المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخر كِتَابه قد روى عَن أبان بن - النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي - جـ ٣

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخر كِتَابه قد روى عَن أبان بن

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخر كِتَابه قد روى عَن أبان بن أبي عَيَّاش (1)(2) غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَإِن كَانَ فِيهِ من الضعْف والغفلة مَا وَصفه أَبُو عوَانَة وَغَيره فَلَا يغتر بِرِوَايَة الثِّقَات عَن النَّاس (3) فَهَذَا مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ من الْأُصُولِيِّينَ

‌تَنْبِيه

اعْترض الشَّيْخ تَاج الدّين التبريزي على كَلَام المُصَنّف هُنَا وَقَالَ إِنَّه غير ظَاهر فِي الْمَقْصُود لِأَنَّهُ إِن كَانَ المُرَاد بِظَاهِر الْعَدَالَة من شهد عَدْلَانِ على عَدَالَته فَلَا نزاع فِي قبُول شَهَادَته وَرِوَايَته فِي ظَاهر الشَّرْع وَإِن كَانَ بَاطِنه بِخِلَاف الظَّاهِر وَإِن كَانَ المُرَاد مَا اشْتهر بِالْعَدَالَةِ بَين النَّاس فَلَا نزاع فِيهِ وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك فَلَا نسلم أَنه يُقَال لَهُ ظَاهره الْعَدَالَة

وَأما قَوْله بِخِلَاف الشَّهَادَة فَإِنَّهُ اعْتبر فِيهِ الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا فَفِيهِ بحث فَإِن المعدلين إِذا غلب على ظنهما صَلَاح رجل بعد الِاعْتِبَار والصحبة وشهدا بعدالته يعْتَبر تعديلهما قطعا وَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَة الرجل الْمعدل وَإِن كَانَ فِي الْبَاطِن غير عدل

قلت مُرَاده بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة الْعلم بِعَدَمِ الْفسق وَأما الْبَاطِنَة فَهِيَ الَّتِي يرجع فِيهَا إِلَى أَقْوَال المزكين وَقد صرح بذلك الْأَصْحَاب فِي كتاب الصّيام وَحِينَئِذٍ لَا يَصح الِاعْتِرَاض فَإِنَّهُ لم يرد بالباطنة مَا فِي نفس الْأَمر بل مَا يثبت عِنْد الْحَاكِم

ص: 378

وَإِنَّمَا جرى فِيهِ خلاف من جِهَة أَن شَرط قبُول الرِّوَايَة هَل هُوَ الْعلم بِالْعَدَالَةِ أَو عدم الْعلم بِالْفِسْقِ فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ لم يقبل المستور وَإِلَّا قبلناه وَهَذَا مُتَوَقف على ثُبُوت الْوَاسِطَة بَين الْعَدَالَة وَالْفِسْق وَذَلِكَ بِاعْتِبَار مَا يظْهر من تزكيته وَعدمهَا وَلِهَذَا فرق المحدثون بَين الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف فَالصَّحِيح رِوَايَة الْعدْل وَالْحسن رِوَايَة المستور (1) والضعيف رِوَايَة الْمَجْرُوح

وَاعْلَم أَنه لَا يشكل على من لم يقبل رِوَايَة المستور تَصْحِيح النِّكَاح بِحَضْرَة شَاهِدين مستوري الْعَدَالَة لِأَن ذَلِك عِنْد (2) المتحمل وَلِهَذَا لَو رفع العقد بهما إِلَى حَاكم لم يحكم بِصِحَّة العقد كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة (3) عَن الشَّيْخ أبي حَامِد (4) وَغَيره

251 -

(قَوْله) الْمَجْهُول الْعين إِلَى آخِره (9 وَاحِد وَهَذَا اصْطِلَاح وَإِلَّا (5) فالمجهول على

ص: 379

الْحَقِيقَة نَحْو شيخ وَرجل (1) مِمَّن لَا تعرف عينه وَلَا اسْمه وَهَذَا لَا يخْتَلف فِي رد رِوَايَته وَقد اسْتشْكل بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من الرِّوَايَة عَن جمَاعَة نسبوا للْجَهَالَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق شُعْبَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب (2) وَابْنه مُحَمَّد (3) كِلَاهُمَا عَن مُوسَى بن طَلْحَة (4) عَن أبي أَيُّوب حَدِيث السَّائِل أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة (5)

ص: 380

وَقد قَالُوا مُحَمَّد بن عُثْمَان مَجْهُول (1)

وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم عَن أبي يحيى مولى آل (2) جعدة (3)(4) عَن أبي هُرَيْرَة مَا عَابَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَعَاما قطّ (5) وَأَبُو يحيى مَجْهُول الْعين

ص: 381

وَالْجَوَاب أَنه لم يَقع الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة من ذكر على الِاسْتِقْلَال أما مُحَمَّد بن عُثْمَان فَلم يخرج لَهُ إِلَّا مَقْرُونا بِأَبِيهِ عُثْمَان وَأَبوهُ هُوَ الْعُمْدَة فِي الِاحْتِجَاج وَكَذَلِكَ أَبُو يحيى إِنَّمَا أخرج مُسلم حَدِيثه مُتَابعَة كَحَدِيث ثِقَة مَشْهُور فَإِن مُسلما رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة فَصَارَ حَدِيث أبي يحيى (1) مُتَابعَة

252 -

(وَقَوله) وَمن روى عَنهُ عَدْلَانِ وَعَيناهُ فقد ارْتَفَعت عَنهُ هَذِه الْجَهَالَة وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا أَن الْمَجْهُول (د 84) عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث كل من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَمن لم يعرف حَدِيثه إِلَّا من

ص: 382

جِهَة راو وَاحِد مثل عَمْرو ذِي مر (1) إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 عَنهُ غير الْوَلِيد بن مُسلم (8)

ص: 383

وَقَالَ فِي (أ 143) مَوضِع آخر سَأَلت أَبَا دَاوُد عَن عبيد الله بن عَمْرو بن غَانِم (1) فَقَالَ أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة مَا أعلم حدث عَنهُ غير الشّعبِيّ لقِيه بالأندلس (2) وَهَذَا ظَاهر تصرف ابْن حبَان فِي كتاب الثِّقَات أَعنِي الِاكْتِفَاء فِي الْعَدَالَة بِرِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة وَنقل ذَلِك بَعضهم عَن النَّسَائِيّ أَيْضا وَبِه صرح ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم وَالْإِيهَام وَنَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي وَأهل الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي

وَقَالَ أَبُو بكر (3) مُحَمَّد بن خلفون فِي كتاب الْمُنْتَقى اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة عَن الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف حَاله فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه تَعْدِيل لَهُ وتقوية وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن عَنهُ يرفع عَنهُ الْجَهَالَة وَإِن لم تعرف حَاله وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع بروايتهما عَنهُ حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَإِن جهل نسبه وَقَالَ وَهَذَا أولى عندنَا بِالصَّوَابِ

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ (4) الْحق أَنه مَتى عرف عَدَالَة الرَّاوِي قبل خَبره سَوَاء روى عَنهُ وَاحِد أَو أَكثر وعَلى هَذَا كَانَ الْحَال فِي الْعَصْر الأول من الصَّحَابَة وتابعيهم إِلَى أَن تنطع المحدثون انْتهى

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رسَالَته للجويني الَّذِي عندنَا من مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَنَّهُمَا شرطا أَن يكون للصحابي الَّذِي يرْوى عَنهُ الحَدِيث راويان فَأكْثر ليخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَهَكَذَا من دونه ثمَّ إِن انْفَرد أحد الراويين (5) عَنهُ بِحَدِيث

ص: 384

وَانْفَرَدَ الاخر بِحَدِيث آخر قبلاه وَإِنَّمَا يتوقفان فِي رِوَايَة صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ لَا يكون لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كصفوان بن عَسَّال (1) لم يرو عَنهُ من الثِّقَات إِلَّا الشّعبِيّ قَالَ وَهَذَا عِنْد الشَّافِعِي وَغَيره من الْأُصُولِيِّينَ حجَّة إِذا كَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة (2) انْتهى

وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار فِي الْكَلَام على حَدِيث حَكِيم بن حزَام لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك (3)

ص: 385

لَا أعلم لعبد الله بن عصمَة (1) جرحة إِلَّا من لم يرو عَنهُ إِلَّا رجل وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم إِلَّا أَنِّي أَقُول إِن كَانَ مَعْرُوفا [بالثقة] وَالْأَمَانَة وَالْعَدَالَة فَلَا يضرّهُ إِذا لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد (3) انْتهى

وَقَالَ الإِمَام أثير الدّين أَبُو حَيَّان (4) فِي بعض أَمَالِيهِ قد زعم بعض من عاصرناه أَنه لَا تَنْتفِي الْجَهَالَة عَن الشَّخْص وَإِن روى عَنهُ اثْنَان وَهَذَا مُخَالف لقَوْل الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن (5) قَالَ والجهالة أَمر نسبي رب شخص يكون مَجْهُولا عِنْد شخص يكون غير مَجْهُول عِنْد آخر هَذَا أَبُو حَاتِم صَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل سَأَلَهُ

ص: 386

ابْنه عَن أبان بن حَاتِم (1) الَّذِي روى عَنهُ هِشَام بن عبد الْملك الفخذمي فَقَالَ مَجْهُول (3) وَلَيْسَ بِمَجْهُول فقد روى [عَنهُ](4) مُحَمَّد بن الْمُصَفّى ذكر ذَلِك الإِمَام أَبُو عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد فِي مُسْنده فَقَالَ أَنا مُحَمَّد بن الْمُصَفّى (5)(6) أَنا أبان بن حَاتِم أَبُو سَلمَة الْحِمصِي

فَهَذَا أبان قد روى [عَنهُ](8) الفخذمي وَابْن الْمُصَفّى (7) وَخرج بذلك عَن الْجَهَالَة

وَهَذَا أَيْضا أَبُو مُحَمَّد بن حزم أسْند فِي حجَّة الْوَدَاع حَدِيثا فِي سَنَده عبيد الله [بن](9)

ص: 387

مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن حبابة (1) وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ (2)[وَقَالَ](3) مَجْهُولَانِ هَذَا وهما من الشُّهْرَة فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَة الروَاة عَنْهُمَا بِالْمحل الَّذِي يعرفهُ أهل الحَدِيث وَمَعَ ذَلِك فقد جهلهما ابْن حزم على سَعَة مَعْرفَته قلت وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كتاب الإيصال أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ مَجْهُول (4)

ص: 388

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن رشيد قَول من قَالَ لَا يخرج عَن الْجَهَالَة إِلَّا بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ إِن أَرَادَ الْخُرُوج عَن جَهَالَة الْعين فَلَا شكّ أَن رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة تخرجه عَن ذَلِك إِذا سَمَّاهُ وَنسبه وَإِن أَرَادَ جَهَالَة الْحَال فالحال كَمَا لَا يعلم من رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة عَنهُ مَا لم يُصَرح بهما كَذَلِك لَا يعلم من رِوَايَة الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَن يُصَرح أَو يكون مِمَّن يعلم أَنه لَا يروي (أ 144) إِلَّا عَن ثِقَة فَلَا فرق بَين الْوَاحِد والاثنين نعم كَثْرَة رِوَايَات الثِّقَات عَن الشَّخْص تقَوِّي حسن الظَّن بِهِ وَظَاهر (1) كَلَام بَعضهم أَنهم جَهَالَة الْحَال لَا جَهَالَة الْعين (2)

253 -

(قَوْله)(3) رادا على الْخَطِيب قد روى عَن الهزهاز الثَّوْريّ أَيْضا (9 10 أبي حَاتِم (7) وَهُوَ أَصْغَر من الثَّوْريّ وَتَأَخر بعده مُدَّة فَلَعَلَّ الهزهاز [تَأَخّر بعد

ص: 389

الشّعبِيّ وسمى ابْن أبي حَاتِم أَبَا الهزهاز] (1) مَازِن بِالْألف لَا بِالْيَاءِ (2) كَمَا وَقع فِي المُصَنّف وَلَعَلَّ بَعضهم أماله فَكَتبهُ [بِالْيَاءِ](3)(4)

254 -

(قَوْله) إِلَّا أَنه لَا يثبت لَهُ حكم الْعَدَالَة بروايتهما عَنهُ (4 5 6 7 8 9 10 من الصَّحَابَة كَذَلِك وَلَا شكّ أَن مرداسا (7)

ص: 390

وَرَبِيعَة (1) صحابيان مشهوران فمرداس من أهل الشَّجَرَة وَرَبِيعَة من أهل الصّفة وَالصَّحَابَة كلهم عدُول فَلَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم لَو ثبتَتْ وَقَالَ الْحَاكِم إِن الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف إِذا [لم نجد لَهُ رَاوِيا غير التَّابِعِيّ الْوَاحِد الْمَعْرُوف](2) احتججنا بِهِ وصححنا حَدِيثه إِذْ هُوَ على شَرطهمَا جَمِيعًا (3)

الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن قد روى عَنْهُمَا أَكثر من وَاحِد أما مرداس فقد روى عَنهُ أَيْضا زِيَاد بن علاقَة (4) وَأما ربيعَة فروى عَنهُ أَيْضا نعيم المجمر (5) وحَنْظَلَة بن عَليّ (6)

ص: 391

قيل مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء (1) وَأَبُو عمرَان الْجونِي (2)

قَالَ النَّوَوِيّ وَلِأَن الْخَطِيب شَرط فِي الْمَجْهُول أَن لَا يعرفهُ الْعلمَاء وَهَذَانِ معروفان عِنْدهم مشهوران قَالَ وَالصَّوَاب مَا ذكره الْخَطِيب وَهُوَ لم يقلهُ عَن اجْتِهَاد بل نَقله عَن أهل الحَدِيث قَالَ وَحصل مِمَّا ذَكرْنَاهُ من اشتهار مرداس وَرَبِيعَة أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا لم يخالفا نقل الْخَطِيب عَن اهل الحَدِيث قَالَ وَقد حكى الشَّيْخ فِي النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ (3) عَن ابْن عبد الْبر أَن من لم يرو عَنهُ غير راو وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم إِلَّا أَن يكون رجلا مَشْهُورا فِي غير تحمل الْعلم كاشتهار مَالك بن دِينَار (4)

ص: 392

فِي الزّهْد وَعَمْرو (1) بن معدي كرب (2) بالنجدة انْتهى (3)

وَفِي أَمْرَانِ

أَحدهمَا (أ 85) يرد على إِطْلَاق [الْخَطِيب](4) الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن الجارودي (5) لم يرو عَنهُ إِلَّا وَلَده الْمُنْذر (6) وَقد خرج الشَّيْخَانِ حَدِيثه (7) عَن أَبِيه وَكَذَلِكَ حُصَيْن بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ (8) احتجا بِهِ وَلم يرو عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ

ص: 393

وَاحْتج البُخَارِيّ بجويرية بن قدامَة (1) وَلم يرو عَنهُ إِلَّا أَبُو جَمْرَة الضبعِي (2) وَبِعَبْد الله ابْن وَدِيعَة الْأنْصَارِيّ (3) وَلم يرو عَنهُ سوى أبي سعيد المَقْبُري (4) وبعمر بن [مُحَمَّد ابْن](5) جُبَير بن مطعم (6) لم يرو عَنهُ سوى بكير بن عبد الله الْأَشَج (7) وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام (8) وَمَا روى عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ

ص: 394

وَهَؤُلَاء كلهم موثقون لَهُم تراجم مسطورة وَيَكْفِي تَخْرِيج أحد الشَّيْخَيْنِ لَهُم لِأَنَّهُ لَوْلَا معرفتهم لما خرج لَهُم وَلَا سِيمَا من روى عَنهُ إِمَام جليل كالزهري (1)(أ 145)

الثَّانِي مُوَافَقَته الْخَطِيب على أَن ذَلِك قَول أهل الحَدِيث فِيهِ نظر لما سبق بَيَانه قَرِيبا وَأَن مدَار كَلَامهم على الْمعرفَة بِالرجلِ الثِّقَة سَوَاء روى عَنهُ الْوَاحِد أَو الِاثْنَان وَقد ذكر البرديجي الْحَافِظ فِي كتاب الْمُتَّصِل والمنقطع حَدِيثا لَا تصاب (2) عِنْد الرجل الْوَاحِد لم يضر أَلا يرويهِ غَيره إِذا كَانَ متن الحَدِيث مَعْرُوفا وَلَا يكون مُنْكرا وَلَا معلولا

256 -

(قَوْله) وَذَلِكَ مِنْهُمَا مصير إِلَى أَن الرَّاوِي قد يخرج عَن كَونه مَجْهُولا بِرِوَايَة وَاحِد عَنهُ (9 10 11 1)

يَعْنِي أَن أصل الرِّوَايَة يثبت بِوَاحِد وَالتَّعْدِيل فِيهَا يَكْفِي بِوَاحِد فَيَنْبَغِي أَن

ص: 395

يكون الْجَهَالَة فِيهَا ترْتَفع بِالْوَاحِدِ

258 -

(قَوْله) التَّاسِعَة اخْتلفُوا فِي قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا لم يكفر ببدعته (3 4 5 6 عَن

ص: 396

الْجَانِب (1) الاخر وَقد نقل ابْن حبَان أَيْضا فِيهِ الِاتِّفَاق على الْقبُول قَالَ فِي تَارِيخ الثِّقَات فِي تَرْجَمَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي (2) لَيْسَ بَين أهل الحَدِيث من أَئِمَّتنَا خلاف فِي أَن الصدوق المتقن (3) إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة [وَلم يكن يَدْعُو إِلَيْهَا أَن الِاحْتِجَاج بأخباره جَائِز فَإِن دَعَا إِلَى](4) بدعته سقط (5) الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ (6)(7) انْتهى

وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي رويت عَن أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير (8) - وَكَانَ مرجئا - وَلم ترو عَن شَبابَة بن سوار (9) - وَكَانَ قدريا - قَالَ لِأَن أَبَا مُعَاوِيَة لم يكن يَدْعُو إِلَى الإرجاء وشبابه كَانَ يَدْعُو إِلَى الْقدر (10)

وَفِي الْمَسْأَلَة قَول رَابِع لم يحكه المُصَنّف أَنه تقبل أخباره مُطلقًا وَإِن كَانُوا كفَّارًا

ص: 397

أَو فساقا بالتأويل (1) حَكَاهُ الْخَطِيب (2) وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان الْبِدْعَة على ضَرْبَيْنِ صغرى كغلو التَّشَيُّع [أَو كالتشيع](3) بِلَا غلو فَهَذَا كثير فِي التَّابِعين وتابعيهم مَعَ الدّين والورع والصدق فَلَو رد حَدِيث هَؤُلَاءِ لذهبت جملَة من الْآثَار النَّبَوِيَّة ثمَّ بِدعَة كبرى كالرفض الْكَامِل والحط على الشَّيْخَيْنِ وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك فَهَذَا النَّوْع لَا يحْتَج بهم وَلَا كَرَامَة قَالَ وَأَيْضًا فَمَا أستحضر الْآن من هَذَا الضَّرْب رجلا صَادِقا وَلَا ملعونا بل الْكَذِب شعارهم والنفاق دثارهم فَكيف يقبل نقل من هَذَا حَاله حاشا وكلا قَالَ والشيعي الغالي فِي زمن السّلف وعرفهم هُوَ من يتَكَلَّم (4) فِي (5) عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة [وَمُعَاوِيَة](6) وَطَائِفَة مِمَّن حَارب عليا رضي الله عنه وَتعرض لسبهم

والغالي فِي زَمَاننَا وعرفنا الَّذِي يكفر هَؤُلَاءِ السَّادة فَهَذَا ضال معثر (7)

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر اخْتلف النَّاس فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث الرافضة على ثَلَاثَة اقوال أَحدهمَا الْمَنْع مُطلقًا وَالثَّانِي الترخيص مُطلقًا إِلَّا فِيمَن يكذب وَيَضَع

وَالثَّالِث التَّفْصِيل فَتقبل رِوَايَة الرافضي الصدوق الْعَارِف بِمَا يحدث وَترد رِوَايَة الداعية وَلَو كَانَ صَدُوقًا (8)

ص: 398

قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك عَن الرافضة قَالَ لَا نكلمهم وَلَا نروي عَنْهُم فَإِنَّهُم يكذبُون (1) وَقَالَ حَرْمَلَة (2) سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول لم أر (3) أشهد بالزور من الرافضة (4) وَقَالَ يزِيد بن هَارُون يكْتب عَن كل صَاحب بِدعَة (أ 164) إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَّا الرافضة فَإِنَّهُم يكذبُون (5)

رَابِعهَا أَن مَا عزاهُ أَولا للشَّافِعِيّ قَالَ فَخر الدّين فِي الْمَحْصُول إِنَّه الْحق (6) وَحَكَاهُ الْحَاكِم فِي الْمدْخل عَن أَكثر أَئِمَّة الحَدِيث (7) وَرجحه الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَقَالَ الَّذِي تقرر عندنَا أَنه لَا يعْتَبر الْمَذْهَب (8) فِي الرِّوَايَة إِذْ لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة إِلَّا بإنكار قَطْعِيّ (9) من الشَّرِيعَة فَإِذا اعْتبرنَا (10) ذَلِك وانضم إِلَيْهِ التَّقْوَى والورع فقد حصل مُعْتَمد الرِّوَايَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي حَيْثُ يقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء (11) قَالَ وأعراض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على

ص: 399

شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام (1)

قلت وَنقل الخليلي فِي الْإِرْشَاد أَن الشَّافِعِي كَانَ يَقُول فِي إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى حَدثنَا الثِّقَة فِي حَدِيثه الْمُتَّهم فِي دينه لِأَنَّهُ كَانَ يرى الْقدر (2) وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمدْخل كَانَ مُحَمَّد بن خُزَيْمَة (3) يَقُول حَدثنَا الصَّادِق فِي رِوَايَته الْمُتَّهم فِي دينه عباد بن يَعْقُوب (4)(5)

خَامِسهَا علل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عدم قبُول الداعية بإهانته وَبنى عَلَيْهِ قبُول رِوَايَته فِيمَا لم يروه [غَيره](6) كتقديم مصلحَة الحَدِيث على إهانته ورد مَا وَافق بدعته من رد الشَّهَادَة بالتهمة (7)

259 -

(قَوْله) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الرِّوَايَة عَن المبتدعة غير الدعاة (8 مِنْهُم عمرَان بن حطَّان الْخَارِجِي (8) مادح عبد الرَّحْمَن بن

ص: 400

ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَهَذَا من أكبر الدعْوَة إِلَى الْبِدْعَة خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَزعم جمَاعَة أَنه من دعاة الشراة (1)

وَمِنْهُم عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن (2) أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي كَانَ دَاعِيَة إِلَى الإرجاء وَغير ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه لَا فرق (3) وَلذَلِك

ص: 401

أطلق الشَّافِعِي النَّص الْمَشْهُور عَنهُ وَهُوَ قَوْله أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية (1)

وَقَالَ فِي الْأُم ذهب النَّاس فِي تَأْوِيل الْقُرْآن وَالسّنة إِلَى أُمُور تباينوا فِيهَا تباينا شَدِيدا وَاخْتلفُوا اخْتِلَافا بَعيدا (2) فَلم نر أحدا مِنْهُم رد شَهَادَة أحد بِتَأْوِيل وَإِن خطأه (3) وضلله وَرَآهُ اسْتحلَّ مَا حرم الله (4) انْتهى

وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة فِي كتاب الشَّهَادَات كَانَ البُخَارِيّ يؤلف الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة بَين الْقَبْر والمنبر قَالَ فرويت عَن مُحَمَّد بن محيريز فغلبتني عَيْنَايَ فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ تروي عَن ابْن محيريز وَهُوَ

ص: 402

يطعن فِي اصحابي وَكَانَ خارجيا قَالَ مُحَمَّد فَقلت يَا رَسُول الله لكنه ثِقَة فَقَالَ (1) النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه ثِقَة فارو عَنهُ قَالَ فَكنت أروي عَنهُ بعد ذَلِك لأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (2) انْتهى

وَهَذِه الْحِكَايَة لَا يعرف لَهَا إِسْنَاد إِلَى البُخَارِيّ وَفِي صِحَّتهَا نظر وَلَيْسَ فِي رجال البُخَارِيّ من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز لَكِن فِي التَّابِعين من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز (د 86) وَهُوَ من سَادَات أهل الشَّام لَهُ تَرْجَمَة عَظِيمَة فِي تَارِيخ دمشق (3)

وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ حريز بن عُثْمَان (4) أَوله حاء مُهْملَة وَآخره زَاي مُعْجمَة فَإِنَّهُ ينْسب إِلَى أنحراف عَن عُثْمَان - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقيل لم يَصح عَنهُ وَقيل رَجَعَ عَن ذَلِك الرَّأْي وَالَّذِي (5) عوتب فِي الْمَنَام عَن الرِّوَايَة عَنهُ هُوَ يزِيد بن هَارُون وَقد أوضح ذَلِك الْحَافِظ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي تَرْجَمَة حريز من تَارِيخ دمشق وَهَذِه الْحِكَايَة لَيست بصحيحة وَقد كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ على جلالته فِي

ص: 403

الْعلم فِي الْأُمُور النقلية [و](1) فِي كتاب (أ 147) النِّهَايَة (2) من ذَلِك عدَّة أَوْهَام كَالَّذي ذكره فِي حَدِيث الْبَسْمَلَة (3) وَعمرَة الْجِعِرَّانَة (4) وَغسل أَسمَاء بنت عُمَيْس للْإِحْرَام (5) وَغير ذَلِك (6)

260 -

(قَوْله) الْعَاشِرَة التائب من الْكَذِب فِي حَدِيث النَّاس وَغَيره إِلَى آخِره

فِيهِ أُمُور

ص: 404

أَحدهمَا مَا نَقله عَن هَؤُلَاءِ وَاخْتَارَهُ من عدم قبُول التائب من الْكَذِب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَقله الْحَازِمِي فِي كِتَابه الشُّرُوط عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَرَافِع بن الأشرس (1) وَأبي نعيم (2) وَغَيرهم من السّلف وَاخْتَارَهُ (3) وَلم يُوَافق على ذَلِك النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي مُخْتَصره هَذَا مُخَالف لقاعدة مَذْهَبنَا وَمذهب غَيرنَا وَلَا يُقَوي الْفرق بَينه وَبَين الشَّهَادَة (4) أَي فَإِن الشَّاهِد لَو كذب على (5) ثمَّ تَابَ لقبلت شَهَادَته فَهَذَا نقبل رِوَايَته

وَقَالَ فِي شرح مُسلم هَذَا القَوْل ضَعِيف وَالْمُخْتَار الْقطع بِصِحَّة (6) تَوْبَته فِي هَذَا وَقبُول رواياته بعْدهَا إِذا صحت تَوْبَته بشروطها وَقد أَجمعُوا على صِحَة رِوَايَة من كَانَ كَافِرًا وَأسلم كَمَا تقبل شَهَادَته فَقَالَ وَحجَّة من ردهَا أبدا وَإِن حسنت حَالَته (7) التَّغْلِيظ وتعظيم الْعقُوبَة فِيمَا وَقع فِيهِ وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على غَيْرِي (8) انْتهى (9)

قلت وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الشَّيْخ من أَنه مُخَالف لمذهبنا مَمْنُوع فَإِن جُمْهُور الْأَصْحَاب عَلَيْهِ مِنْهُم الطَّبَرِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ كَمَا نَقله ابْن الصّلاح وَقد حَكَاهُ

ص: 405

عَن الصَّيْرَفِي القَاضِي أَبُو الطّيب وَلم يُخَالِفهُ وَمِنْهُم الْقفال (1) الْمروزِي (2) فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْبَحْر فِي بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة فَقَالَ قَالَ الْقفال إِذا أقرّ الْمُحدث بِالْكَذِبِ لم يقبل حَدِيثه أبدا وَحكى ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب عِنْد الْكَلَام فِيمَا إِذا بَان فسق الشَّاهِد عَن الْمَاوَرْدِيّ إِن الرَّاوِي إِذا كذب فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم ردَّتْ جَمِيع أَحَادِيثه السالفة وَوَجَب نقض مَا حكم بِهِ مِنْهَا وَإِن لم ينْقض (3) الحكم بِشَهَادَة من حدث فسقه بِأَن الحَدِيث حجَّة لَازِمَة لجَمِيع (4) الْمُسلمين وَفِي جَمِيع الْأَمْصَار وَكَانَ (5) حكمه أغْلظ وَلم يتعقبه ابْن الرّفْعَة بنكير

وَحَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة عَن الْحميدِي وَقَالَ إِنَّه الْحق (6)

وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن الدَّلِيل يعضده وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد وَلِهَذَا حكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن وَالِده أَن من تعمد الْكَذِب على النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكفر (7)

ص: 406

وَقد فرق أَصْحَابنَا بَين الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَلَا بدع أَن (1) هَذَا مِنْهَا نعم قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي (2) من أَصْحَابنَا وَهُوَ فِي طبقَة القَاضِي أبي الطّيب لايقبل فِيمَا رد وَيقبل فِي غَيره اعْتِبَارا بِالشَّهَادَةِ حَكَاهُ القَاضِي من الْحَنَابِلَة عَنهُ أَنه أَجَابَهُ بذلك لما سَأَلَهُ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة (3)

فَحصل فِيهَا وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا وأصحهما لَا تقبل

وَأما قَوْله إِنَّه مُخَالف لمَذْهَب غَيرنَا فَمَمْنُوع فقد حكى الْخَطِيب عَن عبيد الله بن أَحْمد الْحلَبِي (4) قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحدث كذب فِي حَدِيث وَاحِد ثمَّ تَابَ وَرجع قَالَ تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وجل وَلَا يكْتب عَنهُ حَدِيث أبدا (5)

ص: 407

لَكِن القَاضِي من الْحَنَابِلَة حكى أَنه سَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ (1) فَقَالَ يقبل حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره بِخِلَاف شَهَادَته إِذا ردَّتْ ثمَّ تَابَ لَا تقبل تِلْكَ خَاصَّة قَالَ لِأَن هُنَاكَ حكما من حَاكم بردهَا (2) فَلَا تقبل (3) ورد الْخَبَر مِمَّن روى لَهُ لَيْسَ بِحكم (4)

وَهَذَا توسع مفرط وَحصل فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب

أَصَحهَا لَا يقبل مُطلقًا (أ 148) وَعَلِيهِ أهل الحَدِيث وَجُمْهُور الْعلمَاء

وَثَانِيها يقبل مُطلقًا حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره وَهُوَ أضعفها

وَالثَّالِث لَا يقبل الْمَرْدُود وَيقبل فِي غَيره وَهُوَ أوسطها وَهَذَا كُله فِي الْمُعْتَمد (5) بِلَا تَأْوِيل فَأَما من كذب فِي فَضَائِل الْأَعْمَال مُعْتَقدًا (6) أَن هَذَا لَا يضر ثمَّ عرف ضَرَره فَتَابَ فَالظَّاهِر قبُول رِوَايَته (7) وَكَذَا [من كذب](8) دفعا لضَرَر يلْحق

ص: 408

من الْعَدو وَتَابَ عَنهُ

الْأَمر الثَّانِي مَا نَقله عَن الصَّيْرَفِي من الْإِطْلَاق يَقْتَضِي أَنه لم يفرق فِي الرَّد بَين حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا مُطلقًا كَذَا حَكَاهُ عَنهُ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي شرح الْكِفَايَة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله هُنَا من أهل النَّقْل وتقييده بالمحدث فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالدلائل والإعلام فِي اصول الْفِقْه فَقَالَ وَلَيْسَ يطعن على الْمُحدث إِلَّا أَن يَقُول تَعَمّدت الْكَذِب فَهُوَ كَاذِب فِي الأول وَلَا يقبل خَبره بعد ذَلِك انْتهى

نعم كَلَام ابْن حزم فِي كِتَابه الإحكام يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ من أسقطنا حَدِيثه لم نعد لقبوله أبدا وَمن احتججنا بِهِ لم نسقط رِوَايَته أبدا (1) وَكَذَا قَالَه أَبُو حَاتِم بن حبَان (2)

الْأَمر الثَّالِث احْتَرز بقوله مُتَعَمدا عَمَّا (3) إِذا قَالَ كنت أَخْطَأت وَلم أتعمد الْكَذِب فَإِن ذَلِك يقبل مِنْهُ قَالَه الصَّيْرَفِي وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب وَعَلِيهِ جرى الْخَطِيب (4) وَغَيره

الْأَمر الرَّابِع مَا نَقله عَن السَّمْعَانِيّ الرَّد بكذبة وَاحِدَة هُوَ مَا سبق نَقله عَن أَحْمد لَكِن حُكيَ عَن أَحْمد أَيْضا أَن الكذبة الْوَاحِدَة لَا ترد بهَا الشَّهَادَة فَكَذَا الرِّوَايَة لَا جرم [و](5) حكى ابْن عقيل من أَصْحَابه عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ عدم الْقبُول (6)

ص: 409