهر جَوَازه (9 10 11 12) إِلَى آخِره

ص: 522

وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا فالشافعي نَفسه أجَازه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي وَصيته (أ / 176) المكتتبة فِي الْأُم فأوصى فِيهَا أوصياء على أَوْلَاده الْمَوْجُودين وَمن يحدثه الله تَعَالَى لَهُ من الْأَوْلَاد

328 -

(قَوْله) قَالَ الْخَطِيب سَأَلت القَاضِي أَبَا الطّيب عَن الْإِجَازَة للطفل الصَّغِير هَل يعْتَبر فِي صِحَّتهَا سنه أَو تَمْيِيزه إِلَى آخِره

وَهَذِه المسالة منصوصة للشَّافِعِيّ فِيمَا سبق عَن الْحَافِظ السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع أَن الشَّافِعِي أَتَاهُ رجل يطْلب الْإِجَازَة [لِابْنِهِ فَقَالَ كم لابنك قَالَ سِتّ سِنِين قَالَ لَا يجوز الْإِجَازَة](1) لَهُ حَتَّى [يبلغ](2) لَهُ سبع سِنِين (3)

قَالَ ابْن زبر (4) وَهُوَ مَذْهَب فِي الْإِجَازَة قَالَ السلَفِي وَالَّذِي أدركنا (5) عَلَيْهِ الشُّيُوخ فِي الْبِلَاد والحفاظ أَن الْإِجَازَة تصح لمن يجاز لَهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا

329 -

(قَوْله) فِي السَّادِس يَنْبَغِي بِنَاؤُه على أَن الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار بالمجاز جملَة أَو هِيَ إِذن إِلَى آخِره

وَفِيه أَمْرَانِ

أَحدهمَا مَا صَححهُ من بطلَان هَذِه الْإِجَازَة قَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه

ص: 523

الصَّوَاب (1)

الثَّانِي تنظيره بِبيع الَّذِي سيملكه (2) لَيْسَ بجيد (3) بل نَظِيره أَن يُوكل فِي بيع مَا ملكه وَمَا سيجري فِي ملكه وَحِينَئِذٍ تقرب الصِّحَّة فِي الْإِجَازَة على قِيَاس مَا سبق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَقد خرجها ابْن أبي الدَّم على مَسْأَلَة الْوكَالَة فِي البيع وَفِيمَا إِذا وَكله فِي عتقه إِذا اشْتَرَاهُ وَفِي طَلَاق زَوجته الَّتِي يُرِيد أَن يَتَزَوَّجهَا وَالْخلاف فِي الْكل مَوْجُود

330 -

(قَوْله) وَأما إِذا قَالَ أجزت لَك مَا صَحَّ وَيصِح عنْدك من مسموعاتي (7 8 9 10 11 12 13 لِأَن الْغَرَض من العبارتين تَجْوِيز رِوَايَة مَا جَازَ رِوَايَته عِنْد الْأَدَاء وَلَا يُقَال

ص: 524

هَذَا تَوْكِيل بِمَا لم يملك لِأَن الرِّوَايَة غير التَّوْكِيل فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَة إِذن بالإخبار عَن الْمُجِيز بِمَا صَحَّ رِوَايَة (3 4 5) انْتهى

وَأَشَارَ بِهِ [إِلَى](1) عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي (2) أحد شُيُوخ ابْن الْجَوْزِيّ فَكَانَ لَا يجوزها (3) وَجمع [فِي](4) ذَلِك جُزْءا وَكَانَ من خِيَار أهل (د / 100) الحَدِيث وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة ضَعِيفَة فيقوى الضَّعِيف باجتماع (5) الإجازتين وَيَنْبَغِي أَن يكون الْخلاف عِنْد الِاسْتِقْلَال أما لَو جعله تَابعا للمسموع فَلَا يَأْتِي الْخلاف كَمَا سبق نَظِيره فِي الْإِجَازَة للْحَمْل وَنَحْوه

ص: 525

وَبَقِي من الْأَنْوَاع الَّتِي لم يذكرهَا المُصَنّف الْإِذْن فِي الْإِجَازَة مثل أَن يَقُول لَهُ أَذِنت لَك أَن تجيز عني من شِئْت وَقد وَقع ذَلِك فِي عصرنا وَالظَّاهِر فِيهِ الصِّحَّة (3) كَمَا لَو قَالَ وكل عني وَيكون مجَازًا من جِهَة الْإِذْن وينعزل الْمَأْذُون لَهُ (أ / 177) فِي أَن يُجِيز بِمَوْت الْآذِن قبل الْإِجَازَة كَمَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بِمَوْت الْمُوكل وَإِذا قَالَ أجزت لَك أَن تجيز عني فلَانا كَانَ أولى بِالْجَوَازِ من أَذِنت أَن تجيز عني من شِئْت وَقد ذكر ابْن الصّلاح نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قسم (2) الْكِتَابَة وَسَتَأْتِي

وَمِنْهَا الْإِجَازَة لمن لَيْسَ لَهَا أَهلا إِذْ ذَاك وَهُوَ يَشْمَل صورا مِنْهَا الصَّبِي فِي آخر الْمَعْدُوم وَمِنْهَا الْمَجْنُون وَهِي صَحِيحَة ذكرهَا الْخَطِيب (4)

وَمِنْهَا الْإِجَازَة للْحَمْل وَلم أر من ذكرهَا غير أَن الْخَطِيب قَالَ لم نرهم أَجَازُوا لمن لم يكن مولودا فِي الْحَال (5) وَلم يتَعَرَّض لكَونه إِذا وَقع يَصح أم لَا وَلَا شكّ أَنه أولى بِالصِّحَّةِ من الْمَعْدُوم (6) وَيشْهد لَهُ تصحيحهم الْوَصِيَّة للْحَمْل وَإِيجَاب النَّفَقَة على الْأَب لأمه الْمُطلقَة تَنْزِيلا لَهَا منزلَة الْمَوْجُود وَيحْتَمل بِنَاؤُه على أَن الْحمل يعلم أم لَا فَإِن قُلْنَا يعلم صحت الْإِجَازَة لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا يعلم فَهُوَ كالإجازة للْمَجْهُول يجْرِي فِيهِ الْخلاف لَكِن قد يفرق بَان الْمَجْهُول مَوْجُود قطعا

ص: 526

أما الْإِجَازَة لَهُ تبعا لِأَبَوَيْهِ فَلَا شكّ فِيهِ

وَمِنْهَا الْكَافِر وَقد سبق أَن تحمله صَحِيح وَلم يتَعَرَّضُوا لحكم الْإِجَازَة لَهُ وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة زمن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي وَذَلِكَ أَن شخصا من الْأَطِبَّاء يُقَال لَهُ ابْن عبد السَّيِّد سمع الحَدِيث فِي حَال يَهُودِيَّته على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الصُّورِي (1) وَكتب اسْمه فِي طبقَة سَماع السامعين وَأَجَازَ ابْن عبد الْمُؤمن لمن سمعهم وَهُوَ من جُمْلَتهمْ وَكَانَ السماع وَالْإِجَازَة بِحُضُور الْمزي وَبَعض السماع بقرَاءَته وَلَوْلَا أَنه رأى الْجَوَاز لأنكره ثمَّ هدى الله ابْن عبد السَّيِّد الْمَذْكُور لِلْإِسْلَامِ ثمَّ حدث

وَمِنْهَا الْإِجَازَة لِلْفَاسِقِ والمبتدع وَالظَّاهِر جَوَازهَا وَأولى من الْكَافِر (2)

332 -

(قَوْله) روينَا عَن أبي الْحُسَيْن ابْن فَارس (9 10 عبد الله مُحَمَّد بن سعيد (3) بن الْحجَّاج (4) فِي جُزْء الْإِجَازَة

ص: 527

معنى ثَالِثا غير مَا حاوله المُصَنّف فَقَالَ هِيَ مصدر أجزت أُجِيز إجَازَة واشتقاقها من الْمجَاز فَكَأَن الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع هُوَ فِي الْحَقِيقَة فِي بَاب الرِّوَايَة وَمَا عداهُ مجَاز وَالْأَصْل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عمل (1) عَلَيْهِ (2)

فَائِدَة جرت عَادَتهم فِي الاستجازة أَن يَقُولُوا (3) المسموع (4) من الْعَام الْمَشَايِخ (5) أَن يجيزوا لفُلَان وَفُلَان مَا صَحَّ عِنْدهم من مسموعاتهم فَالضَّمِير فِي عِنْدهم مُتَرَدّد بَين أَنه للمشايخ أَو للْجَمَاعَة المستجيزين وَهُوَ لَهُم دون الْمَشَايِخ لِأَن الْمَشَايِخ قد صَحَّ عِنْدهم مَا أجازوه وَإِنَّمَا المُرَاد مَا صَحَّ عِنْد المستجيزين أَنه رِوَايَة الْمَشَايِخ جَازَ لَهُم أَن يرووه

فَائِدَة أُخْرَى كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد لَا يُجِيز رِوَايَة مسموعاته كلهَا بل يُقَيِّدهُ بِمَا حدث بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يشك فِي بعض مسموعاته فَلم يحدث بِهِ وَلم يجزه وَهُوَ سَمَاعه على ابْن المقير (6) فَمن حدث عَنهُ بإجازته غير مَا

ص: 528

حدث بِهِ من مسموعاته فَهُوَ غير صَحِيح (1)

333 -

(قَوْله) إِنَّمَا تستحسن الْإِجَازَة إِذا كَانَ الْمُجِيز عَالما (3 4 5 6 7 8 9 10 11 لهَذَا (6) انْتهى

ص: 529

وَفِي هَذَا الشَّرْط نوع تضييق منَاف لما جوز لَهُ الْإِجَازَة وَهُوَ التَّوسعَة وَبَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد على أَن هَذَا الشَّرْط لَا معنى لَهُ فَإِن الْمجَاز لَهُ لَا يروي إِلَّا عَن أصل سَوَاء كَانَ الْمُجِيز إِسْنَاده مُشكلا أم لَا وَقَرِيب مِنْهُ مَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة قَالَ مَذْهَب أَحْمد بن صَالح أَنه إِذا قَالَ للطَّالِب أجزت لَك أَن تروي عني مَا شِئْت من حَدِيثي لَا يَصح ذَلِك دون أَن يدْفع إِلَيْهِ أُصُوله أَو فروعا كتبت مِنْهَا وَنظر فِيهَا وصححها (1) انْتهى

وَقد توَسط القَاضِي أَو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَقَالَ - فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن الطرطوشي (2) عَنهُ - الْإِجَازَة على قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يَسْتَدْعِي الْمُجِيز الْإِجَازَة للْعَمَل وَالثَّانِي أَن يستدعيها للرواية

فَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة ليعْمَل بِمَا يكْتب بِهِ إِلَيْهِ فَيجب أَن يكون من أهل الْعلم بذلك والفهم بِاللِّسَانِ وَإِلَّا لم يحل لَهُ الْأَخْذ بِهِ وَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة للرواية خَاصَّة فَيجب أَن يكون من أهل الْمعرفَة بِالنَّقْلِ وَالْوُقُوف على أَلْفَاظ مَا أُجِيز لَهُ ليسلم من التَّصْحِيف والتحريف وَمن لم يكن عَارِفًا بِشَيْء من ذَلِك وَإِنَّمَا يُرِيد علو الْإِسْنَاد بِالْإِجَازَةِ فَفِي الْإِجَازَة ضعف (3) انْتهى

وَقد سُئِلَ الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي عَن الشَّيْخ إِذا كَانَ خَالِيا من الْعلم وَلَا يعرف شُرُوط الْإِجَازَة هَل تصح الْإِجَازَة أم لَا فَأجَاب أصل الْإِجَازَة مُخْتَلف فِيهِ وَمن أجازها فَهِيَ قَاصِرَة عَن رُتْبَة السماع وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَلا تجوز من كل

ص: 530

[من](1) يجوز مِنْهُ السماع وَإِن يترخص مترخص وجوزها من كل من يجوز مِنْهُ السماع فَأَقل مَرَاتِب الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَعْنى الْإِجَازَة الْعلم الإجمالي من أَنه روى شَيْئا وَأَن معنى إِجَازَته لغيره إِذْنه لذَلِك الْغَيْر فِي رِوَايَة ذَلِك الشَّيْء عَنهُ بطرِيق الْإِجَازَة الْمَعْهُودَة من أهل هَذَا الشَّأْن لَا الْعلم التفصيلي بِمَا روى وَبِمَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْإِجَازَة وَهَذَا الْعلم الإجمالي حَاصِل بِمَا رَأَيْنَاهُ من عوام الروَاة فَإِن انحط راو فِي الْفَهم عَن هَذِه الدرجَة وَلَا أخال أحدا ينحط عَن إِدْرَاك هَذَا إِذا عرف بِهِ فَلَا أَحْسبهُ أَهلا لِأَن يتَحَمَّل عَنهُ بِإِجَازَة وَلَا سَماع قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ من التَّوَسُّع فِي الْإِجَازَة هُوَ طَرِيق الْجُمْهُور وَقد رأى بعض النَّاس الْأَمر فِيهَا أضيق من ذَلِك وَقَالَ لَا بُد فِي الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَا يُجِيز وَحكى مَا سبق عَن مَالك وَابْن عبد الْبر

334 -

(قَوْله)(أ / 179)(د / 101) يَنْبَغِي للمجيز إِذا كتب (11 12)

ص: 531

قد أنكر بعض الْأُصُولِيِّينَ إِفْرَاد المناولة عَن الْإِجَازَة وَقَالَ هِيَ رَاجِعَة إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن سعيد (1) هِيَ [فِي](2) مَعْنَاهَا لَكِن يفترقان فِي أَن المناولة تفْتَقر إِلَى مشافهة الْمُجِيز للمجاز لَهُ وحضوره قَالَ وَمِمَّنْ رأى اسْتِعْمَالهَا مَالك وَغَيره وَقد اسْتدلَّ الْحَاكِم على صِحَة المناولة بِغَيْر قِرَاءَة بِمَا أسْندهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى مَعَ عبد الله بن حذافة وَأمره أَن يَدْفَعهُ (3) إِلَى عَظِيم الْبَحْرين ويدفعه عَظِيم الْبَحْرين إِلَى كسْرَى (4)

336 -

(قَوْله) وَهِي أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة (7 8 فَقَالَ الظَّاهِر أَنَّهَا أَخفض من الْإِجَازَة

ص: 532

لِأَن أقل درجاتها أَنَّهَا إجَازَة مَخْصُوصَة فِي كتاب بِعَيْنِه بِخِلَاف الْإِجَازَة (1)

337 -

(قَوْله) مِنْهَا أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فرعا مُقَابلا بِهِ (3 4 5 6 7 8 للسماع لَكِن فِي الْقنية (4) من كتب الْحَنَفِيَّة إِذا أعطَاهُ الْمُحدث الْكتاب وَأَجَازَ لَهُ مَا

ص: 533

فِيهِ وَلم يسمع ذَلِك مِنْهُ وَلَا يعرفهُ فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز رِوَايَته (1)

الثَّانِي مَا نَقله عَن الْحَاكِم عَن الْمُتَقَدِّمين من تنزيلها منزلَة السماع معَارض بِمَا أسْند الرامَهُرْمُزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس (2) قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن أصح السماع فَقَالَ قراءتك على الْعَالم - أَو قَالَ الْمُحدث - ثمَّ قِرَاءَة الْمُحدث عَلَيْك ثمَّ أَن يدْفع إِلَيْك كِتَابه فَيَقُول أرو هَذَا عني (3) انْتهى وَهَذَا تَصْرِيح من مَالك بانحطاط دَرَجَة المناولة عَن الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَقِرَاءَة الشَّيْخ على الطَّالِب

وعمدة الْحَاكِم فِي ذَلِك مَا أسْندهُ عَن ابْن أبي أويس قَالَ سُئِلَ مَالك عَن حَدِيث أسماع هُوَ فَقَالَ مِنْهُ سَماع وَمِنْه عرض وَلَيْسَ الْعرض عندنَا بِأولى من السماع (4) وَهَذَا يُمكن حمله على عرض القرءة وَفِي رِوَايَة الرمهرمزي مَا يَقْتَضِي (5) تَسْمِيَة عرض المناولة سَمَاعا لِأَن التَّرْتِيب جَوَاب عَن أصح

ص: 534

السماع وَكَأن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المحكي عَنْهُم جوزوا الرِّوَايَة بهَا إِلَّا أَنهم نزلوها منزلَة السماع فِي كل شَيْء (1)

339 -

(قَوْله) وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْعرض (3 4 5 6 7 8 الْمسند وَلأبي طَالب مناولة (7)

ص: 535

وَقَالَ أَبُو الْيَمَان (1) جَاءَنِي أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ كَيفَ تحدث عَن شُعَيْب (2) فَقلت بَعْضهَا قِرَاءَة وَبَعضهَا أخبرنَا (3) وَبَعضهَا مناولة فَقَالَ قل فِي كل أخبرنَا وَمِمَّا احْتج بِهِ الْحَاكِم بقوله صلى الله عليه وسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من سَمعهَا (4)

ص: 536

وَقَوله تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم (1)

وَهَذَا لَا يَقْتَضِي امْتنَاع تَنْزِيل المناولة على مَا تقدم منزلَة السماع فِي الْقُوَّة

340 -

(قَوْله) وَقد صَار غير وَاحِد من الْفُقَهَاء الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا لَا أثر لَهَا (4 5 6 7 8 9 آخِره هَذَا اسْتِدْرَاك

ص: 537

حسن وَقد روى الْخَطِيب عَن الزُّهْرِيّ مَا يساعده وَمَا عداهُ (1)(2) قد أسْندهُ الْخَطِيب إِلَى مَالك رضي الله عنه (3)

341 -

(قَوْله) الثَّانِي المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة إِلَى قَوْله وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين من الْمُحدثين (1 2 3 4 5 من الْأُصُولِيِّينَ وَقد

ص: 538

خالفهم كثير من الْأَصْحَاب مِنْهُم ابْن الصّباغ وَلذَلِك لم يشْتَرط الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول الْإِذْن بل وَلَا المناولة فَقَالَ إِذا أَشَارَ الشَّيْخ إِلَى كتاب فَقَالَ هَذَا سَمَاعي من فلَان جَازَ لمن سَمعه أَن يرويهِ عَنهُ سَوَاء نَاوَلَهُ أم لَا خلافًا لبَعض الْمُحدثين وَسَوَاء قَالَ لَهُ اروه عني أم لَا (1) وَقد قَالَ ابْن الصّلاح بعد هَذَا إِن الرِّوَايَة بهَا ترجح على الرِّوَايَة بِمُجَرَّد إِعْلَام الشَّيْخ لما فِيهِ من المناولة فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو من إِشْعَار بِالْإِذْنِ فِي الرِّوَايَة (2) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين هَذَا السنح (3) من المناولة قريب من السماع من الشَّيْخ بِقِرَاءَة غير الشَّيْخ مَعَ عدم الْإِذْن بالرواية لِأَن هَذِه المناولة مُشَاركَة مَعَ ذَلِك السماع فو كَونهمَا من مسموعات الشَّيْخ الَّذِي يجوز لَهُ رِوَايَة ذَلِك الحَدِيث وَإِذا صَحَّ عِنْد الرَّاوِي بِأَن هَذَا من مسموعات فلَان فَيَقُول أروي عَن فلَان فَإِنَّهُ يروي عَن نُسْخَة فلَان إِلَى منتهاه

342 -

(قَوْله) حكى قوم أَنهم جوزوا إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الرِّوَايَة بالمناولة وَالْإِجَازَة (12 13 14 15 الشرق إِظْهَار السماع

ص: 539

وَالْإِجَازَة وتمييز أَحدهمَا عَن الآخر بِلَفْظ لَا إِشْكَال فِيهِ وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول الأَصْل التَّاسِع وَالسِّتِّينَ والمائتين يجوز إِطْلَاق أَخْبرنِي وحَدثني فِي الْإِجَازَة وَالْمُكَاتبَة وَيدل لَهُ قَوْله تَعَالَى (د / 102){من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} (1) وَإِنَّمَا صَار نبأ وخبرا لوصول علم ذَلِك إِلَيْهِ فَكَذَلِك يجوز لَهُ أَن يَقُول حَدثنِي لِأَنَّهُ قد أحدث إِلَيْهِ الْخَبَر سَوَاء حدث شفاها أَو بِكِتَاب أَو بمناولة قَالَ وَلَيْسَ للممتنع أَن يمْتَنع من هَذَا تورعا ويتفقد الْأَلْفَاظ مستقصيا فِي تحري الصدْق قَوْله حَدثنِي وَأَخْبرنِي وَيَزْعُم أَنه يمْتَنع من ذَلِك حَتَّى يحدث شفاها فَيقْرَأ رجل قَلِيل الْمعرفَة باللغة يتَوَهَّم أَن أَخْبرنِي وحَدثني يَقْتَضِي الشفاه وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مَدْلُول التحديث لُغَة إِلْقَاء الْمعَانِي إِلَيْك سَوَاء أَلْقَاهُ لفظا أَو كتابا وَقد سمى الله تَعَالَى الْقُرْآن حَدِيثا (2) حدث بِهِ الْعباد وخاطبهم وكل مُحدث أحدث إِلَيْك شفاها أَو بِكِتَاب فقد حَدثَك بِهِ وَأَنت صَادِق فِي قَوْلك حَدثنِي وسمى الَّذِي يحدث فِي الْمَنَام حَدِيثا وَقَالَ تَعَالَى {ولنعلمه من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} (3) انْتهى (4)

343 -

(قَوْله) وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو نعيم يُطلق حَدثنَا فِيمَا يرويهِ فِي الْإِجَازَة (14 الضُّعَفَاء أَبَا نعيم وَحكى عَن أبي بكر

ص: 540

الْخَطِيب فِيمَا حَكَاهُ ابْن طَاهِر رَأَيْت لأبي نعيم أَشْيَاء يتساهل فِيهَا مثل أَن يَقُول فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير أَن يُبينهُ (1) قَالَ ابْن دحْيَة سخم (2) الله وَجه من يذكر مثل أبي نعيم الإِمَام عَالم الدُّنْيَا وَقد صَحَّ عَن ابْن وهب أَنه قَالَ كنت عِنْد مَالك

ص: 541

ابْن أنس فَجَاءَهُ رجل يحمل موطأه [فِي](1) كسائه فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَذَا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي [فَقَالَ قد فعلت](2) قَالَ فَكيف أَقُول حَدثنَا أَو أخبرنَا فَقَالَ لَهُ مَالك قل أَيهمَا شِئْت (3) انْتهى وَحكى الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان كَلَام الْخَطِيب ثمَّ قَالَ هَذَا مَذْهَب رَوَاهُ أَبُو نعيم وَغَيره وَهُوَ ضرب من التَّدْلِيس (4) انْتهى على أَنه قد نوزع من ادّعى على أبي نعيم ذَلِك بِأَنَّهُ (5) إِنَّمَا يَفْعَله نَادرا فَإِنَّهُ كثيرا مَا يَقُول كتب إِلَيّ جَعْفَر الْخُلْدِيِّ (6) وَكتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس

ص: 542

الْأَصَم (1) وَأخْبرنَا أَبُو الميمون بن رَاشد (2) فِي كِتَابه وَلكنه يَقُول أخبرنَا عبد الله ابْن جَعْفَر (3) فِيمَا قرئَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَن هَذَا إجَازَة وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ هَذَا لَا ينقصهُ شَيْئا إِذْ أَبُو نعيم يَقُول فِي مُعظم تصانيفه أخبرنَا فلَان إجَازَة وعَلى تَقْدِير أَنَّهَا تطلق فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير تعْيين فَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْعلمَاء كَابْن جريج وَغَيره وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأهل الْمَدِينَة فَلَا يبعد أَن يكون مذهبا لَهُ أَيْضا (4)

344 -

(قَوْله) وروينا عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ الَّذِي أختاره إِلَى آخِره

وَفِيه إِبْهَام (7 8 9)

ص: 543

قلت يُشِير إِلَى قَول الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الْإِجَازَة بَلغنِي عَن الْخطابِيّ أَنه قَالَ حكم الْإِجَازَة أَن يَقُول فِيهَا أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ كَأَنَّهُ جعل دُخُول أَن دَلِيلا على الْإِجَازَة فِي مَفْهُوم اللُّغَة وَغَابَ عني إِذا اخْتِيَار الْخطابِيّ أَنه حَكَاهُ عَن غَيره وَقد تأملته فَلم أجد لَهُ وَجها صَحِيحا لِأَن أَن الْمَفْتُوحَة الَّتِي اشترطها الْخطابِيّ أَصْلهَا التَّأْكِيد وَمعنى أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ أَي بِأَن فلَانا حَدثهُ فدخول الْبَاء أَيْضا للتَّأْكِيد وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا صَارَت اسْما فَإِن صَحَّ عَنهُ هَذَا الْمَذْهَب كَانَت الْإِجَازَة أقوى من السماع لِأَنَّهُ خبر قارنه التَّأْكِيد وَهَذَا لَا يَقُوله أحد (1) انْتهى

قلت قد سبقت حكايته عَن قوم وعَلى أَن مَا حَكَاهُ عَن الْخطابِيّ قيل إِن القَاضِي عِيَاض حَكَاهُ عَن اخْتِيَار أبي حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ وَأنْكرهُ بَعضهم وَحقه أَن يُنكر فَلَا معنى لَهُ يتفهم مِنْهُ المُرَاد وَلَا اُعْتِيدَ هَذَا الْوَضع فِي الْمَسْأَلَة لُغَة وَلَا عرفا وَلَا اصْطِلَاحا (2)

346 -

(قَوْله) فِي الْمُكَاتبَة أجَاز الرِّوَايَة بهَا غير وَاحِد من الشافعيين

ص: 544

قلت مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني والمحاملي وَصَاحب الْمَحْصُول (1)

347 -

(قَوْله) وأبى ذَلِك آخَرُونَ

قلت مِنْهُم الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى (2) وَقَالَ السَّيْف الْآمِدِيّ لَا يرويهِ إِلَّا بتسليط من الشَّيْخ كَقَوْلِه فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته (3)

وَذهب ابْن الْقطَّان إِلَى انْقِطَاع الرِّوَايَة بالمكاتبة قَالَه عقب حَدِيث جَابر بن سَمُرَة الْمَذْكُور فِي مُسلم (4) ورد عَلَيْهِ أَبُو عبد الله (5) ابْن الْمواق (6) فِي كِتَابه بغية النقاد (7)

ص: 545

وَوَقع فِي صَحِيح مُسلم أَحَادِيث رويت كِتَابَة فَوق الْعشْرَة وَاخْتلف الْعلمَاء أَيْضا فِي اتِّصَال ذَلِك قَالَ القَاضِي عِيَاض وَالْجُمْهُور على الْعَمَل بذلك وعدوه مُتَّصِلا وَذَلِكَ بعد ثُبُوت صِحَّتهَا عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب كاتبها (1)

348 -

(قَوْله) ثمَّ يَكْفِي فِي ذَلِك أَن يعرف الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب (5 6 7 8 9 10 11 12 13 انتفعتم بجلدها (5) يَعْنِي

ص: 546

الشَّاة الْميتَة فَقَالَ إِسْحَاق حَدِيث ابْن عكيم (1) كتب إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل مَوته بِشَهْر لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب (2) أشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة (أ / 183) لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا كتاب وَذَاكَ سَماع فَقَالَ

ص: 547

إِسْحَاق إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَكَانَ حجَّة عَلَيْهِم فَسكت الشَّافِعِي (1)

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي كَانَ وَالِدي رحمه الله يَحْكِي عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي الْحسن الْمَقْدِسِي الْمَالِكِي (2) أَنه كَانَ يرى أَن حجَّة الشَّافِعِي بَاقِيَة يُرِيد لِأَن الْكَلَام فِي التَّرْجِيح بِالسَّمَاعِ وَالْكتاب وَلَا فِي إبِْطَال الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب يَعْنِي فَلم يكن لقَوْل إِسْحَاق [إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتب](3) إِلَى آخِره معنى لِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (4)

ص: 548

349 -

(قَوْله) وَقطع بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الطوسي (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 إِذْ لَيْسَ هُوَ نَظِير

ص: 549

الرِّوَايَة لِأَن الرِّوَايَة لَا تتَوَقَّف فِي مجْلِس الحكم فَإِنَّهَا شرع عَام وَإِنَّمَا يَصح التنظير إِذا سَمعه فِي مجْلِس الحكم فَإِن الشَّهَادَة حِينَئِذٍ مُؤثرَة وَذَلِكَ نَظِير قَول الرَّاوِي أرويه عَن فلَان فَإِنَّهُ مُؤثر فِي إِيجَاب الْعَمَل مَعَ الثِّقَة وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح الاستشهاد لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط إِذن الأَصْل فِي هَذِه الْحَالة فَظهر أَن إِلْحَاق الرِّوَايَة بِالشَّهَادَةِ فِي هَذِه الصُّورَة يَقْتَضِي جَوَاز الرِّوَايَة بهَا من غير إِذن عكس مَقْصُود المُصَنّف وَأَيْضًا فَالْفرق بَينهمَا وَاضح فَإِن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة نِيَابَة (1) فَاعْتبر فِيهَا الْإِذْن وَلِهَذَا لَو قَالَ بعد التَّحَمُّل لَا تُؤَد عني امْتنع عَلَيْهِ الْأَدَاء بِخِلَاف الرِّوَايَة

وَقد احْتج الْخَطِيب وَغَيره للْجُوَاز بِالْقِيَاسِ على الشَّهَادَة فِيمَا إِذا سمع الْمقر (2) يقر بِشَيْء لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَهَذَا أصح من قِيَاس المُصَنّف وَحصل بذلك أَن الْمُعْتَمد الْجَوَاز (3)

350 -

(قَوْله) فِي السَّابِع وتجويزه بعيد جدا (11 12 أَو متأول إِلَى آخِره فَالرِّوَايَة بطرِيق الوجادة لم

ص: 550

يخْتَلف إِلَّا فِي أَنه لَا يجوز الرِّوَايَة بهَا وَقد نقلنا الْخلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّة بالكتب مؤول على إِرَادَة الرِّوَايَة بالوجادة مَعَ كَونه لَا يَقُول بِصِحَّة الرِّوَايَة غلط ظَاهر (4 5 6 7 8 9) إِلَى آخِره

ص: 551

اعْلَم أَنه (1) لوجد (2) مصدران آخرَانِ لم يذكرهما وهما جدة فِي الْغَضَب وَفِي الْغنى وإجدان بِكَسْر الْهمزَة حَكَاهُمَا ابْن الْأَعرَابِي وَلَيْسَ لنا شَيْء مِنْهَا لَيْسَ لَهُ مصدر وَاحِد إِلَّا الْحبّ فَإِن مصدره وجد بِالْفَتْح لَا غير قَالَه ابْن سَيّده (3) وَكَذَلِكَ هُوَ مصدر وجد بِمَعْنى حزن قَالَه الْجَوْهَرِي (4) وَأما فِي الْمَطْلُوب فَلهُ مصدران وجود ووجدان حَكَاهُمَا صَاحب الْمَشَارِق فَقَالَ الوجادة إِلَى آخِره (5)

كَذَا فسروا الوجادة بوجدان سَماع الْغَيْر وَهِي فِي الْحَقِيقَة هَذَا الْقسم ووجدان سَماع نَفسه بِخَطِّهِ وبخط غَيره المروية [فِي](6) السَّادِس وَالْعِشْرين أَنه يجوز (عِنْد رَأَيْته فِي حَقه)(7)

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم (8) الْبَلْخِي (9) إِن المجوزين فِي هَذَا الْقسم أَن يَقُول

ص: 552

أخبرنَا فلَان عَن فلَان احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إِذا وجد سَمَاعه بِخَط موثوف بِهِ كَانَ [لَهُ أَن](1) يَقُول أخبرنَا فلَان فها هُنَا كَذَلِك (2)

352 -

(قَوْله) فَلهُ أَن يَقُول وجدت بِخَط فلَان (4 5 6 7 8 9 10 يُقَال بل عده من التَّعْلِيق أولى من الْمُرْسل والمنقطع

ص: 553

354 -

(قَوْله) فروينا عَن بعض الْمَالِكِيَّة أَن الْمُعظم على أَنه لَا يعْمل بهَا (3 4 5 6 7 قَالَ قوم يأْتونَ بعدكم يَجدونَ صحفا يُؤمنُونَ بِمَا فِيهَا (4) وَهُوَ استنباط حسن

ص: 554

قَالَ وَلم يبْق فِي زَمَاننَا إِلَّا مُجَرّد وجادات

ص: 555